الأحد، 17 ديسمبر 2017

حكم المظاهرات عمرو العدوي أبو حبيبة



حكم المظاهرات 
عمرو العدوي
أبو حبيبة 
إن الحمدَ لله نستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، مَنْ يَهْدِهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، ونشهدُ أنْ لا إله إلا الله، ونشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .
وبعد:فهذه بعض الأسطر نوضّح من خلالها القول الصحيح في مسألة  حكم المظاهرات فقد كثرت المقولات في هذا فشجعت نفسي على القيام ببحث حول هذه المسألة فذكرت دليل كل فريق وبينت أن المسألة ليس فيها إجماع ومن نقل الإجماع فقد أخطأ وذكرت أقوال العلماء وذكرت القول الراجح من أَقوالهم والرد على شبهات من يجيزون المظاهرات أسال الله سبحانه أن يلهمني رشدي ، ويقيني شر نفسي ويعصمني من الضلالة والزلل ، وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه إنه أهل ذلك والقادر عليه وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ما حكم المظاهرات
قلت اختلف العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : قال جماهير العلماء أي أكثر أهل العلم أنه لا يجوز الخروج على الحكام ولو كانوا ظالمين، ما لم يصل ظلمهم إلى الكفر البواح، أو لم يقيموا الصلاة،بل نقل بعض العلماء الإجماع على ذلك منهم النووي وغيره وكما سيأتي أن دعوى الإجماع فيها نظر، لأن هناك من أهل السنة من خالف في ذلكوهذا هو القول الراجح فيه أدلة صحيحة من السنة يصعب بحال من الأحوال معارضتها وعدم التسليم لها من ذلك :
1- عن جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقُلْنَا: حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ اللهُ، بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ»، قَالَ: «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» رواه البخاري (7056) ومسلم (1709) ففي هذا الحديث التصريح بعدم جواز الخروج على الحاكم إلا بقيد الكفر الصريح قال الشوكاني رحمه الله : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ الْمُنَابَذَةُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ الْكُفْرِ الْبَوَاحِ انظر نيل الأوطار (7/206) وقال في [7/207] : قَوْلُهُ: (فِي مَنْشَطِنَا) أَيْ فِي حَالِ نَشَاطِنَا وَحَالِ كَرَاهَتِنَا وَعَجْزِنَا عَنْ الْعَمَلِ بِمَا نُؤَمَّرُ بِهِ، قَوْلُهُ: (وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا) الْمُرَادُ أَنَّ طَاعَتَهُمْ لِمَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إيصَالِهِمْ حُقُوقَهُمْ، بَلْ عَلَيْهِمْ الطَّاعَةُ وَلَوْ مَنَعَهُمْ حَقَّهُمْ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ) أَيْ الْمُلْكَ وَالْإِمَارَةَ، زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ «وَإِنْ رَأَيْت أَنَّ لَك فِي الْأَمْر حَقًّا فَلَا تَعْمَلْ بِذَلِكَ الظَّنِّ، بَلْ اسْمَعْ وَأَطِعْ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْكُمْ بِغَيْرِ خُرُوجٍ عَنْ الطَّاعَةِ» . قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا) قَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنْ اللَّهِ بُرْهَانٌ) أَيْ نَصُّ آيَةٍ أَوْ خَبَرٌ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ مَا دَامَ فِعْلُهُمْ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ اهـ قال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (3/394) : فَهَذَا أَمْرٌ بِالطَّاعَةِ مَعَ اسْتِئْثَارِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ ظُلْمٌ مِنْهُ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنَازَعَةِ الْأَمْرِ أَهْلَهُ، وَذَلِكَ نَهْيٌ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ أَهْلَهُ هُمْ أُولُو الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمِرَ بِطَاعَتِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَأْمُرُونَ بِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوَلَّى وَلَا سُلْطَانَ لَهُ، وَلَا الْمُتَوَلِّيَ الْعَادِلَ ; لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَسْتَأْثِرُونَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنَازَعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْثِرًا، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ اهـ وقال العلامة ابن عثيمين في رياض الصالحين  (2/ 422) : مهما فسق وُلاة الأمور لا يجوز الخروج عليهم؛ لو شربوا الخمر، لو زنوا، لو ظلموا الناس، لا يجوز الخروج عليهم، لكن إذا رأينا كفراً صريحاً يكون بواحاً اهـ وقال العلامة ابن عثيمين أيضا رحمه الله  في ( الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات : ( فليعلم أنَّ الخروج على السلطة لا يجوز إلا بشروط : الشرط الأول : ( أن تروا) بمعنى أن تعلموا علماً يقينياً بأنَّ السلطة ارتكبت كفراً .
الشرط الثاني : أن يكون الذي ارتكبته السلطة ( كفراً ) فأما الفسق فلا يجوز الخروج عليهم بسببه مهما عظم .
الشرط الثالث : ( بواحاً ) أي معلناً صريحاً لا يحتمل التأويل .
الشرط الرابع : ( عندكم فيه من الله برهان ) أي :مبني على برهان قاطع من دلالة الكتاب والسنة أو إجماع الأمة .
فهذه شروط أربعة .
الشرط الخامس : يؤخذ من الأصول العامة للدين الإسلامي وهو قدرة هؤلاء المعارضين على إسقاط السلطة ، لأنه إذا لم يكن لديهم القدرة انقلب الأمر عليهم لا لهم ، فصار الضرر أكبر بكثير من الضرر المترتب على السكوت على هذه الولاية ... ) اهـ
2- عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قَالُوا: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» رواه مسلم (1855)
فدل هذا على أنه لا يجوز الخروج على أئمة الظلم والجور ما لم يصل بهم ظلمهم وجورهم إلى ترك الصلاة والدعوة إليها قال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (3/ 392) : فَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قِتَالِهِمْ مَعَ إِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ أُمُورًا مُنْكَرَةً، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ كَمَا يَرَاهُ مَنْ يُقَاتِلُ وُلَاةَ الْأَمْرِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالزَّيْدِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ اهـ
قال ابن القيم في أعلام الموقعين [3/126] : نَهْيُهُ عَنْ قِتَالِ الْأُمَرَاءِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ - وَإِنْ ظَلَمُوا أَوْ جَارُوا مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ، سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْفَسَادِ الْعَظِيمِ وَالشَّرِّ الْكَثِيرِ بِقِتَالِهِمْ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ؛ فَإِنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ قِتَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَالْأُمَّةُ فِي بَقَايَا تِلْكَ الشُّرُورِ إلَى الْآنِ، وَقَالَ: «إذَا بُويِعَ الْخَلِيفَتَانِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْفِتْنَةِ اهـ
قال الشوكاني في نيل الأوطار [7/ 206] : قَوْلُهُ: (خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَحَبَّةِ الْأَئِمَّةِ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْأَئِمَّةِ مُحِبًّا لِلرَّعِيَّةِ وَمَحْبُوبًا لَدَيْهِمْ وَدَاعِيًا لَهُمْ وَمَدْعُوًّا لَهُ مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْ خِيَارِ الْأَئِمَّةِ، وَمَنْ كَانَ بَاغِضًا لِرَعِيَّتِهِ مَبْغُوضًا عِنْدَهُمْ يَسُبُّهُمْ وَيَسُبُّونَهُ فَهُوَ مِنْ شِرَارِهِمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا عَدَلَ فِيهِمْ وَأَحْسَنَ الْقَوْلَ لَهُمْ أَطَاعُوهُ وَانْقَادُوا لَهُ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ هُوَ الَّذِي يَتَسَبَّبُ بِالْعَدْلِ وَحُسْنِ الْقَوْلِ إلَى الْمَحَبَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالثَّنَاءِ مِنْهُمْ كَانَ مِنْ خِيَارِ الْأَئِمَّةِ، وَلَمَّا كَانَ هُوَ الَّذِي يَتَسَبَّبُ أَيْضًا بِالْجَوْرِ وَالشَّتْمِ لِلرَّعِيَّةِ إلَى مَعْصِيَتِهِمْ لَهُ وَسُوءِ الْقَالَةِ مِنْهُمْ فِيهِ كَانَ مِنْ شِرَارِ الْأَئِمَّةِ.
قَوْلُهُ: (لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُنَابَذَةُ الْأَئِمَّةِ بِالسَّيْفِ مَا كَانُوا مُقِيمِينَ لِلصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ ذَلِكَ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُنَابَذَةِ عِنْدَ تَرْكِهِمْ لِلصَّلَاةِ اهـ 
3- عن أبي أُمَامَة، قال : سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» رواه الترمذي [616] وصححه الألباني (وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرَكُمْ ") : أَيِ: الْخَلِيفَةَ وَالسُّلْطَانَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأُمَرَاءِ، أَوِ الْمُرَادُ الْعُلَمَاءُ، أَوْ أَعَمُّ أَيْ: كُلُّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرًا مِنْ أُمُورِكُمْ، سَوَاءٌ كَانَ السُّلْطَانَ وَلَوْ جَائِرًا وَمُتَعَلِّيًا وَغَيْرَهُ مِنْ أُمَرَائِهِ أَوْ سَائِرَ نُوَّابِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ انظر مرقاة المفاتيح [2/ 512] قال المباركفوري في تحفة الأحوذي [3/ 193] : قُلْتُ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ (ذَا أَمْرِكُمْ) فِي الْحَدِيثِ وَبِقَوْلِهِ أُولِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ هُمُ الْأُمَرَاءُ وَيُؤَيِّدُهُ شَأْنُ نُزُولِهَا فَرَوَى البخاري في صحيحه عن بن عَبَّاسٍ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قَالَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ انْتَهَى
وَعَقَدَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ابْتِدَاءِ كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِنْ صَحِيحِهِ بَابًا بِلَفْظِ بَابٌ قَوْلُ اللَّهِ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عصاني والثاني حديث بن عمر ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي هَذَا إِشَارَةٌ مِنَ الْمُصَنِّفِ إِلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي الْعُلَمَاءِ وقد رجح ذلك أيضا الطبري وقال بن عُيَيْنَةَ سَأَلْتْ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ عَنْهَا وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بَعْدَ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ مِثْلُهُ فَقَالَ اقْرَأْ مَا قَبْلَهَا تَعْرِفْ فَقَرَأْتُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أن تحكموا بالعدل الْآيَةَ فَقَالَ هَذِهِ فِي الْوُلَاةِ انْتَهَى
وَقَالَ العيني في عمدة القارىء ص 455 ج 8 قوله وأولى الأمر منكم فِي تَفْسِيرِهِ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا الْأَوَّلُ الْأُمَرَاءُ قاله بن عباس وأبو هريرة وبن زَيْدٍ وَالسُّدِّيُّ الثَّانِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الثَّالِثُ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ الرَّابِعُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ فِيمَا قَالَهُ الثَّعْلَبِيُّ الْخَامِسُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ قَالَهُ عَطَاءٌ السَّادِسُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ السَّابِعُ أَرْبَابُ الْعَقْلِ الذين يسوسون أمر الناس قاله بن كَيْسَانَ الثَّامِنُ الْعُلَمَاءُ وَالْفُقَهَاءُ قَالَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ التَّاسِعُ أُمَرَاءُ السَّرَايَا قَالَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ والعاشر أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَاخْتَارَهُ مَالِكٌ الْحَادِيَ عَشَرَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ شَيْءٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ ذَوِي الْأَمْرِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ اهـ
4- عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً رواه أحمد [16876] حسنه الألباني في ظلال الْجَنَّةِ (1057) وصححه شعيب الأرنؤوط
5- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً رواه البخاري (7053) ومسلم (1849) قال ابن حجر في فتح الباري (13/7) : قَالَ بن بَطَّالٍ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ وَلَوْ جَارَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ الْمُتَغَلِّبِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ وَأَنَّ طَاعَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَتَسْكِينِ الدَّهْمَاءِ وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الْخَبَرُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُسَاعِدُهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا وَقَعَ مِنَ السُّلْطَانِ الْكُفْرُ الصَّرِيحُ فَلَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ بَلْ تَجِبُ مُجَاهَدَتُهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي بعده اهـ يقصد حديث عبادة السابق 0
وقال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار [7/202] : قَوْلُهُ: (فَلْيَصْبِرْ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ". قَوْلُهُ: (مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا) كِنَايَةً عَنْ مَعْصِيَةِ السُّلْطَانِ وَمُحَارِبَتِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ السَّعْيُ فِي حَلِّ عَقْدِ الْبَيْعَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِذَلِكَ الْأَمِيرِ وَلَوْ بِأَدْنَى شَيْءٍ، فَكَنَّى عَنْهَا بِمِقْدَارِ الشِّبْرِ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي ذَلِكَ يَئُولُ إلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَوْلُهُ: (فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ".
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى " فَمَاتَ إلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ".
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ " وَفِي أُخْرَى لَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَقِيَ اللَّهَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ: «فَمَاتَ عَلَيْهِ إلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: الِاسْتِفْهَامُ هُنَا بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ: أَيْ مَا فَارَقَ الْجَمَاعَةَ أَحَدٌ إلَّا جَرَى لَهُ كَذَا أَوْ حَذَفَ مَا فَهِيَ مُقَدَّرَةٌ أَوْ إلَّا زَائِدَةٌ أَوْ عَاطِفَةٌ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ، وَالْمُرَادُ بِالْمِيتَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَنْ يَكُونَ حَالُهُ فِي الْمَوْتِ كَمَوْتِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى ضَلَالٍ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ مُطَاعٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَمُوتَ كَافِرًا بَلْ يَمُوتَ عَاصِيًا.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِثْلَ مَوْتِ الْجَاهِلِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلِيًّا، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ مَوْرِدَ الزَّجْرِ وَالتَّنْفِيرِ فَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَيُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَاهِلِيَّةِ التَّشْبِيهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَفِيهِ: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَكَأَنَّمَا خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» - صححه الألباني - اهـ
6- عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» رواه مسلم (1847) قال ابن تيمية في منهاج السنة (3/393) : فَهَذَا أَمْرٌ بِالطَّاعَةِ مَعَ ظُلْمِ الْأَمِير اهـ وقال النووي في شرح مسلم [12/ 237] : وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ هَذَا لُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامِهِمْ وَوُجُوبُ طَاعَتِهِ وَإِنْ فَسَقَ وَعَمِلَ الْمَعَاصِيَ مِنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَتَجِبُ طَاعَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَفِيهِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا وَقَدْ وَقَعَتْ كُلُّهَا اهـ قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار [7/207] : قَوْلُهُ: (فِي جُثْمَانِ إنْسٍ) أَيْ لَهُمْ قُلُوبٌ كَقُلُوبِ الشَّيَاطِينِ وَأَجْسَامٌ كَأَجْسَامِ الْإِنْسِ.
 قَوْلُهُ: (وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُك وَأُخِذَ مَالُك فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَإِنْ بَلَغُوا فِي الْعَسْفِ وَالْجَوْرِ إلَى ضَرْبِ الرَّعِيَّةِ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَقَوْلِهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] اهـ قال أصحاب القول الثاني : أولا : هذا الحديث مرسل ضعيف برهان ذلك  قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ في الإلزامات ص (182) : هَذَا عِنْدِي مُرْسَلٌ لِأَنَّ أَبَا سَلَّامٍ لَمْ يَسْمَعْ حُذَيْفَةَ اهـ قلت : بل صحيح بطرقه وصححه مسلم والحاكم والذهبي والنووي واحتج به ابن تيمية والشوكاني وصححه الألباني في الصحيحة [2739]وحسنه شعيب الأرنؤوط له طرق وهي في سنن أبي داود [4244] ومسند أحمد [5/406] وله شاهد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رواه ابن حبان في صحيحه [4562] بسند حسن قال النووي رحمه الله في شرح مسلم [12/ 237] : وَهُوَ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَكِنَّ الْمَتْنَ صَحِيحٌ متصل بالطريق الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا أَتَى مُسْلِمٌ بِهَذَا مُتَابِعَةً كَمَا تَرَى وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ إِذَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مُتَّصِلًا تَبَيَّنَّا بِهِ صِحَّةَ الْمُرْسَلِ وَجَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ اهـ
ثانيا : قالوا : هذا الحديث مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمقاتلة من قاتلك يريد أخذ مالك كما عند مسلم (140) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ» والرد على ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن مقاتلة السلطان إلا إذا كفر, وهو إذا أخذ مالك وجلد ظهرك لا يكون كافرا بذلك, فتكون منهيا عن مقاتلته, وهذا استثناء له من عموم الحديث. قال ابن حجر في فتح الباري [5/ 124] : قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ إِذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ إِلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنهُ من عُلَمَاء الحَدِيث كالمجمعين عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالته الأدلة على بطلان الاشتراكية (ص47) : ((ففي قوله صلى الله عليه وسلم : ((وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَ أُخِذَ مَالُكَ)) دليل على أن هذا الحديث مخصص لما سبق من الأحاديث التي تدل على الإذن بقتال من أراد أخذ المال من صاحبه, والحكمة في ذلك ما يلزم من الضرر العظيم بقتال الإمام, والشرع الحكيم لا يدفع أخف المفسدتين بأعلاهما, وإنما يدفع أعلاهما بأخفهما, وهذا مقتضى العقل والحكمة اهـ
7-  عن عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ» رواه البخاري (7052) بوب ابن حبان في صحيحه [10/447] على هذا الحديث بقوله : ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ عَلَى الْمَرْءِ عِنْدَ ظُهُورِ الْجَوْرِ أَدَاءَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ دُونَ الِامْتِنَاعِ عَلَى الْأُمَرَاءِ اهـ قال ابن تيمية في منهاج السنة (3/392) : فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْأُمَرَاءَ يَظْلِمُونَ وَيَفْعَلُونَ أُمُورًا مُنْكَرَةً، وَمَعَ هَذَا فَأُمِرْنَا أَنْ نُؤْتِيَهُمُ الْحَقَّ الَّذِي لَهُمْ، وَنَسْأَلَ اللَّهَ الْحَقَّ الَّذِي لَنَا، وَلَمْ يَأْذَنْ فِي أَخْذِ الْحَقِّ بِالْقِتَالِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي تَرْكِ الْحَقِّ الَّذِي لَهُمْ اهـ قال النووي رحمه الله في شرح مسلم [12/ 232] : هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْإِخْبَارُ مُتَكَرِّرًا وَوُجِدَ مُخْبَرُهُ مُتَكَرِّرًا وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي ظَالِمًا عَسُوفًا فَيُعْطَى حَقَّهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَلَا يُخْرَجُ عَلَيْهِ وَلَا يُخْلَعُ بَلْ يُتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كَشْفِ أَذَاهُ وَدَفْعِ شَرِّهِ وَإِصْلَاحِهِ --- وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا اسْتِئْثَارُ الْأُمَرَاءِ بِأَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ اهـ
8- عَنْ زِيَادِ بْنِ كُسَيْبٍ العَدَوِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَكْرَةَ تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَقَالَ أَبُو بِلَالٍ: انْظُرُوا إِلَى أَمِيرِنَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الفُسَّاقِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ» رواه الترمذي [2224] قلت : حديث حسن لغيره وقال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ اهـ وحسنه الألباني في ظلال الجنة [1018] قال صالح بن عبدالعزيز العثيمين في مقاصد الإسلام ص393: فإذا كان الكلام في الملك بغيبة أو نصحه جهراً والتشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يغشونهم ويخالطونهم، وينتفعون بنصيحتهم دون غيرهم – إلى أن قال – فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علناً، وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك، ليس من باب النصيحة في شيء، فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدى بهم والله يتولى هداك ا.هـ 
9- عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  «ثَلَاثَةٌ لَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَعَصَى إِمَامَهُ، وَمَاتَ عَاصِيًا رواه ابن حبان [4559] وصححه الألباني
10- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِسْعٍ: --- وَلَا تُنَازِعَنَّ وُلَاةَ الْأَمْرِ وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّكَ أَنْتَ رواه البخاري في الأدب المفرد [18] أي: وحدك على الحق حسن لغيره
وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد [7115] والألباني في الأدب المفرد
11- ومن ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نهي عن القتال في الفتنة ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» رواه البخاري [31] ومسلم (2888) والخروج يتضمن فتنة عظيمة يجب تجنبها
 12- عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ أَلَمْ تَسْمَعْ بِقَوْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ رواه أحمد [15333] وابن أبي عاصم في السنة (1096) وصححه الألباني وحسنه شعيب الأرنؤوط قَالَ الْفُضَيْلُ: الْمُؤْمِنُ يَسْتُرُ وَيَنْصَحُ، وَالْفَاجِرُ يَهْتِكُ وَيُعَيِّرُ انظر جامع العلوم والحكم (1/225) وقال السندي: قوله "من أراد أن ينصح لسلطان": أي نصيحة السلطان ينبغي أن تكونَ في السِّرَِّ لا بين الخلق انظر مسند أحمد ط الرسالة [24/50] قال ابن باز رحمه الله في مجموع فتاوى [8/210] : ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة.
ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها
لا حاكما ولا غير حاكم.
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه: ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.
ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه، وقد روى عياض بن غنم الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه » .
نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإخواننا المسلمين من كل شر، إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه اهـ
13- عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ " لَعَلَّكَ إِنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَأَطِعِ الْإِمَامَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا , إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ , وَإِنْ أَمَرَكَ بِأَمْرٍ فَاصْبِرْ , وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ , وَإِنْ ظَلَمَكَ فَاصْبِرْ , وَإِنْ أَمَرَكَ بِأَمْرٍ يُنْقِصُ دِينَكَ فَقُلْ: سَمْعٌ وَطَاعَةٌ , دَمِي دُونَ دِينِي رواه البيهقي في الكبرى [16628] وابن أبي شيبة [33711] صحيح على شرط مسلم
14- عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: «اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رواه البخاري [7068]
15- عن سَعِيد بن جُمْهَانَ قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ وَالِدُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَتَلَتْهُ الْأَزَارِقَةُ، قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْأَزَارِقَةَ، لَعَنَ اللَّهُ الْأَزَارِقَةَ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُمْ كِلَابُ النَّارِ» ، قَالَ: قُلْتُ: الْأَزَارِقَةُ وَحْدَهُمْ أَمِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا؟ قَالَ: «بَلِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا» . قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ، وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ، فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ، وَإِلَّا فَدَعْهُ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ» رواه أحمد [19415] قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9163] : رِجَالُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ اهـ وحسنه العلامة الألباني في ظلال الجنة [2/523]  
16- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ، قَالَ: كَانَ صَاحِبٌ لِي يُحَدِّثُنِي عَنْ شَأْنِ الْخَوَارِجِ، وَطَعْنِهِمْ عَلَى أُمَرَائِهِمْ، فَحَجَجْتُ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ مِنْ بَقِيَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عِنْدَكَ عِلْمًا، وَأُنَاسٌ بِهَذَا الْعِرَاقِ يَطْعَنُونَ عَلَى أُمَرَائِهِمْ، وَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ بِالضَّلَالَةِ. فَقَالَ لِي: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَلِيدٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَجَعَلَ يَقْسِمُهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَمَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَعْدِلَ فَمَا أَرَاكَ أَنْ تَعْدِلَ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ مَنْ يَعْدِلُ عَلَيْهِ بَعْدِي؟» فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: «رُدُّوهُ رُوَيْدًا» . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي أُمَّتِي أَخًا لِهَذَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ» ، ثَلَاثًا.
رواه ابن أبي عاصم في السنة [934] قال الألباني : إسناده صحيح على شرط البخاري اهـ وجه الدلالة :
أولا : أن مجرد الطعن يعتبره السلف خروجا على الحاكم ، ويحكم على الطاعن بأنه من الخوارج لقوله : يُحَدِّثُنِي عَنْ شَأْنِ الْخَوَارِجِ، وَطَعْنِهِمْ عَلَى أُمَرَائِهِمْ ثانيا : شدة السلف على الخوارج ، فها هو عمرو بن العاص يدعو باللعن على الخوارج لمجرد الطعن ثالثا : أن عمرا رضي الله عنه اعتبر من يطعن على الإمام أخا لذي الخويصرة – سيأتي - ، ولذلك احتج على السائل بقصة ذي الخويصرة ، ومعلوم لكل ذي عقل أن الطعن إنما يكون باللسان ، وهذا هو فهم أكثر السلف
17- عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قِيلَ لَهُ: أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ؟ وَاللهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ رواه البخاري [3267] ومسلم (2989) قال القاضي عياض في إكمال المعلم (8/ 538) : قوله بعد: " دون أن أفتح باباً لا [أحب أن] أكون أول مَنْ فتحه ": يعنى فى المجاهرة بالنكير والقيام بذلك على الأمراء، وما يُخشى من سوء عقباه كما تولد من إنكارهم جهارًا على عثمان بعد هذا، وما أدى إلى سفك دمه واضطراب الأمور بعده.
وفيه التلطف مع الأمراء، وعرض ما ينكر عليهم سراً، وكذلك يلزم مع غيرهم من المسلمين ما أمكن ذلك، فإنه أولى بالقبول وأجدر بالنفع، وأبعد لهتك الستر وتحريك الأنفة اهـ
18- ومن ذلك إجماع الصحابة ومن بعدهم من أئمة السلف على صحة الصلاة خلف أئمة الجور والفسق ، ولم يقل أحد منهم بجواز ترج الجمع والجماعات لأجل ظلم الأئمة ، وكذا في سائر الطاعات والقربات ، وفي الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ، وَلَا نُخْرِجُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ رواه أبو داود (2532) وقال شعيب الأرنؤوط في ت سنن أبي داود حسن لغيره مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن هَؤُلَاءِ يشاركون فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِم فِيهِ من طَاعَة الله فنصلي خَلفهم الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَغَيرهمَا من الصَّلَوَات الَّتِي يقيمونها هم لِأَنَّهَا لَو لم تصل خَلفهم أفْضى إِلَى تعطليها
ونجاهد مَعَهم الْكفَّار
ونحج مَعَهم الْبَيْت الْعَتِيق
ويستعان بهم فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَإِقَامَة الْحُدُود
فَإِن الْإِنْسَان لَو قدر أَن يحجّ فِي رفقه لَهُم ذنُوب وَقد جَاءُوا يحجون لم يضرّهُ هَذَا شَيْئا
وَكَذَلِكَ الْغَزْو وَغَيره من الإعمال الصَّالِحَة إِذا فعلهَا الْبر وشاركه فِي ذَلِك الْفَاجِر لم يضرّهُ ذَلِك شَيْئا فَكيف إِذا لم يُمكن فعلهَا إِلَّا على هَذَا الْوَجْه ويستعان بهم أَيْضا فِي الْعدْل فِي الحكم وَالْقسم فَإِنَّهُ لَا يُمكن عَاقِلا أَن يُنَازع فِي أَنهم كثيرا مَا يعدلُونَ فِي حكمهم وقسمهم ويعاونون على الْبر وَالتَّقوى وَلَا يعاونون على الْإِثْم والعدوان انظر المنتقى من منهاج الاعتدال (1/284) قلت : وهناك أحاديث وآثار عن الصحابة كثيرة تركت خشية الإطالة
19- استدلوا بالإجماع قال النووي في شرح مسلم (12/ 229) : وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَقِتَالُهُمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدِ ادَّعَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ فِي هَذَا الْإِجْمَاعَ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ هَذَا بِقِيَامِ الحسن وبن الزُّبَيْرِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَبِقِيَامِ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الحجاج مع بن الأشعث وتأول هذا القائل قوله أن لا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ فِي أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ قِيَامَهُمْ عَلَى الْحَجَّاجِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ بَلْ لِمَا غَيَّرَ مِنَ الشَّرْعِ وَظَاهَرَ مِنَ الْكُفْرِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ قال ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع ص (177) : وَرَأَيْت لبَعض من ينْسب نَفسه للإمامة وَالْكَلَام فِي الدَّين وَنصب لذَلِك طوائفه من الْمُسلمين فصولا ذكر فِيهَا الإجماع فأتى بِكَلَام لَو سكت عَنهُ لَكَانَ أسلم لَهُ فِي أخراه بل الخرس كَانَ أسْلَمْ لَهُ وَهُوَ ابْن مُجَاهِد البصرى الطَّائِي لَا الْمُقْرِئ فإنه أَتَى فِيمَا ادّعى فِيهِ الإجماع أَنهم أَجمعُوا على أن لَا يخرج على أَئِمَّة الْجور فاستعظمت ذَلِك ولعمري إنه عَظِيم أن يكون قد علم أن مُخَالف الإجماع كَافِر فيلقي هَذَا إلى النَّاس وَقد علم أَن افاضل الصَّحَابَة وَبَقِيَّة النَّاس يوم الْحرَّة خَرجُوا على يزِيد بن مُعَاوِيَة وَأَن ابْن الزبير وَمن اتبعهُ من خِيَار الْمُسلمين خَرجُوا عَلَيْهِ أَيْضا رَضِي الله عَن الخارجين عَلَيْهِ وَلعن قَتلتهمْ وَأَن الْحسن الْبَصْرِيّ وأكابر التَّابِعين خَرجُوا على الْحجَّاج بسيوفهم أَتَرَى هَؤُلَاءِ كفرُوا بل وَالله من كفرهم أَحَق بالْكفْر مِنْهُم ولعمري لَو كَانَ اخْتِلَافا يخفى لعذرناه وَلكنه أَمر مَشْهُور يعرفهُ أَكثر الْعَوام فِي الأسواق والمخدرات فِي خُدُورهنَّ لاشتهاره فَلَقَد يحِق على الْمَرْء أَن يخطم كَلَامه وَأَن يزمه الا بعد تَحْقِيق وميز وَأَن يعلم أن الله تَعَالَى بالمرصاد وأن كَلَامه مَحْسُوب مَكْتُوب مسئول عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة وَعَن كل تَابع لَهُ إلى آخر من اتبعهُ عَلَيْهِ وزره اهـ    


القول الثاني : يصح الخروج على الحاكم  الظالم وممن قال بجواز الخروج: ابن حزم ، والقرطبي ، والجويني، ، وابن الجوزي، وابن عقيل الحنبلي، وابن رزين ..انظر المظاهرات السلمية 1/77 وبذلك تكون دعوى الإجماع التي ينقلها الإمام النووي في "شرح مسلم" وغيره .. غير مسلَّم له فيها طالما وجد الخلاف!!واستدلوا :

1- قال تعالى : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} سورة البقرة (124) قالوا : هذه الآية دليل على أن الظالم لا يكون إماما ، وأن الإمامة لا تكون إلا لأهل العدل ، فإذا صار الإمام ظالما وجب حجزه عن الظلم ولو أدى الأمر إلى عزله والخروج عليه وأجيب : يمكن حملها على منع الظالم من تولية الإمامة ابتداء وليس على الخروج عليه بعد توليته ، لأن المنافاة بين الظلم وبين الإمامة في الابتداء لا تقتضي المنافاة في البقاء لأن الدفع أسهل من الرفع، على حد قول جمهور العلماء ، وهذا بالطبع ما لم يصل الظلم إلى حد الكفر أما إذا وصل إلى هذا الحد  فإنه ينافي الإمامة بقاء أيضا بلا ريب وينعزل به الخليفة قطعا ولو لم يتحقق العزل إلا بالخروج انظر روح المعاني [1/376] وهذه الآية عامة أي الظلم بمعنى الكفر المخرج من الملة، وقد يطلق على المعصية التي لا تخرج من الملة معارضة بنصوص خاصة في النهي عن الخروج على الأئمة ، وهم الظالمون الذين لا يخرجون من الملة ولا تعارض بين عام وخاص كما هو معلوم من علم الأصول

2- قال تعالى :{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] قالوا : أمر الله تعالى المؤمنين بالتعاون مع أهل العدل على البر والتقوى وكل ما فيه صلاح الأمة في دينها ودنياها ، ونهى عن التعاون مع الظلمة في ظلمهم وعدوانهم ، وهذا النهي يقتضي وجوب الأخذ على يد الظالم وكفه عن الظلم ، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس ، بل هو معاون للظالم على ظلمه ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ على يدي الظالم فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: «تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» رواه البخاري [6952] فإذا صار الإمام ظالما وجب حجزه عن الظلم ولو أدى الأمر إلى عزله والخروج عليه وأجيب : هذه الآية أمرت بالتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان ، وغاية ما فيها في موضوعنا أن يمتنع المؤمنون عن التعاون مع الحاكم الظالم فيما يظلم فيه ، فيطاع في طاعة الله ، ولا يطاع فيما يأمر به من معاصي الله ، لأنه لا طاعة في معصية ، ما لم يكن المأمور مكرها إكراها ملجئا ، وليس الخروج على الأئمة من التعاون على البر والتقوى ، بل قد يكون من الإثم والعدوان المنهي عليه لما ترتب عليه من مضار وبالجملة فهذه الآية عامة معارضة بنصوص خاصة في النهي عن الخروج على الأئمة ، ولا تعارض بين عام وخاص كما هو معلوم من علم الأصول   

3- عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا رَأَيْتَ أُمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: أَنْتَ ظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ رواه أحمد [6784] ضعفه الألباني  وشعيب الأرنؤوط قال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي وصححه أحمد شاكر قلت : الراجح حديث حسن لغيره والرد على ذلك هذا الحديث عام خص بالأدلة السابقة وانظر ما قبله

4- قال تعالى : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] قالوا : فأوجب الله قتال الفئة الظالمة سواء كانت هذه الفئة في جانب الحاكم أو ضده طالما أنها مصرة على الظلم والبغي ، فإن رجعت إلى الحق وأذعنت له فلا حاجة للقتال حينئذ ، ولكن الحاجة تكون ماسة لإقرار النظام القائم على العدل والقسط ولو لم يكن القتال واجبا في هذه الحالة لما أمر الله تعالى به وأجيب : الحقيقة التي لا جدال فيها أن هذه الأدلة لا تسلم من المعارضة فالآية التي استدلوا بها عامة والاحتمال الوارد عليها كثيرة فهذه الآية نزلت في حق المقتتلين من المؤمنين ، وهذا واضح من منطوق الآية ، ويشهد له ما ورد في أسباب نزولها ، أما أن يستدل بهذه الآية على استحداث قتال بين المؤمنين فهو استدلال بعيد

وكذلك فالآية تأمر بالإصلاح بين المتقاتلين أولا وآخرا ، فإذا لم تنفع سبل الإصلاح في وقف هذا القتال وجب على أهل الحق أن يضربوا على يد الباغي حتى يوقف القتال ويذعن للصلح فهذه الآية وغيرها عامة معارضة بنصوص خاصة في النهي عن الخروج على الأئمة كما سبق ولا تعارض بين عام وخاص كما هو معلوم من علم الأصول   

5- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ» رواه الحاكم [4884] وحسنه الالباني في صحيح الجامع [3675] وانظر الصحيحة [374] وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» رواه الترمذي [2174] وصححه الألباني الرد على ذلك : فالحديث الذي احتجوا به ليس إلا رجلا وقف عند إمام جائر بمعنى أنه وقف أمامه ؛ لأن عند ظرف مكان ، وبدلالة اللغة يقتضي أن يكون أمامه ، وأما الذين في الميادين لا يقال بأنهم عنده لا لغة ولا عرفا ولا شرعا ، فنصحه فما كان من هذا الإمام الجائر إلا أن قتله ، وما قبل النصيحة ، وفرق بين النصيحة للحاكم والخروج على الحاكم فقائل هذا الحديث هو النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لنا سبيل هذا الجهاد وهو أن النصيحة للحاكم يجب أن تكون سرا وليست في العلانية فلو قتله الحاكم وهو بينصحه سرا لا جهرا كما في الميادين أو غير ذلك فهو سيد الشهداء والدليل على هذا الكلام عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ أَلَمْ تَسْمَعْ بِقَوْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ رواه ابن أبي عاصم في السنة (1096) وصححه الألباني فبينت السنة أن النصيحة للحاكم يجب أن تكون سرا وليست في العلانية

6- قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

7- عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "اؤمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلَا يُسْتَجَابَ لَكُمْ رواه ابن ماجه (4004) وحسنه الألباني وشعيب الأرنؤوط 0

8- عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا ظَالِمًا، فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ» رواه الترمذي [3057] وصححه الألباني

والرد على ذلك : قال الشوكاني في نيل الأوطار [7/208] : وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَى الظَّلَمَةِ وَمُنَابَذَتِهِمْ السَّيْفَ وَمُكَافَحَتِهِمْ بِالْقِتَالِ بِعُمُومَاتٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَاهَا أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ مُطْلَقًا، وَهِيَ مُتَوَافِرَةُ الْمَعْنَى كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَنَسَةٌ بِعِلْمِ السُّنَّةِ اهـ

9- عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم (49) ففي هذا الحديث دليل على جواز الإنكار على الولاة ولو في ملأ من الناس لأن اليوم الذي أنكر فيه الرجلُ على مروان بن الحكم الأموي كان يوم عيد وفي صلاة العيد حيث يشهدها الألوف من الناس وبحضور الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي فهم الفهم الصحيح لحديث : ( من رأى منكم منكرا فليغيره ..) وأنه يشمل الحاكم والمحكوم وأنه لا يشترط في النصيحة أن تكون سرا لأنه لم يُنكر على الرجل قيامه إلى مروان أمام الناس مما يدل على أن هذا أمر معروف عند السلف : أن ينصح الحاكم وينتقده ولو في ملأ من الناس
10- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ»
 رواه البخاري (3730) وبوب له البخاري فقال : بَابُ مَنْ لَمْ يَكْتَرِثْ بِطَعْنِ مَنْ لاَ يَعْلَمُ فِي الأُمَرَاءِ حَدِيثًا قالوا : فلم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن الطعن في الأمير وانتقاده وإنما دافع عنه بما يعلمه من حاله ،ولم يقل لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لا تطعنوا في الأمير 

وأجيب : هذه النصوص ليست في محل النزاع أصلا ...
فالذين يحرمون التشهير و التشنيع على ولاة الأمور إنما يحرمونه في غيبة الولاة ..أي أمام الناس دون وجود ولي الأمر ..و لا يحرمون الانكار على ولي الأمر في حضوره إذا خالف بل هذا مشروع مطلوب وفرق بين النصيحة للحاكم والخروج على الحاكم كما سبق من الأدلة
سئل ابن عثيمين كما في لقاء مفتوح (62/ 10) : فضيلة الشيخ! هناك من يقول: إن الإنكار على الولاة علناً من منهج السلف، ويستشهد بحديث أبي سعيد الخدري في إنكاره على مروان بن الحكم حينما قدم الخطبة على الصلاة، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم) وبحديث (سيد الشهداء رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) فهل هذا كلام صحيح؟ وكيف الجمع بين هذه الآثار الصحيحة وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية) نرجو التفصيل في هذه المسألة، حيث أن كثير من شباب الصحوة يجهل الحكم الصحيح في هذه المسألة، وبخاصة أن هناك من الدعاة من يقول: إن الإنكار على الولاة علناً من منهج السلف، مما يجعل الشباب يثور ويظن أن عدم الإنكار علناً دليل المداهنة في الدين وغير ذلك، ولما لهذه المسألة من خطورة، نرجو التفصيل وجزاكم الله خيراً؟ الجواب
 هذا السؤال مهم، وجوابه أهم منه في الواقع، ولا شك أن إنكار المنكر واجب على كل قادر عليه، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:104-105] واللام في قوله: (ولتكن) لام الأمر، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم) أي: كما لعن بني إسرائيل الذين قال الله عنهم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:78-79] .
ولكن يجب أن نعلم أن الأوامر الشرعية في مثل هذه الأمور لها مجال، ولا بد من استعمال الحكمة، فإذا رأينا أن الإنكار علناً يزول به المنكر ويحصل به الخير فلننكر علناً، وإذا رأينا أن الإنكار علناً لا يزول به الشر، ولا يحصل به الخير بل يزداد ضغط الولاة على المنكرين وأهل الخير، فإن الخير أن ننكر سراً، وبهذا تجتمع الأدلة، فتكون الأدلة الدالة على أن الإنكار يكون علناً فيما إذا كنا نتوقع فيه المصلحة، وهي حصول الخير وزوال الشر، والنصوص الدالة على أن الإنكار يكون سراً فيما إذا كان إعلان الإنكار يزداد به الشر ولا يحصل به الخير.
وأقول لكم: إنه لم يضل من ضل من هذه الأمة إلا بسبب أنهم يأخذون بجانب من النصوص ويدعون جانباً، سواء كان في العقيدة أو في معاملة الحكام أو في معاملة الناس، أو في غير ذلك، ونحن نضرب لكم أمثالاً حتى يتضح الأمر للحاضرين وللسامعين: مثلاً: الخوارج والمعتزلة رأوا النصوص التي فيها الوعيد على بعض الذنوب الكبيرة فأخذوا بهذه النصوص، ونسوا نصوص الوعد التي تفتح باب الرجاء، -فمثلاً- قالوا: إذا قتل الإنسان مؤمناً عمداً فإنه يكون كافراً -على رأي الخوارج -مباح الدم مخلداً في النار، وعلى رأي المعتزلة يقولون: إذا قتله خرج من الإسلام لكن لا يدخل في الكفر؛ لأننا لا نستطيع أن نجزم بأنه كافر، فنقول: خرج من الإسلام وكان في منزله بين الإسلام وبين الكفر، ولكنه مخلد في النار، ثم أهملوا آيات الوعد وأحاديث الوعد الدالة على أن الله سبحانه وتعالى يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من الإيمان.
ثم قابلهم آخرون وقالوا: الإنسان مهما عمل من المعاصي التي دون الكفر فإنه مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل النار أبداً، وقالوا: إن قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ.
} [النساء:93] هذه في الكافر إذا قتل مؤمناً، الآن لماذا ضل هؤلاء وهؤلاء؟ لأنهم أخذوا بجانب واحد من النصوص.
كذلك -مثلاً- في صفات الله عز وجل تجد أن بعض الناس قال: إن الله عز وجل لا يمكن أن يجيء بنفسه، ولا يمكن أن ينزل إلى السماء الدنيا، وليس له وجه، وليس له يدان، لماذا؟ قالوا: لأن الله قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] قالوا: وأنت إذا أثبت هذه الأمور مثَّلت الله.
وقابلهم أناس آخرون فقالوا: إن الله تعالى أثبت لنفسه وجهاً، وأثبت له يدين، وأثبت أنه ينزل، وأنه يجيء، فوجهه كوجوهنا، ويده كأيدينا، ونزوله كنزولنا، ومجيئه كمجيئنا؛ لأننا لا نعقل من المجيء واليد والوجه إلا ما نشاهد، والله خاطبنا بما يمكن إدراكه، فيكون مجيء الله ووجه الله ويد الله ونزول الله مثل ما يثبت لنا.
إذاً: هؤلاء في طرف وهؤلاء في طرف، وكلهم ضالون؛ لأن كل واحد أخذ بجانب، فنحن نقول: إن الله تعالى له وجه وله يدان ويجيء وينزل لكن ليس كأيدينا وكوجوهنا وحاشاه من ذلك عز وجل؛ لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] .
كذلك أيضاً في مسألة مناصحة الولاة، من الناس من يريد أن يأخذ بجانب من النصوص وهو إعلان النكير على ولاة الأمور، مهما تمخض عنه من المفاسد، ومنهم من يقول: لا يمكن أن نعلن مطلقاً، والواجب أن نناصح ولاة الأمور سراً كما جاء في النص الذي ذكره السائل، ونحن نقول: النصوص لا يكذب بعضها بعضاً، ولا يصادم بعضها بعضاً، فيكون الإنكار معلناً عند المصلحة، والمصلحة هي أن يزول الشر ويحل الخير، ويكون سراً إذا كان إعلان الإنكار لا يخدم المصلحة، لا يزول به الشر ولا يحل به الخير.
وأنتم تعلمون -بارك الله فيكم- أن ولاة الأمور لا يمكن أن يرضوا جميع الناس أبداً، حتى إمام المسجد، هل يرضي جميع المصلين؟ لا.
بعضهم يقول: تبكر! وبعضهم يقول: تطول! وبعضهم يقول: تقصر! وفي الشتاء يتنازعون والذي يصلي في الشمس والذي يصلي في الظلال لا يحصل الاتفاق، فإذا أعلن النكير على ولاة الأمور استغله من يكره (وجعل من الحبة قبة) وثارت الفتنة، وما ضر الناس إلا مثل هذا الأمر! الخوارج كانوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جيش الشام، وعندما تصالح علي مع جيش الشام حقناً لدماء المسلمين صاروا ضده، وقالوا: أنت كافر.
كفروا علي بن أبي طالب -والعياذ بالله- لماذا؟ لأن رعاع الناس وغوغاء الناس لا يمكن ضبطهم أبداً، وإعلان النكير على ولاة الأمور يستغله هؤلاء الغوغاء ليصلوا إلى مآربهم، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكنه رضي بالتحريش بينهم) بين من؟ بين سكان الجزيرة، يحرش بينهم حتى تؤدي المسائل إلى القتل ويلاقي الإنسان أخاه في الإسلام وربما أخاه في النسب أو ابن عمه أو صهره فيقتله على أي شيء؟ ولا على شيء.
فالحاصل أننا نقول: يجب على شباب الصحوة أن ينظروا إلى النصوص من جميع الجوانب، وألا يقدموا على شيء حتى ينظروا ما عاقبته، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فاجعل هذا ميزاناً لك في كل أقوالك، وكذلك في كل أفعالك، والله الموفق اهـ
11- عن أُمّ الْحُصَيْنِ، قالت : حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا كَثِيرًا: ثُمَّ سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: " إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ - حَسِبْتُهَا قَالَتْ: أَسْوَدُ - يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا  رواه مسلم (1838) قالوا : فإن لم يقودنا بكتاب الله نخرج عليه والرد على ذلك : هذا مردود من وجوه:
الأول : إن الأخذ بمفهوم المخالفة من النصوص الشرعية ليس على إطلاقه؛خصوصًا إذا كان هذا المفهوم سوف يثبت به أحكام شرعية فالأخذ بمفهوم المخالفة له ضوابط وقيود تجدها مبسوطة في كتب الأصول، ومن الضوابط أنه إذا تعارض مفهوم ومنطوق يقدم المنطوق على المفهوم والأحاديث الواردة عن النبي تمنع من الخروج على الحكام ولو ظلموا ولو فسقوا وعصوا، ولم تستثنِ هذه الأحاديث خروجًا إلا الخروج في حالة الكفر الصريح الذي لا تأويل فيه وهي أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي كما ذكر ذلك الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (7/199).
الثاني: أننا على فرض صحة الأخذ بمفهوم المخالفة في هذا الحديث؛ فيكون الكلام تقديره: "لَوْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ لاَ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فلا َتَسْمَعُوا لَهُ وَلاَ تُطِيعُوا". أقول: فهل يُفْهَمُ من هذا أنه تسقط طاعته مطلقًا كما يتوهم البعض من ذلك؟!؛ أم يُفْهَمُ منه أنه إذا لم يقدنا بكتاب الله فيما أمر فلا نسمع له ولا نطيع فيما أمر فقط مما خالف فيه كتاب الله؟!. فإن أجيب بالاحتمال الأول المُتَوَهَّم؛ لزم من ذلك أن يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم "فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ" على سقوط الولاية والطاعة لأي حاكم مطلقًا لمجرد أنه أمر بالمعصية ولو لمرة واحدة!، ولا يقول بذلك إلا الخوارج!. 
قال ابن بطال في "شرحه للبخاري" (5/126) قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ" احتج بهذا الحديث الخوارج ورأوا الخروج على أئمة الجور والقيام عليهم عند ظهور جورهم"اهـ.
فالحديث لم يأتي فيه لفظ الخروج وإنما عدم السمع والطاعة في حالة لم يقدنا بكتاب الله فيما أمر أي فيما خالف فيه كتاب الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق والأحاديث تفسر بعضها بعضا..والأحاديث الواردة عن النبي تمنع من الخروج على الحكام ولو ظلموا ولو فسقوا وعصوا، ولم تستثنِ هذه الأحاديث خروجًا إلا الخروج في حالة الكفر الصريح الذي لا تأويل فيه وهي أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي كما ذكر ذلك الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (7/199) ويؤيد هذا الكلام حديث حذيفة السابق ---- «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» رواه مسلم فهل هذا يقود بكتاب الله ؟ ومع ذلك أمرنا ألا نخرج عليه وأيضا سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ» رواه مسلم (1846) فهل هذا الحاكم الذي يمنعنا حقنا يحكم بما أنزل الله ومع ذلك لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على السائل تسميتهم أمراء في قوله : أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ 0
قال القاضي عياض في إكمال المعلم [6/242] : وفى قوله فى آخر الحديث: " يقودكم بكتاب الله " تفسير لما تقدم؛ إذ الطاعة فى هذا فيما لم يخالف أمر الله اهـ وقد بوب لهذا الحديث كل من النسائي في سننه [7/154] فقال : الْحَضُّ عَلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ وابن أبي عاصم في السنة فقال [2/492] : بَابٌ فِي ذِكْرِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وابن ماجه في سننه [2/953] : بَابُ طَاعَةِ الْإِمَامِ والبيهقي في سننه [3/270] : بَابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ، وَمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ، وَالصَّبْرُ عَلَى أَذًى يُصِيبُهُ مِنْهُ، وتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ وبوب له النووي في شرحه لصحيح مسلم [12/222] فقال : (بَاب وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ (وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ) فعلماء السلف استدلوا بهذا الحديث على السمع والطاعة في المعروف والنهي عن الطاعة في معصية الله كسائر أحاديث الباب ولم ينقل عن أحد منهم أنه استدل بهذا الحديث على جواز الخروج على الحاكم الذي لا يقيم كتاب الله
12- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ مِنْ رَهْطِهِ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَسَلَحْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ سَيْفًا، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: لَوْ رَأَيْتَ مَا لَامَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعَجَزْتُمْ إِذْ بَعَثْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ فَلَمْ يَمْضِ لِأَمْرِي، أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لِأَمْرِي؟» رواه أبو داود [2627] وحسنه الألباني قالوا : هذا الحديث يدل على أمر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بأن الإمام إذا لم يمض على سنة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وحاد عنها، فإنه يعزل ويجعل مكانه من يتبع السنة ويسير على منهاجها والرد على ذلك : أولا : إذا صح معنى الحديث كما قالوا فهذا الحديث متشابه يجب رده إلى المحكمات مثل حديث ابن عباس مرفوعا السابق «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ مَا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِ»
ثانيا : فليس في الحديث من قريب ولا من بعيد على مرادهم وإنما فيه أن ولي الأمر إذا أمر بفعل شيء ثم لم يفعله المأمور به فليفعله غيره وليس في الحديث غير هذا
13- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ، فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ "، ثُمَّ قَالَ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [ص:122] عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إِلَى قَوْلِهِ {فَاسِقُونَ} [المائدة: 81]، ثُمَّ قَالَ: «كَلَّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا» رواه أبو داود [4336] وضعفه الألباني
14 - عن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عُبَادَةَ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ، قَالَ:  «اسْمَعْ وَأَطِعْ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ، وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ، وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ بَوَاحًا» رواه ابن حبان [4566] وصححه الألباني قالوا : فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط الكفر ، بل بمجرد المعصية تخرج عليه والرد على ذلك بما يلي :
أولا : هذه الرواية مخالفا بما ثبت في الصحيحين «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»
رواية ابن حبان شاذة لأنها أبدال لفظ بلفظ كما رجح شيخنا مصطفى العدوي فالصحيح لفظة إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ ولكن الجمع مهما أمكن أولى من الشذوذ كما سيأتي ثانيا : فإن صحت هذه الرواية يجب تفسير المعصية هنا بالكفر فالكفر يصح أن يسمى معصية ثالثا : لو صحت يمكن الجمع بينهما فرواية : إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ بَوَاحًا هذا في باب السمع والطاعة ، وسياق الحديث يدل على ذلك ، فإذا أمر الحاكم بمعصية ؛ فلا سمع له ولا طاعة ، وأما رواية : إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا هذه في باب الخروج ؛ لأن سياق الحديث في المنازعة يوضح هذا عن عَوْف بْن مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ، قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قَالُوا: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» رواه مسلم (1855) رابعا : قال ابن حجر في فتح الباري [13/8] : وَالَّذِي يَظْهَرُ حَمْلُ رِوَايَةِ الْكُفْرِ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ فِي الْوِلَايَةِ فَلَا يُنَازِعُهُ بِمَا يَقْدَحُ فِي الْوِلَايَةِ إِلَّا إِذَا ارْتَكَبَ الْكُفْرَ وَحَمْلُ رِوَايَةِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ فِيمَا عَدَا الْوِلَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَقْدَحْ فِي الْوِلَايَةِ نَازَعَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ بِأَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَيَتَوَصَّلَ إِلَى تَثْبِيتِ الْحَقِّ لَهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قَادِرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
15- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» رواه مسلم (50) وفي رواية قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَيَكُونُ أُمَرَاءُ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يقولون فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ لَا إِيمَانَ بَعْدَهُ رواه ابن حبان (177) وصححه الألباني
 قالوا : وهو حديث يدل على جهاد الحكام باليد واللسان ولو أمام الملأ قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم (2/248) : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جِهَادِ الْأُمَرَاءِ بِالْيَدِ اهـ والرد على ذلك : أولا : رواية مسلم تبين أن هذا شرع ما قبلنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي بل لو حمل على القتال لكان مخالفا لشريعتنا وإذا تعارض شرع من قبلنا مع شرعنا فإن شرعنا مقدم على شرع من قبلنا قال ابن الصلاح وأقره النووي : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَسُوقٌ فِيمَنْ سَبَقَ مِنَ الْأُمَمِ انظر شرح مسلم [2/28] ثانيا : رواية ابن حبان عامة أي سواء كان الذي ثبت كفره وترك ومنع الصلاة وسواء كان مسلم عادل أو ظالم فهذه الرواية عامة معارضة بنصوص خاصة في النهي عن الخروج على الأئمة  ومنابذتهم ، والأمر بالصبر على ظلمهم ، كما ثبت من النصوص السابقة ، ولا تعارض بين عام وخاص كما هو معلوم من علم الأصول
ثالثا : رواية ابن حبان شاذه كما قال الإمام أحمد ورجحه شيخنا مصطفى العدوي فهي مخالفة لرواية مسلم حتى ولو صحت فقائل هذا الحديث هو النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لنا سبيل هذا الجهاد وهو النصح والوعظ والإرشاد ، وعدم المشاركة في الظلم ، وإنكاره بكل وسيلة ثم الصبر عليهم وعدم الخروج عليهم إلا في حالة الكفر البواح قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم (2/248) : وَقَدِ اسْتَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ: هُوَ خِلَافُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقِتَالَ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، فَقَالَ: التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ، وَحِينَئِذٍ فَجِهَادُ الْأُمَرَاءِ بِالْيَدِ أَنْ يُزِيلَ بِيَدِهِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، مِثْلُ أَنْ يُرِيقَ خُمُورَهُمْ أَوْ يَكْسِرَ آلَاتِ الْمَلَاهِي الَّتِي لَهُمْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ يُبْطِلَ بِيَدِهِ مَا أَمَرُوا بِهِ مِنَ الظُّلْمِ إِنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ قِتَالِهِمْ، وَلَا مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمِ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ اهـ
16- قال الله سبحانه وتعالى واصفاً قوم فرعون: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54] قالوا : ففرعون كان يظلم ولا أحد يقول له شيئاً، فجعل الله اللوم والمؤاخذة على فرعون وقومه، بقوله سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} ولم يعذرهم ..وفسقهم بأنهم لم يقولوا لفرعون هذا ظلمٌ لا نقبله والرد على ذلك : فسقهم لأنهم أطاعوه ونحن نقول ذلك بان من أطاع فى معصية الله فهو فاسق ولا يجوز طاعة أحد فى معصية الله .. لكن لا يستلزم من أنه يعصى الله أننى أخرج عليه .. فأنا لا أطيعه ولا أخرج عليه.. وهذا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال .. أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ»
17- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» رواه البخاري [2955] ومسلم (1839) قال ابن بطال : قال المؤلف: احتج بهذا الحديث الخوارج ورأوا الخروج على أئمة الجور والقيام عليهم عند ظهور جورهم، والذى عليه جمهور الأمة أنه لا يجب القيام عليهم ولا خلعهم إلا بكفرهم بعد الإيمان وتركهم إقامة الصلوات، وأما دون ذلك من الجور فلا يجوز الخروج عليهم انظر شرح البخاري [5/126]
18- قالوا : الخروج إنما يكون بالسيف أما اللسان فلا يسمى خروجا
والرد على ذلك : أولا : ذُو الْخُوَيْصِرَةِ قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللَّهَ،- وفي رواية قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْدِلْ  فقال عنه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ رواه البخاري [7432] ومسلم (1064)لقد عده النبي – صلى الله عليه وسلم – خارجيا ، بل إماما للخوارج الذين يأتون من بعده ، مع أن ذا الخويصرة هذا لم يُشْهِر سيفًا، ولم يُقاتِل النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وإنما قال (كلمة)!!: «اعدلْ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تعليقه على حديث ذي الخويصرة:" بل العجب أنه وجَّه الطعن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: اعدل، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، وهذا أكبر دليل على أن الخروج على الإمام يكون بالسيف، ويكون بالقول والكلام، يعني: هذا ما أخذ السيف على الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه أنكر عليه".
ونحن نعلم علم اليقين بمقتضى طبيعة الحال أنه لا يمكن خروج بالسيف إلا وقد سبقه خروج باللسان والقول انظر تعليقه على رسالة الإمام الشوكاني رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين الشريط 2/أ
 ثانيا : حديث ابن عباس السابق وجه الدلالة منه : الخروج باللسان والمظاهرات والاعتصامات والإضرابات كل هذا يضاد قوله صلى الله عليه وسلم : فليصبر ، وينافي الأمر بالصبر ثالثا : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ قَتْلَاهَا فِي النَّارِ، اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ» رواه أبو داود [4265] وصححه العلامة أحمد شاكر في مسند أحمد [6980] وضعفه الترمذي والألباني انظر الضعيفة [3229] وشعيب الأرنؤوط وهو الراجح وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل اللسان أشد من السيف ، فكيف يقال إن الخروج لا يكون إلا باللسان ، فهذه مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم  قلت : الحديث ضعيف وما سبق يكفي على الرد على هذه الشبهة رابعا : عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا الْفِتْنَةُ بِاللِّسَانِ وَلَيْسَتْ بِالْيَدِ رواه الداني في السنن الواردة في الفتن [2/445] بسند ضعيف فابن جريج لم يسمع من ابن عباس انظر سير أعلام النبلاء [6/327] وهو مدلس كما بينت في كتابي مراتب المدلسين
19- قالوا : إن الحكام لا يحكمون بما أنزل الله إذا فهم كفار ويجوز الخروج عليهم وانتزاع الحكم منهم واعطائه لمن يقيم الدين ويستدلون بالآية الكريمة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}سورة المائدة [44] والرد على ذلك : قلت : هذا فيه تفصيل، فمن حكم بغير ما أنزل الله إذا استحله ورأى أنه حلال فإنه يكفر، أما إذا لم يستحله فذلك فسق ومعصية ، قال ـ تعالى ـ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} في هذه الآية الكريمة أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر. وهذا الكفر تارة يكون كفرا أكبر ينقل عن الملة إذا استحله ورأى أنه حلال وتارة يكون كفرا أصغر لا يخرج من الملة، إذا لم يستحله فنسأل الله سبحانه أن يوفق حكام المسلمين جميعاً للحكم بشريعته والتحاكم إليها وإلزام شعوبهم بها، والحذر مما يخالف ذلك. إنه جواد كريم فأذكر كلام مختصرا من أقوال العلماء ومن أراد الزياده فليرجع إلى كتابي ما حكم من يحكم بغير ما أنزل الله وعقيدة أهل السنة والجماعة 0
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}
قال الْقُرْطُبِيّ : وَهَذَا يَخْتَلِفُ إِنْ حَكَمَ بِمَا عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ تَبْدِيلٌ لَهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ هَوًى وَمَعْصِيَةً فَهُوَ ذَنْبٌ تُدْرِكُهُ الْمَغْفِرَةُ عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْغُفْرَانِ لِلْمُذْنِبِينَ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَمَذْهَبُ الْخَوَارِجِ أَنَّ مَنِ ارْتَشَى، وَحَكَمَ بِحُكْمِ غَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَعَزَا هَذَا إِلَى الْحَسَنِ، وَالسُّدِّيِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَلَّا يَتَّبِعُوا الْهَوَى، وَأَلَّا يَخْشَوُا النَّاسَ وَيَخْشَوْهُ، وَأَلَّا يَشْتَرُوا بِآيَاتِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَاتِ أَنَّ آيَةَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، نَازِلَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ قَبْلَهَا مُخَاطِبًا لِمُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ: فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، فَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُتَبَادِرٌ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَعَلَيْهِ فَالْكُفْرُ إِمَّا كُفْرٌ دُونَ كَفْرٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ، أَوْ قَاصِدًا بِهِ جَحْدَ أَحْكَامِ اللَّهِ وَرَدِّهَا مَعَ الْعِلْمِ بِهَا.
أَمَّا مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ مُرْتَكِبٌ ذَنْبًا، فَاعِلٌ قَبِيحًا، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْهَوَى فَهُوَ مِنْ سَائِرِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ انظر أضواء البيان (1/ 407)
وقال الطبري في تفسيره (8/ 464) وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ: كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ , وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ , وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: عَنْ عَطَاءٍ , قَوْلُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] قَالَ: «كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ , وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ , وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٌ» عَنْ طَاوُسٍ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] قَالَ: «لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ»
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] قَالَ: «هِيَ بِهِ كُفْرٌ , وَلَيْسَ كُفْرًا بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 44] فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ بِهِ كُفْرٌ , وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبِكَذَا وَكَذَا – أي كفر أصغر -اهـ
وقال العلامه الألبانى رحمه الله فى " السلسله الصحيحه" 6/113
" روى بن جرير الطبرى بإسناد صحيح عن بن عباس( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال هى به كفر وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وفى رواية عنه فى هذه الآية : إنه ليس بالكفر الذى يذهبون إليه إنه ليس كفراً ينقل عن المله كفر دون كفر.
أخرجه الحاكم 2/313 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبى وحقهما أن يقولا على شرط الشيخين فإن إسناده كذلك ثم رأيت الحافظ بن كثير نقل فى تفسيره عن الحاكم أنه صحيح على شرط الشيخين .
وفى أخرى عنه من رواية على بن أبى طلحه عن بن عباس قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق. أخرجه بن جرير 12063،
قلت: وبن أبى طلحة لم يسمع من بن عباس لكنه جيد فى الشواهد.
ثم روى 12052 عن سعيد المكى عن طاووس قال: ليس بالكفر ينقل عن الملة وإسناده صحيح اهـ
وقال إسماعيل ابن سعيد,فى سؤلات ابن هانئ 2/192
سألت أحمد بن حنبل فى{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}قلتُ فما هذا الكفر؟ قال كفر لا يخرج من الملة"اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 312)
وَإِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ: إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَكُفْرٌ لَيْسَ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قَالُوا:كَفَرُوا كُفْرًا لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ وَقَدْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ اهـ
وسئل ابن باز هَل يعْتَبر الْحُكَّام الَّذين يحكمون بِغَيْر مَا أنزل الله كفَّارًا وَإِذا قُلْنَا إِنَّهُم مُسلمُونَ فَمَاذَا نقُول عَن قَوْله تَعَالَى وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ الْجَواب الحكم بِغَيْر مَا أنزل الله أَقسَام تخْتَلف أحكامهم بِحَسب اعْتِقَادهم وأعمالهم فَمن حكم بِغَيْر مَا أنزل الله يرى أَن ذَلِك أحسن من شرع الله فَهُوَ كَافِر عِنْد جَمِيع الْمُسلمين وَهَكَذَا من يحكم القوانين الوضعية بَدَلا من شرع الله وَيرى أَن ذَلِك جَائِزا وَلَو قَالَ إِن تحكيم الشَّرِيعَة أفضل فَهُوَ كَافِر لكَونه اسْتحلَّ مَا حرم الله أما منحكم بِغَيْر مَا أنزل الله اتبَاعا للهوى أَو لرشوة أَو لعداوة بَينه وَبَين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ أَو لأسباب أُخْرَى وَهُوَ يعلم أَنه عَاص لله بذلك وَأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ تحكيم شرع الله فَهَذَا يعْتَبر من أهل الْمعاصِي والكبائر وَيعْتَبر قد أَتَى كفرا أَصْغَر وظلما أَصْغَر وفسقا أَصْغَر كَمَا جَاءَ هَذَا الْمَعْنى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَعَن طَاوُوس وَجَمَاعَة من السّلف الصَّالح وَهُوَ الْمَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم وَالله ولي التَّوْفِيق مَجْمُوع فتاوي سماحة الشَّيْخ ابْن باز 3416
وأختم بكلام لأبى محمد بن حزم فى الفِصَل في الملل والأهواء والنحل (3 / 130) قال :"فَإِن الله عز وَجل قَالَ {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} فَيلْزم الْمُعْتَزلَة أَن يصرحوا بِكفْر كل عَاص وظالم وفاسق لِأَن كل عَامل بالمعصية فَلم يحكم بِمَا أنزل الله اهـ
 قلت:وإبن حزم وهو الظاهرى لم يأخذ بظاهر الآية لعلمه بالصارف
20- قالوا : أن أحاديث السمع والطاعة في الحاكم الشرعي والرد على ذلك : أولا : أن أهل السنة يقولون الحاكم على قسمين : حاكم مسلم ، وحاكم كافر والأول على قسمين : مسلم عادل ، أو مسلم ظالم ، وكلاهما لا يجوز الخروج عليه وأما الثاني : فيجوز الخروج عليه بشرط القدرة
ثانيا :   قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» رواه مسلم (1847) تأمل هذا الحديث أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ» مع كل هذه الصفات سماهم النبي صلى الله عليه وسلم أُمراء وأمر بالسمع والطاعة لهم في غير معصية ، فهل هذا على حد زعمكم حاكم شرعي 
ثالثا : عن أُمّ الْحُصَيْنِ، قالت : حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا كَثِيرًا: ثُمَّ سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: " إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ - حَسِبْتُهَا قَالَتْ: أَسْوَدُ - يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا  رواه مسلم (1838) قال النووي رحمه الله في شرح مسلم [12/ 225] : وَتُتَصَوَّرُ إِمَارَةُ الْعَبْدِ إِذَا وَلَّاهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَوْ إِذَا تَغَلَّبَ عَلَى الْبِلَادِ بِشَوْكَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَلَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ عَقْدِ الْوِلَايَةِ لَهُ مَعَ الِاخْتِيَارِ بل شرطها الْحُرِّيَّةُ اهـ قال ابن حجر في فتح الباري (13/7) : قَالَ بن بَطَّالٍ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ الْمُتَغَلِّبِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ وَأَنَّ طَاعَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ اهـ
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى في الدرر السنية [9/5] : الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء اهـ وقال العلامة ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين [2/ 276] : قال صلى الله عليه وسلم: (والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي) . السمع والطاعة، يعني لولى الأمر (وإن تأمر عليكم عبد حبشي) ، سواء كانت إمرته عامة، كالرئيس الأعلى في الدولة، أو خاصة كأمير بلدة، أو أمير قبيلة وما أشبه ذلك. وقد أخطأ من ظن أن المراد بقوله: (وإن تأمر عليكم عبد حبشي) أن المراد بهم الأمراء الذين دون الولي الأعظم الذي يسميه الفقهاء الإمام الأعظم، لأن الإمارة في الشرع تشمل الإمارة العظمى، وهي الإمامة وما دونها؛ كإمارة البلدان، والمقاطعات والقبائل وما أشبه ذلك وقوله: (وإن تأمر عليكم عبد حبشي) يعني حتى ولو لم يكن من العرب، لو كان من الحبشة، وتولى، وجعل الله له السلطة، فإن الواجب السمع والطاعة له، لأنه صار أميراً، ولو قلنا بعدم السمع والطاعة له، لأصبح الناس فوضى، كلٌ يعتدي على الآخر، وكلٌ يضيع حقوق الآخرين اهـ
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أيضا : ما رأيكم فيمن يقول: إن أحاديث السمع والطاعة لولاة الأمر تنصرف إلى القائد العام الذي يقود المسلمين جميعاً؟ الجواب رأينا أن هذا ليس بصحيح، كل ولي أمر تجب طاعته، حتى الرجل في أهل بيته يجب على أهل بيته طاعته ما لم يأمرهم بمعصية، حتى القوم الثلاثة إذا سافروا وأمَّروا أحدهم وجب عليهم طاعته؛ لعموم الأدلة على وجوب طاعة الأمير.
ثم إن الخليفة الواحد على سائر الأمة هذا قد انقضى زمنه منذ عهد بعيد، من حين انقرض عهد الخلفاء الراشدين الأربعة تمزقت الأمة، فبنو أمية في الشام وما حوله، وعبد الله بن الزبير في الحجاز وما حوله، وآخرون في المشرق وما حوله، وآخرون في اليمن، تمزقت الأمة، ومع ذلك فكل العلماء الذين يتكلمون على وجوب السمع والطاعة يتكلمون على وجوب السمع والطاعة في عهدهم مع تفرقهم، وكل إقليم أو ما أشبهه فيه أمير يختص به، وعلى هذا الرأي الفاسد الباطل، معناه: أن الآن ليس للأمة إمام، والأمة الآن تعيش في أمر جاهل، ليس هناك إمام ولا رعية، ولا سلطان ولا مسلط عليه.
ثم نقول لهؤلاء: إن كنتم صادقين فأوجدوا لنا إماماً عاماً لكل الأمة، لا يستطيعون.
اللهم إلا إذا جاء المهدي، فهذا أمره إلى الله عز وجل انظر لقاء مفتوح [94/16]
21- احتجوا بخروج الحسين رضي الله عنه والرد على ذلك أولا : إذا تعارض الحديث المرفوع مع الموقوف تقدم المرفوع قال العلامة صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية ص [471] : أفعال الصحابة رضوان الله عليهم ليست حجة بمجردها فنفهمها على وفق الأدلة، فالعبرة بالدليل الكتاب والسنة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم سنته، أما فعل الصحابة فالصحابة حصل منهم أو بعض التابعين حصل منهم خروج أصلاً على الأئمة، فهذا اجتهاد اجتهدوه في بعض المسائل؛ لكن لا يُوَافِقُ الأدلة من الكتاب والسنة ولا يُوَافِقُ ما قرَّرَهُ الأئمة من الصحابة وأئمة الإسلام في أصل الاعتقاد وفي الاتباع.
لهذا كتأصيل لا تُعَارَضْ الأدلة بفعلٍ قد يكون لم يُنْقَلْ جميع أسبابه اهـ
ثانيا : أن آخر الأمرين من أمر الحسين لزوم الجماعة والرغبة عن الخروج ، فالحسين لما وصل إلى العراق قادما من الحجاز ورأى انصراف الناس عنه طلب  الرجوع إلى وطنه أو إلى يزيد ليبايعه حتى لا يفرق الجماعة ، فكيف يحتج بشيء قد رجع عنه صاحبه قال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة [4/586] : فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُفَرِّقِ  الْجَمَاعَةَ، وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا وَهُوَ طَالِبٌ لِلرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ إِلَى الثَّغْرِ ، أَوْ إِلَى يَزِيدَ، دَاخِلًا فِي الْجَمَاعَةِ، مُعْرِضًا عَنْ تَفْرِيقِ الْأُمَّةِ اهـ فابن تيمية ينص على أنه كان يريد يزيد ؛ ليبايعه ليدخل في الجماعة ، فهذا كان آخر أمره
ثالثا : قال ابن تيمية في منهاج السنة [4/530] : لَمَّا أَرَادَ الْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَخْرُجَ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ لَمَّا كَاتَبُوهُ كُتُبًا كَثِيرَةً أَشَارَ عَلَيْهِ أَفَاضِلُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ لَا يَخْرُجَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْلَا الشَّفَاعَةُ لَأَمْسَكْتُكَ وَمَنَعْتُكَ مِنَ الْخُرُوجِ. وَهُمْ فِي ذَلِكَ قَاصِدُونَ نَصِيحَتَهُ طَالِبُونَ لِمَصْلَحَتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِالصَّلَاحِ لَا بِالْفَسَادِ، لَكِنَّ الرَّأْيَ يُصِيبُ تَارَةً وَيُخْطِئُ أُخْرَى.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَهُ أُولَئِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْخُرُوجِ لَا مَصْلَحَةُ دِينٍ وَلَا مَصْلَحَةُ دُنْيَا ، بَلْ تَمَكَّنَ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ الطُّغَاةُ مِنْ سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَتَلُوهُ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَكَانَ فِي خُرُوجِهِ وَقَتْلِهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَمْ يَكُنْ حَصَلَ لَوْ قَعَدَ فِي بَلَدِهِ، فَإِنَّ مَا قَصَدَهُ مِنْ تَحْصِيلِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ زَادَ الشَّرُّ بِخُرُوجِهِ وَقَتْلِهِ، وَنَقَصَ الْخَيْرُ بِذَلِكَ، وَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشَرٍّ عَظِيمٍ. وَكَانَ قَتْلُ الْحُسَيْنِ مِمَّا أَوْجَبَ الْفِتَنَ، كَمَا كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ مِمَّا أَوْجَبَ الْفِتَنَ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ هُوَ أَصْلَحُ الْأُمُورِ لِلْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ صَلَاحٌ بَلْ فَسَادٌ. وَلِهَذَا أَثْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحَسَنِ بِقَوْلِهِ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» وَلَمْ يُثْنِ عَلَى أَحَدٍ لَا بِقِتَالٍ فِي فِتْنَةٍ وَلَا بِخُرُوجٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا نَزْعِ يَدٍ مِنْ طَاعَةٍ وَلَا مُفَارَقَةٍ لِلْجَمَاعَةِ اهـ
22- قالوا : خرج ابن الزبير على مروان
الرد على ذلك : أن ابن الزبير لم يخرج على مروان ؛ لأن ابن الزبير قد بويع له بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية ، ودانت له المماليك كلها إلا الشام ، حتى لقبه ابن كثير ، وابن حزم ، والنووي بأمير المؤمنين ، وقالوا إن الحجاج ومن معه كانوا خوارج عليه قال النووي رحمه الله في شرح مسلم [16/99] : ومذهب أهل الحق أن ابن الزُّبَيْرِ كَانَ مَظْلُومًا وَأَنَّ الْحَجَّاجَ وَرُفْقَتَهُ كَانُوا خَوَارِجَ عَلَيْهِ اهـ وقال ابن حجر في فتح الباري [3/550] : الْحَجَّاج وَأَتْبَاعِه حَرُورِيَّةً لِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الْحَقِّ  اهـ
23- عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ النَّاسَ فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: " أَلَا لَا تُغَالُوا فِي صَدَاقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَبْلُغُنِي عَنْ أَحَدٍ سَاقَ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ سَاقَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سِيقَ إِلَيْهِ إِلَّا جَعَلْتُ فَضْلَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ " ثُمَّ نَزَلَ , فَعَرَضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مِنْ قَرِيبٍ , فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكِتَابُ اللهِ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَوْ قَوْلُكَ؟ قَالَ: " بَلْ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى , فَمَا ذَاكَ؟ " قَالَتْ: نَهَيْتَ النَّاسَ آنِفًا أَنْ يُغَالُوا فِي صَدَاقِ النِّسَاءِ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] , فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " كُلُّ أَحَدٍ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ " مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ لِلنَّاسِ: " إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تُغَالُوا فِي صَدَاقِ النِّسَاءِ أَلَا فَلْيَفْعَلْ رَجُلٌ فِي مَالِهِ مَا بَدَا لَهُ رواه البيهقي في الكبرى (14336) ففي رواية قَالَ عُمَرُ: أَصَابَتِ امْرَأَةٌ وَأَخْطَأَ عُمَرُ والرد على ذلك هذا الآثر ضعيف ضعفه البيهقي والألباني في الإرواء (6/ 348)
24- قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: إِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي رواه ابن سعد في الطبقات [3/ 182] وصححه ابن كثير في البداية والنهاية [5/ 269]
25- عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: أَنَّ عُمَر قَالَ يَوْمًا، فِي مجلسٍ، وَحَوْلَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ: أرأَيتم لَوْ تَرَخَّصتُ فِي بَعْضِ الأَمْرِ، مَا كُنْتُمْ فَاعِلِينَ؟ فَسَكَتُوا، فَعَادَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا، قَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: لَوْ فعلتَ، قَوَّمْنَاكَ تَقْوِيمَ الْقَدْحِ، قَالَ عُمَرُ: أَنْتُمْ إِذًا أنتم رواه البخاري في التاريخ الكبير [1825]
 26- قال عُثْمَان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ: أَمْرِي لِأَمْرِكُمْ تَبَعٌ
وأجيب : أولا : لو صحت هذه الآثار فهذا في النصيحة والشرع لا يمنع ذلك وفرق بين النصيحة للحاكم والخروج على الحاكم ثانيا : هذه أقوال من أبي بكر وعمر وعثمان مخالفه للنصوص السابقة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا تعارض الحديث المرفوع مع الموقوف تقدم المرفوع كما هو معلوم وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه النهي عن الخروج كما سبق ذكره قال العلامة صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية ص [471] : أفعال الصحابة رضوان الله عليهم ليست حجة بمجردها فنفهمها على وفق الأدلة، فالعبرة بالدليل الكتاب والسنة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم سنته اهـ
27- قال بعضهم : جواز المظاهرات بخروج عائشة رضي الله عنها في جمع غفير من المسلمين للإصلاح بينهم والرد على ذلك : عائشة رصي الله عنها لم يكن خروجها نقضا لبيعة أو خروجا على علي رضي الله عنه ، وإنما خرجت لطلب بدم عثمان والصلح بين المسلمين ، لما لها من مكانة عظيمة في نفوس المؤمنين فهي أمهم عن قَيْس قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ لَيْلًا نَبَحَتِ الْكِلَابُ، قَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: مَاءُ الْحَوْأَبِ قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا أَنِّي رَاجِعَةٌ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا: بَلْ تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ، فَيُصْلِحُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: " كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ رواه أحمد (24254 ) وصححه الألباني قال ابن حزم في الفصل في الملل (4/123) : فقد صَحَّ صِحَة ضَرُورِيَّة لَا إِشْكَال فِيهَا أَنهم لم يمضوا إِلَى الْبَصْرَة لِحَرْب عَليّ وَلَا خلافًا عَلَيْهِ وَلَا نقضا لبيعته وَلَو أَرَادوا ذَلِك لأحدثوا بيعَة غير بيعَته هَذَا مَا لَا يشك فِيهِ أحد وَلَا يُنكره أحد فصح أَنهم إِنَّمَا نهضوا إِلَى الْبَصْرَة لسد الفتق الْحَادِث فِي الْإِسْلَام من قتل أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ظلما اهـ وقال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (4/316) :فَإِنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُقَاتِلْ وَلَمْ تَخْرُجْ لِقِتَالٍ، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَظَنَّتْ أَنَّ فِي خُرُوجِهَا مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا فِيمَا بَعْدُ أَنْ تَرْكَ الْخُرُوجِ كَانَ أَولَى، فَكَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ خُرُوجَهَا تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا.
وَهَكَذَا عَامَّةُ السَّابِقِينَ نَدِمُوا عَلَى مَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ، فَنَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجَمَلِ لِهَؤُلَاءِ قَصْدٌ فِي الِاقْتِتَالِ ، وَلَكِنْ وَقَعَ الِاقْتِتَالُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ اهـ

قال الذهبي في السير (3/452) :وَلاَ رَيْبَ أَنَّ عَائِشَةَ نَدِمَتْ نَدَامَةً كُلِّيَّةً عَلَى مَسِيْرِهَا إِلَى البَصْرَةِ وَحُضُورِهَا يَوْمَ الجَمَلِ وَمَا ظَنَّتْ أَنَّ الأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ اهـ 
قال الألباني رحمه الله في الصحيحة (1/854) :ولا شك أن عائشة رضي الله عنها المخطئة لأسباب كثيرة وأدلة واضحة، ومنها ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها،وذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور بل المأجور.
قال الإمام الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 69 - 70) :
" وَقَدْ أَظْهَرَتْ عَائِشَةُ النَّدَمَ ،كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِابْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا مَنَعَك أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيرِي؟! قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا غَلَبَ عَلَيْك يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ نَهَيْتَنِي مَا خَرَجْت اهـ

28- قالوا : قال القرطبي في تفسيره [1/271] : الْإِمَامُ إِذَا نُصِّبَ ثُمَّ فَسَقَ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّهُ تَنْفَسِخُ إِمَامَتُهُ وَيُخْلَعُ بِالْفِسْقِ اهـ الرد على ذلك : القرطبي بين في موضع آخر من هم أصحاب هذا المذهب فقال [2/109] : وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْخَوَارِجِ، فَاعْلَمْهُ اهـ أي من اجاز الخروج على الحاكم الظالم فتبين أنه يقصد أنه مذهب طائفة من المعتزلة والخوارج
29- قالوا : خروج الإمام أحمد بن نصر على الواثق والرد على ذلك : قلت : رواها الخطيب في تاريخ بغداد [5/384] حَدَّثَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ الصيمري، حدّثنا محمّد بن عمران المرزباني، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي قَالَ: كَانَ أَحْمَد بْن نصر بْن مالك بْن الهيثم الخزاعي من أهل الحَدِيث --- وهذا إسناد ضعيف محمد بن يحيى الصولي لم يدرك زمن هذه الواقعة، وليس له رواية عن أحمد بن نصر الخزاعي، وقد قُتِلَ أحمد بن نصر الخزاعي سنة 231هـ كما في تقريب التهذيب [119] وقال الذهبي في السير [15/302] : تُوُفِّيَ الصُّوْلِيُّ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ اهـ فَبَيْنَ قَتْل أحمد بن نصر ووفاة الصولي 104 عام قلت : ولو صح فهو مخالف للنصوص السابقة
30- قالوا : الإمام محمد بن عبد الوهاب خرج على الدولة العثمانية والرد على ذلك :  قال العلامة ابن باز رحمه الله : (لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية- فيما أعلم وأعتقد-، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك، بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة، وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت- أمير مستقل ... وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى ... انظر دعاوي المناوئين ص [237]
هذه أدلّتنا على عدم الخروج على الحاكم الظالم و كلام السلف في ذلك كثير و الحمد لله كما سيأتي فهل نترك كلامهم  إلى هؤلاء الذين لا أدلة لهم سوى العقل و العام من النصوص وأحاديث ضعيفه  كما سبق فالصحيح لا يجوز الخروج على الحاكم الظالم
فأذكر كلام مختصرا من أقوال العلماء
قال أبو إِسْحَاق السَّبِيعِيّ : مَا سَبَّ قَوْمٌ أَمِيرَهُمْ إِلَّا حُرِمُوا خَيْرَهُ انظر التمهيد [21/287] وقال ابن المديني: وَمَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَقَرُّوا لَهُ بِالْخِلَافَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ بِرِضًا كَانَتْ أَوْ بِغَلَبَةٍ فَهُوَ شَاقٌّ هَذَا الْخَارِجُ عَلَيْهِ الْعَصَا , وَخَالَفَ الْآثَارَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ عَلَيْهِ مَاتَ مِيتَةَ جَاهِلِيَّةٍ. وَلَا يَحِلُّ قِتَالُ السُّلْطَانِ وَلَا الْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ , فَمَنْ عَمِلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة [1/ 185] قال سفيان الثوري : يَا شُعَيْبُ لَا يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتَ حَتَّى تَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ـ يعني من الأمراء ـ وَالْجِهَادَ مَاضِيًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , وَالصَّبْرَ تَحْتَ لِوَاءِ السُّلْطَانِ جَارَ أَمْ عَدَلَ انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة [1/ 170] قال حَرْمَلَة بْن يحيى سَمِعت سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَسُئِلَ عَن قَول النَّاس السّنة وَالْجَمَاعَة وَقَوْلهمْ فلَان سني جماعي وَمَا تَفْسِير السّنة وَالْجَمَاعَة فَقَالَ الْجَمَاعَة مَا اجْتمع عَلَيْهِ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بيعَة أَبِي بكر وَعمر وَالسّنة الصَّبْر عَلَى الْوُلَاة وَإِن جاروا وَإِن ظلمُوا انظر مشيخة أبي عبد الله محمد الرازي ص [116]
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله في أصول السنة ص [45] : والسمع وَالطَّاعَة للأئمة وأمير الْمُؤمنِينَ الْبر والفاجر وَمن ولي الْخلَافَة وَاجْتمعَ النَّاس عَلَيْهِ وَرَضوا بِهِ وَمن عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ حَتَّى صَار خَليفَة وَسمي أَمِير الْمُؤمنِينَ --- وَمن خرج على إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين وَقد كَانُوا اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وأقروا بالخلافة بِأَيّ وَجه كَانَ بِالرِّضَا أَو الْغَلَبَة فقد شقّ هَذَا الْخَارِج عَصا الْمُسلمين وَخَالف الْآثَار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن مَاتَ الْخَارِج عَلَيْهِ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة ، وَلَا يَحِلُّ قِتَالُ السُّلْطَانِ وَلَا الْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَالطَّرِيقِ اهـ
   وقال الإمام حافظ الإسلام محمَّد بن إسماعيل البخاري في عقيدته: " لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطَ وَبَغْدَادَ وَالشَّامِ وَمِصْرَ لَقِيتُهُمْ كَرَّاتٍ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ ثُمَّ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ أَدْرَكْتُهُمْ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً... فَمَا رَأَيْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ:... وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثٌ لَا يَغُلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ , وَطَاعَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ , وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ , فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ " , ثُمَّ أَكَّدَ فِي قَوْلِهِ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] . وَأَنْ لَا يَرَى السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة [1/ 193] وقال الإمامان الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان: أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ حِجَازًا وَعِرَاقًا وَشَامًا وَيَمَنًا فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِمُ:... وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ , وَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَنَا وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ , وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ , وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة [1/ 197]
وقال الطحاوي : وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَاة أُمُورِنَا، وَإِنْ جَارُوا، وَلَا نَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ، وَنَرَى طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَة اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرِيضَة، مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَة، وَنَدْعُوا لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْمُعَافَاة انظر العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص [68] وفي رسالة إلى أهل الثغر للأشعري) [ص 168]
وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئاً من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل، وعلى أن يغزوا معهم العدو، ويحج معهم البيت، وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع والأعياد اهـ
وقَالَ الْفُضَيْلُ بن عياض : " لَوْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ لَمْ أَجْعَلْهَا إِلَّا فِي إِمَامٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا صَلُحَ الْإِمَامُ أَمِنَ الْبِلَادُ وَالْعِبَادُ انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة [1/193]
وقال البربهاري رحمه الله في شرح السنة ص [113] : إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله اهـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/ 444) : مَذْهَبُ (أَهْلِ الْحَدِيثِ تَرْكَ الْخُرُوجِ بِالْقِتَالِ عَلَى الْمُلُوكِ الْبُغَاةِ وَالصَّبْرِ عَلَى ظُلْمِهِمْ إلَى أَنْ يَسْتَرِيحَ بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاحُ مِنْ فَاجِرٍ اهـ وقال ابن تيمية أيضا في منهاج السنة (3/391) : مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَقِتَالَهُمْ بِالسَّيْفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ظُلْمٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْقِتَالِ وَالْفِتْنَةِ أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الْحَاصِلِ بِظُلْمِهِمْ بِدُونِ قِتَالٍ وَلَا فِتْنَةٍ فَلَا يُدْفَعُ أَعْظَمُ الْفَسَادَيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا  وَلَعَلَّهُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ طَائِفَةً خَرَجَتْ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ، إِلَّا وَكَانَ فِي خُرُوجِهَا مِنَ الْفَسَادِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي أَزَالَتْهُ.
وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ كُلِّ ظَالِمٍ وَكُلِّ بَاغٍ كَيْفَمَا كَانَ، وَلَا أَمَرَ بِقِتَالِ الْبَاغِينَ ابْتِدَاءً بَلْ قَالَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] فَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ ، ابْتِدَاءً، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقِتَالِ وُلَاةِ الْأَمْرِ ابْتِدَاءً؟ اهـ قال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/12) : الْإِنْكَارِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُ أَسَاسُ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ، «وَقَدْ اسْتَأْذَنَ الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِتَالِ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَقَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ فَقَالَ: لَا، مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ» وَقَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ مَا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِ» اهـ
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية [1/381] : دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ، مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ، فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النِّسَاءِ: 59] , كَيْفَ قَالَ: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَأَطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ؟ لِأَنَّ أُولِي الْأَمْرِ لَا يُفْرَدُونَ بِالطَّاعَةِ، بَلْ يُطَاعُونَ فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ, وَأَعَادَ الْفِعْلَ مَعَ الرَّسُولِ لِأَنَّ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، فَإِنَّ الرَّسُولَ لَا يَأْمُرُ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ، بَلْ هُوَ مَعْصُومٌ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا وَلِيُّ الْأَمْرِ فَقَدْ يَأْمُرُ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ، فَلَا يُطَاعُ إِلَّا فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولُهُ, وَأَمَّا لُزُومُ طَاعَتِهِمْ وَإِنْ جَارُوا، فَلِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِمْ مِنَ الْمَفَاسِدِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ مِنْ جَوْرِهِمْ، بَلْ فِي الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِمْ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَمُضَاعَفَةُ الْأُجُورِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا سَلَّطَهُمْ عَلَيْنَا إِلَّا لِفَسَادِ أَعْمَالِنَا، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَعَلَيْنَا الِاجْتِهَادُ فِي الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَإِصْلَاحِ الْعَمَلِ, قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورَى: 30] , وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 165] , وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النِّسَاءِ: 79] , وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الْأَنْعَامِ: 129]. فَإِذَا أَرَادَ الرَّعِيَّةُ أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْ ظُلْمِ الْأَمِيرِ الظَّالِمِ، فَلْيَتْرُكُوا الظُّلْمَ اهـ  
قال الشوكاني في فتح القدير (2/ 601 ) : قَدْ وَرَدَتِ الْأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ الْبَالِغَةُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُبُوتًا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمَسُّكٍ بِالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ بِوُجُوبِ طَاعَةِ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ --- وَوَرَدَ وُجُوبُ طَاعَتِهِمْ مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمُ الْكُفْرُ الْبَوَاحُ، وَمَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ وَإِنْ بَلَغُوا فِي الظُّلْمِ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِهِ، وَفَعَلُوا أَعْظَمَ أَنْوَاعِهِ مِمَّا لَمْ يَخْرُجُوا بِهِ إِلَى الْكُفْرِ الْبَوَاحِ اهـ
وسئل ابن باز رحمه الله كما في مجموع فتاوى (8/202) : هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير، وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟ .
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد : فقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} سورة النساء الآية 59
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم: الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف.
والنصوص من السنة تبين المعنى، وتقيد إطلاق الآية بأن المراد: طاعتهم في المعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف، لا في المعاصي، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة » ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة » .
وسأله الصحابة رضي الله عنهم - لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون - قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم » ، «قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وقال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان » .
فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم، إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم
درة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه) . أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماما صالحا طيبا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال ... إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير.
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر نسأل الله للجميع التوفيق والهداية اهـ
وقال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان (1/ 29) : قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِذَا صَارَ فَاسِقًا، أَوْ دَاعِيًا إِلَى بِدْعَةٍ جَازَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ لِخَلْعِهِ. وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِيَامُ عَلَيْهِ لِخَلْعِهِ إِلَّا إِذَا ارْتَكَبَ كُفْرًا بَوَاحًا عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ ثم نقل بعض الأحاديث الدالة على ذلك، ثم قال: فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مُرْتَكِبًا لِمَا لَا يَجُوزُ، إِلَّا إِذَا ارْتَكَبَ الْكُفْرَ الصَّرِيحَ الَّذِي قَامَ الْبُرْهَانُ الشَّرْعِيُّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ كُفْرٌ بَوَاحٌ؛ أَيْ: ظَاهِرٌ بَادٍ لَا لَبْسَ فِيهِ اهـ
قال الألباني رحمه الله في الضعيفة [13/ 849] : لا يجوز الخروج عليهم وقتالهم ليس حباً لأعمالهم، وإنما درءاً للفتنة، وصبراً على ظلمهم في غير معصية لله عز وجل، ومن ذلك حديث حذيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اهـ
وأخيرا من هو المبتدع عند السلف

 ليس هو السنى الذى أخطأ خطأ أو أثنين بل هو المبتدع الذى يتبع فرقة ضاله ومتعمد الإبداع ويصر على الإبتداع ودائم عليه ويخالف دائما أهل السنه والجماعة فأخطأ من قال إن الرجل يصير من أهل البدعة إذا وافق أصلا من أصول أهل البدع فإذا وافق أصلا من أصول الخوارج فهو منهم وهكذا
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى [19/191] : وَكَثِيرٌ مِنْ مُجْتَهِدِي السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَدْ قَالُوا وَفَعَلُوا مَا هُوَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ بِدْعَةٌ إمَّا لِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ ظَنُّوهَا صَحِيحَةً وَإِمَّا لِآيَاتِ فَهِمُوا مِنْهَا مَا لَمْ يُرَدْ مِنْهَا وَإِمَّا لِرَأْيٍ رَأَوْهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ لَمْ تَبْلُغْهُمْ اهـ

وقال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء [14/40] : وَلَوْ أَنَّا كلَّمَا أَخْطَأَ إِمَامٌ فِي اجْتِهَادِهِ فِي آحَادِ المَسَائِلِ خَطَأً مَغْفُوراً لَهُ، قُمْنَا عَلَيْهِ، وَبدَّعْنَاهُ، وَهَجَرْنَاهُ، لَمَا سَلِمَ مَعَنَا لاَ ابْنَ نَصْرٍ، وَلاَ ابْنَ مَنْدَةَ، وَلاَ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا، وَاللهُ هُوَ هَادِي الخَلْقِ إِلَى الحَقِّ، وَهُوَ أَرحمُ الرَّاحمِينَ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الهوَى وَالفظَاظَةِ اهـ وقال أيضا [14/376] : وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ - مَعَ صِحَّةِ إِيْمَانِهِ، وَتَوَخِّيْهِ لاتِّبَاعِ الحَقِّ - أَهْدَرْنَاهُ، وَبَدَّعنَاهُ، لَقَلَّ مَنْ يَسلَمُ مِنَ الأَئِمَّةِ مَعَنَا، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ اهـ سئل العلامة الألباني رحمه الله : هل يحذّر من الرجل الذي يرى الخروج على الحاكم الفاسق؟..فأجاب رحمه الله : (( … ذلك الشخص كما ذكرت أو طالب العلم الذي ذكر هذا الكلام، لا أرى بمجرد هذا الكلام أنه يجوز مقاطعته، لأن سبيل المقاطعة في هذا الزمان كالخروج تماما! لا يفيد، لأنه ما فينا واحد إلا وله كلمة وله زلة وله خطيئة، فإذًا كلما رأينا من شخص خطأ أو هفوة قاطعناه، ازددنا تفرقًا لكن ينبغي أن نُبيِّن خطأه حتى لا يغتر الناس به   انظر سلسلة الهدى والنور شريط (رقم 799
بهذا القدر نكتفي ، سائلين الله سبحانه وتعالى ، أن ينفعنا بما علمنا ، وأن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن يجعل ذلك شاهدا لنا ، لا علينا ، ثم نسأله سبحانه أن ينفع بذلك المسلمين ، وأن يُعلى راية الإسلام عالية فوق كل الرايات وصل اللهم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم كتبه / عمرو العدوي