الثلاثاء، 31 يناير 2017

الجواب المتحف في حكم دخول الحائض والنفساء المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف عمرو الأثري أبو حبيبه



الجواب المتحف في حكم

دخول الحائض والنفساء المسجد
وقراءة القرآن ومس المصحف
عمرو العدوي 
                                     أبو حبيبه

ساهم في إخراجها كل من :        

- فضيلة الشيخ / مصطفى بن العدوي .

- فضيلة الشيخ / طارق بن عوض الله في الحديث .      

حفظهما الله تعالى .        
    
والأحاديث مخرجة على كتب العلامة الألباني رحمه الله وغيره0





إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه بعض الأسطر نوضّح من خلالها القول الصحيح في حكم دخول الحائض والنفساء المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف
؟ أولا :
ما حكم دخول الحائض والنفساء المسجد
قلت: تنازع العلماء في ذلك على قولين ؛ -
القول الأول : تحريم مكث الحائض والنفساء في المسجد .
وهو مذهب أَكْثر أَهْل الْعِلْم  وهو مذهب أَبِي حَنِيفَةَ   ورواية عن مالك والشافعي و أَحْمَد وَحكى ابْن الْمُنذر مثْل هَذَا عَنْ عبد الله ابن مسْعود وَابْن عبَّاس وسعيد بْن الْمسيب والْحسن الْبصري ورجحه ابن باز –
وابن عثيمين 0 انظر المغني 1/107 – والمجموع 2/160 – وموقع الاسلام سؤال وجواب 5/1339
واستدلوا بما يلي :
أولا : عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ ". رواه  أبو داود (232) قالوا : أن هذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم والنهي يفيد التحريم
قلت : هذا الحديث ضعيف : ضعفه البيهقي ، وابن حزم ، وعبد الحق الإشبيلي والألباني. ينظر إرواء الغليل 1/162
وضعفه شيخنا طارق بن عوض الله .
ثانيا : عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: «أَمَرَنَا - تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ، الْعَوَاتِقَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ» رواه البخاري (324) ، ومسلم (890)
قالوا : أَن الرسول صلى الله عليه وسلم أَمر الحيض أَن يعتزلن المصلى  والمراد به مكان الصلاة  فإذا كان هذا في شان مصلى العيد فالمسجد أولى بالمنع .
قلت : المراد بالمصلى في الحديث الصلاة نفسها لما ثبت في بعض الروايات ؛  بلفظ :" فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة ".أخرجه مسلم (890) .
فعلم بذلك أن المراد باعتزال المصلى الصلاة نفسها
قال شيخنا عادل العزازي : وأما ما استدل به القائلون من قوله صلى الله عليه وسلم للحُيَّض في مصلى العيد :" وليعتزلن المصلى ". فليس فيه دليل على منعها من المسجد ؛ لأنه ينظر ما المقصود بالاعتزال أولا . ثم ما معنى المصلى المأمور باعتزاله ثانيا .
أما الأول : فالمقصود أن يَكُنَّ خلف الناس ؛ لما ورد في إحدى روايات البخاري بلفظ : حَتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ » رواه البخاري (971) ، ومسلم (890) .
وأما الثاني : فالمقصود بالمصلى الصلاة نفسها ؛ لِما ورد في بعض الروايات :" فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ ". رواه مسلم (890) فعُلِم بذلك حتى لا يقطع الحُيَّض صفوف الناس ، وأيا كان الأمر ، فمع هذا الاحتمال لا يصح الحديث دليلا لمن تمسك بالمنع ، ويبقى الحكم على الأصل ؛ وهو الجواز . تمام المنة 1/149
ثالثا : قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا }. [ النساء: 43] .
قالوا : المراد بالصلاة مواضع الصلاة ؛ وهى المساجد ، ففي الآية منع الجنب من دخولها إلا في حالة كونه مسافرا ، ثم قاسوا الحائض والنفساء على الجنب .
قلت : أولا إن هذا أَحد تأويلي العلماء لمعنى الآية ، انظر تفسير الطبري ت شاكر 8/379 ، والتفسير الآخر انظر أيضا تفسير الطبري  أن المراد الصلاة ذاتها لا المسجد ، يعني : ولا تقربوا الصلاة جنبا إِلا بعد أن تغتسلوا إلا في حال السفر فصلوا بالتيمم . ولهذا قال بعدها :{ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا }
قلت : ومما يدل على صحة هذا التأويل ما ورد في سبب نزولها عَنْ عَلِيٍّ، بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُسَافِرِ {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، قَالَ: " إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى حَتَّى يُدْرِكَ الْمَاءَ، فَإِذَا أَدْرَكَ الْمَاءَ اغْتَسَلَ "رواه البيهقي في الكبرى 1037 ، وصححه الألباني . ينظر الإرواء 1/211
قال ابن المنذر :
الْمَسْجِدُ لَمْ يُذْكَرْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ فَيَكُونُ آخِرُهَا عَائِدًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الصَّلَاةُ وَالصَّلَاةُ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَاءً فَيَتَيَمَّمُ صَعِيدًا فَفِي هَذَا الْقَوْلِ لِلْجُنُبِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَيَبِيتُ فِيهِ وَيُقِيمُ فِيهِ مَا شَاءَ وَتَكُونُ أَحْوَالُهُ فِيهِ كَأَحْوَالِ غَيْرِ الْجُنُبِ، وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ ثُبُوتُ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِنَجِسٍ»:00000 وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ لَيْسَ بِنَجِسٍ» ، وَكَانَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَجَبَ أَنْ لَا يُمْنَعَ مَنْ لَيْسَ بِنَجَسٍ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَّا بِحُجَّةٍ وَلَا نَعْلَمُ حُجَّةً تَمْنَعُ الْجُنُبَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ،. الأوسط 2/ 108/109
رابعا : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ حَائِضٌ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي المَسْجِدِ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ» رواه البخاري (2046)
قالوا : لو كانت الحائض تدخل المسجد لما أحوجت عائشةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى هذا الفعل ولبادرت إليه .
 وأجيب أولا : أن الحديث ليس فيه نهي للحائض من دخول المسجد .
 ثانيا : بانه ليس صريحا فيما استدلوا به ؛ فقد يكون عدم دخولها لعلة أخرى غير الحيض كأن يكون بالمسجد رجال ونحو ذلك ، ومع الاحتمال يبطل الاستدلال .
خامسا0 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ , فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ خَتْنَكَ وَأُخْتَكَ قَدْ صَبَوْا , فَأَتَاهُمَا عُمَرُ وَعِنْدَهُمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يُقَالُ لَهُ: خَبَّابٌ , وَكَانُوا يَقْرَؤُونَ طه , فَقَالَ: أَعْطُونِي الْكِتَابَ الَّذِي عِنْدَكُمْ أَقْرَأَهُ وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ الْكِتَابَ , فَقَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ: إِنَّكَ رِجْسٌ، وَلَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ , فَقُمْ فَاغْتَسِلْ أَوْ تَوَضَّأْ، فَقَامَ عُمَرُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ طه ".رواه الدارقطني 441 وقال الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ لَيْسَ بِالْقَوِيٍّ قلت : حديث ضعيف قال الحافظ ابن حجر في التلخيص 1/ 362 وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ انتهى وللقصة طرق وروايات اخرى كلها معلولة انظر الخلافيات للبيهقي 1/517 تحقيق مشهور حسن
سادسا : قالوا الأوامر الواردة بتنظيف المساجد من القاذورات 0
قلت 1- وهذا ليس نصا في المنع إِنَّمَا هو في تنظيفها من القاذورات فَإِذَا أمنت الحائض من توسيخ المسجد فلا بَأْس بجلوسها فيه 0 ينظر أحكام النساء 1/195 لشيخنا العدوي
2-ولو سلمنا بهذا الاستدلال فهو مدفوع بأن الحائض تتحفظ بشيء وزال المانع وهذا اليوم يسير والحمد لله
سابعا : إن منع الحائض من دخول المسجد عليه الإجماع بين العلماء ؛ قال ابن بطال : والعلماء مُجْمِعون على أن الحائض لا يجوز لها دخول المسجد. شرح البخاري لابن بطال 1/437 .
قلت : هناك من خالف كزيد بن ثابت ، وهو قول عند المالكية والشافعية والحنابلة ، ومذهب الظاهرية . ينظر نيل الأوطار 1/286 .
فكيف يقال إن هناك إجماعا فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم فتبين أن  مَسْأَلة حكم مكث الحائض في المسجد مَسْأَلة خلافية وليست اتفاقية كما يظنها البعض
القول الثاني : يجوز للحائض والنفساء دخول المسجد والمكث فيه .
وهو  مذهب زيد بن ثابت ، وهو قول عند المالكية والشافعية والحنابلة ،   وهو مذهب المزني ، وداود ، وابن حزم . وابن المنذر 0 ينظر المحلى 1/402 و نيل الأوطار 1/286 وفيض القدير 2/390- ورجحه الألباني وشيخنا مصطفى العدوي وشيخنا حسن ابو الأشبال  وهو الصحيح
وحجتهم
أولا : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، اقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» أخرجه البخاري (5559) ، ومسلم (1211) .
قال ابن حزم : وَلَوْ كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَائِشَةَ، إذْ حَاضَتْ فَلَمْ يَنْهَهَا إلَّا عَنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ لَا يَحِلُّ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَنْهَاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ الطَّوَافِ.
. المحلى 1/402 .
ثانيا : عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ وَلِيدَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَتْ فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أخرجه البخاري (439) .
قال ابن حزم رحمه الله : فَهَذِهِ امْرَأَةٌ سَاكِنَةٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَعْهُودُ مِنْ النِّسَاءِ الْحَيْضُ فَمَا مَنَعَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ وَلَا نَهَى عَنْهُ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ فَمُبَاحٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا» وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَائِضَ وَالْجُنُبَ مُبَاحٌ لَهُمَا جَمِيعُ الْأَرْضِ، وَهِيَ مَسْجِدٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الْمَسَاجِدِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَائِشَةَ، إذْ حَاضَتْ فَلَمْ يَنْهَهَا إلَّا عَنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ لَا يَحِلُّ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَنْهَاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ الطَّوَافِ.وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
. المحلى 1/401 
ثالثا : «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ  فَقُلْتُ: إنَّي حَائِضٌ فَقَالَ إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» .. أخرجه مسلم (298) .
فدل ذلك على جواز مرور الحائض في المسجد0 
قال الألباني رحمه الله : والمقصود هنا بالحيضة هو دم الحائض ، فدم الحائض بلا شك هو نجس ، لكن الحائض هى نفسها ليست نجسة ، فلا يلزم من خروج نجاسة ما من شخص ما أن يكون الشخص نفسه نجسا ، فإذن يجوز للحُيَّض من النساء أن يحضرن مجالس العلم ولو كانت هذه المجالس في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى ، فهكذا يكون الحكم قائما بالجواز .  سلسلة الهدى والنور شريط رقم (623) .
اعتراض والرد عليه
قال بعض أهل العلم
المرأة الحائض لا تدخل إلى المسجد إذا كانت حال حيضها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة: (ناوليني الخمرة، فقالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك)، فدل على أن الأصل عدم دخول الحائض، بدليل أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما قال لها: (ناوليني الخمرة؛ قالت: إني حائض)، فامتنعت من الدخول واعتذرت بكونها حائضاً، فدل على أن هذا كان معمولاً به في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها لا تنشئ الأحكام من عندها
ينظر زاد المستنقع للشنقيطي 8/329
واجيب أن اعتراض عائشة رضي الله عنها ما كان للامتناع وإنما كان للاستفهام ويدل على ذلك حديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟» فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا»  : ( رَوَاهُ مُسلم 363 فهل من قال إن هذا اعتراض قطعا لا فكان استفهاما
بمعنى وهل تطهر بالدباغ أي الجلد بعد أن ماتت وهكذا كان استفهام عائشة بمعنى هل يجوز لي مباشرة الخمرة بيدي وأنا حائض فكان الجواب أن حيضتك ليست بيدك فالاستفهام ما كان لدخولها المسجد وإنما كان لما ذكرنا
ولو سلمنا لكم أن كلامها كان للاعتراض فقد أَذِن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالدخول والحجة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا غيره كما هو معلوم قلت : ويشهد لمعنى هذا الحديث الحديث الْآتي  
رابعا : حديث ميمونة رضي الله عنها ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ إِحْدَانَا، فَيَتْلُو الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ، وَتَقُومُ إِحْدَانَا بِالْخُمْرَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَتَبْسُطُهَا وَهِيَ حَائِضٌ»
. رواه النسائي (273) وحسنه الألباني .
وهذا نص صحيح صريح بأن الحائض تدخل المسجد  .
خامسا : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهَا  فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» الحديث. أخرجه البخاري (458) ، ومسلم (956)  فهذه امرأة غير مضطرة تقم المسجد في كل وقت ولم ينهها النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتزال المسجد في الحيض .  
سادسا : عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، رواه البخاري 438 ومسلم 521 ،
 قال ابن حزم في المحلى 1/ 402
وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا» وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَائِضَ وَالْجُنُبَ مُبَاحٌ لَهُمَا جَمِيعُ الْأَرْضِ، وَهِيَ مَسْجِدٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الْمَسَاجِدِ دُونَ بَعْضٍ،
سابعا : قد ثبت أن المشركين دخلوا المسجد وقد حبسهم النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، وقد قال تعالى{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]. وأما المسلم فهو طاهر على كل حال ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :" المسلم لاَ يَنْجُسُ  رواه البخاري (283) ومسلم (372) فكيف يمنع المسلم دخوله ويباح للكافر .
ثامنا : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ، فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ»، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ»
 رواه البخاري (285) ، ومسلم (371) .
فإذا كان المؤمن لا ينجس فالحائض جسدها طاهر ؛ لأنها من جملة المؤمنين .
تاسعا: حديث  أبي هريرة رضي الله عنه في مبيت أهل الصُّفَّةِ في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري 6452
قال ابن حزم في المحلى 2/250
وَجَائِزٌ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يَتَزَوَّجَا وَأَنْ يَدْخُلَا الْمَسْجِدَ وَكَذَلِكَ الْجُنُبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ يَبِيتُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ فِيهِمْ مِنْ يَحْتَلِمُ، فَمَا نُهُوا قَطُّ عَنْ ذَلِكَ.
عاشرا : البراءة الأصلية ، والأصل هو الحِل حتى يرد المانع ، ولم يرد دليل صحيح صريح يمنع الحائض  من المكث في المسجد .
11- مبيت المعتكفون والمعتكفات في المسجد ومن المعتكفين من يحتلم فيجنب ومن المعتكفات من تحيض
قلت : الصحيح دخول الحائض والنفساء  المسجد والمكث فيه ؛ وذلك للبراءة الأصلية ، ولعدم وجود دليل صحيح صريح  ناهض للتحريم ، بل وردت أدلة صحيحه تدل على صحة مرور الحائض بالمسجد بل مكثها فيه وعلى ذلك فيجوز للحائض أن تدخل المسجد وأن تمكث فيه  وبالله التوفيق.
تنبيه : من السنة  دخول المسجد باليمين والخروج منه بالشمال
 عن انس بن مالك من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك
اليسرى ". رواه  الحاكم 1/218 وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في الصحيحه 5/626
 .....هل يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن ؟
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؛
القول الأول : لا تقرأ الحائض ولا النفساء شيئا من القرآن .
روي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، والحسن البصري ، وقتادة ، والنخعي ، وغيرهم ، وهو مذهب الشافعي ، وأصحاب الرأي ، ورواية عن أحمد . ينظر المحلى 1/95 ، المغني 1/106  
واستدلوا بما يلي :
أولا : عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقْرَأِ الحَائِضُ، وَلَا الجُنُبُ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ»، أخرجه الترمذي (131) .قالوا : أن هذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم للحائض أن تقرا القرآن والنهي يفيد التحريم 0
قلت :  الحديث ضعيف ولا حجة في الضعيف ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث  . مجموع الفتاوى 21/460 . وضعفه ابن حجر في فتح الباري 1/409.وضعفه الألباني في سنن الترمذي وضعفه شيخنا طارق بن عوض الله
ثانيا : عن علي رضي الله عنه ، قال :  " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الخَلَاءِ فَيُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ، وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ - أَوْ قَالَ: يَحْجِزُهُ - عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ "
رواه أبو داود (229) .
 قلت :هذا الحديث ضعفه الإمام أحمد والبخاري والشافعي والألباني ، وصححه الترمذي وابن حبان ، وحسنه ابن حجر . ينظر صحيح أبي داود  الام 1/80 وحسنه شيخنا طارق عوض الله والراجح انه حديث ضعيف
قلت :وعلى تقدير ثبوته فإنه لا يصلح دليلا لمنع الجنب ولا الحائض من قراءة القرآن انما هو مجرد فعل والقاعدة أن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب   ؛
قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ لِمَنْ مَنَعَ الْجُنُبَ مِنْ الْقِرَاءَةِ،؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَإِنَّمَا هِيَ حِكَايَةُ فِعْلٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ  ينظر سبل السلام 1/129 .
وقال ابن حزم : وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُلْزِمُ، وَلَا بَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ. وَقَدْ يُتَّفَقُ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَصُمْ قَطُّ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَزِدْ قَطُّ فِي قِيَامِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَكَلَ قَطُّ عَلَى خِوَانٍ، وَلَا أَكَلَ مُتَّكِئًا. أَفَيَحْرُمُ أَنْ يُصَامَ شَهْرٌ كَامِلٌ غَيْرُ رَمَضَانَ أَوْ أَنْ يَتَهَجَّدَ الْمَرْءُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، أَوْ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى خِوَانٍ، أَوْ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا؟ هَذَا لَا يَقُولُونَهُ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. ثم أخذ رحمه الله في الرد على هذا القول . ينظر المحلى 1/95،96 .
ثالثا : عَنْ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْغَافِقِيِّ، قَالَ: أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: «اسْتُرْ عَلَيَّ حَتَّى أَغْتَسِلَ» ، فَقُلْتُ: كُنْتَ جُنُبًا يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: «نَعَمْ» ، فَأَخْبَرْتُ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: هَذَا يَزْعُمُ أَنَّكَ أَكَلْتَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟، فَقَالَ: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأْتُ أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ، وَلَا أُصَلِّي وَلَا أَقْرَأُ حَتَّى أَغْتَسِلَ» رواه الطبراني في الكبير 19/295  
قلت : هذا الحديث ضعيف قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/274 رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعه وفيه ضعف وفيه من لا يعرف انتهى قلت ولو صح هذا الحديث لما كان فيه حجة ،لأنه حكاية فعل  والقاعدة أن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب
رابعا : عن أبي الجُهَيْمِ الأَنْصَارِيّ «أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ»رواه البخاري 337 ومسلم (369)
قال شيخنا مصطفى العدوي : في أحكام النساء 1/184
وفي معرض المنع أَيْضًا استدل قوم بأَن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم لرد السلام فهذا ايضا ليس فيه منع للحائض ولا للجنب من قراءة القران فهو مجرد فعل وقد قالت عائشة – كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أَحْيانه 0
قلت فهذه أدلتهم وكما رايت لا حجة فيها البتة
القول الثاني : جواز قراءة الحائض والنفساء للقران .
روى ذلك عن ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ومالك وكذلك الطبري ، وداود ، والبخاري ، وابن حزم  وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية ؛
 ينظر المحلى1/94، والمغني 1/106 / 121 ومرعاة المفاتيح 2/155 ورجحه ابن باز وابن عثيمين ) ) مجموع الفتاوى 21/460   
ورجحه الألباني وشيخنا مصطفى العدوي وهو الراجح 0
واستدلوا بما يلي :
أولا : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَالَتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»أخرجه البخاري (1650) ،ومسلم(1211).
قال الحافظ ابن حجر : وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَه بن رَشِيدٍ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ وَغَيْرِهِ إِنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ جَمِيعِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إِلَّا الطَّوَافَ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَاهُ لِكَوْنِهِ صَلَاةً مَخْصُوصَةً وَأَعْمَالُ الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرٍ وَتَلْبِيَةٍ وَدُعَاءٍ وَلَمْ تُمْنَعِ الْحَائِضُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْجُنُبُ لِأَنَّ حَدَثَهَا أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِهِ وَمَنْعُ  الْقِرَاءَةِ إِنْ كَانَ لِكَوْنِهِ ذِكْرًا لِلَّهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ تَعَبُّدًا فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ. فتح الباري 1/487.
ثانيا : عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» رواه مسلم (373) .  أي على جنابة وغير جنابة
إشكال قال ابن حبان في صحيحه تحت حديث رقم (802)
قَوْلُ عَائِشَةَ: يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى أَحْيَانِهِ، أَرَادَتْ بِهِ الذِّكْرَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْقُرْآنِ، إِذِ الْقُرْآنُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى الَّذِي ذَكَرَ، وَقَدْ كَانَ لَا يَقْرَؤُهُ وَهُوَ جُنُبٌ، وَكَانَ يَقْرَؤُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ
قلت هذا الكلام ليس بصحيح فان القرآن كله يسمى ذكر0 قال الله سبحانه وتعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .  الحجر 9
قال ابن المنذر : الذِّكْرُ قَدْ يَكُونُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ فَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ ذِكْرِ اللهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ أَحَدًا إِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ ينظر الأوسط (2/100)
وقال الألباني رحمه الله : في الحديث دلالة على جواز تلاوة القرآن للجنب؛  لأن القرآن ذكر ؛ :{ وأنزلنا اليك الذكر }. [ النحل : 44] . فيدخل في عموم قولها : يذكر الله . انظر السلسلة الصحيحة 1/763
اعتراض والرد عليه
قال بعض العلماء حديث عائشة رضي الله عنها «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» معارض لحديث إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ
  أقول وبالله التوفيق :
الجواب الأول :  فأما حديث عائشة رضي الله عنها عام أي النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل حال على جنابة وغير جنابة وأما حديث كرهت أن اذكر الله في غير طهارة فهذا الحديث خاص في حالة معينة ألا وهي حال قضاء الحاجة والدليل عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ " إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ "رواه أبو داود 17 وصححه الألباني 0
قال العلامة المباركفوري رحمه الله 0
قَوْلُهُ (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ بَلْ قَالُوا يُكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِقَضَاءِ حَاجَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَإِنْ سَلَّمَ كُرِهَ لَهُ رَدُّ السَّلَامِ وَيُكْرَهُ لِلْقَاعِدِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذْكَارِ فَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَلَا يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَطَسَ 0 تحفة الاحوذي 1/251
 الجواب الثاني :إن قوله صلى الله عليه وسلم كرهت أن أذكر الله عز وجل في غير طهر 0  قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع بمعنى أحببت أن أذكر الله على طهر 0 وهذا ما نقوله : إنه  يستحب فأما كونه يجب فلا دليل على ذلك 0
ثالثا : قول النبي صلى الله عليه وسلم :" المُؤْمِن لاَ يَنْجُسُ»
 ". أخرجه البخاري(285) ، ومسلم (371)  فهذا نص عام يدل على أن المؤمن لا ينجس ؛ لا بجنابة ، ولا حيض ، ولا غير ذلك .
رابعا : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ» رواه البخاري (295) ، ومسلم (297) .
خامسا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رسالته إلى هرقل ، : وفيها بسم الله ، من محمد عبد الله إلى هرقل عظيم الروم . الرسالة ، وفيها آية :" {  يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. رواه البخاري (7) ، ومسلم (1773) .
وقد وقعت في أيدي كفار ، ووقوعها في أيديهم أعظم من وقوع المصاحف في أيدي المُحْدِثين من المؤمنين والمؤمنات وسيأتي كلام ابن حزم
سادسا : ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ :{ الم   تنزيل } السجدة ، و:{ تبارك الذي بيده الملك}. أخرجه الترمذي (2892) وصححه الألباني . الصحيحة 2/130
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه تركهما لأجل الجنابة ، أو أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بهما قبل أن يُجنب ، مع أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام ولا يمس ماء ؛ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً»،
. رواه الترمذي (118) . وصححه الألباني .  فقاس بعض اهل العلم الحائض على الجنب 0
سابعا : أمر الله بتلاوة القرآن وتدبره قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [سورة ص: 29] وجه الدلالة ان الْأَمْر بالتدبر مطلق فمن ادعى المنع في بعض الْأَحْوَال كلف بالدليل 0
ثامنا : الحائض لو كانت ممنوعة من قراءة القرآن لجاءت الْأَحَادِيث الصحيحة الصريحة بمنعها كما جاءت بمنعها من الصلاة والصيام فلما كانت الْأَحَادِيث الواردة في المنع لا تقوم بها الحجة علم أَن الشرع لم يمنعها من ذلك وكل شيء يحتاج إِلَيْه في الشرع ويتكرر وتكون حاجته عامة لا بد  أَن تَأْتِي النصوص فيه صريحة صحيحه
قلت:  الصواب في المسألة هو جواز قراءة القران للحائض والنفساء إِذ لم يرد دليل صحيح صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم يمنع من ذلك بل ثبت ما يفيد جواز القراءة وهو ما تقدم وبالله التوفيق 0
قال العلامة ابن عثيمين –الشرح الممتع 1/348
وقال شيخُ الإسلام – ابن تيمية - رحمه الله: إِنه ليس في مَنْعِ الحائض من قراءة القرآن نُصوص صريحة صحيحة ، وإذا كان كذلك فلها أن تقرأ القرآن لما يلي:
1-أنّ الأصْلَ الحِلُّ حتى يقوم دليلٌ على المَنْعِ.
2- أنَّ الله أمر بتلاوة القرآن مُطْلَقاً، وقد أثنى الله على من يتلو كتابه، فَمَنْ أخرجَ شخصاً من عِبَادة الله بقراءة القرآن فإِنَّنا نُطالبه بالدَّليل، وإِذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنْعِ، فإِنَّها مأمورة بالقراءة.
فإن قيل: ألا يُمكِن أن تُقَاسَ على الجُنُبِ بجامع لُزُوم الغُسْلِ لكلٍّ منهما بسبب الخارج؟
أُجِيب: أنَّه قياس مع الفارق؛ لأنَّ الجُنُبَ باختياره أن يُزيل هذا المانع بالاغتسال، وأمّا الحائضُ فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع. وأيضاً: فإِن الحائض مُدَّتها تطول غالباً، والجُنُب مدَّته لا تطول؛ لأنه سوف تأتيه الصَّلاة، ويُلْزم بالاغتسال.
والنُّفساء من باب أَوْلى أنْ يُرخَّص لها، لأنَّ مُدَّتها أطول من مُدَّة الحائض. وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله مَذْهبٌ قويٌّ
تنبيهات :
 1- قال الشوكاني رحمه الله : وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ النِّفَاسَ كَالْحَيْضِ فِي جَمِيعِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيُكْرَهُ وَيُنْدَبُ 0
نيل الأوطار(1 /353)
2- قال ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب 2/5
يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن وشعرها مكشوف وذراعاها مكشوفتان وكذلك القدمان لأنه لا يشترط لقراءة القرآن ما يشترط في الصلاة من السترة.
3- ما حكم تقبيل المصحف
قال الشيخ ابن باز في مجموع فتاوى 9/289  لا نعلم دليلا على شرعية تقبيله، ولكن لو قبله الإنسان فلا بأس لأنه يروى عن عكرمة بن أبي جهل الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه أنه كان يقبل المصحف ويقول: هذا كلام ربي، وبكل حال التقبيل لا حرج فيه ولكن ليس بمشروع وليس هناك دليل على شرعيته،
ما حكم مس الْحَائِض وَالنُّفَسَاء للمصحف….
قُلْت : تَنَازَع الْعُلَمَاء فِي ذَلِك عَلَى ثلاثة اقوال ؛
القول الْأَوَّل : وهو مذْهب الْأَئمة الْأَرْبَعة وَهُو أَيْضا قَوْل سَلْمَان الْفَارسي وَعَبْداللَّه بْن عُمر وَغَيْرِهما واختاره شيخ الإِسلام ابن تيمية انظر مجموع الفتاوى 21/266 قالوا أَنَّهُ لَا يَمَس الْمُصْحَف إلَّا طَاهر.
وحجتهم أَوَّلا : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «ٌلَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرًا» أخرجه الدَّارَقُطْنِي فِي السّنن (437) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبى قال الحافظ ابن حجر : وإسناده لا بأس به , ذكر الأثرم أن أحمد احتج به "وصححه الألباني  انظر إرواء الغليل  ( 1/159/161 )  
قُلْتُ : هذا الحديث ليس فيه حجة على منع الْحَائِض وَالنُّفَسَاء من مس المصحف  ، لأَن لفظة طاهر لفظة مشتركة مجملة ، فَإِن كلمة طاهر تطلق على المؤمن والدليل  : عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قال قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ» ( أخرجه البخاري 285)  
(  ومسلم 371 )  مفهومه أَنْ المؤمن طاهر 0
2-أو طاهرا : من الحدث الْأَصْغَر لَأَنْ الوضوء يسمى طهارة فعن ابْن عُمَر رضي الله عنهما؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ  رواه مسلم(224)
3 – أو طاهرا : من الحدث الْأَكْبر لقوله تعالى : {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } [المائدة: 6]  ، فسمى الله الاغتسال من الجنابة طهارة 0
4 – أو طاهرا : من النجاسة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءٍ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] "، قَالَ: «كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ» رواه أَبُو دَاوُدَ ( 44) وصححه الألباني وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»  رواه مسلم(279)
فهذه أَرْبَعة احتمالات، فَإِن الطاهر في مصطلح الكتاب والسنة يطلق على كل واحد من هذه المعاني الْأَربعة , وحمل اللفظ على إِحدى معانيه يحتاج إِلَى  قرينة ولا يوجد قرينة , وحمله على جميع معانيه فيه مخالفة لمذهب جُمْهُور الْأُصُولِيِّين ، قال محمد الخضري في اصول الفقه ( ص194) والمشترك لا يدل على أحد معنييه ما لم يكن مصحوبا بقرنية تبينه انتهى   والدليل إِذَا احتمل احتمالين بطل الاستدلال به ، فكيف إِذَا احتمل أَرْبَعة  فليس لهم حجه بالاستدلال بهذا الحديث ، فلفظة طاهر لا يعقل معناها في لفظها ، فينبغي أَن تحمل على كل ما ذكرنا فمن بين مجملها وقال المراد هو الوضوء أَو الغسل من الجناية أَو الحيض فعليه الدليل ولا دليل على ذلك فلا يسلم الاحتجاج به على منع الحائض والنفساء من مس المصحف 0   
قال الشَّوْكَانِي رحمه الله وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ إلَّا لِمَنْ كَانَ طَاهِرًا، وَلَكِنَّ الطَّاهِرَ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَالطَّاهِرِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، وَمَنْ لَيْسَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ. وَيَدُلُّ لِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي هُرَيْرَةَ: (الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ) وَعَلَى الثَّانِي {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَعَلَى الثَّالِثِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: (دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ) وَعَلَى الرَّابِعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ حِسِّيَّةً وَلَا حُكْمِيَّةً يُسَمَّى طَاهِرًا، وَقَدْ وَرَدَ إطْلَاقُ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ، فَمَنْ أَجَازَ حَمَلَ الْمُشْتَرَكَ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ حَمَلَهُ عَلَيْهَا هُنَا وَالْمَسْأَلَةُ مُدَوَّنَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَفِيهَا مَذَاهِبُ. وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ مُجْمَلٌ فِيهَا فَلَا يُعْمَلُ بِهِ حَتَّى يُبَيَّنَ ينظر  نيْل الْأَوْطَار( 2/262)
  قال العلامة الألباني رحمه الله 0
فالأقرب - والله أعلم - أن المراد بالطاهر في هذا الحديث هو المؤمن سواء أكان محدثا حدثا أكبر أو أصغر أو حائضا أو على بدنه نجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن لا ينجس" وهو متفق على صحته والمراد عدم تمكين المشرك من مسه فهو كحديث: "نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو" متفق عليه 0ينظر((تمام المنة)) (107) 
استدلوا ثانيا : قال الله عز وجل : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)  الواقعة
وجه الدلالة من الْآيَة 0
قالوا : إِن الْآيَة  صريحة في النهي عن مس المصحف لغير المتطهر وتدخل فيها الحائض والنفساء0
قلت الآية: الذى عليه أكثر المفسرين أنه عائد على الكتاب المكنون الذى فى السماء، وهو اللوح المحفوظ، والمطهرون هم الملائكة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله
والصحيح في الآية: أن المراد به: الصحف التي بأيدي الملائكة لوجوه عديدة.
منها: أنه وصفه بأنه مكنون، والمكنون المستور عن العيون، وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة.
ومنها: أنه قال: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وهم الملائكة ولو أراد المؤمنين المتوضئين لقال: لا يمسه إلا المتطهرون، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فالملائكة مطهرون، والمؤمنون والمتوضئون متطهرون.
ومنها: أن هذا إخبار، ولو كان نهيا لقال: لا يمسسه، بالجزم.
والأصل في الخبر، أن يكون خبرا صورة ومعنى.
ومنها: أن هذا رد على من قال. إن الشيطان جاء بهذا القرآن، فأخبر تعالى أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين، ولا وصول لها إليه، كما قال تعالى في آية الشعراء: { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [الشعراء:212].
 وإنما  تناله الأرواح المطهرة، وهم الملائكة.
ومنها: أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس به: { فَمَنْ شاءَ ذَكَرَه (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ  }
قال مالك في موطئه: أحسن ما سمعت في تفسير قوله: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ أنها مثل هذه الآية في سورة عبس.
ومنها: أن الآية مكية، في سورة مكية، تتضمن تقرير التوحيد، والنبوة والمعاد، وإثبات الصانع، والرد على الكفار، وهذا المعنى أليق بالمقصود من فرع عملي، وهو حكم مس المحدث المصحف.
ومنها: أنه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي الناس لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة، ومن المعلوم أن كل كلام فهو قابل لأن يكون في كتاب، حقا أو باطلا، بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن العيون عند الله، لا يصل إليه شيطان، ولا ينال منه، ولا يمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية.
فهذا المعنى أليق وأجل بالآية بلا شك.انظر التفسير القيم (1/528)
قال شيخنا مصطفى العدوي حفظه الله 0
 ذهب أَكْثر أَهْل الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الحائض لا يجوز لها أَنَّ تمس المصحف والأدلة  التي ساقوها لإثبات ذلك لا يتم الاستدلال بها لما ذهبوا إِلَيْه والذي نراه صوابا والله أَعْلَم هوأنه يجوز للحائض أَن  تمس المصحف ، وها هي بعض الأدلة التي استدلوا بها على المنع وتوجيهها والإجابة عليها
استدلوا بقول الله تعالى{ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}  وأجيب على ذلك بِأَنَّ المراد بالضمير في قوله تعالى لا يمسه هو الكتاب المكنون الذي في السماء والمطهرون هم الملائكة يشعر بذلك سياق الْآيَةَ الكريمة{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}  ويتأيد ذلك بقول الله تعالى {فِي صحف مكرمَة مَرْفُوعَة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة}  وهذا هو قول أَكْثر المفسرين في هذه الْآية
الوجه الثاني في تأويل الْآية هو أَنَّ المراد بالمطهرون هم المؤمنون ، ويستدل لذلك بقول الله عز وجل{ إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس } وبقول النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْمُؤمن لا يَنْجُس ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر بالقران إِلَى أَرْضِ العدو 0
الوجه الثالث أن المراد بقوله تعالى {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} لا يتذوقه ولا ينتفع به إِلَّا المؤمنون  0
الوجه الرابع : المراد بالمطهرون : المطهرون من الذنوب والخطايا 0
الوجه الخامس : المطهرون : مطهرون من الحدث الْأَكْبَر الْأَصْغَر0
الوجه السادس : المطهرون : مطهرون من الحدث الْأَكْبَر  ( الجنابة )
فاختار المجيزون الوجه الْأَوَّل وعليه فلا دلالة في الْآية على منع الحائض من مس الْقُرْآن 0
واختار المانعون الوجه الخامس والسادس 0
وقد تقدم بيان أن أَكْثَر المفسرين على التفسير الْأَوَّل للْآية  وهو أن المراد
بالمطهرين الملائكة 0 أحكام النساء (1/187)
وتفسيرالآية أنهم الملائكة : هو قول ابن عباس، وأَنَس وعكرمة، ومجاهد ،
وسعيد بن جبير ، وَالضَّحَّاك ، وَأَبُو الْعَالِيَة ، ومالك ، وابن القيم ، والشوكاني
انظر زَاد الْمسير( 4/228 )  ونيل الأوطار( 1/260 ) والأوسط( 2/ 103)
القول الثاني : قالوا جواز مس المصحف للحائض والنفساء ، ولكن بحائل ككيس أو نحوه ؟
 روِي ذلك  : عنْ الْحسن ، وعطاءٍ ، وطاوس والشعْبي ، والْقاسم  ، وأَبي وائل  ، وَالْحَكم ، وحماد 0 انظر المغني (1/109)                                   
واستدلوا بما يلي:
1-أن من حمل المصحف بحائل  غير ماس له، فلم يمنع منه كما لو حمله في رحله.
2-أن الأدلة التي ورد فيها المنع إنما تتناول المس والحمل ليس بمس فلا يتناوله المنع.
 قلت : هذا القول ليس فيه دليل 0
قال ابن حزم رحمه الله 0هَذِهِ تَفَارِيقُ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ - لَا صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ - وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. .المحلى 1/99
القول الثالث : جواز مس المصحف للحائض والنفساء :
وهو مذهب داود الظاهري ، وابن حزم ، وقال البيهقي اختارها العراقيون   ، وابن المنذر ، والشوكاني ، والصنعاني ، انظر الاستذكار( 2/473 ) والمحلى(1/98) والخلافيات للبيهقي( 1/497 ) ونيل الاوطار( 2/260 ) و سبل السلام (1/101) ورجحه الألباني ، وشيخنا مصطفى العدوي ، وشيخنا حسن ابو الاشبال ، وهو الصحيح 0  
وحجتهم أَوَّلا: حديث أبي سفيان 0 في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى هرقل وفيه قوله تعالى :{يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}   {عمران 64} رواه البخاري(7) ومسلم (1773)
قالوا : وقد وقعت في  أيدي كفار، ووقوعها في أيدي الكفار أعظم من وقوع المصحاف في أيدي المحدثين من المؤمنين والمؤمنات 0
قال ابن حزم رحمه الله فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَعَثَ كِتَابًا وَفِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ إلَى النَّصَارَى وَقَدْ أَيْقَنَ أَنَّهُمْ يَمَسُّونَ ذَلِكَ الْكِتَابَ.
فَإِنْ ذَكَرُوا 000 عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ يَنْهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ يَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» فَهَذَا حَقٌّ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا يَمَسَّ الْمُصْحَفَ جُنُبٌ وَلَا كَافِرٌ. وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ لَا يَنَالَ أَهْلُ أَرْضِ الْحَرْبِ الْقُرْآنَ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هِرَقْلَ آيَةً وَاحِدَةً. قِيلَ لَهُمْ: وَلَمْ يَمْنَعْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِهَا وَأَنْتُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ فَإِنْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الْآيَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَلَا تَقِيسُوا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرَهَا انظر المحلَّى( 1/98)
ثانيا : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ»، قَالَتْ فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» رواه مسلم ( 298 )
 فَإِذَا كانت الحيْضة ليْستْ فِي الْيدكانت الْيدطاهرة فلها مسه 0
قال ابن المنذر رحمه الله 0
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَنَّجَّسُ مَا تَمَسُّ إِذْ لَيْسَ جَمِيعُ بَدَنِهَا نَجِسٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنْ بَدَنَهَا غَيْرُ نَجِسٍ إِلَّا الْفَرْجُ ثَبَتَ أَنَّ النَّجَسَ فِي الْفَرْجِ لِكَوْنِ الدَّمِ فِيهِ وَسَائِرُ الْبَدَنِ طَاهِرٌ0الاوسط (2/103)
ثالثا  : عن ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ مِنَ الْغَائِطِ، وَأُتِيَ بِطَعَامٍ» فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: «لِمَ؟ أَأُصَلِّي فَأَتَوَضَّأَ؟» رواه مسلم( 374)
قال النووي رحمه الله 0
 قَوْلُهُ (وَأُتِيَ بِطَعَامٍ فقيل له ألا توضأ فقال لم أصلي فَأَتَوَضَّأَ) أَمَّا لِمَ فَبِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وأصلي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَمَعْنَاهُ الْوُضُوءُ يَكُونُ لِمَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ الْآنَ 0 انظر شرح مسلم( 4/69)
فالحديث  منْطوقه أَنَّ الْوضوء لَا يجب إلا للصلاة ، ومفهومه أَنه لَا يجب لغير الصلاة من مس المصحف للحائض والنفساء والجنب و 00000
رابعا : البراءة الأصلية وعدم الدليل المقتضي لوجوب الطهارة ، وَالْأَصْل عدم الوجوب حتى يقوم دليل صحيح صريح على وجوب الطهارة لمس المصحف  ، ولا يصح شيء صريح مما احتج به المانعون 0
قلت : الصحيح جواز مس المصحف للحائض والنفساء، للبراءة الأصلية ولعدم وجود دليل صحيح صريح ناهض للتحريم ،وصحة أدلة القول الثالث : قال الله عز وجل :{كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [سورة ص: 29]   أَن الْأَمْر بالتدبر مطلق فمن ادعى منع الْحَائِض وَالنُّفَسَاء  من مس القران فعليه بالدليل الصحيح الصريح 0  
قال ابن حزم رحمه الله :
 وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودُ فِيهِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى جَائِزٌ، كُلُّ ذَلِكَ بِوُضُوءٍ وَبِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودَ فِيهِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى
 أَفْعَالُ خَيْرٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا مَأْجُورٌ فَاعِلُهَا، فَمَنْ ادَّعَى الْمَنْعَ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ المحلى (1/94)