هذا الدرس الأول من
دروس "العقيدة الواسطية"لِشَيْخِ الإِسْلَامِ؛ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الحَلِيْمِ
بْنِ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيِّ؛ أَبِي العَبَّاسِ؛ الْمُتَوفَّى سنة 728 هـ. نَفَعَ اللَّهُ
بِعُلُومِهِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ آمِينَ.
وهذا الكتاب كتاب مختصر، يسمى "العقيدةُ الواسطية لأنه حضر إليه
أَحَدُ قُضَاةِ وَاسِطَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ عَقِيدَةً تَكُونُ عُمْدَةً
لَهُ وَأَهْلِ بَيْتِهِ. فَأَجَابَهُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛
إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَهَذَا اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ إلَى قِيَامِ
السَّاعَةِ - أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - وَهُوَ: الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ: خَيْرِهِ
وَشَرِّهِ.وَمِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ: الْإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ
فِي كِتَابِهِ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ
بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ} .
الشرح قوله: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ ": الله تعالى يُحْمَد عَلَى كَمَالِهِ عز وجل وعَلَى إِنْعَامِهِ، فنحن نَحْمَدُ اللَّهَ عز وجل لِأنه كاملُ الصفاتِ من كل وجه، و نَحْمَدُهُ أيضاً لِأنه كامل الإنعام والإحسان: قال الله عز وجل:
{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ
تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]، وأَكْبَرُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بها على الخلق إِرْسَالُ الرُّسُلِ الذي به هِدَايَةُ الْخَلْقِ ،
قوله : ِالْهُدَى أي العلم النافع
وقوله : وَدِينِ الْحَقِّ أي العمل الصالح
وقوله
: لِيُظْهِرَهُ أي لِيَجْعَلَهُ عَالِيًا عَلَى الْأَدْيَانِ
كُلِّهَا بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ.
وقوله : وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا أي وكفى بالله وكيلا وشاهدا
قوله : وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ؛ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا.
إقرارا بهذه الشهادة وتوحيدا بالله عز وجل التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد
الأسماء والصفات كما سيأتي شرح ذلك
قوله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. لِأَنَّ شَهَادَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لا تتم إلا بشهادة
أن محمدا رسول الله فإذا كانت شهادةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ هي إفراد الله عز
وجل بالتوحيد الخالص فَإِنَّ شَهَادَةَ أن محمدا رسول الله
إفراد النبيِ صل الله عليه وسلم بِالِاتِّبَاعِ.
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا مَزِيدًا
أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ هُوَ
مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ؛ قَالَ:
" صَلاَةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ المَلاَئِكَةِ،
"وأما مَنْ فَسَّرَ صَلاَةَ اللهِ عليه بالرحمة، قوله ضعيف، والدليل
،قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:
157]، هذه الاية تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُالرحمة. فالصلاة أَخَصُّ مِنْ الرحمة،لأن الرحمةَ تكونُ
لِكُلِّ أَحَدٍ فصَلَاةُ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ: ثَنَاؤُهُ
عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ
قال ابن تيمية أَمَّا بَعْدُ؛ فَهَذَا اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ
الْمَنْصُورَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ: أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) الْفِرْقَة
أي الطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ.
النَّاجِيَة أي الناجية من عذاب الله عز وجل
الْمَنْصُورَة : التي سينصرُها اللهُ عز وجل على كل الفرق قال النبي«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ
عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رواه البخاري ومسلم وهم أهل السنة
والجماعة وقال
النبي وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا
فِي النَّارِ إِلَّا
فِرْقَةً وَاحِدَةً» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ
وَأَصْحَابِي» رواه
الترمذي وحسنه ابن حجر والألباني عليهم رحمة الله .
هذا الحديث يُبيِّن لنا ما هي الْفِرْقَة الناجية وهي أهل السنة
والجماعة كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً
إذا هي ناجية من النار فالنَّجاة هنا من البِدَع في الدنيا ومن النار في الآخرة
وَقَوْلُهُ: ((أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ)) ؛ الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ:
الطَّرِيقَةُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَأَصَحْابُهُ قَبْلَ ظُهُورِ الْبِدَعِ
وَالْجَمَاعَةُ فِي الْأَصْلِ: الْقَوْمُ الْمُجْتَمِعُونَ،
وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ،
قال ابن تيمية فَهَذَا اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ
إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ: أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) وهو الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ،
وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْإِيمَانِ
بِالْقَدَرِ؛ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
قلت : هَذِهِ الْأُمُورُ السِّتَّةُ هِيَ أَرْكَانُ الْإِيمَانِ، فَلَا
يتمُّ إيمانُ أحدٍ إِلَّا إِذَا آمَنَ بِهَا جَمِيعًا عَلَى الْوَجْهِ
الصَّحِيحِ الَّذِي دلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْهَا
؛ فَقَدْ كَفَرَ. قال تعالى وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً
والدليل
على أنها من الإيمان قال النبي «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ،
وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ،
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»
فقوله : الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ فهو ثلاثة أنواع:: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد
الأسماء والصفات
ومعنى توحيد الربوبية:
هُوَ "إِفْرَادُ اللهِ سبحانه وتعالى في
أمور ثلاثة: في الخلق والملك والتدبير"
دليل ذلك قوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف،
54] أما الملك، فدليلة قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الجاثية:
27]،وأما التدبير فدليله : {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ
السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5]
ومعنى توحيد الألوهية:
" وهُوَ إِفْرَادُ اللهِ عز وجل بالعبادة؛
بألا تَكُونَ عبداً لغير الله،لاَ تَعْبُد مَلَكًاولا نبياً ولا ولياً ولا
شيخاً لاَ تَعْبُد إلا الله وحده قال تعالى : {وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}
[النساء: 36] ،
ومعنى توحيد الأسماءِ والصفات:
هو الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ،
وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأسماء الحسنى و الصفاتِ العُلى -؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ
وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ).] وقد اجتمعت هذه الأنواع الثلاثة
في آية واحدة من كتاب الله عز وجل؛ في قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
[مريم: 66] .
"فقوله: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} هذا
توحيد الربوبية. وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} هذا توحيد الألوهية.
وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} هذا توحيد الأسماء والصفات إن شاء الله سيأتي شرح
كل نوع بالتفصيل
قوله : وَمَلَائِكَتِهِ، وَهُمْ نَوعٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
أَسْكَنَهُمْ سَمَاواتِه، ووكَّلَهُم بِشُؤونِ خَلْقِهِ, وَوَصَفَهُمْ فِي كِتَابِهِ
بِأَنَّهُمْ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ،
وَأَنَّهُمْ يُسَبِّحون لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا يَفْتُرُونَ.فَيَجِبُ عَلَيْنَا
الْإِيمَانُ بِمَا وَرَدَ فِي حَقِّهِمْ مِنْ صِفَاتٍ وَأَعْمَالٍ فِي الْكِتَابِ والسنَّة،
وَالْإِمْسَاكُ عمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هذا من شُؤونِ الْغَيْبِ الَّتِي لَا
نَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا علَّمَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
قوله : وَكُتُبِهِ الْمُرَادُ بِهَا الْكُتُبُ المُنَزَّّلَةُ مِنَ السَّمَاءِ
عَلَى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَالْمَعْلُومُ لَنَا مِنْهَا:
صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ، وَالتَّوْرَاةُ الَّتِي أُنزِلَت عَلَى مُوسَى ، وَالْإِنْجِيلُ
الَّذِي أُنزِلَ عَلَى عِيسَى، والزَّبُورُ الَّذِي أُنزِل عَلَى دَاوُدَ، وَالْقُرْآنُ
الْكَرِيمُ الَّذِي هُوَ آخِرُهَا نُزُولًا، وَهُوَ المُصَدِّقُ لَهَا، وَالْمُهَيْمِنُ
عَلَيْهَا، وَمَا عَدَاها يَجْبُ الْإِيمَانُ بِهِ إِجْمَالًا.
قوله : وَرُسُلِهِ أي رُسُلُ اللَّه عز وجل يعني الإيمان برسله وهم الذين أَوْحَى اللَّهُ إليهم بالشريعة وأَمَرَهُمْ بِتَبْلِيغِهَا أَّوَّلُهُمْ نُوحٌ عَلَيْهِ
السَّلامُ وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسلم
عددهم عدد الرسل فعن أَبي ذَرٍّ
قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ كَمْ وَفَاءُ عِدَّةِ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: «مِائَةُ أَلْفٍ
وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ
عَشَرَ »
رواه الامام أحمد وصححه الألباني
قوله وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ
وهو إخْرَاجُ الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ
أَحْيَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذرَّة خَيْرًا يَرَهُ، ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.وَيَجِبُ الْإِيمَانُ
بِالْبَعْثِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي بيَّنها اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، والنبيُ صل
الله عليه وسلم في سنته
قوله : وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ؛ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ القدر : هو تَقْدِيرُ اللَّهِ لِلْأَشْيَاءِ
قال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ
الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ،رواه مسلم
إن
شاء الله سيأتي كلُ ذلك بِالتَّفْصِيل
قال ابن تيمية [ (وَمِنَ الإيمَانِ بِاللهِ: الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ
بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ
غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ).]ـ
هَذَا شروعٌ فِي التَّفْصِيلِ بَعْد َالْإِجْمَالِ
قوله : وَمِنَ الإيمَانِ بِاللهِ: الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ
بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيجب على كل مسلم أَنْ يُؤْمِنَ بصفات الله عز
وجل وهذه الصفات توقيفيه فلا يباح أَنْ نَصِفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا لَمْ يَصِفْ
بِهِ نَفْسَهُ وَلَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، وَإِنَّمَا
نَحْنُ مُتَّبِعُونَ لَا مُبْتَدِعُونَ. فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي هَذَا الْبَابِ،
أَعْنِي بَابَ الصِّفَاتِ، فَمَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَثْبَتْنَاهُ، وَمَا
نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ نَفَيْنَاهُ.
قوله-؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ
وَلاَ تَمْثِيلٍ).من غير تحريف أي لا يباح ان نحرف الصفة لا نقول كما قالت
المعتزلة الرحمن على العرش استوى قالوا أي استولى هذا تحريف بل نقول استوى على
عرشه استواءَ يليق به سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}
ومعنى وَلاَ تَعْطِيلٍ أي لا نعطل الصفة لا
نقول كما قالت المبتدعة في قوله تعالى (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ) فيقولون اليد هنا بمعنى
الْقُدْرَة بَلْ نُؤْمِنُ أن لله يد ليس كمثله
شيء
قوله وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ).
فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّكْيِيفَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ صِفَاتِهِ
تَعَالَى عَلَى كَيْفِيَّةِ كَذَا، أَوْ يَسْأَلُ عَنْهَا بِكَيْفَ.
وَأَمَّا التَّمْثِيلُ؛ فَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّهَا مِثْلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ
مِنْ قَوْلِهِ: ((مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ)) أَنَّهُمْ
يَنْفُونَ الْكَيْفَ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى
كَيْفِيَّةٍ مَا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَنْفُونَ عِلْمَهُمْ بِالْكَيْفِ؛
إِذْ لَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ كَانَ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ
وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ - َلَا يُشَبِّهُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ،
يَرْوُونَ الْحَدِيثَ وَلَا يَقُولُونَ: كَيْفَ؟ وَإِذَا سُئِلُوا قَالُوا بِالْأَثَرِ.
[ قوله (بَلْ يُؤْمِنُونَ
بِأَنَّ اللهَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.] قَوْلُهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِه}
؛ هَذِهِ الْآيَةُ الْمُحْكَمَةُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ دُسْتُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي بَابِ الصِّفَاتِ،
فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ،
فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْمِثْلَ، وَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ سَمْعًا وَبَصَرًا، فدلَّ
هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحَقَّ لَيْسَ هُوَ نَفْيَ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا؛
كَمَا هُوَ شَأْنُ أهلِ البدع، وَلَا إِثْبَاتُهَا مُطْلَقًا؛ كَمَا هُوَ شَأْنُ أهل
البدع ؛ الْمُمَثِّلَة بَلْ إِثْبَاتُهَا بِلَا تَمْثِيلٍ.وهو مذهب
أهل السنة والجماعة
قال ابن تيمية رحمه الله فَلَا يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ
وَلَا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَلَا يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ
وَآيَاتِهِ وَلَا يُكَيِّفُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ لِأَنَّهُ
سُبْحَانَهُ لَا سَمِيَّ لَهُ وَلَا كُفُوَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ وَلَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ
- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -
قَوْلُهُ: ((فَلَا يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ
وَلَا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)) تفريعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ فَإِنَّهُمْ
إِذَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ فَلَا يَنْفُونَ وَلَا
يُحرِّفونَ، وَلَا يُكيِّفون وَلَا يُمثِّلُون.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((وَلَا يُلْحِدون فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ))
؛ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ القيِّم رَحِمَهُ
اللَّهُ:
((وَالْإِلْحَادُ فِي أَسْمَائِهِ هُوَ الْعُدُولُ بِهَا وَبَِمَعَانِيهَا
عَنِ الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهَا؛ مأخوذٌ مِنَ الْمَيْلِ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَادَّةُ
(ل ح د) ، فَمِنْهُ اللَّحْدُ، وَهُوَ الشَّقُّ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ، الَّذِي قَدْ
مَالَ عَنِ الْوَسَطِ، وَمِنْهُ المُلْحِد فِي الدِّينِ: الْمَائِلُ عَنِ الْحَقِّ،
المُدْخِل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ)) . اهـ
قوله : لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا سَمِيَّ لَهُ قال تعالى هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا هل استفهام لكنًه بمعنى
النًفي وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ السَّمِيِّ أَنَّ
غَيْرَهُ لَا يُسَمَّى بِمِثْلِ أَسْمَائِهِ، فَإِنَّ هُنَاكَ أَسْمَاءً مُشْتَرَكَةً
بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، ولكنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ إِذَا
سمُِّي اللَّهُ بِهَا؛ كَانَ مَعْنَاهَا مُخْتَصًّا بِهِ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ،
فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ إِنَّمَا هُوَ فِي مَفْهُومِ الِاسْمِ الكُلِّي، وَهَذَا لَا
وُجُودَ لَهُ إلاَّ فِي الذِّهْنِ، وَأَمَّا فِي الْخَارِجِ؛ فَلَا يَكُونُ الْمَعْنَى
إِلَّا جُزْئِيًّا مُخْتَصًّا، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ، فَإِنْ أُضِيفَ
إِلَى الرَّبِّ؛ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ، لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَبْدُ، وَإِنْ أُضِيفَ
إِلَى الْعَبْدِ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الرَّبُّ.
قوله : وَلَا كُفُوَ لَهُ والدليل قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُواً أَحَدٌ} أي لَا مِثْلَ لَهُ
وَلَا نِدَّ لَهُ والدليل قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي َلَا شَبِيهَ لَهُ
قوله وَلَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ - قلت :القياس ينقسم إلى ثلاثة أقسام 1- قياسُ تمثيل وهو يَجْعَل ما ثبت للخالق مثل ما ثبت
للمخلوق.فهذا ممنوع
2- قياس الشُمُول وهو العام الشامل لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ
: فمثلاً: إذا قلنا: اليد فإنه لَا تُقَاسُ يدُ الله تعالى بيد الخلق
من أَجلِ أن الكل يَشْمَلُهُ اسم (يد).فهذا ممنوع
قال الله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} هذا الاية دليل على إفساد قياس التمثيل وقياس الشمول 3- قِيَاسُ الأوْلى، وَإِنَّمَا يُستعمل فِي حَقِّهِ
تَعَالَى وَمَضْمُونُهُ أَنَّ كلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِلْمَخْلُوقِ وَأَمْكَنَ أَنْ يتَّصف
بِهِ الْخَالِقُ؛ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِ،قال تعالى {وَلِلَّهِ
الْمَثَلُ الأَعْلَى}