الثلاثاء، 13 ديسمبر 2016

عمرو العدوي أبو حبيبة عقيدة أهل السنة والجماعة الجزء الأول الإيمان بالله


الإيمان بالله عز وجل هو أساس الإيمان ، وهو أول واجب وأول أصل من أصول الإيمان 0
ومعنى الإيمان بالله هو إفرادُ الله بالخلق والتدبُّر، وإخلاصُ العبادة له، وترك عبادة ما سِواه، وإثبات ما لَهُ من الأسماء الحسنى، والصفات العُليَا، وتنزيهه عن النقص والعيب؛ فهو بهذا التعريف يَشمَلُ أنواعَ التوحيد الثلاثة انظر عقيدة التوحيد للفوزان (15)
وهذا التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : توحيد الربيوبية ؟
القسم الثاني : توحيد الإلهية ؟
القسم الثالث : توحيد الأسماء والصفات ؟
إن شاء الله نتناول هذه الأقسام الثلاثة بشيء من التفصيل 0 القسم الأول : توحيد الربوبية :
وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى في أمور ثلاثة: في الخلق والملك والتدبير"دليل ذلك قوله تعالى: [ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُون ]  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ غَيْرِ رَبٍّ، وَمَعْنَاهُ: أَخُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ خَلَقَهُمْ فَوُجِدُوا بِلَا خَالِقٍ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ، لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْخَلْقِ بالخالق من ضرورة الاسم، فلا بد له من خالق، فَإِنْ أَنْكَرُوا الْخَالِقَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوجَدُوا بِلَا خَالِقٍ، أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ، لِأَنْفُسِهِمْ، وَذَلِكَ فِي الْبُطْلَانِ أَشَدُّ، لِأَنَّ مَا لَا وُجُودَ لَهُ كَيْفَ يَخْلُقُ، فَإِذَا بَطَلَ الْوَجْهَانِ قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ لَهُمْ خَالِقًا فَلْيُؤْمِنُوا بِهِ، ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى أَبُو سُلَيْمَانَ الخطابي انظر تفسير البغوي (4/ 295) وقال تعالى : {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف، 54] ووجه الدلالة من الآية: أنه قدم فيها الخبر الذي من حقه التأخير، والقاعدة البلاغية: أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر. ثم تأمل افتتاح هذه الآية بـ (ألا) الدالة على التنبيه والتوكيد: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 4]، لا لغيره، فالخلق هذا هو، والأمر هو التدبير انظر العقيدة الواسطية للعثيمين (1/ 21)
أما الملك، فدليلة قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الجاثية: 27]، فإن هذا يدل على انفراده سبحانه وتعالى بالملك،
وأما دليل التدبير : فقوله تعالى (يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ) سورة السجدة (5)
إذاً، فالرب عز وجل منفرد بالخلق والملك والتدبير
قال ابن أبي العز رحمه الله في الطحاوية (1/ 30) وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ إِثْبَاتُهُ – أي : وحدانية الرب عز وجل -  بِدَلِيلِ التَّمَانُعِ، وَهُوَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ فَعِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا تَحْرِيكَ جِسْمٍ وَآخَرُ تَسْكِينَهُ، أَوْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا إِحْيَاءَهُ وَالْآخَرُ إِمَاتَتَهُ: فَإِمَّا أَنْ يَحْصُلَ مُرَادُهُمَا، أَوْ مُرَادُ أَحَدِهِمَا، أَوْ لَا يَحْصُلُ مُرَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَالْأَوَّلُ مُمْتَنَعٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَالثَّالِثُ مُمْتَنَعٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ خُلُوُّ الْجِسْمِ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَهُوَ مُمْتَنَعٌ، وَيَسْتَلْزِمُ أَيْضًا عَجْزَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْعَاجِزُ لَا يَكُونُ إِلَهًا، وَإِذَا حَصَلَ مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، كَانَ هَذَا هُوَ الْإِلَهَ الْقَادِرَ، وَالْآخَرُ عَاجِزًا لَا يَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ اهـ 
فإن قلت: كيف تجمع بين ما قررت وبين إثبات الخلق لغير الله، مثل قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في المصورين: " يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ " – رواه البخاري (3224) ومسلم (2107)  - , ومثال قوله تعالى في الحديث القدسي: " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي " – رواه البخاري (5953) ومسلم (2111) - ، فكيف تجمع بين قولك: أن الله منفرد بالخلق، وبين هذه النصوص؟!فالجواب أن يقال: إن الخلق هو الإيجاد، وهذا خاص بالله تعالى، أما تحويل الشيء من صورة إلى أخرى، فإنه ليس بخلق حقيقة، وإن سمي خلقاً باعتبار التكوين، لكنه في الواقع ليس بخلق تام، فمثلا: هذا النجار صنع من الخشب باباً، فيقال: خلق باباً, لكن مادة هذه الصناعة الذي خلقها هو الله عز وجل، لا يستطيع الناس كلهم مهما بلغوا في القدرة أن يخلقوا عود أراك أبداً، ولا أن يخلقوا ذرة ولا أن يخلقوا ذباباًواستمع إلى قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73].{الَّذِينَ}: اسم موصول يشمل كل ما يدعى من دون الله من شجر وحجر وبشر وملك وغيره، كل الذين يدعون من دون الله {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: 73]، ولو انفرد كل واحد بذلك، لكان عجزه من باب أولى، {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج: 73]، حتى الذين يدعون من دون الله لو سلبهم الذباب شيئاً، ما استطاعوا أن يستنقذوه من هذا الذباب الضعيف، ولو وقع الذباب على أقوى ملك في الأرض، ومص من طيبه، لا يستطيع هذا الملك أن يستخرج الطيب من هذا الذباب، وكذلك لو وقع على طعامه، فإذاً الله عز وجل هو الخالق وحده فإن قلت: كيف تجمع بين قولك: إن الله منفرد بالملك وبين إثبات الملك للمخلوقين، مثل قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور: 61] {إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 61]؟ فالجواب: أن الجمع بينهما من وجهين:الأول: أن ملك الإنسان للشيء ليس عاماً شاملاً، لأنني أملك ما تحت يدي، ولا أملك ما تحت يدك والكل ملك لله عز وجل، فمن حيث الشمول: مُلكُ الله عز وجل أشمل وأوسع، وهو ملك تام.
الثاني: أن ملكي لهذا الشيء ليس ملكاً حقيقياً أتصرف فيه كما أشاء، وإنما أتصرف فيه كما أمر الشرع، وكما أذن المالك الحقيقي، وهو الله عز وجل، ولو بعت درهماً بدرهمين، لم أملك ذلك، ولا يحل لي ذلك، فإذا ملكي قاصر, وأيضاً لا أملك فيه شيئاً من الناحية القدرية، لأن التصرف لله، فلا أستطيع أن أقول لعبدي المريض: ابرأ! فيبرأ، ولا أستطيع أن أقول لعبدي الصحيح الشحيح: امرض! فيمرض، لكن التصرف الحقيقي لله عز وجل، فلو قال له: ابرأ! برأ، ولو قال: امرض! مرض، فإذا لا أملك التصرف المطلق شرعاً وقدراً، فملكي هنا قاصر من حيث التصرف، وقاصر من حيث الشمول والعموم، وبذلك يتبين لنا كيف كان انفراد الله عز وجل بالملك
: وأما التدبير، فللإنسان تدبير، ولكن نقول: هذا التدبير قاصر، كالوجهين السابقين في الملك، ليس كل شيء أملك تدبير فيه, وإنما أملك تدبير ما كان تحت حيازتي وملكي, وكذلك لا أملك تدبيره إلا على وفق الشرع الذي أباح لي هذا التدبير وحينئذ يتبين أن قولنا: "إن الله عز وجل منفرد بالخلق والملك والتدبير": كلية عامة مطلقة، لا يستثنى منها شيء، لأن كل ما أوردناه لا يعارض ما ثبت لله عز وجل من ذلك انظر العقيدة الواسطية للعثيمين (1/21)
وقد فَطَرَ الله جميعَ الخلق على الإقرار بربوبيته؛ حتى إن المشركين الذين جعلوا له شريكًا في العبادة يُقِرُّون بتفرُّدِه بالربوبية، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 86- 89]
فهذا التوحيدُ لم يَذهب إلى نَقِيضِه طائفة معروفة من بني آدم؛ بل القلوب مَفطورة على الإقرار به؛ أعظمَ من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات؛ كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10] وأشهر من عُرِفَ تَجاهُلُه وتَظَاهُرُه بإنكار الرب فرعون، وقد كان مُستَيقِنًا به في الباطن كما قال له موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102] .
وقال عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] وكذلك من يُنكِرُ الربَّ اليومَ من الشُيُوعِيِّين؛ إنما يُنكِرُونه في الظاهر مُكابَرة؛ وإلا فهم في الباطن لا بد أن يَعتَرِفوا أنه ما من موجود إلا وله مُوجِد، وما من مخلوق إلا وله خالق وما من أثر إلا وله مُؤَثِّر، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 35- 36] .
تأَمَّلِ العالمَ كلَّه، عُلوِيَّه وسُفلِيَّه، بجميع أجزائِه؛ تَجِده شاهدًا بإثبات صانعه وفاطره ومَلِيكِه. فإنكار صانعِه وجَحدُه في العقول والفِطَرِ بمنزلة إنكار العلم وجحده، لا فرقَ بينهما وما تَتَبَجَّحُ به الشيوعية اليومَ من إنكار وجودِ الرب؛ إنما هو من باب المُكابَرةِ، ومصادرةِ نِتَاجِ العقول والأفكار الصحيحة، ومن كان بهذه المثابة فقد ألغى عقلَه ودعا الناس للسُّخرِية منه.
قال الشاعر: كيف يُعصَى الإلهُ ... ويَجحَدُه الجاحد
وفي كل شيء له آية ... تَدُلُّ على أنه واحد انظر عقيدة التوحيد (17)
القسم الثاني توحيد الألوهية:
وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة؛ بألا تكون عبداً لغير الله، لا تعبد ملكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا شيخاً ولا أُمَّاً ولا أباً، لا تعبد إلا الله وحده، فتفرد الله عز وجل وحده بالتأله والتعبد، ولهذا يسمى: توحيد الألوهية، ويسمى: توحيد العبادة، فباعتبار إضافته إلى الله هو توحيد ألوهية، وباعتبار إضافته إلى العابد هو توحيد عبادة.انظر شرح العقيدة الواسطية (24) قال تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}سورة ( النساء 36 ) وقال تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] وعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، رواه البخاري (2856) ومسلم (30)
 وهذا التوحيد هو أول دعوة الرسل قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]

في بيان معنى الشَّهادَتين وما وَقعَ فيهما من الخطأ
وشروطِهما ونواقضِهما ومعنى العبادة وأركانها 0
أولًا: معنى الشَّهادتين:
معنى شهادة أن لا إله إلا الله: الاعتقاد والإقرار أنه لا يَستحِقُّ العبادةَ إلا الله، والتزام ذلك والعمل به، (فلا إله) نفي لاستحقاق من سِوَى اللهِ للعبادة كائنًا من كان (إلا الله) إثباتٌ لاستِحقاق الله وحدَه للعبادة، - وعلى هذا تضمنت هذه الكلمة نفيا وإثباتا 0
فأما النفي ففي قوله : ( لا إله إلا الله ) تنفي بذلك جميع ما يعبد من دون الله 0
وأما الإثبات ففي قوله ( إلا الله ) تثبت بذلك الإلهية لله وحده - ومعنى هذه الكلمة إجمالًا: لا معبودَ بحقٍّ إلا الله. وخبرُ (لا) يَجِبُ تقديره: (بحقٍّ) ولا يَجوزُ تقديره بموجود؛ لأنّ هذا خلافُ الواقع، فالمعبوداتُ غيرُ الله موجودةٌ بكثرة؛ فيلزم منه أن عبادة هذه الأشياءِ عبادة لله، وهذا من أبطل الباطل، وهو مذهب أهل وَحدة الوجود الذين هم أكفر أهل الأرض. وقد فُسِّرَتْ هذه الكلمةُ بتفسيرات باطلة منها:
(أ) أن معناه: لا معبودَ إلا الله. وهذا باطلٌ؛ لأن معناه: أن كل معبود بحقّ أو باطل هو الله، كما سبق بيانه قريبًا.
(ب) أن معناها: لا خالقَ إلا الله. وهذا جزء من معنى هذه الكلمة؛ ولكن ليس هو المقصود؛ لأنه لا يُثبِتُ إلا توحيد الربوبية، وهو لا يكفي وهو توحيد المشركين (ج) أن معناها: لا حاكميّةَ إلا لله، وهذا أيضًا جزء من معناها، وليس هو المقصود؛ لأنه لا يكفي؛ لأنه لو أفرد الله بالحاكمية فقط ودعا غير الله أو صرف له شيئًا من العبادة لم يكن موحدًا، وكل هذه تفاسير باطلة أو ناقصة؛ وإنما نبهنا عليها لأنها توجد في بعض الكتب المتداولة.
والتفسيرُ الصحيح لهذه الكلمة عند السلف والمحققين: أن يُقالَ: (لا معبود بحق إلا الله) كما سبق.
2 - ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله: هو الاعتراف باطنًا وظاهرًا أنه عبد الله ورسوله إلى الناس كافة، والعمل بمقتضى ذلك من طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يُعبدَ الله إلا بما شرع انظر عقيدة التوحيد لابن فوزان (39)
ثانيا : شروط كلمة لا إله إلا الله :
لا ينتفع الإنسان بهذه الكلمة في الدنيا ، والفوز بالجنة في الآخرة إلا إذا تحقق عند قائلها سبعة شروط : تقسيم شروط لاإله إلا الله
أخذها العلماء من خلال التتبع والاستقراء لنصوص الكاتب والسنة فالعلماء رحمة الله عليهم تتبعوا و أستقرأوا ما جاء في القرآن الكريم وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خلال هذا التتبع والاستقراء توصلوا إلى هذه الشروط وهي  الْأَوَّلُ "الْعِلْمُ" بِمَعْنَاهَا الْمُرَادِ مِنْهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا الْمُنَافِي لِلْجَهْلِ بِذَلِكَ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [مُحَمَّدٍ: 19] وَقَالَ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} [الزُّخْرُفِ: 86] أَيْ: بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} بِقُلُوبِهِمْ مَعْنَى مَا نَطَقُوا بِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ" رواه مسلم (26).
 وَالثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ بِأَنْ يَكُونَ قَائِلُهَا مُسْتَيْقِنًا بِمَدْلُولِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ يَقِينًا جَازِمًا, فَإِنَّ الْإِيمَانَ لَا يُغْنِي فِيهِ إِلَّا عِلْمُ الْيَقِينِ لَا عِلْمُ الظَّنِّ, فَكَيْفَ إِذَا دَخَلَهُ الشَّكُّ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الْحُجُرَاتِ: 15] قال صاحب معارج القبول  فَاشْتَرَطَ فِي صِدْقِ إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ كَوْنَهُمْ لَمْ يَرْتَابُوا أَيْ: لَمْ يَشُكُّوا, فَأَمَّا الْمُرْتَابُ فَهُوَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ, وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ, الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْفِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التَّوْبَةِ: 45] وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ, لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ" رواه مسلم (27),
وَالثَّالِثُ "الْقَبُولُ"المنافي للاستكبار عنها قَالَ تَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصَّافَّاتِ: 22-36] فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِلَّةَ تَعْذِيبِهِمْ وَسَبَبَهُ هُوَ اسْتِكْبَارَهُمْ عَنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَتَكْذِيبَهُمْ مَنْ جَاءَ بِهَا, فَلَمْ يَنْفُوا مَا نَفَتْهُ وَلَمْ يُثْبِتُوا مَا أَثْبَتَتْهُ بَلْ قَالُوا إِنْكَارًا وَاسْتِكْبَارًا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ, وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ, مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 5-7] ، وقالوا ههنا: {أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَنْ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصَّافَّاتِ: 37] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. ثُمَّ قَالَ فِي شَأْنِ مَنْ قَبِلَهَا: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ, أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ, فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ, فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الصَّافَّاتِ: 41] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ.
الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُنَافِي لِتَرْكِ ذَلِكَ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لُقْمَانَ: 22] أَيْ: بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ {وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} وَمَعْنَى يُسْلِمُ وَجْهَهُ أَيْ: يَنْقَادُ وَهُوَ مُحْسِنٌ مُوَحِّدٌ, وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَلَمْ يَكُ مُحْسِنًا فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَهُوَالْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لُقْمَانَ: 23-24]
َ" الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ, وَهُوَ أَنْ يَقُولَهَا صِدْقًا من قلبه يواطئ قَلْبِهِ لِسَانَهُ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 1-3] إلى آخر الآيات. وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالُوهَا كَذِبًا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [الْبَقَرَةِ: 8-11] ، وَكَمْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَأْنِهِمْ وَأَبْدَى وَأَعَادَ وَكَشَفَ أَسْتَارَهُمْ وَهَتَكَهَا وَأَبْدَى فضائحهم في غيرما مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ كَالْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالْأَنْفَالِ وَالتَّوْبَةِ وَسُورَةٍ كَامِلَةٍ فِي شَأْنِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ. انظر معارج القبول  وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ رواه البخاري (128) ومسلم (22), فَاشْتَرَطَ فِي إِنْجَاءِ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنَ النَّارِ أَنْ يَقُولَهَا صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ, فَلَا يَنْفَعُهُ مُجَرَّدُ اللَّفْظِ بِدُونِ مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ,.
"وَ" السَّادِسُ "الْإِخْلَاصُ" وَهُوَ تَصْفِيَةُ الْعَمَلِ بِصَالِحِ النِّيَّةِ عَنْ جَمِيعِ شَوَائِبِ الشِّرْكِ, قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزُّمَرِ: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [النِّسَاءِ: 146] ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مَنْ قَلْبِهِ رواه البخاري (99)
"وَ" السَّابِعُ "الْمَحَبَّةُ" لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَلِمَا اقْتَضَتْهُ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ وَلِأَهْلِهَا الْعَامِلِينَ بِهَا الْمُلْتَزِمِينَ لِشُرُوطِهَا, وَبُغْضٍ مَا نَاقَضَ ذَلِكَ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 165] قال صاحب معارج القبول  فَأَخْبَرَنَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَشَدُّ حُبًّا لَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُشْرِكُوا مَعَهُ فِي مَحَبَّتِهِ أَحَدًا كَمَا فَعَلَ مُدَّعُو مَحَبَّتِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دونه أندادا يحبونهم كَحُبِّهِ, وَعَلَامَةُ حُبِّ الْعَبْدِ رَبَّهُ تَقْدِيمُ مُحَابِّهِ وَإِنْ خَالَفَتْ هَوَاهُ وَبُغْضُ مَا يُبْغِضُ رَبُّهُ وَإِنَّ مَالَ إِلَيْهِ هَوَاهُ, وَمُوَالَاةُ مَنْ وَالَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُ, وَاتِّبَاعُ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقْتِفَاءُ أَثَرِهِ وَقَبُولُ هُدَاهُ. وَكُلُّ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ شُرُوطٌ فِي الْمَحَبَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْمَحَبَّةِ مع عدم وجود شَرْطٍ مِنْهَا
ثالثا : نواقض الشهادتين:
هي نواقض الإسلام؛ لأن الشهادتين هنا هما اللتان يدخل المرء بالنطق بهما في الإسلام، والنطق بهما اعتراف بمدلولهما، والتزام بالقيام بما تقضيانه؛ من أداء شعائر الإسلام، فإذا أخل بهذا الالتزام فقد نقض التعهد الذي تعهد به حين نطق بالشهادتين. ونواقض الإسلام كثيرةٌ قد عقد لها الفقهاء في كتب الفقه بابًا خاصًّا سموه (باب الردة) ، وأهمها عشرة نواقض ذكرها شيخ الإسلام محمدُ بنُ عبد الوهاب رحمه الله في قوله:
1 - الشرك في عبادة الله، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48، 116] ، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72] ومنه الذبحُ لغيرِ الله؛ كالذبح للأضرحة أو الذبح للجن.
2 - من جعل بينَهُ وبينَ الله وسائط؛ يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم؛ فإنه يكفر إجماعًا.
3 - من لم يكفر المشركين، ومن يشكّ في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر.
4 - من اعتقد أن هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويفضلون حكم القوانين على حكم الإسلام.
5 - من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولو عمل به - كفر.
6 - من استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل على ذلك قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66] .
7 - السحرُ، ومنهُ الصرفُ والعطفُ (لعله يقصد عمل ما يصرفُ الرجلَ عن حب زوجته، أو عمل ما يحببها إليه) فمن فعله، أو رضي به كفرَ، والدليل قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] .
8 - مظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] .
9 - من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى - عليه السلام - فهو كافر. قلت: وكما يعتقده غلاة الصوفية أنهم يصلون إلى درجةٍ لا يحتاجون معها إلى متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
10 - الإعراض عن دين الله، لا يتعلمُهُ، ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف: 3] ، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22] .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: (لا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره. وكلها من أعظم ما يكون خطرًا، وأكثر ما يكون وقوعًا، فينبغي للمسلم أن يحذَرها، ويخاف منها على نفسه، نعوذُ بالله من موجبات غضبه، وأليم عقابه).
انظر عقيدة التوحيد (46) قلت : أما لو كان فعل ذلك جاهلا فيعذر بجهله انظر كتابي العذر بالجهل 0
رابعا : معنى العبادة وأركانها
(1) معنى العبادة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (10/149) الْعِبَادَةُ " هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ: مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ اهـ
(2) أركان العبادة
الأول: الإخلاص: بأن يقصد العبد وجه ربه والدار الآخرة، قال تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البينة: 5] وعن عُمَر بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» رواه البخاري (1) ومسلم (1907)  وترك الإخلاص يبطل العبادة
الثاني : متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يعبد الله إلا وفق ما شرعه الله، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم،.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) (أحدث) اخترع. (أمرنا هذا) ديننا هذا وهو الإسلام. (ما ليس فيه) مما لا يوجد في الكتاب أو السنة ولا يندرج تحت حكم فيهما أو يتعارض مع أحكامها وفي بعض النسخ (ما ليس منه). (رد) باطل ومردود لا يعتد به]
قَالَ الْفُضَيْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]  ، قَالَ: أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا، وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا، وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا، لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا وَصَوَابًا، قَالَ: وَالْخَالِصُ إِذَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّوَابُ إِذَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ.انظر تفسير البغوي (5/125)
-- ما الفرق بين الشرك والكفر؟
قال ابن باز في مجموع فتاوى (1/279) كل شرك يسمى كفرا، دعوة غير الله والاستغاثة بغير الله، وصرف العبادة لغير الله يسمى شركا، ويسمى كفرا، وقد يسمى كفرا،وشركا أيضا، كمن جحد وجوب الصلاة، أو قال: الزنى حلال، يسمى كافرا ويسمى مشركا، ولكن الغالب على ما كان جحدا لواجب، وجحدا لمحرم يسمى كفرا، والغالب ما كان دعوة لغير الله، والاستغاثة بغير الله، والنذر لغير الله، يسمى شركا، وإلا فكل شرك يسمى كفرا، وكل كفر أكبر يسمى شركا اهـ
--ما الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر ؟
الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر أن الشرك الأكبر لا يغفر لصاحبه إذا لم يتب قبل الموت ويحبط جميع الأعمال وإذا مات عليه الإنسان كان خالداً في النار أما الشرك الأصغرمن عظائم الذنوب وإذا مات عليه الإنسان فلا يكون خالداً في النار،لكنه لا يغفر لصاحبه إلا بالتوبة لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} وأنه يحبط العمل الذي قارنه ويدخل تحت الموازنة إن حصل معه حسنات راجحة على ذنوبه دخل الجنة وإلا دخل النار ومآله الخروج منها أعاذنا الله منها قال ابن عثيمين رحمه الله في لقاء الباب المفتوح (36/13) فالضابط أن ما أطلق عليه الشارع اسم الشرك، وهو لا يخرج من الملة فهو شرك أصغر، وما كان يخرج من الملة فهو شرك أكبر ويبقى علينا سؤال آخر: ما هو الذي يخرج من الملة؟ وما هو الذي لا يخرج؟ هذا يتوقف على النص الوارد، فمن جعل للمخلوق حقاً يختص به الخالق فهذا شرك أكبر، وما دون ذلك فهو شرك أصغر اهـ
-- التحذير من مظاهر الشرك
هذه العبادات التي يعبد الله بها الدعاء والاستعاذة ، والاستغاثة ، والذبح ، والنذر ، لله وحده وغير ذلك من أنواع العبادات وقد ابتلى كثير من العوام في الوقوع في بعض مظاهر الشرك التي يجب التحذير منها 0
من ذلك تعليق التميمة : عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ رواه أحمد (17422) رمز السيوطي لصحته، وقال المنذري: رواه أبو يعلى بإسناد جيد، وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات انظر التنوير (10/314) وصححه الألباني وقال الأرنؤوط إسناده قوي
 التميمة: خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطلها الإسلام كما في " النهاية " لابن الأثير.
قلت: ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو والفلاحين وبعض المدنيين
ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة وبعضهم يعلق نعلا في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها! وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار أو الدكان! كل ذلك لدفع العين زعموا، وغير ذلك مما عم وطم بسبب الجهل بالتوحيد، وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسل وأنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها والقضاء عليها، فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم، وبعدهم عن الدين ولم يقف الأمر ببعضهم عند مجرد المخالفة، بل تعداه إلى التقرب بها إلى الله تعالى انظر الصحيحة للألباني (1/890)
وقال العلامة الفوزان في عقيدة التوحيد (136) التمائم: وهي جمع تميمة، وهي: ما يعلق بأعناق الصبيان لدفع العين، وقد يعلق على الكبار من الرجال والنساء، وهو على نوعين: النوع الأول من التمائم: ما كان من القرآن؛ بأن يكتب آيات من القرآن، أو من أسماء الله وصفاته، ويعلقها للاستشفاء بها؛ فهذا النوع قد اختلف فيه العلماءُ في حكم تعليقه على قولين: القول الأول: الجوازُ، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو ظاهرُ ما رُوي عن عائشة، وبه قال أبو جعفر الباقر، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، وحملوا الحديث الوارد في المنع من تعليق التمائم على التمائم التي فيها شرك.
القول الثاني: المنع من ذلك،وهو قول ابن مسعود وابن عباس، وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر، وابن عكيم، وبه قال جماعة من التابعين منهم: أصحابُ ابن مسعود، وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه، وجزم بها المتأخرون، واحتجوا بما رواهُ ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك» والتولة: شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته.
وهذا هو الصحيح؛ لوجوه ثلاثة:
الأول: عموم النهي، ولا مخصص للعموم.
الثاني: سدّ الذريعة؛ فإنَّها تفضي إلى تعليق ما ليس مباحًا.
الثالث: أنه إذا علق شيئًا من القرآن، فقد يمتهنه المعلِّق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك.
النوع الثاني من التمائم التي تعلق على الأشخاص: ما كان من غير القرآن، كالخرز والعظام والودع والخيوط والنعال والمسامير، وأسماء الشياطين والجن والطلاسم، فهذا محرّم قطعًا، وهو من الشرك؛ لأنه تعلق على غير الله سبحانه وأسمائه وصفاته وآياته، وفي الحديث: مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ » - قلت عمرو : حديث حسن وحسنه الأرنؤوط – قال الفوزان : أي: وكّله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلَّقه، فمن تعلّق بالله، والتجأ إليه، وفوّض أمره إليه كفاه، وقرّب إليه كل بعيد، ويسّر له كلّ عسير. ومن تعلّق بغيره من المخلوقين والتمائم والأدوية والقبور وكله الله إلى ذلك الذي لا يغني عنه شيئًا، ولا يملك له ضرًّا ولا نفعًا، فخسر عقيدته وانقطعت صلته بربه وخذله الله.
والواجب على المسلم: المحافظة على عقيدته مما يُفسدها أو يُخلّ بها، فلا يتعاطى ما لا يجوز من الأدوية، ولا يذهب إلى المخرفين والمشعوذين ليتعالج عندهم من الأمراض؛ لأنهم يُمرضون قلبه وعقيدته، ومن توكّل على الله كفاه.
وبعض الناس يعلّق هذه الأشياء على نفسه، وهو ليس فيه مرض حسّي، وإنما فيه مرض وهمي، وهو الخوف من العين والحسد، أو يعلقها على سيارته أو دابّته أو باب بيته أو دكانه. وهذا كله من ضعف العقيدة، وضعف توكله على الله، وإنَّ ضعف العقيدة هو المرض الحقيقي الذي يَجبُ علاجه بمعرفة التوحيد والعقيدة الصحيحة اهـ
ومن ذلك التبرك بلأشجار والأحجار والأضرحة وغير ذلك ، وهذا مظهر من مظاهر الشرك التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رواه الترمذي (2180) وصححه الترمذي والألباني
(يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هِيَ اسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَأَنْوَاطُ جَمْعِ نَوْطٍ وَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْمَنُوطُ انظر تحفة الأحوذي (6/339)
فانظروا - رحمكم الله - أينما وجدتم  شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها ويرجون البرء والشفاء من قبلها وينوطون بها المسامير والخرق؛ فهي ذات أنواط؛ فاقطعوها.
ومنها الذبح لغير الله : قال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:163] عن علي بن أبي طالب حَدَّثَنِي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ » رواه مسلم (1978) قال النووي في شرح مسلم (13/141) وَأَمَّا لذبح لِغَيْرِ اللَّهِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَذْبَحَ بِاسْمِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ أَوِ الصليب أو لموسى أولعيسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فكل هذا حرام ولاتحل هَذِهِ الذَّبِيحَةُ سَوَاءٌ كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيمَ الْمَذْبُوحِ لَهُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادَةَ لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا فَإِنْ كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا وَذَكَرَ الشَّيْخُ ابراهيم المروزى من أصحابنا أن مايذبح عِنْدَ اسْتِقْبَالِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ أَفْتَى أَهْلُ بُخَارَةَ بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِّلَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا إِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ اسْتِبْشَارًا بِقُدُومِهِ فَهُوَ كَذَبْحِ الْعَقِيقَةِ لِوِلَادَةِ الْمَوْلُودِ ومثل هذا لايوجب التَّحْرِيمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
ومنها : الاستهزاء بشيء فيه ذكر الله:
يجب على المسلم احترام كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين، وأن يعرف حكم من استهزأ بذكر الله أو القرآن أو الرسول؛ ليكون المسلم على حذر من ذلك؛ فإن من استهزأ بذكر الله أو القرآن أو الرسول أو بشيء من السنة؛ فقد كفر بالله عز وجل لاستخفافه بالربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد، وكفر بإجماع أهل العلم.
قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ... }  سورة التوبة، الآيتان: 65 ـ 66.
وقد جاء بيان سبب نزول هاتين الآيتين الكريمتين؛ أنه ما حصل من المنافقين في بعض الغزوات من سخرية بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فقد روى ابن جرير – في تفسيره (11/ 543) - وغيره عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة "دخل حديث بعضهم في بعض"؛ "أنه قال : قَالَ رَجُلٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي مَجْلِسٍ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ أَرْغَبَ بُطُونًا وَلَا أَكْذَبَ أَلْسِنَةً وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ فِي الْمَجْلِسِ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ، لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ مُتَعَلِّقًا بِحَقَبِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَنْكُبُهُ الْحِجَارَةُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} »
ففي هاتين الآيتين الكريمتين مع بيان سبب نزولهما دليل واضح على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو آيات أو سنة رسوله أو بصحابة رسول الله؛ لأن من فعل ذلك؛ فهو مستخف بالربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد والعقيدة، ولو لم حقيقة الاستهزاء.
ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله، وعدم احترامهم، أو الوقيعة فيهم من أجل العلم الذي يحملونه، وكون ذلك كفرًا، لو لم يقصد حقيقة الاستهزاء؛ لأن هؤلاء الذين نزلت فيهم الآيات جاؤوا معترفين بما صدر منهم، ومعتذرين بقولهم: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} ؛ أي: لم نقصد الاستهزاء والتكذيب، وإنما قصدنا اللعب ضد الجد؛ فأخبرهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن عذرهم هذا لا يغني من الله شيئا، وأنهم كفروا بعد إيمانهم بهذه المقالة التي استهزؤوا بها، ولم يقبل اعتذارهم بأنهم لم يكونوا جادين في قولهم، وإنما قصدوا اللعب، ولم يزدصلى الله عليه وسلم في إجابتهم على تلاوة قول الله تعالى: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ؛ لأن هذا لا يدخله المزاح واللعب، وإنما الواجب أن تحترم هذه الأشياء وتعظم، وليخشع عند آيات الله إيمانا بالله ورسوله وتعظيما لآياته، والخائض اللاعب متنقص لها 00ومثل هذا الاستهزاء بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كالذي يستهزئ بإعفاء اللحى وقص الشوارب، أو يستهزئ بالسواك ... أو غير ذلك، وكالاستهزاء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
00 قال ابن تيميه - رحمه الله في مجموع الفتاوى (7/220) فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّا تَكَلَّمْنَا بِالْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ لَهُ بَلْ كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ وَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِآيَاتِ اللَّهِ كُفْرٌ وَلَا يَكُونُ هَذَا إلَّا مِمَّنْ شَرَحَ صَدْرَهُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَلَوْ كَانَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ. وَالْقُرْآنُ يُبَيِّنُ أَنَّ إيمَانَ الْقَلْبِ يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ الظَّاهِرَ بِحَسَبِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} {وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ} إلَى قَوْلِهِ: {إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فَنَفَى الْإِيمَانَ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا؛ فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ اهـ وبه يعلم كفر من يتنقصون الشريعة الإسلامية، ويصفونها بأنها لا تصلح لهذا الوقت الحاضر، وأن الحدود الشرعية فيها قسوة ووحشية، وأن الإسلام ظلم المرأة ... إلى غير ذلك من مقالات الكفر والإلحاد؛ نسأل الله العافية والسلامة انظر الإرشاد (95)
ومنها : النذر لغير الله : لأن النذر عبادة لا يجوز صرفها لغير الله عز وجل قال تعالى : {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ  رواه البخاري (6696) قال صنع الله الحلبي: ((والنذر لغير الله إشراك مع الله، كالذبح لغير الله) وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/504) إذَا كَانَ النَّذْرُ لِغَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ كَمَنْ يَحْلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَهَذَا شِرْكٌ. فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْه اهـ
ومنها : الاستسقاء بالنجوم والأنواء ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ رواه البخاري (846) ومسلم  (71) قال صاحب فتح المجيد (323) فإذا قال قائلهم: مطرنا بنجم كذا أو بنوء كذا. فلا يخلو إما أن يعتقد أن له تأثيرا في إنزال المطر، فهذا شرك وكفر. وهو الذي يعتقده أهل الجاهلية كاعتقادهم أن دعاء الميت والغائب يجلب لهم نفعا، أو يدفع عنهم ضرا. أو أنه يشفع بدعائهم إياه، فهذا هو الشرك الذي بعث الله رسوله صلي الله عليه وسلم بالنهي عنه وقتال من فعله. كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}. سورة الأنفال آية: 39 والفتنة الشرك، وإما أن يقول: مطرنا بنوء كذا مثلا، لكن مع اعتقاده أن المؤثر هو الله وحده. لكنه أجرى العادة بوجود المطر عند سقوط ذلك النجم، والصحيح: أنه يحرم نسبة ذلك إلى النجم ولو على طريق المجاز اهـ -
ومنها : التنجيم : وهو كما عرفه المحققين؛ بأنه الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية؛ كأوقات هبوب الرياح، ومجيء المطر، وظهور الحر والبرد، وتغير الأسعار، أو حدوث الأمراض أو الوفيات، أو السعود والنحوس، وهذا ما يسمى بعلم التأثير.
وهو على نوعين:
النوع الأول: أن يدعي المنجم أن الكواكب فاعلة مختارة، وأن الحوادث تجري بتأثيرها. وهذا كفر بإجماع المسلمين؛ لأنه اعتقاد أن هناك خالفا غير الله، وأن أحدًا يتصرف في ملكه بغير مشيئته وتقديره - سبحانه تعالى -.
النوع الثاني: الاستدلال بمسير الكواكب واجتماعها وافتراقها على حدوث الحوادث، وهذا لا شك في تحريمه؛ لأنه من ادعاء علم الغيب، وهومن السحر - أيضا؛ كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ» ، رواه أبو داود –( 3905)-، وإسناده صحيح، وصححه النووي والذهبي، - وحسنه الألباني - والسحر محرم بالكتاب والسنة والإجماع، والإخبار عن الحوادث عن الحوادث المستقبلية عن طريق الاستدلال بالنجوم من ادعاء علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه؛ فهو ادعاء لمشاركته - سبحانه - بعلمه الذي انفرد به، أو تصدق لمن ادعى ذلك، وهذا ينافي التوحيد؛ لما فيه من هذه الدعوى الباطلة.
قال الخطابي: "علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان "أوقات هبوب الرياح ومجيء المطر وتغير الأسعار" وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها؛ يدعون أن لها تأثيرًا في السفليات، وهذا منهم تحكم على الغيب، وتعاط لعلم قد استأثر به الله، ولا يعلم الغيب سواه".
قال البخاري في "صحيحه (4/ 107)": قَالَ قَتَادَةُ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاَثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ... " انتهى.
وأخرج الخطيب عنه؛ قال: "وإن أناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة: من أعرس بنجم كذا وكذا؛ كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا؛ كان كذا وكذا، ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والطويل والقصير والحسن والذميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب، ولو أن أحدًا علن الغيب؛ لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وعلَّمه أسماء كل شيء ... ".انتهى. أقول: ومن الخرافات الباطلة ما يروجه الدجَّالون في بعض الصحف والمجلات من ذكر البخث والنحوس والسعود، ويعلقون ذلك بحسابات البروج والنجوم، ويصدق به بعض السذج.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن- رحمه الله - في "فتح المجيد": "فإن قيل: المنجم قد يصدق. قيل: صدقه كصدق الكاهن؛ يصدق في كلمة ويكذب في مئة، وصدقه عن علم، بل قد يوافق قدرًا، فيكون فتنة في حق من صدقه".
قال: "وقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإبطال علم التنجيم؛ كقول: "من اقتبس شعبة من النجوم؛ فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد"، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وعن رجاء بن حيوة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مما أخاف على أمتي: التصديق بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وحيف الأئمة"، رواه ابن حميد".
وأما الاستدلال بالنجوم لمعرفة الاتجاه في الأسفار في البر البحر؛ فهذا لا بأس به، وهو من نعمة الله - عز وجل؛ حيث يقول - سبحانه -: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} سورة الأنعام، الآية 97؛ أي: لتعرفوا بها جهة قصدكم، وليس المراد أنه يهتدي بها في علم الغيب كما يعتقده المنجمون.
قال الخطابي: "وأما ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة؛ فإنها كواكب رصدها أهل الخبرة من الأئمة، الذين لا نشك في عنايتهم بأمر الدين، ومعرفتهم بها، وصدقهم فيما أخبروا به عنها؛ مثل أن يشاهدها بحضرة الكعبة، ويشاهدها على حال الغيبة عنها؛ فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة، وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم؛ إذ كانوا عندنا غير متهمين في دينهم، ولا مقصرين في معرفتهم".
وقال ابن رجب: "والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير؛ فإنه - أي: علم التأثير - باطل محرم قليله وكثيره، وأما علم التسيير؛ فيتعلم ما يحتاج إليه من الاهتداء ومعرفة القبلة والطرق، وهو جائز عند الجمهور ... " انتهى.
وكذلك تعلم منازل الشمس والقمر للاستدلال على القبلة وأوقات الصلوات والفصول ومعرفة الزوال.
قال الخطابي: "أما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والخبر الذي يعرف به الزوال وتعلم به جهة القبلة؛ فإنه غير داخل فيما نهي عنه، وذلك أن معرفة رصد الظل ليس شيئا أكثر من أن الظل ما دام متناقصا؛ فالشمس بعدُ صاعدة نحو وسط السماء من الأفق الشرقي، وإذا أخذ في الزيادة فالشمس هابطة من وسط السماء نحو الأفق الغربي، وهذا علم يصلح إدراكه بالمشاهدة؛ إلا أن أهل هذه الصناعة قد دبروها بما اتخذوه من الآلات التي يستغني الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته ... " انتهى.
وروى ابن المنذر عن مجاهد أنه كان لا يرى بأسا أن يتعلم الرجل منازل القمر.
وبعد؛ فإن عقيدة المسلم هي أعز شيء عنده؛ لأن بها نجاته وسعادته؛ فيجب عليه أن يحرص على تجنب ما يسيء إليها أو يمسها من الشركيات والخرافات والبدع؛ لتبقى صافية مضيئة، وذلك بالتزام الكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح، ولا يتم ذلك إلا بتعلم هذه العقيدة، ومعرفة ما يضادها من العقائد المنحرفة، لا سيما وأنه قد كثر اليوم في صفوف المسلمين من يحترف التدجيل والشعوذة والتعلق بالقبور والأضرحة لطلب الحاجات وتفريج الكربات؛ كما كان عليه المشركون الأولون أو أشد، إضافة إلى اتخاذ السادة وأصحاب
الطرق الصوفية أربابا من دون الله؛ يشرعون لأتباعهم من الدين ما لم يأذن به الله؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله انظر الإرشاد (106)
- ومنها : إتيان الكهان أو تصديقهم بما يقولون  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ رواه أحمد (9536) وصححه الألباني وحسنه الأرنؤوط قال صاحب عون المعبود (10/283) (مَنْ أَتَى كَاهِنًا) فِي اللِّسَانِ الْكَاهِنُ الَّذِي يَتَعَاطَى الْخَبَرَ عَنِ الْكَائِنَاتِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ كَشِقٍّ وَسَطِيحٍ وَغَيْرِهِمَا فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ تَابِعًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعِهَا مِنْ كَلَامِ مَنْ يَسْأَلُهُ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ حَالِهِ وَهَذَا يَخُصُّونَهُ بِاسْمِ الْعَرَّافِ كَالَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانِ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَكَانَتِ الْكِهَانَةُ فِي الْعَرَبِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بُعِثَ نَبِيًّا وَحُرِسَتِ السَّمَاءُ بِالشُّهُبِ وَمُنِعَتِ الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَإِلْقَائِهِ إِلَى الْكَهَنَةِ بَطَلَ عِلْمُ الْكِهَانَةِ وَأَزْهَقَ اللَّهُ أَبَاطِيلَ الْكِهَانَةِ بِالْفُرْقَانِ الذي فرق الله عزوجل بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَأَطْلَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ عِلْمِ الْغُيُوبِ الَّتِي عَجَزَ الْكَهَنَةُ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِهِ فَلَا كِهَانَةَ الْيَوْمَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَمَنِّهِ وَإِغْنَائِهِ بِالتَّنْزِيلِ عَنْهَاقال بن الْأَثِيرِ وَقَوْلُهُ مَنْ أَتَى كَاهِنًا يَشْتَمِلُ عَلَى إِتْيَانِ الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ وَالْمُنَجِّمِ اهـ
 وعَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» رواه مسلم (2230) قال النووي (14/227) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ مَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَأَمَّا عَدَمُ قَبُولِ صلاته فمعناه أنه لاثواب لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ الفرض عنه ولايحتاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَةٍ وَنَظِيرُ هَذِهِ الصَّلَاةُ فِي الأرض المغصوبة مجزئة مسقطة للقضاء ولكن لاثواب فِيهَا كَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا قَالُوا فَصَلَاةُ الْفَرْضِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ إِذَا أُتِيَ بِهَا على وجهها الكامل ترتب عليها شيئان سقوط الفرض عَنْهُ وَحُصُولُ الثَّوَابِ فَإِذَا أَدَّاهَا فِي أَرْضٍ مغصوبة حصل الأول دون الثانى ولابدمن هَذَا التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ متفقون على أنه لايلزم مَنْ أَتَى الْعَرَّافَ إِعَادَةُ صَلَوَاتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
 وقال العلامة الفوزان في الإرشاد (101) الكهانة:وهي ادعاء علم الغيب؛ كالإخبار بما سيقع في الأرض، مع الاستناد إلى سبب، هو استراق السمع، يسترق الجني الكلمة من كلام الملائكة، فيلقيها في أذن الكاهن، فيكذب معها مئة كذبة، فيصدقه الناس بسبب تلك الكلمة والله هو المتفرد بعلم الغيب؛ فمن ادعى مشاركته في شيء من ذلك بكهانة أو غيرها، أو صدَّق من يدَّعي ذلك؛ فقد جعل لله شريكا فيما هو من خصائصه، وهو مكذب لله ولرسوله. وكثير من الكهانة المتعلقة بالشياطين لا تخلو من الشرك والتقرب إلى الوسائط التي يستعين بها على دعوى العلوم الغيبية فالكهانة شرك من جهة دعوى مشاركة الله في علمه الذي اختص به، ومن جهة التقرب إلى غير الله.
وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "من أتى عرافا، فسأله عن شيء، فصدقه بما يقول؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوما".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "من أتى كاهنا، فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"، رواه أبو داود.
ومما يجب التنبيه عليه والتحذير منه أمر السحرة والكهان والمشعوذين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون؛ فبعضهم يظهر للناس بمظهر الطبيب الذي يداوي المرض، وهو في الحقيقة مفسد للعقائد؛ بحيث يأمر المريض أن يذبح لغير الله، أو يكتب له الطلاسم الشركية والتعاويذ الشيطانية، والبعض الآخر منهم يظهر بمظهر المخبر عن المغيبات وأماكن الأشياء المفقودة؛ بحيث يأتيه الجهال يسألونه عن الأشياء الضائعة، فيخبرهم عن أماكن وجودها، أو يحضرها لهم بواسطة الشياطين، والبعض الآخر منهم يظهر بمظهر الولي الذي له خوارق وكرامات؛ كدخول النار، وضرب نفسه بالسلاح، ومسك الحيات ... وغير ذلك، وهو في الحقيقة دجال مشعوذ وولي للشيطان ... وكل هذه الأصناف تريد الاحتيال والنصب لأكل أموال الناس وإفساد عقائدهم؛ فيجب على المسلمين أن يحذروهم ويبتعدوا عنهم، ويجب على ولاة الأمور استتابة هؤلاء، فإن تابوا وإلا قتلوا؛ لإراحة المسلمين من شرهم وفسادهم، وتنفيذًا لحكم الله فيهم؛ ففي "صحيح البخاري" عن بجالة بن عبدة؛ قال: "كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة"، وعن جندب مرفوعا: "حد الساحر ضربه بالسيف"، رواه الترمذي – ضعيف- اهـ
--ومنها الاستعانة ، والاستغاثة بغير الله عز وجل ؟
حكم الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق:
الاستعانة: طلب العون والمؤازرة في الأمر.
والاستغاثة: طلب الغوث، وهو إزالة الشدة.
فالاستغاثة والاستعانة بالمخلوق على نوعين:
النوع الأول: الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه، وهذا جائز، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] .
وقال تعالى في قصة موسى عليه السلام: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15] .
وكما يستغيث الرجل بأصحابه في الحرب وغيرها، مما يقدر عليه المخلوق.
النوع الثاني: الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، كالاستغاثة والاستعانة بالأموات، والاستغاثة بالأحياء، والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء المرضى، وتفريج الكُرُبات ودفع
الضر، فهذا النوع غير جائز، وهو شرك أكبر، وقد كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - منافق يؤذي المؤمنين، فقالَ بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا المنافق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، إِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ » وكره - صلى الله عليه وسلم - أن يُستعمل هذا اللفظ في حقّه، وإن كان مما يقدر عليه في حياته؛ حمايةً لجناب التوحيد وسدًّا لذرائع الشرك، وأدبًا وتواضعًا لربه، وتحذيرًا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال؛ فإذا كان هذا فيما يقدر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته، فكيف يُستغاثُ به بعد مماته، ويُطلبُ منه أمور لا يقدر عليها إلا الله وإذا كان هذا لا يجوز في حقّه - صلى الله عليه وسلم - فغيره من باب أولى انظر عقيدة التوحيد (145)
ومن الشرك الأصغر الحلف بغير الله : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَا وَالكَعْبَةِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» رواه الترمذي (1535) وصححه الألباني  
قال ابن عثيمين رحمه الله في مجموع الفتاوى (2/ 203):
n        ((فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك". فالحالف بغير الله الذي لا يعتقد أن لغير الله - تعالى - من العظمة ما يماثل عظمة الله فهو مشرك شركاً أصغر اهـ فالحلف بغير الله شرك أصغر، فإن اعتقد أن المحلوف به له من العظمة ما لله فهو شرك أكبر مخرج من الملة 0
 فإن زلق لسانه فحلف بغير الله فكفارة ذلك أن يقول : لا إله إلا الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ رواه البخاري (4860) ومسلم (1647)
ومن الشرك الأصغر قول القائل : ما شاء الله وشئت ونحو ذلك  عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَشَاءَ فُلَانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ» رواه أبو داود (4980) وصححه الألباني قال صاحب فتح المجيد (1/415) وذلك لأن المعطوف بالواو يكون مساويا للمعطوف عليه 00بخلاف المعطوف بثم؛ فإن المعطوف بها يكون متراخيا عن المعطوف عليه بمهملة، فلا محذور لكونه صار تابعا اهـ وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا قَالَ: الأَنْدَادُ هُوَ الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى صَفَاةٍ سَوْدَاءَ، فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ، وَحَيَاتِكَ يَا فُلانَةُ، وَحَيَاتِي. وَيَقُولُ: لَوْلا كَلْبُهُ هَذَا لأَتَانَا اللُّصُوصُ، وَلَوْلا الْبَطُّ فِي الدَّارِ لأَتَى اللُّصُوصُ. وَقَوْلُ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ: لَوْلا اللَّهُ وَفُلَانٌ. لَا تَجْعَلْ فِيهَا فلان، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ بِهِ شِرْكٌ رواه ابن أبي حاتم في التفسير (1/62) فقد بين ابن عباس - رضي الله عنهما - أن هذه الأشياء من الشرك، والمراد به الشرك الأصغر، والآية عامة تشمل الشرك الأكبر والشرك الأصغر؛ فابن عباس - رضي الله عنهما- نبه بهذه الأشياء بالأدنى "وهو الشرك الأصغر"على الأعلى"وهو الشرك الأكبر"، ولأن هذه الألفاظ تجري على ألسنة كثير من الناس؛ إما جهلاً، أو تساهلاً انظر الإرشاد (118)
ومن الشرك الاصغر : الرياء 0 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ رواه مسلم (2985)
قال ابن القيم في مدارج السالكين (1/352) فَصْلٌ وَأَمَّا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ فَكَيَسِيرِ الرِّيَاءِ، وَالتَّصَنُّعِ لِلْخَلْقِ، وَالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» وَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَهَذَا مِنَ اللَّهِ وَمِنْكَ، وَإِنَّا بِاللَّهِ وَبِكَ، وَمَا لِي إِلَّا اللَّهُ وَأَنْتَ، وَأَنَا مُتَوَكِّلٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَيْكَ، وَلَوْلَا أَنْتَ لَمْ يَكُنْ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا شِرْكًا أَكْبَرَ، بِحَسَبِ قَائِلِهِ وَمَقْصِدِهِ، وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَمَا شِئْتَ: أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ قُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ» وَهَذَا اللَّفْظُ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ اهـ
-- حكم العمل إذا دخله رياء :
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/79)
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ لِغَيْرِ اللَّهِ أَقْسَامٌ: فَتَارَةً يَكُونُ رِيَاءً مَحْضًا، بِحَيْثُ لَا يُرَادُ بِهِ سِوَى مُرَاءَاتِ الْمَخْلُوقِينَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، كَحَالِ الْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاتِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142] (النِّسَاءِ: 142)00. وَهَذَا الرِّيَاءُ الْمَحْضُ لَا يَكَادُ يَصْدُرُ مِنْ مُؤْمِنٍ فِي فَرْضِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَقَدْ يَصْدُرُ فِي الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الْحَجِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، أَوِ الَّتِي يَتَعَدَّى نَفْعُهَا، فَإِنَّ الْإِخْلَاصَ فِيهَا عَزِيزٌ، وَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّهُ حَابِطٌ وَأَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَحِقُّ الْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ وَالْعُقُوبَةَ. وَتَارَةً يَكُونُ الْعَمَلُ لِلَّهِ، وَيُشَارِكُهُ الرِّيَاءُ، فَإِنْ شَارَكَهُ مِنْ أَصْلِهِ فَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَحُبُوطِهِ أَيْضًا. وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشَرِيكَهُ» 00 فَإِنْ خَالَطَ نِيَّةَ الْجِهَادِ مَثَلًا نِيَّةٌ غَيْرُ الرِّيَاءِ، مِثْلُ أَخْذِهِ أُجْرَةً لِلْخِدْمَةِ، أَوْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ، أَوِ التِّجَارَةَ، نَقَصَ بِذَلِكَ أَجْرُ جِهَادِهِمْ، وَلَمْ يُبْطَلْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْغُزَاةَ إِذَا غَنِمُوا غَنِيمَةً، تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَغْنَمُوا شَيْئًا، تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» 00وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَصْلُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الرِّيَاءِ، فَإِنْ كَانَ خَاطِرًا
وَدَفَعَهُ، فَلَا يَضُرُّهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنِ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ، فَهَلْ يُحْبَطُ بِهِ عَمَلُهُ أَمْ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَيُجَازَى عَلَى أَصْلِ نِيَّتِهِ؟ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ قَدْ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَرَجَّحَا أَنَّ عَمَلَهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُجَازَى بِنِيَّتِهِ الْأُولَى وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ
-- بيان السحر والرقى والتعاويذ
أولا : السحر :
اعلم أن مذهب أهل السنة والجماعة إثبات السحر ، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الأخرى ، فقد أورده الله تعالى في كتابه ، وأمرنا بالاستعاذة منه ، وبين أنه مما يتعلم ، وأنه يفرق بين المرء وزوجه ما حكم الساحر ؟
قلت : تنازع العلماء في ذلك ؟
ذهب الشافعية : إلى أن الساحر لا يكفر إلا إذا اعتقد إباحة السحر أو اعتقد مثل ما يعتقده أهل بابل من التقرب للكواكب السبعة.
وذهب أبوحنيفة ، ومالك ، وأحمد أنه يكفر وهو الراجح والدليل :
قال تعالى : {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولكنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ] [البقرة 102]قال ابن حجر في فتح الباري (10/225) وَهَذَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي إِيرَادِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى اخْتِيَارِ الْحُكْمِ بِكُفْرِ السَّاحِرِ لِقَوْلِهِ فِيهَا وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ وَلَا يُكْفَرُ بِتَعْلِيمِ الشَّيْءِ إِلَّا وَذَلِكَ الشَّيْءُ كُفْرٌ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكَيْنِ إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ فَيَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ كُفْرًا اهـ
قال العلامة الفوزان في عقيدة التوحيد (100)
فالسحرُ عبارةٌ عما خفي ولَطُفَ سببُهُ
سُمِّي سِحْرا؛ لأنه يحصل بأمور خفية، لا تدرك بالأبصار، وهو عزائم ورقى، وكلام يتكلم به، وأدوية وتدخينات، وله حقيقة. ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيُمرض ويقتُل ويفرق بين المرء وزوجه، وتأثيره بإذن الله الكوني القَدَريّ، وهو عمل شيطاني، وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الأرواح الخبيثة بما تحب، والتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها؛ ولهذا قرنهُ الشارع بالشرك، حيث يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ ... » الحديث – رواه البخاري (2766) ومسلم (89) - فهو داخل في الشرك من ناحيتين: الناحية الأولى: ما فيه من استخدام الشياطين، والتعلق بهم والتقرب إليهم بما يحبونه؛ ليقوموا بخدمة الساحر، فالسِّحرُ من تعليم الشياطين، قال تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] الثانية: ما فيه من دعوى علم الغيب، ودعوى مشاركة الله في ذلك، وهذا كفر وضلال، قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102] ، أي: نصيبٌ وإذا كان كذلك فلا شكَّ أنه كفر وشرك يناقض العقيدة، ويجبُ قتل متعاطيه، كما قتله جماعة من أكابر الصحابة - رضي الله عنهم - وقد تساهل الناس في شأن الساحر والسِّحر، ورُبما عدوا ذلك فنًّا من الفنون التي يفتخرون بها، ويمنحون أصحابها الجوائز والتشجيع، ويُقيمون النوادي والحفلات والمسابقات للسحرة، ويحضرها آلاف المتفرجين والمشجعين، أو يسمونه بالسيرك، وهذا من الجهل بالدين والتهاون بشأن العقيدة، وتمكين للعابثين اهـ
-- ما حد الساحر :عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رواه الترمذي (1460) قلت : حديث ضعيف ضعفه الألباني قال صاحب فتح المجيد (286) وبهذا الحديث أخذ مالك وأحمد وأبو حنيفة فقالوا: يقتل الساحر. وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب،00وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز. ولم ير الشافعي القتل عليه بمجرد السحر إلا إن عمل في سحره ما يبلغ الكفر. وبه قال ابن المنذر، وهو رواية عن أحمد. والأول أولى للحديث ولأثر عمر، وعمل به الناس في خلافته من غير نكير اهـ
قلت : الصحيح يقتل لما ثبت عن عمر بن الخطاب أنه قال: أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ – رواه أحمد (3043) وصححه الألباني قلت : ولكن ان تاب تقبل توبته  – قال صاحب فتح المجيد (286) وظاهره – أي اثر عمر - أنه يقتل من غير استتابة. وهو كذلك على المشهور عن أحمد، وبه قال مالك؛ لأن علم السحر لا يزول بالتوبة. وعن أحمد يستتاب; فإن تاب قبلت توبته. وبه قال الشافعي؛ لأن ذنبه لا يزيد عن الشرك، والمشرك يستتاب وتقبل توبته، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم اهـ
-- هل تجوز النَّشْرَة ؟
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّشْرَةِ فَقَالَ: «هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ رواه أبو داود (3868) وصححه الألباني
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (4/301) وَالنَّشْرَةُ: حَلُّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ، وَهِيَ نَوْعَانِ: حَلُّ سِحْرٍ بِسِحْرٍ مِثْلَهُ، وَهُوَ الَّذِي مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّ السَّحَرَ مِنْ عَمَلٍ فَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِ النَّاشِرُ وَالْمُنْتَشِرُ بِمَا يُحِبُّ، فَيُبْطِلُ عَمَلَهُ عَنْ الْمَسْحُورِ، وَالثَّانِي: النَّشْرَةُ بِالرُّقْيَةِ وَالتَّعَوُّذَاتِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْأَدْوِيَةِ الْمُبَاحَةِ، فَهَذَا جَائِزٌ، بَلْ مُسْتَحَبٌّ، وَعَلَى النَّوْعِ الْمَذْمُومِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْحَسَنِ " لَا يَحِلُّ السِّحْرَ إلَّا سَاحِرٌ اهـ
ثانيا : الرقى والتعاويذ :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» قَالَتْ: قُلْتُ: لِمَ تَقُولُ هَذَا؟ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِينِي فَإِذَا رَقَانِي سَكَنَتْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا ذَاكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْخُسُهَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَقَاهَا كَفَّ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا رواه أبو داود (3883) وصححه الألباني قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَمَّا الرُّقَى فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ مَا كَانَ مِنْهَا بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ فَلَا يدرى ما هو ولعله قد يدخله سحرا أو كفرا وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَفْهُومَ الْمَعْنَى وَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُتَبَرَّكٌ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَالتَّمَائِمَ) - ذكر معناها - (وَالتِّوَلَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُقَالُ إِنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ السِّحْرِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَهُوَ الَّذِي يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إِلَى زوجها انظر عون المعبود (10/262) قلت : الرقية بالقرآن والتعاويذ النبوية جائزة فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» قال النووي في شرح مسلم (14/168) وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الأخرى يارسول اللَّهِ إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى – رواه مسلم - فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عنه بأجوبة أحدها كان نهى أولاثم نَسَخَ ذَلِكَ وَأَذِنَ فِيهَا وَفَعَلَهَا وَاسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَى الْإِذْنِ وَالثَّانِي أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الرُّقَى الْمَجْهُولَةِ كَمَا سَبَقَ وَالثَّالِثُ أَنَّ النَّهْيَ لِقَوْمٍ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مَنْفَعَتَهَا وَتَأْثِيرَهَا بِطَبْعِهَا كَمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ أَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ – رواه الترمذي (2057) وصححه الألباني - فَقَالَ الْعُلَمَاءُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَصْرَ الرُّقْيَةِ الْجَائِزَةِ فِيهِمَا وَمَنْعَهَا فِيمَا عداهما وانما المراد لارقية أَحَقُّ وَأَوْلَى مَنْ رُقْيَةِ الْعَيْنِ وَالْحُمَّةِ لِشِدَّةِ الضَّرَرِ فِيهِمَا اهـ قلت : معنى العين أي الحسد ، والحمة : ذوات السموم كالحية والعقرب
وقال العلامة الفوزان في عقيدة التوحيد (135)الرقى: جمع رُقية، وهي: العُوذَةُ التي يُرقى بها صاحبُ الآفة كالحمَّى والصَّرع، وغير ذلك من الآفات، ويُسمونها العزائم، وهي على نوعين:
النوع الأول: ما كان خاليًا من الشِّرك، بأن يُقرأ على المريض شيء من القرآن، أو يُعَوَّذ بأسماء الله وصفاته؛ فهذا مُباح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رَقى وأمر بالرُّقية وأجازها، فعن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» - رواه مسلم (2200) - قال السيوطي: وقد أجمعَ العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله، أو بأسماء الله وصفاته، وأن تكون باللسان العربي، وما يُعرفُ معناه، وأن يُعتقَدَ أن الرقية لا تؤثر بذاتها؛ بل بتقدير الله تعالى وكيفيتها: أن يُقرأ وينفثَ على المريض، أو يقرأ في ماءٍ ويُسقاهُ المريض، كما جاء في حديث  ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ» ثُمَّ أَخَذَ تُرَابًا مِنْ بَطْحَانَ فَجَعَلَهُ فِي قَدَحٍ ثُمَّ نَفَثَ عَلَيْهِ بِمَاءٍ وَصَبَّهُ عَلَيْهِ » - رواه أبو داود (3885) وضعفه الألباني - النوع الثاني: ما لم يخلُ من الشّرك: وهي الرقى التي يُستعانُ فيها بغير الله، من دعاء غير الله والاستغاثة والاستعاذة به، كالرقى بأسماء الجن، أو بأسماء الملائكة والأنبياء والصالحين؛ فهذا دعاء لغير الله، وهُوَ شركٌ أكبر. أو يكون بغير اللسان العربي، أو بما لا يُعرف معناه؛ لأنه يُخشى أن يدخلها كفر أو شرك ولا يُعلمُ عنه؛ فهذا النوع من الرقية ممنوع اهـ
حكم التوسل؟
التّوسّل: هو التقرب إلى الشيء والتوصل إليه، والوسيلة: القربة، قال الله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35] أي القربة إليه سبحانه بطاعته، واتباع مرضاته انظر عقيدة التوحيد (141)
والتوسل ينقسم إلى قسمين ؛ الأول : مشروع والثاني : غير مشروع التوسل المشروع هو:
1 - التوسل بأسماء الله وصفاته قال تعالى : {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 180 الْأَعْرَاف 86
2 - التوسل بالأعمال الصالحة : كتوسل الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم فرج الله عنهم كما عند البخاري (2272) ومسلم (2743)
3 - التوسل بدعاء الحي الصالح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا»، قَالَ: فَيُسْقَوْن رواه البخاري (1010)
4- التوسل إلى الله تعالى بتوحيده، كما توسل يونس عليه السلام: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ} [الأنبياء: 87]
5- التّوسُّلُ إلى الله تعالى بإظهار الضَّعف والحاجة والافتقار إلى الله، كما قال أيوب عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]
6- التّوسُّلُ إلى الله بالاعتراف بالذنب: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16] .
وأما التوسل بالأولياء والصالحين الأموات فهذا غير مشروع
قلت : أما حديث عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ البَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ: «إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قَالَ: فَادْعُهْ، قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ» رواه الترمذي (3578) وصححه الألباني قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي تُحْفَةِ الذَّاكِرِينَ (212) وَفِي الْحَدِيثِ دليل على جواز التوسل برسول الله إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَّهُ الْمُعْطِي الْمَانِعُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ انْتَهَى واجيب عن ذلك قال الألباني رحمه الله في صحيح الجامع" (1/ 275) وزاد أحمد وابن خزيمة: "وشفعني فيه"، وهي من الأدلة الكثيرة على أن التوسل والتوجه المذكور في الحديث إنما هو بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأن معناها: اقبل شفاعتي، أي في دعائه. وكذلك قوله: فشفعه في أي اقبل شفاعته أي دعاءه في. وهذه الزيادة من الكنوز، من عرفها استطاع بها أن يطيح بشبهات المخالفين اهـ
وقال العلامة المباركفوري في تحفة الأحوذي (10/25) قُلْتُ الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ التَّوَسُّلَ بِالنَّبِيِّ فِي حَيَاتِهِ بِمَعْنَى التَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ جَائِزٌ وَكَذَا التَّوَسُّلُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ فِي حَيَاتِهِمْ بِمَعْنَى التَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِمْ وَشَفَاعَتِهِمْ أَيْضًا جائز وأما التوسل به بَعْدَ مَمَاتِهِ وَكَذَا التَّوَسُّلُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ فَلَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الإمام بن تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَتِهِ التَّوَسُّلُ وَالْوَسِيلَةُ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي تَحْقِيقِهِ وَأَجَادَ فِيهِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهَا وَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ جَعَلَ مِنَ المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ دَاعِيًا لَهُ وَلَا شَافِعًا فِيهِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عُمَرَ وَأَكَابِرَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَرَوْا هَذَا مَشْرُوعًا بَعْدَ مَمَاتِهِ كَمَا كَانَ يُشْرَعُ فِي حَيَاتِهِ بَلْ كَانُوا فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي حَيَاتِهِ يَتَوَسَّلُونَ بِهِ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يَتَوَسَّلُوا بِهِ بَلْ قَالَ عُمَرُ فِي دُعَائِهِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ الْمَشْهُورِ لَمَّا اشْتَدَّ بِهِمُ الْجَدْبُ حَتَّى حَلَفَ عُمَرُ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا حَتَّى يُخْصِبَ النَّاسُ ثُمَّ لَمَّا اسْتَسْقَى بِالنَّاسِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا أَجْدَبْنَا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ وَهَذَا دُعَاءٌ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مَعَ شُهْرَتِهِ وَهُوَ مِنْ أَظْهَرِ الْإِجْمَاعَاتِ الْإِقْرَارِيَّةِ وَدَعَا بِمِثْلِهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي خِلَافَتِهِ لَمَّا اسْتَسْقَى بِالنَّاسِ فَلَوْ كَانَ تَوَسُّلُهُمْ بِالنَّبِيِّ بَعْدَ مَمَاتِهِ كَتَوَسُّلِهِمْ فِي حَيَاتِهِ لَقَالُوا كَيْفَ نَتَوَسَّلُ بِمِثْلِ الْعَبَّاسِ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ وَنَحْوِهِمَا ونعدل عن التوسل بالنبي الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْخَلَائِقِ وَهُوَ أَفْضَلُ الْوَسَائِلِ وأعظمها عند اللَّهِ فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ فِي حَيَاتِهِ إِنَّمَا تَوَسَّلُوا بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ تَوَسَّلُوا بِدُعَاءِ غَيْرِهِ وَشَفَاعَةِ غَيْرِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَشْرُوعَ عِنْدَهُمُ التَّوَسُّلُ بِدُعَاءِ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ لَا بِذَاتِهِ وَحَدِيثُ الْأَعْمَى حُجَّةٌ لِعُمَرَ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ الْأَعْمَى أَنْ يَتَوَسَّلَ إلى الله بشفاعة النبي وَدُعَائِهِ لَا بِذَاتِهِ وَقَالَ لَهُ فِي الدُّعَاءِ قُلِ اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَتَوَسَّلَ بِذَاتِهِ لَا بِشَفَاعَتِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ بَلْ بِبَعْضِهِ وَتَرَكَ سَائِرَهُ الْمُتَضَمِّنَ لِلتَّوَسُّلِ بِشَفَاعَتِهِ كَانَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ الْمُوَافِقُ لسنة رسول الله
وَكَانَ الْمُخَالِفُ لِعُمَرَ مَحْجُوجًا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وكان الحديث الذي رواه عن النبي حُجَّةً عَلَيْهِ لَا لَهُ وَقَالَ فِيهَا فَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِذَاتِهِ فِي حُضُورِهِ أَوْ مَغِيبِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ مِثْلُ الْإِقْسَامِ بِذَاتِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوِ السُّؤَالِ بِنَفْسِ ذَوَاتِهِمْ لَا بِدُعَائِهِمْ فَلَيْسَ هَذَا مَشْرُوعًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ بِحَضْرَتِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَمَّا أَجْدَبُوا اسْتَسْقَوْا وَتَوَسَّلُوا أَوِ اسْتَشْفَعُوا بِمَنْ كَانَ حَيًّا كَالْعَبَّاسِ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ وَلَمْ يَتَوَسَّلُوا وَلَمْ يَسْتَشْفِعُوا وَلَمْ يستسقوا في هذه الحال بالنبي لَا عِنْدَ قَبْرِهِ وَلَا غَيْرِ قَبْرِهِ بَلْ عَدَلُوا إِلَى الْبَدَلِ كَالْعَبَّاسِ وَكَيَزِيدَ بَلْ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ فِي دُعَائِهِمْ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِيَنَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَجَعَلُوا هَذَا بَدَلًا عَنْ ذَاكَ لَمَّا تَعَذَّرَ أَنْ يَتَوَسَّلُوا بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَقَدْ كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَأْتُوا إِلَى قَبْرِهِ وَيَتَوَسَّلُوا هُنَاكَ وَيَقُولُوا فِي دُعَائِهِمْ بِالْجَاهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الْقَسَمَ بِمَخْلُوقٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوِ السُّؤَالَ بِهِ فَيَقُولُونَ نَسْأَلُكَ أَوْ نُقْسِمُ عَلَيْكَ بِنَبِيِّكَ أَوْ بِجَاهِ نَبِيِّكَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ انْتَهَى
قلت : والتوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بجاه غيره لا يجوز: والحديث الذي فيه: «إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم» قال الألباني في التوسل (115) هذا باطل لا أصل له في شيء من كتب الحديث البتة، وإنما يرويه بعض الجهال بالسنة كما نبَّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اهـ وما دامَ لا يصح فيه دليل، فهو لا يجوزُ؛ لأن العبادات لا تثبت إلا بدليل صريح
فصل
في حماية الشريعة لجناب التوحيد
اعتنت الشريعة بسد الذرائع ودفع وإبطال كل ما يوصل إلى الشرك وذلك بمنع وتحريم هذه الأمور الآتية :
فمن ذلك تحريم إقامة المساجد على القبور ، أو الصلاة عليها
ما حكم الصلاة في المقبرة؟
 قلت : القول الراجح لا تصح الصلاة في المقبرة لا تجوز إلا صلاة الجنازة والدليل : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ» - رواه أبو داود (492) وصححه الألباني وعن أبي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» - رواه مسلم (972) وستأتي أدلة اخرى
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2/237)
قوله: «ولا تصحُّ الصَّلاةُ في مَقْبَرة» ، نفيُ الصِّحَّة يقتضي الفساد؛ لأنَّ كلَّ عبادة إما أن تكون صحيحة، وإما أن تكون فاسدة، ولا واسطة بينهما، فهما نقيضان شرعاً، فإذا انتفت الصِّحَّة ثبت الفساد.
وقوله: «الصَّلاة» يعمُّ كلَّ ما يُسمَّى صلاة، سواءٌ كانت فريضةً أم نافلة، وسواء كانت الصلاة ذات ركوع وسجود أم لم تكن؛ لأنه قال: «الصلاة» وعليه فيشمل صلاة الجنازة فلا تصح في المقبرة. لكن قد دلَّت الأدلَّةُ على استثناء صلاة الجنازة، كما سنذكره إن شاء الله ، وعلى هذا؛ فالمراد بالصَّلاة ما سوى صلاة الجنازة.
وهل يجوز السُّجود المجرَّد كسجود التِّلاوة مثلاً؛ كما لو كان الإنسان يقرأ في المقبرة ومرَّ بآية سجدة؟ ينبني هذا على اختلاف العلماء في سجود التلاوة، فمنهم من قال: إنه صلاة. ومنهم من قال: إنَّه ليس بصلاة فالذين قالوا: ليس بصلاة يقولون: إنه يجوز أن يسجد الإنسان سجود التلاوة في المقبرة، والذين قالوا: إنه صلاة يقولون لا يجوز وهل المراد بالمقبرة هنا ما أُعِدَّ للقبر، وإن لم يدفن فيه أحد، أم ما دُفِنَ فيه أحد بالفعل؟ الجواب: المراد ما دُفِنَ فيه أحد، أمَّا لو كان هناك أرض اشتُريت؛ لتكون مقبرة، ولكن لم يُدْفَنْ فيها أحد، فإن الصَّلاة فيها تصحُّ، فإن دُفِنَ فيها أحد، فإن الصَّلاة لا تصحُّ فيها؛ لأنها كلّها تُسمَّى مقبرة والأصل صحَّة الصَّلاة في كلِّ الأراضي؛ لقول النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: «جُعِلت ليَ الأرضُ مسجداً وطَهُوراً»، ولهذا لا بُدَّ أن يُؤتى بدليل للأماكن التي لا تصحُّ فيها الصَّلاة فإذا قال قائل: ما الدَّليل على عدم صحَّة الصَّلاة في المقبرة؟.
قلنا: الدليل:
أولاً: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحَمَّام» ، وهذا استثناء، والاستثناء معيار العموم.
ثانياً: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» رواه البخاري (1390) ومسلم (529) والمساجد هنا قد تكون أعمَّ من البناء؛ لأنه قد يُراد به المكان الذي يُبنى، وقد يُراد به المكان الذي يُتَّخذ مسجداً وإنْ لم يُبْنَ؛ لأنَّ المساجد جمع مَسْجِد، والمسْجِد مكان السُّجود، فيكون هذا أعمَّ من البناء ثالثاً: تعليل؛ وهو أنَّ الصَّلاة في المقبرة قد تُتَّخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبُّه بمن يعبدُ القُبور، ولهذا لمَّا كان الكُفَّار يسجدون للشَّمس عند طلوعها وغروبها، نَهى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم عن الصَّلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتَّخَذَ ذريعة إلى أن تُعبد الشَّمس من دون الله، أو إلى أن يُتَشبَّه بالكُفَّار وأمَّا مَنْ علَّل ذلك بأن عِلَّة النَّهي عن الصلاة في المقبرة خشية أن تكون المقبرة نجسة، فهذا تعليل عليل، بل ميِّت لم تَحُلَّ فيه الرّوحُ.
قالوا: لأنها ربما تُنبش وفيها صديد من الأموات ينجِّسُ التُّراب
فيُجابُ عنه بما يلي:
أولاً: أنَّ نبش المقبرة الأصل عدمُه.
ثانياً: من يقول إنك ستُصلِّي على تُراب فيه صديد؟
ثالثاً: مَنْ يقول: إنَّ صديد ميتة الآدمي نجس؟
رابعاً: أنه لا فرق عند هؤلاء بين المقبرة القديمة؛ والمقبرة الحديثة التي يُعلم أنها لم تُنبش؛ فكلُّ هذه المقدمات لا يستطيعون الجواب عنها؛ فيبطُل التَّعليل بها.
فإن قال قائل: هل القبر الواحد يمنعُ صِحَّة الصَّلاة أو لا بُدَّ من ثلاثة فأكثر؟ فالجواب: أنَّ في ذلك خلافاً ، فمن العلماء مَنْ قال: إنَّ القبر الواحد والاثنين لا يمنعُ صحَّة الصَّلاة، ومنهم من قال: بل يمنعُ. والصَّحيح: أنه يمنع حتى القبر الواحد؛ لأنَّ المكان قُبِرَ فيه فصار الآن مقبرة بالفعل، والنَّاس لا يموتون جملة واحدة حتى يملؤوا هذا المكان، بل يموتون تِباعاً واحداً فواحداً.
فإن قال قائل: إذا جعلتم الحكمَ منوطاً بالاسم، فقولوا: إذا أُعِدَّتْ أرضٌ لأن تكون مقبرة فلا يُصلَّى فيها؟ فالجواب: أن هذه لم يتَحقَّق فيها الاسم، فهي مقبرة باعتبار ما سيكون؛ فتصحُّ الصَّلاة فيها؛ لكن التي دُفِنَ فيها ولو واحد أصبحت مقبرة بالفعل.
مسألة:
يُستثنى من ذلك صلاة الجنازة، فإن كانت الصلاة على القبر فلا شَكَّ في استثنائها؛ لأنه ثبت عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه فَقَدَ المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد، فسأل عنها، فقالوا: «إنَّها ماتت» ، وكانت قد ماتت بالليل، والصَّحابةُ رضي الله عنهم كرهوا أنْ يُخبروا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم بالليل فيخرُجَ، فقال لهم: هلاَّ آذنتموني» ، أي: أخبرتموني، ثم قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «دُلُّوني على قبرها» فدلُّوه على القبرِ، فقامَ وصَلَّى عليها عليه الصَّلاة والسَّلام لكن لو جِيءَ بالميت وصُلِّيَ عليه في المقبرة، قبل الدَّفن فما الحكم؟
فالجواب أن نقول: لدينا الآن عموم: «الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحمَّام»، والصَّلاة على الميِّت صلاة بلا شَكٍّ. ولهذا تُفتتح بالتكبير، وتُختتم بالتَّسليم، ويُشترط لها الطَّهارة والقراءة؛ فهي صلاة، فما الذي يُخرجُها من عموم قوله: «إلا المقبرة؟» ، لكن ربما يسوغ لنا أن نقيسها على الصَّلاة على القبر، وما دام أنه قد ثبت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى على القبر؛ فلا فرق بين أن يُصلَّى على جنازة مدفونة، أو على جنازة غير مدفونة؛ لأن العِلَّة واحدة، وهي أن هذا الميِّت الذي يُصلَّى عليه كان في المقبرة، وعَمَلُ الناس على هذا، أنه يُصلَّى على الميت، ولو قبل الدَّفن في المقبرة.
ورُبَّما يقال: إن الصَّلاة على الميت لا تدخل في ذلك أصلاً؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الأرض كلُّها مسجد» ، أي: مكان للصَّلاة ذات السُّجود، وصلاة الجنازة لا سُجود فيها اهـ
قال ابن حزم في المحلى (2/ 345) -وَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ- فِي مَقْبَرَةٍ - مَقْبَرَةَ مُسْلِمِينَ كَانَتْ أَوْ مَقْبَرَةَ كُفَّارٍ -، فَإِنْ نُبِشَتْ وَأُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَوْتَى جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا. وَلَا إلَى قَبْرٍ، وَلَا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَوْضِعَ قَبْرٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ عَطَنًا، أَوْ مَزْبَلَةً، أَوْ مَوْضِعًا فِيهِ شَيْءٌ أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ -: فَلْيَرْجِعْ وَلَا وَيُصَلِّي هُنَالِكَ جُمُعَةً، وَلَا جَمَاعَةَ، فَإِنْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ، بُرْهَانُ ذَلِكَ 00 وعَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَاهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ يُلْقِي عَلَى وَجْهِهِ طَرَفَ خَمِيصَةٍ لَهُ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، تَقُولُ عَائِشَةُ يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا» قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ بِذَلِكَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَمَّ بِالنَّهْيِ جَمِيعَ الْقُبُورِ، ثُمَّ أَكَّدَ بِذَمِّهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ تُوجِبُ مَا ذَكَرْنَاهُ حَرْفًا حَرْفًا، وَلَا يَسَعُ أَحَدًا تَرْكُهَا. وَبِهِ يَقُولُ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. رُوِّينَا عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ قَالَ: يَنْهَى أَنْ يُصَلَّى وَسَطَ الْقُبُورِ وَالْحَمَّامِ، وَالْحُشَّانِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تُصَلِّيَنَّ إلَى حُشٍّ، وَلَا فِي حَمَّامٍ، وَلَا فِي مَقْبَرَةٍ قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا ثَلَاثَ أَبْيَاتٍ قِبْلَةً: الْحُشُّ، وَالْحَمَّامُ، وَالْقَبْرُ وَعَنْ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا تُصَلِّ إلَى حَمَّامٍ، وَلَا إلَى حُشٍّ، وَلَا وَسَطَ مَقْبَرَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ صَلَّى فِي حَمَّامٍ أَعَادَ أَبَدًا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَآنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُصَلِّي إلَى قَبْرٍ فَنَهَانِي، وَقَالَ: الْقَبْرُ أَمَامَك. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَآنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ لِي: الْقَبْرَ لَا تُصَلِّ إلَيْهِ قَالَ ثَابِتٌ: فَكَانَ أَنَسٌ يَأْخُذُ بِيَدِي إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَتَنَحَّى عَنْ الْقُبُورِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: «لَا تُصَلُّوا إلَى قَبْرٍ، وَلَا عَلَى قَبْرٍ» وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَتَكْرَهُ أَنْ تُصَلِّيَ وَسَطَ الْقُبُورِ أَوْ إلَى قَبْرٍ قَالَ: نَعَمْ - كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ - لَا تُصَلِّ وَبَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ قَبْرٌ؛ فَإِنْ كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ سُتْرَةُ ذِرَاعٍ فَصَلِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسُئِلَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ الصَّلَاةِ وَسَطَ الْقُبُورِ فَقَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ فَلَعَنَهُمْ اللَّهُ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ وَسَطَ الْقُبُورِ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا إذَا خَرَجُوا فِي جِنَازَةٍ تَنَحَّوْا عَنْ الْقُبُورِ لِلصَّلَاةِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ أَوْ إلَى قَبْرٍ أَعَادَ أَبَدًا قَالَ عَلِيٌّ: فَهَؤُلَاءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ؛ وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ عَلِيٌّ: وَكَرِهَ الصَّلَاةَ إلَى الْقَبْرِ، وَفِي الْمَقْبَرَةِ، وَعَلَى الْقَبْرِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ الْمِسْكِينَةِ السَّوْدَاءِ» قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَجَبٌ نَاهِيك بِهِ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يُخَالِفُونَ هَذَا الْخَبَرَ فِيمَا جَاءَ فِيهِ، فَلَا يُجِيزُونَ أَنْ تُصَلَّى صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى مَنْ قَدْ دُفِنَ ثُمَّ يَسْتَبِيحُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ أَثَرٍ وَلَا إشَارَةٍ مُخَالَفَةَ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ حَقٌّ، فَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ حَيْثُ ذَكَرْنَا، إلَّا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى فِي الْمَقْبَرَةِ، وَعَلَى الْقَبْرِ الَّذِي قَدْ دُفِنَ فِيهِ صَاحِبُهُ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُحَرِّمُ مَا نَهَى عَنْهُ، وَنَعُدُّ مِنْ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ؛ فَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ حَقٌّ، وَفِعْلُهُ حَقٌّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَبَاطِلٌ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنْ يَرْجِعَ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا تَحِلُّ فِيهِ الصَّلَاةُ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ زِحَامًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ فَلَيْسَ قَادِرًا عَلَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَا عَلَى الصَّلَاةِ فِي غَيْرِهِ، فَلَهُ حُكْمُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ يَقُولُ: «إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَهَذَا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَجْتَنِبُ مَا قَدَرَ عَلَى اجْتِنَابِهِ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] اهـ
فائدة : عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ رواه أحمد (3844) وصححه الألباني
-- ومن ذلك النهي عن الذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ؟
عن ثَابِت بْن الضَّحَّاكِ، قَالَ: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟»، قَالُوا: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ رواه أبو داود (3313) وصححه الألباني (قوله أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ) : اسْمُ مَوْضِعٍ فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ دُونَ يَلَمْلَمَ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاء (1/ 498) [فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيدا وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد، والسائل لا يتخذ المكان عيدا، بل يذبح فيه فقط: فقد ظهر أن ذلك سد للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم، خشية أن يكون الذبح هناك سببا لإحياء أمر تلك البقعة، وذريعة إلى اتخاذها عيدا، مع أن ذلك العيد إنما كان يكون - والله أعلم - سوقا يتبايعون فيها، ويلعبون، كما قالت له الأنصار: " يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية " لم تكن أعياد الجاهلية عبادة لهم، ولهذا فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين كونها مكان وثن، وكونها مكان عيد] اهـ
-- الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم: لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في تعظيمه ومدحه، وغيره من باب أولى؛ لأن ذلك يؤدي إلى إشراك المخلوقين في حق الخالق - سبحانه تعالى -.
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في مدحه؛عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» رواه البخاري (3445)  والإطراء هو: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان  (2/226)
 ومن أسباب عبادة الأصنام: الغلو فى المخلوق، وإعطاؤه فوق منزلته، حتى جعل فيه حظ من الإلهية، وشبهوه بالله سبحانه، وهذا التشبيه الواقع فى الأمم، الذى أبطله الله سبحانه، وبعث رسله، وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله اهـ
-- ومن ذلك النهي عن التصاوير : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي البَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ رواه البخاري (6109) ومسلم (2107) قال النووي في شرح مسلم (14/91) مَنْ فَعَلَ الصُّورَةَ لِتُعْبَدَ وَهُوَ صَانِعُ الْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا كَافِرٌ وَهُوَ أَشَدُّ عَذَابًا وَقِيلَ هِيَ فِيمَنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ فَهَذَا كَافِرٌ لَهُ مِنْ أَشَدِّ الْعَذَابِ مَا لِلْكُفَّارِ وَيَزِيدُ عَذَابُهُ بِزِيَادَةِ قُبْحِ كُفْرِهِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْعِبَادَةَ وَلَا الْمُضَاهَاةَ فَهُوَ فَاسِقٌ صاحب ذنب كبير ولايكفر كَسَائِرِ الْمَعَاصِي اهـ قلت : هذا التصوير الي هو حرام هو التصوير باليد ولكن ما حكم التصوير الفوتوغرافي والفيديو قلت : تنازع العلماء المتاخرون في التصوير الفوتوغرافي والفيديو لكونهما نوعا جديدا لم يكن على عهد النبي صل الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ولا تكلم عليه السلف وإنما هو قضية جديدة ذهب إلى التحريم ابن باز والألباني وغيرهما وذهب إلي الإباحة ابن عثيمين وغيره 
قال ابن عثيمين في مجموع فتاوى (2/262) الصور الفوتوغرافية الذي نرى فيها؛ أن هذه الآلة التي تخرج الصورة فورًا، وليس للإنسان في الصورة أي عمل، نرى أن هذا ليس من باب التصوير، وإنما هو من باب نقل صورة صورها الله عز وجل بواسطة هذه الآلة، فهي انطباع لا فعل للعبد فيه من حيث التصوير، والأحاديث الواردة إنما هي في التصوير الذي يكون بفعل العبد ويضاهي به خلق الله، ويتبين لك ذلك جيدًا بما لو كتب لك شخص رسالة فصورتها في الآلة الفوتوغرافية، فإن هذه الصورة التي تخرج ليست هي من فعل الذي أدار الآلة وحركها، فإن هذا الذي حرك الآلة ربما يكون لا يعرف الكتابة أصلًا، والناس يعرفون أن هذا كتابة الأول، والثاني ليس له أي فعل فيها، ولكن إذا صور هذا التصوير الفوتوغرافي لغرض محرم، فإنه يكون حرامًا تحريم الوسائل اهـ وقال ابن عثيمين أيضا في الشرح الممتع (2/201) التَّصوير الثَّابت على الورق. وهذا إذا كان بآلة «فوتوغرافية» فورية، فلا يدخل في التَّصوير، ولا يستطيع الإنسان أن يقول: إن فاعله ملعونٌ؛ لأنه لم يُصَوِّرْ في الواقع، فإن التَّصوير مصدر «صَوَّرَ يُصوِّر» ، أي: جعل هذا الشيءَ على صورة معيَّنة، كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6] ، وقال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [التغابن: 3] . فالمادة تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصُّورة؛ لأن «فَعَّلَ» في اللغة العربية تقتضي هذا، ومعلوم أن نقل الصُّورة بالآلة ليس على هذا الوجه، وإذا كان ليس على هذا الوجه فلا نستطيع أن نُدخِلَه في اللَّعن، ونقول: إنَّ هذا الرَّجل ملعونٌ على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنه كما يجب علينا التورُّعُ في إدخال ما ظاهر اللفظ عدم دخوله فيه، يجب علينا أيضاً التورُّعُ في منع ما لا يتبيَّن لنا دخوله في اللفظ؛ لأن هذا إيجاب وهذا سلب، فكما نتورَّعُ في الإيجاب نتورَّع أيضاً في السَّلب، وكذلك كما يجب أن نتورَّعَ في السَّلب يجب أن نتورَّعَ في الإيجاب، فالمسألة ليست مجرد تحريم، ولكن سيترتَّبُ عليها العقوبة، فهل نشهد أن هذا معاقب باللَّعن وشدَّة الظُّلم، وما أشبه ذلك؟ لا نستطيع أن نجزَم إلا بشيء واضح؛ ولهذا يُفَرَّقُ بين رجلٍ أخذ الكتاب الذي خطته يدي، وألقاه في الآلة «الفوتوغرافية» وحرَّكَ الآلة فانسحبت الصُّورةُ، فيُقال: إنَّ هذا الذي خرج بهذا الورق رَسْمُ الأول، ويقال: هذا خَطُّه، ويشهد النَّاس عليه، وبين أن آتي بخطك أقلِّدُه بيدي، أرسم مثل حروفه وكلماته، فأنا الآن حاولت أن أقلِّدَك، وأن أكتبَ ما كتبْتَ، وأصوِّر كما صوَّرت. أما المسألة الأولى فليس منِّي فعلٌ إطلاقاً، ولهذا يمكن أن أصوِّر في الليل، ويمكن أن يصوِّر الإنسانُ وقد أغمض عينيه، ويمكن أن يُصوِّر الرَّجلُ الأعمى، فكيف نقول: إن هذ الرَّجل مصوِّر؟!.
فالذي أرى: أن هذا لا يدخل تحت اشتقاق المادة «صَوَّر» بتشديد الواو، فلا يستحقُّ اللعنة ولكن يبقى النَّظر: إذا أراد الإنسان أن يصوِّر هذا التصوير المباح، فإنه تجري فيه الأحكام الخمسة بحسب القصد، فإذا قصد به شيئاً محرَّماً فهو حرامٍ، وإن قصد به شيئاً واجباً كان واجباً، فقد يجب التَّصوير أحياناً، فإذا رأينا مثلاً إنساناً متلبِّساً بجريمة من الجرائم التي هي من حَقِّ العباد؛ كمحاولة أن يقتلَ، وما أشبه ذلك، ولم نتوصَّلْ إلى إثباتها إلا بالتَّصوير، كان التَّصويرُ حينئذ واجباً، خصوصاً في المسائل التي تضبط القضيَّة تماماً؛ لأنَّ الوسائل لها أحكام المقاصد، وإذا صَوَّرَ إنسانٌ صورةً ـ يحرم تمتُّعُه بالنَّظر إليها ـ من أجل التَّمتُّع بالنَّظر إليها فهذا حرام بلا شكٍّ، وكالصُّورة للذِّكرى؛ لأننا لا نقول: إنها غير صورة؛ بل هي صورة لا شَكَّ، فإذا اقتناها فقد جاء الوعيد فيمن كان عنده صورة أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، كما سيأتي إن شاء الله

--- ومن ذلك النهي عن اعتقاد العدوى والطيرة : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، رواه البخاري (5707) معلقا ومسلم (2220) وزاد أحمد (9722) فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَد صححه الألباني وزاد مسلم عن جابر مرفوعا (2222) وَلَا غُولَ
 (لا عدوى) مؤثرة بذاتها وطبعها وإنما التأثير بتقدير الله عز وجل والعدوى سراية المرض من المصاب إلى غيره. وقيل هو خبر بمعنى النهي أي لا يتسبب أحد بعدوى غيره. (لا طيرة) هو نهي عن التطير وهو التشاؤم. (هامة) هي الرأس واسم لطائر يطير بالليل كانوا يتشاءمون به. وقيل كانوا يزعمون أن روح القتيل إذا لم يؤخذ بثأره صارت طائرا يقول اسقوني اسقوني حتى يثأر له فيطير. (صفر) هو الشهر المعروف كانوا يتشاءمون بدخوله فنهى الإسلام عن ذلك. (المجذوم) المصاب بالجذام وهو مرض تتناثر فيه الأعضاء]
(ولا غول) فِي النِّهَايَةِ: أَنَّ الْغُولَ أَحَدُ الْغِيلَانِ وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الْغُولَ فِي الْفَلَاةِ تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ أَيْ: فَتَتَغَوَّلُ تَغَوُّلًا أَيْ تَتَلَوَّنُ فِي صُوَرٍ شَتَّى، وَتَغُولُهُمْ أَيْ تُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ وَتُهْلِكُهُمْ، فَنَفَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ قَوْلُهُ: " لَا غُولَ " لَيْسَ نَفْيًا لِعَيْنِ الْغُولِ وَوُجُودِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ إِبْطَالُ زَعْمِ الْعَرَبِ فِي تَلَوُّنِهِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاغْتِيَالِهِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: لَا غُولَ أَنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَضِلَّ أَحَدًا اهـ
قوله {فر} أمر،قَالَ عِيَاضٌ اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي الْمَجْذُومِ فَجَاءَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مَعَ مَجْذُومٍ وَقَالَ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ – قلت عمرو : رواه أبو داود (3925) وهو حديث حسن وصححه الحاكم والذهبي وحسنه ابن حجر والمناوي- قَالَ – أي عياض - فَذَهَبَ عُمَرُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى الْأَكْلِ مَعَهُ وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَنْ لَا نَسْخَ بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَحَمْلُ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَارُ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالْأَكْلُ مَعَهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ انظر فتح الباري (10/159) وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِيرَادِ الْمُمْرِضِ عَلَى الْمُصِحِّ – رواه مسلم (2221) - مَخَافَةَ الْوُقُوعِ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ اعْتِقَادِ الْعَدْوَى أَوْ مَخَافَةَ تَشْوِيشِ النُّفُوسِ وَتَأْثِيرِ الْأَوْهَامِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْجُذَامَ لَا يُعْدِي لَكِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا نُفْرَةً وَكَرَاهِيَةً لِمُخَالَطَتِهِ حَتَّى لَوْ أَكْرَهَ إِنْسَانٌ نَفْسَهُ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهُ وَعَلَى مُجَالَسَتِهِ لَتَأَذَّتْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى لِلْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ إِلَى مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى مُجَاهَدَةٍ فَيَجْتَنِبُ طُرُقَ الْأَوْهَامِ وَيُبَاعِدُ أَسْبَابَ الْآلَامِ مَعَ أَنَّهُ يعْتَقد أَن لَا يُنَجِّي حَذَرٌ مِنْ قَدْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَم انظر فتح الباري (10/162) قال العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (2/660) : واعلم أنه لا تعارض بين هذين الحديثين وبين أحاديث " لا عدوى ... " المتقدمة
برقم (781 - 789) لأن المقصود بهما إثبات العدوى وأنها تنتقل بإذن الله
تعالى من المريض إلى السليم والمراد بتلك الأحاديث نفي العدوى التي كان أهل
الجاهلية يعتقدونها، وهي انتقالها بنفسها دون النظر إلى مشيئة الله في ذلك
كما يرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: " فمن أعدى الأول؟ ".
فقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم نظر الأعرابي بهذا القول الكريم إلى المسبب
الأول ألا وهو الله عز وجل ولم ينكر عليه قوله " ما بال الإبل تكون في الرمل
كأنها الظباء فيخالطها الأجرب فيجربها "، بل إنه صلى الله عليه وسلم أقره على
هذا الذي كان يشاهده، وإنما أنكر عليه وقوفه عند هذا الظاهر فقط بقوله له:
" فمن أعدى الأول؟ ".
وجملة القول: أن الحديثين يثبتان العدوى وهي ثابتة تجربة ومشاهدة.
والأحاديث الأخرى لا تنفيها وإنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله تعالى
الخالق لها. وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن الأطباء الأوربيين في أشد الغفلة
عنه تعالى لشركهم وضلالهم وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهلية، فلهولاء
يقال: " فمن أعدى الأول؟ " فأما المؤمن الغافل عن الأخذ بالأسباب، فهو يذكر
بها، ويقال له كما في حديث الترجمة " لا يورد الممرض على المصح " أخذا
بالأسباب التي خلقها الله تعالى، وكما في بعض الأحاديث المتقدمة: " وفر من
المجذوم فرارك من الأسد ". هذا هو الذي يظهر لي من الجمع بين هذه الأخبار وقد
قيل غير ذلك مما هو مذكور في " الفتح " وغيره. والله أعلم اهـ
-- ما حكم من حكم بغير ما أنزل الله قلت : هذا فيه تفصيل، فمن حكم بغير ما أنزل الله إذا استحله ورأى أنه حلال فإنه يكفر، أما إذا لم يستحله فذلك فسق ومعصية ، قال ـ تعالى ـ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} في هذه الآية الكريمة أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر. وهذا الكفر تارة يكون كفرا أكبر ينقل عن الملة إذا استحله ورأى أنه حلال وتارة يكون كفرا أصغر لا يخرج من الملة، إذا لم يستحله فنسأل الله سبحانه أن يوفق حكام المسلمين جميعاً للحكم بشريعته والتحاكم إليها وإلزام شعوبهم بها، والحذر مما يخالف ذلك. إنه جواد كريم فأذكر كلام مختصرا من أقوال العلماء ومن أراد الزياده فليرجع إلى كتابي ما حكم بغير ما أنزل الله 0
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}
قال الْقُرْطُبِيّ : وَهَذَا يَخْتَلِفُ إِنْ حَكَمَ بِمَا عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ تَبْدِيلٌ لَهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ هَوًى وَمَعْصِيَةً فَهُوَ ذَنْبٌ تُدْرِكُهُ الْمَغْفِرَةُ عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْغُفْرَانِ لِلْمُذْنِبِينَ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَمَذْهَبُ الْخَوَارِجِ أَنَّ مَنِ ارْتَشَى، وَحَكَمَ بِحُكْمِ غَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَعَزَا هَذَا إِلَى الْحَسَنِ، وَالسُّدِّيِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَلَّا يَتَّبِعُوا الْهَوَى، وَأَلَّا يَخْشَوُا النَّاسَ وَيَخْشَوْهُ، وَأَلَّا يَشْتَرُوا بِآيَاتِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَاتِ أَنَّ آيَةَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، نَازِلَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ قَبْلَهَا مُخَاطِبًا لِمُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ: فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، فَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُتَبَادِرٌ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَعَلَيْهِ فَالْكُفْرُ إِمَّا كُفْرٌ دُونَ كَفْرٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ، أَوْ قَاصِدًا بِهِ جَحْدَ أَحْكَامِ اللَّهِ وَرَدِّهَا مَعَ الْعِلْمِ بِهَا.
أَمَّا مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ مُرْتَكِبٌ ذَنْبًا، فَاعِلٌ قَبِيحًا، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْهَوَى فَهُوَ مِنْ سَائِرِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ انظر أضواء البيان (1/ 407)
وقال الطبري في تفسيره (8/ 464) وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ: كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ , وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ , وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: عَنْ عَطَاءٍ , قَوْلُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] قَالَ: «كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ , وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ , وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٌ» عَنْ طَاوُسٍ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] قَالَ: «لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ»
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] قَالَ: «هِيَ بِهِ كُفْرٌ , وَلَيْسَ كُفْرًا بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 44] فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ بِهِ كُفْرٌ , وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبِكَذَا وَكَذَا – أي كفر أصغر -اهـ
وقال العلامه الألبانى رحمه الله فى " السلسله الصحيحه" 6/113
" روى بن جرير الطبرى بإسناد صحيح عن بن عباس( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال هى به كفر وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وفى رواية عنه فى هذه الآية : إنه ليس بالكفر الذى يذهبون إليه إنه ليس كفراً ينقل عن المله كفر دون كفر.
أخرجه الحاكم 2/313 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبى وحقهما أن يقولا على شرط الشيخين فإن إسناده كذلك ثم رأيت الحافظ بن كثير نقل فى تفسيره عن الحاكم أنه صحيح على شرط الشيخين .
وفى أخرى عنه من رواية على بن أبى طلحه عن بن عباس قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق. أخرجه بن جرير 12063،
قلت: وبن أبى طلحة لم يسمع من بن عباس لكنه جيد فى الشواهد.
ثم روى 12052 عن سعيد المكى عن طاووس قال: ليس بالكفر ينقل عن الملة وإسناده صحيح اهـ
وقال إسماعيل ابن سعيد,فى سؤلات ابن هانئ 2/192
سألت أحمد بن حنبل فى{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}قلتُ فما هذا الكفر؟ قال كفر لا يخرج من الملة"اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 312)
وَإِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ: إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَكُفْرٌ لَيْسَ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قَالُوا:كَفَرُوا كُفْرًا لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ وَقَدْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ اهـ
سئل ابن باز هَل يعْتَبر الْحُكَّام الَّذين يحكمون بِغَيْر مَا أنزل الله كفَّارًا وَإِذا قُلْنَا إِنَّهُم مُسلمُونَ فَمَاذَا نقُول عَن قَوْله تَعَالَى وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ الْجَواب الحكم بِغَيْر مَا أنزل الله أَقسَام تخْتَلف أحكامهم بِحَسب اعْتِقَادهم وأعمالهم فَمن حكم بِغَيْر مَا أنزل الله يرى أَن ذَلِك أحسن من شرع الله فَهُوَ كَافِر عِنْد جَمِيع الْمُسلمين وَهَكَذَا من يحكم القوانين الوضعية بَدَلا من شرع الله وَيرى أَن ذَلِك جَائِزا وَلَو قَالَ إِن تحكيم الشَّرِيعَة أفضل فَهُوَ كَافِر لكَونه اسْتحلَّ مَا حرم الله أما من حكم بِغَيْر مَا أنزل الله اتبَاعا للهوى أَو لرشوة أَو لعداوة بَينه وَبَين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ أَو لأسباب أُخْرَى وَهُوَ يعلم أَنه عَاص لله بذلك وَأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ تحكيم شرع الله فَهَذَا يعْتَبر من أهل الْمعاصِي والكبائر وَيعْتَبر قد أَتَى كفرا أَصْغَر وظلما أَصْغَر وفسقا أَصْغَر كَمَا جَاءَ هَذَا الْمَعْنى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَعَن طَاوُوس وَجَمَاعَة من السّلف الصَّالح وَهُوَ الْمَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم وَالله ولي التَّوْفِيق مَجْمُوع فتاوي سماحة الشَّيْخ ابْن باز 3416
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: وأما الذي قيل فيه: إنه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاده أنه عاص وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها. أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل. فهذا كفر ناقل عن الملة  فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (12 / 280)
وأختم بكلام لأبى محمد بن حزم فى الفِصَل في الملل والأهواء والنحل (3 / 130)قال :"فَإِن الله عز وَجل قَالَ {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} فَيلْزم الْمُعْتَزلَة أَن يصرحوا بِكفْر كل عَاص وظالم وفاسق لِأَن كل عَامل بالمعصية فَلم يحكم بِمَا أنزل الله"
 قلت:وإبن حزم وهو الظاهرى لم يأخذ بظاهر الآية لعلمه بالصارف

القسم الثالث : توحيد الأسماء والصفات ؟
هو الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأسماء الحسنى و الصفاتِ العُلى -؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/26) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُوصَفُ اللَّهُ إلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَجَاوَزُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ. وَمَذْهَبُ السَّلَفِ: أَنَّهُمْ يَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ اهـ
قال الامام ابن عبد البر في التمهيد (7/137): لَا نُسَمِّيهِ وَلَا نَصِفُهُ وَلَا نُطْلِقُ عَلَيْهِ إِلَّا مَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ مِنْ وَصْفِهِ لِنَفْسِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نَدْفَعُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ دَفْعٌ لِلْقُرْآنِ وقال (7/145وَمَا غَابَ عَنِ الْعُيُونِ فَلَا يَصِفُهُ ذَوُو الْعُقُولِ إِلَّا بِخَبَرٍ وَلَا خَبَرَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ إِلَّا مَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى تَشْبِيهٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ تَمْثِيلٍ أَوْ تَنْظِيرٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير:اهـ
قال الهراس في العقيدة الواسطية (66) وَقَوْلُهُ: ((مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ)) متعلِّقٌ بِالْإِيمَانِ قَبْلَهُ؛ يَعْنِي أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَالِي مِنْ كُلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي الْبَاطِلَةِ؛ إِثْبَاتًا بِلَا تَمْثِيلٍ، وَتَنْزِيهًا بِلَا تَعْطِيلٍ وَالتَّحْرِيفُ فِي الْأَصْلِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: حرفتُ الشَّيْءَ عَنْ وَجْهِهِ حَرْفًا، مِنْ بَابِ ضَرَبَ؛ إِذَا أَمَلْتَهُ وَغَيَّرْتَهُ، وَالتَّشْدِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَتَحْرِيفُ الْكَلَامِ: إِمَالَتُهُ عَنِ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ لَا يدلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ إِلَّا بِاحْتِمَالٍ مرجوحٍ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قرينةٍ تبيِّن أَنَّهُ الْمُرَادُ وَأَمَّا التَّعْطِيلُ؛ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَطَلِ، الَّذِي هُوَ الخلوُّ وَالْفَرَاغُ وَالتَّرْكُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَة} الحج: (45)  .
أَيْ: أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا، وَتَرَكُوا وِرْدها.
وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا نَفْيُ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَإِنْكَارُ قِيَامِهَا بِذَاتِهِ تَعَالَى  .
فَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّعْطِيلِ: أَنَّ التَّعْطِيلَ نفيٌ لِلْمَعْنَى الْحَقِّ الَّذِي دلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَأَمَّا التَّحْرِيفُ؛ فَهُوَ تَفْسِيرُ النُّصُوصِ بِالْمَعَانِي الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تدلُّ عَلَيْهَا.
وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ، فَإِنَّ التَّعْطِيلَ أعمُّ مُطْلَقًا مِنَ التَّحْرِيفِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ التَّحْرِيفُ؛ وُجِدَ التَّعْطِيلُ؛ دُونَ الْعَكْسِ، وَبِذَلِكَ يُوجَدَانِ مَعًا فِيمَنْ أَثْبَتَ الْمَعْنَى الْبَاطِلَ وَنَفَى الْمَعْنَى الْحَقَّ، وَيُوجَدُ التَّعْطِيلُ بِدُونِ التَّحْرِيفِ فِيمَنْ نَفَى الصِّفَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادِهَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعَيِّن لَهَا مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ مَا يُسَمُّونَهُ بِالتَّفْوِيضِ وَمِنَ الْخَطَأِ الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ السَّلف؛ كَمَا نَسَبَ ذَلِكَ إِلَيْهِمُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ السَّلَفَ لَمْ يَكُونُوا يفوِّضون فِي عِلْمِ الْمَعْنَى، ولا كانوا يقرؤون كَلَامًا لَا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ؛ بَلْ كَانُوا يَفْهَمُونَ مَعَانِيَ النُّصُوصِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيُثْبِتُونَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يفوِّضون فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ كُنْهِ الصِّفَاتِ أَوْ كيفيَّاتها ؛ كَمَا قَالَ مَالِكٌ حِينَ سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ اسْتِوَائِهِ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ:((الِاسْتِوَاءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ)) وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ)) ؛ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّكْيِيفَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ صِفَاتِهِ تَعَالَى عَلَى كَيْفِيَّةِ كَذَا، أَوْ يَسْأَلُ عَنْهَا بِكَيْفَ.
وَأَمَّا التَّمْثِيلُ؛ فَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّهَا مِثْلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: ((مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ)) أَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْكَيْفَ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ مَا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَنْفُونَ عِلْمَهُمْ بِالْكَيْفِ؛ إِذْ لَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ اهـ
وقال الفوزان في عقيدة التوحيد (63) منهج أهل السُّنَّةِ والجماعة من السلف الصالح وأتباعهم: إثباتُ أسماءِ الله وصفاته كما وردت في الكتاب والسنة، وينبني منهجهم على القواعد التالية:
1 - أنهم يُثبتون أسماء الله وصفاته كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، ولا يؤولونها عن ظاهرها، ولا يُحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعها.
2 - يَنفونَ عنها مشابهة صفات المخلوقين، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .
3- لا يتجاوزون ما ورد في الكتاب والسنة في إثبات أسماء الله وصفاته، فما أثبته الله ورسوله من ذلك أثبتوه، وما نفاهُ الله ورسولُه نفوه، وما سَكتَ عنه الله ورسوله سكَتُوا عنه.
4- يعتقدون أنَّ نصوصَ الأسماءِ والصفات من المحكم الذي يُفهم معناه ويُفسَّر، وليست من المتشابه؛ فلا يُفَوِّضون معناها، كما يَنسبُ ذلك إليهم مَن كَذَبَ عليهم، أو لم يعرف منهجهم من بعض المؤلفين والكتاب المعاصرين.
5- يُفوّضونَ كيفية الصفات إلى الله تعالى، ولا يبحثون عنها.
ثم قال رحمه الله (64) الذين يُنكرون الأسماءَ والصفاتِ ثلاثة أصناف:
1 - الجهمية: وهم أتباع الجهمِ بن صفوان، وهؤلاء يُنكرون الأسماء والصفات جميعًا.
2 - المعتزلة: وهم أتباعُ واصل بن عطاء؛ الذي اعتزل مجلس الحسن البصري، وهؤلاء يُثبتون الأسماءَ على أنها ألفاظ مُجرَّدة عن المعاني، وينفون الصفات كلها.
3 - الأشاعرة والماتريدية ومن تبعهم، وهؤلاء يثبتون الأسماءَ وبعضَ الصِّفات، وينفون بعضها، والشُّبهة التي بنوا عليها جميعًا مذاهبهم: هي الفرارُ من تشبيه الله بخلقه بزعمهم؛ لأن المخلوقين يُسَمَّون ببعضِ تلك الأسماء، ويوصفون بتلك الصفات، فيلزمُ من الاشتراك في لفظ الاسم والصفة ومعناهما: الاشتراك في حقيقتهما، وهذا يَلزمُ منه تشبيه المخلوق بالخالق في نظرهم، والتزموا حيال ذلك أحد أمرين:
أ - إما تأويلُ نصوص الأسماء والصفات عن ظاهرها، كتأويل الوجه بالذات، واليد بالنعمة.
ب - وإما تفويض معاني هذه النصوص إلى الله، فيقولون: الله أعلم بمراده منها؛ مع اعتقادهم أنها ليست على ظاهرها.
وأول من عُرفَ عنه إنكار الأسماء والصفات: بعضُ مشركي العرب، الذين أنزل الله فيهم قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد: 30] .
وسببُ نزول هذه الآية: أنَّ قريشًا لما سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الرحمن؛ أنكروا ذلك، فأنزل الله فيهم: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} . وذكر ابن جرير أن ذلك كان في صلح الحديبية؛ حين كتب الكاتبُ في قضية الصلح الذي جرى بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بسم الله الرحمن الرحيم" فقالت قريش: أما الرحمن فلا نَعرفهُ.
وروى ابنُ جرير أيضًا عن ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو ساجدًا يقول: " «يا رحمن يا رحيم» " فقال المشركون: هذا يَزعمُ أنه يدعو واحدًا، وهو يدعو مثنى. فأنزل الله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] .
وقال تعالى في سورة الفرقان: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان: 60] .
فهؤلاء المشركون هُم سلف الجهمية، والمعتزلة والأشاعرة، وكل من نفى عن الله ما أثبتَهُ لنفسه، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أسماء الله وصفاته. وبئسَ السلف لبئس الخلف.
والرد عليهم من وجوه:
الوجه الأول: أن الله سبحانه وتعالى أثبتَ لنفسه الأسماءَ والصفاتِ، وأثبتها له رسوله - صلى الله عليه وسلم - فنفيُها عن الله أو نفي بعضِها نفيٌ لما أثبته الله ورسوله، وهذا محادة لله ورسوله.
الوجه الثاني: أنه لا يلزم من وجود هذه الصفات في المخلوقين، أو من تسمِّي بعض المخلوقين بشيء من تلك الأسماء المشابهة بين الله وخلقه، فإن لله سبحانه أسماءً وصفات تخصه، وللمخلوقين أسماء وصفات تخصهم، فكما أن لله سبحانه وتعالى ذاتًا لا تشبه ذوات المخلوقين، فله أسماء وصفات لا تشبه أسماءَ المخلوقين وصفاتهم، والاشتراك في الاسم والمعنى العام لا يوجب الاشتراك في الحقيقة، فقد سمَّى الله نفسَهُ عليمًا، حليمًا، وسمَّى بعض عباده عليمًا، فقال: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] يعني إسحاق، وسمى آخر حليمًا، فقال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] يعني إسماعيل، وليسَ العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم، وسمَّى نفسه فقال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] وسمَّى بعض عباده سميعًا بصيرًا، فقال: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2] ،وليس السميعُ كالسَّميع ولا البصيرُ كالبصير.
وسمَّى نفسه بالرؤوف الرحيم فقال: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65] ، وسمَّى بعضَ عباده رؤوفًا رحيمًا، فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] ، وليس الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيمُ كالرَّحيم.
وكذلك وصف نفسَهُ بصفاتٍ، ووصَفَ عباده بنظير ذلك، مثل قوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] فوصف نفسَهُ بالعلم، ووصف عباده بالعلم، فقال: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] ، وقال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] ، وقال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [القصص: 80] ، ووصف نفسه بالقوة فقال: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] ، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] ، ووصف عبادهُ بالقوة فقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: 54] ، إلى غير ذلك.
ومعلومٌ أن أسماء الله وصفاته تخصه وتليق به، وأسماء المخلوقين تخصهم وتليق بهم، ولا يلزمُ من الاشتراك في الاسم والمعنى الاشتراك في الحقيقة؛ وذلك لعدم التماثل بين المُسَمَّيين والموصوفين، وهذا ظاهر، والحمد لله الوجه الثالث: أنَّ الذي ليس له صفات كمال لا يصلح أن يكون إلهًا؛ ولهذا قال إبراهيم لأبيه: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ} [مريم: 42] .
وقال تعالى في الرد على الذين عبدوا العجل: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [الأعراف: 148] .
الوجه الرابع: أنَّ إثباتَ الصفات كمالٌ، ونفيها نقص، فالذي ليس له صفات إما معدومٌ وإما ناقص، والله تعالى مُنزّه عن ذلك.
الوجه الخامس: أنَّ تأويلَ الصّفاتِ عن ظاهرها لا دليلَ عليه، فهو باطلٌ، وتفويض معناها يلزم منه أن الله خاطبنا في القرآن بما لا نفهم معناه، وأمرنا بتدبر القرآن كله، فكيفَ يأمرنا بتدبر ما لا يُفهم معناه؟
فتبين من هذا أنه لا بد من إثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله، مع نفي مشابهة المخلوقين، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .
فنفى عن نفسه مُماثلة الأشياء، وأثبت له السمع والبصر، فدل على أن إثبات الصفات لا يلزم منه التشبيه، وعلى وجوب إثبات الصفات مع نفي المشابهة، وهذا معنى قول أهل السنة والجماعة في النفي والإثبات في الأسماء والصفات: إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل اهـ
-- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» رواه البخاري (2736) ومسلم (2677)
قال النووي في شرح مسلم (17/ 5)وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِإِحْصَائِهَا فَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مَعْنَاهُ حَفِظَهَا وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ حَفِظَهَا وَقِيلَ أَحْصَاهَا عَدَّهَا) فِي الدُّعَاءِ بِهَا وَقِيلَ أَطَاقَهَا أَيْ أَحْسَنَ الْمُرَاعَاةَ لَهَا وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ وَصَدَّقَ بِمَعَانِيهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِهَا وَالطَّاعَةُ بِكُلِّ اسْمِهَا وَالْإِيمَانُ بِهَا لَا يَقْتَضِي عَمَلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ حِفْظُ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتُهُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ لَهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ اهـ وقال ابن القيم في بدائع الفوائد (1/ 164) في بيان مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا اهـ
قلت : وقد اشتهر بين الناس سرد الأسماء الحسنى الواردة في رواية الترمذي (3507) وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الغَفَّارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الفَتَّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخَافِضُ الرَّافِعُ المُعِزُّ المُذِلُّ السَّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشَّكُورُ العَلِيُّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشَّهِيدُ الحَقُّ الوَكِيلُ القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِئُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيُّ القَيُّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِيَ المُتَعَالِي البَرُّ التَّوَّابُ المُنْتَقِمُ العَفُوُّ الرَّءُوفُ مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، المُقْسِطُ الجَامِعُ الغَنِيُّ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُورُ» قلت : وذكر هذه الأسماء ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل هي مدرجه من الرواة 0
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (6/379)
وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ – قلت : أي رواية الترمذي ورواية ابن ماجه (3860) - لَيْسَتَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامِ بَعْضِ السَّلَف اهـ
قال الحافظ ابن حجر في "شرح المشكاة" فيما نقله عنه ابن علان في "الفتوحات الربانية" 3/221: اختلف الحفاظ في أن سرد الأسماء هل هو موقوف على الراوي أو مرفوع، ورجح الأول، وأن تعدادها مدرج من كلام الراوي.
وقال ابن كثير في "تفسيره" 3/ 465 وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ أَنَّ سَرْدَ الْأَسْمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُدْرَجٌ  فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ، أَيْ أَنَّهُمْ جَمَعُوهَا مِنَ الْقُرْآنِ. كما روي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَبِي زَيْدٍ اللُّغَوِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
 وقال البيهقي في " الأسماء والصفات " ص 8 ويحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة، وكذلك في حديث الوليد بن مسلم ولهذا الاحتمال ترك البخاري ومسلم إخراج حديث الوليد في الصحيح.وقال الداوودي. لم يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه عين الأسماء المذكورة في الحديث.وضعف هذا الحديث الألباني رحمه الله
قلت : وأسماء الله الثابتة في الكتاب والسنة هي 99 اسم وهي
الله ، 1- الأعلى ، 2- الأكرم، 3- الإله  ، 4- الأول، 5- والآخر،6- والظاهر، 7- والباطن ، 8- البر، 9- البصير ، 10- التَّوَّاب ، 11- الجبار ، 12- الحسيب، 13- الحفيظ، 14- الحق، 15- المبين، 16- الحكيم ، 17- الحليم ، 18- الحميد، 19- الحيُّ، 20-القيوم ، 21- الخالق ، 22- الخلاق ، 23- الرؤوف ، 24- الرحمن ، 25- الرحيم ، 26- الرقيب ، 27- القدوس ، 28-السَّلام ، 29-السميع ، 30- الشاكر ، 31- الشكور ، 32- الشهيد ، 33- الرزاق ، 34-الصمد، 35-المتين ، 36-العزيز ، 37- القَوِيّ ، 38- القدير 39-العظيم ، 40-المقِيت ، 41- الخبير ، 42- العَليمُ ، 43- العَلِيُّ ، 44-الغَنِيُّ ، 45- الفتاح ، 46- القادِر، 47- القاهر ، 48- القريب ، 49-القهار، 50- الكبير ، 51- الكريم ، 52- اللطيف ، 53- المؤمن ، 54- المتعال ، 55- المتكبِّرُ ،56- المجيبُ ، 57- المجيد ، 58-الباريء ، 59- المصور  60- المليك ، 61- المقتَدِرُ ، 62- الملكُ ، 63-المالِكُ ، 64- المولَى ، 65- المُهَيمنُ ، 66- النَّصيرُ ، 67- الواحد ، 68- الأحد ، 69- الوَارِثُ ، 70- الوَاسِعُ ، 71- الودود ، 72- الوكيل ، 73- الوَليُّ ، 74- الوهاب ، 75- العَفُو ، 76-الغَفُورُ ، 77- الغفار 78- المنان ، 79- المستعان ، 80- الديان ، 81-الجميل ، 82- الوتر ، 83- الحكم ، 84- الحيي ، 85-الستير ، 86- الرب 87- الرفيق ، 88- السبوح ، 89-السيد ، 90- الشافي ، 91- الطيب ، 92- الْمُسَعِّر ، 93- الْقَابِضُ ، 94- الْبَاسِطُ ، 95- الرَّازِقُ ، 96-المُقَدِّمُ ، 97-المُؤَخِّرُ : 98- المحسن : 99- الطبيب ُ
ألفت في أسماء الله مؤلفا مستقلا عنونت له أسماء الله الحسنى كما وردت في الكتاب والسنة الصحيحة  وشرحها  فإن شئت التوسع في الموضوع فارجع إليه ذكرت الأدلة على كل اسم مع شرح الاسم ومن أثبت هذا الاسم من العلماء
-     ينبغي للعبد أن يتوسل في دعائه إلى الله بأسمائه كما قال تعالى : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الأعراف (180) وعلى السائل أن يتخير في كل سؤال الأسماء المناسبة له كأن يقول مثلا في طلب المغفرة : اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ولا يقول إنك أنت الجبار المتكبر لأن ذلك لا يناسب مباشرة طلب الرحمة والمغفرة 0
- عدد أسمائه
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» رواه البخاري (2736 ) ومسلم (2677)
هذا الحديث يدل على أنّ لله - سبحانه - عدداً محدداً من الأسماء وقد نصّ على أنّها تسعة وتسعون.
ولكن يشكل على هذا ما ذهب إليه جمهور العلماء عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: " أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ رواه أحمد (4318) وصححه ابن حبان وابن تيمية وابن القيم والألباني انظر الصحيحة (199) والأرنؤوط
وجاء في ثناء الرسول على ربه سبحانه (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رواه مسلم (486) قال الاشقر. والإشكال في هذا الحديث أنّه يدلّ على أنّ من أسماء الله تعالى أسماء لم ينزلها في كتابه، بل اختص بها بعض عباده، أو اختص بها نفسه، فلم يعرّفها أحداً من خلقه، بينما حديث أبي هريرة يدلّ على أن أسماء الله التسعة والتسعين كلها منزلة معروفة بدلالة قوله (من أحصاها) ، فالإحصاء لها لا يمكن ما لم تكن منزلة معروفة معلومة، ومن هذا ينتج أنّ ما استأثر الله بعلمه أو اختص به بعض خلقه غير التسعة والتسعين.
والحق الذي ينبغي أن يصار إليه أنّ عدد الأسماء التي عرّفنا الله إياها في كتابه، أو ذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم، تسعة وتسعون لا تزيد، لنصّ الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا العدد، ولقوله: (مَنْ أحصاها) ، وأنّ ما زاد على هذه التسعة والتسعين فهو مما لا نعرفه، لأنّه من مكنون علم الله أو مما اختص الله به بعض خلقه، وإلا فما فائدة تحديد عدد أسماء الله بتسعة وتسعين؟ انظر العقيدة في الله (209)
قال ابن حزم في المحلى (1/50)  وَأَنَّ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ، وَهِيَ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى، مَنْ زَادَ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ، وَهِيَ الْأَسْمَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ 00 وَقَدْ صَحَّ أَنَّهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا فَقَطْ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمٌ زَائِدٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ» فَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَعَالَى اسْمٌ زَائِدٌ لَكَانَتْ مِائَةَ اسْمٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ» كَذِبًا وَمَنْ أَجَازَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23] {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر: 24] وَقَدْ تَقَصَّيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ فِي كِتَابِ " الْإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.اهـ
-- هناك فرق بين أسمائه – تعالى- وبين ما يُخبر به عنه سبحانه 0
قال ابن القيم في فائدة جليلة (25)أَنَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - فِي بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ تَوْقِيفِيٌّ، وَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْأَخْبَارِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَوْقِيفِيًّا، كَالْقَدِيمِ وَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ، أَوِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ اهـ ومعنى ذلك أنه يخبر عن الله بالشيء كقوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] لكن ليس معنى ذلك أن الله يسمَّى: شيئا وهكذا
-- أسماء الله تعالى لا تشتق من أفعاله فلا يجوز مثلا أن نسمي الله الكاتب لقوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفسه الرَّحْمَة) [الْأَنْعَام: 54] قال ابن القيم في بدائع الفوائد (1/162) ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِالْفِعْلِ مُقَيَّدًا أَنْ يُشْتَقَّ لَهُ مِنْهُ اسْمٌ مُطْلَقٌ، كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَجَعَلَ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى الْمُضِلَّ الْفَاتِنَ الْمَاكِرَ، تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِ، اهـ قال ابن حزم في المحلى (1/ 51) وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] وَقَالَ: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 16] وَقَالَ تَعَالَى: {خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54] {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْبَنَّاءَ وَلَا الْكَيَّادَ وَلَا الْمَاكِرَ وَلَا الْمُتَجَبِّرَ وَلَا الْمُسْتَكْبِرَ، لَا عَلَى أَنَّهُ الْمُجَازِي بِذَلِكَ وَلَا عَلَى وَجْهٍ أَصْلًا، وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَتَنَاقَضَ وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْكَذِبَ وَمَا لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
--- أنواع الدلالة اللفظية الوضعية
يرد في كتب العقائد مصطلح الدلالات اللفظية الوضعية، وهي ثلاثة أنواع:
1_ دلالة المطابقة، وتسمى الدلالة المطابقية: وتعرف بأنها:
-دلالة اللفظ على جميع معناه.
-أو هي: تفسير اللفظ بجميع مدلوله.
-أو هي: دلالته على تمام ما وضع له من حيث إنه وضع له.
وسميت بذلك؛ لتطابق اللفظ والمعنى، وتَوافُقِهما في الدلالة.
2_ الدلالة التضمنية، أو دلالة التضمن: وهي تفسير اللفظ ببعض مدلوله، أو بجزء معناه.
-أو هي دلالة اللفظ على جزء ما وضع له في ضمن كل المعنى.
وسميت بذلك لأنها عبارة عن فهم جزء من الكل؛ فالجزء داخل ضمن الكل أي في داخله.
3_ دلالة التزام، أو الدلالة الالتزامية: وهي الاستدلال باللفظ على غيره.-أو هي دلالة اللفظ على خارج معناه الذي وضع له.
يقول المناطقة: إن بين الدلالة المطابقية والدلالة التضمنية العموم والخصوص المطلق؛ فإذا وجدت التضمنية وجدت المطابقية دون العكس، أي لا يلزم من وجود المطابقية وجود التضمنية.
أمثلة على ذلك: اسم الخالق يدل على ذات الله، وعلى صفة الخلق بالمطابقة، ويدل على الذات وحدها بالتضمن، وعلى صفة الخلق وحدها بالتضمن، ويدل على صفتي العلم والقدرة بالالتزام، أي أن اللفظ دل على معنى خارج عن معناه الأصلي الذي وضع له، وذلك أن الخالق لا يمكن أن يخلق إلا وهو قادر، وكذلك لا يمكن أن يخلق إلا وهو عالم.
مثال ثانٍ: اسم العليم يدل على ذات الله وعلمه: أي دلالة الاسم على المسمى، وعلى الصفة المشتقة من الاسم نفسه؛ فهذه دلالة مطابقة.
ويدل على ذات الله وحدها، وعلى صفة العلم وحدها دلالة تضمنية.
ويدل على صفة الحياة وغيرها بالالتزام، وهكذا .انظر مصطلحات في كتب العقائد (158)
-- الأسماء الجامدة ليست من أسماء الله – تعالى – ومعنى الجامدة التي لا يشتق منها أوصاف كالدهر 0
وهذا الذي أشكل على ابن حزم وغيره فقد سمى الله ( الدهر ) واستدل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار رواه البخاري (4826) ومسلم (2246) قال ابن حجر في فتح الباري (10/566) قَالَ عِيَاضٌ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَهُ أَنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّ الدَّهْرَ مُدَّةُ زَمَانِ الدُّنْيَا وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ أَمَدُ مَفْعُولَاتِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِعْلِهِ لِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَقَدْ تَمَسَّكَ الْجَهَلَةُ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاحْتَجُّوا بِهِ عَلَى مَنْ لَا رُسُوخَ لَهُ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّ الدَّهْرَ عِنْدَهُمْ حَرَكَاتُ الْفَلَكِ وَأَمَدُ الْعَالَمِ وَلَا شَيْءَ عِنْدَهُمْ وَلَا صَانِعَ سِوَاهُ وَكَفَى فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَكَيْفَ يُقَلِّبُ الشَّيْءُ نَفْسَهُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ لَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ سَبَّ الصَّنْعَةَ فَقَدْ سَبَّ صَانِعَهَا فَمَنْ سَبَّ نَفْسَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَقْدَمَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ بِغَيْرِ مَعْنًى وَمَنْ سَبَّ مَا يَجْرِي فِيهِمَا مِنَ الْحَوَادِثِ وَذَلِكَ هُوَ أَغْلَبُ مَا يَقَعُ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ حَيْثُ نَفَى عَنْهُمَا التَّأْثِيرُ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا ذَنْب لَهُمَا فِي ذَلِكَ)اهـ
 قال ابن عثيمين في القواعد المثلى (10) فأما قوله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" فلا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى، وذلك أن الذين يسبون الدهر إما يريدون الزمان الذي هو محل الحوادث، لا يريدون الله تعالى، فيكون معنى قوله: "وأنا الدهر" ما فسره بقوله: "بيدي الأمر أقلب الليل والنهار"، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار وهما الدهر، ولا يمكن أن يكون المقلِّب (بكسر اللام) هو المقلَّب (بفتحها) ، وبهذا تبين أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مرادًا به الله تعالى اهـ
--- ((وَلَا يُلْحِدون فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ)) ؛ قال الهرّاس رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية  (70) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ القيِّم رَحِمَهُ اللَّهُ:
((وَالْإِلْحَادُ فِي أَسْمَائِهِ هُوَ الْعُدُولُ بِهَا وَبِحَقَائِقِهَا وَمَعَانِيهَا عَنِ الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهَا؛ مأخوذٌ مِنَ الْمَيْلِ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَادَّةُ (ل ح د) ، فَمِنْهُ اللَّحْدُ، وَهُوَ الشَّقُّ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ، الَّذِي قَدْ مَالَ عَنِ الْوَسَطِ، وَمِنْهُ المُلْحِد فِي الدِّينِ: الْمَائِلُ عَنِ الْحَقِّ، المُدْخِل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ)) . اهـ
فَالْإِلْحَادُ فِيهَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِجَحْدِهَا وَإِنْكَارِهَا بالكليَّة، وَإِمَّا بِجَحْدِ مَعَانِيهَا وَتَعْطِيلِهَا، وَإِمَّا بِتَحْرِيفِهَا عَنِ الصَّوَابِ وَإِخْرَاجِهَا عَنِ الْحَقِّ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَإِمَّا بِجَعْلِهَا أَسْمَاءً لِبَعْضِ المُبتَدَعات؛ كَإِلْحَادِ أَهْلِ الِاتِّحَادِ اهـ وقال ابن عثيمين في القواعد المثلى (16)
الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها
وهو أنواع: الأول: أن ينكر شيئا منها أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم. وإنما كان ذلك إلحادا لوجوب الإيمان بها وبما دلت عليه من الأحكام والصفات اللائقة بالله، فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما يجب فيها.
الثاني: أن يجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين، كما فعل أهل التشبيه، وذلك لأن التشبيه معنى باطل لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل هي دالة على بطلانه، فجعلها دالة عليه ميل بها عما يجب فيها.
الثالث: أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى له: (الأب) ، وتسمية الفلاسفة إياه (العلة الفاعلة) ، وذلك لأن أسماء الله تعالى توقيفية، فتسمية الله تعالى بما لم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها، كما أن هذه الأسماء التي سموه بها نفسها باطلة، ينزه الله تعالى عنها.
الرابع: أن يشتق من أسمائه أسماء للأصنام، كما فعل المشركون في اشتقاق العزى من العزيز، واشتقاق اللات من الإله على أحد القولين، فسموا بها أصنامهم، وذلك لأن أسماء الله تعالى مختصة به، لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ، وقوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وقوله: {لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فكما اختص بالعبادة وبالألوهية الحقة، وبأنه يسبح له ما في السماوات والأرض، فهو مختص بالأسماء الحسنى، فتسمية غيره بها على الوجه الذي يختص بالله عز وجل ميل بها عما يجب فيها.
والإلحاد بجميع أنواعه محرم، لأن الله تعالى هَدَّدَ الملحدين بقوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
ومنه ما يكون شركا أو كفرًا حسبما تقتضيه الأدلة الشرعية اهـ 

-- قواعد هامة في فهم صفات الله :
 هناك عدة قواعد مهمة، ونقاط رئيسة، نبه إليها العلماء في هذا الباب نسوقها موجزة مختصرة.
القاعدة الأولى: القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر:
بهذه القاعدة نرد على عدة طوائف:
أ- الذين يثبتون بعض الصفات وينفون بعضها، كالذين يثبتون لله الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة، ويجعلونها صفات حقيقية، ثم ينازعون في محبة الله ورضاه، وغضبه وكراهيته، ويجعلون ذلك مجازاً، أو يفسرونه بالإرادة، أو يفسرونه بالنعم والعقوبات.
فيقال لهؤلاء: لا فرق بين ما أثبتموه وما نفيتموه، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر، فإن كنتم تقولون: حياته وعلمه كحياة المخلوقين وعلمهم، فيلزمكم أن تقولوا في رضاه ومحبته كذلك.
وإن قلتم له حياة وعلم وإرادة تليق به ولا تشبه حياة المخلوقين وعلمهم وإرادتهم، فيلزمكم أن تقولوا في رضاه ومحبته وغضبه كذلك.
وإن قلتم: إن الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، فكذلك يقال: الإرادة ميل النفس إلى جلب مصلحة أو دفع مضرة، فإن قلتم: هذه إرادة مخلوق، قلنا: هذا غضب مخلوق.
ب- الذين يثبتون الأسماء وينفون الصفات، فيقولون حي بلا حياة، عليم بلا علم ... الخ.
فهؤلاء يقال لهم: لا فرق بين إثبات الأسماء، وإثبات الصفات، فإنك إن قلت إثبات الحياة والعلم والقدرة يقتضي التشبيه أو التجسيم لأنا لا نجد متصفاً بالصفات إلا وهو جسم، قلنا: وكذلك في الأسماء، إذ لا نجد ما هو مسمى بحي وعليم وقدير إلا ما هو جسم، فانف أسماء الله، فإن قالوا: هذه الأسماء تليق بكماله وجلاله، قلنا: وكذلك صفاته.
ج- الذين ينفون الأسماء والصفات، فإنهم بزعمهم ينفون ذلك حتى لا يشبهوا الله بالموجودات، فيقال لهم: نفيتم علمه وحياته كما نفيتم أنه عليم حي خشية أن تشبهوه بالموجودات، ولكن يلزم قولكم هذا تشبيه الله بالمعدومات
القاعدة الثانية: القول في الصفات كالقول في الذات:
فالله - سبحانه - له ذات لا تشبه ذوات المخلوقين، وكذلك صفاته وأفعاله لا تشبه ذوات المخلوقين وأفعالهم.
إذ يلزم من أقر بأن الله حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال لا يماثلها شيء أن يقول: إن سمعه وبصره وكلامه الثابت في نفس الأمر لا يشابهه سمع المخلوقين ولا بصرهم ولا كلامهم.
فإن قال قائل: أنا أنفي استواء الله خشية من تشبيه الله بخلقه، فيقال له: انف وجود الله وذاته، لأنه يلزم من ذلك تشبيه الله بخلقه، فإن قال: لله وجود يخصه، وذات تخصه لا تشبه ذوات المخلوقين، قلنا: وكذلك نزوله واستواؤه.
القاعدة الثالثة: الاتفاق في الأسماء لا يقتضي التساوي في المسميات:
فإننا نعلم أن ما أخبرنا الله تعالى به مما في الجنة من لبن وعسل وخمر حق، وهذه الحقائق وإن كانت موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة في الدنيا فإنها لا تماثلها، بل بينها وبين ما في الدنيا من المباينة ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فالخالق أعظم مباينة للمخلوقات من مباينة المخلوق للمخلوق، بل قد تسمي في الدنيا عدة أشياء باسم واحد، ويكون لكل واحد حقيقة تخصه، فإننا نقول مثلاً: يد الجمل، ويد الباب، ويد الإنسان، واليد في كل لفظة من الألفاظ الثلاثة لها معنى يخصها. انظر العقيدة في الله (242/ 244)
فصل : في ذكر أمثلة لصفات الذات ؟
1- صفة الوجه :
قال تعالى : {َويَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} الرحمن: (27) وقال تعالى :{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} (القصص: (88)

تضمَّنت هَاتَانِ الْآيَتَانِ إِثْبَاتَ صِفَةِ الْوَجْهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَالنُّصُوصُ فِي إِثْبَاتِ الْوَجْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا تُحصى كَثْرَةً، وَكُلُّهَا تَنْفِي تَأْوِيلَ المعطِّلة الَّذِينَ يُفَسِّرُونَ الْوَجْهَ بِالْجِهَةِ أَوِ الثَّوَابِ أَوِ الذَّاتِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ أَنَّ الْوَجْهَ صفةٌ غيرُ الذَّاتِ، وَلَا يَقْتَضِي إِثْبَاتُهُ كَوْنَهُ تَعَالَى مُرَكَبًّا مِنْ أَعْضَاءٍ، كَمَا يَقُولُهُ المجسِّمة، بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِلَّهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، فَلَا يُشْبِهُ وَجْهًا وَلَا يُشْبِهُهُ وَجْهٌ.

واستدلَّت المعطِّلة بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ؛ إِذْ لَا خُصُوصَ لِلْوَجْهِ فِي الْبَقَاءِ وَعَدَمِ الْهَلَاكِ.

وَنَحْنُ نُعَارِضُ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وجهٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمَا جَاءَ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ فِي مَعْنَى الذَّاتِ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِمَعْنًى لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي مَعْنًى آخَرَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ ثَابِتًا لِلْمَوْصُوفِ، حَتَّى يُمْكِنُ لِلذِّهْنِ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنَ الْمَلْزُومِ إِلَى لَازِمِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُ مَجَازِهِمْ بِطَرِيقٍ آخَرَ؛ فَيُقَالُ: إِنَّهُ أَسْنَدَ الْبَقَاءَ إِلَى الْوَجْهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاءُ الذَّاتِ؛ بَدَلًا مِنْ أَنْ يُقَالَ: أَطْلَقَ الْوَجْهَ وَأَرَادَ الذَّاتَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ نَقْلًا عَنِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَضَافَ الْوَجْهَ إِلَى الذَّاتِ، وَأَضَافَ النَّعْتَ إِلَى الْوَجْهِ، فَقَالَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام} ؛ دلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْوَجْهِ [لَيْسَ بِصِلَةٍ] ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام} صفةٌ لِلْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ صفةٌ للذَّات وَكَيْفَ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ الْوَجْهِ بِالذَّاتِ أَوْ بِغَيْرِهَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ الطَّائِفِ: ((أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذِي أشرقتْ لَهُ الظُّلُمات ... )) إلَخْ ، وَقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: ((حِجَابُهُ النُّورُ أَوِ النَّارُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَات وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) رواه مسلم (3/16- نووي) انظر شرح العقيدة الواسطية للهراس (114)
2- صفة اليد : قال تعالى : {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ( سورة ص: 75) ، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} المائدة: (64).
تضمَّنَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ إِثْبَاتَ الْيَدَيْنِ صِفَةً حَقِيقِيَّةً لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، فَهُوَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى يُوَبِّخُ إِبْلِيسَ عَلَى امْتِنَاعِهِ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ الَّذِي خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَدَيْنِ هُنَا عَلَى الْقُدْرَةِ؛ فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ جَمِيعًا ـ حَتَّى إِبْلِيسَ ـ خَلَقَهَا اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ، فَلَا يَبْقَى لِآدَمَ خُصُوصِيَّةٌ يَتَمَيَّزُ بِهَا وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ: خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ)) – رواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 126) قال الألباني في مختصر العلو (126)إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ - فَتَخْصِيصُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ مَعَ مُشَارَكَتِهَا لِبَقِيَّةِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي وُقُوعِهَا بِالْقُدْرَةِ دالٌّ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ وَأَيْضًا؛ فَلَفْظُ الْيَدَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ لَمْ يُعرف اسْتِعْمَالُهُ إِلَّا فِي الْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَلَمْ يَرِدْ قَطُّ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ أَوِ النِّعْمَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُدْرَتَيْنِ أَوْ بِنِعْمَتَيْنِ. عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ الْيَدَيْنِ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ أَوِ الْقُدْرَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا إِلَّا فِي حَقِّ مَنِ اتَّصَفَ بِالْيَدَيْنِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ: لِلرِّيحِ يَدٌ، وَلَا لِلْمَاءِ يَدٌ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُ المعطِّلة بِأَنَّ الْيَدَ قَدْ أُفْرِدَتْ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ، وَجَاءَتْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي بَعْضِهَا؛ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ؛ فَإِنَّ مَا يُصْنَعُ بِالِاثْنَيْنِ قَدْ يُنسب إِلَى الْوَاحِدِ؛ تَقُولُ: رَأَيْتُ بِعَيْنِي، وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي، وَالْمُرَادُ: عَيْنَايَ، وَأُذُنَايَ. وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ يَأْتِي بِمَعْنَى الْمُثَنَّى أَحْيَانًا؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} التحريم: (4) . ، وَالْمُرَادُ: قَلْبَاكُمَا وَكَيْفَ يتأتَّى حملُ الْيَدِ عَلَى الْقُدْرَةِ أَوِ النِّعْمَةِ؛ مَعَ مَا وَرَدَ مِنْ إِثْبَاتِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ وَالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْيَدِ الحقيقيَّة؟!
وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ يَحْكِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَقَالَةَ الْيَهُودِ قبَّحهم اللَّهُ فِي رَبِّهِمْ، وَوَصْفَهُمْ إِيَّاهُ ـ حَاشَاهُ ـ بِأَنَّ يَدَهُ مَغْلُولَةٌ؛ أَيْ: مُمْسِكَةٌ عَنِ الْإِنْفَاقِ.
ثُمَّ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ سُبْحَانَهُ عَكْسَ مَا قَالُوا، وَهُوَ أَنَّ يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَانِ بِالْعَطَاءِ؛ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:(إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى سحَّاء الليلَ والنهارَ؛ لَا تَغيضُها نَفَقةٌ)) (رواه البخاري (13/393فتح) ،ومسلم  (7/84-نووي) -.تُرَى لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ يَدَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ هَلْ كَانَ يَحْسُنُ هَذَا التَّعْبِيرُ بِبَسْطِ الْيَدَيْنِ؟! أَلَا شاهَتْ وُجوهُ المتأوِّلين اهـ
وقال أبو الحسن الأشعري في ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص 225) : ((وأجمعوا على أنه عَزَّ وجَلَّ يسمع ويرى، وأنَّ له تعالى يدين مبسوطتين)) اهـ.
تنبيه : توصف يَدُ الله عَزَّ وجَلَّ بأنها يَمِين، وهذا ثابتٌ بالكتاب والسنة.
عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِين رواه مسلم (1827)
قال ابن خزيمة في التوحيد (1/159) بَابُ ذِكْرِ سُنَّةٍ ثَامِنَةٍ تُبَيِّنُ وَتُوَضِّحُ: أَنَّ لِخَالِقِنَا جَلَّ وَعَلَا يَدَيْنِ كِلْتَاهُمَا يَمِينَانِ، وَلَا يَسَارَ لِخَالِقِنَا عَزَّ وَجَلَّ، إِذِ الْيَسَارُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ، فَجَلَّ رَبُّنَا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَسَارٌ، مَعَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] , أَرَادَ عَزَّ ذِكْرُهُ بِالْيَدَيْنِ، الْيَدَيْنِ , لَا النِّعْمَتَيْنِ كَمَا ادَّعَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ اهـ
قال الإمام أحمد بن حنبل - كما في ((طبقات الحنابلة)) لأبي يعلى (1/313) -: ((وكما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: ((وكلتا يديه يَمِين)) ، الإيمان بذلك، فمن لم يؤمن بذلك، ويعلم أنَّ ذلك حق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو مُكَذِّبٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
وسئل الشيخ الألباني-رحمه الله- في ((مجلة الأصالة)) (ع4، ص 68)
((كيف نوفِّق بين رواية: ((بشماله)) الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في ((صحيح مسلم)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وكلتا يديه يَمِين)) ؟ جواب: لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: (( ... وكلتا يديه يَمِين)) : تأكيد لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ؛ فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيدٌ للتنْزيه، فيدُ الله ليست كيدِ البشر: شمال ويَمِين، ولكن كلتا يديه سبحانه يَمِين.
وأمر آخر؛ أنَّ رواية: ((بشماله)) : شاذة؛ كما بيَّنتها في ((تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن)) (رقم 1) للمودودي.
ويؤكد هذا أنَّ أبا داود رواه وقال: ((بيده الأخرى)) ، بدل: ((بشماله)) ، وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وكلتا يديه يَمِين)) ، والله أعلم اهـ
3- صفة السمع ؟
قال تعالى :{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11]  قال أبو الحسن الأشعري في ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص 225) : ((وأجمعوا على أنه عَزَّ وجَلَّ يسمع ويرى) وقال الحافظ ابن كثير في رسالته ((العقائد)) : ((فإذا نطق الكتاب العزيز، ووردت الأخبار الصحيحة، بإثبات السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعظمة والمشيئة والإرادة والقول والكلام والرضى والسخط والحب والبغض والفرح والضحك؛ وجب اعتقاد حقيقته؛ من غير تشبيهٍ بشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولا زيادة عليه، ولا
تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، وإزالة لفظ عما تعرفه العرب وتصرفه عليه، والإمساك عما سوى ذلك)) .
انظر: ((علاقة الإثبات والتفويض)) (ص 51) لرضا نعسان معطي
4- صفة البصر :
قال تعالى :{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} (الطور: (48)  وقال تعالى : {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} (القمر: (13، 14) ، {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}  طه: (39)
 قال هراس في شرح العقيدة الواسطية (118) فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ يُثْبِتُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِنَفْسِهِ عَيْنًا يَرَى بِهَا جَمِيعَ الْمَرْئِيَّاتِ، وَهِيَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، فَلَا يَقْتَضِي إِثْبَاتُهَا كَوْنَهَا جَارِحَةً مركَّبة مِنْ شَحْمٍ وَعَصَبٍ وَغَيْرِهِمَا.
وَتَفْسِيرُ المعطِّلة لَهَا بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ نفيٌ وتعطيلٌ.
وَأَمَّا إِفْرَادُهَا فِي بَعْضِ النُّصُوصِ وَجَمْعُهَا فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ؛ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى نَفْيِهَا؛ فَإِنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ تَتَّسِعُ لِذَلِكَ، فَقَدْ يعبَّر فِيهَا عَنِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَيَقُومُ فِيهَا الْوَاحِدُ مَقَامَ الِاثْنَيْنِ كَمَا قدَّمنا فِي الْيَدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْعَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرُوهَا إِلَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَهُ عَيْنٌ حَقِيقِيَّةٌ.
فَهَلْ يُرِيدُ هَؤُلَاءِ المعطَّلة أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ يتمدَّح بِمَا لَيْسَ فِيهِ، فَيُثْبِتُ لِنَفْسِهِ عَيْنًا وَهُوَ عاطلٌ عَنْهَا؟! وَهَلْ يُرِيدُونَ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ رُؤْيَتَهُ لِلْأَشْيَاءِ لَا تَقَعُ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ بِهَا؛ بَلْ هُوَ يَرَاهَا بِذَاتِهِ كُلِّهَا ـ كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّهُ قَادِرٌ بِذَاتِهِ، مُرِيدٌ بِذَاتِهِ ... إلخ؟ وَفِي الْآيَةِ الْأُولَى يَأْمُرُ اللَّهُ نبيَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّبْرِ لِحُكْمِهِ، وَالِاحْتِمَالِ لِمَا يَلْقَاهُ مِنْ أَذَى قَوْمِهِ، ويعلِّل ذَلِكَ الْأَمْرَ بِأَنَّهُ بِمَرْأًى مِنْهُ، وَفِي كِلَاءَتِهِ وَحِفْظِهِ.
وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ يُخْبِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نبيِّه نوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمَّا كذَّبه قَوْمُهُ، وحقَّت عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِالطُّوفَانِ؛ حَمَلَهُ هُوَ ومَن مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى سَفِينَةٍ ذَاتِ ألواحٍ عَظِيمَةٍ مِنَ الْخَشَبِ ودُسُرٍ؛ أَيْ: مَسَامِيرَ، جَمْعُ دِسَار، تُشَدُّ بِهَا الْأَلْوَاحُ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تَجْرِي بِعَيْنِ اللَّهِ وَحِرَاسَتِهِ.
وَفِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ خطابٌ مِنَ اللَّهِ لنبيِّه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُ أَلْقَى عَلَيْهِ محبَّةً مِنْهُ؛ يَعْنِي: أَحَبَّهُ هُوَ سُبْحَانَهُ وحبَّبه إِلَى خَلْقِهِ، وَأَنَّهُ صَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ، وربَّاه تَرْبِيَةً اسْتَعَدَّ بِهَا لِلْقِيَامِ بِمَا حَمَّلَهُ مِنْ رِسَالَةٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ اهـ
5- صفة العين :
 فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُثْبِتَ لِخَالِقِهِ وَبَارِئِهِ مَا ثَبَّتَ الْخَالِقُ الْبَارِئُ لِنَفْسِهِ، مِنَ الْعَيْنِ، وَغَيْرُ مُؤْمِنٍ مَنْ يَنْفِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا قَدْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَيِّنًا عَنْهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِلَّهِ عَيْنَيْنِ، فَكَانَ بَيَانُهُ مُوَافِقًا لِبَيَانِ مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ، الَّذِي هُوَ مَسْطُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، مَقْرُوءٌ فِي الْمَحَارِيبِ وَالْكَتَاتِيبِ انظر التوحيد لابن خزيمة (1/96)
مذهب أهل السنة والجماعة أن لله عينين، اثنتين، ينظر بهما حقيقة على الوجه اللائق به. وهما من الصفات الذاتية الثابتة بالكتاب، والسنة.
فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} .
ومن أدلة السنة قول النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن ربكم ليس بأعور» «ينظر إليكم أزلين قنطين» «حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» .
فهما عينان حقيقيتان لا تشبهان أعين المخلوقين. ولا يصح تحريف معناهما إلى العلم، والرؤية لوجوه منها:
أولا: إنه صرف للكلام عن حقيقته إلى مجازه بلا دليل.
ثانيا: إن في النصوص ما يمنع ذلك مثل قوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ينظر إليكم" «لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» ، «وإن ربكم ليس بأعور»انظر مجموع فتاوى لابن عثيمين (4/58)

وقال ابن عثيمين أيضا في مجموع فتاوى (4/59)  وردت صفتا اليدين، والعينين في النصوص مضافة إلى الله تعالى على ثلاثة أوجه: الإفراد، والتثنية، والجمع.
فمن أمثلة الإفراد: قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} . {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} .
ومن أمثلة الجمع: قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} . {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} .
ومن أمثلة التثنية: قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ، وقول النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا قام العبد في الصلاة قام بين عيني الرحمن» - قلت : حديث ضعيف وضعفه الألباني في الضعيفة (1024 ) - هكذا هو في مختصر الصواعق عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يعزه ولم ترد صفة العينين في القرآن بصورة التثنية.
هذه هي الوجوه الثلاثة التي وردت عليها صفتا اليدين، والعينين.
والجمع بين هذه الوجوه أن يقال:
إن الإفراد لا ينافي التثنية، ولا الجمع؛ لأن المفرد المضاف يعم فيتناول كل ما ثبت لله من يد، أو عين واحدة كانت أو أكثر وأما الجمع بين ما جاء بلفظ التثنية وبلفظ الجمع: فإن قلنا: أقل الجمع اثنان فلا منافاة أصلا بين صيغتي التثنية والجمع لاتحاد مدلوليهما، وإن قلنا: أقل الجمع ثلاثة وهو المشهور فالجمع بينهما أن يقال: إنه لا يراد من صيغة الجمع مدلولها الذي هو ثلاثة فأكثر، وإنما أريد بها - والله أعلم - التعظيم والمناسبة، أعني مناسبة المضاف للمضاف إليه، فإن المضاف إليه، وهو " نا " يراد به هنا التعظيم قطعا فناسب أن يؤتى بالمضاف بصيغة الجمع ليناسب المضاف إليه فإن الجمع أدل على التعظيم من الإفراد والتثنية، وإذا كان كل من المضاف والمضاف إليه دالا على التعظيم حصل من بينهما تعظيم أبلغ اهـ
6- صفة الأصابع :
ولله - سبحانه - أصابع لا تشبه شيئاً من أصابع المخلوقين، وهي تليق بكماله وجلاله سبحانه وتعالى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَوْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ، تَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} رواه البخاري (4811) ومسلم (2786) قال ابن قتيبة في ((تأويل مختلف الحديث)) (ص 302) وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ،- يقصد حديث عن عَبْد اللهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ» رواه مسلم (2654)- وَإِنَّ الَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ الْإِصْبَعِ لَا يُشْبِهُ الْحَدِيثَ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ فِي دُعَائِهِ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".فَقَالَتْ لَهُ إِحْدَى أَزوَاجه: "أَو تخَاف -يَا رَسُولَ اللَّهِ- عَلَى نَفْسِكَ"؟ فَقَالَ: "إِنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ، بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "فَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ نِعْمَتَيْنِ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ مَحْفُوظٌ بِتَيْنِكَ النِّعْمَتَيْنِ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ دَعَا بِالتَّثْبِيتِ؟ وَلِمَ احْتَجَّ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَتْ لَهُ: "أَتَخَافُ عَلَى نَفْسِكَ" بِمَا يُؤَكِّدُ قَوْلَهَا؟ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخَافَ إِذَا كَانَ الْقَلْبُ مَحْرُوسًا بِنِعْمَتَيْنِ.
فَإِنْ قَالَ لَنَا: مَا الإصبع عنْدك هَهُنَا؟
قُلْنَا: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ يَحْمِلُ الْأَرْضَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَكَذَا عَلَى أُصْبُعَيْنِ.وَلَا يجوز أَن تكون الإصبع -هَهُنَا- نِعْمَةً.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} الْآيَة 67 من سُورَة الزمر.
 وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.وَلَا نَقُولُ أُصْبُعٌ كَأَصَابِعِنَا، وَلَا يَدٌ كَأَيْدِينَا، وَلَا قَبْضَةٌ كَقَبَضَاتِنَا، لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يشبه شَيْئا منا اهـ
قال عبد البر في التمهيد (7/148) الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَالتَّصْدِيقُ بِذَلِكَ وَتَرْكُ التَّحْدِيدِ وَالْكَيْفِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ 00عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ أَنَّهُ سَأَلَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَجْعَلُ السَّمَاءَ عَلَى أُصْبُعٍ وَحَدِيثُ إِنَّ قلوب بني آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ وَإِنَّ اللَّهَ يَعْجَبُ أَوْ يَضْحَكُ مِمَّنْ يَذْكُرُهُ فِي الْأَسْوَاقِ وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَنَحْوُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ نَرْوِيهَا وَنُقِرُّ بِهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ اهـ
قال ابن عثيمين في مجموع فتاوى (15/51) وهذا كقول بعض الناس لما سمع حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن الله تعالى يجعل الأرضين على إصبع والشجر على إصبع وما أشبه ذلك. وتقدم بسؤال وقال: كم أصابع الله؟ أعوذ بالله ما هذا السؤال؟ هل أنت أحرص من الصحابة على معرفة صفات الله؟
الجواب: لا. هل الصحابة لما حدثهم الرسول بهذا الحديث أو أقر اليهودي عليه هل قالوا كم أصابع الرحمن؟ أبداً.
ولهذا أنا أحذر طلبة العلم من التنطع فيما يتعلق بأمور الغيب, أمور الشهادة لا بأس أن للإنسان يبحث, أما أمور الغيب فليأخذ بظاهر ما ورد, وليدع ما سوى ذلك؛ لأنه إذا أخذ بالتنطع في أمور الغيب سواء فيما يتعلق بصفات الله, أو بصفات, الملائكة, أو بأحوال اليوم الآخر إذا أخذ بالتنطع فيها فإنه ربما يهلك فيقع في الشك, أو في الردة والعياذ بالله اهـ
7- صفة الساق :    
 صفةٌ من صفات الله عز وجل، ثابتةٌ  في الكتاب وصريحِ السنة الصحيحية قال تعالى : : {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (( ... فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا رواه البخاري (7439) ومسلم (183) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((نقض أساس التقديس)) (ورقة 261) : ((الوجه السادس: أنه من أين في ظاهر القرآن [أنَّ] لله ساقاً وليس معه إلا قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، والصحابة قد تنازعوا في تفسير الآية؛ هل المراد به الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد به أنه يكشف الرب عن ساقه؟ ولم تتنازع الصحابة والتابعون فيما يذكر من آياتِ الصفات إلا في هذه الآية؛ بخلاف قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} ... ونحو ذلك؛ فإنه لم يتنازع فيها الصحابة والتابعون، وذلك أنه ليس في ظاهر القرآن أنَّ ذلك صفة لله تعالى؛ لأنه قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، ولم يقل: عن ساق الله، ولا قال: يكشف الرب عن ساقه، وإنما ذكر ساقاً نكرة غير معرفة ولا مضافة، وهذا اللفظ بمجرده لا يدل على أنها ساق الله، والذين جعلوا ذلك من صفات الله تعالى أثبتوه بالحديث الصحيح المفسر للقرآن، وهو حديث أبي سعيد الخدري المخرج في (الصحيحين) ، الذي قال فيه ((فيكشف الرب عن ساقه)) ، وقد يقال: إنَّ ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا لله، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه وأيضاً فحمل ذلك على الشِّدَّة لا يصح، لأن المستعمل في الشِّدَّة أن يقال: كشف الله الشِّدَّة، أي: أزالها، كما قال: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} ، وقال: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ} ، وقال: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ، وإذا كان المعروف من ذلك في اللغة أن يقال: كشف الشِّدَّة؛ أي: أزالها؛ فلفظ الآية: {يكشف عن ساق} ، وهذا يراد به الإظهار والإبانة؛ كما قال: {كشفنا عنهم} وأيضاً فهناك تحدث الشِّدَّة لا يزيلها، فلا يكشف الشِّدَّة يوم القيامة، لكن هذا الظاهر ليس ظاهراً من مجرد لفظة {ساق} ، بل بالتركيب والسياق وتدبر المعنى المقصود)) اهـ وسئل ابن باز رحمه الله في مجموع فتاوى (4/130) : ما هو الحق في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم فسرها بأن المراد يوم يجيء الرب يوم القيامة، ويكشف لعباده المؤمنين عن ساقه وهي العلامة التي بينه وبينهم سبحانه وتعالى، فإذا كشف عن ساقه عرفوه وتبعوه، وإن كانت الحرب يقال لها: كشفت عن ساق، إذا اشتدت. وهذا معنى معروف لغويا قاله أئمة اللغة.
ولكن في الآية الكريمة يجب أن يفسر بما جاء في الحديث الشريف، وهو كشف الرب عن ساقه سبحانه وتعالى، وهذه من الصفات التي تليق بجلال الله وعظمته، لا يشابهه، فيها أحد جل وعلا، وهكذا سائر الصفات كالوجه واليدين والقدم والعين وغير ذلك من الصفات الثابتة بالنصوص، ومن ذلك الغضب والمحبة والكراهة وسائر ما وصف به نفسه سبحانه في الكتاب العزيز، وفيما أخبر به عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
كلها صفات حق، وكلها تليق بالله جل وعلا لا يشابهه فيها أحد سبحانه وبحمده، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (سورة الشورى الآية 11
) وقال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} {اللَّهُ الصَّمَدُ} {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان من أئمة العلم والهدى.. والله الموفق ...
8- صفة القدم :
صفةٌ لله عز وجل  ثابتةٌ بصحيح السنة ؟
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُلْقَى فِي النَّارِ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ، فَتَقُولُ قَطْ قَطْ رواه: البخاري (4850) ، ومسلم (2846) قَطْ قَطْ أي حسبي وكفاني]
 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: الْكُرْسِيُّ: مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَالْعَرْشُ لَا يُقْدَرُ قَدْرُهُ رواه ابن خزيمة في التوحيد (1/248) وصححه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في "مختصر العلو" ص 102 وعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: «الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَلَهُ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ الرَّحْلِ» رواه عبد الله بن أحمد في السنة (588 ) وصححه الألباني في "مختصر العلو" ص 123-124 ) وهذا الحديث والأثران يدلان على إثبات القدمين لله تعالى ،
  قال ابن خزيمة في التوحيد (1/202)  بَابُ ذِكْرِ إِثْبَاتِ الرِّجْلِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ رَغَمَتْ أُنُوفُ الْمُعَطِّلَةِ الْجَهْمِيَّةِ، الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِصِفَاتِ خَالِقِنَا عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ , وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَذْكُرُ مَا يَدْعُو بَعْضُ الْكُفَّارِ مِنْ دُونِ اللَّهِ: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا، أَمْ لَهُمْ أَيَدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا، أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا، قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ} [الأعراف: 195] فَأَعْلَمَنَا رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا أَنَّ مَنَ لَا رِجْلَ لَهُ، وَلَا يَدَ، وَلَا عَيْنَ، وَلَا سَمْعَ فَهُوَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُوَ أَضَلُّ , فَالْمُعَطِّلَةُ الْجَهْمِيَّةُ: الَّذِينَ هُمْ شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ: كَالْأَنْعَامِ بَلْ أَضَلُّ؛ فَالْمُعَطِّلَةُ الْجَهْمِيَّةُ عِنْدَهُمْ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ اهـ
وقال ابن تيمية في مختصر الفتاوى المصرية (647) 
 وَقد غلط فِي هَذَا الحَدِيث المعطلة الَّذين أولُوا قَوْله قدمه بِنَوْع من الْخلق كَمَا قَالُوا الَّذين تقدم فِي علمه أَنهم أهل النَّار حَتَّى قَالُوا فِي قَوْله رجله يُقَال رجل من جَراد وعلطهم من وُجُوه فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حَتَّى يضع وَلم يقل حَتَّى يلقى كَمَا قَالَ فِي قَوْله لَا يزَال يلقى فِيهَا
الثَّانِي أَن قَوْله قدمه لَا يفهم مِنْهُ هَذَا لَا حَقِيقَة وَلَا مجَاز كَمَا تدل عَلَيْهِ الْإِضَافَة
الثَّالِث أَن أُولَئِكَ المؤخرين إِن كَانُوا من أصاغر الْمُعَذَّبين فَلَا وَجه لانزوائها واكتفائها بهم فَإِن ذَلِك إِنَّمَا يكون بِأَمْر عَظِيم وَإِن كَانَ من أكَابِر الْمُجْرمين فهم فِي الدَّرك الْأَسْفَل وَفِي أول الْمُعَذَّبين لَا فِي أواخرهم
الرَّابِع أَن قَوْله فينزوي بَعْضهَا إِلَى بعض دَلِيل على أَنهم تنضم على من فِيهَا فتضيق بهم من غير أَن يلقى فِيهَا شَيْء
الْخَامِس أَن قَوْله لَا يزَال يلقى فِيهَا وَتقول هَل من مزِيد حَتَّى يضع فِيهَا قدمه جعل الْوَضع الْغَايَة الَّتِي إِلَيْهَا يَنْتَهِي الْإِلْقَاء وَيكون عِنْدهَا الانزواء فَيَقْتَضِي ذَلِك أَن تكون الْغَايَة أعظم مِمَّا قبلهَا
وَلَيْسَ فِي قَول المعطلة معنى للفظ قدمه إِلَّا وَقد اشْترك فِيهِ الأول وَالْآخر وَالْأول أَحَق بِهِ من الآخر
وَقد يغلط فِي الحَدِيث قوم آخَرُونَ ممثلة أَو غَيرهم فيتوهمون أَن قدم الرب تدخل جَهَنَّم وَقد توهم ذَلِك على أهل الْإِثْبَات قوم من المعطلة حَتَّى قَالُوا كَيفَ يدْخل بعض الرب النَّار وائمه تَعَالَى يَقُول {لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها}وَهَذَا جهل مِمَّن توهمه أَو نَقله عَن أهل السّنة والْحَدِيث فَإِن الحَدِيث حَتَّى يضع رب الْعِزَّة عَلَيْهَا وَفِي رِوَايَة فَمَا فينزوي بَعْضهَا إِلَى بعض وَتقول قطّ قطّ وَعزَّتك فَدلَّ ذَلِك على أَنَّهَا تضايقت على من كَانَ فِيهَا فامتلأت بهم كَمَا أقسم على نَفسه أَنه ليملأنها من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَكيف تمتلىء بِشَيْء غير ذَلِك من خَالق أَو مَخْلُوق وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنه تُوضَع الْقدَم الْمُضَاف إِلَى الرب تَعَالَى فتنزوي وتضيق بِمن فِيهَا وَالْوَاحد من الْخلق قد يرْكض متحركا من الْأَجْسَام فيسكون أَو سَاكِنا فيتحرك ويركض جبلا فينفجر مِنْهُ مَاء كَمَا قَالَ تَعَالَى {اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} وَقد يضع يَده على الْمَرِيض فَيبرأ وعَلى الغضبان فيرضى اهـ
نماذج من صفات الفعل :
1-    الاستواء على العرش :
الله قد استوى على عرشه استواء يليق به ، ولا يشبه استواء المخلوقين ، والأدلة على استوائه كثيرة منها :
قال الله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} سورة طه (5)
وقال تعالى : {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} 1 [النحل: 50]
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأمة السوداء : «أَيْنَ اللهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» رواه مسلم (537)
قال هراس في شرح العقيدة الواسطية (139) هَذِهِ هِيَ الْمَوَاضِعُ السَّبْعَةُ الَّتِي أَخْبَرَ فِيهَا سُبْحَانَهُ بِاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ، وَكُلُّهَا قَطْعِيَّةُ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَلَا يَمْلِكُ الجهميُّ المعطِّل لَهَا رَدًّا وَلَا إِنْكَارًا، كَمَا أَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي بَابِهَا، لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا، فَإِنَّ لَفْظَ: {اسْتَوَى} فِي اللُّغَةِ إِذَا عُدِّي بِـ (عَلَى) لَا يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ إِلَّا الْعُلُوُّ وَالِارْتِفَاعُ، وَلِهَذَا لَمْ تَخْرُجْ تَفْسِيرَاتُ السَّلَفِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ أَرْبَعِ عِبَارَاتٍ؛ ذَكَرَهَا العلاَّمة ابْنُ الْقَيِّمِ فِي ((النُّونية)) ؛ حَيْثُ قَالَ:
فَلَهُمْ عِبَارَاتٌ عَلَيْهَا أَرْبَعٌ ... قَدْ حُصِّلَتْ لِلْفَارِسِ الطَّعَّانِ
وَهِيَ اسْتَقَرَّ وَقَدْ عَلاَ وَكَذلِكَ ارْ ... تَفَعَ الَّذِي مَا فِيهِ مِن نُّكْرَانِ
وَكَذَاكَ قَدْ صَعِدَ الَّذِي هُوَ رَابِعٌ ... وَأَبُو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ الشِّيبَانِي
يَخْتَارُ هَذَا القَوْلَ فِي تَفْسِيرِهِ ... أَدْرَى مِنَ الْجَهْمِيِّ بِالْقُرآنِ
فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُؤْمِنُونَ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ سُبْحَانَهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَنَّهُ مستوٍ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي يَعْلَمُهَا هُوَ جلَّ شَأْنُهُ؛ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ:(الِاسْتِوَاءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولُ) وَأَمَّا مَا يشغِّب بِهِ أَهْلُ التَّعْطِيلِ مِنْ إِيرَادِ اللَّوَازِمِ الْفَاسِدَةِ عَلَى تَقْرِيرِ الِاسْتِوَاءِ؛ فَهِيَ لَا تَلْزَمُنَا؛ لِأَنَّنَا لَا نَقُولُ بِأَنَّ فوقيَّتَهُ عَلَى الْعَرْشِ كفوقِيَّة الْمَخْلُوقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَأَمَّا مَا يُحَاوِلُونَ بِهِ صَرْفَ هَذِهِ الْآيَاتِ الصَّرِيحَةِ عَنْ ظَوَاهِرِهَا بِالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي تدُلُّ عَلَى حِيرَتِهِمْ وَاضْطِرَابِهِمْ؛ كَتَفْسِيرِهِمُ: {اسْتَوَى} بِـ (اسْتَوْلَى) ، أَوْ حَمْلِهِمْ {عَلَى} عَلَى مَعْنَى (إِلَى) ، وَ {اسْتَوَى} ؛ بِمَعْنَى: (قَصَدَ) ... إِلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ حَامِلُ لِوَاءِ التجهُّم وَالتَّعْطِيلِ زَاهِدٌ الْكَوْثَرِيُّ  ؛ فَكُلُّهَا تشغيبٌ بِالْبَاطِلِ، وتغييرٌ فِي وَجْهِ الْحَقِّ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ فِي قليلٍ وَلَا كثيرٍ.
وَلَيْتَ شِعْرِي! مَاذَا يُرِيدُ هَؤُلَاءِ المعطِّلة أَنْ يَقُولُوا؟! أَيُرِيدُونَ أَنْ يَقُولُوا: لَيْسَ فِي السَّمَاءِ ربٌّ يُقْصَدُ، وَلَا فَوْقَ الْعَرْشِ إِلَهٌ يُعْبَدُ؟!
فَأَيْنَ يَكُونُ إِذَنْ؟!ولعلَّهم يَضْحَكُونَ مِنَّا حِينَ نَسْأَلُ عَنْهُ بِـ (أَيْنَ) ! وَنَسُوا أَنَّ أَكْمَلَ الْخَلْقِ وَأَعْلَمَهُمْ بِرَبِّهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ قَدْ سَأَلَ عَنْهُ بِـ (أَيْنَ) حِينَ قَالَ لِلْجَارِيَةِ: ((أَيْنَ اللَّهُ؟)) .وَرَضِيَ جَوَابَهَا حِينَ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ  وَقَدْ أَجَابَ كَذَلِكَ مَن سَأَلَهُ بِـ: أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أن يخلق السموات وَالْأَرْضَ؟ بِأَنَّهُ كَانَ فِي عَمَاءٍ.. الْحَدِيثَ  .
وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ زَجَرَ السَّائِلَ، وَلَا قَالَ لَهُ: إِنَّكَ غَلَطْتَ فِي السُّؤَالِ.
إِنَّ قُصَارَى مَا يَقُولُهُ الْمُتَحَذْلِقُ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ وَلَا مَكَانَ، ثُمَّ خَلَقَ الْمَكَانَ، وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْمَكَانِ.
فَمَاذَا يَعْنِي هَذَا المُخَرِّف بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ؟!
هَلْ يَعْنِي بِهِ تِلْكَ الْأَمْكِنَةَ الْوُجُودِيَّةَ الَّتِي هِيَ دَاخِلُ مُحِيطِ الْعَالَمِ؟!
فَهَذِهِ أَمْكِنَةٌ حَادِثَةٌ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِوُجُودِ اللَّهِ فِي شيءٍ مِنْهَا؛ إِذْ لَا يَحْصُرُهُ وَلَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ بِهَا الْمَكَانَ العَدَميَّ الَّذِي هُوَ خلاءٌ محضٌ لَا وُجُودَ فِيهِ؛ فَهَذَا لَا يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ خَلْقٌ؛ إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخَلْقُ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ عدميٌّ، فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ فِي مَكَانٍ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ كَمَا دلَّت عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ؛ فَأَيُّ محذورٍ فِي هَذَا؟! بَلِ الْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، ثم خلق السموات وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، وَثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ لَا لمجرَّد الْعَطْفِ اهـ
قلت : وأما من يقصد  بأن الله في كل مكان بذاته فهذا باطل فالله عز وجل منزه عن الأمكنة فهو فوق السماوات ، وأما إن كان يقصد أنه في كل مكان بعلمه فذلك صحيح فقد أحاط بكل شيء علما قال تعالى : [ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ] [المجادلة: 7] فبدأ الآية بالعلم ، وختمها بالعلم قالَ الإمامُ أبو محمد بن أبي زيد المغربي شيخُ المالكية في كتابهِ «الجامع(ص139 - 141)»:«ممَّا اجتمعتِ الأئمةُ عليهِ منْ أمورِ الديانةِ ومِنَ السننِ التي خلافُهَا بدعةٌ وضلالةٌ أنَّ الله - تبارك وتعالى - فوقَ سماواتِهِ على عَرْشِهِ دونَ أرضِهِ وأنَّهُ في كُلِّ مكانٍ بِعِلْمِهِ» .
وقال رحمه الله في أوَّلِ رسالتهِ المشهورةِ في مذهبِ مالكٍ الإمام (ص56).:«وأنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ المَجِيدُ بِذَاتِهِ، وهُوَ في كُلِّ مَكِانٍ بِعِلْمِهِ»
قالَ الإمامُ الذهبيُّ معقِّبًا: ... واللهُ تعالى خالقُ كلِّ شيءٍ بذاتهِ، ومُدَبِّرُ الخلائقِ بذاتهِ، بِلاَ مُعينٍ، ولا مُؤازِرٍ؛ وإنَّما أرادَ ابنُ أبي زيدٍ وغيرهُ التَّفرقةَ بينَ كونه تعالى معنَا، وبينَ كونهِ تعالى فوقَ العرشِ، فهوَ كمَا قالَ: ومعنَا بالعلمِ، وأنَّهُ على العرشِ كما أعلمنا حيثُ يقولُ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقدْ تلفَّظَ بالكلمةِ المذكورةِ جماعةٌ مِنَ العلماءِ كمَا قدَّمناه [مختصر العلوّ (ص255)
2-    صفة النزول :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ رواه البخاري (1145) ومسلم (758)
قال ابن خزيمة في التوحيد (1/289) بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ ثَابِتَةِ السِّنْدِ صَحِيحَةِ الْقَوَامِ رَوَاهَا عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُزُولِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، نَشْهَدُ شَهَادَةَ مُقِرٍّ بِلِسَانِهِ، مُصَدِّقٍ بِقَلْبِهِ. ، مُسْتَيْقِنٍ بِمَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ ذِكْرِ نُزُولِ الرَّبِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَصِفَ الْكَيْفِيَّةَ، لِأَنَّ نَبِيَّنَا الْمُصْطَفَى لَمْ يَصِفْ لَنَا كَيْفِيَّةَ نُزُولِ خَالِقِنَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، أَعْلَمَنَا أَنَّهُ يَنْزِلُ وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَمْ يَتْرُكْ، وَلَا نَبِيُّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيَانَ مَا بِالْمُسْلِمِينَ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ فَنَحْنُ قَائِلُونَ مُصَدِّقُونَ بِمَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ ذِكْرِ النُّزُولِ غَيْرِ مُتَكَلِّفِينَ الْقَوْلَ بِصِفَتِهِ أَوْ بِصِفَةِ الْكَيْفِيَّةِ، إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصِفْ لَنَا كَيْفِيَّةَ النُّزُولِ وَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مَا بَانَ وَثَبَتَ وَصَحَّ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا فَوْقَ سَمَاءِ الدُّنْيَا، الَّذِي أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَيْهِ، إِذْ مُحَالٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولَ: نَزَلَ مِنْ أَسْفَلَ إِلَى أَعْلَى، وَمَفْهُومٌ فِي الْخِطَابِ أَنَّ النُّزُولَ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ اهـ
قال ابن عثيمين في العقيدة الواسطية (2/15) وأما قولهم: تنزل رحمة الله إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر! فسبحان الله! الرحمة لا تنزل إلا في هذا الوقت! قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]؛ كل النعم من الله، وهي من آثار رحمته، وهي تترى كل وقت ثم نقول: أي فائدة لنا بنزول الرحمة إلى السماء الدنيا؟!
ثم نقول لمن قال: إنه ملَك من ملائكته: هل من المعقول أنَّ الملَك ملائكة الله يقول: مَن يدعوني فأستجيب له ... إلخ؟!
فتبيَّن بهذا أن هذه الأقوال تحريف باطل يبطله الحديث.
ووالله؛ ليسوا أعلم بالله من رسول الله، وليسوا أنصح لعباد الله من رسول الله، وليسوا أفصح في قولهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون: كيف تقولون: إن الله ينزل؟! إذا نزل؛ أين العلو؟! وإذا نزل؛ أين الاستواء على العرش؟! إذا نزل؛ فالنزول حركة وانتقال!! إذا نزل؛ فالنزول حادث، والحوادث لا تقوم إلا بحادث!!
فنقول: هذا جدال بالباطل، وليس بمانع من القول بحقيقة النزول!!
هل أنتم أعلم بما يستحقُّه الله عزَّ وجلَّ من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا هذه الاحتمالات أبدًا؛ قالوا: سمعنا وآمنَّا وقبلنا وصدَّقنا.
وأنتم أيها الخالفون المخالفون تأتون الآن وتجادلون بالباطل وتقولون: كيف؟! وكيف؟!
نحن نقول: ينزل، ولا نتكلَّم عن استوائه على العرش؛ هل يخلو منه العرش أو لا يخلو؟!
أما العلو؛ فنقول: ينزل، لكنه عال عزَّ وجلَّ على خلقه؛ لأنه ليس معنى النزول أن السماء تُقِلُّه، وأن السماوات الأخرى تظلُّه؛ إذ إنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته.
فنقول: هو ينزل حقيقة مع علوه حقيقة، وليس كمثله شيء.
أما الاستواء على العرش فهو فعل، ليس من صفات الذات، وليس لنا حق -فيما أرى- أن نتكلم هل يخلو منه العرش أو لا يخلو، بل نسكت كما سكت عن ذلك الصحابة رضي الله عنهم وإذا كان علماء أهل السنة لهم في هذا ثلاثة أقوال: قول بأنه يخلو، وقول بأنه لا يخلو، وقول بالتوقُّف وشيخ الإسلام رحمه الله في "الرسالة العرشية" يقول: إنه لا يخلو منه العرش، لأن أدلة استوائه على العرش محكمَة، والحديث هذا محكم، والله عزَّ وجلَّ لا تُقاس صفاته بصفات الخلق؛ فيجب علينا أن نبقي نصوص الاستواء على إحكامها، ونصَّ النزول على إحكامه، ونقول: هو مستو على عرشه، نازل إلى السماء الدنيا، والله أعلم بكيفية ذلك، وعقولنا أقصر وأدنى وأحقر من أن تحيط بالله عزَّ وجلَّ.
القول الثاني: التوقُّف؛ يقولون: لا نقول: يخلو، ولا: لا يخلو.
والثالث: أنه يخلو منه العرش.
وأورد المتأخرون الذين عرفوا أن الأرض كروية وأن الشمس تدور على الأرض إشكالًا؛ قالوا: كيف ينزل في ثلث الليل الآخر؟! وثلث الليل الآخر إذا انتقل عن المملكة العربية السعودية، ذهب إلى أوروبا وما قاربها؟! أفيكون نازلًا دائمًا؟!
فنقول: آمن أولًا بأن الله ينزل في هذا الوقت المعين، وإذا آمنت؛ ليس عليك شيء وراء ذلك، لا تقل: كيف؟! وكيف؟! بل قل: إذا كان ثلث الليل الآخر في السعودية، فالله نازل، وإذا كان في أمريكا ثلث الليل، يكون نزول الله أيضًا، وإذا طلع الفجر؛ انتهى وقت النزول في كل مكان بحسبه. إذًا؛ موقفنا أن نقول: إنا نؤمن بما وصل إلينا عن طريق محمد رسول الله؛ بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الآخر من الليل، ويقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له اهـ
3- الضحك :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلاَنِ الجَنَّةَ: يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى القَاتِلِ، فَيُسْتَشْهَدُ رواه البخاري (2826) ومسلم (1890)
هذا الحديث فيه إثبات صفة الضحك لله عز وجل لا نتوهمه بكيفية ولا تمثيل - قال ابن خزيمة في التوحيد (2/563)
بَابُ ذِكْرِ إِثْبَاتِ ضَحِكِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِلَا صِفَةٍ تَصِفُ ضَحِكَهُ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لَا وَلَا يُشَبِّهُ ضَحِكَهُ بِضَحِكِ الْمَخْلُوقِينَ، وَضَحِكُهُمْ كَذَلِكَ، بَلْ نُؤْمِنُ بِأَنَّهُ يَضْحَكُ، كَمَا أَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَسْكُتُ عَنْ صِفَةِ ضَحِكِهِ جَلَّ وَعَلَا، إِذِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَأْثَرَ بِصِفَةِ ضَحِكِهِ، لَمْ يُطْلِعْنَا عَلَى ذَلِكَ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقُونَ بِذَلِكَ، بِقُلُوبِنَا مُنْصِتُونَ عَمَّا لَمْ يُبَيَّنْ لَنَا، مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ اهـ
4-    الفرح :
عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ، مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ، إِذَا وَجَدَهَا» رواه البخاري (6308) ومسلم (2675) هذا الحديث فيه إثبات صفة الفرح لله عز وجل لا نتوهمه بكيفية ولا تمثيل  قال هراس في الواسطية (166)وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الْفَرَحِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الصِّفَاتِ: أَنَّهُ صِفَةٌ حَقِيقَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ التَّابِعَةِ لِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ، فيَحْدُث لَهُ هَذَا الْمَعْنَى المعبَّر عَنْهُ بِالْفَرَحِ عِنْدَمَا يُحدِثُ عبدُه التوبةَ والإنابةَ إِلَيْهِ، وَهُوَ مستلزمٌ لِرِضَاهُ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ، وَقَبُولِهِ تَوْبَتَهُ وَإِذَا كَانَ الْفَرَحُ فِي الْمَخْلُوقِ عَلَى أَنْوَاعٍ؛ فَقَدْ يَكُونُ فَرَحَ خِفَّةٍ وَسُرُورٍ وَطَرَبٍ، وَقَدْ يَكُونُ فَرَحَ أشرٍ وبطرٍ؛ فَاللَّهُ عزَّ وجلَّ منزَّه عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، ففرحهُ لَا يُشْبِهُ فَرَحَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي أَسْبَابِهِ، وَلَا فِي غَايَاتِهِ،فَسَبَبُهُ كَمَالُ رَحْمَتِهِ وَإِحْسَانُهُ الَّتِي يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يتعرَّضوا لَهَا، وَغَايَتُهُ إِتْمَامُ نِعْمَتِهِ عَلَى التَّائِبِينَ الْمْنِيبِينَ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْفَرَحِ بِلَازِمِهِ، وَهُوَ الرِّضَا، وَتَفْسِيرُ الرِّضَا بِإِرَادَةِ الثَّوَابِ؛ فكلُّ ذَلِكَ نفيٌ وتعطيلٌ لِفَرَحِهِ وَرِضَاهُ سُبْحَانَهُ، أَوْجَبَهُ سوءُ ظنِّ هَؤُلَاءِ المعطِّلة بِرَبِّهِمْ، حَيْثُ توهَّموا أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ تَكُونُ فِيهِ كَمَا هِيَ فِي الْمَخْلُوقِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ تَشْبِيهِهِمْ وَتَعْطِيلِهِمْ اهـ
5- العجب : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ» رواه البخاري (3010) هَذَا الْحَدِيثُ يُثْبِتُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صِفَةَ العَجَب، لا نتوهمه بكيفية ولا تمثيل  -
-- إثبات صفة الكلام لله عز وجل ؟
 الله عز وجل  يتكلم بكلام حقيقي، متى شاء, بما شاء, بحرف وصوت مسموع، لا يماثل أصوات المخلوقين قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة: 116] قوله: {يَا عِيسَى}: مقول القول، وهي جملة من حروف: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} ففي هذا إثبات أن الله يقول: وأن قوله مسموع، فيكون بصوت, وأن قوله كلمات وجمل, فيكون بحرف ولهذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الله يتكلم بكلام حقيقي متى شاء, كيف شاء، بما شاء, بحرف وصوت، لا يماثل أصوات المخلوقين "متى شاء ": باعتبار الزمن "بما شاء": باعتبار الكلام؛ يعني: موضوع الكلام من أمر أو نهي أو غير ذلك كيف شاء": يعني على الكيفية والصفة التي يريدها سبحانه وتعالى. قلنا: إنه بحرف وصوت لا يشبه أصوات المخلوقين الدليل على هذا من الآية الكريمة {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ}: هذا حروف. وبصوت؛ لأن عيسى يسمع ما قال لا يماثل أصوات المخلوقين؛ لأن الله قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] انظر شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين(1/ 420)
وقال تعالى : {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143] أفادت هذه الآية أن الكلام يتعلق بمشيئته, وذلك لأن الكلام صار حين المجيء., لا سابقاً عليه، فدل هذا على أن كلامه يتعلق بمشيئته. فيبطل به قول من قال: إن كلامه هو المعنى القائم بالنفس, وإنه لا يتعلق بمشيئته, وذلك لأن الكلام صار حين المجيء، لا سابقاً عليه، فدل هذا على أن كلامه يتعلق بمشيئته فيبطل به قول من قال: إن كلامه هو المعنى القائم بالنفس, وإنه لا يتعلق بمشيئته؛ كما تقولوه الأشاعرة.
وفي هذه الآية إبطال زعم من زعم أن موسى فقط هو الذي كلم الله, وحرف قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} إلى نصب الاسم الكريم؛ لأنه في هذه الآية لا يمكنه زعم ذلك ولا تحريفها.
انظر العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1/421)
القرآن كلام الله :
عقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله عز وجل تكلم به حقيقة ، غير مخلوق منه بدا وإليه يعود 0
قال تعالى : {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى)) (17/77) أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ كَلَامَهُ مِنْ صِفَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ اهـ
 قال الطحاوي في العقيدة (40)وَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مِنْهُ بَدَا بِلَا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلَامِ الْبَرِيَّةِ فَمَنْ سَمِعَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَلَامُ الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ وَقَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ وَعَابَهُ وَأَوْعَدَهُ بِسَقَرَ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) [الْمُدَّثِّرِ: 26] فَلَمَّا أَوْعَدَ اللَّهُ بِسَقَرَ لِمَنْ قَالَ: (إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [الْمُدَّثِّرِ: 32] عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ الْبَشَرِ وَلَا يُشْبِهُ قَوْلَ البشر وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ فقد كفر  مَنْ أَبْصَرَ هَذَا اعْتَبَرَ وَعَنْ مِثْلِ قَوْلِ الكفار انزجر علم أنه بصفاته ليس كالبشر اهـ
تنبيه: القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته، أمَّا ما في المصحف من ورقٍ ومِداد فهو مخلوق اهـ
-- إثبات رؤية المؤمنين لربهم عز وجل ؟
قال تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (4) ، {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} المطففين: (23، و35)، {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}يونس: (26)  ، وَقَوْلُهُ: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} ق: (35) هَذِهِ الْآيَاتُ تُثْبِتُ رُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْجَنَّةِ وَقَدْ نَفَاهَا الْمُعْتَزِلَةُ؛ بِنَاءً عَلَى نَفْيِهِمُ الْجِهَةَ عَنِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ مِنَ الرَّائِي، وَمَا دَامَتِ الْجِهَةُ مُسْتَحِيلَةً، وَهِيَ شَرْطٌ فِي الرُّؤْيَةِ؛ فَالرُّؤْيَةُ كَذَلِكَ مُسْتَحِيلَةٌ واحتجُّوا مِنَ النَّقْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} الأنعام: (103) ، وَقَوْلُهُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ سَأَلَهُ الرُّؤْيَةَ: {لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} الأعراف: (143)
وَأَمَّا الْأَشَاعِرَةُ؛ فَهُمْ مَعَ نَفْيِهِمُ الْجِهَةَ كَالْمُعْتَزِلَةِ يُثْبِتُونَ الرّؤْيَةَ، وَلِذَلِكَ حَارُوا فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ، فَمِنْهُمْ مَن قَالَ: يَرَوْنَهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا رُؤْيَةً بِالْبَصِيرَةِ لَا بِالْبَصَرِ، وَقَالَ: الْمَقْصُودُ زِيَادَةُ الِانْكِشَافِ وَالتَّجَلِّي حَتَّى كَأَنَّهَا رُؤْيَةُ عَيْنٍ.
وَهَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي أَوْرَدَهَا المؤلِّف – ابن تيمية - حُجَّةٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي نَفْيِهِمُ الرُّؤْيَةَ؛ فَإِنَّ الْآيَةَ الْأُولَى عُدِّي النَّظَرُ فِيهَا بِـ {إِلَى} ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْإِبْصَارِ؛ يُقَالُ: نظرتُ إِلَيْهِ وأبصرتُه بِمَعْنًى، ومتعلِّق النَّظَرِ هُوَ الرَّبُّ جَلَّ شَأْنُهُ.
وَأَمَّا مَا يتكلَّفه الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ جَعْلِهِمْ {نَاظِرَةٌ} بِمَعْنَى مُنْتَظِرَةٍ،وَ {إِلَى} بِمَعْنَى النِّعْمَةِ. وَالتَّقْدِيرُ: ثَوَابَ رَبِّهَا مُنْتَظِرَةٌ؛ فَهُوَ تَأْوِيلٌ مُضْحِكٌ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَتُفِيدُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَهُمْ عَلَى أَرَائِكِهِمْ ـ يَعْنِي: أَسِرَّتَهم، جَمْعُ أَرِيكَةٍ ـ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ.
وَأَمَّا الْآيَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ؛ فَقَدْ صحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفْسِيرُ الزِّيَادَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - رواه مسلم  (3/20-نووي)-.
وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} سورة المطففين: (15) ، فدلَّ حَجْبُ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ أولياءَه يَرَوْنَهُ وَأَحَادِيثُ الرُّؤْيَةِ مُتَوَاتِرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، لَا يُنْكِرُهَا إِلَّا مُلْحِدٌ زِنْدِيقٌ.
وَأَمَّا مَا احتجَّ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ؛} ؛ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْإِدْرَاكِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ، فَالْمُرَادُ أَنَّ الْأَبْصَارَ تَرَاهُ، وَلَكِنْ لَا تُحِيطُ بِهِ رُؤْيَةٌ؛ كَمَا أَنَّ الْعُقُولَ تَعْلَمُهُ وَلَكِنْ لَا تُحِيطُ بِهِ عِلْمًا؛ لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ هُوَ الرُّؤْيَةُ عَلَى جِهَةِ الْإِحَاطَةِ، فَهُوَ رُؤْيَةٌ خَاصَّةٌ، وَنَفْيُ الْخَاصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ مُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ وَكَذَلِكَ اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {لَن تَرَانِي} لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا، بَلِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الرُّؤْيَةِ مِنْ وجوهٍ كثيرةٍ؛ مِنْهَا:
1- وُقُوعُ السُّؤَالِ مِنْ مُوسَى، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِيمُهُ، وَهُوَ أعلمُ بِمَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّ اللَّهِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَلَوْ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ مُمْتَنِعَةً لَمَا طَلَبَهَا.
2- أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجلَّ عَلَّقَ الرُّؤْيَةَ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْجَبَلِ حَالَ التجلِّي وَهُوَ ممكنٌ، والمعلَّق عَلَى الْمُمْكِنِ ممكنٌ.
3- أَنَّ اللَّهَ تجلَّى لِلْجَبَلِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ جمادٌ، فَلَا يَمْتَنِعُ إِذًا أَنْ يتجلَّى لِأَهْلِ محبَّته وَأَصْفِيَائِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ {لَن} ، لِتَأْبِيدِ النَّفْيِ، وَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الرُّؤْيَةِ أَصْلًا؛ فَهُوَ كَذِبٌ عَلَى اللُّغَةِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْكُفَّارِ: {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}  البقرة: (95) ، ثُمَّ قال: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} الزخرف: (77) ، فَأَخْبَرَ عَنْ عَدَمِ تمنِّيهم لِلْمَوْتِ بِـ {لَن} ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ تمنِّيهم لَهُ وَهُمْ فِي النَّارِ وَإِذًا؛ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: {لَن تَرَانِي} : لَنْ تَسْتَطِيعَ رُؤْيَتِي فِي الدُّنْيَا؛ لِضَعْفِ قُوَى الْبَشَرِ فِيهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَوْ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ مُمْتَنِعَةً لِذَاتِهَا؛ لَقَالَ: إنِّي لَا أُرى، أَوْ لَا يَجُوزُ رُؤْيَتِي، أَوْ لَسْتُ بمرئيٍّ وَنَحْوَ ذَلِكَ  انظر العقيدة الواسطية للهراس (159)
فائدة : 


هل عبادة الإنسان لصفة من صفات الله يعد من الشرك وكذلك دعاؤها؟
قال ابن عثيمين رحمه الله : عبادة الإنسان لصفة من صفات الله، أو دعاؤه لصفة من صفات الله من الشرك، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - لأن الصفة غير الموصوف بلا شك وإن كانت هي وصفه، وقد تكون لازمة وغير لازمة، لكن هي بلا شك غير الموصوف فقوة الإنسان غير الإنسان وعزة الإنسان غير الإنسان، وكلام الإنسان غير الإنسان، كذلك قدرة الله - عز وجل - ليست هي الله بل هي صفة من صفاته فلو تعبد الإنسان لصفة من صفات الله لم يكن متعبدًا لله؛ وإنما تعبد لهذه الصفة لا لله - عز وجل - والإنسان إنما يتعبد لله - عز وجل - {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
والله عز وجل موصوف بجميع صفاته فإذا عبدت صفة من صفاته لم تكن عبدت الله عز وجل لأن الله موصوف بجميع الصفات.
وكذلك دعاء الصفة من الشرك مثل أن تقول: يا مغفرة الله اغفري لي يا عزة الله أعزيني،ونحو ذلك انظر مجموع فتاوى (2/164)
وسئل ابن عثيمين أيضا في مجموع فتاوى (2/165) قلتم في الفتوى رقم "244": إن عبادة صفة من صفات الله أو دعاءها من الشرك، وقد جاء في شرح العقيدة الطحاوية إذا قلت: "أعوذ بعزة الله" فقد عذت بصفة من صفات الله، ولم تعذ بغير الله. . فعلم أن الذات لا يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه. . وقد قال، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أعوذ بعزة الله وقدرته» .
. " وقال: «أعوذ بكلمات الله التامات» . . . ". وقال، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك» . . . " وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا» .
وقال: «أعوذ بنور وجهك» . . . " ولا يعوذ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بغير الله. فنأمل من فضيلتكم التكرم بالتوضيح؟ فأجاب بقوله: ما نقله السائل من كلام شارح الطحاوية لا ينافي ما ذكرناه فإن من المعلوم أنه لا توجد ذات مجردة عن صفة أبدًا ولو لم يكن فيها إلا صفة الوجود، وكونه واجبًا أو ممكنًا وكونها على صفة معينة من صغر أو كبر أو نحو ذلك لكان كافيًا في الدلالة على أنه لا يمكن وجود ذات بلا صفة ما.
ولكن إذا عبد الإنسان صفة من صفات الله أو دعاها فإن هذا يشعر بكون الصفة بائنة عن الله - تعالى - مستقلة عنه وهذا هو وجه كونه شركًا.
وأما ما جاء في الأحاديث التي ذكرها شارح الطحاوية مثل: «أعوذ بعزتك» «أعوذ بعظمتك» ، «أعوذ برضاك» ، «أعوذ بكلمات الله التامة» فحقيقته أنه استعاذة بالله متوسلًا إليه بهذه الصفات المقتضية للعياذ،ولهذا قال شارح الطحاوية على ما نقله السائل: ولا يعوذ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير الله. وإليك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في أن دعاء صفة من صفات الله كفر قال في الصفحة الثمانين من تلخيص كتاب الاستغاثة ما نصه:
"إن مسألة الله - تعالى - بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين فهل يقول: مسلم: يا كلام الله اغفر لي وارحمني وأغثني أو أعني أو يا علم الله أو يا قوة الله أو يا عزة الله أو يا عظمة الله ونحو ذلك أو سمع من مسلم أو كافر أنه دعا ذلك من صفات الله وصفات غيره أو يطلب من الصفة جلب منفعة أو دفع مضرة أو إعانة أو نصر أو إغاثة أو غير ذلك". اهـ. هذا والله أسأل أن يوفق الجميع لما فيه الخير لنا وللأمة اهـ
وسئل ابن عثيمين في الباب مفتوح (72/18) إذا كان دعاء صفة من صفات الله عز وجل محرم، فكيف نفهم الأدعية الآتية من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: (أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) وقوله: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ؟
الجواب
 وقوله: (أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك) كل هذا استعاذة بصفة الله والمراد الموصوف، لأن الدعاء المحظور أن تقول: يا قدرة الله اغفري لي، يا رحمة الله ارحميني، هذا الذي قال عنه شيخ الإسلام: إنه كفر بالاتفاق، لأنك إذا قلت: يا قدرة الله اغفري لي، أو: يا رحمة الله ارحميني، كأنك جعلت هذه الصفة شيئاً مستقلاً عن الموصوف فيغفر ويرحم ويغني، أما إذا قلت: أعوذ بعزة الله، فهذا من باب التوسل بعزة الله عز وجل إلى النجاة من هذا المرهوب الذي استعذت بالعزة منه، وكذلك: برضاك من سخطك، وكذلك قوله: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) ليس المعنى أن الإنسان أن يستغيث بالرحمة منفصلة عن الله، لكن هذا من باب التوسل بصفات الله عز وجل المناسبة للمستعاذ منه أو للمدعو، وليس دعاء صفة، دعاء الصفة أن تقول: يا رحمة الله ارحميني، يا قدرة الله أعطيني، وما أشبه ذلك.