الأحد، 23 يوليو 2017

عمرو العدوي شرح العقيدة الواسطية



هذا الدرس الأول من دروس    "العقيدة الواسطية"لِشَيْخِ الإِسْلَامِ؛ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الحَلِيْمِ بْنِ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيِّ؛ أَبِي العَبَّاسِ؛ الْمُتَوفَّى سنة 728 هـ. نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ آمِينَ.
وهذا الكتاب كتاب مختصر، يسمى "العقيدةُ الواسطية لأنه حضر إليه أَحَدُ قُضَاةِ وَاسِطَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ عَقِيدَةً تَكُونُ عُمْدَةً لَهُ وَأَهْلِ بَيْتِهِ. فَأَجَابَهُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا. أَمَّا بَعْدُ: فَهَذَا اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ - أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - وَهُوَ: الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ: خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.وَمِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ: الْإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
الشرح قوله: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ": الله تعالى  يُحْمَد عَلَى كَمَالِهِ عز وجل وعَلَى إِنْعَامِهِ، فنحن نَحْمَدُ اللَّهَ عز وجل لِأنه كاملُ الصفاتِ من كل وجه، و نَحْمَدُهُ أيضاً لِأنه كامل الإنعام والإحسان: قال الله عز وجل: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]، وأَكْبَرُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بها على الخلق إِرْسَالُ الرُّسُلِ الذي به هِدَايَةُ الْخَلْقِ ،
قوله : ِالْهُدَى أي العلم النافع
وقوله : وَدِينِ الْحَقِّ أي العمل الصالح
وقوله : لِيُظْهِرَهُ أي لِيَجْعَلَهُ عَالِيًا عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ.
وقوله : وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا أي وكفى بالله وكيلا وشاهدا   
قوله : وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا.
إقرارا بهذه الشهادة وتوحيدا بالله عز وجل  التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات كما سيأتي شرح ذلك
 قوله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. لِأَنَّ شَهَادَةَ  لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لا تتم إلا بشهادة أن محمدا رسول الله فإذا كانت شهادةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ هي إفراد الله عز وجل  بالتوحيد الخالص فَإِنَّ شَهَادَةَ أن محمدا رسول الله إفراد النبيِ صل الله عليه وسلم بِالِاتِّبَاعِ.
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا
أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ؛ قَالَ:
" صَلاَةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ المَلاَئِكَةِ، "وأما مَنْ فَسَّرَ صَلاَةَ اللهِ عليه بالرحمة، قوله ضعيف، والدليل ،قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]، هذه الاية  تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُالرحمة. فالصلاة أَخَصُّ مِنْ الرحمة،لأن الرحمةَ تكونُ لِكُلِّ أَحَدٍ فصَلَاةُ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ
قال ابن تيمية أَمَّا بَعْدُ؛ فَهَذَا اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ: أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) الْفِرْقَة أي الطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ.
النَّاجِيَة أي الناجية من عذاب الله عز وجل
الْمَنْصُورَة : التي سينصرُها اللهُ عز وجل على كل الفرق قال النبي«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رواه البخاري ومسلم وهم أهل السنة والجماعة  وقال النبي وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» رواه الترمذي وحسنه ابن حجر والألباني عليهم رحمة الله .
هذا الحديث يُبيِّن لنا ما هي الْفِرْقَة الناجية وهي أهل السنة والجماعة كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً إذا هي ناجية من النار فالنَّجاة هنا من البِدَع في الدنيا ومن النار في الآخرة
وَقَوْلُهُ: ((أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ)) ؛ الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ: الطَّرِيقَةُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصَحْابُهُ قَبْلَ ظُهُورِ الْبِدَعِ
وَالْجَمَاعَةُ فِي الْأَصْلِ: الْقَوْمُ الْمُجْتَمِعُونَ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ،
قال ابن تيمية فَهَذَا اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ: أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) وهو الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ؛ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
قلت : هَذِهِ الْأُمُورُ السِّتَّةُ هِيَ أَرْكَانُ الْإِيمَانِ، فَلَا يتمُّ إيمانُ أحدٍ إِلَّا إِذَا آمَنَ بِهَا جَمِيعًا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ الَّذِي دلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْهَا ؛ فَقَدْ كَفَرَ. قال تعالى  وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً والدليل على أنها من الإيمان قال النبي «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»
فقوله : الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ فهو ثلاثة أنواع:: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات
ومعنى  توحيد الربوبية:
هُوَ "إِفْرَادُ اللهِ سبحانه وتعالى في أمور ثلاثة: في الخلق والملك والتدبير"
دليل ذلك قوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف، 54] أما الملك، فدليلة قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الجاثية: 27]،وأما التدبير فدليله : {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5]
ومعنى توحيد الألوهية:
" وهُوَ إِفْرَادُ اللهِ عز وجل بالعبادة؛ بألا تَكُونَ عبداً لغير الله،لاَ تَعْبُد مَلَكًاولا نبياً ولا ولياً ولا شيخاً لاَ تَعْبُد إلا الله وحده قال تعالى : {وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] ،
ومعنى توحيد الأسماءِ والصفات:
هو الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأسماء الحسنى و الصفاتِ العُلى -؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ).] وقد اجتمعت هذه الأنواع الثلاثة في آية واحدة من كتاب الله عز وجل؛ في قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 66] .
"فقوله: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} هذا توحيد الربوبية. وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} هذا توحيد الألوهية.
وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} هذا توحيد الأسماء والصفات إن شاء الله سيأتي شرح كل نوع بالتفصيل
قوله : وَمَلَائِكَتِهِ، وَهُمْ نَوعٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَسْكَنَهُمْ سَمَاواتِه، ووكَّلَهُم بِشُؤونِ خَلْقِهِ, وَوَصَفَهُمْ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، وَأَنَّهُمْ يُسَبِّحون لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا يَفْتُرُونَ.فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِمَا وَرَدَ فِي حَقِّهِمْ مِنْ صِفَاتٍ وَأَعْمَالٍ فِي الْكِتَابِ والسنَّة، وَالْإِمْسَاكُ عمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هذا من شُؤونِ الْغَيْبِ الَّتِي لَا نَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا علَّمَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
قوله : وَكُتُبِهِ الْمُرَادُ بِهَا الْكُتُبُ المُنَزَّّلَةُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَالْمَعْلُومُ لَنَا مِنْهَا: صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ، وَالتَّوْرَاةُ الَّتِي أُنزِلَت عَلَى مُوسَى ، وَالْإِنْجِيلُ الَّذِي أُنزِلَ عَلَى عِيسَى، والزَّبُورُ الَّذِي أُنزِل عَلَى دَاوُدَ، وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ الَّذِي هُوَ آخِرُهَا نُزُولًا، وَهُوَ المُصَدِّقُ لَهَا، وَالْمُهَيْمِنُ عَلَيْهَا، وَمَا عَدَاها يَجْبُ الْإِيمَانُ بِهِ إِجْمَالًا.
قوله : وَرُسُلِهِ أي رُسُلُ اللَّه عز وجل  يعني الإيمان برسله وهم الذين أَوْحَى اللَّهُ إليهم بالشريعة وأَمَرَهُمْ بِتَبْلِيغِهَا أَّوَّلُهُمْ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسلم
عددهم عدد الرسل  فعن أَبي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ كَمْ وَفَاءُ عِدَّةِ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: «مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ » رواه الامام أحمد وصححه الألباني
قوله  وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ  وهو إخْرَاجُ الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذرَّة خَيْرًا يَرَهُ، ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِالْبَعْثِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي بيَّنها اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، والنبيُ صل الله عليه وسلم في سنته
قوله : وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ؛ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ القدر : هو تَقْدِيرُ اللَّهِ لِلْأَشْيَاءِ
قال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ،رواه مسلم
إن شاء الله سيأتي كلُ ذلك بِالتَّفْصِيل
قال ابن تيمية [ (وَمِنَ الإيمَانِ بِاللهِ: الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ).]ـ
هَذَا شروعٌ فِي التَّفْصِيلِ بَعْد َالْإِجْمَالِ
قوله : وَمِنَ الإيمَانِ بِاللهِ: الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيجب على كل مسلم  أَنْ يُؤْمِنَ بصفات الله عز وجل  وهذه الصفات توقيفيه فلا يباح أَنْ نَصِفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، وَإِنَّمَا نَحْنُ مُتَّبِعُونَ لَا مُبْتَدِعُونَ. فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي هَذَا الْبَابِ، أَعْنِي بَابَ الصِّفَاتِ، فَمَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَثْبَتْنَاهُ، وَمَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ نَفَيْنَاهُ.
قوله-؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ).من غير تحريف أي لا يباح ان نحرف الصفة لا نقول كما قالت المعتزلة الرحمن على العرش استوى قالوا أي استولى هذا تحريف بل نقول استوى على عرشه استواءَ يليق به سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}
  ومعنى وَلاَ تَعْطِيلٍ أي لا نعطل الصفة لا نقول كما قالت المبتدعة في قوله تعالى (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ) فيقولون اليد هنا بمعنى الْقُدْرَة بَلْ نُؤْمِنُ أن لله يد ليس كمثله شيء
قوله وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ).
فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّكْيِيفَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ صِفَاتِهِ تَعَالَى عَلَى كَيْفِيَّةِ كَذَا، أَوْ يَسْأَلُ عَنْهَا بِكَيْفَ.
وَأَمَّا التَّمْثِيلُ؛ فَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّهَا مِثْلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: ((مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ)) أَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْكَيْفَ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ مَا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَنْفُونَ عِلْمَهُمْ بِالْكَيْفِ؛ إِذْ لَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ كَانَ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ - َلَا يُشَبِّهُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ، يَرْوُونَ الْحَدِيثَ وَلَا يَقُولُونَ: كَيْفَ؟ وَإِذَا سُئِلُوا قَالُوا بِالْأَثَرِ.
[ قوله (بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.] قَوْلُهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِه} ؛ هَذِهِ الْآيَةُ الْمُحْكَمَةُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ دُسْتُورُ  أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي بَابِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْمِثْلَ، وَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ سَمْعًا وَبَصَرًا، فدلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحَقَّ لَيْسَ هُوَ نَفْيَ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا؛ كَمَا هُوَ شَأْنُ أهلِ البدع، وَلَا إِثْبَاتُهَا مُطْلَقًا؛ كَمَا هُوَ شَأْنُ أهل البدع ؛ الْمُمَثِّلَة بَلْ إِثْبَاتُهَا بِلَا تَمْثِيلٍ.وهو مذهب أهل السنة والجماعة
قال ابن تيمية رحمه الله فَلَا يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَلَا يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ وَلَا يُكَيِّفُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا سَمِيَّ لَهُ وَلَا كُفُوَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ وَلَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -
قَوْلُهُ: ((فَلَا يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)) تفريعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ فَإِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ فَلَا يَنْفُونَ وَلَا يُحرِّفونَ، وَلَا يُكيِّفون وَلَا يُمثِّلُون.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((وَلَا يُلْحِدون فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ)) ؛  قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ القيِّم رَحِمَهُ اللَّهُ:
((وَالْإِلْحَادُ فِي أَسْمَائِهِ هُوَ الْعُدُولُ بِهَا وَبَِمَعَانِيهَا عَنِ الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهَا؛ مأخوذٌ مِنَ الْمَيْلِ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَادَّةُ (ل ح د) ، فَمِنْهُ اللَّحْدُ، وَهُوَ الشَّقُّ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ، الَّذِي قَدْ مَالَ عَنِ الْوَسَطِ، وَمِنْهُ المُلْحِد فِي الدِّينِ: الْمَائِلُ عَنِ الْحَقِّ، المُدْخِل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ)) . اهـ
قوله : لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا سَمِيَّ لَهُ قال تعالى هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا هل استفهام لكنًه بمعنى النًفي وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ السَّمِيِّ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُسَمَّى بِمِثْلِ أَسْمَائِهِ، فَإِنَّ هُنَاكَ أَسْمَاءً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، ولكنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ إِذَا سمُِّي اللَّهُ بِهَا؛ كَانَ مَعْنَاهَا مُخْتَصًّا بِهِ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ إِنَّمَا هُوَ فِي مَفْهُومِ الِاسْمِ الكُلِّي، وَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ إلاَّ فِي الذِّهْنِ، وَأَمَّا فِي الْخَارِجِ؛ فَلَا يَكُونُ الْمَعْنَى إِلَّا جُزْئِيًّا مُخْتَصًّا، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ، فَإِنْ أُضِيفَ إِلَى الرَّبِّ؛ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ، لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَبْدُ، وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى الْعَبْدِ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الرَّبُّ.
قوله : وَلَا كُفُوَ لَهُ والدليل قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} أي  لَا مِثْلَ لَهُ
وَلَا نِدَّ لَهُ والدليل قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي َلَا شَبِيهَ لَهُ
قوله وَلَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ - قلت :القياس ينقسم إلى ثلاثة أقسام  1- قياسُ تمثيل وهو يَجْعَل ما ثبت للخالق مثل ما ثبت للمخلوق.فهذا ممنوع
2- قياس  الشُمُول وهو العام الشامل لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ
: فمثلاً: إذا قلنا: اليد فإنه لَا تُقَاسُ يدُ الله تعالى بيد الخلق من أَجلِ أن الكل يَشْمَلُهُ اسم (يد).فهذا ممنوع
 قال الله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} هذا الاية دليل على إفساد قياس التمثيل وقياس الشمول  3- قِيَاسُ الأوْلى، وَإِنَّمَا يُستعمل فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَمَضْمُونُهُ أَنَّ كلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِلْمَخْلُوقِ وَأَمْكَنَ أَنْ يتَّصف بِهِ الْخَالِقُ؛ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِ،قال تعالى {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى}

الخميس، 6 يوليو 2017

الرد على من يقول إن بيع الخمرة للكافر يجوز عمرو العدوي أبو حبيبة



الرد على من يقول إن بيع الخمرة للكافر يجوز
 ( هل يجوز بيع الخمر لكافر )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا رُوِيَ  أولا : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ مِنَ الْمَدِينَةِ جَاءَهُ أُنَاسٌ مِنْهُمْ , فَقَالُوا: إِنَّ لَنَا دُيُونًا لَمْ تُحَلَّ , فَقَالَ:  «ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا» رواه الدارقطني (2980)
قال السرخسي في شرح السير الكبير (1/1412)
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَوَضَعَ عَنْهُ بَعْضَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعَجِّلَ بَعْضَهُ، لَمْ يَجُزْ، كَرِهَ ذَلِكَ عُمَرُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ثُمَّ جَوَّزَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا أَجْلَاهُمْ. فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اهـ وبالتالي يجوز عقد العقود الفاسده في بلاد الكافرين مثل الخمر وغيرها ، وأجيب : بأن هذا الحديث ضعيف فيه: مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِىُّ الْمَكِّىُّ، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : قال أبى مسلم بن خالد الزنجى كذا و كذا . و قال محمد بن عثمان بن أبى شيبة عن يحيى بن معين ، و أبو جعفر النفيلى ، و أبو داود : ضعيف . و قال على ابن المدينى : ليس بشىء و قال النسائى : ليس بالقوى . وقال الإمام البخاري: منكر الحديث. ولذلك لما قال الحاكم عن هذا الحديث: صحح الإسناد ولم يخرجاه، تعقبه الذهبي بقوله: الزنجي ضعيف،. وقال الدارقطني بعد إخراجه لهذا الحديث: في إسناده مسلم بن خالد وهو سيء الحفظ ضعيف، وقد اضطرب في هذا الحديث وقال أبو حاتم : ليس بذاك القوى ، منكر الحديث ، يكتب حديثه ، و لا يحتج به ، تعرف و تنكر ولم يصب من حسن هذا الحديث: حتى ولو صح هذا الحديث فهذه المسألة معروفة عند العلماء بمسألة " ضَعْ وتعجل ". وهي مثلا كان عليه ألف جنيه ، فلما حل الأجل قال : سآخذ منك تسعمائة جنيه وقد تنازع العلماء في جوازها. والصحيح أنها جائزة، وليست من الربا في شيء، وبناء على ذلك يكون احتجاج الأحناف بها على جواز الخمرة والربا وغير ذلك بين المسلم والكافر غير صحيح، بل هي جائزة كذلك بين المسلم والمسلم.
قال ابن القيم رحمه الله:
" إذا كان له على رجل ديْن مؤجل، وأراد ربُّ الدَّين السفر، وخاف أن يَتْوى ماله - أي: يذهب ويضيع -، أو احتاج إليه، ولا يمكنه المطالبة قبل الحلول، فأراد أن يضع عن الغريم البعض، ويعجل له باقيه: فقد اختلف السلف، والخلف في هذه المسألة:
فأجازها ابن عباس، وحرمها ابن عمر، وعن أحمد فيها روايتان، أشهرهما عنه: المنع، وهي اختيار جمهور أصحابه.
والثانية: الجواز، حكاها ابن أبي موسى، وهي اختيار شيخنا - أي: ابن تيمية - وحكى ابن عبد البر في " الاستذكار " ذلك عن الشافعي قولاً، أصحابه لا يكادون يعرفون هذا القول، ولا يحكونه، وأظن أن هذا إن صح عن الشافعي فإنما هو فيما إذا جرى ذلك بغير شرط، بل لو عجل له بعض دينه - وذلك جائز - فأبرأه من الباقي حتى لو كان قد شرط ذلك قبل الوضع والتعجيل، ثم فعلاه بناء على الشرط المتقدم: صح عنده؛ لأن الشرط المؤثر في مذهبه: هو الشرط المقارن، لا السابق، وقد صرح بذلك بعض أصحابه، والباقون قالوا: لو فعل ذلك من غير شرط: جاز، ومرادهم: الشرط المقارن.
وأما مالك: فإنه لا يجوزه مع الشرط، ولا بدونه؛ سدّاً للذريعة، وأما أحمد: فيجوزه في ديْن الكتابة، وفي غيره عنه روايتان ... .
وهذا ضد الربا؛ فإن ذلك [يعني: الربا] يتضمن الزيادة في الأجل والدَّيْن، وذلك إضرار محض بالغريم، ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين، وانتفاع صاحبه بما يتعجله، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر، بخلاف الربا المجمع عليه، فإن ضرره لاحق بالمدين، ونفعه مختص برب الدَّيْن، فهذا ضد الربا، صورة، ومعنى" انتهى.انظر إغاثة اللهفان " (2 / 11 - 13)  
ثانيا : عَنْ جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ رواه مسلم (1218) ووجه الدلالة في هذا الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم بربا العباس ولكنه لم ينهاه عنه لأنه كان بين ظهراني الكافرين , وبالتالي يجوز عقد العقود الفاسده في بلاد الكافرين
وأجيب : 1- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب) : إنما كان في حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة، ولم يكن في فتح مكة.
فلا يصح الاستدلال به على أن العباس كان يتعامل مع أهل مكة بالربا لأنها دار حرب، لأن مكة صارت دار إسلام من حين الفتح، وكان الفتح قبل ورود هذا الحديث بأكثر من سنتين.
2. ليس عندنا دليل قطعي يفيد أن العباس رضي الله عنه كان يعلم تحريم الربا، وأنه استمر على التعامل به بعد علمه بالتحريم.
ثم إضافة الربا إلى الجاهلية في الحديث (ألا إن ربا الجاهلية موضوع) قد يفيد أن هذا الربا كان قبل إسلام العباس، لأن الجاهلية هي ما قبل الإسلام، وعلى هذا: فالمراد من الحديث أن العباس كان يتعامل بالربا قبل إسلامه، وكان له فوائد ربوية عند المقترضين، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذها، (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) وأخبر أن هذا الربا موضوع.
قال النووي رحمه الله:
" والجواب: أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ لَهُ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَبْلِ إسْلَامِهِ فَيَكْفِي حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ ثَمَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ اسْتَمَرَّ عَلَى الرِّبَا وَلَوْ اسلم اسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْشَاءَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَتَقْرِيرَهَا مِنْ يَوْمئِذٍ.
انظر المجموع " (11/ 230) وانظر سؤال وجواب(5/5129)
ثالثا : ومما استدلوا به: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْبَطْحَاءِ فَأَتَى عَلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ رُكَانَةَ , أَوْ رُكَانَةُ بْنُ يَزِيدَ وَمَعَهُ أَعْنُزٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ هَلْ لَكَ أَنْ تُصَارِعَنِي؟ فَقَالَ: " مَا تَسْبِقُنِي "، قَالَ: شَاةٌ مِنْ غَنَمِي , فَصَارَعَهُ , فَصَرَعَهُ , فَأَخَذَ شَاةً، قَالَ رُكَانَةُ: هَلْ لَكَ فِي الْعَوْدِ؟ قَالَ: " مَا تَسْبِقُنِي "؟ قَالَ: أُخْرَى , ذَكَرَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ مَا وَضَعَ أَحَدٌ جَنْبِي إِلَى الْأَرْضِ , وَمَا أَنْتَ الَّذِي تَصْرَعُنِي، يَعْنِي: فَأَسْلَمَ , وَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمَهُ رواه البيهقي في الكبرى (19761) حديث حسن بشواهده وحسنه الألباني في الإرواء (1503) 
يقول السرخسي: " وَإِنَّمَا رَدَّ الْغَنَمَ عَلَيْهِ تَطَوُّلًا مِنْهُ عَلَيْهِ. وَكَثِيرًا مَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُؤَلِّفُهُمْ بِهِ حَتَّى يُؤْمِنُوا انظر شرح السير الكبير (1412)
 وهم يريدون بهذا: الاستدلال على جواز معاملة الكفار بالعقود الفاسدة المحرمة شرعاً، لأن الرهان (وهو الميسر) محرمٌ في شرعنا تحريماً أكيداً.
وأجيب عن هذا الاستدلال بأن مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة تحمل على أحد وجهين:
الأول: أن هذا من الأحكام المنسوخة، لأنه كان في مكة قبل تشريع تحريم الميسر في المدينة، وهذا هو قول جمهور العلماء.
الثاني: أن هذا من الأفعال الجائزة إلى يوم القيامة، وهو داخل في الرهان المباح، لأن المقصود منه نصرة الإسلام، وكل ما كان كذلك فهو مباح عند جماعة من العلماء، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله، وبهذا يرد أيضاً على استدلالهم بمراهنة الصدِّيق للمشركين في مكة - كما سيأتي إن شاء الله - وهذا الرهان يُلحق حكمه بالحديث الوارد في السنن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ) . رواه أبو داود (2574) والترمذي (1700) صححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
السَّبَق: العِوض، والجائزة، يبذلان للسابق.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وَإِذا ثَبت هَذَا فَهُوَ دَلِيل على الْمُرَاهنَة من الْجَانِبَيْنِ بِلَا مُحَلل وَهُوَ نَظِير مراهنة الصّديق فَإِن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا مراهنة على مَا فِيهِ ظُهُور الدّين فَإِن ركَانَة هَذَا كَانَ من أَشد النَّاس وَلم يعلم أَن أحدا صرعه فَلَمَّا صرعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم أَنه مؤيد بِقُوَّة أُخْرَى من عِنْد الله ، وَلِهَذَا قَالَ وَالله مَا رمى أحد جَنْبي إِلَى الأَرْض فَكَانَ لَا يغلب فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمصارعته إِظْهَار آيَات نبوته وَمَا أيده الله بِهِ من الْقُوَّة وَالْفضل وَكَانَت المشارطة على ذَلِك كالمشارطة فِي قصَّة الصّديق لَكِن قصَّة الصّديق فِي الظُّهُور بِالْعلمِ وَهَذِه فِي الظُّهُور بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَة وَالدّين إِنَّمَا يقوم بِهَذَيْنِ الْأَمريْنِ الْعلم وَالْقُدْرَة فَكَانَت الْمُرَاهنَة عَلَيْهِمَا نَظِير الْمُرَاهنَة على الرَّمْي وَالرُّكُوب لما فيهمَا من العون على إِظْهَار الدّين وتأييده ، فَهِيَ مراهنة على حق وَأكل المَال بهَا أكل لَهُ بِالْحَقِّ لَكِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كَانَ غَرَضه إعلاء الْحق وإظهاره رد عَلَيْهِ المَال وَلم يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فَأسلم الرجل وَهَذِه الْمُرَاهنَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصديقه هِيَ من الْجِهَاد الَّذِي يظْهر الله بِهِ دينه ويعزه بِهِ فَهِيَ من معنى الثَّلَاثَة المستثناة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَكِن تِلْكَ الثَّلَاثَة جِنْسهَا يعد للْجِهَاد بِخِلَاف جنس الصراع فَإِنَّهُ لم يعد للْجِهَاد وَإِنَّمَا يصير مشابها للْجِهَاد إِذا تضمن نصْرَة
 الْحق وإعلائه كصراع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركَانَة وَهَذَا كَمَا أَن الثَّلَاثَة المستثناة إِذا أُرِيد بهَا الْفَخر والعلو فِي الأَرْض وظلم النَّاس كَانَت مذمومة فالصراع والسباق بالأقدام وَنَحْوهمَا إِذا قصد بِهِ نصر الْإِسْلَام كَانَ طَاعَة وَكَانَ أَخذ السَّبق بِهِ حِينَئِذٍ أخذا بِالْحَقِّ ، لَا بِالْبَاطِلِ وَالْأَصْل فِي المَال أَن لَا يُؤْكَل إِلَّا بِالْحَقِّ لَا يُؤْكَل بباطل وَهُوَ مَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ... .فَهَذَا الْأَثر يدل على جَوَاز الْمُرَاهنَة من الْجَانِبَيْنِ بِدُونِ مُحَلل فِي عمل يتَضَمَّن نصْرَة الْحق وَإِظْهَار أَعْلَامه وتصديق الرَّسُول صَلَاة الله وسلامة عَلَيْهِ " انتهى باختصار." الفروسية " (203 - 205) .
فيتبين بهذا عدم صلاحية ما استدلوا به من مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة في مكة على جواز العقود الفاسدة مع الكفار في دار الحرب، فهو على قول الجمهور منسوخ بتحريم الميسر على اعتبار أن الرهان من جهتين من أنواع الميسر، أو على القول الآخر - وهو الأرجح -: أن الفعل جائز، وأن له حكم ما ذُكر في حديث أبي هريرة من جواز الرهان على سباق الخيل، والإبل، والرماية بالسهم، وما يشبه هذه مما يستعان بها على نصرة الإسلام انظر سؤال وجواب
رابعا : ومما استدلوا به قولهم: " ولأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قامر مشركي قريش قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى: (الم. غلبت الروم ... ) الآية " فقالت قريش له: ترون أن الروم تغلب؟! قال: نعم، فقالوا: هل لك أن تُخاطِرَنا؟ فقال: نعم، فخاطرهم، فأخبر النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اذهب إليهم فزد في الخَطَر) ، ففعل، وغلبت الرومُ فارسًا، فأخذ أبو بكر خَطَرَه؛ فأجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو القمار بعينه بين أبي بكر ومشركي مكة، وكانت مكةُ دارَ شرك.
ولا يخفى أن مكة هنا أيضا لم تكن دار حرب؛ حيث كان ذلك قبل شرع الجهاد أصلا ".
ويجاب عن هذا بمثل ما أجيت عن قصة مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة، فجمهور العلماء، يرون أن هذا منسوخ، فكان هذا قبل نزول تحريم الميسر، ويرى بعض العلماء جواز هذا الرهان وأنه ليس منسوخاً، لأن المقصود منه نصرة الإسلام. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
قال ابن القيم رحمه الله:
وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي إحكام هَذَا الحَدِيث ونسخه على قَوْلَيْنِ
فادعت طَائِفَة نسخه بنهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْغرَر والقمار قَالُوا فَفِي الحَدِيث دلَالَة على ذَلِك وَهُوَ قَوْله وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهَان.
(وَإِلَى هَذَا القَوْل ذهب أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ
وَادعت طَائِفَة أَنه مُحكم غير مَنْسُوخ وَأَنه لَيْسَ مَعَ مدعي نسخه حجَّة يتَعَيَّن الْمصير إِلَيْهَا ، قالواوالرهان لم يحرم جملَة ؛ وَإِنَّمَا الرِّهَان على الْمحرم الرِّهَان على الْبَاطِل الَّذِي لَا مَنْفَعَة فِيهِ فِي الدّين ، وَأما الرِّهَان على مَا فِيهِ ظُهُور أَعْلَام الْإِسْلَام وأدلته وبراهينه - كَمَا [قد] رَاهن عَلَيْهِ الصّديق فَهُوَ من أَحَق الْحق وَهُوَ أولى بِالْجَوَازِ من الرِّهَان على النضال وسباق الْخَيل وَالْإِبِل. وَإِلَى هَذَا ذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية " انتهى باختصار.
" الفروسية " (ص 96 - 98) .
وقال رحمه الله:
" وَقَوله وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهَان من كَلَام بعض الروَاة لَيْسَ من كَلَام أبي بكر وَلَا [من كَلَام] النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انظر الفروسية " (ص 95) وانظر سؤال وجواب (5/5129)
خامسا : عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وأجيب قال النووي في المجموع (9/392) (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ أَنَّهُ مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ اهـ وقال ابن حجر في الدراية (2/158) لم أجده اهـ وقال ابن قدامة في المغني (4/32) وَخَبَرُهُمْ مُرْسَلٌ لَا نَعْرِفُ صِحَّتَهُ اهـ
سادسا :  ومما قالوه في إباحة العقود الفاسدة - ومنه الخمرة والربا - في ديار الحرب: " ولأن مالهم مباح فحُقَّ للمسلم أن يأخذه بلا غدر؛ لحرمة الغدر؛ لأن المسلمين لو ظهروا على ديارهم لأخذوا مالهم بالغنيمة ".
ويجاب عن هذا: بأن قولهم: ((ولأن مالهم مباح)) هذا غير صحيح، لأن كلامنا على المسلم الذي دخل ديارهم وأقام بينهم بأمان منهم [مثل التأشيرة] فيجب أن يكونوا هم أيضاً في أمان منه، فلا يجوز له الاعتداء عليهم، ولا على أموالهم، وبالتالي: فأموالهم غير مباحة له انظر سؤال وجواب (5/5129)
قال الإمام الشافعي رحمه الله: " إذَا دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَالْعَدُوُّ مِنْهُمْ آمِنُونَ إلَى أَنْ يُفَارِقُوهُمْ أَوْ يَبْلُغُوا مُدَّةَ أَمَانِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ ظُلْمُهُمْ وَلَا خِيَانَتُهُمْ انظر الأم" (4/263) .
وقال أيضاً (4/284) :
" وَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ... قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْهُمْ فِي أَمَانٍ فَهُمْ مِنْهُ فِي مِثْلِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ فِي أَمَانِهِمْ إلَّا مَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَالَ مَمْنُوعٌ بِوُجُوهٍ أَوَّلُهَا إسْلَامُ صَاحِبِهِ وَالثَّانِي مَالُ مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ وَالثَّالِثُ مَالُ مَنْ لَهُ أَمَانٌ إلَى مُدَّةِ أَمَانِهِ وَهُوَ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا يُمْنَعُ مِنْ مَالِهِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ اهـ
وقال النووي رحمه الله:
وَأَمَّا اسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ إذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَمَمْنُوعَةٌ فَكَذَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَلَوْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ الْأَمَانِ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا دَخَلَ دار السلام يُسْتَبَاحُ مَالُهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا يُسْتَبَاحُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ثُمَّ لَيْسَ كُلُّ مَا اُسْتُبِيحَ بِغَيْرِ عَقْدٍ اُسْتُبِيحَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْفُرُوجِ تُسْتَبَاحُ بِالسَّبْيِ وَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ انظر المجموع " (11/ 229)
القول الثاني : ذهب أكثر أهل العلم إلى تحريم بيع الخمر للكافر لعموم الأدلة الدالة على تحريم بيع الخمر ولم يرد نص يستثني البيع للكافر 0
لو كان بيع الخمر للكفار جائزاً لما سكب الصحابة الخمر في شوارع المدينة كما عند البخاري (4617) ومسلم  (1980) ولباعوها للكفار وتقووا بثمنها على الجهاد!!!
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، 00ُ» رواه البخاري (2236) ومسلم  (1581)
وعن ابن عمر قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشْرَةِ وُجُوهٍ: لُعِنَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَشَارِبُهَا، وَسَاقِيهَا، وَبَائِعُهَا، وَمُبْتَاعُهَا، وَعَاصِرُهَا، وَمُعْتَصِرُهَا، وَحَامِلُهَا، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَآكِلُ ثَمَنِهَا رواه أحمد (4787) صححه الألباني والأرنؤوط
قال النووي في المجموع (9/ 227) :
بَيْعَ الْخَمْرِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ بَاعَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ تَبَايَعَهَا ذِمِّيَّانِ أَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي شِرَائِهَا لَهُ فَكُلُّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَهَذَا فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ اهـ
قال ابن حزم في المحلى (7/ 490)
لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْخَمْرِ، لَا لِمُؤْمِنٍ، وَلَا لِكَافِرٍ، وَلَا بَيْعُ الْخَنَازِيرِ كَذَلِكَ، وَلَا شُعُورِهَا، وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا بَيْعُ صَلِيبٍ، وَلَا صَنَمٍ، وَلَا مَيْتَةٍ، وَلَا دَمٍ إلَّا الْمِسْكَ وَحْدَهُ، فَهُوَ حَلَالٌ بَيْعُهُ وَمِلْكُهُ، فَمَنْ بَاعَ مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي ذَكَرْنَا شَيْئًا فُسِخَ أَبَدًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو كُرَيْبٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ مُسْلِمٍ هُوَ أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَسْجِدِ فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ» .
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا لَيْثٌ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شَحْمَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ قَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ، قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَوَّهَ قَوْمٌ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي تَصْحِيحِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِيهِ لِلْقِيَاسِ أَثَرٌ، لَكِنْ فِيهِ: أَنَّ الْأَوَامِرَ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الشُّحُومَ عَلَى الْيَهُودِ فَاسْتَحَلُّوا بَيْعَهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ، إذْ خَصُّوا التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ.
فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ مَتَى حُرِّمَ شَيْءٌ فَحَرَامٌ مِلْكُهُ، وَبَيْعُهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَأَكْلُهُ عَلَى عُمُومِ تَحْرِيمِهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَخْصِيصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ.
وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى: الْخِنْزِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ، فَحَرَّمَ مِلْكَ كُلِّ ذَلِكَ، وَشُرْبَهُ، وَالِانْتِفَاعَ بِهِ، وَبَيْعَهُ.
وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى دِينَ الْإِسْلَامِ عَلَى كُلِّ إنْسٍ وَجِنٍّ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]
فَوَجَبَ الْحُكْمُ عَلَى الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس: بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا.
وَمَنْ أَجَازَ لَهُمْ بَيْعَ الْخَمْرِ ظَاهِرًا وَشِرَاءَهَا كَذَلِكَ، وَتَمَلُّكَهَا عَلَانِيَةً، وَتَمَلُّكَ الْخَنَازِيرِ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ مِنْ دِينِهِمْ بِزَعْمِهِ، وَصَدَّقَهُمْ فِي ذَلِكَ: لَزِمَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا شَرَائِعَهُمْ فِي بَيْعِ مَنْ زَنَى مِنْ النَّصَارَى الْأَحْرَارِ، وَخِصَاءِ الْقِسِّيسِ إذَا زَنَى، وَقَتْلِ مَنْ يَرَوْنَ قَتْلَهُ وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَمْرًا: جَازَ ذَلِكَ وَهَذِهِ مِنْ شُنْعِهِ الَّتِي نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهَا.
وَأَمَّا الْمِسْكُ: فَقَدْ صَحَّ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّطَيُّبُ بِالْمِسْكِ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى الطِّيبِ» وَأَيْضًا: فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الدَّمِ وَصِفَاتِهِ وَحْدَهُ، فَلَيْسَ دَمًا، وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَالْأَسْمَاءُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الصِّفَاتِ، وَالْحُدُودِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا عُمَرُ الْمُكْتِبُ أَنَا حِزَامٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ زَكَا أَوْ زَكَّارٍ قَالَ: نَظَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى زُرَارَةَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْقَرْيَةُ؟ قَالُوا: قَرْيَةٌ تُدْعَى زُرَارَةَ يُلْحَمُ فِيهَا، وَيُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ؟ قَالَ: أَيْنَ الطَّرِيقُ إلَيْهَا؟ قَالُوا: بَابُ الْجِسْرِ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَأْخُذُ لَك سَفِينَةً؟ قَالَ: لَا، تِلْكَ شَجَرَةٌ، وَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي الشَّجَرَةِ، انْطَلِقُوا بِنَا إلَى بَابِ الْجِسْرِ، فَقَامَ يَمْشِي حَتَّى أَتَاهَا، فَقَالَ عَلَيَّ بِالنِّيرَانِ أَضْرِمُوهَا فِيهَا، فَاحْتَرَقَتْ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هِشَامٌ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ أَثْرَى فِي تِجَارَةِ الْخَمْرِ، فَكَتَبَ: أَنْ اكْسِرُوا كُلَّ شَيْءٍ قَدَرْتُمْ لَهُ عَلَيْهِ، وَسَيِّرُوا كُلَّ مَاشِيَةٍ لَهُ، وَلَا يُؤْوِيَنَّ أَحَدٌ لَهُ شَيْئًا.
فَهَذَا حُكْمُ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيمَنْ بَاعَ الْخَمْرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَخَالَفُوهُمَا اهـ
سئلت اللجنة الدائمة (13/49)
لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه» - سنن أبي داود (3488) حديث صحيح  صححه الألباني والأرنؤوط - ، ولأنه صلى الله عليه وسلم «لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها » وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز