الثلاثاء، 20 فبراير 2018

ما حكم الجماعة الثانية عمرو العدوي أبو حبيبة



حكم الجماعة الثانية

عمرو العدوي


أبو حبيبة


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في ما حكم الجماعة الثانية
 بيَّنت فيها بإيجاز: أقوال العلماء ودليل كل فريق وذكرت القول الراجح من أَقوالهم 0
أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن يرحمني يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.
إقامة جماعة ثانية في مسجد واحد على ثلاثة أقسام:
[1] مسجد في السوق، أو في طريق الناس وممرِّهم: يتعاقب عليه الناس فوجًا بعد فوج، فهذا يجوز تكرار الجماعة فيه ، من غير كراهة قال النووي في المجموع [4/222] : إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَأَكْثَرَ بِالْإِجْمَاعِ اهـ قلت : المسألة ليس فيها إجماع قال ابن رجب في فتح الباري (6/ 9) : ومتى لَمْ يكن للمسجد إمام راتب لَمْ يكره إعادة الجماعة فِيهِ عِنْدَ أحد من العلماء، مَا خلا الليث بْن سعد، فإنه كره الإعادة فِيهِ - أيضاً اهـ 
[2] أن تكون إقامة الجماعتين راتبة بحيث يجعل للمسجد إمامان أحدهما يصلي أول الوقت, والثاني آخره, فهذا بدعة لا إشكال فيه, لأنه لم يرد عن السلف, وفيه تفريق الناس, وإدخال الكسل عليهم انظر مجموع فتاوى [15/83]
[3] مسجد حيٍّ له إمام راتب: فهذا تنازع العلماء فيه على قولين
القول الأول : قَالَ سَالِمٌ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَأَيُّوبُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَاللَّيْثُ، وَالْبَتِّيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُعَادُ الْجَمَاعَةُ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ، فِي غَيْرِ مَمَرِّ النَّاسِ. فَمَنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ، صَلَّى مُنْفَرِدًا؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَالْعَدَاوَةِ وَالتَّهَاوُنِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ انظر المغني (2/ 133)
ودليلهم : 1-  قال تعالى : { والذين اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 107]
قال ابن العربي في أحكام القرآن (2/ 582) : قَوْلُهُ: {وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107]: يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا جَمَاعَةً وَاحِدَةً فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا شَمْلَهُمْ فِي الطَّاعَةِ، وَيَنْفَرِدُوا عَنْهُمْ لِلْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَكْثَرَ وَالْغَرَضَ الْأَظْهَرَ مِنْ وَضْعِ الْجَمَاعَةِ تَأْلِيفُ الْقُلُوبِ، وَالْكَلِمَةُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَقْدُ الذِّمَامِ وَالْحُرْمَةُ بِفِعْلِ الدِّيَانَةِ، حَتَّى يَقَعَ الْأُنْسُ بِالْمُخَالَطَةِ؛ وَتَصْفُوَ الْقُلُوبُ مِنْ وَضَرِ الْأَحْقَادِ وَالْحَسَادَةِ.
وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَفَطَّنَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قَالَ: " إنَّهُ لَا تُصَلِّي جَمَاعَتَانِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَلَا بِإِمَامَيْنِ، وَلَا بِإِمَامٍ وَاحِدٍ " خِلَافًا لِسَائِرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ تَشْتِيتًا لِلْكَلِمَةِ، وَإِبْطَالًا لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ، وَذَرِيعَةً إلَى أَنْ نَقُولَ: مَنْ أَرَادَ الِانْفِرَادَ عَنْ الْجَمَاعَةِ كَانَ لَهُ عُذْرٌ، فَيُقِيمُ جَمَاعَتَهُ، وَيُقِيمُ إمَامَتَهُ؛ فَيَقَعُ الْخِلَافُ، وَيَبْطُلُ النِّظَامُ، وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَهَكَذَا كَانَ شَأْنُهُ مَعَهُمْ، وَهُوَ أَثْبَتُ قَدَمًا مِنْهُمْ فِي الْحِكْمَةِ، وَأَعْلَمُ بِمَقَاطِعِ الشَّرِيعَةِ اهـ
قال المجيزون : هذه الآية تتكلم عن أهل النفاق، الذين قصدوا مخالفة الجماعة، واتخذوا مسجدا ضرارا لمسجد قباء، كفرا بالله، وتفريقا بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، فما صلة ذلك بجماعة من لم يقصد تفريق الجماعة؟ بل لا يُحْتَمَلُ من فعله تفريق لها، ولم يقصد الافتيات على الإمام، والخروج عليه، وقلبه مرتبط بجماعة الإمام الراتب، متعلق بها، ولكنه تأخر عنها لعذر من الأعذار الشرعية المبيحة للتأخر عن الجماعة، فما استدللتم به بعيد، وقياس مع وجود الفارق، وقد نسلم بهذا الاستدلال على كراهة الصور المتفق على كراهتها، كأن يصلي في المسجد الواحد إمامان راتبان، إما في وقت واحد، أو في أوقات مختلفة، وكذا جماعة أهل الزيغ والبدع الذين يرتقبون انتهاء صلاة الإمام، ثم يأتون بعده فيجمعون لأنفسهم بإمامهم، فهذه صورة تؤدي إلى تشتيت الكلمة وتفريق الجماعة، بخلاف الصورة المتنازع عليها، والتي سنقوم بعرض أدلة جوازها في بابه - إن شاء الله تعالى -

قال شيخنا مصطفى العدوي : هذه الآية الكريمة بعيدة جدا عن محل الاستدلال إنما هي في قوم أضمروا الكفر واتخذوا مسجدا للإضرار بأهل الإسلام ، فليست من الدلالة على منع الجماعة الثانية للمعذور في شيء ، وغريب أمر من استدل بها اهـ
2- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَقْبَلَ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا، فَمَالَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَجَمَعَ أَهْلَهَ، فَصَلَّى بِهِمْ» رواه الطبراني في الأوسط [4601] قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ [2177] : رِجَالُهُ ثِقَاتٌ اهـ وحسنه الألباني قالوا : وَلَوْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ قلت : هذا الحديث ضعيف فيه الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، ولم يصرح بالسماع في جميع السند والألباني نفسه قال على اسناد اخر فيه الوليد بن مسلم قال في الصحيحة (6/ 332) : والأمر ليس كذلك، فإن الوليد صرح بالتحديث.. ". قلت: فجهلوا أو جهل أن تدليس الوليد هو من نوع تدليس التسوية الذي لا يفيد فيه تصريحه هو بالتحديث عن شيخه، بل لابد أن يصرح كل راو فوقه بالتحديث من شيخه فما فوق ! فاعتبروا يا أولي الأبصار اهـ فكيف حسن هذا الحديث والوليد لم يصرح بالسماع في جميع السند فجلَّ من لا يسهو وضعف هذا الحديث ابن رجب في فتح الباري (6/8) وضعفه الذهبي والمباركفوري وقال في تحفة الأحوذي (2/9) : وَأَمَّا قَوْلُ الْهَيْثَمِيِّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ اهـ وضعفه شيخنا مصطفى العدوي قلت : - لو صح الحديث - فلَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ فِي مَنْزِلِهِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ مَيْلُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ لِجَمْعِ أَهْلِهِ لَا لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلًا لِاسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ مَرَّةً لَا لِكَرَاهَتِهَا فَمَا لَمْ يُدْفَعْ هَذَا الِاحْتِمَالُ كَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ 0
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَهْلِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ كَرَاهَةُ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ بَلْ غَايَةُ مَا يَثْبُتُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ بَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ فَيَمِيلُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّيَ بِأَهْلِهِ فِيهِ 0
وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِالْجَمَاعَةِ أَوْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ فَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى كَرَاهَةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مُنْفَرِدًا 0
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ لَثَبَتَ مِنْهُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فُرَادَى أَيْضًا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ لَا مُنْفَرِدًا وَلَا بِالْجَمَاعَةِ 0
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الْمَذْكُورِ عَلَى كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فُرَادَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ
وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ الْكنكُوهِيِّ لَوْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ 0
فَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فُرَادَى أَيْضًا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ فُرَادَى جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَتَفَكَّرْ انظر تحفة الأحوذي (2/9)
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا، فَآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ، بِحُزَمِ الْحَطَبِ بُيُوتَهُمْ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا لَشَهِدَهَا» يَعْنِي صَلَاةَ الْعِشَاء رواه البخاري (7224) ومسلم (651)
قالوا: ووجه الدلالة من هذا الحديث أن الجماعة الثانية لو كانت مشروعة لما حرق بيوتهم، ولجاز لهذا المتخلف أن يتذرع بذلك ويقول: سأصلي في الجماعة الثانية، فثبت بذلك أن وجوب الإتيان إلى الجماعة الأولى يستلزم كراهة الثانية في المسجد الواحد، ثم أن تكرار الجماعة في المسجد الواحد يؤدي إلى تقليل الجماعة الأولى وهذا غير مستحب وأجيب : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ليس نصاً في هذه المسألة، بل هو في التشديد على من تخلف عن الجماعة، أو أن المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأساً لا مجرد الجماعة، أو أن الحديث ورد في الحث على مخالفة فعل أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم، لا لخصوص ترك الجماعة. أو أن الحديث ورد في حق المنافقين فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه، ذكره الحافظ، وقال: " وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْمُنَافِقِينَ لِقَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ الْآتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ الْحَدِيثَ وَلِقَوْلِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ إِلَخْ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَائِقٌ بِالْمُنَافِقِينَ لَا بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ انظر فتح الباري (2/ 127) وقال الشاطبي في الموافقات (4/ 156) : وَمِنْهُ حَدِيثُ التَّهْدِيدِ بِإِحْرَاقِ الْبُيُوتِ لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ يُبَيِّنُ أَنَّهُ [مُخْتَصٌّ] بِأَهْلِ النِّفَاقِ، بِقَوْلِهِ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ – رواه مسلم (654) - اهـ
قال صاحب القول المبرور في جواز الجماعة الثانية للمعذور 
قال شيخنا أبو الحسن - حفظه الله تعالى -: " أضف إلى ذلك: - أي إلى ما تقدم - أن دليلهم
تطرق إليه الاحتمال، وما كان كذلك سقط منه تعيين الاستدلال، ووجهه أن المتخلفين لم يأت عنهم أنهم كانوا يصلون في الجماعة الثانية، أو الثالثة، ومع ذلك لم يعذرهم النبي r ووجه الشاهد عند المخالف، وجود هذه المقدمة مع أنه لم ينص عليها، فإن قيل محتمل أنهم كانوا يصلون الجماعة الثانية، ولم يعذروا، قلنا: محتمل أنهم كانوا تاركين لجميع أنوع الجماعات، وهذا الاحتمال يسقط الدليل من أيديكم، لا من أيدينا؛ لأنكم الذين أوردتموه علينا اهـ.
4- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئًا» رواه أبو داود [564] قال الألباني في صحيح أبي داود [3/ 99] : (قلت: حديث صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي) اهـ
قالوا: ومعنى هذا كله: أنه يكتب له ثواب الجماعة؛ لما نواها وسعى إليها، وإن كانت قد فاتته، كمن نوى قيام الليل ثم نام عنه، ومن كان له عمل فعجز عنه بمرض أو سفر، فإنه يكتب له أجره وبمعنى آخر، فإن هذه الأحاديث تدل على أن المعذور يكتب لـه مثل ثواب الصحيح، إذا كانت نيته أن يفعل، وقد عمل ما يقدر عليه. فإن كان الأمر كذلك، فما الداعي لإقامة الجماعة الثانية 0
وأجيب : ليس في الحديث دلالة على كراهة الجماعة الثانية , فالحديث لم يدل على ذلك بنفي أو إثبات , ولا سيق الحديث لأجل بيان كراهة الجماعة الثانية أو استحبابها , بل يتلقى ذلك من النصوص الأخرى ,وها نحن نراكم تقولون: إن من فاته قيام الليل، وكان القيام من شأنه، فإنه يكتب لـه أجره، وكذا من مرض، أو سافر، فنسألكم هل من فاته قيام الليل لـه أن يقضيه بالنهار شفعا، كما جاءت بذلك السنة؟ أم لا؟ فإن قلتم لا، خالفتم السنة، وإن قلتم نعم، تركتم مذهبكم؛ لأنكم بنيتم مذهبكم على أن من كتب لـه أجر الجماعة، فلا حاجة للجماعة الأخرى - بالقيود السابقة التي فصلناها - ومقتضى مذهبكم أن من نام عن قيام الليل، وقد كتب لـه أجر القيام، فلا حاجة للقضاء، وفيه ما فيه!! والأمر كذلك أيضا فيمن مرض، أو سافر، فهل أنتم تمنعون المسافر، أو المريض، من عمل طاعة كان يعملها في الحضر، أوالصحة، وإن كان في ذلك شيء من التكلف عليه؟ بل نقول لكم: لو أن رجلا جاء وأدرك الجماعة قد صلوا، فشق ذلك عليه عندما فاتته الجماعة، أليس لـه أجر الصلاة في الجماعة؟
لاشك أنكم قائلون: بلى، فنسألكم لو أن هذا الرجل قال: لقد كتب الله لي أجر الجماعة فلا أصلي بالكلية لا جماعة ولا فرادى، هل يكون مصيبا في هذا أم لا؟ فإن قلتم ليس بمصيب والواجب عليه أن يصلي الفريضة، قلنا: أصبتم، ولكن هل تكون صلاته الفريضة ذات أجر، أم خالية من الأجر بالكلية؟! فإن قلتم إنها خالية من الأجر، خالفتم قول الله عز وجل:{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} وإن قلتم فيها أجر، قلنا لكم: هذا الأجر يعتبر زائدا على ما تفضل الله به عليه من أجر الجماعة، فمن هنا أجزنا لمن كان كذلك أن يصلي ما فاته جماعة؛ ليكون الأجر أكثر؛ لأنكم سلمتم بجواز الزيادة على أجر الجماعة في الجملة، ونفس هذا الجواب وارد عليكم باستدلالكم بحديث أبي موسى.
وهو ما جاء في " صحيح البخاري " (2996) عن إِبْرَاهِيم أبي إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ، وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا»
 (تنبيه): وهذا الثواب محمول على أصحاب الأعذار الذين من شأنهم الحرص على الطاعة.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (23/236): فَهَذَا وَمِثْلُهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَعْذُورَ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ الصَّحِيحِ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَفْعَلَ وَقَدْ عَمِلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَفْسُ عَمَلِهِ مِثْلَ عَمَلِ الصَّحِيحِ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْمَرِيضِ نَفْسَهَا فِي الْأَجْرِ مِثْلُ صَلَاةِ الصَّحِيحِ وَلَا أَنَّ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ الْمَعْذُورِ فِي نَفْسِهَا مِثْلُ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ يُكْتَبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ كَمَا يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إذَا فَاتَتْهُ مَعَ قَصْدِهِ لَهَا. وَأَيْضًا فَلَيْسَ كُلُّ مَعْذُورٍ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ عَمَلِ الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا يُكْتَبُ لَهُ إذَا كَانَ يَقْصِدُ عَمَلَ الصَّحِيحِ وَلَكِنْ عَجَزَ عَنْهُ. فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ كَانَ عَادَتُهُ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ وَالصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ لِمَرَضِهِ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ وَكَذَلِكَ مَنْ تَطَوَّعَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ كَانَ يَتَطَوَّعُ فِي الْحَضَرِ قَائِمًا يُكْتَبُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْإِقَامَةِ. فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةِ وَلَا الصَّلَاةَ قَائِمًا إذَا مَرِضَ فَصَلَّى وَحْدَهُ أَوْ صَلَّى قَاعِدًا فَهَذَا لَا يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ. وَمَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ صَلَاةَ هَذَا قَاعِدًا مِثْلَ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَصَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا مِثْلَ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ
.. " الخ اهـ انظر القول المبرور في جواز الجماعة الثانية للمعذور 

5- عَنْ ابْن أَبِي لَيْلَى، قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ - أَوْ قَالَ - الْمُؤْمِنِينَ، وَاحِدَةً، حَتَّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبُثَّ رِجَالًا فِي الدُّورِ يُنَادُونَ النَّاسَ بِحِينِ الصَّلَاةِ، وَحَتَّى هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رِجَالًا يَقُومُونَ عَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ الْمُسْلِمِينَ بِحِينِ الصَّلَاةِ » رواه أبو داود (506) وصححه الألباني قالوا : فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يريد صلاة المسلمين أن تكون واحدة والرد على ذلك قال في عون المعبود [2/132] : (وَاحِدَةً) أَيْ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ مَعَ الْجَمَاعَةِ لا منفردا وكان الناس يصلون منفردا من غير جماعة اهـ
6- عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَقَدْ صُلِّيَ فِيهِ صَلَّوْا فُرَادَى» رواه ابن أبي شيبة (7111) قالوا: وهذا الأثر دليل على كراهة الصحابة للجمع في المسجد مرتين، لنقل الحسن عنهم أنهم كانوا إذا فاتتهم الصلاة، صلى كل واحد منهم منفردا، مع قدرتهم على الجمع، وإنما كرهوا ذلك لئلا يجمعوا في مسجد مرتين والرد على ذلك قال في تحفة الأحوذي (2/10) : لَكِنْ قَدْ صَرَّحَ الْحَسَنُ بِأَنَّ صَلَاتَهُمْ فُرَادَى إِنَّمَا كَانَتْ لِخَوْفِ السلطان
قال بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ إِنَّمَا كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْمَعُوا مَخَافَةَ السُّلْطَانِ انْتَهَى
7- عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «أَنَّ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدَ، أَقْبَلَا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ إِلَى مَسْجِدٍ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّاسُ قَدْ صَلُّوا، فَرَفَعَ بِهِمَا إِلَى الْبَيْتِ، فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمَا»
رواه عبد الرزاق في المصنف [3883] وحسنه الألباني
قالوا : لو كانت الجماعة الثانية في المسجد جائزة مطلقا لما جمع ابن مسعود في البيت مع أن الفريضة في المسجد أفضل كما هو معلوم وأجيب : قال العلامة ابن عثيمين في لقاء الباب مفتوح [65/18] : لكنهم استدلوا بأن ابن مسعود جاء مع أصحابه يوماً وقد فاتتهم الصلاة، فانصرف وصلى في بيته، هل فعل ابن مسعود حجة مع وجود السنة؟ لا.
هذه واحدة.
الثانية: هل ابن مسعود رضي الله عنه رجع إلى بيته وصلى؛ لأن الصلاة الثانية لا تقام إلا في المسجد أو لسبب آخر؟ لا ندري، ربما يكون ابن مسعود رضي الله عنه خاف أن يقيم الجماعة الثانية وهو من أصحاب الرسول أن يقتدي به الناس، وأن يتهاونوا ويقولون: هذا ابن مسعود رضي الله عنه تفوته الجماعة، إذاً: نحن من باب أولى.
ربما كان ابن مسعود رضي الله عنه انصرف إلى بيته يخشى أن يكون في قلب إمام المسجد شيء فيقول الإمام: ابن مسعود تأخر ليصلي بأصحابه؛ لأنه يكرهني -مثلاً- فيقع في قلبه شيء.
فالحاصل أنه لم يعرف السبب الذي من أجله ترك ابن مسعود رضي الله عنه إقامة الجماعة الثانية، وإذا كنا لا ندري ما السبب دخل المسألة الاحتمال، والعلماء يقولون: إن الدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال، ولكن كما قلت أولاً: عندنا حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بإقامة الجماعة الثانية فيمن فاتت وقال: (إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده) وهذا عام، ما قال إن من دخل مع صاحبه بعد أن انتهت الصلاة، ولهذا أنا أود من طلبة العلم ألا يأخذوا العلم من رجل واحد، أو يعتقدوا أنه معصوم من الخطأ، لا أحد معصوم، لو كان أحداً معصوماً لكان أول من يُعصم الصحابة رضي الله عنهم وهم يقع منهم الخطأ.
وعلى كل حال الذي نرى أن إقامة الجماعة الثانية أنها من السنة، وأما جعل ذلك أمراً راتباً فهذا هو الذي يكون من البدعة، كانوا فيما سبق في المسجد الحرام يصلي أربعة أئمة؛ إمام للحنابلة، وإمام للشافعية، وإمام للمالكية، وإمام للحنفية، لكن لما استولى الملك عبد العزيز رحمه الله على مكة وعلى الحجاز ألغى هذا وقال: ما يمكن مسجد واحد يكون فيه أربعة أئمة لا يمكن اهـ
قال الشافعي في الأم [1/180] : وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ مَسْجِدٌ يَجْمَعُ فِيهِ فَفَاتَتْهُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَإِنْ أَتَى مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ غَيْرَهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ وَصَلَّى فِي مَسْجِدٍ مُنْفَرِدًا فَحَسَنٌ وَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ فَفَاتَتْ رَجُلًا، أَوْ رِجَالًا فِيهِ الصَّلَاةُ صَلُّوا فُرَادَى وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ جَمَاعَةً فَإِنْ فَعَلُوا أَجْزَأَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ فِيهِ وَإِنَّمَا كَرِهْت ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا فَعَلَ السَّلَفُ قَبْلَنَا بَلْ قَدْ عَابَهُ بَعْضُهُمْ وَأَحْسَبُ كَرَاهِيَةَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إنَّمَا كَانَ لِتَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ وَأَنْ يَرْغَبَ رَجُلٌ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ إمَامِ جَمَاعَةٍ فَيَتَخَلَّفُ هُوَ وَمَنْ أَرَادَ عَنْ الْمَسْجِدِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِذَا قُضِيَتْ دَخَلُوا فَجَمَعُوا فَيَكُونُ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ وَتَفَرُّقُ كَلِمَةٍ وَفِيهِمَا الْمَكْرُوهُ.
وَإِنَّمَا أَكْرَهُ هَذَا فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ، فَأَمَّا مَسْجِدٌ بُنِيَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، أَوْ نَاحِيَةٍ لَا يُؤَذِّنُ فِيهِ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ وَلَا يَكُونُ لَهُ إمَامٌ مَعْلُومٌ وَيُصَلِّي فِيهِ الْمَارَّةُ وَيَسْتَظِلُّونَ فَلَا أَكْرَهُ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ تَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ وَأَنْ يَرْغَبَ رِجَالٌ عَنْ إمَامَةِ رَجُلٍ فَيَتَّخِذُونَ إمَامًا غَيْرَهُ وَإِنْ صَلَّى جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ آخَرُونَ فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَهُمْ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُمْ لِمَا وَصَفْت وَأَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ ثم قال : وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَقُولَ صَلَاةُ الرَّجُلِ لَا تَجُوزُ وَحْدَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى جَمَاعَةٍ بِحَالِ تَفْضِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ وَلَمْ يَقُلْ لَا تُجْزِئُ الْمُنْفَرِدَ صَلَاتُهُ وَإِنَّا قَدْ حَفِظْنَا أَنْ قَدْ فَاتَتْ رِجَالًا مَعَهُ الصَّلَاةُ فَصَلُّوا بِعِلْمِهِ مُنْفَرِدِينَ وَقَدْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى أَنْ يَجْمَعُوا وَأَنْ قَدْ فَاتَتْ الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ قَوْمًا فَجَاءُوا الْمَسْجِدَ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَفَرِّدًا وَقَدْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى أَنْ يَجْمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنْفَرِدًا وَإِنَّمَا كَرِهُوا لِئَلَّا يَجْمَعُوا فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ اهـ 
القول الثاني : قَالُوا: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ القَوْمُ جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ قَدْ صَلَّى فِيهِ جَمَاعَةٌ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ فِي رِوَايَةٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَشْهَبُ وقال المباركفوري : وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ انظر تحفة الأحوذي [2/8] وهو مذهب ابن حزم ورجحه ابن باز وابن عثيمين
والدليل : 1-  عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ رواه أبو داود [574] حديث صحيح قال الألباني في صحيح أبي داود ]ٍ3/116] : إسناده صحيح، وقوّاه ابن حزم، وابن حجر، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". وقال الترمذي: " حديث حسن اهـ
 وهذا نَصٌّ صريحٌ في إعادةِ الجماعةِ بعدَ الجماعةِ الراتبةِ حيث نَدَبَ النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام مَن يصلّي مع هذا الرَّجُلِ، وقولُ مَن قال: إنَّ هذه صدقةٌ، وإذا صَلَّى اثنان في المسجدِ وقد فاتتهما الصَّلاةُ فصلاةُ كلِّ واحدٍ منهما واجبٌة؟ فيقال: إذا كان يُؤمرُ بالصَّدقةِ، ويُؤمرُ مَن كان صَلَّى أنْ يصلِّيَ مع هذا الرَّجُلِ، فكيف لا يُؤمرُ مَن لم يُصلِّ أنْ يُصلِّيَ مع هذا الرَّجُلِ قال ابن حزم في المحلى (3/ 156) : لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِ هَذَا لَطَارُوا بِهِ كُلَّ مَطَارٍ اهـ يعني: لصحته وظهور دلالته.قال البغوي في شرح السنة [3/437] : فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يَجُوزَ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا ثَانِيًا مَعَ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ اهـ وقال الحاكم في المستدرك [1/328] : وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي إِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ مَرَّتَيْنِ» اهـ وقد بوب الدارمي في سننه (2/863) بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ مَرَّةً ثم ذكر هذا الحديث وكذلك أبو داود في سننه (1/157) : بَابٌ فِي الْجَمْعِ فِي الْمَسْجِدِ مَرَّتَيْنِ وكذلك الترمذي (1/427) بَابُ مَا جَاءَ فِي الجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ مَرَّةً وكذلك ابن خزيمة في صحيحة (3/63) : بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي قَدْ جُمِعَ فِيهِ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فُرَادَى إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ مَرَّةً وكذلك ابن حبان في صحيحه (6/158) : ذكْرُ الْإِبَاحَةِ لِمَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى جَمَاعَةً اهـ وقال ابن المنذر في الأوسط [4/ 216] : وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ ثَابِتٌ، فَإِذَا فَاتَ جَمَاعَةً الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّوْا جَمَاعَةً اتِّبَاعًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَطَلَبًا لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا نَعْلَمُ مَعَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَمَنَعَ مِنْهُ حُجَّةً اهـ وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي (2/10) : إِذَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ حُصُولُ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ فَحُصُولُ ثَوَابِهَا بِمُفْتَرِضَيْنِ بِالْأَوْلَى 0
وَمَنِ ادَّعَى الْفَرْقَ فَعَلَيْهِ بَيَانُ الدَّلِيلِ الصَّحِيحِ 0
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَدَمُ جَوَازِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ أَصْلًا لَا بِمُفْتَرِضَيْنِ وَلَا بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ 0
فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ تَكْرَارِهَا بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ وَعَدَمِ جَوَازِ تَكْرَارِهَا بِمُفْتَرِضَيْنِ مِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ اهـ
وقال صاحب عون المعبود [2/ 198] : أَيْ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِ (فَيُصَلِّيَ) بِالنَّصْبِ (مَعَهُ) لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ فَيَكُونَ كَأَنَّهُ قَدْ أَعْطَاهُ صَدَقَةً
قَالَ الْمُظْهِرُ سَمَّاهُ صَدَقَةً لِأَنَّهُ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِثَوَابِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً إِذْ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا ثَوَابُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ اهـ ورد على ذلك العلامة الألباني رحمه الله في تمام المنة ص [157] قال : وبالجملة فالجمهور على كراهة إعادة الجماعة في المسجد بالشرط السابق وهو الحق ولا يعارض هذا الحديث المشهور: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه فإن غاية ما فيه حض الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الذين كانوا صلوا معه صلى الله عليه وسلم في الجماعة الأولى أن يصلي وراءه تطوعا فهي صلاة متنفل وراء مفترض وبحثنا إنما هو في صلاة مفترض وراء المفترض فاتتهم الجماعة الأولى ولا يجوز قياس هذه على تلك لأنه قياس مع الفارق من وجوه : الأول: أن الصورة الأولى المختلف فيها لم تنقل عنه صلى الله عليه وسلم لا إذنا ولا تقريرا مع وجود المقتضى في عهده صلى الله عليه وسلم كما أفادته رواية الحسن البصري الثاني: أن هذه الصورة تؤدي إلى تفريق الجماعة الأولى المشروعة لأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يستعجلون فتكثر الجماعة وإذا علموا أنها لا تفوتهم يتأخرون فتقل الجماعة وتقليل الجماعة مكروه وليس شيء من هذا المحذور في الصورة التي أقرها. رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت الفرق فلا يجوز الاستدلال بالحديث على خلاف المتقرر من هديه صلى الله عليه وسلم اهـ
ورد على ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال : ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه (من يتصدق على هذا فيصلي معه)) ؟ يريد رجلاً دخل وقد فاتته الصلاة, فقام أحد القوم فصلى معه, فهنا أقيمت الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى, ولو كانت غير مشروعة ما ندب النبي صلى الله عليه وسلم إليها.
ولا يصح القول بأن المبرر لها أن صلاة الثاني نفل؛ لأن المقصود الذي هو محل الاستدلال إقامة الجماعة الثانية وقد حصل, ولأنه إذا ندب إلى إقامة أولى, ثم إنه هل يمكن لو كان مع الرجل
الداخل الرجل آخر فأقاما الجماعة أن يمنعهما النبي صلى الله عليه وسلم من إقامتها مع أنه صلى الله عليه وسلم ندب من كان قد صلى أن يقوم مع الداخل ليقيما الجماعة؟!
وبهذا يتبين أنه لا وجه لإنكار إقامة الجماعة الثانية في هذا القسم وهو - أعني إقامتها - هو الذي درج عليه علماؤنا لوضوح الدليل فيه, والله أعلم انظر مجموع فتاوى [15/83]
وقال العلامة ابن عثيمين أيضا في لقاء الباب مفتوح [65/18] : من قال إن الأصل في إقامة الجماعة المنع؟ أي حديث يدل على أن هذا ممنوع؟ أنا ما خالفت! هل جاء عن رسول الله حرف واحد يقول: لا تعيدوا الجماعة؟ ما جاء، ثم إذا كان الرسول أمر شخصاً قد صلى وأدى الواجب عليه أن يصلي مع هذا، كيف نؤدي الواجب؟ لأننا الآن نقول: إذا دخل اثنان فاتتهم الجماعة نقول: أنت الآن مطالب بالجماعة، وأنت الثاني مطالب بالجماعة، فإذا كان الرسول أقام من لم يطالب بالجماعة أن يصلي مع هذا، فكيف نقول لمن تلزمه الجماعة: لا تصل جماعة؟ هذا قياس منقلب.
وأما تسميتها صدقة فنعم؛ لأن الرجل الذي يقوم معه قد أدى الواجب عليه، فصلاته الثانية تكون صدقة، فهي صدقة بالنسبة لأنه أدى ما وجب عليه، لكن لو كان إقامة الجماعة ممنوعاً ما أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة؛ لأن الصدقة التي تستلزم فعل المحرم هل هي صدقة أو حرام؟ لا يمكن أن نفعل مستحباً بانتهاك محرم لو كان محرماً.
فالمهم أن هذا تعليل لا شك أنه عليل، بل أقول: إنه تعليل ميت ما له روح إطلاقاً اهـ
2- قلت : أضف إلى ذلك أن الجماعة الثانية ثبتت عن أنس  رضي الله عنه فعَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: " جَاءَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَقَدْ صَلَّيْنَا الْفَجْرَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ بِأَصْحَابِهِ رواه البخاري معلقا (1/ 131) ووصله البيهقي في الكبرى [1918] وصححه الألباني وهو أحد رواة حديث  عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يُصَلِّي وَحْدَهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا فَلْيُصَلِّي مَعَهُ؟» رواه الدراقطني (1081) وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 119) : وهذا إسناد جيد، كما قال الزيلعي، وتبعه العسقلاني اهـ وفهم من الحديث جواز الجماعة الثانية في المسجد
3- عن عُثْمَان بْن عَفَّان قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» رواه مسلم (656) النبي صلى الله عليه وسلم رغب في حضور الجماعة، ولم يقصد جماعة من جماعة، بل أطلق ذلك فلم يقيد ذلك بالجماعة الأولى التي تقام في المسجد دون الجماعة الثانية، ومن أراد التقييد فعليه بالدليل
4- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً رواه البخاري [645] ومسلم (650) قال ابن قدامة في المغني [2/133] : وَلَا يُكْرَهُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى إمَامُ الْحَيِّ، وَحَضَرَ جَمَاعَةٌ أُخْرَى، اُسْتُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً --وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. وَفِي رِوَايَةٍ: بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً اهـ قال أصحاب القول الأول : إن حديث تفضيل صلاة الجماعة على الفذ يحتمل أن يكون في الجماعة الأولى لأنها هي التي ندب الشارع إليها والرد على ذلك : أنحمل حديث التفضيل على الجماعة الأولى لا دليل عليه. والظاهر أن هذه الفضيلة تحصل لكل جماعة بقطع النظر عما ذكر، لأن الحديث دلّ على فضيلة الجماعة على المنفرد فيدخل فيه كل جماعة
5-  عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى رواه أبو داود [554] وَقد حكم أَئِمَّة الحَدِيث: ابْن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَمُحَمّد بن يَحْيَى الذهلي وَغَيرهم (لهَذَا) الحَدِيث بِالصِّحَّةِ انظر البدر المنير [4/383] وحسنه الألباني
وهذا نصٌّ صريحٌ بأنَّ صلاةَ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أفضلُ مِن صلاتِهِ وحدَه، ولو قلنا: لا تُقامُ الجماعةُ لزم أَنْ نجعلَ المفضولَ فاضلاً، وهذا خِلافُ النَّصِّ انظر الشرح الممتع [4/162]
6- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعُ، فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ» رواه البخاري [700] ومسلم (465)
وأجيب:الاستدلال بهذا الحديث لا يصح من وجهين :
1- أنها الجماعة الأولى للقوم 0
2- أن معاذا متنفل وصلاته مع غيره صحيحة من وجوه :
أ- عن جَابِر بْن يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّتَهُ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْحَرَفَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى القَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا»، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا»، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» رواه الترمذي [219] وقال : حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ وصححه الألباني 0
 ب- أن معاذا كان يؤم القوم بعلم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعلم أنهم ينتظرونه هذا الوقت ليصلي بهم 0
ج- أن معاذا متنفل ، وهم مفترضون ، ونحن لا نطعن في هذه الصورة ، فهي جائزة عندنا 0
قال ابن حزم في المحلى [3/154] : وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَتْ بِهِ صَلَاةُ فَرْضٍ جَمَاعَةٌ بِإِمَامٍ رَاتِبٍ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا: فَلْيُصَلِّهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَيُجْزِئُهُ الْأَذَانُ الَّذِي أُذِّنَ فِيهِ قَبْلُ، وَكَذَلِكَ الْإِقَامَةُ، وَلَوْ أَعَادُوا أَذَانًا وَإِقَامَةً: فَحَسَنٌ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ: فَإِنَّهُ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مِمَّنْ شَهِدَهُمَا أَوْ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُصَلَّى فِيهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ.
وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِأَنَّهُ قَالَ هَذَا قَطْعًا لَأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ؟
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا يَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ أَئِمَّتِنَا فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا فِي مَنَازِلِهِمْ، وَلَا يَعْتَدُّونَ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ مُبْتَدَأَةً أَوْ غَيْرَ مُبْتَدَأَةٍ مَعَ إمَامٍ مِنْ غَيْرِهِمْ.
فَهَذَا الِاحْتِيَاطُ لَا وَجْهَ لَهُ، بَلْ مَا حَصَلُوا إلَّا عَلَى اسْتِعْجَالِ الْمَنْعِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ خَوْفًا مِنْ أَمْرٍ لَا يَكَادُ يُوجَدُ مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِاحْتِيَاطِهِمْ؟ وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ بَقِيَ بْنِ زَرْبٍ الْقَاضِي إذَا دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ جَمَعَ فِيهِ إمَامُهُ الرَّاتِبُ - وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدُ - جَمَعَ بِمَنْ مَعَهُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: الْقَصْدُ إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ بِذَلِكَ عَجَبٌ آخَرُ --
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: فَإِنْ صَلَّوْهَا فِيهِ جَمَاعَةً أَجْزَأَتْهُمْ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُّ رَاحَةٍ لَهُمْ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً؟ وَهِيَ عِنْدَهُمْ جَازِيَةٌ عَمَّنْ صَلَّاهَا فَأَيُّ اخْتِيَارٍ أَفْسَدُ مِنْ هَذَا؟
وَرُوِّينَا -- عَنْ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: جَاءَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّيْنَا فَأَقَامَ وَأَمَّ أَصْحَابَهُ؟ وَرُوِّينَا أَيْضًا: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ.
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: نَفَرٌ دَخَلُوا مَسْجِدَ مَكَّةَ خِلَافَ الصَّلَاةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، أَيَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا بَأْسُ ذَلِكَ؟
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ: أَمَّنِي إبْرَاهِيمُ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ صَحِبْت أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيَّ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْبَصْرَةِ، فَأَتَيْنَا مَسْجِدَ أَهْلِ مَاءٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ أَيُّوبُ وَأَقَامَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِنَا؟ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ: دَخَلْت مَعَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ أَهْلُهُ، فَأَذَّنَ ثَابِتٌ وَأَقَامَ، وَتَقَدَّمَ الْحَسَنُ فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْت: يَا أَبَا سَعِيدٍ: أَمَا يُكْرَهُ هَذَا؟ قَالَ: وَمَا بَأْسُهُ
قَالَ عَلِيٌّ هَذَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ فِيهِ لِأَنَسٍ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اهـ
 وقال ابن باز رحمه الله في مجموع فتاوى [12/165] : الجماعة الثانية مشروعة، وقد تجب لعموم الأدلة إذا فاتته الجماعة الأولى، فإذا جاء الإنسان إلى المسجد وقد صلى الناس وتيسر له جماعة فإنه مشروع له أن يصلي جماعة ولا يصلي وحده، وقد يقال بالوجوب لعموم الأدلة، ومن الدليل على هذا «أن رجلا جاء والنبي صلى الله عليه وسلم قد سلم من صلاته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من يتصدق على هذا فيصلي معه » ؛ ولعموم الأدلة الدالة على أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، ومن قال: إنها تختص بالأولى فعليه الدليل المخصص، ومجرد الرأي ليس حجة.
ويدل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: « صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ، بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً » - رواه البخاري [2119] ومسلم (649) - فإذا فاتته الأولى ويسر الله جماعة في مسجد آخر أو في نفس المسجد، فمشروع له أن يصلي جماعة، وأما ما يروى عن بعض السلف أنه كان يرجع ويصلي وحده فهذا اجتهاد منه لا يحكم به على الشريعة.
وثبت عن أنس رضي الله عنه كما في البخاري (أنه جاء ذات يوم والناس قد صلوا فجمع أصحابه فصلى بهم جماعة) ، وأنس من الصحابة ومن الأخيار ومن المقتدى بهم، فالمقصود
أن الأصل شرعية الجماعة هذا هو الأصل ولا يخرج عنه إلا بدليل.
ثم من عمل السلف الصالح أنهم صلوا جماعة لما فاتتهم الجماعة الأولى، ونفس النبي صلى الله عليه وسلم شجع من عنده على أن يصلوا مع الذي فاتته الصلاة، حيث قال: «من يتصدق على هذا فيصلي معه » والمقصود بذلك حصول فضيلة الجماعة، وهذا الحديث حجة واضحة في هذه المسألة اهـ
وقال علماء اللجنة الدائمة [7/ 311] : من جاء إلى المسجد فوجد الجماعة قد صلوا بإمام راتب أو غير راتب فليصلها جماعة مع مثله ممن فاتتهم الجماعة، أو يتصدق عليه بالصلاة معه بعض من قد صلى، لما رواه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلي وحده فقال: 000 وإنما كره هؤلاء ومن وافقهم ذلك خشية الفرقة، وتوليد الأحقاد، وأن يتخذ أهل الأهواء من ذلك ذريعة إلى التأخر عن الجماعة، ليصلوا جماعة أخرى خلف إمام يوافقهم على نحلتهم وبدعتهم، فسدا لباب الفرقة وقضاءا على مقاصد أهل الأهواء السيئة هو أن لا تصلى فريضة جماعة في مسجد بعد أن صليت فيه جماعة بإمام راتب أو مطلقا.
والقول الأول هو الصحيح، لما تقدم من الحديث لعموم قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} سورة التغابن الآية 16 وقوله صلى الله عليه وسلم « إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»
- رواه البخاري [7288] ومسلم (1337) - ولا شك أن الجماعة من تقوى الله ومما أمرت بها الشريعة، فينبغي الحرص عليها على قدر المستطاع. ولا يصح أن يعارض النقل الصحيح بعلل رآها بعض أهل العلم وكرهوا تكرار الجماعة في المسجد من أجلها، بل يجب العمل بما دلت عليه النقول الصحيحة، فإن عرف عن أحد أو جماعة تأخر لإهمال وتكرر ذلك منهم أو عرف من سيماهم ونحلتهم أنهم يتأخرون ليصلوا مع أمثالهم عزروا وأخذ على أيديهم بما يراه ولي الأمر، ردعا لهم ولأمثالهم من أهل الأهواء، وبذلك يسد باب الفرقة ويقضى على أغراض أهل الأهواء، دون ترك العمل بالأدلة التي دلت على الصلاة جماعة لمن فاتتهم الجماعة الأولى.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
بهذا القدر نكتفي سائلين الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا  نسأل الله عز وجل أن يرفع راية الْإِسْلام والمسلمين عالية خفاقة وأن ينصر بنصره من أعان على نشر الْإِسْلَام في إرجاء المعمورة
ونسْأَله سبحانه أن يخذل من خذل الْإِسْلام والمسلمين وسعى لنشر الرذيلة وابتغى في  الأَرْض  وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق