الاثنين، 16 أكتوبر 2017

البيوع على المذاهب الأربعة عمرو العدوي أبيو حبيبة الجزء الأول



( كتاب البيوع )
معناه :
فِي اللُّغَةِ: دَفْعُ عِوَضٍ وَأَخْذُ مُعَوَّضٍ عَنْهُ انظر الإنصاف (4/259)
شرعا : هُوَ مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ على سَبِيل التَّرَاضِي انظر عمدة القاري (11/159)
مشروعيته :
البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع 0
أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
وَأَمَّا السُّنَّةُ، عن حَكِيم بْن حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا رواه البخاري (2110) ومسلم (1532)
قال ابن قدامة في المغني (3/480) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْجُمْلَة اهـ
أما حكمته :
فَهِيَ كَثِيرَة. مِنْهَا: باتساع أُمُور المعاش والبقاء. وَمِنْهَا: إطفاء نَار المنازعات والنهب والسرق والطر والخيانات والحيل الْمَكْرُوهَة. وَمِنْهَا: بَقَاء نظام المعاش وَبَقَاء الْعَالم، لِأَن الْمُحْتَاج يمِيل إِلَى مَا فِي يَد غَيره، فبغير الْمُعَامَلَة يُفْضِي إِلَى التقاتل والتنازع وفناء الْعَالم واختلال نظام المعاش وَغير ذَلِك انظر عمدة القاري (11/159)
( أفضل المكاسب )
قال ابن حجر في فتح الباري : (4/304)
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَفْضَلِ الْمَكَاسِبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أُصُولُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ وَالتِّجَارَةُ وَالصَّنْعَةُ وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَطْيَبَهَا التِّجَارَةُ قَالَ وَالْأَرْجَحُ عِنْدِي أَنَّ أَطْيَبَهَا الزِّرَاعَةُ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى التَّوَكُّلِ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِحَدِيثِ الْمِقْدَامِ الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ – وهو عَنِ المِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ رواه البخاري (2072) - وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ أَطْيَبَ الْكَسْبِ مَا كَانَ بِعَمَلِ الْيَدِ قَالَ فَإِنْ كَانَ زِرَاعًا فَهُوَ أَطْيَبُ الْمَكَاسِبِ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ عَمَلَ الْيَدِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّوَكُّلِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْعَامِّ لِلْآدَمِيِّ وَلِلدَّوَابِّ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُوكَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ قُلْتُ وَفَوْقَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْيَدِ مَا يُكْتَسَبُ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِالْجِهَادِ وَهُوَ مَكْسَبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَكَاسِبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخِذْلَانِ كَلِمَةِ أَعْدَائِهِ وَالنَّفْعِ الْأُخْرَوِيِّ قَالَ – النووي - وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِيَدِهِ فَالزِّرَاعَةُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا قُلْتُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بُحِثَ فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي وَلَمْ يَنْحَصِرِ النَّفْعُ الْمُتَعَدِّي فِي الزِّرَاعَةِ بَلْ كُلُّ مَا يُعْمَلُ بِالْيَدِ فَنَفْعُهُ مُتَعَدٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَهْيِئَةِ أَسْبَابِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفُ الْمَرَاتِبِ وَقَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى قَالَ بن الْمُنْذِرِ إِنَّمَا يَفْضُلُ عَمَلُ الْيَدِ سَائِرَ الْمَكَاسِبِ إِذَا نَصَحَ الْعَامِلُ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قُلْتُ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ أَنَّ الرِّزْقَ مِنَ الْكَسْبِ بَلْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ وَمِنْ فَضْلِ الْعَمَلِ بِالْيَدِ الشُّغْلُ بِالْأَمْرِ الْمُبَاحِ عَنِ الْبَطَالَةِ وَاللَّهْوِ وَكَسْرُ النَّفْسِ بِذَلِكَ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذِلَّةِ السُّؤَالِ وَالْحَاجَةِ إِلَى الْغَيْر ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ أَوَّلَهَا فِي التِّجَارَةِ وَالثَّانِي فِي الزِّرَاعَةِ وَالثَّالِثُ وَمَا بَعْدَهُ فِي الصَّنْعَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ اهـ
( فضل الاكتساب )
في الاكتساب  والعمل فوائد كثيرة أذكر منها :
( أ ) فيه معنى التوكل على الله وطلب الفضل منه ، قال تعالى : {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]
( ب ) يستعان به على الإنفاق في سبيل الله ، قال تعالى : {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]
( ج ) يتعفف به الإنسان عن ذل السؤال ، عن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ» رواه البخاري (2074) ومسلم ( 1042)
( د ) الانشغال به عن البطالة واللهو : قالل ابن حجر في فتح الباري (4/304) وَمِنْ فَضْلِ الْعَمَلِ بِالْيَدِ الشُّغْلُ بِالْأَمْرِ الْمُبَاحِ عَنِ الْبَطَالَةِ وَاللَّهْوِ وَكَسْرُ النَّفْسِ بِذَلِكَ اهـ
( هـ ) في العمل قوة للأمة لكثرة إنتاجها ، وإغناء أفرادها ، فيعود ذلك عليهم بالاستقرار النفسي ، الرعاية الصحية ، واستغنائها عن أعدائها ، والمهابة لها في أعينهم ، وغير ذلك من الحكم والفوائد التي تعود على الأمة انظر تمام المنة لشيخنا عادل العزازي ( 3/280)
( الترغيب في السماحة في البيع والشراء )
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» رواه البخاري (2076)
 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَحِمَ اللَّهُ!) : دُعَاءٌ أَوْ خَبَرٌ (رَجُلًا) أَيْ شَخْصًا (سَمْحًا) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ سَهْلًا وَجَوَادًا، يَتَجَاوَزُ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ (إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى) : أَيْ إِذَا طَلَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى غَرِيمٍ يَطْلُبُهُ بِالرِّفْقِ وَاللُّطْفِ لَا بِالْخُرْقِ وَالْعُنْفِ انظر مرقاة المفاتيح ( 5/1907 )
فضل من أنظر معسرا :
عن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ رواه البخاري (2078) ومسلم (1562) ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» رواه مسلم (1563) قال ابن حجر : فَإِذَا أُعْسِرَ الْمَدْيُونُ وَجَبَ إِنْظَارُهُ وَلَا سَبِيلَ إِلَى ضَرْبِهِ وَلَا إِلَى حَبْسِهِ انظر فتح الباري (4/ 309)
( كراهية السخب في السوق )
وهو الذي يرفع صوته في المعاملة ، فهذا يتنافى مع الوقار فعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: " أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45]، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا رواه البخاري (2125) قال ابن حجر : الصَّخَبُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْخِصَام انظر فتح الباري (4/343)
( تحريم البيع بالحلف الكاذب )
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» رواه مسلم (106)  وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً وَهُوَ فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ» فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] الآيَةَ رواه البخاري (2088)
قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (14/180)
ومعنى {بِعَهْدِ اللَّهِ}: أمره ونهيه، أو ما جعل في العقل من الزجر عن الباطل والانقياد إلى الحق {لَا خَلَقَ}: من الخلق، وهو النفسس، أو من الخلق أي: لا نصيب لهم مما يوجبه الخلق الكريم.
{وَلَا يُكلمُهُم} بما يسرهم، بل بما يسوءهم عند الحساب بقوله {إنَّ عَلَينَا حِسَابَهُم} [الغاشية: 26]، أو لا يكلمهم أصلًا، بل يكل حسابهم إلى الملائكة، ويسمع كلامه أولياؤه، أو يغضب عليهم كما تقول: فلان لا يكلم فلانًا.000قال الداودي: هذا جزاؤه إن لم يتب. وريد: أنه يتحلل صاحبه إلا أن يرضي الله خصمه بما شاء ويتجاوز عنه، أو يأخذ له من حسناته، أو يلقي عليه من سيئاته.
وأما الحلف فهو بينه وبين الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه اهـ
( كراهية الحلف من غير حاجة )
عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلرِّبْحِ» رواه البخاري (2087) ومسلم (1606) واللفظ له والحلف هنا هو الحلف الكاذب كما عند أحمد (7207) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ قال الألباني في الصحيحة (3363): صحيح على شرط مسلم اهـ وفي مرقاة المفاتيح (5/ 1909) :
 (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " الْحَلِفُ ") : أَيْ إِكْثَارُهُ أَوِ الْكَاذِبُ مِنْهُ (مَنْفَقَةٌ) : (" لِلسِّلْعَةِ ") : أَيْ مَظِنَّةٌ وَسَبَبٌ لِنِفَاقِهَا أَيْ: رَوَاجِهَا فِي ظَنِّ الْحَالِفِ (" مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ ") : أَيْ: سَبَبٌ لِذَهَابِ بَرَكَةِ الْمَكْسُوبِ إِمَّا بِتَلَفٍ يَلْحَقَهُ فِي مَالِهِ، أَوْ بِإِنْفَاذِهِ فِي غَيْرِ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إِلَيْهِ فِي الْعَاجِلِ، أَوْ ثَوَابُهُ فِي الْآجِلِ، أَوْ بَقِيَ عِنْدَهُ وَحَرُمَ نَفْعُهُ، أَوْ وَرِثَهُ مَنْ لَا يَحْمَدُهُ اهـ
( شروط البيع )
الشروط التي يصح بها البيع عند جماهير العلماء سبعة شروط هي :
الأول : الرضا : أي يشترط التراضي من البائع والمشتري، ودليل ذلك: أولا : قوله تعالى: { ... إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ... } (سورة النساء 29) ومعنى {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} : أي تجارة صادرة عن تراضٍ منكم.
 ثانيا : عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» رواه ابن ماجه (2185) وصححه الألباني 0
الثالث: أن النظر الصحيح يقتضي ذلك أيضاً؛ لأننا لو لم نشترط التراضي لأصبح الناس يأكل بعضهم بعضاً، فكل إنسان يرغب في سلعة عند شخص يذهب إليه ويقول له: اشتريتها منك بكذا قهراً عليك، وهذا يؤدي إلى الفوضى والشغب والعداوة والبغضاء قوله: «فلا يصح من مكره بلا حق» أي: لا يصح البيع من مكره بلا حق، والمكره هو الملجأ إلى البيع، أي: المغصوب على البيع، فلا يصح من المكره إلا بحق، فلو أن سلطاناً جائراً أرغم شخصاً على أن يبيع هذه السلعة لفلان فباعها، فإن البيع لا يصح؛ لأنها صدرت عن غير تراضٍ، ومثل ذلك ما لو علمت أن هذا البائع باع عليك حياءً وخجلاً، فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه ما دمت تعلم أنه لولا الحياء والخجل لم يبع عليك، ولهذا قال العلماء ـ رحمهم الله ـ: يحرم قبول هدية إذا علم أن الرجل أهداها له على سبيل الحياء والخجل؛ لأن هذا وإن لم يصرح بأنه غير راضٍ، لكن دلالة الحال على أنه غير راضٍ. وقوله: «فلا يصح من مكره بلا حق» أفادنا ـ رحمه الله ـ أنه إذا كان مكرهاً بحق فلا بأس؛ لأن هذا إثبات للحق، أي: إذا أكرهنا الإنسان على البيع بحق، فإن هذا إثبات للحق وليس ظلماً ولا عدواناً. مثال ذلك: شخص رهن بيته لإنسان في دين عليه وحل الدين فطالب الدائن بدينه، ولكن الراهن الذي عليه الدين أبى، ففي هذه الحال يجبر الراهن على بيع بيته؛ لأجل أن يستوفي صاحب الحق حقه فيرغم على ذلك. مثال آخر: أرض مشتركة بين شخصين وهي أرض صغيرة لا تمكن قسمتها، فطلب أحد الشريكين من الآخر أن تباع فأبى الشريك الآخر، فهنا تُباع الأرض قهراً على من امتنع؛ لأن هذا بحق من أجل دفع الضرر عن شريكه.
فالضابط إذاً: (أنه إذا كان الإكراه بحق فإن البيع يصح ولو كان البائع غير راض بذلك) ؛ لأننا هنا لم نرتكب إثماً لا بظلم ولا بغيره فيكون ذلك جائزاً.
مسألة ذكرها في الروض:
إذا أكره على شيء فباع ملكه من أجل دفع ما أكره عليه، بمعنى أنه جاء إنسان ظالم وأكرهه، وقال له: لا بد أن تدفع لي الآن مائة ألف ريال وإلا حبستك، والرجل ليس عنده شيء فباع بيته ليسدد مائة ألف ريال فما حكم بيعه لبيته؟
الجواب: إننا إذا طبقنا مسألتنا هذه على هذا الشرط، فهل هذا الرجل أكره على بيع البيت، أو أكره على دفع المال؟
الجواب: أكره على دفع المال، فجائز أن يذهب إلى شخص يستلف منه أو يستقرض أو يأخذ من الزكاة وما أشبه ذلك، إذاً فهو لم يكره على بيع البيت فيكون البيع صحيحاً.
بقي أن يقال: هل يكره أن يُشترى منه بيته؛ لأنه مكره على بيعه ولا يرغب أن يخرج عن ملكه؟
الجواب: قال الفقهاء: إنه يكره أن يُشترى منه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يكره؛ لأننا إذا اشترينا منه فقد أحسنا إليه لدفع ضرورته، والصحيح أن في ذلك تفصيلاً:
إن كان الناس كلهم سيُضربون عن شرائه ويؤدي ذلك إلى أن يتراجع المُكره، فهنا نقول: يحرمُ الشراء منه، ويجب علينا ألا نشتري إذا علمنا أن في ذلك رفعاً للإكراه.أما إذا كان المُكره لا يمكن أن يتراجع عن إكراهه، فلا وجه لكراهة الشراء منه، بل إن الشراء منه في الواقع إحسان إليه.انظر الشرح الممتع (8/107)
 [الثاني الرشد] يعني: أن يكون العاقد جائز التصرف، لأنه يعتبر له الرضى فاعتبر فيه الرشد كالإقرار.
[فلا يصح بيع المميز والسفيه مالم يأذن وليهما] فيصح لقوله تعالى: { {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} } سورة النساء (6) معناه: اختبروهم لتعلموا رشدهم. وإنما يتحقق بتفويض البيع والشراء إليهما، فالرشد هو جواز التصرف ، ويشترط فيه أربعة شروط : قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (8/111)
(1)         أن يكون حرّاً، وضده العبد، والعبد لا يصح بيعه ولا شراؤه إلا بإذن سيده؛ ووجه ذلك أن العبد لا يملك، فما في يد العبد ملك لسيده؛ والدليل على هذا، قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من باع عبداً له مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المُبتاع» ، فهنا نقول: العبد لا يصح بيعه إلا بإذن سيده
(2) أن يكون بالغاً، وضد البالغ الصبي.
ولهذا قال المؤلف: «فلا يصح تصرف صبي وسفيه بغير إذن ولي» حتى وإن كان مراهقاً له أربع عشرة سنة، وكان حاذقاً جيداً في البيع والشراء، فإنه لا يصح بيعه؛ لأنه صغير لم يبلغ.
والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] ، فاشترط الله لدفع أموالهم شرطين: بلوغ النكاح وذلك بالبلوغ، والرشد.
(3) أن يكون عاقلاً، وضده المجنون، فالمجنون لا يصح تصرفه، ومن ذلك المُهَذْري لا يصح بيعه، فلو أن رجلاً أصيب بالهذرات، أي: هرم وكبر، وجاء إلى إنسان، وقال له: أنا أبيع عليك بيتي وسيارتي فلا يصح البيع منه لفقد العقل، ومن شرط جواز التصرف أن يكون الإنسان عاقلاً.
 (4) أن يكون رشيداً، والرشيد هو الذي يحسن التصرف في ماله، بحيث لا يبذله في شيء محرم، ولا في شيء لا فائدة منه، كأن يبيع الشيء الذي يساوي مائة بعشرة، أو يشتري ما يساوي عشرة بمائة، فالمهم أنه يحسن التصرف، وضد الرشيد السفيه؛ ولهذا قال المؤلف: «وسفيه» أي ولا يصح تصرف سفيه بغير إذن وليّ، فإن أذن له فلا بأس. والولي هو من يتولى مال السفيه، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في «باب الحجر» من الذي يتولى مال السفيه، ولكن ظاهر كلام المؤلف أنه يصح إذن الولي للسفيه بالتصرف المطلق والمعين.
المطلق، بأن يقول: خذ هذا المال واتجر به.
والمعين، أن يقول: خذ هذا المال اتجر به في شيء معين كبيع الدجاج، أو بيع البيض، أو بيع الأشياء الخفيفة، هذا ظاهر كلام المؤلف، ولكن هذا الظاهر غير مراد، بل يقال: بغير إذن وليه في الشيء المعين بأن يأتي إليه، ويقول: أنا أريد أن أشتري مثلاً دبَّاباً، فيقول: اشتر، أو يأتي إليه ويقول: أنا أريد أن أبيع دبَّابي ـ مثلاً ـ فيقول: بعه، إلا في الشيء اليسير الذي جرت العادة بإعطاء الصغار إياه فلا بأس.
ولكن هل يجوز أن يأذن للسفيه أو الصبي إرضاء لهما من غير مراعاة المصلحة المالية؟ الجواب: لا، ولذلك نقول: يحرم على الولي أن يأذن بدون مصلحة؛ لقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ} [الأنعام: 24]  اهـ
[الثالث: كون المبيع مالاً] وهو: ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة كالمأكول، والمشروب، والملبوس، والمركوب، والعقار، والعبيد والإماء، لقوله تعالى: { ... وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ... } سورة البقرة ( 275) قال بعض العلماء : لكي يصح بيع شيء يشترط فيه ثلاثة شروط : الأول: أن يكون فيها نفع. فلا يصح بيع الحشرات كالصراصير 0
الثاني: أن يكون النفع مباحاً.فلا يصح بيع المحرم مثل آلات اللهو ، فإنه لا يجوز بيعها لأن نفعها محرم وكذلك الخمر؛ لأن منفعته محرمة.
الثالث: أن تكون الإباحة بلا حاجة.وقولنا: من غير حاجة، احترازاً مما إذا كانت مباحة النفع لحاجة كالكلب، فالكلب يباح نفعه لكن لا مطلقاً بل لحاجة كالصيد، والحرث والماشية، فلا يصح بيع الكلب، حتى وإن كان كلب صيد، ولو كان معلماً مع أن فيه نفعاً مباحاً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ثمن الكلب – رواه البخاري (2086) ومسلم (1567).ذكره ابن عثيمين في الشرح الممتع (8/ 113) وسيأتي كل ذلك بالتفصيل ؟
 ( الرابع ) أن يكون المبيع ملكاً للبائع، أومأذوناً له فيه وقت العقد] وجملة ذلك : أنه لا يصح أن يبيع أو يشتري شيئا مملوكا لغيره أو غير مأذون له في ذلك ؛ لأنه سوف يكون سببا للفوضى والعدوان ، وأكلا لأموال الناس بالباطل : قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ومعلوم أنه لا يوجد أحد يرضى أن يتصرف غيره في ماله ويبيعه.
 وعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ؟ فَقَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رواه أبو داود (3503) وصححه الألباني  فنهاه أن يبيع ما ليس عنده، والمراد ما ليس في حوزته أو ما ليس قادراً عليه، كما سيأتي إن شاء الله
 ( من هو المأذون له شرعا في التصرف في المال )
قلت : أربعة وهم :
قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع (8/128) قوله: «أو من يقوم مقامه» يعني من يقوم مقام المالك وهم أربعة أصناف: الوكيل، والوصي، والولي، والناظر، هؤلاء هم الذين يقومون مقام المالك.
 فالوكيل هو من أُذن له بالتصرف في حال الحياة، كرجل أعطى شخصاً سيارته، وقال: بعها، فهذا وكيل يصح أن يبيعها؛ لأنه قائم مقام المالك بالتوكيل؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وكّل في البيع والشراء ، وهذا دليل من السنة. الوصي وهو من أمر له بالتصرف بعد الموت، مثل أن يوصي شخص بشيء من ماله إلى زيد، فهذا الموصى إليه يجوز أن يتصرف فيما وصي فيه بما يراه أصلح، وهو ليس بمالك، ولكنه قائم مقام المالك.
الناظر هو الذي جعل على الوقف، أي: وكل في الوقف، مثل أن يقول رجل: هذا البيت وقف على الفقراء والمساكين، والناظر عليه فلان ابن فلان، فهذا ـ أيضاً ـ يصح تصرفه مع أنه ليس بمالك، لكنه قائم مقام المالك، ونسمي هذا ناظراً، وقد وقف عمر ـ رضي الله عنه ـ ما ملكه في خيبر، وقال: تَلِيهِ حَفْصَةُ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا– رواه أبو داود (2879) وصححه الألباني - ، فحفصة جعلها عمر ـ رضي الله عنهما ـ ناظرة على وقفه.
الولي: هو من يتصرف لغيره بإذن الشارع.
والولاية نوعان: عامة وخاصة.
فالعامة ولاية الحكام، كالقضاة مثلاً، فإن لهم ولاية عامة على الأموال المجهول مالكها، وعلى أموال اليتامى إذا لم يكن لهم ولي خاص، وعلى غير ذلك.
أما الولاية الخاصة فهي الولاية على اليتيم من شخص خاص، كولاية العم على ابن أخيه اليتيم، وجعلنا هذا وليّاً ولم نجعله وكيلاً؛ لأنه استفاد تصرفه عن طريق الشرع، والوكيل
والوصي والناظر عن الطريق الخاص بالمالك، أما الولي فولايته مستفادة من الشرع.
وعلى هذا، فإذا وكل إنسان إنساناً في بيع شيء فباعه صح، مع أن الوكيل ليس بمالك، ولكنه قائم مقام المالك، لكن يجب على الوكيل أن يتصرف بما يراه أصلح، فإذا كانت السلعة تزيد فإنه لا يبيعها حتى تنتهي الزيادة، بخلاف الذي يتصرف لنفسه فإنه يجوز أن يبيع السلعة بما هو دون، والفرق بينهما أن المتصرف لغيره يجب أن يتصرف بالأحظ، والمتصرف لنفسه يتصرف بما شاء، فمثلاً لو أعطيت هذا الرجل مسجلاً يبيعه، فصار الناس يزيدون في المسجل حتى بلغ مائة أو مائتين، فلا يجوز له أن يبيعه والناس يزيدون فيه حتى يقف السعر، لكن لو باعه مالكه بمائة ريال وهو يساوي مائتين جاز؛ لأن المالك يتصرف لنفسه، وذاك يتصرف لغيره.
وانظر إلى هذه المسألة وهي التصرف للغير بالأحظ، حتى في العبادات، فالإمام يجب أن يصلي بالناس حسب السنة، وغيره يصلي ما شاء، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء» أخرجه البخاري (703) ؛ ومسلم (467)
الخامس: القدرة على تسليمه. فلا يصح بيع الآبق، والشارد ، ولو لقادر على تحصيلهما الآبق هو العبد الهارب من سيده، والشارد هو الجمل الهارب من صاحبه.
 فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن بَيْعِ الْغَرَرِ رواه مسلم (1513) قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (8/ 143) ووجه كونه غرراً أن المعجوز عن تسليمه لا بد أن تنقص قيمته، وحينئذٍ إن تمكن المشتري من تسلُّمِه صار غانماً، وإن لم يتمكن صار غارماً، وهذا هو الضرر. والذي لا يقدر على تسليمه لا شك أنه غرر، إذ قد يبذل المشتري الثمن ولا يستفيد 000 ولكن الصحيح الذي مشى عليه في الروض  ، أنه إذا كان مرئياً يسهل أخذه فإنه يجوز بيعه، كالسمك الذي يكون في برك بعض البساتين، لكن سمك في البحر أو في نهر لا يصح بيعه اهـ قال في الشرح الكبير على المقنع (11/ 89) أن يكونَ مَقْدُورًا على تَسْلِيمِه، فلا يَجُوز بَيْعُ الآبِقِ، ولا الشارِدِ، ولا الطَّيْرِ في الهَواءِ، ولا السَّمَكِ في الماءِ، ولا المَغْصُوبِ إلَّا مِن غاصِبِه، أو مِمَّن يَقْدِرُ على أَخْذِه منه) بَيْعُ العَبْدِ الآبِقِ لا يَجُوزُ، سَواءٌ عَلِمَ بمكَانِه أو جَهِلَه. وكذلك ما في مَعْناهُ؛ مِن الجَمَلِ الشارِدِ، والفَرَسِ العائِرِ وَشِبْهِهما. وبه قال مالِكٌ، والشّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وأصْحَابُ الرَّأْى. ورُوِىَ عن ابنِ عمرَ أنّه اشْتَرَى مِن بعضِ ولَدِه بَعِيرًا شارِدًا. وعن ابنِ سِيرِينَ؛ لا بَأْسَ بِبَيْعِ الآبِقِ، إذا كان عِلْمُهما فيه واحِدًا. وعن شُرَيْحٍ مِثْلُه. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: نَهَى رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بَيْعِ الحَصَاةِ، وعن بَيْعِ الغَرَرِ. رَواهُ مُسْلِمٌ. وهذا بَيْعُ غَرَرٍ، ولأنَّه غيرُ مَقْدُورٍ على تَسْلِيمِه، فلم يَجُزْ بَيْعُه، كالطَّيْرِ في الهَواءِ، فإنْ حَصَلَ في يَدِ إنْسَانٍ، جازَ بَيْعُه؛ لإِمْكانِ تَسْلِيمِه اهـ
[السادس: معرفة الثمن والمثمن] لأن جهالتهما غرر، فيشمله النهي عن بيع الغرر ومعرفته.
[إما بالوصف] – سيأتي بيان مسألة البيع بالصفة هل يجوز أو لا وخلاف أهل العلم في ذلك - [إما بالوصف]  بما يكفي في السلم فيما يجوز السلم فيه خاصة فيصح البيع به، ثم إن وجده متغيراً فله الفسخ. قاله في الشرح.
[أو المشاهدة حال العقد، أو قبله بيسير] لا يتغير فيه المبيع عادة لحصول العلم بالمبيع بتلك المشاهدة. انظر منار السبيل (1/309)
قال النووي في المجموع (9/171) يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ فِي حَالِ الْعَقْدِ فَيَقُولُ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا فَقَالَ الْمُخَاطَبُ اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلْقَابِلِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ اهـ
[السابع: أن يكون منجزاً لا معلقاً، كبعتك إذا جاء رأس الشهر، أو إن رضى زيد] لأنه غرر، ولأنه عقد معاوضة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالنكاح. قاله في الكافي.
[ويصح بعت وقبلت إن شاء الله] لعدم الغرر، ولأنه يقصد للتبرك لا للتردد [ومن باع معلوماً ومجهولاً لم يتعذر علمه] كهذا العبد وثوب ونحوه.
[صح في المعلوم بقسطه] من الثمن، لصدور البيع فيه من أهله، وعدم الجهالة، لإمكان معرفته بتقسيط الثمن على كل منهما، وبطل في المجهول للجهالة.
[وإن تعذر معرفة المجهول] كبعتك هذه الفرس، وحمل الأخرى بكذا.
[ولم يبين ثمن المعلوم فباطل] بكل حال. قال في الشرح: لا أعلم فيه خلافاً. انظر منار السبيل (1/309)
( الشروط في البيع )
الشروط في البيع منها :
شرط صحيح :
وهو الموافق للأدلة الشرعية ( من الكتاب – والسنة – والإجماع - ومن الشروط في البيع ما هو فاسد لوقوع الغرر والجهالة أو الربا وما أشبه ذلك من الأمور المحرمة 0
الشروط الفاسدة ، وهي :
1-    ما يبطل العقد من أصله :
كبيع وسلف ، وذلك مثل قول البائع للمشتري : أبيعك هذه السلعة بمائة على أن تسلفني ألفا ؛ فهذا الشرط حرام ؛ لأنه قرض جر منفعة فهو ربا ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وشيخ الإسلام وابن القيم وغيرهم ولا أعلم لهم مخالفا انظر الفقه الميسر (3/11)  عن عبد الله بن عمرو قال : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ رواه الترمذي (1234) حديث حسن قال الترمذي : حسن صحيح وأقره عبد الحق فى " أحكامه " (ق 154/2) وحسنه الألباني والأرنؤوط 0
( هل يفسد العقد بشرط أو بشرطين فأكثر )
عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، رواه الترمذي (1234) حديث حسن قال الترمذي : حسن صحيح وأقره عبد الحق فى " أحكامه " (ق 154/2) وحسنه الألباني والأرنؤوط قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/213) وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ مَا فِيهِ شَرْطَان اهـ
اختلفوا في صحة البيع مع شرط على قولين :
القول الأول : ذهب قوم إلى عدم جواز بيع وشرط وهذا مذهب الشافعي وأبو حنيفة انظر نيل الأوطار ، ودليلهم : نهى عن بيع وشرط  وأجيب : قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (18/63) فِي أَحَادِيثَ يَحْتَجُّ بِهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَشْيَاءَ وَهِيَ بَاطِلَةٌ: مِنْهَا: قَوْلُهُمْ: إنَّهُ {نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ} فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يُرْوَى فِي حِكَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ اهـ وضعفه جدا الألباني وقد أنكره أحمد انظر الضعيفة (491)
القول الثاني : ذهب قوم إلى جواز بيع وشرط وهذا مذهب أحمد والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور والبخاري وابن حجر انظر الفقه الميسر (3/14) وهو الراجح والدليل : 1-  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بِعْتُهُ يَعْنِي بَعِيرَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَرَطْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، قَالَ فِي آخِرِهِ: «تُرَانِي إِنَّمَا مَاكَسْتُكَ لِأَذْهَبَ بِجَمَلِكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَثَمَنَهُ فَهُمَا لَكَ» رواه البخاري (2718) ومسلم  (715) وأبو داود (3505) واللفظ له قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/212) والحديث - يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ الرُّكُوبِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ إذَا كَانَتْ مَسَافَةُ السَّفَرِ قَرِيبَةً وَحَدَّهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتْ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الثُّنْيَا، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ قِصَّةُ عَيْنٍ تَدْخُلُهَا الِاحْتِمَالَاتُ وَيُجَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ مُطْلَقًا فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الثُّنْيَا فَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يُعْلَمَ اهـ
قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/213) وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ – أي حديث عبد الله بن عمرو السابق - بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: إنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ شَرْطًا وَاحِدًا صَحَّ وَإِنْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ فَيَصِحُّ مَثَلًا أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ ثَوْبِي عَلَى أَنْ أَخِيطَهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ أُقَصِّرَهُ وَأَخِيطَهُ، وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالشَّرْطَيْنِ اهـ
( الخيار في البيع )
معناه :
وَالْخِيَارُ اسْمٌ مِنَ الِاخْتِيَارِ أَوِ التَّخْيِيرِ وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ انظر فتح الباري (4/326) وهو أنواع :
1- ( خيار المجلس )
عن حَكِيم بْن حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا رواه البخاري (2110) ومسلم (1532) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا البَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ رواه البخاري (2112) ومسلم (1531) قَوْلُهُ: (الْبَيِّعَانِ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ، يَعْنِي: الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَالْبَيِّعُ هُوَ الْبَائِعُ أُطْلِقَ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ، أَوْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ كَمَا سَلَفَ. قَوْلُهُ: (بِالْخِيَارِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ مِنْ الِاخْتِيَارِ أَوْ التَّخْيِيرِ، وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ هُنَا: خِيَارُ الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) قَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ الْمُعْتَبَرُ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ، أَوْ بِالْأَقْوَالِ؟ فَابْنُ عُمَرَ حَمَلَهُ عَلَى التَّفْرِيقِ بِالْأَبْدَانِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْهُ فِي الْبَابِ، وَكَذَلِكَ حَمَلَهُ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ: وَلَا يُعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ أَيْضًا: وَنَقَلَ ثَعْلَبٌ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ يُقَالُ: افْتَرَقَا بِالْكَلَامِ وَتَفَرَّقَا بِالْأَبْدَانِ، وَرَدَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّفَرُّقِ بِالْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاعْتِقَادِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ لَازِمِهِ فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ خَالَفَ آخَرَ فِي عَقِيدَتِهِ كَانَ مُسْتَدْعِيًا لِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُ بِبَدَنِهِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ، وَالْحَقُّ حَمْلُ كَلَامِ الْفَضْلِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ بِالْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ أَحَدُهُمَا فِي مَوْضِعِ الْآخَرِ اتِّسَاعًا انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ حَمْلَ التَّفْرِيقِ عَلَى تَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا، وَرِوَايَاتُ حَدِيثِ الْبَابِ بَعْضُهَا بِلَفْظِ التَّفَرُّقِ، وَبَعْضُهَا بِلَفْظِ الِافْتِرَاقِ كَمَا عَرَفْتَ، فَإِذَا كَانَتْ حَقِيقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالِفَةً لِحَقِيقَةِ الْآخَرِ كَمَا سَلَفَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمَجَازِ تَوَسُّعًا، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ حَقِيقَةِ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ فَيُحْمَلُ مَا دَلَّ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ، وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إرَادَةِ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ: «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا» وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ فَإِنَّ فِيهِ الْبَيَانَ الْوَاضِحَ أَنَّ التَّفَرُّقَ بِالْبَدَنِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَعَلَى هَذَا وَجَدْنَا أَمْرَ النَّاسِ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ، وَظَاهِرُ الْكَلَامِ، فَإِذَا قِيلَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ التَّمْيِيزَ بِالْأَبْدَانِ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ تَفَرُّقَ الْأَقْوَالِ كَمَا يَقُولُ أَهْلُ الرَّأْيِ لَخَلَا الْحَدِيثُ عَنْ الْفَائِدَةِ وَسَقَطَ مَعْنَاهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَبُولُ الْمَبِيعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ. وَكَذَلِكَ الْبَائِعُ خِيَارُهُ فِي مِلْكِهِ ثَابِتٌ قَبْلَ أَنْ يُعْقَدَ الْبَيْعُ، وَهَذَا مِنْ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي اسْتَقَرَّ بَيَانُهُ قَالَ: وَثَبَتَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَعَاقِدَانِ، وَالْبَيْعُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْ أَفْعَالِ الْفَاعِلِينَ، وَلَا يَقَعُ حَقِيقَةً إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُمْ كَقَوْلِهِ: زَانٍ وَسَارِقٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَعَاقِدَانِ وَلَيْسَ بَعْدَ الْعَقْدِ تَفَرُّقٌ إلَّا التَّمْيِيزَ بِالْأَبْدَانِ انْتَهَى. فَتَقَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفَرُّقِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ تَفَرُّقُ الْأَبْدَانِ، وَبِهَذَا تَمَسَّكَ مَنْ أَثْبَتَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَمِنْ التَّابِعِينَ شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءُ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُمْ الْبُخَارِيُّ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْقَوْلَ بِهِ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمْ، وَبَالَغَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ التَّابِعِينَ إلَّا النَّخَعِيّ وَحْدَهُ، وَرِوَايَةٌ مَكْذُوبَةٌ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالصَّحِيحُ عَنْهُ الْقَوْلُ بِهِ، وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْبَاقِرُ وَالصَّادِقُ وَزَيْنُ الْعَابِدِينَ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى وَالنَّاصِرُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى، نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْبَحْرِ.
وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَذَهَبَتْ الْمَالِكِيَّةُ إلَّا ابْنَ حَبِيبٍ وَالْحَنَفِيَّةُ كُلُّهُمْ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ إلَى أَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ الصَّفْقَةُ فَلَا خِيَارَ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْإِمَامِيَّةِ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْقَاسِمِيَّةِ وَالْعَنْبَرِيِّ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا نَعْلَمُ سَلَفًا إلَّا إبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ.
وَأَمَّا قَبْلَهُ فَالْخِيَارُ ثَابِتٌ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلِأَهْلِ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَجْوِبَةٌ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهُ لِكَوْنِهِ مُعَارِضًا لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] قَالُوا: وَلَوْ ثَبَتَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَكَانَتْ الْآيَةُ غَيْرَ مُفِيدَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ إنْ وَقَعَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يُطَابِقْ الْأَمْرَ، وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا، وقَوْله تَعَالَى: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الرِّضَا يَتِمُّ الْبَيْعُ، وقَوْله تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] لِأَنَّ الرَّاجِعَ عَنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَفِ بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَالْخِيَارُ بَعْدَ الْعَقْدِ يُفْسِدُ الشَّرْطَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ التَّحَالُفِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِاقْتِضَائِهِ الْحَاجَةَ إلَى الْيَمِينِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ الْعَقْدِ، وَلَوْ ثَبَتَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَكَانَ كَافِيًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ عَلَى فَرْضِ شُمُولِهَا لِمَحَلِّ النِّزَاعِ أَعَمُّ مُطْلَقًا، فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَالْمَصِيرُ إلَى التَّرْجِيحِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، وَمِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الثَّانِي مَنْ أَجَابَ عَنْ أَحَادِيثِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ مَهْمَا أَمْكَنَ لَا يُصَارُ مَعَهُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَالْجَمْعُ هُنَا مُمْكِنٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِغَيْرِ تَعَسُّفٍ وَلَا تَكَلُّفٍ انْتَهَى، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ إثْبَاتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فِي إلْحَاقِ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ لِمُصَادَمَتِهِ النَّصَّ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ تَحْسِينًا لِلْمُعَامَلَةِ مَعَ الْمُسْلِمِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِدَلِيلٍ، وَهَكَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُحْمَلُ التَّفَرُّقُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ عَلَى التَّفَرُّقِ فِي الْأَقْوَالِ كَمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَالْإِجَارَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ ظُهُورِ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْقُلُ مِنْهُ مِلْكَ رَقَبَةِ الْمَبِيعِ وَمَنْفَعَتِهِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُتَبَايِعِينَ الْمُتَسَاوِمَانِ قِيلَ فِي الْفَتْحِ: وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَجَازٌ فَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا أَوْلَى، وَقَدْ احْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِآيَاتٍ وَأَحَادِيثَ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا الْمَجَازُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ فِي مَوَاضِعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَمَنْ نَفَى خِيَارَ الْمَجْلِسِ ارْتَكَبَ مَجَازَيْنِ لِحَمْلِهِ التَّفَرُّقَ عَلَى الْأَقْوَالِ وَحَمْلِهِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ، وَأَيْضًا فَكَلَامُ الشَّارِعِ يُصَانُ عَنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَقْدِيرُهُ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ إنْ شَاءَا عَقَدَا الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَا لَمْ يَعْقِدَاهُ، وَهُوَ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْرِفُ ذَلِكَ. وَلِأَهْلِ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَجْوِبَةٌ غَيْرُ هَذِهِ فَمِنْهَا مَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ، وَمِنْهَا غَيْرُهُ وَقَدْ بَسَطَهَا صَاحِبُ الْفَتْحِ، وَأَجَابَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَا مَا كَانَ يَحْتَاجُ مِنْهَا إلَى الْجَوَابِ، وَتَرَكْنَا مَا كَانَ سَاقِطًا فَمَنْ أَحَبَّ الِاسْتِيفَاءَ فَلْيَرْجِعْ إلَى الْمُطَوَّلَاتِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفَرُّقِ تَفَرُّقُ الْأَبْدَانِ هَلْ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالْمَشْهُورُ الرَّاجِحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى الْعُرْفِ فَكُلّ مَا عُدَّ فِي الْعُرْفِ تَفَرُّقًا حُكِمَ بِهِ وَمَا لَا فَلَا قَوْلُهُ: (فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا) أَيْ: صَدَقَ الْبَائِعُ فِي إخْبَارِ الْمُشْتَرِي وَبَيَّنَ الْعَيْبَ إنْ كَانَ فِي السِّلْعَةِ وَصَدَقَ الْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَبَيَّنَ الْعَيْبَ إنْ كَانَ فِي الثَّمَنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصِّدْقُ وَالْبَيَانُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَذِكْرُ أَحَدِهِمَا تَأْكِيدٌ لِلْآخَرِ قَوْلُهُ: (مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ شُؤْمَ التَّدْلِيسِ وَالْكَذِبِ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ فَمَحَقَ بَرَكَتَهُ.
وَإِنْ كَانَ مَأْجُورًا وَالْكَاذِبُ مَأْزُورًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ التَّدْلِيسُ بِالْعَيْبِ دُونَ الْآخَرِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) وَرُبَّمَا قَالَ: أَوْ يَكُونُ بَيْعَ الْخِيَارِ، قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ امْتِدَادِ الْخِيَارِ إلَى التَّفَرُّقِ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُمَا إنْ اخْتَارَا إمْضَاءَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَقَدْ لَزِمَ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ وَبَطَلَ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ، فَالتَّقْدِيرُ: إلَّا الْبَيْعَ الَّذِي جَرَى فِيهِ التَّخَايُرُ، وَقِيلَ: هِيَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَيْ: فَيَشْتَرِطُ الْخِيَارَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَارُ بِالتَّفَرُّقِ، بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ.
حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ أَقَلُّ فِي الْإِضْمَارِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ " مُعَيِّنٌ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَإِذَا كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ كَانَ عَنْ خِيَارٍ.
فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ وَجَبَ الْبَيْعُ وَقِيلَ: وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ إثْبَاتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَالْمَعْنَى: أَوْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَيَخْتَارُ عَدَمَ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَيَنْتَفِي الْخِيَارُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا أَضْعَفُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَتَخَايَرَا وَلَوْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَلَوْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ قَوْلٌ يَجْمَعُ التَّأْوِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ رِوَايَةً لِلْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أَوْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ. إنْ حُمِلَتْ " أَوْ " عَلَى التَّقْسِيمِ لَا عَلَى الشَّكِّ قَوْلُهُ: (أَوْ يُخَيِّرْ) بِإِسْكَانِ الرَّاءِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَيُحْتَمَلُ نَصْبُ الرَّاءِ عَلَى أَنَّ " أَوْ " بِمَعْنَى: إلَّا أَنْ، كَمَا قِيلَ: إنَّهَا كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ
قَوْلُهُ: (قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ) هُوَ مَوْصُولٌ بِإِسْنَادِ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ التَّفَرُّقَ الْمَذْكُورَ بِالْأَبْدَانِ كَمَا تَقَدَّمَ انظر نيل الأوطار (5/219)
2 - ( خيار الشرط )
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «المُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الخِيَارِ» رواه البخاري (2111) ومسلم (1531)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا البَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ رواه البخاري (2112) ومسلم (1531) خيار الشرط، نحو أن يشترط الخيار في البيع مدة معلومة، فيجوز بالإجماع، ويثبت فيما يتفقان عليه من المدة المعلومة، وإن زادت على ثلاث، لأنه حق يعتمد الشرط، فجاز ذلك فيه انظر الكافي (2/27) قال البدر العيني في عمدة القاري (11/229) قَالَ النَّوَوِيّ: معنى أَو يُخَيّر أَحدهمَا الآخر، يَقُول لَهُ: إختر أَي: إِمْضَاء البيع، فَإِذا اخْتَار وَجب البيع، أَي: لزم وانبرم، فَإِن خير أَحدهمَا الآخر فَسكت لم يَنْقَطِع خِيَار السَّاكِت، وَفِي انْقِطَاع خِيَار الْقَائِل وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا: أصَحهمَا الِانْقِطَاع، لظَاهِر لفظ الحَدِيث. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا أوضح شَيْء فِي ثُبُوت خِيَار الْمجْلس، وَهُوَ مُبْطل لكل تَأْوِيل مُخَالف لظَاهِر الْأَحَادِيث، وَكَذَلِكَ قَوْله فِي آخِره: (وَإِن تفَرقا بعد أَن تبَايعا) فِيهِ الْبَيَان الْوَاضِح أَن التَّفَرُّق بِالْبدنِ هُوَ الْقَاطِع للخيار، وَلَو كَانَ مَعْنَاهُ التَّفَرُّق بالْقَوْل لخلا الحَدِيث عَن فَائِدَة. انْتهى. قلت: قَوْله: أوضح شَيْء فِي ثُبُوت خِيَار الْمجْلس فِيمَا إِذا أوجب أحد الْمُتَبَايعين، وَالْآخر مُخَيّر، إِن شَاءَ قبله وَإِن شَاءَ رده، وَأما إِذا حصل الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي الطَّرفَيْنِ فقد تمّ العقد، فَلَا خِيَار بعد ذَلِك إلاَّ بِشَرْط شَرط فِيهِ أَو خِيَار الْعَيْب اهـ
3- ( خيار الرؤية )
الراجح أنه إذا اشترى شيئا لم يره كان له الخيار حتى يراه ، فإذا رآه كان مخيرا ، إن شاء قبله ، وإن شاء فسخ البيع ، وكذلك إذا اشترط المشتري في المبيع صفة ما ، ثم وجد المبيع على غير هذه الصفة فللمشتري الحق في فسخ العقد أو إمضائه وهذا ما عليه جمهور العلماء ، ويرى ابن حزم رحمه الله أنه إذا رأى المبيع على غير صفته بطل البيع أصلا ولم ينعقد انظر تمام المنة ( 3/345)
4- خِيَار الْغَبْنِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي البُيُوعِ، فَقَالَ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ» رواه البخاري (2117) ومسلم  (1533)
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى خِيَارِ الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا حَصَلَ الْغَبْنُ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ بِالْغَبْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَلَكِنْ إذَا كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا لِمَنْ لَا يَعْرِفُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنْ يَبْلُغَ الْغَبْنُ ثُلُثَ الْقِيمَةِ، وَلَعَلَّهُمْ أَخَذُوا التَّقْيِيدَ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ مُطْلَقِ الْغَبْنِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَأَنَّهُ مَنْ رَضِيَ بِالْغَبْنِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى غَبْنًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّسَاهُلِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي أَثْنَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَاعِلِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرَّجُلَ سَهْلَ الْبَيْعِ سَهْلَ الشِّرَاءِ.
وَذَهَبَتْ الْجَمَاهِيرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالْغَبْنِ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْبَيْعِ وَنُفُوذِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْغَبْنِ أَوَّلًا قَالُوا: وَحَدِيثُ الْبَابِ إنَّمَا كَانَ الْخِيَارُ فِيهِ لِضَعْفِ عَقْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ إلَّا أَنَّهُ ضَعْفٌ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ حَدِّ التَّمْيِيزِ فَتَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ مَعَ الْغَبْنِ قُلْتُ: وَيَدُلُّ لِضَعْفِ عَقْلِهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ " أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُبَايِعُ وَكَانَ فِي عَقْلِهِ " أَيْ أَدْرَكَهُ " ضَعْفٌ " وَلِأَنَّهُ لَقَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الْخِدَاعِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الْخِدَاعِ لِيَكُونَ مِنْ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّ الْخَدِيعَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فِي الْغَيْبِ أَوْ فِي الْمِلْكِ أَوْ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْغَبْنِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا فِي الْغَبْنِ بِخُصُوصِهِ، وَهِيَ قِصَّةٌ خَاصَّةٌ لَا عُمُومَ فِيهَا.
قُلْت فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ – رواه أحمد (6134) بسند حسن - إنَّهُ شَكَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْقَى مِنْ الْغَبْنِ وَهِيَ تَرُدُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ إذَا قَالَ الرَّجُلُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي لَا خِلَابَةَ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَبْنٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ كَانَ يُغْبَنُ وَأَثْبَتَ الْهَادَوِيَّةُ الْخِيَارَ بِالْغَبْنِ فِي صُورَتَيْنِ الْأُولَى مَنْ تَصَرَّفَ عَنْ الْغَيْرِ، وَالثَّانِيَةُ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ مُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ دَلِيلٌ لَهُمْ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ فِي عَقْلِهِ ضَعْفٌ دُونَ الْأُولَى انظر سبل السلام (2/48) يدخل في هذا الخيار ما سيأتي من بيع المصراة ، وتلقي الركبان ، وبيع الحاضر للبادي ، وبيع النجش ، أو أي غبن آخر يخرج عن العادة ، فله حق الخيار ، أما إذا كان الغبن يسيرا ، لا يخرج عن العادة ، فلا شيء عليه ، انظر تمام المنة (3/345)
5- ( خيار العيب )
خيار العيب: هو أن يكون لأحد العاقدين الحق في فسخ العقد أو إمضائه إذا وجد عيب في أحد البدلين، ولم يكن صاحبه عالماً به وقت العقد.
فسبب هذا الخيار: هو ظهور عيب في المعقود عليه أو في بدله ينقص قيمته أو يخل بالغرض المقصود منه، ولم يكن صاحبه مطلعاً على العيب عند التعاقد، فسمي خيار العيب.
وثبوت هذا الخيار مشروط دلالة أو ضمناً؛ لأن سلامة المعقود عليه أو بدله مطلوبة للعاقد، وإن لم يشترطها صراحة. فإذا لم تتوافر السلامة اختل رضا العاقد بالعقد، والرضا أساس العقود، فشرع له الخيار لتدارك الخلل الحادث.
وإذا لم تتوافر السلامة لم يتحقق أيضاً مبدأ التعادل في التبادل الذي تقوم عليه عقود المعاوضات، فشرع هذا الخيار حفاظاً على مبدأ المساواة هذا.
وقد أثبت الشرع هذا الخيار لمن فوجئ بالعيب بأحاديث نبوية متعددة منها: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» - رواه ابن ماجه (2246) وصححه الألباني - ، ومر النبي صلّى الله عليه وسلم برجل يبيع طعاماً، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول، فقال: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا » - رواه مسلم (102) -.
ويثبت خيار العيب وخيار الرؤية في العقود اللازمة التي تحتمل الفسخ، كعقد البيع، والإيجار، وقسمة الأعيان والصلح على عوض عيني انظر الفقه الإسلامي (4/ 3116)
قال ابن المنذر: إن الحسن وشريحا وعبد الله بن الحسن وابن أبي ليلى والثوري وأصحاب الرأي يقولون:إذا اشترى سعلة فعرضها للبيع بعد علمه بالعيب بطل خياره وهذا قول الشافعي انظر فقه السنة (3/113)
 ( البيوع المحرمة )
الأصل في البيع الجواز قال تعالى : {وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ} [البقرة: 275] فكل بيع وكل عقد لم يأت فيه دليل على تحريمه فهو حلال ، فيحتاج الأمر إذا إلى بيان المحرمات في هذه المعاملات ، وهي
 (تحريم بيع الميتة) :
 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لاَ، هُوَ حَرَامٌ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» رواه البخاري (2236) ومسلم  (1581)
قال ابن المنذر ( الإجماع على تحريم بيع الميتة انظر الإجماع (52)
قال الصنعاني في سبل السلام (2/4) :
وَالْمَيْتَةِ) مَا زَالَتْ عَنْهُ الْحَيَاةُ لَا بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّة 00فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ مَا ذُكِرَ قِيلَ: وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ هِيَ النَّجَاسَةُ وَلَكِنَّ الْأَدِلَّةَ عَلَى نَجَاسَةِ الْخَمْرِ غَيْرُ نَاهِضَةٍ وَكَذَا نَجَاسَةُ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ فَمَنْ جَعَلَ الْعِلَّةَ النَّجَاسَةَ عَدَّى الْحُكْمَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ كُلِّ نَجَسٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الْأَزْبَالِ النَّجِسَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ لِاحْتِيَاجِ الْمُشْتَرِي دُونَهُ وَهِيَ عِلَّةٌ عَلِيلَةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ الْعِلَّةَ النَّجَاسَةَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْهَضُ دَلِيلٌ عَلَى التَّعْلِيلِ بِذَلِكَ بَلْ الْعِلَّةُ التَّحْرِيمُ وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ، فَجَعَلَ الْعِلَّةَ نَفْسَ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَذْكُرْ عِلَّةً: هَذَا وَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَيْتَةِ شَعْرُهَا وَصُوفُهَا وَوَبَرُهَا لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّهَا الْحَيَاةُ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمَيْتَةِ وَقِيلَ إنَّ الشُّعُورَ مُتَنَجِّسَةٌ وَتَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَجَوَازُ بَيْعِهَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ إلَّا الثَّلَاثَةَ الَّتِي هِيَ نَجِسَةُ الذَّاتِ وَأَمَّا عِلَّةُ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْأَصْنَامِ فَقِيلَ لِأَنَّهَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا مُبَاحَةً وَقِيلَ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ إذَا كُسِرَتْ اُنْتُفِعَ بِأَكْسَارِهَا جَازَ بَيْعُهَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَهِيَ أَصْنَامٌ لِلنَّهْيِ وَيَجُوزُ بَيْعُ كَسْرِهَا إذْ هِيَ لَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ بَيْعِ الْأَكْسَارِ أَصْلًا،وَلَمَّا أَطْلَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمَ بَيْعِ الْمَيْتَةِ جَوَّزَ السَّامِعُ أَنَّهُ قَدْ يَخُصُّ مِنْ الْعَامِّ بَعْضَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ «فَقَالَ السَّائِلُ: أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ وَذَكَرَ لَهَا ثَلَاثَ مَنَافِعَ أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ الشُّحُومِ هَلْ تُخَصُّ مِنْ التَّحْرِيمِ لِنَفْعِهَا أَمْ لَا فَأَجَابَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ حَرَامٌ» فَأَبَانَ لَهُ أَنَّهَا غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنْ الْحُكْمِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ هُوَ حَرَامٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِلْبَيْعِ أَيْ بَيْعُ الشُّحُومِ حَرَامٌ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ لَهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ أَحْمَدُ وَفِيهِ: فَمَا تَرَى فِي بَيْعِ شُحُومِ الْمَيْتَةِ - الْحَدِيثَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِلِانْتِفَاعِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ إلَى آخِرِهِ وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَيْهِ فَقَالُوا: لَا يُنْتَفَعُ مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ إلَّا بِجِلْدِهَا إذَا دُبِغَ لِدَلِيلِهِ الَّذِي مَضَى فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَهُوَ يَخُصُّ هَذَا الْعُمُومَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الِانْتِفَاعِ، وَمَنْ قَالَ الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْبَيْعِ اسْتَدَلَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ إطْعَامِ الْمَيْتَةِ الْكِلَابَ وَلَوْ كَانَتْ كِلَابَ الصَّيْدِ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهَا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْأَقْرَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْبَيْعِ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالنَّجِسِ مُطْلَقًا وَيَحْرُمُ بَيْعُهُ لِمَا عَرَفْت وَقَدْ يَزِيدُهُ قُوَّةً قَوْلُهُ فِي ذَمِّ الْيَهُودِ: إنَّهُمْ جَمَلُوا الشَّحْمَ ثُمَّ بَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي تَوَجُّهِ النَّهْيِ إلَى الْبَيْعِ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَكْلُ الثَّمَنِ وَإِذَا كَانَ التَّحْرِيمُ لِلْبَيْعِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِشُحُومِ الْمَيْتَةِ وَالْأَدْهَانِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ أَكْلِ الْآدَمِيِّ وَدَهْنِ بَدَنِهِ فَيَحْرُمَانِ كَحُرْمَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالتَّرَطُّبِ بِالنَّجَاسَةِ، وَجَازَ إطْعَامُ شُحُومِ الْمَيْتَةِ الْكِلَابَ وَإِطْعَامُ الْعَسَلِ الْمُتَنَجِّسِ النَّحْلَ وَإِطْعَامُهُ الدَّوَابَّ، وَجَوَازُ جَمِيعِ ذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَاللَّيْثِ وَيُؤَيِّدُ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ مَا رَوَاهُ الطَّحْطَاوِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ وَانْتَفِعُوا بِهِ» قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: إنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُمَرُ وَأَبُو مُوسَى، وَمِنْ التَّابِعِينَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهَذَا هُوَ الْوَاضِحُ دَلِيلًا، وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الِاسْتِهْلَاكَاتِ وَغَيْرِهَا فَلَا دَلِيلَ لَهَا بَلْ هُوَ رَأْيٌ مَحْضٌ، وَأَمَّا الْمُتَنَجِّسُ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ فَلَا كَلَامَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ قَالَتْهُ الْهَادَوِيَّةُ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا حَرُمَ بَيْعُ شَيْءٍ حَرُمَ ثَمَنُهُ وَأَنَّ كُلَّ حِيلَةٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى تَحْلِيلِ مُحَرَّمٍ فَهِيَ بَاطِلَةٌ.
اهـ قال في تحفة الأحوذي (4/434)
واخْتَلَفُوا فِيمَا يَتَنَجَّسُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ
وقال أحمد وبن الْمَاجِشُونَ لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
واسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَتْ لَهُ دَابَّةٌ سَاغَ لَهُ إِطْعَامُهَا لِكِلَابِ الصَّيْدِ فَكَذَلِكَ يَسُوغُ دَهْنُ السَّفِينَةِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَلَا فَرْقَ اهـ
فوائد :
1- إِنْ قُطِعَ مِنْ الْحَيَوَانِ شَيْءٌ، وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَهُوَ مَيْتَةٌ؛ لِمَا رَوَى أَبُو وَاقِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ، وَهِيَ حَيَّةٌ، فَهُوَ مَيْتَةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد - (2858) قلت : عمرو حديث حسن بشواهده وحسنه الترمذي والأرنؤوط وصححه الألباني - وَلِأَنَّ إبَاحَتَهُ إنَّمَا تَكُونُ بِالذَّبْحِ، وَلَيْسَ هَذَا بِذَبْحٍ.انظر المغني (9/402) وفي الموسوعة الفقهية (28/130) إِذَا رَمَى صَيْدًا فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا، وَبَقِيَ الصَّيْدُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً يَحْرُمُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ اهـ
2- يَجُوزُ بَيْعُهُ،- يعني جلد الميتة - وَإِجَارَتُهُ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فِي كُلِّ مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهِ، سِوَى الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُذَكَّى فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ دَبْغِهِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ،انظر المغني (1/ 51)
3- يستثنى من ذلك الميتة الطاهرة كالسمك والجَرَاد )
قال تعالى : {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ، فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ رواه ابن ماجه (3314) حديث صحيح بطرقه وصححه الألباني وحسنه ابن القيم والأرنؤوط 0
وأعل بالوقف قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/345)
حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَذَا الْمَوْقُوفُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ: أُحِلَّ لَنَا كَذَا، وَحُرِّمَ اهـ
قال في المغني (9/395) :
يُبَاحُ أَكْلُ الْجَرَادِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ، نَأْكُلُ الْجَرَادَ» . رَوَاهُ - مسلم (1952) -. . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ الْبَرْدُ، لَمْ يُؤْكَلْ. وَعَنْهُ، لَا يُؤْكَلْ إذَا مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَيَرْوِي أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» فَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ ". وَلَمْ يُفَصِّلْ.وَلِأَنَّهُ تُبَاحُ مَيْتَتُهُ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ سَبَبٌ، كَالسَّمَكِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ افْتَقَرَ إلَى سَبَبٍ، لَافْتَقَرَ إلَى ذَبْحٍ وَذَابِحٍ وَآلَةٍ، كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ اهـ
وقال ابن قدامة (9/ 425)
فَأَمَّا مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ، كَالسَّمَكِ وَشِبْهِهِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ» . وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَصْحَابَهُ وَجَدُوا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ دَابَّةً، يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، مَيِّتَةً، فَأَكَلُوا مِنْهَا شَهْرًا حَتَّى سَمِنُوا، وَادَّهَنُوا، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: «هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ تُطْعِمُونَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ – رواه البخاري (4361) ومسلم (1935).اهـ
 ( تحريم بيع الخمر )
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، 00ُ» رواه البخاري (2236) ومسلم  (1581)
عن ابن عمر قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشْرَةِ وُجُوهٍ: لُعِنَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَشَارِبُهَا، وَسَاقِيهَا، وَبَائِعُهَا، وَمُبْتَاعُهَا، وَعَاصِرُهَا، وَمُعْتَصِرُهَا، وَحَامِلُهَا، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَآكِلُ ثَمَنِهَا رواه أحمد (4787) صححه الألباني والأرنؤوط
قال ابن المنذر : أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ انظر المغني (4/ 192)
( هل يجوز بيع الخمر لكافر )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
والراجح هو مذهب أكثر أهل العلم إلى تحريم بيع الخمر للكافر لعموم الأدلة الدالة على تحريم بيع الخمر ولم يرد نص يستثني البيع للذمي 0
قال النووي في المجموع (9/ 227) :
بَيْعَ الْخَمْرِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ بَاعَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ تَبَايَعَهَا ذِمِّيَّانِ أَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي شِرَائِهَا لَهُ فَكُلُّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَهَذَا فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ اهـ من اراد الزيادة فلينظر إلى كتابي الرد على من يقول إن بيع الخمرة للكافر يجوز 0
 ( هل يجوز اتخاذ الخمر خلا )
1 - إِذَا تَخَلَّلَتِ الْخَمْرُ بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ قَصْدِ التَّخْلِيل يَحِل ذَلِكَ الْخَل بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَل} رواه مسلم (2051) وَيُعْرَفُ التَّخَلُّل بِالتَّغَيُّرِ مِنَ الْمَرَارَةِ إِلَى الْحُمُوضَة انظر الموسوعة الفقهية (5/ 27)
2 - إذا خُللَّت الخمر بوضع شيء فيها: كَالْخَل وَالْبَصَل وَالْمِلْحِ، أَوْ إِيقَادُ نَارٍ عِنْدَهَاا، فتنازع العلماء في حكمها على قولين ؟
القول الأول : لا يجوز تخليلها، ولا يحل هذا الخل: وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو مذهب الشافعية والحنابلة ورواية عن مالك،انظر الموسوعة الفقهية (5/27) و«الأموال» لأبي عبيد (ص: 104) ودليلهم : 1- أن التَّخْلِيل اقْتِرَابا مِنَ الْخَمْرِ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّل، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلأَْمْرِ بِالاِجْتِنَابِ في قوله تعالى{فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة المائدة: (90)
2 - عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا، فَقَالَ: «لَا» رواه مسلم (1983)
وفي لفظ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، فَقَالَ: " أَهْرِقْهَا " قَالَ: أَفَلَا نَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: " لَا  رواه أحمد (12189) صححه الألباني 0
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَيْفَ يَصِحُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِالتَّخْلِيلِ مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَعَ سَبَبِهِ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ جَائِزًا لَكَانَ قَدْ ضَيَّعَ عَلَى الْأَيْتَامِ مَالَهُمْ، وَلَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَرَاقَهَا عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَبُو طَلْحَة انظر نيل الأوطار (8/ 215)
القول الثاني: يجوز تخليلها، ويحلُّ الخلُّ: وهو ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ انظر الموسوعة (5/28) وهو قول أبي محمد بن حزم، انظر المحلى المحلى» (7/ 433)ودليلهم :
1 - لأَِنَّهُ إِصْلاَحٌ، وَالإِْصْلاَحُ مُبَاحٌ، قِيَاسًا عَلَى دَبْغِ الْجِلْدِ، فَإِنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُهُ،.
2 - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ , أَنَّهَا كَانَتْ لَهَا شَاةٌ تَحْتَلِبُهَا , فَفَقَدَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: «مَا فَعَلَتِ الشَّاةُ؟» , قَالُوا: مَاتَتْ , قَالَ: «أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا» , قُلْنَا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ دِبَاغَهَا يَحِلُّ كَمَا يَحِلُّ خَلُّ الْخَمْرِ».رواه الدارقطني (125) وقال : تَفَرَّدَ بِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.اهـ وضعفه ابن حجر في التقريب 0
3 - عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ» رواه البيهقي في معرفة الآثار (11723) قال الألباني في الضعيفه (1199) منكر
4- قالوا : عموم قوله صلى الله عليه وسلم: { نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَل} رواه مسلم (2051) فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّخَلُّل بِنَفْسِهِ وَالتَّخْلِيل،
5 - لأَِنَّ التَّخْلِيل يُزِيل الْوَصْفَ الْمُفْسِدَ، وَيَجْعَل فِي الْخَمْرِ صِفَةَ الصَّلاَحِ، وَالإِْصْلاَحُ مُبَاحٌ، لأَِنَّهُ يُشْبِهُ إِرَاقَةَ الْخَمْرِ انظر الموسوعة الفقهية (5/29)
قال النووي في شرح مسلم (13/ 152) قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا فقال لا) هذا دليل الشافعى والجمهور أنه لايجوز تخليل الخمر ولاتطهر بِالتَّخْلِيلِ هَذَا إِذَا خَلَّلَهَا بِخُبْزٍ أَوْ بَصَلٍ أوخميرة أو غير ذلك مما يلقى فيها فهي بَاقِيَةً عَلَى نَجَاسَتِهَا وَيَنْجُسُ مَا أُلْقِيَ فِيهَا ولايطهر هَذَا الْخَلُّ بَعْدَهُ أَبَدًا لَا بِغَسْلٍ وَلَا بِغَيْرِهِ أَمَّا إِذَا نُقِلَتْ مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ أَوْ مِنَ الظِّلِّ إِلَى الشَّمْسِ فَفِي طَهَارَتِهَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَطْهُرُ هَذَا الَّذِي ذكرناه من أنها لاتطهر إِذَا خُلِّلَتْ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةُ تَطْهُرُ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا عَنْهُ أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ فَلَوْ خَلَّلَهَا عَصَى وَطَهُرَتْ وَالثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَلَا تَطْهُرُ وَالثَّالِثَةُ حَلَالٌ وَتَطْهُرُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا طَهُرَتْ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ سَحْنُونٍ الْمَالِكِيِّ أَنَّهَا لاتطهر فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قال شيخنا عادل العزازي : ولا يعني على قول الجمهور ذلك تحريم الخل المصنوع من غير تخمير فقد ثبت في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم «نِعْمَ الْإِدَامُ - الْخَلُّ»، فلو صنع الخل دون أن يمر المحلول بمرحلة التخمير فإنه جائز ، وإنما الكلام في الذي تخمر أولا ثم تخلل
تنبيه : ذكر لي بعض طلاب العلم أن الخل الأبيض الموجود الآن لا يمر بالتخمير ، بل هو يعالج بالهدرجة فيفصل الخل مباشرة ، فهذا إن ثبت يدل على جواز هذا الخل بيعا وشراء وطعاما بلا خلاف انظر تمام المنة (3/296)
 ( لا يجوز التَّداوي بالخمر )
ذهب جمهور العلماء إلى تحريم التداوي بالخمر (أي المسكرات) بل: يُحدُّ من شربها لدواء عندهم، ويؤيد التحريم ما يأتي:
1 - حديث طارق بن سويد الجعفي أنه سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَمْرِ، فَنَهَاهُ - أَوْ كَرِهَ - أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» رواه مسلم (1984)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (21/ 568)
فَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ رَدًّا عَلَى مَنْ أَبَاحَهُ وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ مِثْلُهَا قِيَاسًا خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا اهـ.
2 - عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ رواه أبو داود (3874) صحيح بشواهده وله شاهد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قالت : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِي حَرَامٍ»"رواه ابن حبان في صحيحه (1391) وانظر الصحيحة (1633) للألباني 0
قال الصنعاني في سبل السلام (2/ 452) وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحَرَّمُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِفَاءٌ فَتَحْرِيمُ شُرْبِهَا بَاقٍ لَا يَرْفَعُهُ تَجَوُّزُ أَنَّهُ يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ النَّفْسِ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ: إلَّا إذَا غَصَّ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَوِّغُهَا بِهِ إلَّا الْخَمْرَ جَازَ. وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا وَفِيهِ خِلَافٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا كَمَا يَجُوزُ شُرْبُ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِلتَّدَاوِي قُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ لِعُمُومِهِ لِكُلِّ مُحَرَّمٍ.
(فَائِدَةٌ) فِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ قَالَ الشَّيْخُ: كُلُّ مَا يَقُولُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ الْمَنَافِعِ فِي الْخَمْرِ وَشُرْبِهَا كَانَ عِنْدَ شَهَادَةِ الْقُرْآنِ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعُ لِلنَّاسِ قَبْلُ، وَأَمَّا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى الْخَالِقَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَلَبَهَا الْمَنَافِعَ جُمْلَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَنَافِعِ وَبِهَذَا تَسْقُطُ مَسْأَلَةُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَاَلَّذِي قَالَ مَنْقُولٌ عَنْ الرَّبِيعِ وَالضَّحَّاكِ وَفِيهِ حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَ سَلَبَهَا الْمَنَافِعَ» (وَعَنْ وَائِلٍ) هُوَ ابْنُ حُجْرٍ (الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ «سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْخَمْرِ يَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهَا دَاءٌ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا) أَفَادَ الْحُكْمُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَحْرِيمُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَزِيَادَةُ الْأَخْبَارِ بِأَنَّهَا دَاءٌ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ حَالٍ مَنْ يَسْتَعْمِلُهَا أَنَّهُ يَتَوَلَّدُ عَنْ شُرْبِهَا أَدْوَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ إخْبَارِ الشَّارِعِ أَنَّهَا دَاءٌ فَقَبَّحَ اللَّهُ وَصَّافَهَا مِنْ الشُّعَرَاءِ الْخُلَعَاءِ وَوَصَّافَ شُرْبِهَا وَتَشْوِيقَ النَّاسِ إلَى شُرْبِهَا وَالْعُكُوفَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُمْ يُضَادُّونَ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ فِيمَا حَرَّمَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ تِلْكَ الْأَشْعَارَ بِلِسَانٍ شَيْطَانِيٍّ يَدْعُونَ إلَى مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ اهـ
تنبيه: البنج ونحوه مما يُغيِّب العقل -إذا لم يوجد ما يقوم مقامه- يجوز استعماله عند الضرورة الملجئة في العمليات الجراحية  أشار إلى نحو هذا الحافظ في «الفتح» (10/ 80)، والنووي في «المجموع» (3/ 8).وانظر صحيح فقه السنة ( 2/ 391)
( هل يجوز بيع العطور الكحولية )
العطور الكحولية , وبسبب احتوائها على نسبة كبيرة من الكحول فإنها تعتبر خمرا , بل هي خمر مركزة وأما عن نجاستها أو طهارتها : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟ القول الأول : ذهب جمهور العلماء إلى أنها نجسة منهم الأئمة الأربعة واختاره شيخ الإسلام، وحجتهم: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: 90] وجه الاستدلال:
أن الله تعالى وصف الخمر بأنها رجس، والرجس في عرف الشرع هو النجس نجاسة عينية.
وأجيب : بأن الرجس في الآية لا يراد به النجاسة الحسية، لما يأتي:
أولاً: أن الله سبحانه وتعالى قرن الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام، وإذا كانت هذه الأشياء ليست نجسة نجاسة حسية، فكذلك الخمرة، ولو كانت كلمة رجس نصاً في النجاسة الحسية لكانت هذه الأشياء نجسة نجاسة حسية، فلما لم تدل على نجاسة تلك الأشياء، لم تدل على نجاسة الخمرة ثانياً: أن الرجس هنا وصف بقوله: " من عمل الشيطان " فهو رجس عملي، أي معنوي، وليس رجساً حسياً، ولذلك قال القرطبي: من عمل الشيطان: أي بحمله وتزيينه.
ثالثاً: الرجس في كلام الشارع أكثر ما جاء في النجاسة المعنوية، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ، وقال تعالى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} [يونس: 100] ، وقال تعالى: {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125] ، وقال سبحانه: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} [الأعراف: 71]
 ، وقال سبحانه: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: 125] ،وقال سبحانه: {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ} [التوبة: 95] ، وقال:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30]،فإذا كان الأكثر في كلام الشارع إطلاق الرجس على النجاسة المعنوية، كما مر معنا في الآيات السابقة، والميسر والأنصاب والأزلام يراد بها النجاسة المعنوية، والخبر هنا إخبار عن الأربعة الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، فالقول بأن الرجس في الخمر وحده فقط دليل على النجاسة الحسية، وعلى غيره مما قرن معه يراد به النجاسة المعنوية فيه نوع تحكم لا دليل عليه.
ولذلك لم ير النووي - وهو ممن يرى نجاسة الخمر - في الآية نصاً على نجاسة الخمر، حيث يقول رحمه الله:" وَلَا يَظْهَرُ مِنْ الْآيَةِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الرِّجْسَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْقَذَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ النَّجَاسَةُ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ "انظر المجموع (2/ 564) رابعاً: ساق ابن جرير الطبري من طريق عَبْد اللَّهِ بْن صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90] يَقُولُ: سَخَطٌ [إسناده ضعيف] علي بن أبي طلحة قال الحافظ عنه في التقريب: أرسل عن ابن عباس، ولم يره.وعبد الله بن صالح كثير الخطأ.انظر موسوعة أحكام الطهارة (13/402)
القول الثاني : أنها طاهرة: وبه قال ربيعة والليث والمزني وغيرهم من السلف، ورجَّحه الشوكاني والصنعاني وأحمد شاكر والألباني -رحمهم الله- وهو الراجح، لما يأتي:
سئل ابن عثيمين رحمه الله في نور على الدرب (7/2)
هل يجوز للمسلم أن يتعطر بالعطر الذي فيه مادة الكحول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العطر الذي فيه مادة الكحول ينقسم إلى قسمين القسم الأول أن تكون مادة الكحول فيه يسيرة لا تؤثر شيئاً مثل أن تكون خمسة في المائة ثلاثة في المائة واحد في المائة فهذا لا بأس أن يتعطر به لأن هذه النسبة نسبةٌ ضئيلة لا تؤثر شيئاً والقسم الثاني أن تكون النسبة كبيرة كخمسين في المائة فهذا النوع قد اختلف العلماء في جواز التعطر به فمنهم من قال بجواز ذلك وقال لأن هذا لم يتخذ للإسكار وإنما اتخذ للتطيب به وقال أيضاً إن الذي نتيقن أنه حرام هو شرب المسكر وهذا الرجل لم يشربه واستدل لذلك بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وقال إن هذا هو تعليل الحكم أي حكم التحريم وهو أنه سببٌ لإيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وقال إن هذا لا يوجد فيما إذا تطيب به الإنسان ومن العلماء من قال لا يتطيب به لعموم قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) والذي أرى أنه لو تطيب به فإنه لا يأثم ولكن الاحتياط ألا يتطيب به والأطياب سواه كثير والحمد لله هذا بالنسبة للتطيب به من عدمه.
أما بالنسبة للطهارة والنجاسة فإن هذه العطورات التي بها الكحول طاهرة مهما كثرت النسبة فيها لأن الخمر لا دلالة على نجاسته لا من القرآن ولا من السنة ولا من عمل الصحابة وإذا لم يدل الدليل على نجاسته فالأصل الطهارة حتى يقوم دليلٌ على النجاسة ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً فقد يحرم الشيء وليس بنجس فالأشياء الضارة حرام وإن لم تكن نجسة فالسم مثلاً حرام وإن لم يكن نجساً وأكل ما يزداد به المرض كالحلوى لمن به السكري حرام وليس بنجاسة بل قال شيخ الإسلام رحمه الله إن الطعام الحلال لو كان يخشى الإنسان من التأذي به حيث يملأ بطنه كثيراً أو يخاف التخمة فإن هذا الطعام الحلال يكون حراماً والمهم أنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً فالخمر لا شك في تحريمه لكن ليس بنجس لأنه لا دليل على نجاسته وقد علم المستمع أنه لا يلزم من التحريم أن يكون المحرم نجساً بل هناك ما يدل على أنه ليس بنجس أي هناك دليل إيجابي على أنه ليس بنجس وهو ما ثبت في صحيح مسلم (أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براويةٍ من خمر أهداها له فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها حرمت -والمحرم لا يجوز قبوله بل يجب إتلافه- فتكلم رجلٌ من الصحابة مع صاحب الراوية بكلامٍ سر فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بم ساررته؟ قال: قلت بعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه -أو كما قال- فأخذ الرجل بأفواه الراوية فأراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها من هذا الخمر ولو كانت نجسة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبها أن يغسلها هذا دليل ودليلٌ آخر أنه لما نزل تحريم الخمر (أراق الصحابة خمورهم بأسواق المدينة) ولم ينقل عنهم أنهم غسلوا الأواني بعدها اهـ
 ( تحريم بيع الأصنام )
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ 00 الأَصْنَامِ» رواه البخاري (2236) ومسلم (1581)
وَالْأَصْنَامُ جَمْعُ صَنَمٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ الْوَثَنُ وَقَالَ غَيْرُهُ الوثن مَاله جُثَّةٌ وَالصَّنَمُ مَا كَانَ مُصَوَّرًا انظر فتح الباري (4/ 424)
عِلَّةُ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْأَصْنَامِ فَقِيلَ لِأَنَّهَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا مُبَاحَةً وَقِيلَ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ إذَا كُسِرَتْ اُنْتُفِعَ بِأَكْسَارِهَا جَازَ بَيْعُهَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَهِيَ أَصْنَامٌ لِلنَّهْيِ وَيَجُوزُ بَيْعُ كَسْرِهَا إذْ هِيَ لَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ بَيْعِ الْأَكْسَارِ أَصْلًا انظر سبل السلام (2/4)
فوائد : 1- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي البَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ رواه البخاري (6109) ومسلم (2107) قال النووي في شرح مسلم (14/91) مَنْ فَعَلَ الصُّورَةَ لِتُعْبَدَ وَهُوَ صَانِعُ الْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا كَافِرٌ وَهُوَ أَشَدُّ عَذَابًا وَقِيلَ هِيَ فِيمَنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ فَهَذَا كَافِرٌ لَهُ مِنْ أَشَدِّ الْعَذَابِ مَا لِلْكُفَّارِ وَيَزِيدُ عَذَابُهُ بِزِيَادَةِ قُبْحِ كُفْرِهِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْعِبَادَةَ وَلَا الْمُضَاهَاةَ فَهُوَ فَاسِقٌ صاحب ذنب كبير ولايكفر كَسَائِرِ الْمَعَاصِي اهـ قلت : هذا التصوير الي هو حرام هو التصوير باليد ولكن ما حكم التصوير الفوتوغرافي والفيديو قلت : تنازع العلماء المتاخرون في التصوير الفوتوغرافي والفيديو لكونهما نوعا جديدا لم يكن على عهد النبي صل الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ولا تكلم عليه السلف وإنما هو قضية جديدة ذهب إلى التحريم ابن باز والألباني وغيرهما وذهب إلي الإباحة ابن عثيمين وغيره  قال ابن عثيمين في مجموع فتاوى (2/262) الصور الفوتوغرافية الذي نرى فيها؛ أن هذه الآلة التي تخرج الصورة فورًا، وليس للإنسان في الصورة أي عمل، نرى أن هذا ليس من باب التصوير، وإنما هو من باب نقل صورة صورها الله عز وجل بواسطة هذه الآلة، فهي انطباع لا فعل للعبد فيه من حيث التصوير، والأحاديث الواردة إنما هي في التصوير الذي يكون بفعل العبد ويضاهي به خلق الله، ويتبين لك ذلك جيدًا بما لو كتب لك شخص رسالة فصورتها في الآلة الفوتوغرافية، فإن هذه الصورة التي تخرج ليست هي من فعل الذي أدار الآلة وحركها، فإن هذا الذي حرك الآلة ربما يكون لا يعرف الكتابة أصلًا، والناس يعرفون أن هذا كتابة الأول، والثاني ليس له أي فعل فيها، ولكن إذا صور هذا التصوير الفوتوغرافي لغرض محرم، فإنه يكون حرامًا تحريم الوسائل اهـ وقال ابن عثيمين أيضا في الشرح الممتع (2/201) التَّصوير الثَّابت على الورق. وهذا إذا كان بآلة «فوتوغرافية» فورية، فلا يدخل في التَّصوير، ولا يستطيع الإنسان أن يقول: إن فاعله ملعونٌ؛ لأنه لم يُصَوِّرْ في الواقع، فإن التَّصوير مصدر «صَوَّرَ يُصوِّر» ، أي: جعل هذا الشيءَ على صورة معيَّنة، كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6] ، وقال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [التغابن: 3] . فالمادة تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصُّورة؛ لأن «فَعَّلَ» في اللغة العربية تقتضي هذا، ومعلوم أن نقل الصُّورة بالآلة ليس على هذا الوجه، وإذا كان ليس على هذا الوجه فلا نستطيع أن نُدخِلَه في اللَّعن، ونقول: إنَّ هذا الرَّجل ملعونٌ على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنه كما يجب علينا التورُّعُ في إدخال ما ظاهر اللفظ عدم دخوله فيه، يجب علينا أيضاً التورُّعُ في منع ما لا يتبيَّن لنا دخوله في اللفظ؛ لأن هذا إيجاب وهذا سلب، فكما نتورَّعُ في الإيجاب نتورَّع أيضاً في السَّلب، وكذلك كما يجب أن نتورَّعَ في السَّلب يجب أن نتورَّعَ في الإيجاب، فالمسألة ليست مجرد تحريم، ولكن سيترتَّبُ عليها العقوبة، فهل نشهد أن هذا معاقب باللَّعن وشدَّة الظُّلم، وما أشبه ذلك؟ لا نستطيع أن نجزَم إلا بشيء واضح؛ ولهذا يُفَرَّقُ بين رجلٍ أخذ الكتاب الذي خطته يدي، وألقاه في الآلة «الفوتوغرافية» وحرَّكَ الآلة فانسحبت الصُّورةُ، فيُقال: إنَّ هذا الذي خرج بهذا الورق رَسْمُ الأول، ويقال: هذا خَطُّه، ويشهد النَّاس عليه، وبين أن آتي بخطك أقلِّدُه بيدي، أرسم مثل حروفه وكلماته، فأنا الآن حاولت أن أقلِّدَك، وأن أكتبَ ما كتبْتَ، وأصوِّر كما صوَّرت. أما المسألة الأولى فليس منِّي فعلٌ إطلاقاً، ولهذا يمكن أن أصوِّر في الليل، ويمكن أن يصوِّر الإنسانُ وقد أغمض عينيه، ويمكن أن يُصوِّر الرَّجلُ الأعمى، فكيف نقول: إن هذ الرَّجل مصوِّر؟!.
فالذي أرى: أن هذا لا يدخل تحت اشتقاق المادة «صَوَّر» بتشديد الواو، فلا يستحقُّ اللعنة ولكن يبقى النَّظر: إذا أراد الإنسان أن يصوِّر هذا التصوير المباح، فإنه تجري فيه الأحكام الخمسة بحسب القصد، فإذا قصد به شيئاً محرَّماً فهو حرامٍ، وإن قصد به شيئاً واجباً كان واجباً، فقد يجب التَّصوير أحياناً، فإذا رأينا مثلاً إنساناً متلبِّساً بجريمة من الجرائم التي هي من حَقِّ العباد؛ كمحاولة أن يقتلَ، وما أشبه ذلك، ولم نتوصَّلْ إلى إثباتها إلا بالتَّصوير، كان التَّصويرُ حينئذ واجباً، خصوصاً في المسائل التي تضبط القضيَّة تماماً؛ لأنَّ الوسائل لها أحكام المقاصد، وإذا صَوَّرَ إنسانٌ صورةً ـ يحرم تمتُّعُه بالنَّظر إليها ـ من أجل التَّمتُّع بالنَّظر إليها فهذا حرام بلا شكٍّ، وكالصُّورة للذِّكرى؛ لأننا لا نقول: إنها غير صورة؛ بل هي صورة لا شَكَّ، فإذا اقتناها فقد جاء الوعيد فيمن كان عنده صورة أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، كما سيأتي إن شاء الله
2- يجوز استخدام الفرش والسجاجيد التي فيها صور عن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَتَكَهُ وَقَالَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ رواه البخاري (5954) ومسلم (2107) وفي لفظ أحمد: « فَطَرَحْتُهُ فَقَطَعْتُهُ مِرْفَقَتَيْنِ، فَقَدْ رَأَيْتُهُ مُتَّكِئًا عَلَى إِحْدَاهُمَا، وَفِيهَا صُورَةٌ – رواه أحمد (26103)وصححه الألباني والأرنؤوط - »
قال ابن حجر : وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ إِذَا كَانَتْ لَا ظِلَّ لَهَا وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مِمَّا يُوطَأُ وَيُدَاسُ أَوْ يُمْتَهَنُ بِالِاسْتِعْمَالِ كَالْمَخَادِّ وَالْوَسَائِدِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا لَهُ ظِلٌّ وَمَا لَا ظِلَّ لَهُ فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ مَلْبُوسًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعَدُّ مُمْتَهَنًا فَهُوَ حَرَامٌ قُلْتُ وَفِيمَا نَقَلَهُ مُؤَاخَذَاتٌ مِنْهَا أَنَّ بن الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ نَقَلَ أَنَّ الصُّورَةَ إِذَا كَانَ لَهَا ظِلٌّ حَرُمَ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يُمْتَهَنُ أَمْ لَا وَهَذَا الْإِجْمَاعُ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ لُعَبِ الْبَنَاتِ انظر فتح الباري (10/ 388)
في اللجنة الدائمة : إن كان ما عليه الصورة من ذلك يمتهن، كآلة يقطع بها أو بساط يداس أو وسادة يرقد عليها ونحو ذلك فيجوز؛
3- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي» رواه البخاري (6130) ومسلم (2440)
قال ابن حجر رحمه الله : اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ صُوَرِ الْبَنَاتِ وَاللَّعِبِ مِنْ أَجْلِ لَعِبِ الْبَنَاتِ بِهِنَّ وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ وَبِهِ جَزَمَ عِيَاضٌ وَنَقَلَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ اللَّعِبِ لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرِهِنَّ عَلَى أَمْرِ بُيُوتِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ انظر فتح الباري (10/527)
4- مذاهب العلماء في الصور النصفية كأن يكون بدن بلا رأس ، أو رأس بلا بدن : فمذهب المالكية الجواز ، وهو مذهب الحنابلة ، وعند الشافعية اختلفوا فيما إذا كان المقطوع غير الرأس وقد بقي الرأس ، والراجح عندهم في هذه الحالة التحريم ، أي أن الصورة إذا قطعت من أعلاها يعني قطع رأسها فهي جائزة ، وأما ما قطع من أسفلها وبقى رأسها فهي غير جائزة ؛ لعدم ورود نص على ذلك ، ولأن الرأس صورة انظر تمام المنة لشيخنا عادل العزازي (4/340) قلت : الراجح هو قول الشافعية والدليل : 1- عن أبي هريرة ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ البَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ البَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ البَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ، وَكَانَ فِي البَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي البَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالكَلْبِ فَيُخْرَجْ 00 رواه الترمذي (2806) وحسنه الترمذي وصححه الألباني 2- عن ابن عباس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: الصُّورَةُ الرَّأْسُ فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلاَ صُورَةَ
صححه الألباني في الصحيحة (1921)
قال ابن باز في مجموع فتاوى (4/219) والصورة إذا قطع أسفلها وبقي رأسها لم تكن بهذه المثابة لبقاء الوجه، ولأن في الوجه من بديع الخلقة والتصوير ما ليس في بقية البدن، فلا يجوز قياس غيره عليه عند من عقل عن الله ورسوله مراده اهـ
 ( تحريم بيع الخنزير )
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخِنْزِيرِ » رواه البخاري (2236) ومسلم  (1581) قال ابن المنذر ( وأجمعوا على أن بيع الخنزير وشراءه حرام انظر الإجماع ( 472)
فائدة : يحرم على المسلم بيع الخنزير لمسلم وغير مسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه وانظر كتابي الرد على من يقول إن بيع الخمرة للكافر يجوز 0
 ( حكم بيع الكلب )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال ؟
القول الأول : قَالَ أبو حنيفة: بَيْعُ الْكَلْبِ جَائِزٌ وَثَمَنُهُ حَلَالٌ وَالْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ وَاجِبَةٌ سَوَاءً كَانَ مُنْتَفِعًا بِهِ أَوْ غَيْرَ مُنْتَفِعٍ بِهِ.
انظر الحاوي (5/375) ودليله : أولا : عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ، وَالْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» رواه النسائي (4295) وصححه الألباني وأجيب : بأن هذا الحديث ضعيف قال النووي رحمه الله : ضَعِيف بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ انظر شرح مسلم (10/ 233) وضعفه النسائي وابن حزم وابن القيم قال البيهقي في السنن الصغير (1982) بعد ان ذكر حديث أبي مسعود سيأتي قال : وَهَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْي عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، ومِنْهُمُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَأَبُو جُحَيْفَةَ. اللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ فِي اسْتِثْنَائِهِ كَلْبُ الصَّيْدِ لَا يَصِحُّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَنْ رَوَاهُ حَدِيثَ النَّهْي عَنِ اقْتِنَائِهِ، فَشُبِّهَ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وقال في السنن الكبرى (11012) : بعد ان ذكر حديث جابر حديث الباب قال : وَالْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ خَالِيَةٌ عَنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنَّمَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ فِي النَّهْيِ عَنِ الِاقْتِنَاءِ، وَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَى مَنْ ذَكَرَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ الَّذِينَ هُمْ دُونَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ وانظر تخريجي سنن الترمذي  
قال ابن حزم في المحلى (7/ 495) :
 لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ ثَمَنِ شَيْءٍ مِنْ الْكِلَابِ غَيْرَ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَالنَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ سَائِرِهَا وَهُمْ يُبِيحُونَ أَثْمَانَ سَائِرِ الْكِلَابِ الْمُتَّخَذَةِ لِغَيْرِ الصَّيْدِ: فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ.
ثانيا : عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " ثَلَاثٌ هُنَّ سُحْتٌ: حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ  رواه ابن وهب في الموطأ (11) حديث ضعيف ضعفه ابن حزم وابن القيم
قال ابن حزم : ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا إلَّا النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ فَقَطْ وَهَذَا حَقٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ ثَمَنِ مَا سِوَاهُ مِنْ الْكِلَابِ وَجَاءَتْ الْآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ الَّتِي قَدَّمْنَا بِزِيَادَةٍ عَلَى هَذَيْنِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا انظر المحلى (7/ 495)
ثالثا : وَأَمَّا النَّظَرُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: كَانَ النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِهَا حِينَ الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا، فَلَمَّا حُرِّمَ قَتْلُهَا وَأُبِيحَ اتِّخَاذُ بَعْضِهَا انْتَسَخَ النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ مَا أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ مِنْهَا.
قَالَ ابن حزم في المحلى (7/ 496) : هَذَا - كَذِبٌ - بَحْتٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْبَاطِلِ، وَبِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصٌّ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَيْسَ نَسْخُ شَيْءٍ بِمُوجِبِ نَسْخِ شَيْءٍ آخَرَ، وَلَيْسَ إبَاحَةُ اتِّخَاذِ شَيْءٍ بِمُبِيحٍ لِبَيْعِهِ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْقَوْمُ الْمُبِيحُونَ اتِّخَاذَ دُودِ الْقَزِّ، وَنَحْلِ الْعَسَلِ، وَلَا يُحِلُّونَ ثَمَنَهُمَا إضْلَالًا وَخِلَافًا لِلْحَقِّ، وَاِتِّخَاذُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ حِلٌّ، وَلَا يَحِلُّ بِيَعُهُنَّ: فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الِاحْتِجَاجِ.
رابعا : قَالُوا: حُرِّمَ ثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ، فَلَمَّا نُسِخَ تَحْرِيمُ كَسْبِ الْحَجَّامِ نُسِخَ تَحْرِيمُ ثَمَنِ الْكَلْبِ؟
قَالَ ابن حزم في المحلى (7/ 496) :
وَهَذَا كَذِبٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَكَلَامٌ فَاسِدٌ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ.
وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا: أَنْ يُنْسَخَ أَيْضًا تَحْرِيمُ مَهْرِ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ مَعَهُمَا، ثُمَّ مَنْ لَهُمْ بِنَسْخِ تَحْرِيمِ كَسْبِ الْحَجَّامِ إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْآثَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ، وَصَاحِبَيْنِ لَا يَصِحُّ خِلَافُهُمَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ اهـ
القول الثاني : حكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ جَوَازَ بَيْعِ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ  انظر شرح مسلم (10/ 233) ودليلهم : عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ، وَالْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» رواه النسائي (4295) سبق تخريجه
القول الثالث : إلى تحريم ثمن الكلب مطلقا سواء كان معلما أو غيره وهو مذهب جمهور العلماء منهم أَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَرَبِيعَةُ والأوزاعى والحكم وحماد والشافعى وأحمد وداود وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ انظر شرح مسلم (10/232) ورواية عن مالك وابن حزم وهو الراجح والدليل : 1- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ» رواه البخاري (2237) ومسلم(1567) فَأَمَّا – معنى - مَهْرُ الْبَغِيِّ وَالْبَغِيُّ الزَّانِيَةُ وَمَهْرُهَا مَا تَأْخُذُ عَلَى زِنَاهَا فَمُجْتَمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ وأما حلوان الكاهن فمجتمع أيضا على تحريمه قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ مَا يُعْطَى الْكَاهِنُ عَلَى كَهَانَتِهِ وَالْحُلْوَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الرِّشْوَةُ وَالْعَطِيَّةُ انظر التمهيد (8/398)
قال ابن حجر رحمه الله : وَظَاهِرُ النَّهْيِ تَحْرِيمُ بَيْعِهِ وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ كَلْبٍ مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ أَوْ لَا يَجُوزُ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ أَنْ لَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ انظر فتح الباري (4/426)
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَإِنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلَأْ كَفَّهُ تُرَابًا» رواه أبو داود (3482) وصححه الألباني
قال ابن حزم رحمه الله : وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ كَلْبٍ أَصْلًا، لَا كَلْبَ صَيْدٍ وَلَا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، وَلَا غَيْرَهُمَا، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعْطِيه إيَّاهُ فَلَهُ ابْتِيَاعُهُ، وَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُشْتَرِي حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ يَنْتَزِعُ مِنْهُ الثَّمَنَ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ، كَالرِّشْوَةِ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ، وَفِدَاءِ الْأَسِيرِ، وَمُصَانَعَةِ الظَّالِمِ وَلَا فَرْقَ انظر المحلى (7/492)
فوائد : 1- إذا كان لا يجوز بيع الكلب ، فكذلك لا يجوز اقتنَاؤُه إلا إذا كان كلب صيد أو حرث أو ماشية ، وذلك لأنه ينقص من أجره كلَ يوم قيراطان : عن ابْن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» رواه البخاري (5481) ومسلم  (1574) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ، وَلَا مَاشِيَةٍ، وَلَا أَرْضٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ» رواه مسلم (1575)
قَوْلُهُ (مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا) يُقَالُ اقْتَنَى الشَّيْءَ إِذَا اتَّخَذَهُ لِلِادِّخَارِ أَيْ حَبَسَ وَأَمْسَكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُقْصَانِ الْأَجْرِ بِاقْتِنَاءِ الْكَلْبِ
فَقِيلَ لِامْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ وَقِيلَ لِمَا يَلْحَقُ الْمَارِّينَ مِنَ الْأَذَى مِنْ تَرْوِيعِ الْكَلْبِ لَهُمْ وَقَصْدِهِ إِيَّاهُمْ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ لِاِتِّخَاذِهِمْ مَا نُهِيَ عَنِ اتِّخَاذِهِ وَعِصْيَانِهِمْ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ لِمَا يُبْتَلَى بِهِ وُلُوغُهُ فِي الْأَوَانِي عِنْدَ غَفْلَةِ صَاحِبِهِ وَلَا يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ انظر تحفة الأحوذي (5/ 53)
قال ابن قدامة رحمه الله : وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ، إلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ، أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ حَرْثٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» . قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَإِنْ اقْتَنَاهُ لِحِفْظِ الْبُيُوتِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِلْخَبَرِ. وَيَحْتَمِلُ الْإِبَاحَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثَّلَاثَةِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهَا، يُبِيحُ مَا يَتَنَاوَلُ الْخَبَرُ تَحْرِيمَهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَاهَا، فَقَدْ يَحْتَالُ اللِّصُّ لِإِخْرَاجِهِ بِشَيْءِ يُطْعِمُهُ إيَّاهُ، ثُمَّ يَسْرِقُ الْمَتَاعَ. وَأَمَّا الذِّئْبُ، فَلَا يَحْتَمِلُ هَذَا فِي حَقِّهِ، وَلِأَنَّ اقْتِنَاءَهُ فِي الْبُيُوتِ يُؤْذِي الْمَارَّةَ، بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ.انظر المغني (4/191)
2- ( ما حكم قتل الكلاب )
وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
(أَحَدُهَا) : الْكَلْبُ الْعَقُورُ قال النووي في شرح مسلم (10/235) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قتل الكلب العقور اهـ عقور أي بيعض
(الثَّانِي) مَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ لِلْمَنَافِعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ قَتْلِهِ. انظر طرح التثريب (6/32)
 وَ (الثَّالِثُ) اختلفوا في قتل مالا ضَرَرَ فِيهِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ العلماء على ثلاثة أقوال ؟
القول الأول : قَتْلُهَا مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَدْ عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عُمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً مَعْمُولًا بِهَا عِنْدَ الْخُلَفَاءِ لَمْ يَنْسَخْهَا عِنْدَ مَنْ عَمِلَ بِهَا خَبَرٌ انظر طرح التثريب (6/32) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلاَبِ» رواه البخاري (3323) ومسلم  (1570)
القول الثاني : الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهَا وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ إبَاحَةُ اتِّخَاذِهَا لِمَنَافِعَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟» ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ رواه مسلم (280) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ» وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ كُلُّهُ مَنْسُوخٌ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْهَا الْيَوْمَ لَا الْأَسْوَدِ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهَا انظر طرح التثريب (6/32)
قال أبو عمر بن عبد البر:
وَالَّذِي اخْتَارَهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ لَا يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنَ الْكِلَابِ إِذَا لَمْ تَضُرَّ بِأَحَدٍ وَلَمْ تَعْقِرْ أَحَدًا وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى قَتْلِ الْأَسْوَدِ مِنْهَا بِأَنَّهُ شَيْطَانٌ عَلَى مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمَّى مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّرُّ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ شَيْطَانًا بِقَوْلِهِ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَلَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ قَتْلُهُ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً فَقَالَ: «شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً – رواه أبو داود (4940) بسند حسن وحسنه الألباني في المشكاة (4506) - وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَسْخًا مِنِ الْجِنِّ وَلَا أَنَّ الْحَمَامَةَ مُسِخَتْ مِنِ الْجِنِّ وَلَا أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ قَتْلُهُا. هـ (التمهيد [14/ 233]).
(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا مَمْنُوعٌ مِنْ قَتْلِهَا إلَّا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ وهو مذهب ابن حزم واختيار النووي وهو الراجح والدليل : 1- عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، قال : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» رواه مسلم (1572)
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنَّ الكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا كُلِّهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ» رواه الترمذي (1486) حديث صحيح صححه الترمذي والألباني والأرنؤوط (الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ) أَيْ خَالِصُ السَّوَادِ قَالَ الطِّيبِيُّ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلا أمم أمثالكم أَيْ أَمْثَالُكُمْ فِي كَوْنِهَا دَالَّةٌ عَلَى الصَّانِعِ وَمُسَبِّحَةٌ لَهُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ إِفْنَاءَ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَإِعْدَامِ جِيلٍ مِنَ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ مَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْحِكْمَةِ وَضَرْبٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ يَقُولُ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا وَلَا سَبِيلَ إِلَى قَتْلِهِنَّ فَاقْتُلُوا شِرَارَهُنَّ وَهِيَ السُّودُ الْبُهُمُ وَأَبْقُوا مَا سِوَاهَا لِتَنْتَفِعُوا بِهِنَّ فِي الحراسة انظر عون المعبود (8/34)
قال النووي في شرح مسلم (10/ 235) قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّ النَّهْيَ أَوَّلًا كَانَ نَهْيًا عَامًّا عَنِ اقْتِنَاءِ جَمِيعِهَا وَأَمَرَ بِقَتْلِ جَمِيعِهَا ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا مَا سِوَى الْأَسْوَدِ وَمَنَعَ الِاقْتِنَاءَ فِي جَمِيعِهَا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي هو ظاهر الأحاديث ويكون حديث بن الْمُغَفَّلِ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَى الْأَسْوَدِ لِأَنَّهُ عَامٌّ فَيُخَصُّ مِنْهُ الْأَسْوَدُ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ اهـ
قال ابن حزم في المحلى (7/493) وَلَا يَحِلُّ أَيْضًا: قَتْلُ الْكِلَابِ، فَمَنْ قَتَلَهَا ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا، أَوْ بِمَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ عِوَضًا مِنْهُ، إلَّا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ، أَوْ الْأَسْوَدَ ذَا النُّقْطَتَيْنِ أَيْنَمَا كَانَتْ النُّقْطَتَانِ مِنْهُ فَإِنْ عَظُمَتَا حَتَّى لَا تُسَمَّيَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ نُقْطَتَيْنِ، لَكِنْ تُسَمَّى لَمْعَتَيْنِ: لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ، فَلَا يَحِلُّ مِلْكُهُ أَصْلًا لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَقَتْلُهُ وَاجِبٌ حَيْثُ وُجِدَ. اهـ
3- [ تَحْرِيمُ أَكْلِ الْكِلَابِ]
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ»،  رواه البخاري (5530) ومسلم (1934) واللفظ له
قال البغوي رحمه الله :  أَرَادَ بِذِي الناب: مَا يعدو بنابه على النّاس وَأَمْوَالهمْ، مثل الذِّئْب، والأسد، وَالْكَلب والفهد، والنمر، والببرِ، والدب والقرد، وَنَحْوهَا، فَهِيَ وأمثالُها حرامٌ، وكذلِك كلُّ ذِي مخلبٍ من الطير: كالنسر، والصقْر، والبازي، وَنَحْوهَا.انظر شرح السنة (11/234)
قال النووي رحمه الله : قَوْلُهُ (نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَفِي رِوَايَةٍ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ) الْمِخْلَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِخْلَبُ لِلطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ بِمَنْزِلَةِ الظُّفُرِ لِلْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَادُ بِذِي النَّابِ مَا يُتَقَوَّى بِهِ وَيُصْطَادُ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا الْآيَةَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالُوا وَالْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُحَرَّمًا إِلَّا الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ ثُمَّ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِتَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ انظر شرح مسلم (13/82)
4- وَعَلَى قِيَاسِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، كُلُّ مَا آذَى النَّاسَ، وَضَرَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَأَمْوَالِهِمْ، يُبَاحُ قَتْلُهُ انظر المغني (4/191)
5- ( هل بول الكلب وروثه نجس أم طاهر )
قلت : تنازع العلماء في ذلك والراجح أن بول وروث الحيوان غير المأكول طاهر وهو مذهب داود ، والشعبي ، والبخاري ، والشوكاني ، وصديق خان ، والدليل : أولا الأصل في الأشياء الطهارة حتى يأتي نص من كتاب أو سنة أو إجماع ولا نص ولا إجماع في تنجيس غير بول الآدمي وروث الحمار 0
ثانيا : ما رواه البخاري (174 ) عن عبد الله بن عمر قال : «كَانَتِ الكِلاَبُ تَبُولُ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ، فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ»
قال العلامة صديق خان في الروضة الندية (1/14)
فالحق الحقيق بالقبول: الحكم بنجاسة ما ثبتت نجاسته بالضرورة الدينية - وهو بول الآدمي وغائطه -، وأما ما عداهما؛ فإن ورد فيه ما يدل على نجاسته - كالروثة -؛ وجب الحكم بذلك من دون إلحاق، وإن لم يرد؛ فالبراءة الأصلية كافية في نفي التعبد بكون الشيء نجساً من دون دليل؛ فإن الأصل في جميع الأشياء الطهارة، والحكم بنجاستها حكم تكليفي تعم به البلوى، ولا يحل إلا بعد قيام الحجة.اهـ
وخالف في ذلك الأئمة الأربعه فقالوا : بنجاسة بول الحيوان غير المأكول 0
6-  ( الكلب شعره طاهر وريقه نجس )
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
أَمَّا الْكَلْبُ فَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ طَاهِرٌ حَتَّى رِيقُهُ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَالثَّانِي: نَجِسٌ حَتَّى شَعْرُهُ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد. وَالثَّالِثُ: شَعْرُهُ طَاهِرٌ وَرِيقُهُ نَجِسٌ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ. فَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ رُطُوبَةُ شَعْرِهِ لَمْ يَنْجُسْ بِذَلِكَ وَإِذَا وَلَغَ فِي الْمَاءِ أُرِيقَ الْمَاءُ. وَإِنْ وَلَغَ فِي اللَّبَنِ وَنَحْوِهِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ يُؤْكَلُ ذَلِكَ الطَّعَامُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يُرَاقُ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فَأَمَّا إنْ كَانَ اللَّبَنُ كَثِيرًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ كَمَا تَقَدَّمَ.انظر مجموع الفتاوى [21/ 530] وفي موضعٍ آخر قال ابن تيمية رحمه الله:
وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ شَعْرُ الْكَلْبِ رَطْبًا وَأَصَابَ ثَوْبَ الْإِنْسَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ فَلَا يَجُوزُ تَنْجِيسُ شَيْءٍ وَلَا تَحْرِيمُهُ إلَّا بِدَلِيلِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}.. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ} وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: {إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ} . فَأَحَادِيثُهُ كُلُّهَا لَيْسَ فِيهَا إلَّا ذِكْرُ الْوُلُوغِ لَمْ يَذْكُرْ سَائِرَ الْأَجْزَاءِ فَتَنْجِيسُهَا إنَّمَا هُوَ بِالْقِيَاسِ...
وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي اقْتِنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ وَلَا بُدَّ لِمَنْ اقْتَنَاهُ أَنْ يُصِيبَهُ رُطُوبَةُ شُعُورِهِ كَمَا يُصِيبُهُ رُطُوبَةُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ بِنَجَاسَةِ شُعُورِهَا
 وَالْحَالُ هَذِهِ مِنْ الْحَرَجِ الْمَرْفُوعِ عَنْ الْأُمَّةِ انظر مجموع الفتاوى [21/ 617 ]
ما - حكم بيع السنور – القط -
قلت : اختلف العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز بيع السنور  رَخَّصَ فِي بَيْعِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ سِيرِينَ والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي وأحمد واسحق وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ انظرالمجموع (9/ 229)
القول الثاني : قالوا بتحريم بيع السنور وبه قال أَبو هُرَيْرَةَ وَطَاوُس وَمُجَاهِد وَجَابِر بْنِ زَيْدٍ انظر شرح مسلم نووي (10\234)  قلت : وهو مذهب ابن حزم المحلى ( 7/498 ) وابن القيم في زاد المعاد (5/685) وهو الراجح والدليل : عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا، عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ- أي القط- قَالَ: «زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ» رواه مسلم ( 1569) قلت : هذا الحديث ضعفه أحمد والترمذي والبغوي وابن المنذر وابن عبد البر وشيخنا مصطفى العدوي 0
وصححه مسلم والبيهقي والنووي والألباني فله طرق انظر السلسلة الصحيحة للألباني (2971) وهو الراجح 0
قال النووي في شرح مسلم (10\234)
وَأَمَّا ما ذكره الخطابى وأبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ ضَعِيفٌ فَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلِ الحديث صحيح رواه مسلم وغيره وقول بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ غَلَطٌ مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّ مُسْلِمًا قَدْ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ كما تروى مِنْ رِوَايَةِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ فَهَذَانِ ثِقَتَانِ رَوَيَاهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَهُوَ ثِقَةٌ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قال الشوكاني في نيل الأوطار (5\172)
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْهِرِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَحَكَاهُ الْمُنْذِرِيُّ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى جَوَازِ بَيْعِهِ. وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَضْعِيفِهِ، وَقَدْ عَرَفْت دَفْعَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إنَّهُ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْمُرُوءَاتِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إخْرَاجُ النَّهْيِ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بِلَا مُقْتَضٍ.انتهى
قال البيهقي في السنن الكبرى (6/18) - ردا على الجمهور - قَدْ حَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْهِرِّ إِذَا تَوَحَّشَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ مَحْكُومًا بِنَجَاسِتِهِ، ثُمَّ حِينَ صَارَ مَحْكُومًا بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ حَلَّ ثَمَنُهُ، وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ
قلت : والقول بالتحريم بيعه هو الراجح لثبوت النهي عن بيعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس له ما يعارضه والله اعلم
 ( ما حكم أكل الخيول الفرس الحصان هل هو حلال أم حرام )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : قَالَ الْحَافِظُ وَصَحَّ الْكَرَاهَةُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَالِكٍ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ التَّحْرِيمُ انظر تحفة الأحوذي (5\412)
واستدلوا : 1- عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ رواه أبو داود (3790) ضعفه البخاري والخطابي والنووي والألباني
2- وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] الْآيَةَ، فَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَنْفَعَةِ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فِي الْخَيْلِ، وَلَوْ كَانَ مَأْكُولًا لَكَانَ الْأَوْلَى بَيَانَ مَنْفَعَةِ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ وُجُوهِ الْمَنْفَعَةِ، وَبِهِ بَقَاءُ النُّفُوسِ، وَلَا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ الْحَكِيمِ تَرْكُ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ إظْهَارِ الْمِنَّةِ وَذِكْرُ مَا دُونَ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي الْأَنْعَامِ ذَكَرَ الْأَكْلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] وَلِأَنَّهُ ضَمَّ الْخَيْلَ إلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي الذِّكْرِ دُونَ الْأَنْعَامِ، وَالْقُرْآنُ فِي الذِّكْرِ دَلِيلُ الْقُرْآنِ فِي الْحُكْمِ انظر المبسوط (11\234)
وأجيب : قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (6\82)
وَأَمَّا الْآيَةُ: فَلَا ذِكْرَ فِيهَا لِلْأَكْلِ لَا بِإِبَاحَةٍ وَلَا بِتَحْرِيمٍ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، وَلَا ذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا الْبَيْعَ - فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّمُوهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ، وَإِبَاحَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا حَاكِمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ انتهى
وقال النووي رحمه الله في المجموع (9\5)
(وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْآخَرُونَ فَهُوَ مَا أَجَابَ
الْخَطَّابِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّ ذِكْرَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا مَقْصُورَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا خُصَّ هَذَانِ بِالذَّكَرِ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخنزير) فَذَكَرَ اللَّحْمَ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ وَدَمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ قَالُوا وَلِهَذَا سَكَتَ عَنْ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَنْ الْخَيْلِ مَعَ قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ (وَتَحْمِلُ أثقالكم) وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ هَذَا تَحْرِيمُ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ وَيَنْضَمُّ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي إبَاحَةِ لَحْمِ الْخَيْلِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ الصَّحِيحِ لَهَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فَسَبَقَ جَوَابُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
القول الثاني : وهو مذهب الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وعطاء وشريح وسعد بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سَلْمَانَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُدُ وَجَمَاهِيرُ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرُهُمْ  قالوا جواز أكل لحوم الخيل - الفرس الحصان - انظر تحفة الأحوذي (5\412) ورجحه شيخنا مصطفى العدوي وهو الصحيح والدليل : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَرَخَّصَ فِي الخَيْلِ رواه البخاري (4219) ومسلم (1941)
ثانيا : عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ رواه البخاري (5519) ومسلم (1942)
ثالثا : عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَافَرْنَا , يَعْنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكُنَّا نَأْكُلُ لُحُومَ الْخَيْلِ وَنَشْرَبُ أَلْبَانَهَا رواه البيهقي في الكبرى (19437) وصححه النووي في المجموع (9\5)
قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى كَرَاهَةِ أَكْلِ الْخَيْلِ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجُّوا بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ فِي حِلِّهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ لَمَا كَانَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَرْقٌ وَلَكِنِ الْآثَارُ إِذَا صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاتَرَتْ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهَا مِنَ النَّظَرِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا قَدْ أَخْبَرَ جَابِرٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لَهُمْ لُحُومَ الْخَيْلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي مَنَعَهُمْ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمِهَا انتهى قال المباركفوري : قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِحِلِّ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ مِنْ دُونِ كَرَاهَةٍ هُوَ الْحَقُّ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ الَّتِي هِيَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي الْحِلِّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ  انظر تحفة الأحوذي (5\412)
فائدة : سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية- رَحِمَهُ اللَّهُ -:
عَنْ بَغْلٍ تَوَلَّدَ مِنْ حِمَارِ وَحْشٍ وَفَرَسٍ: هَلْ يُؤْكَلُ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ:إذَا تَوَلَّدَ الْبَغْلُ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارِ وَحْشٍ أَوْ بَيْنَ أَتَانٍ وَحِصَانٍ جَازَ أَكْلُهُ وَهَكَذَا كُلُّ مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُبَاحَيْنِ؛ وَإِنَّمَا حَرُمَ مَا تَوَلَّدَ مِنْ بَيْنِ حَلَالٍ وَحَرَامٍ " كَالْبَغْلِ " الَّذِي أَحَدُ أَبَوَيْهِ حِمَارٌ أَهْلِيٌّ و " كَالسَّبْعِ " الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّبْعِ وَالذِّئْبِ " وَالْإِسْبَارِ " الْمُتَوَلِّدِ مِنْ بَيْنِ الذِّئْبِ وَالضِّبْعَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.انظر مجموع الفتاوى (35\209
 ( بيع الدم )
قال تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّم ) سورة المائدة (3)
عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي، فَقَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّم رواه البخاري (5945)
وَالْمُرَادُ تَحْرِيمُ بَيْعِ الدَّمِ كَمَا حُرِّمَ بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَهُوَ حَرَامٌ إِجْمَاعًا أَعْنِي بَيْعَ الدَّمِ وَأَخْذَ ثَمَنِهِ انر فتح الباري (4/ 427)
[ما حكم نقل الدم؟]ـ
[الْجَوَابُ] الحمد لله
أجاب الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله على سؤال بهذا الخصوص فقال:
الجواب عن هذا السؤال يستدعي الكلام على ثلاثة أمور:
الأول: من هو الشخص الذي يُنقل إليه الدم.
الثاني: من هو الشخص الذي يُنقل منه الدم.
الثالث: من هو الشخص الذي يعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم.
أما الأول: فهو الشخص الذي يُنقل إليه الدم وهو من توقفت حياته إذا كان مريضا أو جريحا على نقل الدم.
الأصل في هذا قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) . وقال سبحانه في آية أخرى: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) . وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما ضطررتم إليه) .
وجه الدلالة من هذه الآيات أنها أفادت أنه إذا توقف شفاء المريض أو الجريح وإنقاذ حياته على نقل الدم إليه من (شخص) آخر بأن لا يوجد من (الأغذية والأدوية المباحة) ما يقوم مقامه في شفائه وإنقاذ حياته جاز نقل الدم إليه وهذا في الحقيقة من باب الغذاء لا من باب الدواء (واستعمال الغذاء المحرّم عند الضرورة جائز كأكل الميتة للمضطر) .
أما الثاني: فالذي ينقل منه الدم هو الذي لا يترتب على نقله منه ضرر فاحش لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) .
وأما الثالث: فهو أنّ الذي يُعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم هو الطبيب المسلم. وإذا تعذر فلا يظهر لنا مانع من الاعتماد على قول غير المسلم يهوديا كان أو نصرانيا (أو غيرهما) إذا كان خبيرا بالطب ثقة عند الإنسان والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استأجر رَجُلا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ والْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ ومعرفة الطّرق. أخرجه البخاري 2104. فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم.
وفي الموضوع فتوى لهيئة كبار العلماء هذا نصّها:
أولا: يجوز أن يتبرع الإنسان من دمه بما لا يضره عند الحاجة إلى ذلك لإسعاف من يحتاجه من المسلمين.
الثاني: يجوز إنشاء بنك إسلامي لقبول ما يتبرع به الناس من دمائهم وحفظ ذلك لإسعاف من يحتاج إليه من المسلمين على أن لا يأخذ البنك مقابلا ماليا من المرضى وأولياء أمورهم عما يسعفهم به من الدماء ولا يتخذ ذلك وسيلة تجارية للكسب المادي لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين انظر كتاب الاضطرار إلى الأطعمة والأدوية المحرمة للطريقي (169)
 ( بيع الحر )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ رواه البخاري (2227) قال ابن المنذر في الإجماع (128) وأجمعوا على أن بيع الحر باطل اهـ 
 ( بيع عسب الفحل )
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الفَحْلِ» رواه البخاري (2284) وعن جَابِر بْن عَبْد الله، قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ رواه مسلم (1565) قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : فِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَهُوَ قَول الْحسن وبن سِيرِينَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ قَوَّاهَا الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ لِأَمَدٍ مَجْهُولٍ وَأَمَّا إِذَا اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَلَا بَأْسَ كَمَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِتَلْقِيحِ النَّخْلِ وَتُعُقِّبَ بِالْفَرْقِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَاءُ الْفَحْلِ وَصَاحِبُهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ بِخِلَافِ التَّلْقِيحِ ثُمَّ النَّهْيُ عَنِ الشِّرَاءِ وَالْكِرَاءِ إِنَّمَا صَدَرَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ انظر فتح الباري (4/461)
القول الثاني : قال ابن القيم في زاد المعاد (5/703) الْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ بَيْعًا أَوْ إِجَارَةً، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ أحمد وَالشَّافِعِيُّ، وأبو حنيفة وَأَصْحَابُهُمْ اهـ قلت : الراجح قول جمهور العلماء إلى تحريم بيع ماء الفحل أي منيه لكي ينزو على الأنثى ، وكذلك لا يجوز تأجيره لذلك لظاهر النص سواء كان تقدير معنى عسب الفحل في الحديث هو ماء الفحل ، أو كان معناه أجرة الجماع
قال ابن حجر رحمه الله : الْفَحْلُ الذَّكَرُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ فَرَسًا كَانَ أَوْ جَمَلًا أَوْ تَيْسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ 00وَاخْتلف فِيهِ فَقيل هُوَ مِمَّن مَاءِ – يعني مني - الْفَحْلِ وَقِيلَ أُجْرَةُ الْجِمَاع 00وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَبَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ  انظر فتح الباري (4/461)
فائدة : قال الحنابلة كما في الإقناع (2/293) والموسوعة الفقهية (30/95)  : إِنِ احْتَاجَ إِنْسَانٌ إِلَى اسْتِئْجَارِ الْفَحْل لِلضِّرَابِ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُطْرِقُ لَهُ مَجَّانًا، جَازَ لَهُ أَنْ يَبْذُل الْكِرَاءَ؛ لأَِنَّهُ بَذْلٌ لِتَحْصِيل مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ تَدْعُوا الْحَاجَةُ إِلَيْهَا.- كشراء الأسير ورشوة الظالم ليدفع ظلمه اهـ
( لكن إذا أعطاه هدية دون شرط جاز له ذلك )
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِلَابٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الفَحْلِ؟ «فَنَهَاهُ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُطْرِقُ الفَحْلَ فَنُكْرَمُ، «فَرَخَّصَ لَهُ فِي الكَرَامَةِ» رواه الترمذي (1274) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ اهـ وصححه الألباني والأرنؤوط0
قال صاحب تحفة الأحوذي (4/ 412)
قَوْلُهُ (إِنَّا نُطْرِقُ الْفَحْلَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ نُعِيرُهُ لِلضِّرَابِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ وَمِنْ حَقِّهَا إِطْرَاقُ فَحْلِهَا
أَيْ إعارته للضراب واستطرق الْفَحْلِ اسْتِعَارَتُهُ لِذَلِكَ (فَنُكْرَمُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُعْطِينَا صَاحِبُ الْأُنْثَى شَيْئًا بِطَرِيقِ الْهَدِيَّةِ وَالْكَرَامَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ (فَرَخَّصَ لَهُ فِي الْكَرَامَةِ) أَيْ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ دُونَ الْكِرَاءِ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعِيرَ إِذَا أَهْدَى إِلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ هَدِيَّةً بِغَيْرِ شَرْطٍ حَلَّتْ لَهُ اهـ
وعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ أَنَّهُ أَتَاهُ فَقَالَ: أَطْرِقْنِي فَرَسَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَطْرَقَ فَرَسًا، فَعَقَبَ لَهُ الْفَرَسُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ سَبْعِينَ فَرَسًا حُمِلَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ تُعْقِبْ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ فَرَسٍ حُمِلَ عليه في سبيل الله رواه ابن حبان في صحيحه (4679) وصححه الألباني والأرنؤوط قَوْله: (أطرقني) ، أَي: أعرني فرسك للإنزاء.
قال ابن حجر في فتح الباري (4/461) :
 وَأَمَّا عَارِيَةُ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فَإِنْ أُهْدِيَ لِلْمُعِيرِ هَدِيَّةٌ مِنَ الْمُسْتَعِيرِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ اهـ
 ( بيع الصُبرَة بالصبرة من جنس واحد )
عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ قال : «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ، لَا يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا، بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ» رواه مسلم (1530) قَوْلُهُ: (الصُّبْرَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالصُّبْرَةُ بِالضَّمِّ مَا جُمِعَ مِنْ الطَّعَامِ بِلَا كَيْلٍ وَوَزْنٍ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلصُّبْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهَا صُبْرَةٌ إلَّا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْكَيْلِ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ جِنْسٌ بِجِنْسِهِ، وَأَحَدُهُمَا مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّسَاوِي مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الْجِنْسِ شَرْطٌ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِدُونِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَهْلَ بِكِلَا الْبَدَلَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ مَظِنَّةٌ لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَمَا كَانَ مَظِنَّةً لِلْحَرَامِ وَجَبَ تَجَنُّبُهُ وَتَجَنُّبُ هَذِهِ الْمَظِنَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَيْلِ الْمَكِيلِ وَوَزْنِ الْمَوْزُونِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ انظر نيل الأوطار (5/232)
قال ابن المنذر رحمه الله : وأجمعوا على أن بَيعَ الصبرة بالصبرة من الطعام غيرَ جائز إذا كان من صِنف واحد وأجمعوا على إجازته إذا كان من صِنفَين انظر الإجماع (133)
( بيع الفُضُولي )
فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ الْفُضُولِيُّ عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلاَ إِذْنٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ لِكَوْنِ تَصَرُّفِهِ صَادِرًا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلاَ وَكَالَةٍ وَلاَ وِلاَيَةٍ انظر الموسوعة الكويتية (32/171) اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ، أَوْ لَهُ عَلَيْهِ وِلاَيَةٌ أَوْ وَكَالَةٌ تُجِيزُ تَصَرُّفَهُ فِيهِ، وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، إِذَا كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا وَأَجَازَ الْبَيْعَ، لأَِنَّ الْفُضُولِيَّ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَالْوَكِيل.
وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ إِذَا كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَ أَهْلٍ لِلإِْجَازَةِ، كَمَا إِذَا كَانَ صَبِيًّا انظر الموسوعة الفقهية ( 9/117)
هل يصح بيع الفضولي ؟
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : أن بيع الفضولي لا يجوز : وهو مذهب الشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيدِ، وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى عَنْهُ انظر الموسوعة الفقهية (9/117) وهو مذهب ابن حزم ودليلهم : عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنَ البَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي، أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ، ثُمَّ أَبِيعُهُ؟ قَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رواه الترمذي (1232) وصححه الألباني فهذا الحديث يدل عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ، لأَِنَّهُ تَصَرُّفٌ بِلاَ مِلْكٍ وَلاَ إِذْنٍ وَلاَ وِلاَيَةٍ وَلاَ وَكَالَةٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ بَاعَ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَمْ يَصِحَّ، كَبَيْعِ الآْبِقِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ
قلت: وحديث حكيم لا حجة فيه من وجوه:
(أ) أن صفة بيع حكيم تختلف عن صفة بيع الفضولي فالأول: يأتيه المشترى ويطلب منه سلعة معينة ليست عنده فيقوم بكتابة العقد ثم يذهب يشترى له السلعة من السوق، وأما الثاني: فهو يشترى فقط من غير أن يطلب منه.
(ب) أن حكيم يشترى بماله أو بمال صاحب السلعة إن كان أعطاه ثمنها، وأما الفضولي فهو يشترى بمال غيره أو يبيع.
(جـ) أن حكيم له حالان في الصفقة الواحدة (بائع ومشترى) بخلاف الفضولي وعلى هذا فبيع الفضولي خلاف بيع حكيم تمامًا والله أعلم انظر صحيح فقه السنة (4/267)
قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (7/351) وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنَّ يَبِيعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ لَهُ فِي بَيْعِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ أَبَدًا - سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ حَاضِرًا يَرَى ذَلِكَ أَوْ غَائِبًا - وَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا بِالْبَيْعِ - طَالَتْ الْمُدَّةُ أَمْ قَصُرَتْ  اهـ
القول الثاني : وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ،إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، إِلاَّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ انظر نيل الأوطار (5/324) ومال إليه البخاري حيث بوب: بَابُ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَرَضِيَ) انظر فتح الباري (4/409) وهو الراجح والدليل : 1- عموم الأدلة القرآنية الدالة على مشروعية البيع. مثل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} سورة البقرة الآية: / 275.
 وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء: 29.
 والْفُضُولِيّ كَامِل الأَْهْلِيَّةِ، فَإِعْمَال عَقْدِهِ أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْعَقْدِ مَصْلَحَةٌ لِلْمَالِكِ وَلَيْسَ فِيهِ أَيُّ ضَرَرٍ.
2- قال تعالى :{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}  سورة المائدة / 2. وَفِي هَذَا إِعَانَةٌ لأَِخِيهِ الْمُسْلِم انظر الموسوعة الفقهية
3- عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ رواه البخاري (3642) وَفِيهِ أَنَّهُ أَمْضَى لَهُ ذَلِكَ وَارْتَضَاهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ انظر فتح الباري (6/634)
4- عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَهُ بِدِينَارٍ يَشْتَرِي لَهُ أُضْحِيَّةً، فَاشْتَرَاهَا بِدِينَارٍ، وَبَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ، فَرَجَعَ فَاشْتَرَى لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ، وَجَاءَ بِدِينَارٍ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَصَدَّقَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ أَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِي تِجَارَتِهِ رواه أبو داود (3386) وضعفه الألباني
قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (5/324)
وَفِي الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ إذَا قَالَ لَهُ الْمَالِكُ: اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً وَوَصَفَهَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ شَاتَيْنِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ قَدْ حَصَلَ وَزَادَ الْوَكِيلُ خَيْرًا، وَمِثْلُ هَذَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ شَاةً بِدِرْهَمٍ فَبَاعَهَا بِدِرْهَمَيْنِ، أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ اهـ
( حكم بيع التَلجِئَة )
بَيْعُ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ، خَالِيًا عَنْ مُقَارَنَةِ مُفْسِدٍ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ عَقَدَا الْبَيْعَ بِغَيْرِ شَرْطٍ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا مَا قَصَدَا الْبَيْعَ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُمَا كَالْهَازِلَيْنِ، وَمَعْنَى بَيْعِ التَّلْجِئَةِ، أَنْ يَخَافَ أَنْ يَأْخُذَ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ مِلْكَهُ فَيُوَاطِئَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُظْهِرَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، لِيَحْتَمِيَ بِذَلِكَ، وَلَا يُرِيدَانِ بَيْعًا حَقِيقِيًّا انظر المغني (4/162)
( بيع لبن المرأة )
قال النووي رحمه الله في المجموع (9/254)
بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ جَائِزٌ عِنْدَنَا لَا كراهة فيه هذا المذهب وقطع به الاصحاب الا الماوردى والساشى وَالرُّويَانِيَّ فَحَكَوْا وَجْهًا شَاذًّا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنَّمَا يُرَبَّى بِهِ الصَّغِيرُ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَالصَّوَابُ جَوَازُ بَيْعِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال ولا نص للشافعي في المسألة هذا مذهبنا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وعن أحمد روايتان كالمذهبين
* وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ وَبِأَنَّهُ فَضْلَةُ آدَمِيٍّ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَبِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُتَّصِلًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَصِلًا كَشَعْرِ الْآدَمِيِّ ولانه لا يؤكل لحمها فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِهَا كَالْأَتَانِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بأنه لبن طاهر منتفع به فجار بَيْعُهُ كَلَبَنِ الشَّاةِ وَلِأَنَّهُ غِذَاءٌ لِلْآدَمِيِّ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْخُبْزِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا مُنْتَقَضٌ بِدَمِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ غِذَاءٌ لِلْجَنِينِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يَتَغَذَّى الْجَنِينُ بِدَمِ الْحَيْضِ بَلْ يُولَدُ وَفَمُهُ مَسْدُودٌ لَا طريق فيه لجريان الدم وعلى وجه الْمَشِيمَةُ وَلِهَذَا أَجِنَّةُ الْبَهَائِمِ تَعِيشُ فِي الْبُطُونِ وَلَا حَيْضَ لَهَا وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ فَجَازَ بَيْعُهُ كَلَبَنِ الشَّاةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِالْعَرَقِ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ بَلْ يَحِلُّ شُرْبُهُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ بَيْعِهِ فِي الْعَادَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضِ الْعَصَافِيرِ وَبَيْعُ الطِّحَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَعَنْ الْبَيْضِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَعَنْ لَبَنِ الْأَتَانِ بأنه نجس بخلاف لبن الْآدَمِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ
قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (7/524)
وَبَيْعُ أَلْبَانِ النِّسَاءِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الشُّعُورُ، وَبَيْعُ الْعَذِرَةِ وَالزِّبْلِ لِلتَّزْبِيلِ، وَبَيْعُ الْبَوْلِ لِلصَّبَّاغِ: جَائِزٌ - وَقَدْ مَنَعَ قَوْمٌ مِنْ بَيْعِ كُلِّ هَذَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْلُبَ لَبَنَهَا فِي إنَاءٍ وَتُعْطِيَهُ لِمَنْ يَسْقِيهِ صَبِيًّا، وَهَذَا تَمْلِيكٌ مِنْهَا لَهُ، وَكُلُّ مَا صَحَّ مِلْكُهُ وَانْتِقَالُ الْإِمْلَاكِ فِيهِ: حَلَّ بَيْعُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] إلَّا مَا جَاءَ فِيهِ نَصٌّ بِخِلَافِ هَذَا اهـ
(هل يجوز الاحتفاظ بالطيور داخل القفص وما حكم شرائها)
يجوز الاحتفاظ بالطيور في أقفاص خاصة ، بشرط تقديم الطعام والشراب لها ويجوز شرائها والدليل : عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ - قَالَ: أَحْسِبُهُ - فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ رواه البخاري (6203) ومسلم (2150) والنُّغَيْرُ: طائر صغير يشبه العصفور، وقيل: هو البلبل. قال الحافظ ابن حجر في شرحه فتح الباري (10/ 584) في أثناء تعداده لما يستنبط من الفوائد من هذا الحديث قال: وفيه.. جَوَازُ إِمْسَاكِ الطَّيْرِ فِي الْقَفَصِ وَنَحْوِهِ اهـ وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» رواه البخاري (3482) ومسلم (2242) - قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْهِرَّةَ يَجُوزُ قَتْلُهَا حَالَ عَدْوِهَا دُونَ هَذِهِ الْحَالِ وَجَوَّزَ الْقَاضِي قَتْلَهَا فِي حَالِ سُكُونِهَا إلْحَاقًا لَهَا بِالْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْهِرَّةِ وَرَبْطِهَا إذَا لَمْ يُهْمَلْ إطْعَامُهَا انظر سبل السلام (2/335) وإذا جاز هذا في الهرة جاز في العصافير ونحوها
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
ما الحكم فيمن يجمع الطيور ويضعها في قفص وذلك لكي يتسلى بها أولاده؟ فأجاب:لا حرج في ذلك إذا أعد لها ما يلزم من الطعام والشراب؛ لأن الأصل في مثل هذا الأمر الحل، ولا دليل على خلاف ذلك فيما نعلم، والله ولي التوفيق. " فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 1793) .
في اللجنة الدائمة (13/39) بيع طيور الزينة مثل الببغاوات والطيور الملونة والبلابل لأجل صوتها جائز؛ لأن النظر إليها وسماع أصواتها غرض مباح، ولم يأت نص من الشارع على تحريم بيعها أو اقتنائها، بل جاء ما يفيد جواز حبسها إذا قام بإطعامها وسقيها وعمل ما يلزمها، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ - قَالَ: أَحْسِبُهُ - فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ - رواه البخاري (6203) ومسلم (2150) - الحديث. والنغر نوع من الطيور، قال الحافظ ابن حجر في شرحه (فتح الباري) – (10/ 586) - في أثناء تعداده لما يستنبط من الفوائد من هذا الحديث قال: وفيه.. جَوَازِ لَعِبِ الصَّغِيرِ بِالطَّيْرِ ، وَجَوَازُ تَرْكِ الْأَبَوَيْنِ وَلَدَهُمَا الصَّغِيرَ يَلْعَبُ بِمَا أُبِيحَ اللَّعِبُ بِهِ وَجَوَازُ إِنْفَاقِ الْمَالِ فِيمَا يَتَلَهَّى بِهِ الصَّغِيرُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَجَوَازُ إِمْسَاكِ الطَّيْرِ فِي الْقَفَصِ وَنَحْوِهِ وَقَصِّ جَنَاحِ الطَّيْرِ إِذْ لَا يَخْلُو حَالُ طَيْرِ أَبِي عُمَيْرٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَيُّهُمَا كَانَ الْوَاقِعُ الْتَحَقَ بِهِ الْآخَرُ فِي الْحُكْمِ وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، » - رواه البخاري (3318) ومسلم (2619) - وإذا جاز هذا في الهرة جاز في العصافير ونحوها. وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة حبسها للتربية، وبعضهم منع من ذلك، قالوا: لأن سماع أصواتها والتمتع برؤيتها ليس للمرء به حاجة، بل هو الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ وَرَقِيقِ الْعَيْشِ ، وهو أيضا سفه؛ لِأَنَّهُ يَطْرَبُ بِصَوْتِ حَيَوَانٍ صَوْتُهُ حُنَيْنٌ إلَى الطَّيَرَانِ وَتَأَسُّفٌ عَلَى التَّخَلِّي فِي الْفَضَاءِ.
، كما في كتاب (الفروع وتصحيحه) للمرداوي (4 \ 9) ، و (الإنصاف) (4 \ 275) اهـ
(الغرر)
يحرم بيع الغرر وهذا مذهب الأئمة الأربعة وشيخ الإسلام وغيرهم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» رواه مسلم (1513)
قال الصنعاني في سبل السلام (2/18)
بَيْعُ الْغَرَرِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَغْرُورٍ اسْمُ مَفْعُولٍ وَإِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَيْهِ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمَفْعُولِ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ هَذَا وَمَعْنَاهُ الْخِدَاعُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ أَنْ لَا رِضَا بِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِهِ فَيَكُونُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَيَتَحَقَّقُ فِي صُوَرٍ إمَّا بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْفَرَسِ النَّافِرِ أَوْ بِكَوْنِهِ مَعْدُومًا أَوْ مَجْهُولًا أَوْ لَا يَتِمُّ مِلْكُ الْبَائِعِ لَهُ كَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ بِبَعْضِ الْغَرَرِ فَيَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ إذَا دَعَتْ إلَيْهِ الْحَاجَةُ كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَكَبَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يَرَ حَشْوَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَكَذَا عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ لَاثِينَ يَوْمًا أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَعَلَى دُخُولِ الْحَمَّامِ بِالْأُجْرَةِ مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ الْمَاءَ وَقَدْرِ مُكْثِهِمْ، وَعَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ فِي السِّقَاءِ بِالْعِوَضِ مَعَ الْجَهَالَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي الْبُطُونِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا كُتُبُ الْفُرُوعِ اهـ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُ الْغَرَرِ هُوَ مَا طُوِيَ عَنْكَ وَخَفِيَ عَلَيْكَ بَاطِنُهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ طَوَيْتَ الثَّوْبَ عَلَى غِرَّةٍ أَيْ كَسْرِهِ الْأَوَّلِ وَكُلُّ بَيْعٍ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَجْهُولًا غَيْرَ مَعْلُومٍ أَوْ مَعْجُوزًا عَنْهُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَهُوَ غَرَرٌ وذلك مثل أن يبيعه سمكاً في الماء أو طيراً في الهواء أو لؤلؤة في البحر أو عبداً آبقاً أو جملاً شارداً أو ثوباً في جراب لم يره ولم ينشره أو طعاماً في بيت لم يفتحه أو ولد بهيمة لم تولد أو ثمر شجرة لم تثمر في نحوها من الأمور التي لا تعلم ولا يدري هل تكون أم لا فإن البيع فيها مفسوخ. وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن هذه البيوع تحصينا للأموال أن تضيع وقطعاً للخصومة والنزاع أن يقعا بين الناس فيها.
وأبواب الغرر كثيرة وجماعها ما دخل في المقصود منه الجهل اهـ
فائدة : قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (8/160) في بعض الدكاكين كل شيء بخمسة ريالات، كل شيء بعشر ريالات، هل هذا من هذا النوع؟. الجواب: لا؛ لأنه لن يشتري إلا وقد علم ما أراد، فيقول: أخذت الحقيبة، أخذت الكتاب، أخذت القلم، أخذت الساعة بعشرة فكل شيء معلوم.
مسألة: لو أتى إنسان بكرتون فيه ثياب وطواقٍ وعبايات ونعال كلها مخلوطة، فقال: بعت عليك هذا الكرتون كل فرد منها بدرهم، فلا يصح؛ لأنه مجهول، لكن لو قال: فيه عشر من النعال، وعشر من الطواقي، وعشر من الثياب، وعشر من العبايات، وكل واحد بكذا فهذا يصح؛ لأنه معلوم لكنه يحتاج إلى حساب، أما إذا كان لا يعلم قدر كل شيء فهذا لا يصح اهـ
النهي عن بيع الحصاة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ » رواه مسلم (1513)
وهو نوع من الغرر
قال الصنعاني في سبل السلام (2/18)
بَيْعُ الْحَصَاةِ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ بَيْعِ الْحَصَاةِ قِيلَ هُوَ أَنْ يَقُولَ ارْمِ بِهَذِهِ الْحَصَاةِ فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَهُوَ لَك بِدِرْهَمٍ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَرْضِهِ قَدْرَ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ رَمْيَةُ الْحَصَاةِ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى كَفٍّ مِنْ حَصَا وَيَقُولُ لِي بِعَدَدِ مَا خَرَجَ فِي الْقَبْضَةِ مِنْ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، أَوْ يَبِيعُهُ سِلْعَةً وَيَقْبِضُ عَلَى كَفٍّ مِنْ حَصَا وَيَقُولُ لِي بِكُلِّ حَصَاةٍ دِرْهَمٌ. وَقِيلَ أَنْ يَمْسِكَ أَحَدُهُمَا حَصَاةً بِيَدِهِ وَيَقُولُ أَيُّ وَقْتٍ سَقَطَتْ الْحَصَاةُ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَعْتَرِضَ الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ فَيَأْخُذُ حَصَاةً وَيَقُولُ أَيُّ شَاةٍ أَصَابَتْهَا فَهِيَ لَك بِكَذَا، وَكُلُّ هَذِهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْغَرَرِ لِمَا فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَلَفْظُ الْغَرَرِ يَشْمَلُهَا وَإِنَّمَا أُفْرِدَتْ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مِمَّا يَبْتَاعُهَا الْجَاهِلِيَّةُ فَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا، وَأُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْحَصَاةِ لِلْمُلَابَسَةِ لِاعْتِبَارِ الْحَصَاةِ فِيهِ اهـ
 ( بيع الملامسة والمنابذة )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ المُلاَمَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ» رواه البخاري (2146) ومسلم (1511) قال النووي في شرح مسلم (10/154)
أَمَّا نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْكُتُبِ بِأَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِهِ وَلِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي تَأْوِيلِ الْمُلَامَسَةِ أَحَدُهَا تَأْوِيلُ الشافعى) وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَلْمِسَهُ الْمُسْتَامُ فَيَقُولُ صَاحِبُهُ بِعْتُكَهُ هُوَ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ لَمْسُكَ مَقَامَ نَظَرِكَ وَلَا خِيَارَ لَكَ إِذَا رَأَيْتَهُ وَالثَّانِي أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ اللَّمْسِ بَيْعًا فَيَقُولُ إِذَا لَمَسْتَهُ فَهُوَ مَبِيعٌ لَكَ وَالثَّالِثُ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى يَمَسُّهُ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وغيره وهذا الحديث باطل على التأويلات كلها وفي المنابذة ثلاثة أَوْجُهٌ أَيْضًا أَحَدُهَا أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ النَّبْذِ بَيْعًا وَهُوَ تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ فَإِذَا نَبَذْتُهُ إِلَيْكَ انْقَطَعَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَالثَّالِثُ الْمُرَادُ نَبْذُ الْحَصَاةِ وَهَذَا الْبَيْعُ باطل للغرر اهـ وقال ابن حجر في فتح الباري (4/359) وَالْبَيْعُ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا بَاطِلٌ اهـ
وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (8/158)
مثل أن يقول البائع للمشتري: أي ثوب تلمسه فهو عليك بكذا، فلا يصح البيع؛ لأن المشتري قد يلمس ثوباً يساوي مائة أو يلمس ثوباً لا يساوي إلا عشرة ففيه جهل وغرر، وهو يشبه القمار بلا شك إن لم يكن منه.00«والمنابذة» مأخوذة من النبذ وهو الطرح، مثل أن يقول المشتري للبائع: أي ثوب تنبذه علي فهو بعشرة، فالذي يختاره البائع في هذه الحال أقل ما يمكن، فيكون مجهولاً، وربما ينبذ إليه ثوباً يساوي عشرة ويظن أنه ينبذ إليه ثوباً يساوي مائة اهـ
 ( تحريم بيع المزابنة )
المزابنة: مأخوذة من الزَّبْنِ.
وهو في اللغة: الدفع لأنها تؤدى إلى النزاع والمدافعة.
وفي الاصطلاح الفقهى: المزابنة: هى كل كُلّ شَيْءٍ مِنَ الْجُزَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ ابْتِيعَ بِشَيْءٍ مُسَمَّى مِنَ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ ابتيع بشىء مسمى من الكيل، والوزن، والعدد ظنًا وتقديرًا، وذلك بأن يقدر مثلًا الرطب على النخل بمقدار مائة صاع، فيبيع بقدره من التمر.انظر صحيح فقه السنة (4/ 308) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ  وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا "رواه البخاري (2171) ومسلم (1542) عن سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: «ذَلِكَ الرِّبَا، تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ»، إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ، النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا رواه البخاري (2191) ومسلم (1540)
قال النووي في شرح مسلم (10/188) فِيهِ تَحْرِيمُ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الزَّبْنِ وَهُوَ الْمُخَاصَمَةُ وَالْمُدَافَعَةُ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا وَأَنَّهُ رِبًا وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ اهـ
 ( بيع المحاقَلة )
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ المُحَاقَلَةِ رواه البخاري (2186) ومسلم (1546)
(الْمُحَاقَلَةُ) قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهَا بِمَا فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ: هِيَ بَيْعُ الْحَقْلِ – الحب في سنبله - بِكَيْلٍ مِنْ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ بَيْعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ وَالْحَقْلُ الْحَارِثُ وَمَوْضِعُ الزَّرْعِ وَقَالَ اللَّيْثُ: الْحَقْلُ: الزَّرْعُ إذَا تَشَعَّبَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَغْلُظَ سُوقُهُ، وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الْمُحَاقَلَةَ: أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرْقٍ مِنْ الْحِنْطَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَفْسِيرُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ فِي الْأَحَادِيثِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُونَ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ وَفِي النَّسَائِيّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ الْمُحَاقَلَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقْلِ جَمْعُ حَقْلَةٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهِيَ السَّاحَاتُ جَمْعُ سَاحَةٍ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْحَقْلُ قَرَاحٌ طَيِّبٌ يُزْرَعُ فِيهِ كَالْحَقْلَةِ، وَمِنْهُ: لَا يُنْبِتُ الْبَقْلَةَ إلَّا الْحَقْلَةُ وَالزَّرْعُ قَدْ تَشَعَّبَ وَرَقُهُ وَظَهَرَ وَكَثُرَ، أَوْ إذَا اسْتَجْمَعَ خُرُوجَ نَبَاتِهِ، أَوْ مَا دَامَ أَخْضَرَ وَقَدْ أَحْقَلَ فِي الْكُلِّ، وَالْمَحَاقِلُ الْمَزَارِعُ، وَالْمُحَاقَلَةُ: بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، أَوْ بَيْعُهُ فِي سُنْبُلِهِ بِالْحِنْطَةِ، أَوْ الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ اهـ.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُحَاقَلَةُ: أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِبَعْضِ مَا يَنْبُتُ مِنْهَا وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ وَلَكِنْ يُبْعِدُ هَذَا عَطْفُ الْمُخَابَرَةِ عَلَيْهَا فِي الْأَحَادِيثِ انظر نيل الأوطار (5/208)
 ( تحريم بيع المعاومة )
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُعَاوَمَةِ رواه مسلم (1536) قال النووي رحمه الله : وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمُعَاوَمَةِ وَهُوَ بَيْعُ السِّنِينَ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ الشَّجَرَةِ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ فَيُسَمَّى بَيْعُ الْمُعَاوَمَةِ وَبَيْعُ السِّنِينَ وَهُوَ باطل بالإجماع نقل الإجماع فيه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ وَمَجْهُولٍ غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَغَيْرِ مَمْلُوكٍ لِلْعَاقِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انظر شرح مسلم (10/193)
 ( بَيعُ الثُنيَا )
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ َعَنِ الثُّنْيَا رواه مسلم (1536) وفي رواية  «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ رواه أبو داود (3405) صححه الألباني والأرنؤوط 0
 وَالثُّنْيَا الْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْبَيْعِ نَحْوَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَيَسْتَثْنِيَ بَعْضَهُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مَعْلُومًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَاحِدَةً مِنْ الْأَشْجَارِ أَوْ مَنْزِلًا مِنْ الْمَنَازِلِ أَوْ مَوْضِعًا مَعْلُومًا مِنْ الْأَرْضِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ شَيْئًا غَيْرَ مَعْلُومٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَجْهُولَ الْعَيْنِ إذَا ضَرَبَ لِاخْتِيَارِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ صَارَ كَالْمَعْلُومِ، وَبِهِ قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ لِمَا فِي الْجَهَالَةِ حَالَ الْبَيْعِ مِنْ الْغَرَرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِدُخُولِ هَذِهِ الصُّورَةِ تَحْتَ عُمُومِ الْحَدِيثِ، وَإِخْرَاجُهَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَمُجَرَّدُ كَوْنِ مُدَّةِ الِاخْتِيَارِ مَعْلُومَةً وَإِنْ صَارَ بِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي التَّعْيِينِ بَعْدَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَصِرْ بِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ حَالَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ. وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ اسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ الْغَرَرِ مَعَ الْجَهَالَةِ انظر نيل الأوطار (5/180)
 ( بيع حبل الحبلة )
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ»، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا
رواه البخاري (2143) ومسلم (1514)
قال النووي في شرح مسلم (10/157)
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي المراد بالنهى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ هُوَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَنْ تَلِدَ النَّاقَةُ وَيَلِدَ وَلَدُهَا وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الحديث هذا التفسير عن بن عُمَرَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ بَيْعُ وَلَدِ النَّاقَةِ الْحَامِلِ في الحال وهذا تفسير أبي عبيدة مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى وَصَاحِبِهِ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَآخَرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى اللُّغَةِ لَكِنَّ الرَّاوِي هُوَ بن عُمَرَ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَعْرَفُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ تَفْسِيرَ الرَّاوِي مُقَدَّمٌ إِذَا لَمْ يُخَالِفِ الظَّاهِرَ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ وَالْأَجَلُ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ وَمَجْهُولٌ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْبَائِعِ وَغَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تسليمه والله أعلم اهـ
النهي عن بيع المضامين والملاقيح :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينَ وَالْمَلَاقِيحِ » رواه الطبراني في الكبير (11581) وصححه ابن القيم والألباني وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَهُوَ إجْمَاعٌ انظر سبل السلام (2/44)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَلَاقِيحُ، مَا فِي بُطُونِ،- الأنعام - وَهِيَ الْأَجِنَّةُ. وَالْمَضَامِينُ، مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ. فَكَانُوا يَبِيعُونَ الْجَنِينَ فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، وَمَا يَضْرِبُهُ الْفَحْلُ فِي عَامِهِ، أَوْ فِي أَعْوَامٍ انظر المغني (4/157) أي : يبيعون ما ينزو به الذكر على الأنثى أو الإناث خلال العام ، وهو بيع فيه جهالة وغرر القاعدة أن كل بيع يتضمن جهالة وغررًا بحيث يكون العاقد فيه دائرًا بين الغنم والغرم فإنه بيع محرم فاسد، والعلة فيه أنه يفضي إلى العداوة والبغضاء فهو من الميسر الذي قال الله فيه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
( بيع ما ليس عندك )
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنَ البَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي، أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ، ثُمَّ أَبِيعُهُ؟ قَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رواه الترمذي (1232) وصححه الألباني وابن حزم 0
وعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رواه الترمذي (1234) وصححه الترمذي والألباني قَالَ ابْن الْمُنْذر: قَوْله: (وَبيع مَا لَيْسَ عنْدك) ، يحْتَمل مَعْنيين: أَحدهمَا: أَن يَقُول: أبيعك عبدا أَو دَارا وَهُوَ غَائِب فِي وَقت البيع، فَلَا يجوز لاحْتِمَال عدم رضى صَاحبه، أَو أَن يتْلف، وَهَذَا يشبه بيع الْغرَر، وَالثَّانِي: أَن يَقُول: أبيع هَذِه الدَّار بِكَذَا على أَن أشتريها لَك من صَاحبهَا، أَو على أَن يُسَلِّمهَا إِلَيْك صَاحبهَا، وَهَذَا مفسوخ على كل حَال، لِأَنَّهُ غرر، إِذْ قد يجوز أَن لَا يقدر على شِرَائهَا أَو لَا يُسَلِّمهَا إِلَيْهِ مَالِكهَا انظر عمدة القاري (11/254)
قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/184)
فَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ أَيْ: مَا لَيْسَ حَاضِرًا عِنْدَكَ وَلَا غَائِبًا فِي مِلْكِكَ وَتَحْتَ حَوْزَتِكَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: النَّهْيُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ بُيُوعِ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا. أَمَّا بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي ذِمَّتِهِ فَيَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ بِشُرُوطِهِ، فَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مَوْصُوفًا فِي ذِمَّتِهِ عَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْمَحَلِّ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ.
قَالَ: وَفِي مَعْنَى بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْفَسَادِ بَيْعُ الطَّيْرِ الْمُنْفَلِتِ الَّذِي لَا يُعْتَادُ رُجُوعُهُ إلَى مَحَلِّهِ، فَإِنْ اعْتَادَ الطَّائِرُ أَنْ يَعُودَ لَيْلًا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إلَّا النَّحْلُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِيهِ الصِّحَّةُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُ النَّهْيِ تَحْرِيمُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ وَلَا دَاخِلًا تَحْتَ مَقْدِرَتِهِ، وَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ السَّلَمُ فَتَكُونُ أَدِلَّةُ جَوَازِهِ مُخَصِّصَةً لِهَذَا الْعُمُومِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إذْ هُوَ كَالْحَاضِرِ الْمَقْبُوضِ.اهـ
قال ابن القيم في زاد المعاد (5/723)
فَبَائِعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِ بَائِعِ الْغَرَرِ الَّذِي قَدْ يَحْصُلُ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْقِمَارِ وَالْمَيْسِرِ اهـ
قلت : ورد في الحديث السابق صور أخرى من البيوع المنهي عنها ، وهي :
(أ) سلف وبيع ، وذلك مثل قول البائع للمشتري : أبيعك هذه السلعة بمائة على أن تسلفني ألفا ؛ فهذا الشرط حرام ؛ لأنه قرض جر منفعة فهو ربا ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وشيخ الإسلام وابن القيم وغيرهم ولا أعلم لهم مخالفا انظر الفقه الميسر (3/11)  عن عبد الله بن عمرو قال : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ رواه الترمذي (1234) حديث حسن قال الترمذي : حسن صحيح وأقره عبد الحق فى " أحكامه " (ق 154/2) وحسنه الألباني والأرنؤوط 0
(ب) ( هل يفسد العقد بشرط أو بشرطين فأكثر )
عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، رواه الترمذي (1234) حديث حسن قال الترمذي : حسن صحيح وأقره عبد الحق فى " أحكامه " (ق 154/2) وحسنه الألباني والأرنؤوط قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/213) وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ مَا فِيهِ شَرْطَان اهـ
اختلفوا في صحة البيع مع شرط على قولين :
القول الأول : ذهب قوم إلى عدم جواز بيع وشرط وهذا مذهب الشافعي وأبو حنيفة انظر نيل الأوطار ، ودليلهم : نهى عن بيع وشرط  وأجيب : قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (18/63) فِي أَحَادِيثَ يَحْتَجُّ بِهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَشْيَاءَ وَهِيَ بَاطِلَةٌ: مِنْهَا: قَوْلُهُمْ: إنَّهُ {نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ} فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يُرْوَى فِي حِكَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ اهـ وضعفه جدا الألباني وقد أنكره أحمد انظر الضعيفة (491)
القول الثاني : ذهب قوم إلى جواز بيع وشرط وهذا مذهب أحمد والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور والبخاري وابن حجر انظر الفقه الميسر (3/14) وهو الراجح والدليل : 1-  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بِعْتُهُ يَعْنِي بَعِيرَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَرَطْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، قَالَ فِي آخِرِهِ: «تُرَانِي إِنَّمَا مَاكَسْتُكَ لِأَذْهَبَ بِجَمَلِكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَثَمَنَهُ فَهُمَا لَكَ» رواه البخاري (2718) ومسلم  (715) وأبو داود (3505) واللفظ له قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/212) والحديث - يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ الرُّكُوبِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ إذَا كَانَتْ مَسَافَةُ السَّفَرِ قَرِيبَةً وَحَدَّهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتْ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الثُّنْيَا، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ قِصَّةُ عَيْنٍ تَدْخُلُهَا الِاحْتِمَالَاتُ وَيُجَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ مُطْلَقًا فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الثُّنْيَا فَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يُعْلَمَ اهـ
قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/213) وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ – أي حديث عبد الله بن عمرو السابق - بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: إنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ شَرْطًا وَاحِدًا صَحَّ وَإِنْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ فَيَصِحُّ مَثَلًا أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ ثَوْبِي عَلَى أَنْ أَخِيطَهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ أُقَصِّرَهُ وَأَخِيطَهُ، وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالشَّرْطَيْنِ اهـ
(ج) بيع ما لم يضمن
قَوْلُهُ – صلى الله عليه وسلم -: (وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ) يَعْنِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ رِبْحَ سِلْعَةٍ لَمْ يَضْمَنْهَا مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا وَيَبِيعَهُ إلَى آخَرَ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْبَائِعِ فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَرِبْحُهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ.
انظر نيل الأوطار (5/ 213) وقِيلَ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَذَلِكَ هُوَ الْغَصْبُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مِلْكٍ لِلْغَاصِبِ، فَإِذَا بَاعَهُ وَرَبِحَ فِي ثَمَنِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الرِّبْحُ انظر سبل السلام (2/21)
 ( بيع الطعام قبلَ قَبضِه )
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» رواه البخاري (2126) ومسلم  (1525) وفي رواية «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ رواه البخاري (2133) ومسلم (1526)
وجملة ذلك : أن التاجر إذا اشترى طعاما – أرزا – قَمحا – ذرة – أو غيرَ ذلك فإنه لا يجوز له أن يبيعَهُ حتى يَنقُلَهُ من مكانه 0
قال بعض أهل العلم : لأنه قد يربَحُ التاجرُ ، ولم ينقل ِ المبيعَ فيؤَدِي إلى البغضاء والعداوة ، أو يحاوِلُ البائِعُ فسخَ العقد إذا زاد قبلَ نقله ، وكذا قد يَربحُ ما لم يَضمَن
قال النووي رحمه الله : نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الطَّعَامِ المبيع قبل قبضه قالوا وإنما الْخِلَافُ فِيمَا سِوَاهُ انظر شرح مسلم (10/170)
( هل يُقَاسُ على الطعام غَيرُه )
تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : قيد المالكية هذا النهي بالطعام فقط اعتمادا على ظاهر نص الحديث السابق وَيَكْفِي فِي رَدِّ هَذَا الْمَذْهَبِ حَدِيثُ حَكِيمٍ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ غَيْرَ الطَّعَامِ، وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ بِالنَّهْيِ فِي السِّلَعِ انظر نيل الأوطار (5/189) سيأتي
قال الشوكاني رحمه الله : وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ خَصَّصَ هَذَا الْحُكْمَ بِالطَّعَامِ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْ عُمَرَ بَكْرًا كَانَ ابْنُهُ رَاكِبًا عَلَيْهِ، ثُمَّ وَهَبَهُ لِابْنِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ» وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ بِعِوَضٍ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إذَا كَانَتْ بِعِوَضٍ وَهَذِهِ الْهِبَةُ الْوَاقِعَةُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ عَلَى عِوَضٍ، وَغَايَةُ مَا فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِالْهِبَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ لِلْبَيْعِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ فَاسِدَ الِاعْتِبَارِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، وَأَيْضًا قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرَ الْأُمَّةَ أَوْ نَهَاهَا أَمْرًا أَوْ نَهْيًا خَاصًّا بِهَا ثُمَّ فَعَلَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى التَّأَسِّي فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِخُصُوصِهِ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَوْ النَّهْيَ الْخَاصَّيْنِ بِالْأُمَّةِ فِي مَسْأَلَةٍ مَخْصُوصَةٍ هُمَا أَخَصُّ مِنْ أَدِلَّةِ التَّأَسِّي الْعَامَّةِ مُطْلَقًا، فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى تَخْصِيصِ التَّصَرُّفِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْبَيْعِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ: فَلَا يَحِلُّ الْبَيْعُ وَيَحِلُّ غَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْجَمْعَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَحَدِيثِ شِرَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْبَكْرِ، وَلَكِنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ إلْحَاقَ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ إلْحَاقٌ مَعَ الْفَارِقِ، وَأَيْضًا إلْحَاقُهَا بِالْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ الْبَيْعِ الَّذِي وَرَدَتْ بِمَنْعِهِ الْأَحَادِيثُ تَحَكُّمٌ، وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بِإِلْحَاقِ التَّصَرُّفَاتِ بِعِوَضٍ بِالْبَيْعِ، فَيَكُونُ فِعْلُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرَ جَائِزٍ، وَإِلْحَاقُ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا عِوَضَ فِيهَا بِالْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ.
وَلَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّلِ مَعَ ذَلِكَ الْقَائِلِ بَعْدَ فَرْضِ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَالِفُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فَلَا اخْتِصَاصَ وَيَشْهَدُ لِمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ إجْمَاعُهُمْ عَلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا مَا عُلِّلَ بِهِ النَّهْيُ؛ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ، وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ، اسْتَفْهَمَهُ عَنْ سَبَبِ النَّهْيِ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَأَخَّرَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا سَأَلَهُ طَاوُسٌ: أَلَا تَرَاهُمْ يَبْتَاعُونَ بِالذَّهَبِ وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ؟ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدَفَعَهَا لِلْبَائِعِ، وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ الطَّعَامَ، ثُمَّ بَاعَ الطَّعَامَ إلَى آخَرَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَثَلًا، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بِذَهَبِهِ ذَهَبًا أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعِلَّةِ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَجْوَدُ مَا عُلِّلَ بِهِ النَّهْيُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَعْرَفُ بِمَقَاصِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ كُلّ تَصَرُّفٍ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا كَانَ بِعِوَضٍ وَمَا لَا عِوَضَ فِيهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلَّا الْإِلْحَاقُ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ بِالْبَيْعِ، وَقَدْ عَرَفْتَ بُطْلَانَ إلْحَاقِ مَا لَا عِوَضَ فِيهِ بِمَا فِيهِ عِوَضٌ، وَمُجَرَّدُ صِدْقِ اسْمِ التَّصَرُّفِ عَلَى الْجَمِيعِ لَا يَجْعَلُهُ مُسَوِّغًا لِلْقِيَاسِ عَارِفٌ بِعِلْمِ الْأُصُولِ. انظر نيل الأوطار (5/189)
القول الثاني : مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مِمَّا يَحِلُّ بَيْعُهُ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وهو قول الجمهور منهم أبو حنيفة والشافعي ورواية عن أحمد وابن تيمية والنووي وابن حجر ورجحه ابن عثيمين والدليل : 1- عن حَكِيم بْن حِزَامٍ ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا، وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ قَالَ: " فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا، فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ رواه أحمد (15316) صححه الألباني والأرنؤوط وعن زيد بن ثابت : أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ» رواه أبو داود (3499) حديث حسن وحسنه الألباني فلفظ السلع عام ، سواء كان طعاما أو غير طعام
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْقَبْضِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْوِيلِهِ إلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي يَسْكُنُ فِيهِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَضَعُ فِيهِ بِضَاعَتَهُ، وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: حَتَّى يُحَوِّلُوهُ وَكَذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ، فَبَعَثَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ» وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ: إنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْإِيوَاءُ إلَى الرِّحَالِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى تَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ لِمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا عُذْرَ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ انظر نيل الأوطار (5/190)
( صفة القبض )
قال ابن حجر رحمه الله : وَفِي صِفَةِ الْقَبْضِ عَنِ الشَّافِعِيِّ تَفْصِيلٌ فَمَا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ كالدراهم وَالدَّنَانِير وَالثَّوْب فَقَبضهُ بالتناول ومالا يُنْقَلُ كَالْعَقَارِ وَالثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ فَقَبْضُهُ بِالتَّخْلِيَةِ وَمَا يُنْقَلُ فِي الْعَادَةِ كَالْأَخْشَابِ وَالْحُبُوبِ وَالْحَيَوَانِ فَقَبْضُهُ بِالنَّقْلِ إِلَى مَكَانٍ لَا اخْتِصَاصَ لِلْبَائِعِ بِهِ انظر فتح الباري (4/350)
( العلة في النهي قبل القبض )
وَعِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَتْ تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ بَلْ عَجْزُ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يُسَلِّمُهُ وَقَدْ لَا يُسَلِّمُهُ، لَا سِيَّمَا إذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فَيَسْعَى فِي رَدِّ الْبَيْعِ إمَّا بِجَحْدٍ أَوْ بِاحْتِيَالٍ فِي الْفَسْخِ انظر الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/391)
 ( بيع فضل الماء )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الكَلَأُ رواه البخاري (2353) ومسلم (1566) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ، وَلَا يُمْنَعُ نَقْعُ الْبِئْرِ رواه ابن ماجه (2479) وصححه الدارقطني وابن عبد البر والحاكم والذهبي.والألباني والأرنؤوط 0
قال النووي رحمه الله :0أَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهَا الْكَلَأُ فَمَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ لِإِنْسَانٍ بِئْرٌ مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِالْفَلَاةِ وَفِيهَا مَاءٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ وَيَكُونَ هُنَاكَ كَلَأٌ) لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ إِلَّا هَذِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَصْحَابُ الْمَوَاشِي رَعْيَهُ إِلَّا إِذَا حَصَلَ لَهُمُ السَّقْيُ مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْعُ فضل هذا الماء للماشية انظر شرح مسلم (10/228)
ذهب جمهور أهل العلم إلى تحريم بيع فضل الماء للأحاديث الصحيحة كما تقدم ، وهذا إذا كان الماء ماء آبار أو صحار وما أشبه ذلك أما إذا بذل صاحب الماء جهدا ومؤنة لتحصيل الماء – مثل : بيع المياه المعدنية التي توجد الآن بالأسواق – فالراجح عند جماهير العلماء جواز بيع فضل الماء إلا إذا كان في منعه ضرر واقع لا يمكن دفعه ، فعليه في تلك الحال بذل فضل الماء بدون ثمن ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد ومالك وابن حزم والجمهور وقالت طائفة يحرم بيع فضل الماء مطلقا عملا بظاهر الأحاديث وهذا ما ذهب إليه الشوكاني وغيره انظر الفقه الميسر ( 3/49)
  [تَحْرِيم الغش]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» رواه مسلم (102)
قوله (صُبْرَةٌ مِنْ طَعَامٍ) هِيَ بِضَمِّ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الصُّبْرَةُ الْكَوْمَةُ الْمَجْمُوعَةُ مِنَ الطَّعَامِ سُمِّيَتْ صُبْرَةً لِإِفْرَاغِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّحَابِ فَوْقَ السَّحَابِ صَبِيرٌ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ (أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ) أَيِ الْمَطَرُ انظر شرح مسلم (2/109)
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (19/294)قَوْلُهُ: {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا} وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا كَمَا تَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ وَلَا أَنْ يُقَالَ: صَارَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ كَافِرًا كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارِجُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ الْمُضْمَرَ يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ بِلَا عِقَابٍ وَلَهُمْ الْمُوَالَاةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْمَحَبَّةُ الْمُطْلَقَةُ وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ دَرَجَاتٌ فِي ذَلِكَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ فَإِذَا غَشَّهُمْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ حَقِيقَةً؛ لِنَقْصِ إيمَانِهِ الْوَاجِبِ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ الْمُطْلَقَ بِلَا عِقَابٍ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا بَلْ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مُشَارَكَتَهُمْ فِي بَعْضِ الثَّوَابِ وَمَعَهُ مِنْ الْكَبِيرَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ اهـ
قال الصنعاني رحمه الله : وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْغِشِّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ شَرْعًا مَذْمُومٌ فَاعِلُهُ عَقْلًا انظر سبل السلام (2/38)
فائدة : الغش حرام أيضا في الامتحانات وغير ذلك لعموم الحديث السابق قال ابن عثيمين رحمه الله كما في نور على الدرب (24/24)لا يحل للطالب أن يغش في أثناء الامتحانات لأن الغش من كبائر الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من غش فليس منا) ولأنه يترتب على غشه أن ينجح أو أن يعطى ورقة النجاح وهو غير جدير بذلك ثم يتولى مناصب في الدولة لا تصلح إلا لمن يحمل الشهادة وإذا كانت هذه الشهادة مبنية على غش فإنه يخشى أن يكون ما يأخذه من الرواتب حرام عليه لأنه يأخذه وهو غير مستحق له حيث إنه لم يصل في الحقيقة إلى الدرجة التي تؤهله لهذا المنصب فيكون أخذه للراتب من أكل المال بالباطل فليحذر إخوتنا وأبناؤنا من الغش في الامتحان في أي مادة كانت لأن الحكومة لما وضعت المناهج على هذا الوجه ودخل الطالب لهذه المدرسة أو المعهد أو الجامعة على أساس أنه ملتزم بجميع مواده ومناهجه فإنه يجب عليه أن يوفي بهذا وألا يخون في أي مادة من المواد وأما ظن بعضهم إنه لا بأس بالغش في مادة اللغة الإنجليزية والفرنسية أو مادة الرياضيات فإن هذا ظن لا أساس له من الصحة لأن جميع المواد التي في المنهج مطالب بها الدارس ويعطى الشهادة على أنه أتقنها جميعها فإذا غش في بعضها ونقل من غيره أو لقنه غيره كان ذلك خيانة لأمانته وأدى إلى أن يكون غير ناجح في الحقيقة اهـ
 سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم غش الطلبة في اختبارات المدارس؟ فأجابت: " حديث: (من غشنا فليس منا) صحيح، وهو عام يشمل الغش في البيع والشراء، وفي النصيحة وفي العهود والمواثيق، وفي الأمانة وفي اختبار المدارس والمعاهد، ونحوها، سواء كان نقلاً من الكتب أم أخذاً عن التلاميذ أم إعطاء لهم كلاماً أم عن طريق الكتابة وتناقلها بينهم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/200)
( بيع المصَرَاةِ )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَلاَ تُصَرُّوا الغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا، إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ رواه البخاري (2150) ومسلم (1515) ذهب جماهير العلماء إلى تحريم المصراة لما في ذلك من الغش والتدليس المنهي عنه 0
قَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّصْرِيَةُ هِيَ رَبْطُ أَخْلَافِ الشَّاةِ أَوْ النَّاقَةِ وَتَرْكُ حَلْبِهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ لَبَنُهَا فَيَكْثُرَ فَيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ عَادَتُهَا فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا لِمَا يَرَى مِنْ كَثْرَةِ لَبَنِهَا. وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ يُقَالُ مِنْهُ: صَرَّيْتُ الْمَاءَ: إذَا حَبَسْتُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ: التَّصْرِيَةُ: حَبْسُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ حَتَّى يَجْتَمِعَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ دُونَ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ مَوَاشِيهِمْ كَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ خِلَافًا لِدَاوُدَ قَوْلُهُ: (فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ: اشْتَرَاهَا بَعْدَ التَّصْرِيَةِ قَوْلُهُ: (بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ لَمْ يَحْلِبْ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ التَّصْرِيَةُ لَا يُعْرَفُ غَالِبُهَا إلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ جُعِلَ قَيْدًا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ قَوْلُهُ: (إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا) اُسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ انظر نيل الأوطار (5/253)
وأما كون المشتري إن سَخِطَهَا ردها وصاعا من تمر للخبر السابق وهو قول جمهور العلماء
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (10/166)
أَمَّا الْمُصَرَّاةُ وَاشْتِقَاقُهَا فَسَبَقَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ حَرَامٌ وَأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَعَ تَحْرِيمِهَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى تَدْلِيسٍ بِأَنْ سَوَّدَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ الشَّائِبَةِ أَوْ جَعَّدَ شَعْرَ السَّبْطَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي خِيَارِ مُشْتَرِي الْمُصَرَّاةِ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ الْعِلْمِ أَوْ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقِيلَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَيَحْمِلُونَ التَّقْيِيدَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِذَا نَقَصَ لَبَنُهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنِ الْأَوَّلِ احْتُمِلَ كَوْنُ النَّقْصِ لِعَارِضٍ مِنْ سُوءِ مَرْعَاهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَمَرَّ كَذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عُلِمَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ ثُمَّ إِذَا اخْتَارَ رَدَّ المصراة بَعْدَ أَنْ حَلَبَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ سَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا سَوَاءٌ كَانَتْ نَاقَةً أَوْ شَاةً أَوْ بَقَرَةً هَذَا مذهبنا وبه قال مالك والليث وبن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُوَافِقُ لِلسُّنَّةِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَرُدُّ صَاعًا مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالتَّمْرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ غَرِيبَةٍ عَنْهُ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إِذَا أَتْلَفَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ رَدَّ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَأَمَّا جِنْسٌ آخَرُ مِنَ الْعُرُوضِ فَخِلَافُ الْأُصُولِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ السُّنَّةَ إِذَا وَرَدَتْ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهَا بِالْمَعْقُولِ وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فِي تَقْيِيدِهِ بِصَاعِ التَّمْرِ فلِأَنَّهُ كَانَ غَالِبَ قُوتِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ مِثْلُهُ وَلَا قِيمَتُهُ بَلْ وَجَبَ صَاعٌ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِيَكُونَ ذَلِكَ حَدًّا يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَيَزُولُ بِهِ التَّخَاصُمُ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى رَفْعِ الْخِصَامِ وَالْمَنْعِ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ سَبَبٌ لَهُ وَقَدْ يَقَعُ بَيْعُ الْمُصَرَّاةِ فِي الْبَوَادِي وَالْقُرَى وَفِي مَوَاضِعَ لَا يُوجَدُ مَنْ يَعْرِفُ الْقِيمَةَ وَيُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِيهَا وَقَدْ يَتْلَفُ اللَّبَنُ وَيَتَنَازَعُونَ فِي قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ وَفِي عَيْنِهِ فَجَعَلَ الشَّرْعُ لَهُمْ ضَابِطًا لَا نِزَاعَ مَعَهُ وَهُوَ صَاعُ تَمْرٍ وَنَظِيرُ هَذَا الدِّيَةُ فَإِنَّهَا مِائَةُ بَعِيرٍ وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْقَتِيلِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَمِثْلُهُ الْغُرَّةُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَامُّ الْخَلْقِ أَوْ نَاقِصُهُ جَمِيلًا كَانَ أَوْ قَبِيحًا وَمِثْلُهُ الْجُبْرَانُ فِي الزَّكَاةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ جَعَلَهُ الشَّرْعُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ سَوَاءٌ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ عِوَضِ اللَّبَنِ مَعَ أَنَّ الخراج بالضمان وَأَنَّ مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا مَعِيبًا ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ فَرَدَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْغَلَّةِ وَالْأَكْسَابِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ مِنَ الْغَلَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَلْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَفِي حَالَةِ الْعَقْدِ وَوَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّاةِ جَمِيعًا فَهُمَا مَبِيعَانِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ رَدُّ اللَّبَنِ لاختلاطه بما حدث في ملك المشترى فوجب رد عوضه والله أعلم اهـ
فوائد  : 1- وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ مَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبَزَّارِ بِلَفْظِ: «صَاعٌ مِنْ بُرٍّ لَا سَمْرَاءَ» وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى لَمَّا ظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الطَّعَامَ مُسَاوٍ لِلْبُرِّ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْبُرِّ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الطَّعَامِ الْبُرُّ كَمَا سَلَفَ فِي الْفِطْرَةِ
وَيَشْكُلُ عَلَى ذَلِكَ الْجَمْعِ أَيْضًا مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِلَفْظِ: «صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» فَإِنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ
وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنْ الرَّاوِي وَالِاحْتِمَالُ قَادِحٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ، فَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي لَمْ تَخْتَلِفْ انظر نيل الأوطار (5/255)
2- حديث عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً، فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثْلَ، أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا» رواه أبو داود (3446) وضعفه الألباني والأرنؤوط 0
 ( بيع النجش )
النجش : هو الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يُريد شِرَاءها بل لنفع البائع أو لِمَضَرَةِ المُشتَرِي مثال : رجل يريد بيع سيارة ، ووقف المشترون يساومون في السعر ، فقام شخص آخر – لا يريد الشراء – فيذكر سعرا كبيرا لكي يهم الناس أن هذه السيارة تستحق هذا السعر ، ففعله هذا يقال عنه : النجش 0
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  عَنِ النَّجْشِ» رواه البخاري (2142) ومسلم (1516)
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ النَّاجِشَ عَاصٍ بِفِعْلِهِ 00 نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنِ حَزْمٍ أَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فَوْقَ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَأَى سِلْعَةً تُبَاعُ بِدُونِ قِيمَتِهَا فَزَادَ فِيهَا لِتَنْتَهِي إلَى قِيمَتِهَا لَمْ يَكُنْ نَاجِشًا عَاصِيًا بَلْ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ بِنِيَّتِهِ قَالُوا: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ النَّصِيحَةِ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ النَّصِيحَةَ تَحْصُلُ بِغَيْرِ إيهَامِ أَنَّهُ يُرِيدُ الشِّرَاءَ، وَأَمَّا مَعَ هَذَا فَهُوَ خِدَاعٌ وَغَرَرٌ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ قَالَ أَقَامَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ وَحَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِ فَنَزَلَتْ قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ فَجَعَلَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى مَنْ أَخْبَرَ بِأَكْثَرَ مِمَّنْ اشْتَرَى بِهِ أَنَّهُ نَاجِشٌ لِمُشَارَكَتِهِ لِمَنْ يُزِيدُ فِي السِّلْعَةِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فِي ضَرَرِ الْغَيْرِ فَاشْتَرَكَا فِي الْحُكْمِ لِذَلِكَ وَحَيْثُ كَانَ النَّاجِشُ غَيْرَ الْبَائِعِ فَقَدْ يَكُونُ آكِلُ رِبًا إذَا جَعَلَ لِلْبَائِعِ جُعْلًا انظر سبل السلام (2/24)
قلت : الشراء صحيح مع الأثم وهو مذهب أكثر أهل العلم
مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.وَبِهِ جَزَمَ أهل الظَّاهِر انظر المغني (4/160) وفتح الباري (4/354) قلت : قول الشافعي وغيره هو الراجح لأن النهي المقتضي للفساد هو النهي عن الشيء لذاته ولوصف ملازم له كما هو في إصول الفقه ، والنهي ههنا لأمر خارج عن الشيء والله أعلم
( تلقي الجلب ( تلقي الركبان )
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَلَقَّوْا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ رواه مسلم (1519) معنى ( تلقي الجلب ) أي : أن التجار الذين يأتون من خارج البلد ويجلبون تجارتهم إلى السوق ولا يعرفون الأسعار ، يقابلهم تجار السوق فيشترون تجارتهم قبل أن يدخلوا بها الأسواق ، ثم يتولوا هم بيعها بالسوق ومعنى ( سيده ) أي : صاحب السلعة انظر تمام المنة لشيخنا العزازي ( 3/317)
 وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَحْرِيمُ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ التَّلَقِّي إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ فَإِنْ أَضَرَّ كُرِهَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلنَّهْيِ الصَّرِيح انظر شرح مسلم (10/163)
فوائد : 1- اُخْتُلِفَ فِي هَذَا النَّهْيِ هَلْ يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ هَاهُنَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ لَا يَقْتَضِيهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ قَالَ بِالْفَسَادِ الْمُرَادِفِ لِلْبُطْلَانِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَقَالَ غَيْرُهُمْ بِعَدَمِ الْفَسَادِ لِمَا سَلَفَ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالْخِيَارِ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَنْعَقِد انظر نيل الأوطار (5/198) فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ لِظَاهِرِ النَّهْيِ انظر المغني (4/165)
2- الحكمة من النهي :
أولا : الرفق بأهل البلد ؛ لأن هؤلاء الذين يتلقون السلع يمنعون الرَخصَ على الناس ؛ لأنهم يتحكمون في البضائع وأثمانها ويبيعونها بالتدريج فيضر ذلك بالناس ، ولكن إذا دخل التجار بأنفسهم السوق عرضت بضائعهم مباشرة وأرخصوا على الناس 0
ثانيا : الرفق بالجالبين  أنفسهم ؛ لأن الغالب أن هؤلاء المتلقين لهم يغبنونهم – أي أنهم يقللون من شأن سلعتهم ، أو يخبرونهم تدليسا أو كذبا أن سلعتهم لا يرغب بها في السوق أو نحو ذلك مما يجعلهم يبيعون البضائع بأثمان زهيدة - وقد يتواطئون عليهم بجلبهم ، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم حفظ حق الجالب إذا أتى السوق فوجد أنه غبن في السعر أنه بالخيار بين أن يفسخ العقد أو يمضيه 0 وعلى هذا إذا لم يكن غبن فلا خيار له على الصحيح انظر تمام المنة لشيخنا ( 3/317)
3- لكن يشكل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ جِزَافًا،- من غير وزن - فَنَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِه رواه البخاري  ومسلم (1527)واللفظ له فظاهر هذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتلقون الجلب ، ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن التلقي ، إنما كان نهيه عن بيع ما اشتروه حتى يحولوه من مكانه وقد جمع بينهما الطحاوي في شرح معاني الآثار ( 4/8) فقال : فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ إِبَاحَةُ التَّلَقِّي , وَفِي الْأَوَّلِ , النَّهْيُ عَنْهُ , فَأَوْلَى بِنَا أَنْ نَجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ التَّضَادِّ وَالْخِلَافِ. فَيَكُونُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ التَّلَقِّي , لَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى غَيْرِ الْمُتَلَقِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي الْأَسْوَاقِ. وَيَكُونُ مَا أُبِيحَ مِنَ التَّلَقِّي , هُوَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي الْأَسْوَاقِ. فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الْآثَارِ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ قلت : ويمكن أن يكون معنى ( التلقي المباح ) إذا كان في أعلى السوق ، أي أن الجالبين قد وصلوا السوق بالفعل ، لكنهم في أوله ، وأما التلقي ( المنهي عنه ) إذا كان خارج السوق وهذا ما رجحه ابن حجر رحمه الله ، ووما يؤيد ذلك ما ورد في إحدى روايات ابن عمر بلفظ : «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ، فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ» رواه البخاري (2167) وأما عن الحكمة في جوازه إذا كان بأعلى السوق ، وعدم جوازه إذا كان خارج السوق أو خارج البلد ، فقد قال ابن حجر رحمه الله : وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا قَدِمُوا الْبَلَدَ أَمْكَنَهُمْ مَعْرِفَةُ السِّعْرِ وَطَلَبُ الْحَظِّ لِأَنْفُسِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ تَقْصِيرِهِمْ وَأَمَّا إِمْكَانُ مَعْرِفَتِهِمْ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ الْبَلَدِ فَنَادِرٌ انظر فتح الباري (4/375) وتمام المنة لشيخنا العزازي (3318)
 ( بيع الحاضر للبَادي )
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ «لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ» قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا رواه البخاري (2158) ومسلم (1521)
قَوْلُهُ: (حَاضِرٌ لِبَادٍ) الْحَاضِرُ: سَاكِنُ الْحَضَرِ، وَالْبَادِي: سَاكِنُ الْبَادِيَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْحَضَرُ، وَالْحَاضِرَةُ وَالْحِضَارَةُ وَتُفْتَحُ خِلَافُ الْبَادِيَةِ، وَالْحَضَارَةُ: الْإِقَامَةُ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاضِرُ خِلَافُ الْبَادِي، وَقَالَ الْبَدْرُ: وَالْبَادِيَةُ وَالْبَادَاتُ وَالْبَدَاوَةُ خِلَافُ الْحَضَرِ، وَتَبَدَّى: أَقَامَ بِهَا، وَتَبَادَى: تَشَبَّهَ بِأَهْلِهَا، وَالنِّسْبَةُ بَدَاوِيٌّ وَبَدَوِيٌّ وَبَدَا الْقَوْمُ: خَرَجُوا إلَى الْبَادِيَةِ انْتَهَى.انظر نيل الأوطار (5/195) وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَقْدَمَ غَرِيبٌ مِنَ الْبَادِيَةِ أَوْ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَيَقُولَ لَهُ الْبَلَدِيُّ اتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَعْلَى انظر شرح مسلم (10/164)
قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/ 195)
قَوْلُهُ: (سِمْسَارًا) بِسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْقَيِّمُ بِالْأَمْرِ وَالْحَافِظُ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي مُتَوَلِّي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِغَيْرِهِ، وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَبِيعَ لِلْبَادِي مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَادِي قَرِيبًا لَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الْبَلَدِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ بَاعَهُ لَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ أَمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهُ يَخْتَصُّ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ بِزَمَنِ الْغَلَاءِ وَبِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الْمَصْرِ.
وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَجِيءَ الْبَلَدَ بِسِلْعَةٍ يُرِيدُ بَيْعَهَا بِسِعْرِ الْوَقْتِ فِي الْحَالِ، فَيَأْتِيَهُ الْحَاضِرُ فَيَقُولَ: ضَعْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ لَكَ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى مِنْ هَذَا السِّعْرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَجَعَلُوا الْحُكْمَ مَنُوطًا بِالْبَادِي وَمَنْ شَارَكَهُ فِي مَعْنَاهُ، قَالُوا: وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْبَادِي فِي الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ شَارَكَهُ فِي عَدَمِ مَعْرِفَةِ السِّعْرِ مِنْ الْحَاضِرِينَ، وَجَعَلَتْ الْمَالِكِيَّةُ الْبَدَاوَةَ قَيْدًا، وَعَنْ مَالِكٍ: لَا يَلْتَحِقُ بِالْبَدَوِيِّ فِي ذَلِكَ إلَّا مَنْ كَانَ يُشْبِهُهُ. فَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ يَعْرِفُونَ أَثْمَانَ السِّلَعِ وَالْأَسْوَاقِ فَلَيْسُوا دَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا وَالْمُبْتَاعُ مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِضْهُ الْبَدَوِيُّ عَلَى الْحَضَرِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ التَّخْصِيصِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِنْبَاطِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ تَفْصِيلًا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ حَيْثُ يَظْهَرُ الْمَعْنَى، لَا حَيْثُ يَكُونُ خَفِيًّا، فَاتِّبَاعُ اللَّفْظِ أَوْلَى،
وَلَكِنَّهُ لَا يَطْمَئِنُّ الْخَاطِرُ إلَى التَّخْصِيصِ بِهِ مُطْلَقًا، فَالْبَقَاءُ عَلَى ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ هُوَ الْأَوْلَى، فَيَكُونُ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي مُحَرَّمًا عَلَى الْعُمُومِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِأُجْرَةٍ أَمْ لَا؟ وَرُوِيَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الْبَيْعِ بِأُجْرَةٍ لَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءَ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي مُطْلَقًا، وَتَمَسَّكُوا بِأَحَادِيثِ النَّصِيحَةِ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ الْهَادِي، وَقَالُوا: إنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ مَنْسُوخَةٌ، وَاسْتَظْهَرُوا عَلَى الْجَوَازِ بِالْقِيَاسِ عَلَى تَوْكِيلِ الْبَادِي لِلْحَاضِرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَيُجَابُ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِأَحَادِيثِ النَّصِيحَةِ بِأَنَّهَا عَامَّةٌ مُخَصَّصَةٌ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ أَحَادِيثَ النَّصِيحَةِ وَأَحَادِيثَ الْبَابِ بَيْنَهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي قَدْ يَكُونُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّصِيحَةِ، فَيُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى التَّرْجِيحِ مِنْ خَارِجٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْعُمُومَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ، فَيُقَالُ: الْمُرَادُ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي الَّذِي جَعَلْنَاهُ أَخَصَّ مُطْلَقًا هُوَ الْبَيْعُ الشَّرْعِيُّ، بَيْعُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ الَّذِي بَيَّنَهُ الشَّارِعُ لِلْأُمَّةِ، وَلَيْسَ بَيْعُ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى هَذَا الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بَيْعُ الرِّبَا وَغَيْرُهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ شَرْعًا، فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ مَا لَيْسَ بَيْعًا شَرْعِيًّا أَعَمَّ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى طَلَبِ مُرَجِّحٍ بَيْنَ الْعُمُومَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْبَيْعَ الشَّرْعِيَّ
وَيُجَابُ عَنْ دَعْوَى النَّسْخِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِحُّ عِنْدَ الْعِلْمِ بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ، وَعَنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ لِمُصَادَمَتِهِ النَّصّ، عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ أَخَصُّ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِجَوَازِ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا، فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ
فوائد : 1- إِنَّمَا يَحْرُمُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمِ النَّهْيَ أَوْ كَانَ الْمَتَاعُ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ فِي الْبَلَدِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ لِقِلَّةِ ذَلِكَ الْمَجْلُوبِ لَمْ يَحْرُمْ وَلَوْ خَالَفَ وَبَاعَ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي صَحَّ الْبَيْعُ مَعَ التَّحْرِيمِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي مُطْلَقًا لِحَدِيثِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قَالُوا وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ) بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي مَنْسُوخٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ على كراهة التنزيه بمجرد الدعوى انظر شرح مسلم (10/164)
2- اعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ، وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد - (3440) صححه الألباني والأرنؤوط - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» . وَهِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لَا يَبِيعُ لَهُ شَيْئًا وَلَا يَبْتَاعُ لَهُ شَيْئًا،وَأَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ – (4946) - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَقِيتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَقُلْت: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، أَنُهِيتُمْ أَنْ تَبِيعُوا أَوْ تَبْتَاعُوا لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مُحَمَّدٌ: صَدَقَ إنَّهَا كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ الْعِلَّةُ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ- رواه مسلم (1522) - »فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِشِرَاءِ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِالْأَثْمَانِ كَمَا يَحْصُلُ بِبَيْعِهِ، وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ وُرُودِ نَصٍّ يَقْضِي بِأَنَّ الشِّرَاءَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ، فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ يُطْلَقُ عَلَى الشِّرَاءِ وَأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، كَمَا أَنَّ لَفْظَ الشِّرَاءِ يُطْلَقُ عَلَى الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ، وَالْحَقُّ الْجَوَازُ إنْ لَمْ يَتَنَاقَضَا.انظر نيل الأوطار (5/196)
(3) ( البيع على بيع أخيه ، وأن يسوم على سوم أخيه)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» رواه البخاري (2139) ومسلم (1412) قال النووي في شرح مسلم (10/158) أَمَّا الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى شَيْئًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ افْسَخْ هَذَا الْبَيْعَ وَأَنَا أَبِيعُكَ مِثْلَهُ بِأَرْخَصَ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ بِثَمَنِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا حَرَامٌ يَحْرُمُ أَيْضًا الشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ افْسَخْ هَذَا الْبَيْعَ وَأَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ وَنَحْوَ هَذَا اهـ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَتِهِ» رواه مسلم (1413) قال النووي في شرح مسلم (10/158) وأما السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اتَّفَقَ مَالِكُ السِّلْعَةِ وَالرَّاغِبُ فِيهَا عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْقِدَاهُ فَيَقُولَ الْآخَرُ لِلْبَائِعِ أَنَا أَشْتَرِيهِ وَهَذَا حَرَامٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ اهـ قال النووي في شرح مسلم ( 10/159) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَالشِّرَاءِ عَلَى شِرَائِهِ وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِهِ فَلَوْ خَالَفَ وَعَقَدَ فَهُوَ عَاصٍ وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ وَقَالَ دَاوُدُ لَا يَنْعَقِدُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ اهـ قلت : الصحيح العقد صحيح لأن النهي المقتضي للفساد هو النهي عن الشيء لذاته ولوصف ملازم له كما في أصول الفقه ، والنهي ههنا لأمر خارج عن الشيء
فائدة : ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى إِلْحَاقِ الذِّمِّيِّ بِالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِأَخِيهِ خُرِّجَ عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أولاكم وَكَقَوْلِه وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم وَنَحْوِ ذَلِكَ انظر فتح الباري (9/200) قال ابن عثيمين رحمه الله : علم من كلامه أنه يجوز أن يبيع على بيع الكافر، ولو كان له عهد وذمة؛ لأنه ليس أخاً له، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «على بيع أخيه» ، والكافر ليس بأخ، ولأن الكافر لا حرمة له، وإلى هذا ذهب أهل الظاهر، وقالوا: لنا ظاهر اللفظ، ولا يحرم البيع إلا على بيع المسلم.
والقول الثاني في المسألة: أنه يحرم البيع على بيع المعصوم، سواء كان مسلماً أو كافراً أو ذميّاً؛ لأن العدوان على الكافر الذمي حرام لا يحل؛ إذ إنه معصوم الدم والعِرض والمال، وتقييد النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك بالأخ بناءً على الأغلب، أو من أجل العطف على أخيك، وعدم التعرض له، وهذا القول أقرب للعدل انظر الشرح الممتع (8/202)
 ( حكم الاحتِكَار )
الِاحْتِكَارُ هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ لِلتِّجَارَةِ وَلَا يَبِيعُهُ فِي الْحَالِ بَلْ يَدَّخِرُهُ ليغلوا ثَمَنُهُ انظر شرح مسلم (11/43)
وهو حرام عند جمهور الفقهاء،منهم الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وأهل الظاهر  وهو الصحيح، والدليل : عن مَعْمَر بن عبد الله ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» رواه مسلم (1605)
قال النووي رحمه الله : قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَاطِئُ بِالْهَمْزِ هُوَ الْعَاصِي الْآثِمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ انظر شرح مسلم (11/43) وذهب جمهور الحنفية بالكراهة 0
تنازع العلماء هل الاحتكار محرم في جميع الأشياء التي تضر بالناس أم أن الاحتكار يحرم في الطعام لأنه قوت الناس ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد أن الاحتكار محرم في الطعام فقط ودليلهم : عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحْتَكَرَ الطَّعَامُ» رواه الحاكم (2/ 11) حديث حسن وحسنه الألباني في الضعيفة (11/ 542) وذهب مالك وابن حزم والشوكاني إلى تحريم الاحتكار في كل ما يضر بالناس سواء كان طعاما أو غيره وهو الراجح لعموم حديث «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ»
- قال الشوكاني رحمه الله : في نيل الأوطار (5/262) -
وَالتَّصْرِيحُ بِلَفْظِ: " الطَّعَامِ " فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا يَصْلُحُ لِتَقْيِيدِ بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى فَرْدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْمُطْلَقُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الطَّعَامِ إنَّمَا هُوَ لِمَفْهُومِ اللَّقَبِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّقْيِيدِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ اهـ
فوائد : 1- أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ إِنْسَانٍ طَعَامٌ واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجير عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ انظر شرح مسلم (11/43)
2- فَأَمَّا إِذَا جَاءَ مِنْ قَرْيَتِهِ أَوِ اشْتَرَاهُ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ وَادَّخَرَهُ أَوِ ابْتَاعَهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ لِحَاجَتِهِ إِلَى أَكْلِهِ أَوِ ابْتَاعَهُ لِيَبِيعَهُ فِي وَقْتِهِ فَلَيْسَ بِاحْتِكَارٍ وَلَا تَحْرِيمَ فِيهِ انظر شرح مسلم (11/43)
3- قَالَ ابْنُ رِسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَا يَدَّخِرُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ قُوتٍ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ سَمْنٍ وَعَسَلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ  انظر نيل الأوطار (5/262) فقد ثبت عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ رواه البخاري (5357) ومسلم (1757)
( البيع في المسجد )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ 0
القول الثاني : ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ واختيار ابن حزم انظر نيل الأوطار والمحلى (مسألة: 504) استدلوا بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ} [البقرة: 275]، ولم يأت نهي عن ذلك إلا من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وتفرده بمثل ذلك لا يقبل.  قلت : بل يقبل كما بينت في كتابي تخريج الأحاديث المرفوعة (34) فالحديث يخصص الآية الكريمة 0
القول الثالث : التحريم  وهو مذهب الحنابلة انظر المعاملات المالية (5/183) واختيار : الشوكاني والصنعاني وهو الراجح والدليل : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ رواه الترمذي (1321) وقال : حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ قال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ".
ووافقه الذهبى , قال الألباني وهو كما قالا انظر الإرواء (5/135) وصححه عبد الحق الأشبيلى فى " الأحكام " (823)قال الصنعاني في سبل السلام (1/232) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مِنْ رَأَى ذَلِكَ فِيهِ يَقُولُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك يَقُولُ جَهْرًا زَجْرًا لِلْفَاعِلِ لِذَلِكَ وَالْعِلَّةُ هِيَ قَوْلُهُ فِيمَا سَلَفَ: " فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِذَلِكَ " وَهَلْ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ يَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا اهـ وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ". مِنْ غَيْرِ إخْبَارٍ بِفَسَادِ الْبَيْعِ، دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ انظر المغني (4/206)
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ رواه أبو داود (1079) بسند حسن وحسنه الألباني وقال الترمذي: حديث حسن وصححه ابن خزيمة وأبو بكر بن العربي)انظر صحيح أبي داود (991)
 قال الشوكاني في نيل الأوطار (2/184)
أَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا عُقِدَ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، وَهَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ النَّهْيَ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْحَقُّ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ النَّقْضِ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيمِ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ قَرِينَةً لِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِ. وَفَرَّقَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ ذَلِكَ وَيَكْثُرَ فَيُكْرَهَ أَوْ يَقِلَّ فَلَا كَرَاهَةَ وَهُوَ فَرْقٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ اهـ
فوائد : 1- أما البيع على باب المسجد -خارجه- فجائز لا كراهة فيه، يدلّ على هذا حديث ابن عمر « - أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ.... رواه البخاري (886) ومسلم (2068)
2- سئل ابن باز في نور على الدرب (11/293) ليس للمصلى حكم المساجد، فلا تشرع الركعتان لدخوله، ولا حرج في البيع والشراء فيه؛ لأنه موضع للصلاة عند الحاجة وليس مسجدا، وإنما المسجد ما يعد للصلاة وقفا تؤدى فيه الصلاة كسائر المساجد، أما المصلى المؤقت فتصلي فيه جماعة الدائرة، أو جماعة نزلوا لوقت معين ثم يرتحلون، فهذا لا يسمى مسجدا، فلا حرج أن يباع فيه ويشترى، وليس له تحية المسجد، وإنما التحية لما أعد مسجدا وقفا لله عز وجل لإقامة الصلاة فيه اهـ
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين كما في مجموع فتاوى (15/72) : عن الفرق بين المسجد والمصلى؟ وما هو ضابط المسجد؟ وماذا لو أذن جماعة من الناس للصلوات الخمس وأقاموا الصلاة وصلوا أيصبح هذا المكان مسجداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما بالمعنى العام فكل الأرض مسجد, لقوله صلي الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)).
وأما بالمعنى الخاص فالمسجد ما أعد للصلاة فيه دائماً, وجعل خاصاً بها سواء بني بالحجارة والطين والأسمنت أم لم يبن, وأما المصلى فهو ما اتخذه الإنسان ليصلي فيه, ولكن لم يجعله موضعاً للصلاة دائماً, إنما يصلي فيه إذا صادف الصلاة ولا يكون هذا مسجداً, ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيته النوافل, ولم يكن بيته مسجداً, وكذلك دعاه عتبان بن مالك إلى بيته ليصلي في مكان يتخذه عتبان مصلى ولم يكن ذلك مسجداً,فالمصلى ما أعد للصلاة فيه دون أن يعين مسجداً عاماً يصلي فيه الناس ويعرف أنه قد خصص لهذا الشيء اهـ وقال ابن عثيمين أيضا في مجموع الفتاوى ( 14/268) الفرق بين المصلى والمسجد أن المصلى مكان صلاة فقط، والمسجد معد للصلاة عموماً كل من جاء فيه فإنه يصلي فيه، ويعرف أن هذا وقف لا يمكن بيعه ولا التصرف فيه، وأما المصلى فإنه يمكن أن يترك ولا يصلى فيه، وأن يباع تبعاً للبيت الذي هو فيه وبناء على ذلك يختلف الحكم.
فالمساجد لابد لها من تحية، 00، ولا يجوز فيه البيع والشراء بخلاف المصلى اهـ
 ( البيع بعد نداء الجمعة الثاني )
أولاً: نهى الله تعالى عن البيع إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9.
ثانياً: اختلف أهل العلم عند أي النداءين يحرم البيع، على قولين:
مذهب الحنفية: يحرم البيع عند الأذان الأول.
مذهب الجمهور: أن التحريم متعلق بالأذان الثاني - الذي يكون عقب جلوس الإمام على المنبر يُنظر "الموسوعة الفقهية الكويتية" (9/224)
والقول الراجح: هو قول الجمهور؛ لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أذان واحد للجمعة - بعد أن يجلس الإمام على المنبر -، فيتعين أن يكون هذا الأذان هو المراد في الآية (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) حين نزلت، ولأن البيع عند هذا الأذان يشغل عن الصلاة، ويكون ذريعة إلى فواتها، أو فوات بعضها.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/145) : وَالنِّدَاءُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ النِّدَاءُ عَقِيبَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ انتهى.
والدليل : على أن النداء الأول إنما زيد في عهد عثمان رضي الله عنه، حديث السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ: «كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى المِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " الزَّوْرَاءُ: مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ رواه البخاري (912) .
وقوله " زاد النداء الثالث " معناه أن للجمعة ثلاثة نداءات: الأذان الأول الذي زاده عثمان رضي الله عنه، والأذان الثاني الذي يكون عند الخطبة، والأذان الثالث وهو الإقامة؛ لأن الإقامة تسمى أذاناً، كما في حديث عبد الله بن مغفل المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ) رواه البخاري (624) ومسلم (838) .
قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (12/180) : " الإقامة يطلق عليها اسم الأذان إطلاقاً تغليبياً كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة " أي بين كل أذان وإقامة. أو إطلاقاً مجازياً أو حقيقياً باعتبار معنى الأذان العام لغة كما في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: " إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حين كثر أهل المدينة ". الحديث. وليس في الجمعة سوى أذانين وإقامة، فسمى الإقامة أذاناً إما تسمية مجازية أو حقيقية باعتبار معنى الأذان العام " انتهى.
والخلاصة: أن تحريم البيع يوم الجمعة إنما يكون بعد الأذان الثاني، والذي يكون عقب جلوس الإمام على المنبر انظر سؤال وجواب (5/1928)
فوائد : 1- إذا تم عقد البيع يوم الجمعة ، فهل يكون صحيحا أم فاسدا ؟ الجمهور من الحنفية والشافعية وبعض المالكية على صحته لأن المنع منه لمعنى في غير البيع خارج عنه وهو ترك السعي، فكان البيع في الأصل جائزًا لكنه يكره تحريمًا.والمشهور عند المالكية والحنابلة أن البيع فاسد غير منعقد انظر صحيح فقه السنة (1/581) وقول الجمهور أرجح ؛ لأن التحريم لأمر خارج عن العقد ، والله أعلم 
2- لاَ يَحْرُمُ الْبَيْعُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالصَّغِيرِ وَالْمَرِيضِ والمسافر قد اتفقت المذاهب الأربعة على جواز التبايع بين من لا تجب عليهم الجمعة بعد النداء الثاني
قال ابن قدامة (2/220) وَتَحْرِيمُ الْبَيْعِ، وَوُجُوبُ السَّعْيِ، يَخْتَصُّ بِالْمُخَاطَبِينَ بِالْجُمُعَةِ، فَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمُسَافِرِينَ، فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ اهـ  عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ رواه أبو داود (1067) صحيح بشواهده وصححه الحاكم والذهبي والنووي والألباني وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ جُمُعَةٌ» رواه الطبراني في الأوسط (818) حديث حسن بشواهده وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/952)
3- النهي -عند الجمهور- يشمل البيع والنكاح وسائر العقود، وقال الحنابلة، ووافقهم ابن حزم: لا يحرم غير البيع.
قال ابن حزم في المحلى (3/290) وَلَا يَحْرُمُ حِينَئِذٍ: نِكَاحٌ، وَلَا إجَازَةٌ، وَلَا سَلَمٌ، وَلَا مَا لَيْسَ بَيْعًا؟ 00قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]
وَوَقْتُ النِّدَاءِ: هُوَ أَوَّلُ الزَّوَالِ، فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعَ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ وَأَبَاحَهُ بَعْدَهَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يُحَرِّمْ تَعَالَى نِكَاحًا، وَلَا إجَارَةً، وَلَا سَلَمًا، وَلَا مَا لَيْسَ بَيْعًا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229]  اهـ
4- إذا كان ذلك في سائر الصلوات (الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء) فلا حرج من ذلك، بشرط ألا يشغل عن صلاة الجماعة، ويكون سبباً في تضييعها.
وقد قال الله تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/37."فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن ذلك لا محذور فيه. لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه" انتهى من "تفسير السعدي" (ص/ 569) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يحرم البيع أثناء الأذان وبعده، وكيف الحال في يوم الجمعة؟
فأجاب: "قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فلا يجوز البيع والشراء ولا الإجارة ولا المساقاة ولا غير ذلك، بل يجب أن يتفرغ العباد لصلاة الجمعة، ويبادر لصلاة الجمعة، ولا يتشاغل بشيء آخر.
أما الأوقات الأخرى فقد تلحق بالجمعة وقد لا تلحق، فالأحوط له أن لا يفعل شيئاً بعد الأذان، بعد أذان بعد الظهر أو العصر أو المغرب؛ لأنه قد يشغله عن الجماعة، فالأحوط له أن يحذر ذلك إلا أن يكون شيئاً يسيراً ما يشغل فلعله لا حرج فيه؛ لأن الله - جل وعلا - إنما جاء عنه النص في مسألة الجمعة؛ لأن أمرها عظيم، ويجب حضورها، وتفوت بفواتها، فأمرها أعظم، وهي فرض الأسبوع.
فالمقصود: أن الجمعة لا يقاس عليها غيرها، لكن إذا هجر هذا الشيء وابتعد عنه لئلا يشغله عن الجماعة كان هذا أولى.
وبكل حال ... إذا كان بيعه قد يشغله عن أداء الصلاة في الجماعة حُرم، لكن في بعض الأحيان تكون الصلاة متأخرة، إذا تأخر الإمام، ويمكن للإنسان في طريقه أن يشتري سلعة ويبيعها، قد لا يضر حضوره الصلاة. وكونه يبتعد عن هذا الشيء، ويستأنس بما جاء في الجمعة يكون هذا أحوط حتى يتشبه بالجمعة في الحذر" انتهى.
(من فتاوى نور على الدرب) وانظر سؤال وجواب (5/1731)
 ( بيع المصحف )
تنازع العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : لا يجوز بيعه : وهو مذهب ابْن عُمَرَ وَابْن عَبَّاسٍ وَأبي مُوسَى، وَسَعِيد بْن جُبَيْرٍ وَإِسْحَاق – ورواية عن أحمد - انظر المغني (4/198) ودليلهم : 1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ الْأَيْدِيَ تُقَطَّعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ» رواه ابن أبي شيبة (20209) فجعل آخذ ثمنه بمنزلة السارق تقطع يده قلت : قول ابن عمر هذا وما نقله ابن قدامة عن ابن عباس وأبي موسى هي أقوال الصحابة وقد عارضت عموم أباحة البيع كما سيأتي 
2- وأما النظر فيقال: إن كان الإنسان مستغنياً عنه فَبَذلُه واجب، والواجب لا يجوز أخذُ العِوَض عنه، وإن كان غير مستغن عنه فإن بيعه حرام عليه؛ لأنه محتاج له فلا يصح.
وتعليل نظري آخر هو أن في بيعه ابتذالاً له، كما تبتذل السلع، والمصحف يجب أن يحترم ويعظم انظر الشرح الممتع (8/119)
القول الثاني : وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهَا الْحَسَنُ وَالْحَكَمُ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ - ورواية عن أحمد -  لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ عَلَى الْجِلْدِ، وَالْوَرَقِ، وَبَيْعُ ذَلِكَ مُبَاحٌ. انظر المغني (4/198) وابن حزم وهو الراجح  والدليل : 1- قال تعالى : {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] الله عز وجل أباح البيع إباحة عامة فيدخل فيه بيع المصحف 0
2- قال تعالى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَبَيْعُ الْمَصَاحِفِ كُلِّهَا حَلَالٌ، إذْ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَلَوْ فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ لَحَفِظَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - حَتَّى تَقُومَ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى عِبَادِهِ
قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (7/ 544) وَبَيْعُ الْمَصَاحِفِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ كُتُبِ الْعُلُومِ - عَرَبِيُّهَا وَعَجَمِيُّهَا - لِأَنَّ الَّذِي يُبَاعُ إنَّمَا هُوَ الرَّقُّ أَوْ الْكَاغَدُ أَوْ الْقِرْطَاسُ وَالْمِدَادُ، وَالْأَدِيمُ - إنْ كَانَتْ مُجَلَّدَةً - وَحِلْيَةً إنْ كَانَتْ عَلَيْهَا فَقَطْ.
- وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ اهـ
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (8/119)
والصحيح: أنه يجوز بيع المصحف ويصح للأصل، وهو الحل، وما زال عمل المسلمين عليه إلى اليوم، ولو أننا حرمنا بيعه لكان في ذلك منع للانتفاع به؛ لأن أكثر الناس يشح أن يبذله لغيره، وإذا كان عنده شيء من الورع وبذله، فإنه يبذله على إغماض، ولو قلنا لكل أحد إذا كنت مستغنياً عن المصحف، يجب أن تبذله لغيرك لشق على كثير من الناس.
وأما ما ورد عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فلعله كان في وقت يحتاج الناس فيه إلى المصاحف، وأن المصاحف قليلة فيحتاجون إليها، فلو أبيح البيع في ذلك الوقت لكان الناس يطلبون أثماناً كثيرة لقلته؛ فلهذا رأى ـ رضي الله عنه ـ ألا يباع اهـ
فائدة : لَا يَجُوزُ بَيْعُ كُتُبِ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ بَلْ يَجِبُ إتْلَافُهَا وَهَكَذَا كُتُبُ التَّنْجِيمِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالْفَلْسَفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ الْبَاطِلَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انظر المجموع (9/253)
( حكم بيع العين الغائبة )
لم يرد نص صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم بيع العين الغائبة على الصفة إنما ورد حديث ضعيف وهو : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ رواه البيهقي في الكبرى (10426) وهو ضعيف كما سيأتي من كلام النووي 0
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز بيع العين الغائبة على الصفة قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (8/149)
وقوله: «أو صفة» وهذا طريق العلم بالوصف، والموصوف ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون معيناً.
الثاني: أن يكون في الذمة.
مثال المعين: أن تقول: بعتك سيارتي الفلانية التي صفتها كذا وكذا.
مثال الذي في الذمة: أن تقول: بعتك سيارة صفتها كذا وكذا، فالسيارة هنا غير معينة.
وكلاهما صحيح ولكن يشترط أن تنطبق الصفة.
ودليل الاكتفاء بالوصف، حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فالعلم بالمسلم فيه هنا الوصف؛ لأنه يسلف السنة والسنتين في الثمار، وهي لم تخلق الآن، إذاً يكون العلم بالوصف، ولكن لا بد من شرطين:
الأول: أن يكون الموصوف مما يمكن انضباطه بالصفة.
الثاني: أن يضبط بالصفة.اهـ
قال شيخنا وحيد عبد السلام بالي حفظه الله : واستثنى العلماء من ذلك بيع الصُناع كالحداد والنجار وغيرهما ، وهو ما يسمى ببيع الوصف ؛ لأن الحاجة والمصلحة تدعو إليه ، ودليل ذلك : الاستحسان حيث إن الحاجة تدعوا إليه صُورَتهُا : أن يَطلُب عمرو من زيد أن يصنع له دولابا ، فيذكر طولَهُ وعَرضَه وارتِفَاعه فهذا بيع معدوم ، ولكن العلماءَ أجازوه للمصلحة استحسانا وعُقِدَ العَقدُ ، وتم البيع ، فهذا بيع صحيح برغم أن الدولاب غيرُ موجود الآن انظر روضة المتنزه (2/147)
القول الثاني : قال الشافعي : لا يجوز بيع العين الغائبة على الصفة ، لأنه داخل في بيع الغرر المنهي عنه وهو الراجح 0
قال النووي في المجموع (9/301)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَصِحُّ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ (مَذْهَبُ) الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ
(وَالثَّانِي) يَصِحُّ الْبَيْعُ إذَا وَصَفَهُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا رَآهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ (وَالثَّالِثُ) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا وُصِفَ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ وأيوب السختياني ومالك وعبيد الله بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ نَصْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ صححه بقوله تعالى (وأحل الله البيع) وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ إلَّا بَيْعًا مَنَعَهُ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) وَبِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ وَهْبٍ الْبَكْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ) وَبِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الزَّوْجَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَةِ الْأَسْفَلِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ
* وَاحْتَجَّ الاصحاب بحديثي أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَهَذَا غَرَرٌ ظَاهِرٌ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمَعْدُومِ الْمَوْصُوفِ كَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَغَيْرِهِ وَبِحَدِيثِ (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك) وَسَبَقَ بَيَانُهُ
* وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَهِيَ عَامَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ فَهُوَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ باتفاق المحدثين
 وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ مَكْحُولًا تَابِعِيٌّ
(وَالثَّانِي) أَنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ ضَعِيفٌ فان أبا بكر ابن أَبِي مَرْيَمَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ وَعُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ مَشْهُورٌ بِالضَّعْفِ وَوَضْعِ الْحَدِيثِ
* وَمِمَّنْ رَوَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ضَعِيفٌ وَعُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَضَعُ الْحَدِيثَ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ قَوْلِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَشِرْ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَنَا أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا أَنْ يَنْتَشِرَ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ اسْتِبَاحَةُ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى تَرْكِ الرُّؤْيَةِ هُنَاكَ لِمَشَقَّتِهَا غَالِبًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ أَنَّ ظَاهِرَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ بَاطِنِهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ كَصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ وَلِأَنَّ فِي اسْتِتَارِ بَاطِنِهَا مَصْلَحَةً لَهَا كَأَسَاسِ الدَّارِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْغَائِبِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مَا لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ الْمَبِيعَ هُنَاكَ يَكُونُ مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي حال العقد بخلاف مسألتنا اهـ
 ( ما حكم بيع التقسيط )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : إلى عدم جواز ذلك وهذا مذهب مالك انظر الموطأ (2/437) ورجحه الألباني 0 ودليلهم : 1- قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) البقرة (275) قالوا : تُفيد أن كل زيادة تُؤخَذ مقابل الأجل فهي محرمة ؛ لدخولها في عموم الربا وأجيب : بأن هذه الآية نص عام يشمل جميع أنواع البيوع ، إلا ما ورد النص بِحُرمته ، ولا نص هنا يُحرِم البيع بالأجل
2- -  قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء (29) قالوا :لأن البائع مضطر إليه للإقدَام عليه لِترويج سِلعَتِه والمشتري مضطر إليه لحاجته إلى السلعة وليس معه ثمنها فلا رضا هنا منهما وأجيب : أن الرضا ثابت هنا ، إذ أن البائع يحدد السعر الذي يريد ، وكذا المدة يحددها على ما يُحب ويرضى وكذا المشتري فإنه بالخيار ، إما أن يأخذ بالثمن المَعجَل وهو الأقل ، أو يأخذ بالمؤجل وهو الأكثر ، فيقع منه الرضا .
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» رواه الترمذي (1231) صحيح لغيره وصححه الترمذي والألباني وقد فسر سِمَاك وهو راوي الحديث كما عند أحمد (3783) فقال : " الرَّجُلُ يَبِيعُ الْبَيْعَ، فَيَقُولُ: هُوَ بِنَسَاءٍ – يعني أجل - بِكَذَا وَكَذَا، وَهُوَ بِنَقْدٍ  - يعني حال - بِكَذَا وَكَذَا وأجيب : هذا الحديث يَحتمل أكثر من تفسير ، فمنها تفسير سماك وكما سيأتي باقي التفاسير وعلى ذلك لا دلالة واضحة في النص على حرمة بيع التقسيط – الأجل – وكذا قول سماك لي بحجة لأنه ليس من الصحابة   قال شيخنا عادل العزازي : وقد فسر سِمَاك وهو راوي الحديث فقال : " الرَّجُلُ يَبِيعُ الْبَيْعَ، فَيَقُولُ: هُوَ بِنَسَاءٍ – يعني أجل - بِكَذَا وَكَذَا، وَهُوَ بِنَقْدٍ  - يعني حال - بِكَذَا وَكَذَا "وهذا كما هو معلوم الآن أن يكتب على السلعة بسعر كذا كاش وبسعر كذا قسط لكن هذه الصورة المذكورة تكون إذا تم البيع دون الاتفاق على أحد الشيئين نقدا أم قسطا ، وأما إذا اتفقا على إحدى الصورتين ، فيكون البيع جائزا ، وتكون قبل الاتفاق مساومة على البيع وليست بيعا انظر تمام المنة (3/369)
القول الثاني : ذهب أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأبو حنيفة وابن تيمية وابن القيم ورجحه ابن عثيمين إلى جواز بيع التقسيط  وهو الراجح  إلى جوازه ورجحه ابن عثيمين
واستدلوا على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة ، منها :
1- قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) البقرة (275).
فالآية بعمومها تشمل جميع صور البيع ومنها زيادة الثمن مقابل الأجل .
2-  قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29 .
فالآية بعمومها أيضاً تدل على جواز البيع إذا حصل التراضي من الطرفين . فإذا رضي المشتري بالزيادة في الثمن مقابل الأجل كان البيع صحيحاً .
3-  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ رواه البخاري (2240)
وبيع السلم جائز بالنص والإجماع . وهو شبيه ببيع التقسيط . وذكر العلماء من حكمته أنه ينتفع المشتري برخص الثمن ، والبائع بالمال المعجل ، وهذا دليل على أن للأجل في البيع نصيباً من الثمن. وأن هذا لا بأس به في البيوع . انظر : المغني (6/385)
4- : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتْ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي قِلَاصِ الصَّدَقَةِ»، فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ رواه أبو داود (3357 صحَّحه الحاكم، ووافقه الذَّهبي، وصححه البيهقي والنووي انظر توضيح الأحكام (4/406) وحسنه ابن حجر والألباني في الإرواء (1358) وحسنه الأرنؤوط  وهو دليل واضح على جواز أخذ زيادة على الثمن نظير الأجل
5- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ لِلسِّلْعَةِ: هِيَ بِنَقْدٍ بِكَذَا وَبِنَسِيئَةٍ بِكَذَا، وَلَكِنْ لَا يَفْتَرِقَا إِلَّا عَنْ رِضًا رواه ابن أبي شيبه (20453) سنده ضعيف وضعفه الألباني في الإرواء (5/152)
سئل الشيخ ابن باز عن حكم الزيادة في الثمن مقابل الأجل فقال:
إن هذه المعاملة لا بأس بها لأن بيع النقد غير التأجيل، ولم يزل المسلمون يستعملون مثل هذه المعاملة وهو كالإجماع منهم على جوازها، وقد شذ بعض أهل العلم فمنع الزيادة لأجل الأجل وظن ذلك من الربا وهو قول لا وجه له وليس من الربا في شيء لأن التاجر حين باع السلعة إلى أجل إنما وافق على التأجيل من أجل انتفاعه بالزيادة والمشتري إنما رضي بالزيادة من أجل المهلة وعجزه عن تسليم الثمن نقداً، فكلاهما منتفع بهذه المعاملة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز ذلك وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يجهز جيشاً فكان يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل، ثم هذه المعاملة تدخل في عموم قول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) البقرة/282.
وهذه المعاملة من المداينات الجائزة الداخلة في الآية المذكورة وهي من جنس معاملة بيع السلم. . . اهـ فتاوى إسلامية (2/331) قال أبو مالك حفظه الله في صحيح فقه السنة (4/ 356) هناك فروق جوهرية بين الربا والبيع بالنسيئة – التقسيط - أبرزها ما يأتي:
1 - أن الربا زيادة أحد المتساويين على الآخر، ولا تساوى بين الشىء وثمنه مع اختلاف جنسهما، فلا يصح تحريم الزيادة في البيع بثمن مؤجل لكونها ربا 2 - أن البيع في حالة البيع سلعة لها منافع ولها غلات، وإن كانت مما ينتفع به باستهلاكه فإن أسعارها تختلف باختلاف الأزمان، وإن كانت مما ينتفع به بسعر، فإذا احتاط البائع لنفسه فباعها بثمن مؤجل مرتفع ومعجل غير مرتفع فلأن موضوع المعاملة يقبل الارتفاع والانخفاض في الأزمان، وله غلات بنفسه، أما النقود في حالة الربا فهي وحدة التقدير، فالمفروض أن لا يؤثر فيها الزمان، وينبغي أن تكون كذلك دائمًا، لأنها ليست سلعًا ترتفع وتنخفض.
وعليه، فما يأخذه البائع بثمن مؤجل فرقًا بين العاجل والآجل إنما يأخذه ثمن غلة، بخلاف الديون التي تجرى في النقدين، فإن من يتسلمها يتسلم عينًا لا تختلف فيها الأسعار باختلاف الأزمنة، لأنها مقوِّمة الأسعار، وهي لا تغل بنفسها، بل تغل بالاتجار وتنقلها من الأيدى ببضائع تعلو وتنخفض، فالبضائع هى التي تغل وليست هى موضع الدين
3 - أن هناك فرقًا بين أن يكون الأجل مراعى عند تقدير ثمن السلعة في البيع بثمن مؤجل، وبين أن يكون الأجل قد خصص له جزء معين من المال بالإضافة إلى المقدار الذي جعل بدلًا في المعاوضة.
إن فرقًا بين أن يبيع شخص سلعة تساوى في السوق الحاضرة مائة بمائة وخمسة مؤجلة، وبين أن يقترض شخص من آخر إلى أجل معين على أن يردها إليه عند حلول الأجل مائة وخمسة، فإن الأول جائز ولا شىء فيه من الربا، فإن المقدار كله المائة والخمسة قد جعل ثمنًا للسلعة، والسلعة التي كان سعرها في السوق الحاضرة مائة يمكن أن تباع مع تأجيل الثمن وعدم تأجيله بمائة وبمائة وخمسة وبمائة إلا خمسة، على حسب الظروف والأحوال واختلاف الرغبات. وأما الثاني فغير جائز لأنه من ربا النساء الذي جعل فيه الزمن مقصودًا قصدًا أصليًا في العقد مفروضًا له قدر معين من الثمن يتزايد هذا المقدار عادة إذا حل الأجل ولم يوف المدين بأداء الدين.
والخلاصة أن المائة والخمسة في صورة البيع بها إلى أجل وقعت كلها ثمنًا للسلع التي كان يمكن أن تباع بذلك الثمن حالًا، وأما المائة والخمسة في صورة اقتراض المائة بمائة وخمسة فإنها وقعت بدلا لشيئين: المائة بدل المائة، والخمسة بدل الزمن وثمن له خاصة، وهذا لا شك أنه الربا الممنوع.
4 - أن البيع بالتقسيط فيه تخيير للمشترى بين الشراء نقدًا بثمن أقل أو بثمن أكثر مؤجلًا، بخلاف الربا فإنه لا تخيير فيه.
كما أن الربا استغلال للناس ومص للدماء، وخيانة للمجتمع، وظلم للطبقة الكادحة من قبل أخذ الطمع والجشع. أما البيع بالتقسيط فهو تيسير لمعاملات الناس وتخفيف عنهم.
5 - أن البيع بثمن مؤجل لا تحدث فيه زيادة في الثمن حتى ولو ماطل المشترى في الدفع عند حلول أجل الوفاء، فليس للبائع إلا ما اتفق عليه، وذلك بخلاف عقد الربا حيث يستمر المقترض في دفع الفوائد في حالة عدم تسديد القرض حتى يتضاعف بشكل كبير إذ في الغالب قد تكون الفائدة بسعر أعلى من السعر العادى عند التأخير في الدفع.
6 - أن البيع بالتقسيط يترتب على من يتعامل به مختلف آثار ومقتضيات البيع بالطرق الشرعية ولاسيما ما يتعلق بالخيارات، وليس الأمر كذلك فيما يتعلق بالقرض بفائدةٍ ربويةٍ.
7 - أن الثمن في البيع بالأجل هو للسلعة مراعى فيه الأجل وهو من التجارة المشروعة المعرض للربح والخسارة. وأما الزيادة في الربا فهي بلا مقابل وهو الذي حرَّمه الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لأخطاره وأضراره.
8 - أنه في حالة البيع بثمن مؤجل يفترض أن تكون العلاقة بين البائع والمشترى علاقة تكافؤ -في الأعم الأغلب، ولا عِبرة للحالات الشاذة- لأن القدرة على المساومة والتفاوض مفتوحة لكلا الطرفين على قدم المساواة. أما في حالة القرض الربوى فيفترض عدم التكافؤ إذ إن طرفًا فيها يعاني من حالة صعبة بالنسبة للطرف الآخر.
9 - أن التبادل في حالة الربا يتم على أشياء مثلية، في حين أن التبادل في حالة البيع يتم على أشياء مختلفة؛ سلعة مقابل نقد، وهذا الاختلاف في الأشياء المتبادلة هو الذي ينشىء النشاط التجارى المفيد المنتج في البيع بالمقارنة مع النشاط الربوى اهـ
قال العلامة البسام رحمه الله في توضيح الأحكام (4/ 283)
اختلف العلماء في معنى "بيعتين في بيعة" فسَّره الحنابلة بأن يشترط أحد المتابيعين على الأخر عقداً آخر، كسلف وقرض، وبيع وإجارة وشركة، ونحو ذلك، كقول البائع للمشتري: بعتك كذا بكذا على أن تؤجرني دارك بكذا ونحو ذلك، فهذا الشرط يبطل العقد عندهم من أصله.
وحكمه البطلان؛ لأنَّه إذا فسد الشرط وجب رد ما يقابله من الثمن، وهو مجهول، فيصير الثمن مجهولاً.
وفسَّره بعضهم بأن يقول البائع: بعتك هذه السلعة بألفين نسيئة، وبألف نقداً، فأيَّهما شئت أخذتَ به.
أما ابن القيم: فيقول: "البيعتان في بيعة" أن يبيعه السلعة بمائة مؤجلة، ثم يشتريها منه بثمانين حالَّة، فقد باع بيعتين في بيعة، فإن أخذ بالثمن الزائد أخذ بالربا، وإن أخذ بالناقص أخذ بأوكسهما، وهذا من أعظم الذرائع إلى الربا.
وهذا هو المعنى المطابق للحديث، فإنَّه إذا كان مقصوده الدراهم العاجلة بالآجلة فهو لا يستحق إلاَّ رأس ماله، وهو أوكس الثمنين، فإن أخذه أخذ أوكسهما، وإن أخذ الثمن الأكثر فقد أخذ الربا، فلا محيد له عن أوكس الثمنين، أو الربا، ولا يحتمل الحديث غير هذا المعنى، أما أخذه بمائة مؤجلة أو بثمانين حالة، فليس في هذا ربا ولا جهالة، وإنما خيَّره بأي الثمنين شاء.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: الذي يدخل في النَّهي عن بيعتين في بيعة مسألة العِينة وعكسها؛ لأنَّ فيه محذور الربا، وحيلة الربا.
وأما تفسير الحديث بأن يقول: بعتك هذا البعير بمائة على أن تبيعني الشاة بعشرة، فلا تدخل، لأنَّه لا محذور في ذلك.
قال ابن القيم: في إعلام الموقعين (3/ 119) :
. أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَهُوَ الشَّرْطَانِ فِي الْبَيْعِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، وَهُوَ الَّذِي لِعَاقِدَةِ أَوْكَسُ الْبَيْعَتَيْنِ أَوْ الرِّبَا فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ، وَذَلِكَ سَدٌّ لِذَرِيعَةِ الرِّبَا؛ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِمِائَتَيْنِ حَالَّةٍ فَقَدْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، فَإِنْ أَخَذَ بِالثَّمَنِ الزَّائِدِ أَخَذَ بِالرِّبَا، وَإِنْ أَخَذَ بِالنَّاقِصِ أَخَذَ بِأَوْكَسِهِمَا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الذَّرَائِعِ إلَى الرِّبَا، وَأَبْعَدُ كُلِّ الْبَعْدِ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الْبَيْعِ بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ خَمْسِينَ حَالَّةٍ، وَلَيْسَ هَاهُنَا رِبًا وَلَا جَهَالَةٌ وَلَا غَرَرٌ وَلَا قِمَارٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْمَفَاسِدِ؛ فَإِنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَيِّ الثَّمَنَيْنِ شَاءَ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَبْعَدَ مِنْ تَخْيِيرِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْإِمْضَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَرِيعَةٌ ظَاهِرَةٌ جِدًّا إلَى الرِّبَا - وَهُمَا السَّلَفُ وَالْبَيْعُ، وَالشَّرْطَانِ فِي الْبَيْعِ - وَهَذَانِ الْعَقْدَانِ بَيْنَهُمَا مِنْ النَّسَبِ وَالْإِخَاءِ وَالتَّوَسُّلِ بِهِمَا إلَى أَكْلِ الرِّبَا مَا يَقْتَضِي الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مَنْ كَلَامُهُ الشِّفَاءُ وَالْعِصْمَةُ وَالْهُدَى وَالنُّورُ اهـ
فائدة : جاء في قرارات "المجمع الفقهي": "إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم" انتهى من "مجلة المجمع الفقهي" (6/1/445-448)
 ( بيع المكره )
قَالَ تعالى : {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فدل على أنه إذا لم يكن عن تراض لم يحل الأكل وعن أبي سَعِيد الْخُدْرِيَّ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ رواه ابن ماجه (2185) وصححه الألباني فدل على أنه لا بيع عن غير تراض ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح 0
قال النووي رحمه الله في المجموع (9/161) :
ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُكْرَهَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فِي حَالِ اخْتِيَارِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بما ذكره المصنف – حديث أبي سعيد الخدري - وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ – (2045) - بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ – وصححه الألباني - فَهَذَا مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ اهـ
قال ابن حزم في المحلى (7/510) :
وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ عَفَا لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ؛ وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ لَمْ يَكُنْ عَنْ تَرَاضٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، إلَّا بَيْعًا أَوْجَبَهُ النَّصُّ، كَالْبَيْعِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَهُوَ غَائِبٌ، أَوْ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْإِنْصَافِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِنْصَافِ ذِي الْحَقِّ قِبَلَهُ، وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ.
وَبِمَنْعِهِ مِنْ الْمَطْلِ الَّذِي هُوَ الظُّلْمُ، وَإِذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَنْعِهِ مِنْ الظُّلْمِ إلَّا بِبَيْعِ بَعْضِ مَالِهِ، فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِبَيْعِهِ.
وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى لِلْغَرِيمِ بِمَا يُمْكِنُ انْتِصَافُ ذِي الْحَقِّ مِنْهُ مِنْ عَيْنِ مَالِ الْمُمْتَنِعِ، أَوْ الْغَائِبِ، ثُمَّ بَاعَهَا الْمَقْضِيُّ لَهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِتَوْصِيلِهِ إلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ رُدَّ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَأَصَحُّ وَأَبْعَدُ مِنْ كُلِّ اعْتِرَاضٍ - وَقَدْ وَافَقَنَا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، عَلَى إبْطَالِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْبَيْعِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى – التَّوْفِيقُ اهـ
فائدة بيْعُ الْمُكْرَهِ:
الْمُرَادُ بِبَيْعِ الْمُكْرَهِ حَمْل الْبَائِعِ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، إِذِ الإِْكْرَاهُ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ: حَمْل الإِْنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ. وَفِي الشَّرْعِ: فِعْلٌ يُوجَدُ مِنَ الْمُكْرَهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَل مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إِلَى الْفِعْل الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ  .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ التَّلْجِئَةِ وَبَيْعِ الْمُكْرَهِ: أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَيْعٌ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ لاَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ، مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي حُكْمِهِ فَسَادًا وَوَقْفًا انظر الموسوعة الفقهية (9/63)
 ( بيع المضطر ) :
قلت : تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : بيعه وشراؤه فاسد وبه قالت الحنفية واستدلوا: بحديث علي: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ رواه أبو داود (3382) وضعفه الألباني
القول الثاني : أجازه فقهاء آخرون للضرورة منهم الخطابى قال:
"إن عقد البيع مع الضرورة على هذا الوجه جائز في الحكم، ولا يفسخ إلا أن سبيله في حق الدين والمروءة أن لا يباع على هذا الوجه وأن لا يقتات عليه بماله، ولكن يعاون ويقرض ويستمهل له إلى الميسرة حتى يكون له ذلك بلاغ انظر معالم السنن (3/ 87) بتغير يسير.
القول الثالث : ذهب جمهور أهل العلم إلى أن بيع المضطر يجوز مع الكراهة ؛ لأنه ينافي المروءة ، أما القول بالتحريم فلا دليل من الكتاب أو السنة يُحرِم بيع المضطر ، وهذا ما ذهب إليه أحمد والشافعي ومالك وابن حزم وغيرهم انظر الفقه الميسر (3/76) وهو الراجح 0
قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (7/510) وَأَمَّا الْمُضْطَرُّ إلَى الْبَيْعِ، كَمَنْ جَاعَ وَخَشِيَ الْمَوْتَ فَبَاعَ فِيمَا يُحْيِي بِهِ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ، وَكَمَنْ لَزِمَهُ فِدَاءُ نَفْسِهِ أَوْ حَمِيمِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَمَنْ أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ عَلَى غُرْمِ مَالِهِ بِالضَّغْطِ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى الْبَيْعِ، لَكِنْ أَلْزَمَهُ الْمَالَ فَقَطْ، فَبَاعَ فِي أَدَاءِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا – ثم ذكر حديث الباب حديث سيدنا علي رضي الله عنه ثم قال : - َإِذَا لَمْ يَصِحَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ فَلْنَطْلُبْ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِهِمَا -: فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ يَبْتَاعُ قُوتَ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ لِلْأَكْلِ وَاللِّبَاسِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ابْتِيَاعِهِ بِلَا شَكٍّ، فَلَوْ بَطَلَ ابْتِيَاعُ هَذَا الْمُضْطَرِّ لَبَطَلَ بَيْعُ كُلِّ مَنْ لَا يُصِيبُ الْقُوتَ مِنْ ضَيْعَتِهِ - وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ، وَبِضَرُورَةِ النَّقْلِ مِنْ الْكَوَافِّ وَقَدْ ابْتَاعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْوُعًا مِنْ شَعِيرٍ لِقُوتِ أَهْلِهِ، وَمَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ فِي ثَمَنِهَا فَصَحَّ أَنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّ إلَى قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ، وَبَيْعَهُ مَا يَبْتَاعُ بِهِ الْقُوتَ بَيْعٌ صَحِيحٌ لَازِمٌ، فَهُوَ أَيْضًا بَيْعُ تَرَاضٍ لَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ صَحِيحٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.اهـ
 ( هل يجوز البيع والشراء من الكفار )
البيع والشراء من الكفار جائز بالإجماع أما في حال الحرب مع المسلمين فلا يجوز قال تعالى : {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَطَعَامُكُمْ حٌلٌّ لَهُمْ } [الْمَائِدَة: 5] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً؟ - أَوْ قَالَ: - أَمْ هِبَةً "، قَالَ: لاَ، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً رواه البخاري (2216) ومسلم (2056) (مشعان) أي منتفش الشعر ومتفرقه
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (11/40)
وَأَمَّا اشْتِرَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ مِنَ الْيَهُودِيِّ وَرَهْنُهُ عِنْدَهُ دُونَ الصَّحَابَةِ فَقِيلَ فَعَلَهُ بَيَانًا لِجَوَازِ ذَلِكَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهِ إِلَّا عِنْدَهُ وَقِيلَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَا يَأْخُذُونَ رَهْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَقْبِضُونَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَعَدَلَ إِلَى مُعَامَلَةِ الْيَهُودِيِّ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا لم يتحقق تحريم مَا مَعَهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يبيع أهل الحرب سلاحا وآلة حرب ولا يَسْتَعِينُونَ بِهِ فِي إِقَامَةِ دِينِهِمْ اهـ
وقال في المجموع (9/354) وَأَمَّا بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ
 ( بيع النرد )
و (النرد) أو (النردشير) هو ما يعرف الآن بالزهر الذي تلعب به الطاولة فقد تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : ذهب الشافعية إلى كراهة اللعب بالنرد انظر شرح مسلم ( 8/19)
القول الثاني : ذهب جمهور العلماء إلى تحريم اللعب بالنرد وتحريم اللعب به يدل على تحريم بيعه أو شرائه ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وبعض أصحاب الشافعي- وهذا هو القول الراجح : والدليل : 1- عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ رواه مسلم (2260)
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (15/15) : وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ 00وَمَعْنَى صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ فِي حَالِ أَكْلِهِ مِنْهُمَا وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِتَحْرِيمِهِ بِتَحْرِيمِ أَكْلِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
2- عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ رواه أبو داود (4938) وحسنه الألباني
 ( بيع الشطرنج )
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/ 216)
فَإِنْ اشْتَمَلَ اللَّعِبُ بِهَا عَلَى الْعِوَضِ كَانَ حَرَامًا بِالِاتِّفَاقِ؛ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إمَامُ الْمَغْرِبِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ اللَّعِبَ بِهَا عَلَى الْعِوَضِ قِمَارٌ لَا يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَمَلَ اللَّعِبُ بِهَا عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ: مِثْلَ أَنْ يَتَضَمَّنَ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا؛ أَوْ تَرْكَ مَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ أَعْمَالِهَا الْوَاجِبَةِ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا؛ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ حَرَامًا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ اهـ
وقال رحمه الله  (32/218)
الشِّطْرَنْجَ " مَتَى شَغَلَ عَمَّا يَجِبُ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.00 وَكَذَلِكَ لَوْ شَغَلَ عَنْ وَاجِبٍ مِنْ غَيْرِ الصَّلَاةِ: مِنْ مَصْلَحَةِ النَّفْسِ أَوْ الْأَهْلِ أَوْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ صِلَةِ الرَّحِمِ؛ أَوْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَوْ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ مِنْ نَظَرٍ فِي وِلَايَةٍ أَوْ إمَامَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ  وَقَلَّ عَبْدٌ اشْتَغَلَ بِهَا إلَّا شَغَلَتْهُ عَنْ وَاجِبٍ. فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ  وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى مُحَرَّمٍ أَوْ اسْتَلْزَمَتْ مُحَرَّمًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ: مِثْلَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْكَذِبِ؛ وَالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ؛ أَوْ الْخِيَانَةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا المغاضاة أَوْ عَلَى الظُّلْمِ أَوْ الْإِعَانَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.اهـ
أما إذا لم يشغل عن واجب ولم يتضمن محرماً، فقد اختلف العلماء في حكمه على ثلاثة أقوال ؟
القول الأول : ذهب جمهور العلماء إلى تحريم اللعب بالشطرنج -وتحريم اللعب به يدل على تحريم بيعه أو شرائه - وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد انظر الفروسية (313) دليلهم :  قال تعالى : 1- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) المائدة (91)
قال القرطبي في تفسيره (6/291) هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ قِمَارًا أَوْ غَيْرَ قِمَارٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَ أَخْبَرَ بِالْمَعْنَى الَّذِي فِيهَا فَقَالَ:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ" الْآيَةَ. ثُمَّ قَالَ:" إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ" الْآيَةَ. فَكُلُّ لَهْوٍ دَعَا قَلِيلُهُ إِلَى كَثِيرٍ، وَأَوْقَعَ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَيْنَ الْعَاكِفِينَ عَلَيْهِ، وَصَدَّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا مِثْلَهُ اهـ سيأتي الرد على ذلك 0
2- عن أنس رفعه ملعون من لعب بالشطرنج ".
أخرجه الديلمي (4/63) قال الألباني في الضعيفة (1145) موضوع.
3- عَنْ مَيْسَرَةَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: مَرَّ عَلِيٌّ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: «مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ» رواه ابن أبي شيبة في المصنف (26158) ضعفه الألباني في إرواء الغليل (2672) لو صح فإنه يحمل على المكثر المطيل العكوف عليها حتى شغلتهم عن الواجبات وهذا يدل عليه قوله: (عاكفون).
4 – عَنِ ابْنِ عُمَرَ , أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الشِّطْرَنْجِ , فَقَالَ: " هُوَ شَرٌّ مِنَ النَّرْدِ رواه البيهقي في الكبرى (20934) وصححه ابن القيم رحمه الله انظر الفروسة (313) قلت : النرد جاء فيه النص الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم  بخلاف الشطرنج فلو كان الشطرنج شر لبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم  ذلك كما بين حال النرد
5- عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ رواه مسلم (2260)
ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم إذَا حُرِّمَ النَّرْدُ وَلَا عِوَضَ فِيهَا فَالشِّطْرَنْجُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهَا فَلَيْسَ دُونَهَا. وَهَذَا يَعْرِفُهُ مَنْ خَبَرَ حَقِيقَةَ اللَّعِبِ بِهَا فَإِنَّ مَا فِي النَّرْدِ مِنْ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ؛ وَمِنْ إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ: هُوَ فِي الشِّطْرَنْجِ أَكْثَرُ بِلَا رَيْبٍ وَهِيَ تَفْعَلُ فِي النُّفُوسِ فِعْلَ حُمَيَّا الْكُؤُوسِ. فَتَصُدُّ عُقُولَهُمْ وَقُلُوبَهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بِهِمْ كَثِيرٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخُمُورِ وَالْحَشِيشَةِ. وَقَلِيلُهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا انظر مجموع الفتاوى (32/ 221 ).وقال ابن قدامة رحمه الله :  فَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَهُوَ كَالنَّرْدِ فِي التَّحْرِيمِ، إلَّا أَنَّ النَّرْدَ آكَدُ مِنْهُ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِوُرُودِ النَّصِّ فِي تَحْرِيمِهِ، لَكِنْ هَذَا فِي مَعْنَاهُ، فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ، قِيَاسًا عَلَيْهِ انظر المغني (10/151) هذا قياس مع الفارق لأن النرد كما هو معلوم من ألعاب الحظ بينما الشطرنج ليس به حظ و إنما يعتمد على الذكاء و هذا الفارق يجعل من الصعوبة بمكان قياس الشطرنج على النرد قال النووي في شرح مسلم (15/15)وَأَصْحَابُنَا يَمْنَعُونَ الْقِيَاسَ وَيَقُولُونَ هُوَ دُونَهُ اهـ
وقال بعض العلماء وأجيب عنه من وجهين:
الأول: الفرق بين النرد والشطرنج فإن النرد إنما حرمت لأنها كالأزلام يعول فيها على ترك الأسباب و الاعتماد على الحظ والبخت، وهذا ظاهر من طريقة اللعب بها، فهو يضر بذلك ويغري بالكسل والاتكال على ما يجيء به القدر .... " فتاوى محمد رشيد (3/ 1167)
بخلاف الشطرنج.
الثاني: لو سلم بعدم الفرق فإن ما ذكر إنما يكون إذا كان فيها دفع العوض أو لم يكن وأكثر منها حتى أوقعته في المحذور من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة وأما قبل ذلك فعلة القياس متخلفة وغير متحققة، ويؤيد ذلك ما ذكره شيخ الإسلام بقوله: " وَالْفِعْلُ إذَا اشْتَمَلَ كَثِيرًا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَتْ الطِّبَاعُ تَقْتَضِيهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ حَرَّمَهُ الشَّارِعُ قَطْعًا... " الفتاوى (32/ 228)
مفهوم هذا الكلام أنه إذا لم يشتمل على تلك المفاسد أن الشارع لا يحرمه.
القول الثاني : ذهب الشافعية إلى كراهة اللعب بالشطرنج انظر شرح مسلم ( 8/19) ودليله : عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ بَاطِلٌ، إِلَّا رَمْيَةَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ رواه أحمد (17300) حسن بشواهده وصححه الألباني في سنن ابن ماجه (2811) وحسنه الترمذي في سننه (1637) والأرنؤوط
وجه الدلالة في الحديث: الحديث يدل على الكراهة بالاشتغال باللهو ولا يدل على التحريم وأن الاشتغال بها مجرد لهو وعبث لا فائدة فيه، والله تعالى قد ذم اللعب،فكان تركه أولى. قلت : معنى (بَاطِلٌ) لَا ثَوَابَ لَهُ انظر تحفة الأحوذي (5/219) وقال ابن العربي في «عارضة الأحوذي» (7/ 137): «قوله: «كل ما يلهو به الرجل باطل»، ليس مراده حراما، وإنما يريد به أنه عار من الثواب، وأنه للدنيا محضا، لا تعلق له بالآخرة، والمباح منه باق، والباقي كله عمل له ثواب».وقال ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (11/ 91): وَإِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَى مَا عَدَاهَا ـ أي الثلاثة ـ الْبُطْلَانَ مِنْ طَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ لَا أَنَّ جَمِيعَهَا مِنَ الْبَاطِلِ الْمُحَرَّمِ اهـ
قَالَ الْغَزَالِيُّ: قُلْنَا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَهُوَ بَاطِلٌ " لَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَائِدَةٍ انْتَهَى.
وَهُوَ جَوَابٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ. عَلَى أَنَّ التَّلَهِّيَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَرْقُصُونَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ خَارِجٌ عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ. انظر نيل الأوطار (8/ 118) وقال ابن باز رحمه الله : الحديث صحيح ومعنى باطل يعني لا خير فيه، يعني لا فائدة فيه أو لا خير فيه وليس المعنى التحريم، المقصود أن هذه الثلاثة هي التي فيها الفائدة والمصلحة الكبيرة، وأما الأشياء الأخرى فالأمر فيها واسع وليست محرمة إذا كانت لا تشتمل على محرم، كالمسابقة بالأقدام، أو المسابقة بحمل الأثقال أو ما أشبه ذلك، هذا لا بأس به إذا لم يشغل عن الصلاة ولم يكن فيه منكر آخر، لا كشف عورات ولا غير ذلك، فإذا لهى الإنسان بمسابقة الأقدام أو بحمل الأثقال أو ما أشبه ذلك فلا بأس بذلك 00 ومعنى باطل يعني ليس فيه فائدة أو ليس فيه مصلحة أو ما أشبه ذلك، ليس المقصود التحريم ولهذا أجاز النبي - صلى الله عليه وسلم- المسابقة وسابق عائشة على الأقدام، وأجاز لسلمة بن الأكوع المسابقة على الأقدام فلا بأس بذلك،ولا حرج بالمسابقة على الأقدام أو بحمل الأثقال أو ما أشبه ذلك اهـ 
القول الثالث : وَمِمَّنْ أَجَازَ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ عَلَى غَيْرِ قِمَارٍ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُهُ هِشَامٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَعَطَاءٌ  انظر التاج والإكليل لمختصر خليل (8/ 166) وابن حزم في المحلى وهو الراجح
بِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمِهَا نَصٌّ، وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَتَبْقَى عَلَى الْإِبَاحَةِ وَيُفَارِقُ الشِّطْرَنْجُ النَّرْدَ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ فِي الشِّطْرَنْجِ تَدْبِيرَ الْحَرْبِ، فَأَشْبَهَ اللَّعِبَ بِالْحِرَابِ، وَالرَّمْيَ بِالنُّشَّابِ، وَالْمُسَابَقَةَ بِالْخَيْلِ. وَالثَّانِي، أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي النَّرْدِ مَا يُخْرِجُهُ الْكَعْبَتَانِ، فَأَشْبَهَ الْأَزْلَامَ، وَالْمُعَوَّلَ فِي الشِّطْرَنْجِ عَلَى حِذْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُسَابَقَةَ بِالسِّهَامِ. انظر المغني (10/151) قال ابن كثير رحمه الله : قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَالْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ فِيهِ ـ أي
الشطرنج ـ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، قال الشوكاني : وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ظُهُورَهُ كَانَ فِي أَيَّامِ الصَّحَابَةِ انظر نيل الأوطار (8/108) وقال الإمام السخاوي ـ رحمه الله تعالى ـ في " عمدة المحتج في حكم الشطرنج " (66) بعد إيراده أحاديث التحريم والكلام عليها ختم بحثه بقوله: بل ليس في هذا الباب حديث صحيح بل ولا حسن
وقد قال شيخنا ـ أي ابن حجر ـ رحمه الله أنه لا يثبت في الشطرنج عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء وسبقه لذلك المنذري فقال فى " الترغيب " له وقد ورد ذكر الشطرنج في أحاديث لا أعلم لشيء
منها إسنادا صحيحا ولا حسنا وبالله التوفيق.
 قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (4/24)
 فَذهب بَعضهم إِلَى إِبَاحَته لِأَنَّهُ يستعان بِهِ فِي أُمُور الْحَرْب ومكائده لَكِن بِشُرُوط ثَلَاثَة أَحدهَا أَن لَا يُؤَخر بِسَبَبِهِ صَلَاة عَن وَقتهَا
وَالثَّانِي أَن لَا يكون فِيهِ قمار
وَالثَّالِث أَن يحفظ لِسَانه حَال اللّعب عَن الْفُحْش والخناء ورديء الْكَلَام فَمَتَى لعب بِهِ أَو فعل شَيْئا من هَذِه الْأُمُور كَانَ سَاقِط الْمُرُوءَة مَرْدُود الشَّهَادَة وَمِمَّنْ ذهب إِلَى إِبَاحَته سعيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِي كَرَاهَة تَنْزِيه وَذهب جماعات من الْعلمَاء إِلَى تَحْرِيمه كالنرد وَقد ورد ذكر الشطرنج فِي أَحَادِيث لَا أعلم لشَيْء مِنْهَا إِسْنَادًا صَحِيحا وَلَا حسنا وَالله أعلم اهـ
قال الشيخ رشيد رضا: إِنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ إِذَا كَانَ عَلَى مَالٍ دَخَلَ فِي عُمُومِ الْمَيْسِرِ وَكَانَ مُحَرَّمًا بِالنَّصِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِتَحْرِيمِهِ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إِلَّا إِذَا تَحَقَّقَ فِيهِ كَوْنُهُ رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، مُوقِعًا فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، صَادًّا عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، بِأَنْ كَانَ هَذَا شَأْنَ مَنْ يَلْعَبُ بِهِ دَائِمًا أَوْ فِي الْغَالِبِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ هَذَا وَإِنَّنَا نَعْرِفُ مِنْ لَاعِبِي الشِّطْرَنْجِ مَنْ يُحَافِظُونَ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ وَيُنَزِّهُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنِ اللَّجَاجِ وَالْحَلِفِ الْبَاطِلِ، وَأَمَّا الْغَفْلَةُ عَنِ اللهِ تَعَالَى فَلَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِ الشِّطْرَنْجِ وَحْدَهُ، بَلْ كُلِّ لَعِبٍ وَكُلِّ عَمَلٍ فَهُوَ يَشْغَلُ صَاحِبَهُ فِي أَثْنَائِهِ عَنِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ فِيمَا عَدَاهُ إِلَّا قَلِيلًا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مُبَاحٌ وَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ، كَلَعِبِ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالْأَعْمَالِ الصِّنَاعِيَّةِ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَمِمَّا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ اللَّعِبُ; لَعِبُ الْحَبَشَةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَضْرَتِهِ، وَإِنَّمَا عِيبَ الشِّطْرَنْجُ مِنْ أَنَّهُ أَشَدُّ الْأَلْعَابِ إِغْرَاءً بِإِضَاعَةِ الْوَقْتِ الطَّوِيلِ، وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ كَرِهَهُ لِأَجْلِ هَذَا، وَنَحْمَدُ اللهَ الَّذِي عَافَانَا مِنَ اللَّعِبِ بِهِ وَبِغَيْرِهِ، كَمَا نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا أَنْ عَافَانَا مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا دَلِيلٍ انظر تفسير المنار (7/ 53)
 ( آلات اللهو والطرب )
ذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين إلى تحيرم الغناء والمعازف ودليلهم : قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان:6] عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، " {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 6] فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ الْغِنَاءُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ "رواه الطبري في تفسيره (18/534) قال الألباني رحمه الله في تحريم آلات الطرب (143) قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وهو كما قالا وصححه ابن القيم اهـ وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] ، قَالَ: الْغِنَاءُ وَأَشْبَاهُهُ رواه البخاري في الأدب المفرد (786) وصححه الألباني 0
 قال القرطبي في تفسبره (14/51) وَ" لَهْوَ الْحَدِيثِ": الْغِنَاءُ، فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا: وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، 00 قُلْتُ: هَذِهِ إِحْدَى الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْغِنَاءِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ. والآية الثانية قوله تعالى:" وَأَنْتُمْ سامِدُونَ" «3» [النجم: 61]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْغِنَاءُ بِالْحِمْيَرِيَّةِ، اسْمُدِي لَنَا، أَيْ غَنِّي لَنَا. وَالْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ" [الاسراء: 64] قَالَ مُجَاهِدٌ: الْغِنَاءُ وَالْمَزَامِيرُ.00وَقَالَ الْحَسَنُ: لَهْوُ الْحَدِيثِ الْمَعَازِفُ وَالْغِنَاءُ اهـ عن أبي عَامِرٍ أَوْ أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ،
رواه البخاري (5590) معلقا وقد وصله الطبراني (1 / 167 / 1) والبيهقي (10 / 221)وصححه ابن تيمية وابن القيم والألباني رحمهم الله تعالى  قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (11/535) فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَعَازِفِ. وَالْمَعَازِفُ هِيَ آلَاتُ اللَّهْوِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهَذَا اسْمٌ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْآلَاتِ كُلَّهَا اهـ ثم قال رحمه الله (11/ 576) فَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ: أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ كُلَّهَا اهـ
من أراد الزيادة فلينظر إلى كتابي تحريم الموسيقى والرد على ابن حزم رحمه الله وكتاب تحريم آلات الطرب للألباني رحمه الله
 ( بَيْع الْفَهْد وَالصَّقْر الْمُعَلِّم وكل حيوان أبيح الانتفاع به )
قلت : يجوز بيع كل حيوان له نفع أو أبيح الانتفاع به قال تعالى : {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ، قَالَ: كَانَ فَطِيمًا، قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ، قَالَ: «أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» قَالَ: فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ رواه البخاري (6203) ومسلم (2150) النُّغَيْرُ هُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ جَمْعُهُ نِغْرَانٌ  
قال ابن قدامة رحمه الله : أَنَّ كُلَّ مَمْلُوكٍ أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، يَجُوزُ بَيْعُهُ، إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ، مِنْ الْكَلْبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْوَقْفِ. وَفِي الْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَالزَّيْتِ النَّجِسِ اخْتِلَافٌ، نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ سَبَبٌ لِإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ، وَالْمَنْفَعَةُ الْمُبَاحَةُ يُبَاحُ لَهُ اسْتِيفَاؤُهَا، فَجَازَ لَهُ أَخْذُ عِوَضِهَا، وَأُبِيحَ لِغَيْرِهِ بَذْلُ مَالِهِ فِيهَا، تَوَصُّلًا إلَيْهَا، وَدَفْعًا لِحَاجَتِهِ بِهَا، كَسَائِرِ مَا أُبِيحَ بَيْعُهُ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَا كَانَ طَاهِرًا، كَالثِّيَابِ، وَالْعَقَارِ، وَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْخَيْلِ، وَالصَّيُودِ، أَوْ مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ، كَالْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ، وَجَوَارِحِ الطَّيْرِ، الَّتِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ، الَّتِي كَالْفَهْدِ، وَالصَّقْرِ، وَالْبَازِي، وَالشَّاهَيْنِ، وَالْعُقَابِ، وَالطَّيْرِ الْمَقْصُودِ صَوْتُهُ، كَالْهَزَّازِ، وَالْبُلْبُلِ، وَالْبَبْغَاءِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَكُلُّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْفَهْدِ، وَالصَّقْرِ، وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، كَالْكَلْبِ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَيَوَانٌ أُبِيحَ اقْتِنَاؤُهُ، وَفِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ، مِنْ غَيْرِ وَعِيدٍ فِي حَبْسِهِ، فَأُبِيحَ بَيْعُهُ كَالْبَغْلِ، وَمَا ذَكَرَاهُ يَبْطُلُ بِالْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ بَيْعِهِمَا، وَحُكْمُهَا حُكْمُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالنَّجَاسَةِ وَإِبَاحَةِ الِاقْتِنَاءِ، وَالِانْتِفَاعِ.
وَأَمَّا الْكَلْبُ فَإِنَّ الشَّرْعَ تَوَعَّدَ عَلَى اقْتِنَائِهِ وَحَرَّمَهُ، إلَّا فِي حَالِ الْحَاجَةِ، فَصَارَتْ إبَاحَتُهُ ثَابِتَةً، بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ؛ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وَلَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى خَرَجَ مِنْهُ مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ؛ لِمَعَانٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ فِي هَذَا، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ انظر المغني (4/193)