الاثنين، 19 فبراير 2018

حكم النقاب والرد على من قال إن النقاب بدعة عمرو العدوي أبو حبيبة



حكم النقاب
والرد على من قال إن النقاب بدعة
عمرو العدوي أبو حبيبة
 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فهذا بحث عن حكم النقاب قسمت هذا البحث إلى قسمين القسم الأول : أرد على الذين يقولون بأن النقاب بدعة
 القسم الثاني :  حكم النقاب 0
أولا : الرد على الذين يقولون بأن النقاب بدعة واستدلوا : أولا عَنْ قُرَيْبَةَ بِنْتِ مَنِيعَةَ، عَنْ أُمِّهَا، أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، النَّارَ النَّارَ، فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا نَجْوَاكِ؟» فَأَخْبَرَتْهُ بِأَمْرِهَا وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ، فَقَالَ: «يَا أَمَةَ اللهِ، أَسْفِرِي، فَإِنَّ الْإِسْفَارَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّ النِّقَابَ الْفُجُورُ» رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة [7859] قلت : حديث ضعيف جدا قال الألباني في الضعيفة [5301] : هذا متن منكر، وإسناد مظلم اهـ قلت : استدل أهل البدع بهذا الحديث الباطل في تحريم النقاب وتركوا الآيات والأحاديث الصحيحة وإجماع العلماء على مشروعية النقاب نقول لهؤلاء الأحاديث الضعيفة لا يستدل بها ولا يجوز أن تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على وجه يبين فيه أنها ضعيفة ومن حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين وأنتم كذلك عَنِ المُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رواه البخاري [1291] ومسلم [4] قال النووي في شرح مسلم [1/65] : فَفِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّضُ لَهُ وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ اهـ فأنتم على خطر عظيم فتوبوا إلى الله من قولكم هذا تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا
قال العلامة الألباني رحمه الله في تمام المنة [32-34] :
واعلم أن من يفعل ذلك فهو أحد رجلين:
1 - إما أن يعرف ضعف تلك لأحاديث ولا ينبه على ضعفها، فهو غاش للمسلمين، وداخل حتما في الوعيد المذكور. قال ابن حبان في كتابه "الضعفاء" (1/7-8) : " في هذا الخبر دليل على أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما تُقُوِّل عليه وهو يعلم ذلك، يكون كأحد الكاذبين، على أن ظاهر الخبر ما هو أشد قال صلى الله عليه وسلم: (من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب. .) ولم يقل: إنه تيقن أنه كذب، فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر ".
2 - وإما أن لا يعرف ضعفها، فهو آثم أيضا لإقدامه على نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم دون علم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم في "مقدمة صحيحه" (رقم/5) فله حظ من إثم الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد أشار صلى الله عليه وسلم أن من حدث بكل ما سمعه - ومثله من كتبه - أنه واقع في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لا محالة، فكان بسبب ذلك أحد الكاذِبَيْن: الأول: الذي افتراه. والآخر: هذا الذي نشره!
قال ابن حبان أيضا (1/9) : " في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم اليقين صحته " اهـ
وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا، أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفا اهـ وقَالَ أَبُو الْفضل الْهَمدَانِي: مبتدعة الْإِسْلَام والواضعون للأحاديث أَشد من الْمُلْحِدِينَ لِأَن الْمُلْحِدِينَ قصدُوا إِفْسَاد الدَّين من خَارج، وَهَؤُلَاء قصدُوا إفساده من دَاخل، فهم كَأَهل بلد سعوا فِي إِفْسَاد أَحْوَاله، والملحدون كالحاضرين من خَارج، فالدخلاء يفتحون الْحصن فَهُوَ شَرّ على الاسلام من غير الملابسين انظر الموضوعات لابن الجوزي [1/ 51]
 واستدلوا ثانيا : قالوا ثبت في السنة ما يدل على أن لبس المرأة للنقاب كان أمرا غريبا يلفت النظر ، ويوجب السؤال والاستفهام فعَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ،عَنْ عَبْدِ الْخَبِيرِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهَا أُمُّ خَلَّادٍ وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ، تَسْأَلُ عَنِ ابْنِهَا، وَهُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنِ ابْنِكِ وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ؟ فَقَالَتْ: إِنْ أُرْزَأَ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ»، قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ رواه أبو داود [2488] قالوا : والحديث فيه دلالة أن لبس المرأة للنقاب ، كان أمرا غريبا قلت : أولا : هذا الحديث ضعيف قَالَ الْبُخَارِيُّ حديث ليس بالقائم منكر الحديث وقال بن عَدِيٍّ وَعَبْدُ الْخَبِيرِ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ انظر عون المعبود [7/120] وضعفه الألباني وشعيب الأرنؤوط قال الألباني في ضعيف أبي داود [2/297] : إسناده ضعيف؛ لجهالة عبد الخبير بن ثابت بن قيس- كذا وقع فيه! -، والصواب: عبد الخبير بن قيس بن ثابت. وأبوه- قيس- مجهول أيضاً ، وفرجٌ ضعيف) اهـ
ثانيا : إذا صح هذا الحديث لكان حجة عليهم ؛ لأنها منتقبة مع عظم المصيبة وأيضا هذا الصحابى لم يسأل سؤال استنكارى ولكنه سأل سؤال تعجبى يعبر على اندهاشه من صبر المرأه وعظيم حياءها ابنها مقتول ولم تخرج من بيتها إلا بعد لبس جميع ثيابها ونقابها وهذا طبعا يستغرق وقتا فياله من صبر عجيب وثبات وحياء هذا ان صح الحديث ولكن الحديث ضعيف فلا إشكال فيه 0
استدلوا ثالثا : قالوا : إن النقاب قد يرتديه المحتالون والسُّرَّاق والإرهابيون والداعرات فيتخفون وراءه؟ ثم يروحون يستعرضون القصص المغرضة في هذا الباب 0
وللرد على هذه الشبهة :
أولا: المنافقون في الدرك الأسفل من النار ومع ذلك كانوا يتظاهرون بالإسلام فيصلُّون ويُخفون في قلوبهم الزندقة والكفر ويخادعون الله، فهل نترك الصلاة لأن المنافقين يصلون؟
ثانيا: قال في كتاب عودة الحجاب [3/ 454] : هب أن رجلًا انتحل شخصية قائد عسكري كبير، وارتدى بَزَّته، وتحايل بذلك، واستغل هذا الثوب فيما لا يباح له كيف تكون عقوبته؟ وهل يصلح سلوكه - في نظركم - مبررًا للمطالبة بإلغاء الزي المميز للعسكريين مثلا خشية أن يسيءَ أحَد استعماله؟ وما يقال عن البزة العسكرَية، يقال عن "لباس الفتوة، وزي الرياضة،فإذا وجد في المجتمع الجندي الذي يخون، والفتى الذي يسيء، والرياضي الذي يذنب، هل يقول عاقل إن على الأمة أن تحارب شعار العسكر، ولباس الفتوة، وزي الرياضة،. . . لخيانات ظهرت، وإساءات تكررت؟ فإذا كان الجواب: "لا" فلماذا يقف أعداء الإسلام من الحجاب هذا الموقف المعادي، ولماذا يثيرون حوله الشائعات الباطلة المغرضة اهـ
 رابعا : قالوا : الحجاب كان فرض على أمهات المؤمنين فقط
قلت : عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: «كُنَّا نُغَطِّيَ وُجُوهَنَا مِنَ الرِّجَالِ فِي الْإِحْرَامِ»رواه الحاكم [1668] وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبى , قال الألباني : وهو كما قالا انظر إرواء الغليل [4/212] إسماء رضي الله عنها ليست من أمهات المؤمنين ومع ذلك تقول : «كُنَّا نُغَطِّيَ وُجُوهَنَا مِنَ الرِّجَالِ فِي الْإِحْرَامِ» وكذلك عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّهَا قَالَتْ كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ رواه مالك في الموطأ انظر الاستذكار [4/23] وصححه الألباني وإن شاء الله سيأتي مزيد من الرد على ذلك
ولقد وصل الأمر ببعضهم لكي يمنع النقاب إلى التآمر والاحتيال والنصب والدجل. يقول الأستاذ محمد جلال كشك في كتابه (قراءة في فكر التبعية) ص (421): أن عميد إحدى الكليات اعترف: أنه لكي يمنع الحجاب أو النقاب في كليته استأجر طالبا من كلية أخرى واتفقوا معه على أن يحاول دخول الكلية منقبا ويقبض عليه الحرس وتصبح فضيحة. وتم ذلك فعلا واستغلها العميد فأصدر قرارا بمنع الحجاب أو النقاب ودفعوا للطالب أُجرته مع بعض الأقلام والشلاليت! وكان العميد يروي هذه القصة مفتخرًا قائلا: بعشرة جنيه حلِّيت مشكلة الحجاب في كُلِّيتي! ترى كم يتكلف تلميع خائب وترويج بائر) اهـ
نقول لهؤلاء الجهلة أن مشروعية النقاب له أصل في القرآن و السنة، والإجماع وأن حكمه يدور بين الوجوب والاستحباب كما سيأتي فهل هؤلاء العلماء أجمعوا على ضلالة هل هؤلاء العلماء جهله وأنتم على الحق لا يجوز لنا أن نخرج من هذه الدائرة إما الوجوب إما الاستحباب ولم يقل أحد قط إن النقاب بدعة إلا الجهلة فعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ رواه الترمذي [2167] صححه الألباني فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اجْتِمَاعَ الْمُسْلِمِينَ حَقٌّ وَالْمُرَادُ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِجْمَاعِ الْعَوَامِّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَنْ عِلْمٍ انظر تحفة الأحوذي [6/ 322] بل بعضهم نقل الإجماع كما قال ابن رسلان وغيره كما في نيل الأوطار (6\137) أنه إن خشيت الفتنة فإنه يلزمها ستر وجهها عن الرجال الأجانب.ولا ريب أن الفتنة الآن تكاد تكون متحققة، إلا ما رحم الله 
قلت : لو فرضنا جدلاً، أن النقاب بدعة ولكن هناك نساء يرين أنه مستحب أو واجب، قد تأسين بأمهات المؤمنين، وبغيرهن من نساء السلف، وظهر لهن أن هذا القول قد قال به المذاهب الأربعة وغيرهم ، فهل يتركن ما يعتقدنه حقاً، لقول هؤلاء الجهلة نقول لهؤلاء لماذا لا تنكر على الفتيات السافرات الكاسيات العاريات، وما أكثرهن في مصر وفي غير مصر، أم إن الإنكار لا يجب إلا على المنقبات فقط وهل كشف الفتاة شعرها وأجزاء أخرى من جسدها، مما هو مشهور في مصر، هل هذا هو دين الإسلام في رأي هؤلاء الجهلة، الإجماع منعقد على أن المرأة لا يحل لها كشف شعر ولا ساق ولا فخذ أمام الرجال الأجانب، والخلاف إنما هو في الوجه والكفين، هل يجوز كشفهما أم لا. قال ((ابن حزم)) : ((واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها ويدها عورة, واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما؛ عورة هي أم لا؟)) انظر مراتب الإجماع (29) وأقرَّه شيخ الإسلام ((ابن تيمية)) فكيف يسوغ لهؤلاء أن ينكروا على من فعلت واجباً أو مستحباً، ويتركوا الإنكار على من فعلت منكراً صريحاً، أجمع الفقهاء على إنكاره  حسبي الله ونعم الوكيل يقول الإمام الشاطبي رحمه الله بعد أن أستَعرض صورا ونماذج من حيل المبطلين في التلاعب بنصوص، الأدلة، والتحايل على قواعد الأحكام: وَلِذَلِكَ لَا تَجِدُ فِرْقَةً مِنَ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ وَلَا أَحَدًا مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْأَحْكَامِ لَا الْفُرُوعِيَّةِ وَلَا الْأُصُولِيَّةِ يَعْجِزُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَذْهَبِهِ بِظَوَاهِرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ ذَلِكَ أَمْثِلَةٌ، بَلْ قَدْ شَاهَدْنَا وَرَأَيْنَا مِنَ الْفُسَّاقِ مَنْ يَسْتَدِلُّ عَلَى مَسَائِلِ الْفِسْقِ بِأَدِلَّةٍ يَنْسُبُهَا إِلَى الشَّرِيعَةِ الْمُنَزَّهَةِ، وَفِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ وَالْأَخْبَارِ مِنْ ذَلِكَ أَطْرَافٌ مَا أَشْنَعَهَا فِي الِافْتِئَاتِ عَلَى الشَّرِيعَةِ،. . . فَلِهَذَا كُلِّهِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ نَاظِرٍ فِي الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ مُرَاعَاةُ مَا فَهِمَ مِنْهُ الْأَوَّلُونَ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْعَمَلِ بِهِ؛ فَهُوَ أَحْرَى بِالصَّوَابِ، وَأَقْوَمُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ انظر الموافقات (3\288)
وأبدى الشيخ محمد متولي الشعراوي غضبه وسخطه على من يهاجمون النقاب والحجاب،  في حوار شهير له مع صحيفة الأخبار الحكومية، نشرته بتاريخ 1/ 4 / 1994م ، وقال ما نصه:
((وعجيب أيضا وغريب أمر هؤلاء، وهم في رفضهم للحجاب والنقاب يرفعون شعار الحرية الشخصية!! ونحن نسألهم أهناك حرية بلا ضوابط تمنع الجنوح بها إلى غير الطريق الصحيح؟ وأية حرية تلك التي يعارضون بها تشريعات السماء؟ هذه الحرية التي تضيق الخناق على المحجبات، وتترك الحبل على الغارب للسافرات فَيُحرضن على الجريمة بعد الافتتان! وحسبنا من سوابق الخطف للفتيات، واغتصاب المائلات المميلات، حسبنا من ذلك دليلا على حكمة الله البالغة فيما شرع من ستر!! إن هؤلاء يحاولون التدخل في صميم عمل الله، ويريدون أن تُشَرِّع الأرض للسماء وخسئوا وخاب سعيهم)) اهـ
أختاه الان عرفتي أن النقاب ليس ببدعة ولكن كما سبق إنه إما مستحب أو فريضه ولا تسمعى أختاه إلى من يقول ان النقاب بدعه فالذى يقول بذلك ليس له حظ من العلم ..ونسأل الله له الهدايه 
أختاه عليك أن تصبر وتحتسب ما تلاقيه في سبيل تمسكك بدينك وطاعة ربك ، ولنا قدوة حسنة في سلفنا الصالح رضي الله عنهم  فإنهم أوذوا في سبيل الله أشد الإيذاء  ولم يصرفهم ذلك عن دينهم  بل كان يمر بهم الإيذاء والتعذيب ولا يزيدهم إلا تمسكاً بدينهم  ولعل هذه الأيام التي نعيشها هي أيام الصبر التي أخبر عنها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ» رواه الترمذي (2260) وصححه الألباني. والْجَمْرَة وَهِيَ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ
قال المناوي في "فيض القدير [6/ 456] :
أي الصابر على أحكام الكتاب والسنة يقاسى بما يناله من الشدة والمشقة من أهل البدع والضلال مثل ما يقاسيه من يأخذ النار بيده ويقبض عليها بل ربما كان أشد وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقد وقع اهـ وقال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ كَمَا لَا يُمْكِنُ الْقَبْضُ عَلَى الْجَمْرَةِ إِلَّا بِصَبْرٍ شَدِيدٍ وَتَحَمُّلِ غَلَبَةِ الْمَشَقَّةِ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا يُتَصَوَّرُ حِفْظُ دِينِهِ وَنُورِ إِيمَانِهِ إِلَّا بِصَبْرٍ عَظِيمٍ انظر تحفة الأحوذي [6/445] وأوجه نصيحة إلى كل من تكلم عن النقاب بسوء أقول لهم اتقوا الله فيما تقولون وما تفعلون، إنكم مسئولون يوم القيامة عما استرعاكم الله عليه من أمور الناس، ولا تستكبروا عن الرجوع إلى الحق،وأنتم تعلمون الحق فالحق أحق أن يتبع. وقد حذرنا الله في كتابه الكريم من الوقوع فيما وقعت فيه أمم الكفر قبلنا، خاصة اليهود والنصارى، أحباراً ورهباناً، من كتم الحق وتلبيسه بالباطل وتحريف الكلم عن مواضعه مما ابتلينا به من قبل عُبّادنا وعلمائنا. 
  نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً ويوفقنا لاتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويوفقنا لاجتنابه ويهدينا صراطه المستقيم إنه جواد كريم
القسم الثاني : كما سبق أن النقاب مشروع بإجماع العلماء ولكن تنازعوا في حكمه على قولين ؟
القول الأول : قالوا يجب عليها ستر وجهها وكفيها وهو ظاهر مذهب أحمد  وهو قول مالك – في رواية - وشيخ الإسلام ابن تيمية  انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (22\110) وهو قول ابن العربي وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ورجحه السعدي والشنقيطي وابن باز وابن عثيمين و بكر بن عبد الله أبو زيد وشيخنا مصطفى العدوي 0
واستدلوا : أولا : قال الله تعالى : [ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ] سورة الأحزاب (59) قالوا : هذه الآية تقطع كل شك ونزاع لقد أشارت الآية إلى أن الجلباب الساتر لجميع البدن ومنه الوجه والكفان شعار المؤمنات ولواء العفيفات قال ابن باز رحمه الله في مجموع فتاوى  5/230 ولو لم يكن من الأدلة الشرعية على منع كشف الوجه إلا هذا النص منه سبحانه وتعالى لكان كافيا في وجوب الحجاب وستر مفاتن المرأة، ومن جملتها وجهها، وهو أعظمها؛ لأن الوجه هو الذي تعرف به وهو الذي يجلب الفتنة انتهى
قال ابن حزم في المحلى 2/248 وَالْجِلْبَابُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي خَاطَبْنَا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ مَا غَطَّى جَمِيعَ الْجِسْمِ، لَا بَعْضَهُ انتهى
قال الشوكاني في فتح القدير (4\349)
وَالْجَلَابِيبُ: جَمْعُ جِلْبَابٍ، وَهُوَ ثَوْبٌ أَكْبَرُ مِنَ الْخِمَارِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْجِلْبَابُ: الْمِلْحَفَةُ، وَقِيلَ: الْقِنَاعُ، وَقِيلَ: هُوَ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِ الْمَرْأَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، فَقَالَ: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يُغَطِّينَ وجوههنّ ورؤوسهنّ إِلَّا عَيْنًا وَاحِدَةً، فَيُعْلَمُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَلَا يعرض لهن بِأَذًى. وَقَالَ الْحَسَنُ: تُغَطِّي نِصْفَ وَجْهِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: تَلْوِيهِ فَوْقَ الْجَبِينِ وَتَشُدُّهُ ثُمَّ تَعْطِفُهُ عَلَى الْأَنْفِ وَإِنْ ظَهَرَتْ عَيْنَاهَا لَكِنَّهُ يَسْتُرُ الصَّدْرَ وَمُعْظَمَ الْوَجْهِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى إِدْنَاءِ الْجَلَابِيبِ، وَهُوَ:مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ أَيْ: أَقْرَبُ أَنْ يُعْرَفْنَ فَيَتَمَيَّزْنَ عَنِ الْإِمَاءِ وَيَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَلا يُؤْذَيْنَ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الرِّيبَةِ بِالتَّعَرُّضِ لَهُنَّ مُرَاقَبَةً لَهُنَّ وَلِأَهْلِهِنَّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ أَنْ تُعْرَفَ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ مَنْ هِيَ، بَلِ الْمُرَادُ أَنْ يُعْرَفْنَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ لا إماء لأنه قَدْ لَبِسْنَ لُبْسَةً تَخْتَصُّ بِالْحَرَائِرِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لِمَا سَلَفَ مِنْهُنَّ مِنْ تَرْكِ إِدْنَاءِ الْجَلَابِيبِ رَحِيماً بِهِنَّ أَوْ غَفُورًا لِذُنُوبِ الْمُذْنِبِينَ، رَحِيمًا بِهِمْ، فَيَدْخُلْنَ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا انتهى
قال الشنقيطي في أضواء البيان 6/243 وَمِنَ الْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى احْتِجَابِ الْمَرْأَةِ وَسِتْرِهَا جَمِيعَ بَدَنِهَا حَتَّى وَجْهَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [33 \ 59] ، فَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ مَعْنَى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ: أَنَّهُنَّ يَسْتُرْنَ بِهَا جَمِيعَ وُجُوهِهِنَّ، وَلَا يَظْهَرُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ إِلَّا عَيْنٌ وَاحِدَةٌ تُبْصِرُ بِهَا، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ: ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: لَفْظُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، لَا يَسْتَلْزِمُ مَعْنَاهُ سَتْرَ الْوَجْهِ لُغَةً، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ عَلَى اسْتِلْزَامِهِ ذَلِكَ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ، مَعَارَضٌ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَبِهَذَا يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْوَجْهِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَرِينَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِيهَا: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ سَتْرُ وُجُوهِهِنَّ بِإِدْنَاءِ جَلَابِيبِهِنَّ عَلَيْهَا، وَالْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لِأَزْوَاجِكَ، وَوُجُوبُ احْتِجَابِ أَزْوَاجِهِ وَسِتْرِهِنَّ وُجُوهَهُنَّ، لَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. فَذَكَرَ الْأَزْوَاجَ مَعَ الْبَنَاتِ وَنِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْوُجُوهِ بِإِدْنَاءِ الْجَلَابِيبِ، كَمَا تَرَى ثم قال رحمه الله (6\251) فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ، مِمَّنْ يَدَّعِي مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ لِلْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى سَتْرِ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا عَنِ الْأَجَانِبِ، مَعَ أَنَّ الصَّحَابِيَّاتِ فَعَلْنَ ذَلِكَ مُمْتَثِلَاتٍ أَمْرَ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ إِيمَانًا بِتَنْزِيلِهِ انتهى
ورد على ذلك الشيخ الألباني رحمه الله فقال في جلباب المرأة المسلمة (87) ولا دلالة في الآية على أن وجه المرأة عورة يجب عليها ستره بل غاية ما فيها الأمر بإدناء الجلباب عليها وهذا كما ترى أمر مطلق فيحتمل أن يكون الإدناء على الزينة ومواضعها التي لا يجوز لها إظهارها حسبما صرحت به الآية الأولى– يعني لذلك قوله تعالى[ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا] سورة النور (31) - وحينئذ تنتفي الدلالة المذكورة أن يكون أعم من ذلك فعليه يشمل الوجه. وقد ذهب إلى كل من التأويلين جماعة من العلماء المتقدمين وساق أقوالهم قي ذلك ابن جرير في "تفسيره" والسيوطي في "الدر المنثور" ونحن نرى أن القول الأول أشبه بالصواب لأمور
الأول: أن القرآن يفسر بعضه بعضا، وقد تبين من آية النور المتقدمة أن الوجه لا يجب ستره، فوجب تقييد الإِدناء هنا بما عدا الوجه توفيقًا بين الآيتين.
الأخر: أن السنة تبين القرآن، فتخصص عمومه، وتقيد مطلقه، وقد دلت النصوص الكثيرة منها على أن الوجه لا يجب ستره، فوجب تفسير هذه الآية على ضوئها، وتقييدها بها.
فثبت أن الوجه ليس بعورة يجب ستره، وهو مذهب أكثر العلماء كما قال ابن رشد في "البداية" (1/ 89) ، ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد، كما في "المجموع" (3/ 169) ، وحكاه الطحاوي في "شرح المعاني " (2/ 9) عن صاحبي أبي حنيفة أيضا، وجزم في "المهمات"من كتب الشافعية أنه الصواب، كما ذكره الشيخ الشربيني في "الإقناع " (2/110) .لكن ينبغي تقييد هذا بما إذا يكن على الوجه وكذا الكفين شيء من الزينة لعموم قوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) وإلا وجب ستر ذلك، لاسيما في هذا العصر الذي تفنن فيه النساء بتزيين وجوههن وأيديهن بأنواع من الزينة والأصبغة مما لا يشك مسلم بل عاقل ذو غيرة في تحريمه اهـ
وقال: أصحاب القول الثاني أيضا قوله تعالى ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ] قالوا: الآية على أنهن كاشفات عن وجوههن فإن التي تستر وجهها لا تعرف وأجيب عن ذلك
قال الشنقيطي في أضواء البيان 6/ 244
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ قَامَتْ قَرِينَةٌ قُرْآنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، لَا يَدْخُلُ فِيهِ سَتْرُ الْوَجْهِ، وَأَنَّ الْقَرِينَةَ الْمَذْكُورَةَ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ، قَالَ: وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ: أَنْ يُعْرَفْنَ عَلَى أَنَّهُنَّ سَافِرَاتٌ كَاشِفَاتٌ عَنْ وُجُوهِهِنَّ ; لِأَنَّ الَّتِي تُسْتَرُ وَجْهَهَا لَا تُعْرَفُ، بَاطِلٌ، وَبُطْلَانُهُ وَاضِحٌ، وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَمْنَعُهُ مَنْعًا بَاتًّا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ صَرِيحٌ فِي مَنْعِ ذَلِكَ.
وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ رَاجِعَةٌ إِلَى إِدْنَائِهِنَّ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، وَإِدْنَاؤُهُنُّ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَنْ يَكُونَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ بِسُفُورِهِنَّ وَكَشْفِهِنَّ عَنْ وُجُوهِهِنَّ كَمَا تَرَى، فَإِدْنَاءُ الْجَلَابِيبِ مُنَافٍ لِكَوْنِ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةً شَخْصِيَّةً بِالْكَشْفِ عَنِ الْوُجُوهِ، كَمَا لَا يَخْفَى.
وَقَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: لِأَزْوَاجِكَ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ لَيْسَتْ بِكَشْفِ الْوُجُوهِ ; لِأَنَّ احْتِجَابَهُنَّ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ أَدِلَّةٌ مُتَعَدِّدَةٌ:
الْأَوَّلُ: سِيَاقُ الْآيَةِ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ آنِفًا.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: لِأَزْوَاجِكَ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ أَيْضًا.
الثَّالِثُ: أَنَّ عَامَّةَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَسَّرُوا الْآيَةَ مَعَ بَيَانِهِمْ سَبَبَ نُزُولِهَا، بِأَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كُنْ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِنَّ خَارِجَ الْبُيُوتِ، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ بَعْضُ الْفُسَّاقِ يَتَعَرَّضُونَ لِلْإِمَاءِ، وَلَا يَتَعَرَّضُونَ لِلْحَرَائِرِ، وَكَانَ بَعْضُ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يَخْرُجْنَ فِي زِيٍّ لَيْسَ مُتَمَيَّزًا عَنْ زِيِّ الْإِمَاءِ، فَيَتَعَرَّضُ لَهُنَّ أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ بِالْأَذَى ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُنَّ إِمَاءٌ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْمُرَ أَزْوَاجَهُ وَبَنَاتِهِ وَنِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَمَيَّزْنَ فِي زِيِّهِنَّ عَنْ زِيِّ الْإِمَاءِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، فَإِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ وَرَآهُنَّ الْفُسَّاقُ، عَلِمُوا أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ، وَمَعْرِفَتُهُمْ بِأَنَّهُنَّ حَرَائِرُ لَا إِمَاءَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ، فَهِيَ مَعْرِفَةٌ بِالصِّفَةِ لَا بِالشَّخْصِ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ مُنْسَجِمٌ مَعَ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ انتهى
قال العلامة بن باز - رحمه الله - في تفسير الآية:
"والجلابيب جميع جلباب، والجلباب هو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب، والتستر به، أمر الله سبحانه جميع النساء بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى لا يُعرفن بالعفة فلا يُفتتن، ولا يَفْتِنَّ غيرَهن فيؤذيهن" انظر السفور والحجاب (6)
ثانيا: قال تعالى  : [وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ] سورة النور (31)
وقد روى البخاري (4759) عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: أَنَّ  عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُولُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] «أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بِهَا»  قال ابن حجر في فتح الباري(8\490) فَاخْتَمَرْنَ أَيْ غَطَّيْنَ وُجُوهَهُنّ وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ تَضَعَ الْخِمَارَ عَلَى رَأْسِهَا وَتَرْمِيَهُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ عَلَى الْعَاتِقِ الْأَيْسَرِ وَهُوَ التَّقَنُّعُ قَالَ الْفَرَّاءُ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُسْدِلُ الْمَرْأَةُ خِمَارَهَا مِنْ وَرَائِهَا وَتَكْشِفُ مَا قُدَّامَهَا فَأُمِرْنَ بِالِاسْتِتَارِ انتهى وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 22/146       الْخُمُرَ الَّتِي تُغَطِّي الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْعُنُقَ انتهى قالوا : الدليل على أن الخمار هو تغطية الوجه حديث عائشة حديث الإِفْك وفيه أنها قالت : وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، رواه البخاري (4750) ومسلم  (2770)  وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُخَمِّرُ وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. أخرجه الدارقطني في " العلل " (3 / 13) وصححه الألباني في الصحيحة 2899
ورد على ذلك الألباني رحمه الله قال في جلباب المرأة المسلمة (6)
أصروا جميعًا على أن الخمار غطاء الرأس والوجه! فزادوا تفسيره الوجه من عند أنفسهم؛ ليجعلوا آية: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} حجة لهم، وهي عليهم؛ لأن الخمار لغة غطاء الرأس فقط، وهو المراد كلما جاء ذكره مطلقًا في السنة؛ كأحاديث المسح على الخمار وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار". بل هذا الحديث يؤكد بطلان تفسيرهم؛ لأن المتشددين أنفسهم -فضلًا عن أهل العلم- لا يستدلون به على شرطية ستر المرأة لوجهها في الصلاة، وإنما الرأس فقط: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} .
ويزيده تأكيدًا تفسيرُهم لقوله تعالى في آية "القواعد": {أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} بالجلباب، فقالوا: فيجوز للقاعدة أن تظهر أمام الأجانب بخمارها كاشفة وجهها، صرح بذلك أحد فضلائهم، أما الشيخ التويجري؛ فيشير إلى ذلك ولا يفصح! كما هو مشروح في موضعه من "الرد المفحم".وقد تتبعت أقوال العلماء سلفًا وخلفًا في كل الاختصاصات، فرأيتهم أجمعوا على أن الخمار غطاء الرأس، وسميت ثمة أكثر من عشرين عالِمًا، وفيهم بعض الأئمة والحفاظ، ومنهم أبو الوليد الباجي المتوفى "474 هـ"، وزاد هذا في البيان، فقال جزاه الله خيرا:
"ولا يظهر منها غير دور وجهها انتهى
وقال الألباني في الرد المفحم (22) قال الراغب الأصبهاني (ت 502) قال في كتابه الفريد " المفردات في غريب القرآن " (ص 159) :
(خمر) أصل الخمر: ستر الشيء ويقال لما يستتر به: (خمار) لكن (الخمار) صار في التعارف اسما لما تغطي به المرأة رأسها وجمعه (خمر) قال تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) 000
قلت: أي الألباني فبهذه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة التفسير والحديث والفقه واللغة ثبت قولنا: إن الخمار غطاء الرأس وبطل قول الشيخ التويجري ومقلديه كابن خلف الذي زعم (ص 70) من " نظراته ": أن الخمار عام لمسمى الرأس والوجه لغة وشرعا. واغتر به - مع الأسف - أخونا الفاضل محمد بن إسماعيل الإسكندراني فطبع في كتابه " عودة الحجاب " (3 / 285) عنوانا نصه: " الاختمار لغة يتضمن تغطية الوجه ". ثم لم يأتيا على ذلك بأي دليل سوى البيتين من الشعر كنت سقتها في كتابي (ص 73) مؤيدا قولي هناك: بأنه لا ينافي كون الخمار غطاء الرأس أن يستعمل أحيانا لتغطية الوجه واستدللت على ذلك ببعض الأحاديث فتجاهلوها مع الأسف ولم يحيروا جوابا
وأزيد هنا فأقول: قد جاء في قصة جوع النبي صلى الله عليه وسلم أن أنسا رضي الله عنه قال عن أم سليم:
(صحيح) فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه. . . " الحديث أخرجه البخاري (3578) ومسلم (6 / 118) وغيرهما والشاهد منه واضح وهو أن الخمار الذي تغطي المرأة به رأسها قد استعملته في لف الخبز وتغطيته فهل يقول أحد: إن من معاني الخمار إذا أطلق أنه يغطي الخبز أيضا؟ لا أستبعد أن يقول ذلك أولئك الذين تجرؤوا على مخالفة تلك النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة الدالة على أن (الخمار) غطاء الرأس دون دور وجهها فقال أولئك: ووجهها. لا لشيء إلا لأنه قد استعمل لتغطية الوجه كالجلباب ولو أحيانا وإذا عرفت هذا فمن أخطاء التويجري - ومن لف لفه - قوله بعد تفسيره الخمار بما تبين خطؤه (ص 221) :
[23] " فالاعتجار مطابق للاختمار في المعنى "
فأقول: نعم هو كذلك بالمعنى الصحيح المتقدم للاختمار وأما بمعنى تغطية الوجه عند الإطلاق فهو باطل لغة ولا أريد أن أطيل في نقل الشواهد على ذلك من كلام العلماء وإنما أكتفي هنا على ما قاله الإمام الفيروزآبادي في " قاموسه " والزبيدي في " تاجه " جاعلا كلام الأول بين هلالين قال (3 / 383) :
(الاعتجار) : لي الثوب على الرأس من غير إدارة تحت الحنك وفي بعض العبارات: هو (لف العمامة دون التلحي) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل مكة يوم الفتح متعجرا بعمامة سوداء " – رواه ابن إسحاق في السيرة 4/24 مرسلا أو معضلا- المعنى: أنه لفها على رأسه ولم يلح بها. والمعجر (كمنبر: ثوب تعتجر به) المرأة أصغر من الرداء وأكبر من المقنعة وهو ثوب تلفه المرأة على استدارة رأسها ثم تجلبب فوقه بجلبابها كالعجار والجمع: المعاجر ومنه أخذ الاعتجار بالمعنى السابق "قلت: وهذا لا ينافي ما احتج به الشيخ التويجري لدعواه بقوله (ص 161) : " قال ابن الأثير: وفي حديث عبد الله بن عدي بن الخيار: جاء وهو معتجر بعمامته ما يرى وحشي منه إلا عينيه ورجليه. الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه. انتهى "
قلت: لا ينافي هذا ما تقدم عن العلماء باللغة من الشرح ل (الاعتجار) لأن ما قاله ابن الأثير مصرح به في الحديث: " ما يرى منه إلا عينيه " فهو صفة كاشفة ل (الاعتجار) وليست لازمة له كما لو قال قائل: (جاء مختمرا أو متعمما لا يرى منه إلا عيناه) . فذلك لا يعني عند من يفهم اللغة أن من لوازم الاختمار والتعمم تغطية الوجه إلا العينين. ولذلك لم يزد الحافظ في " الفتح (7 / 369) على قوله:
(معتجرا) أي: لاف عمامته على رأسه من غير تحنيك
وجملة القول: إن الخمار والاعتجار عند الإطلاق إنما يعني: تغطية الرأس فمن ضم إلى ذلك تغطية الوجه فهو مكابر معاند لما تقدم من الأدلة وعلى ذلك يسقط استدلال الشيخ - ومن قلده - بالأحاديث التي فيها اختمار النساء أو اعتجارهن على دعواه الباطلة شرعا ولغة ويسلم لنا - في الوقت نفسه - استدلالنا بآية (الخمار) وحديث فاطمة الآتي (ص 66) رقم (5) على أن وجه المرأة ليس بعورة كما سيأتي بيانه هناك. والله المستعان. (انظر حديث عائشة في اختمار النساء المهاجرات فيما[25] يأتي من الكتاب صفحة 78) انتهى
ثالثا : قوله تعالى : [ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ] سورة الأحزاب (53)
قال الذين لا يوجبون النقاب : هذا خاص بنساء النبى صلى الله عليه وسلم  باتفاق أهل العلم . والدليل على ذلك عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: 000 يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِالحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الحِجَابِ،  رواه البخارى (4483) قالوا : ومن هنا فلا وجه للاستدلال بالآيه لأنها خاصه بنساء النبى صلى الله عليه وسلم  كما هو واضح 0
وقول بعضهم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا يرد هنا إذ اللفظ فى الآيه ليس عاما
وقياس بعضهم سائر النساء على نساء النبى صل الله عليه وسلم مردود لأنه قياس مع الفارق فإن عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن كما قال تعالى : {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32]
وأجيب عن ذلك قال الشنقيطي في أضواء البيان (6\ 242) قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إِنَّ آيَةَ «الْحِجَابِ» أَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ خَاصَّةٌ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ تَعْلِيلَهُ تَعَالَى لِهَذَا الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ إِيجَابُ الْحِجَابِ بِكَوْنِهِ أَطْهَرَ لِقُلُوبِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنَ الرِّيبَةِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى إِرَادَةِ تَعْمِيمِ الْحُكْمِ، إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ غَيْرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حَاجَةَ إِلَى أَطْهَرِيَّةِ قُلُوبِهِنَّ وَقُلُوبِ الرِّجَالِ مِنَ الرِّيبَةِ مِنْهُنَّ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ تُعَمِّمُ مَعْلُولَهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» بِقَوْلِهِ:وَقَدْ تُخَصِّصُ وَقَدْ تُعَمِّمُ ... لِأَصْلِهَا لَكِنَّهَا لَا تَخْرِمُ انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِنَا فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ.وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الدَّلِيلَ الْوَاضِحَ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحِجَابِ حُكْمٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ، لَا خَاصٌّ بِأَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ اللَّفْظِ خَاصًّا بِهِنَّ ; لِأَنَّ عُمُومَ عِلَّتِهِ دَلِيلٌ عَلَى عُمُومِ الْحُكْمِ فِيهِ، وَمَسْلَكُ الْعِلَّةِ الَّذِي دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ، هُوَ عِلَّةُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، هُوَ الْمَسْلَكُ الْمَعْرُوفُ فِي الْأُصُولِ بِمَسْلَكِ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ، وَضَابِطُ هَذَا الْمَسْلَكِ الْمُنْطَبِقِ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ، هُوَ أَنْ يَقْتَرِنَ وَصْفٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى وَجْهٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ لَكَانَ الْكَلَامُ مَعِيبًا عِنْدَ الْعَارِفِينَ، وَعَرَّفَ صَاحِبُ «مَرَاقِي السُّعُودِ» دَلَالَةَ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ فِي مَبْحَثِ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ وَالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ بِقَوْلِهِ:دَلَالَةُ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ ... فِي الْفَنِّ تَقْصِدُ لَدَى ذَوِيهِ أَنْ يُقْرَنَ الْوَصْفُ بِحُكْمٍ إِنْ يَكُنْ ... لِغَيْرِ عِلَّةٍ يُعِبْهُ مَنْ فَطِنْ وَعَرَّفَ أَيْضًا الْإِيمَاءَ وَالتَّنْبِيهَ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ: وَالثَّالِثُ الْإِيمَا اقْتِرَانُ الْوَصْفِ بِالْحُكْمِ مَلْفُوظَيْنِ دُونَ خِلْفِ وَذَلِكَ الْوَصْفُ أَوِ النَّظِيرُ ... قِرَانُهُ لِغَيْرِهَا يَضِيرُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ، لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، لَكَانَ الْكَلَامُ مَعِيبًا غَيْرَ مُنْتَظِمٍ عِنْدَ الْفَطِنِ الْعَارِفِ.وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ، هُوَ عِلَّةُ قَوْلِهِ: فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَعَلِمْتَ أَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ عَامٌ.فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ تُعَمِّمُ مَعْلُولَهَا، وَقَدْ تُخَصِّصُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي بَيْتِ «مَرَاقِي السُّعُودِ» ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ حُكْمَ آيَةِ الْحِجَابِ عَامٌ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ عَامًّا بِدَلَالَةِ الْقَرِينَة الْقُرْآنِيَّةِ.فَاعْلَمْ أَنَّ الْحِجَابَ وَاجِبٌ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ.انتهى
وقال أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله (ت 543هـ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ فِي مُسَاءَلَتِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي حَاجَةٍ تَعْرِضُ أَوْ مَسْأَلَةٍ يُسْتَفْتَى فِيهَا؛ وَالْمَرْأَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ؛ بَدَنُهَا وَصَوْتُهَا، فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ لِحَاجَةٍ، كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا، أَوْ دَاءٍ يَكُونُ قالوا : بِبَدَنِهَا، أَوْ سُؤَالِهَا عَمَّا يَعِنُّ وَيَعْرِضُ عِنْدَهَا.(أحكام القرآن 3/ 616)
الدليل الرابع : قوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور: 60] قالوا : فهذه الآية ترفع الجناح عن القواعد من النساء بوضع ثيابهن – على ما سيأتي تفسيره- ومع ذلك أمرتهن بعدم التبرج بالزينة ، ثم حثتهن على الاستعفاف ، ولا شك أن غير القواعد لا يرفع عنهن هذا الجناح ، وإلا كان تخصيصهن عبثا ، فدل ذلك على أن الشابة مأمورة بعدم وضع الثوب أمام الأجانب ، ثم إنه لا يعقل أن يباح للقواعد التكشف عن عموم بدنها أمام الأجانب ، فدل ذلك على أن المقصود ظهور الوجه منها فهو موضع التبرج الذي نهيت عنه 0 ومن فهم الآية بغير ذلك ففهمه بعيد عن الصواب ومما يؤكد ذلك أثر حفصة بنت سيرين فعَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، وَقَدْ جَعَلَتِ الْجِلْبَابَ هَكَذَا، وَتَنَقَّبَتْ بِهِ فَنَقُولُ لَهَا رَحِمَكِ اللهُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] هُوَ الْجِلْبَابُ قَالَ فَتَقُولُ لَنَا: أِيُّ شَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَنَقُولُ: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور: 60] فَتَقُولُ: " هُوَ إِثْبَاتُ الْجِلْبَابِ  - رواه البيهقي في الكبرى (13534) وصححه الألباني
قال ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير (3\306)
قوله تعالى: أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ أي: عند الرجال ويعني بالثياب: الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخِمار، هذا المراد بالثياب، لا جميع الثياب، غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ أي: من غير أن يُرِدْنَ بوضع الجِلباب أن تُرى زينتُهن والتبرُّج: إِظهار المرأة محاسنها، وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ فلا يَضَعْنَ تلك الثياب خَيْرٌ لَهُنَّ، قال ابن قتيبة: والعرب تقول: امرأةٌ واضعٌ: إِذا كبِرتْ فوضعت الخِمار، ولا يكون هذا إِلا في الهرِمة. قال القاضي أبو يعلى: وفي هذه الآية دلالة على أنه يُباح للعجوز كشف وجهها ويديها بين يدي الرجال، وأما شعرها، فيحرم النظر إليه كشعر الشابّة انتهى
قال الطبري في التفسير 17/359  فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ حَرَجٌ وَلَا إِثْمٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ،  يَعْنِي جَلَابِيبَهُنَّ، وَهِيَ الْقِنَاعُ الَّذِي يَكُونُ فَوْقَ الْخِمَارِ , وَالرِّدَاءُ الَّذِي يَكُونُ فَوْقَ الثِّيَابِ، لَا حَرَجَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَضَعْنَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَحَارِمِ مِنَ الرِّجَالِ وَغَيْرِ الْمَحَارِمِ مِنَ الْغُرَبَاءِ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ. ثم  أورد رحمه الله  ذلك عن ابن عباس والضحاك ومجاهد وابن زيد والشعبي
قال العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
يخبر سبحانه أن القواعد من النساء وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحًا لا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن عن وجوههن وأيديهن إذا كن غير متبرجات بزينة.فعلم بذلك أن المتبرجة بالزينة ليس لها أن تضع ثوبها عن وجهها ويديها وغير ذلك من زينتها، وأن عليها جناحا في ذلك ولو كانت عجوزا، لأن كل ساقطة لها لاقطة ، ولأن التبرج يفضي إلى الفتنة بالمتبرجة ولو كانت عجوزًا فكيف يكون الحال بالشابة والجميلة إذا تبرجت؟ لا شك أن إثمها أعظم والجناح عليها أشد، والفتنة بها أكبر وشرط سبحانه في حق العجوز أن لا تكون ممن يرجو النكاح، وما ذاك،- والله أعلم- إلا لأن رجاءها النكاح يدعوها إلى التجمل والتبرج طمعًا في الأزواج، فنهيت عن وضع ثيابها عن محاسنها صيانة لها ولغيرها من الفتنة، ثم ختم الآية سبحانه بتحريض القواعد على الاستعفاف وأوضح أنه خير لهن، وإن لم يتبرجن، فظهر بذلك فضل التحجب والتستر بالثياب ولو من العجائز وأنه خير لهن من وضح الثياب فوجب أن يكون التحجب والاستعفاف عن إظهار الزينة خيرًا للشابات من باب أولى، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة" انظر الحجاب والسفور (6)"
الدليل الخامس : عن أنس رضي الله عنه في قصة زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفية رضي الله عنها: فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ «فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ رواه البخاري (5159) وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه أيضا قال: فَلَمَّا قُرِّبَ الْبَعِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ لِيَخْرُجَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ رِجْلَهُ لِصَفِيَّةَ لِتَضَعَ قَدَمَهَا عَلَى فَخِذِهِ فَأَبَتْ وَوَضَعَتْ رُكْبَتَهَا عَلَى فَخِذِهِ وَسَتَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ وَحَمَلَهَا وَرَاءَهُ. وَجَعَلَ رِدَاءَهُ عَلَى ظَهْرِهَا وَوَجْهِهَا ثُمَّ شَدَّهُ مِنْ تَحْتِ رِجْلِهَا وَتَحَمَّلَ بِهَا وَجَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ نِسَائِهِ.رواه ابن سعد (8\96) قال الألباني في جلباب المرأة المسلمة (94) واعتمد عليها ابن القيم في زاد المعاد (2\192)
 قال الشيخ عبد العزيز بن خلف حفظه الله:
وهذا الحديث من أدلة الوجوب أيضا، لأنه من فعله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة، فهو عمل كامل، حيث إنه صلى الله عليه وسلم ستر جسمها كله، وهذا هو الحق الذي يجب اتباعه، فهو القدوة الحسنة، ولو لم يكن دليل من النصوص الشرعية على وجوب ستر المسلمة وجهها وجميع بدنها ومقاطع لحمها إلا هذا الحديث الصحيح، لكفى به موجبًا وموجهَا إلى أكمل الصفات انظر نظرات في حجاب المرأة المسلمة (97)
الدليل السادس : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ، قَالَ: فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا، فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،000 فَقَالَ لِي: «يَا أَنَسُ، ارْفَعْ»، قَالَ: فَرَفَعْتُ، فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ، أَمْ حِينَ رَفَعْتُ، قَالَ: وَجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ رواه مسلم ((1428)) قال البوطي : لا يقال إن هذا قد يكون حكما خاصا بزوجات الرسول عليه الصلاة والسلام لأن الفرق بين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وسائر نساء المسلمات فيما يتعلق بالحجاب ، إنما هو فارق زمني فقط ، ذلك أن مشروعية الحجاب تمت في حق نسائه عليه الصلاة والسلام أولا ، ثم إنها عمت سائر النساء بعد حين انظر إلى كل فتاة تؤمن بالله (41).
الدليل السابع : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ»:رواه الترمذي (1173) وقال «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وصححه الألباني
قالوا : وهذا دليل على أن جميع بدن المرأة عورة 0ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم منها شيء
قال الشيخ حمود التويجري حفظه الله:
"وهذا الحديث دال على أن جميع أجزاء المرأة عورة في حق الرجال الأجانب، وسواء في ذلك وجهها وغيره من أعضائها، وقد نقل
أبو طالب عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: ظُفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها فلا تُبِنْ منها شيئَا ولا خُفَّها، فإن الخُفَّ يصفُ القدم،
وأحبُّ إلي أن تجعل لكمها زرا عند يدها حتى لا يبين منها شيء" اهـ.
وقد تقدم ذكر ما نقله شيخ الإِسلام ابن تيميه عن الإمام أحمد أنه قال:
كل شيء منها عورة حتى ظفرها، قال شيخ الإسلام: "وهو قول مالك انظر عودة الحجاب (3\ 329) وقال الذين لا يوجبون النقاب : عن حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأخذ منه بعض العلماء : أن المرأة كلها عورة ولم يستثنوا منها وجها ولا كفا ولا قدما قالوا : والصحيح أن الحديث لا يفيد هذه الكلية التي ذكروها ، بل يدل على أن الأصل في المرأة هو التصون والستر ، لا التكشف والابتذال ، ويكفي لإثبات هذا أن يكون معظم بدنها عورة ، ولو أخذ الحديث على ظاهره ما جاز كشف شيء منها في الصلاة ، ولا في حج ، وهو خلاف الثابت بيقين وكيف يتصور أن يكون الوجه والكفان عورة ، مع الاتفاق على كشفهما في الصلاة ووجوب كشفهما في الإحرام ؟ وهل يعقل أن يأتي الشرع بتجويز كشف العورة في الصلاة ، ووجوب كشفها في الإحرام ؟
قال الألباني رحمه الله 425 6 (فائدة) : يطيب لبعض المتشددين على المرأة أن يستدلوا بهذا الحديث على أن وجه المرأة عورة على الأجانب، ولا دليل فيه البتة ، لأن المعنى كما قال ابن الأثير في " النهاية ":
جعلها نفسها عورة، لأنها إذا ظهرت يستحيا منها كما يستحيا من العورة إذا ظهرت ". ويؤكد هذا المعنى تمام الحديث: " وإذا خرجت استشرفها الشيطان ". قال الشيخ علي القاري في "المرقاة " (3 / 411) : " أي زينها في نظر الرجال. وقيل أي نظر إليها ليغويها، ويغوي بها ". وأصل (الاستشراف) أن تضع يدك على حاجبك وتنظر،
كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء وأصله من الشرف: العلو، كأنه ينظر إليه من موضع مرتفع فيكون أكثر لإدراكه. " نهاية ". وإن مما لا شك فيه أن الاستشراف المذكور يشمل المرأة ولو كانت ساترة لوجهها، فهي عورة على كل حال عند خروجها، فلا علاقة للحديث بكون وجه المرأة عورة بالمعنى الفقهي، فتأمل
منصفا. وجمهور العلماء على أنه ليس بعورة، وبيان ذلك في كتابي " جلباب المرأة المسلمة "، وقد طبع حديثا بهذا الاسم " جلباب ... " بديل " حجاب ... "سابقا لنكتة ذكرتها في المقدمة. وقد رددت فيه على المتشددين بما فيه الكفاية، وأحلت من شاء التفصيل على كتابي المفرد في الرد بإسهاب وتفصيل، تتبعت فيه شبهاتهم، وأنها قائمة على أدلة واهية رواية ودراية، واجتماعيا، وسميته اسما يلخص لك مضمونه: " الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم
المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب ولم يقنع بقولهم إنه سنة ومستحب ". يسر الله لي تبيضه ونشره بفضله وكرمه.انتهى
الدليل الثامن : عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: «الحَمْوُ المَوْتُ رواه البخاري (5232) ومسلم (2172)
قال الشنقيطي رحمه الله تعالى في أضواء البيان (6\ 248)
فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ صَرَّحَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّحْذِيرِ الشَّدِيدِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ، فَهُوَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَنْعِ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ وَسُؤَالِهِنَّ مَتَاعًا إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ; لِأَنَّ مَنْ سَأَلَهَا مَتَاعًا لَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَذَّرَهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا، وَلَمَّا سَأَلَهُ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ الْحَمْوِ الَّذِي هُوَ قَرِيبُ الزَّوْجِ الَّذِي لَيْسَ مَحْرَمًا لِزَوْجَتِهِ، كَأَخِيهِ وَابْنِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» ، فَسَمَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُخُولَ قَرِيبِ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْرَمٍ لَهَا بِاسْمِ الْمَوْتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ هِيَ أَبْلَغُ عِبَارَاتِ التَّحْذِيرِ ; لِأَنَّ الْمَوْتَ هُوَ أَفْظَعُ حَادِثٍ يَأْتِي عَلَى الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَالْمَوْتُ أَعْظَمُ حَادِثٍ ... مِمَّا يَمُرُّ عَلَى الْجِبِلَّهْ
وَالْجِبِلَّةُ: الْخَلْقُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ [26 \ 184] ، فَتَحْذِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا التَّحْذِيرَ الْبَالِغَ مِنْ دُخُولِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَتَعْبِيرُهُ عَنْ دُخُولِ الْقَرِيبِ عَلَى زَوْجَةِ قَرِيبِهِ بِاسْمِ الْمَوْتِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ نَبَوِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ عَامٌّ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ، كَمَا تَرَى. إِذْ لَوْ كَانَ حُكْمُهُ خَاصًّا بِأَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَذَّرَ الرِّجَالَ هَذَا التَّحْذِيرَ الْبَالِغَ الْعَامَّ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّحْذِيرُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ وَلَوْ لَمْ تَحْصُلِ الْخَلْوَةُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالدُّخُولُ عَلَيْهِنَّ وَالْخَلْوَةُ بِهِنَّ كِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ تَحْرِيمًا شَدِيدًا بِانْفِرَادِهِ، كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كِلَيْهِمَا حَرَامٌ.وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «فَتْحِ الْبَارِي» فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ» ، بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِيرِ، وَهُوَ تَنْبِيهُ الْمُخَاطَبِ عَلَى مَحْذُورٍ لِيَتَحَرَّزَ عَنْهُ ; كَمَا قِيلَ: إِيَّاكَ وَالْأَسَدَ، وَقَوْلُهُ: «إِيَّاكُمْ» ، مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: اتَّقُوا.وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: اتَّقُوا أَنْفُسَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءُ أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، بِلَفْظِ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ» ، وَتَضَمَّنَ مَنْعُ الدُّخُولِ مَنْعَ الْخَلْوَةِ بِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ انتهى
الدليل التاسع : قالوا : بل قد جعل الله ضرب المرأة بقدمها الأرض أثناء مشيها لسماع الرجال صوت الخلخال من الزينة المحرم ابداؤها كما في الآية {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] وكشف المرأة لوجهها ويديها أمام الرجال الأجانب أعظم زينة من سماعهم لصوت خلخالها، فوجوب ستر الوجه واليدين ألزم وأوجب.
قال الشيخ أبو بكر الجزائري:
قوله تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) إن دلالة هذه الآية على الحجاب الكامل أظهر وأقوى من الآيات السابقة، وذلك لأن إثارة الفتنة بسماع صوت الخلخال في الرجل إذا ضربت المرأة برجلها وهي تمشي أقل بكثير من فتنة النظر إلى وجهها وسماع حديثها، فإذا حرم الله تعالى بهذه الآية على المرأة أن تضرب الأرض برجلها خشية أن يسمع صوت حليها فيفتن به سامعه كان تحريم النظر إلى وجهها- وهو محط محاسنها- أولى وأشد حرمة انظر فصل الخطاب (41)
 وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
"قوله تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) يعني: لا تضرب المرأة برجلها فيعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرجل، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفا من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه.
فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالا بقدم المرأة لا يدري ما هي وما جمالها لا يدري أشابة هي أم عجوز، ولا يدري أشوهاء هي أم حسناء، أيما أعظم فتنة هذا أو أن ينظر إلى وجه سافر جميل ممتلئ شبابَا
ونضارة وحسنا وجمالا وتجميلا بما يجلب الفتنة، ويدعوا إلى النظر إليها؟ إنَّ كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإِخفاء انظر رسالة الحجاب (12)
الدليل العاشر : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا رواه البخاري (5240)
فقوله صلى الله عليه وسلم: "كأنه ينظر إليها" دليل على أن النساء كن يُغطين وجوههن وإلا لما احتاج الرجال إلى أن تُنعت لهم النساء الأجنبيات، بل كانوا يستغنون عن ذلك بالنظر إليهن مباشرة.
قال الشيخ حمود التويجري:
وفي نهيه صلى الله عليه وسلم المرأة أن تباشر المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها دليل على مشروعية احتجاب النساء عن الرجال الأجانب، وأنه لم يبق للرجال سبيل إلى معرفة الأجنبيات من النساء إلا من طريق الصفة أو الاغتفال ونحوِ ذلك، ولهذا قال: "كأنه ينظُرُ إليها" فدلَّ على أن نظر الرجال إلى الأجنبيات ممتنع في الغالب من أجل احتجابهن عنهم، ولو كان السفور جائزًا لما كان الرجال يحتاجون أن تُنْعَتَ لهم الأجنبيات من النساء بل كانوا يستغنون بنظرهم إليهن كما هو معروف في البلدان التي قد فشا فيها التبرج والسفور انظر الصارم المشهور (95)"
الدليل الحادي عشر: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لاَ تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ، أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ، قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ، وَإِنَّ العَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ رواه البخاري (4795) ومسلم (2170)
قالوا : هذا الحديث دليل واضح على أن عموم النساء كن ساترات  الوجوه ، إذ إن عمر – رضي الله عنه – عرف سودة لجسامتها لا لأنها منتقبة وسط عدد من النساء كاشفات الوجوه ، إذ لو كان الأمر كذلك لكان إنكاره عليها من السذاجة التي ينزه عنها الفاروق ، لأنه يقال : لو كانت آية الأحزاب خاصة بهن فكيف يخفى عليه أنهن لابد وأن يعرفن ، بل يصبحن أكثر تمييزا لهن من غيرهن لأنهن فقط المنتقبات ، فهذا بعيد ، ولكن الفهم الصحيح : أن النساء كلهن كن على هيئة واحدة من اللباس ساترات الوجوه ولما كانت سودة مميزة بجسامة بدنها عرفها عمر ، فأنكر عليها خروجها هذا هو الواضح لمن تأمل ألفاظ الحديث انظر تذكير أولات الألباب بما ورد في الحجاب والنقاب (15)
قال الشيخ أبو هشام الأنصاري حفظه الله:
"ومقتضى هذا أن سودة لولا طولُ قَدّها لخفيت على الناس، وأن عمر لم يكن عرفها لكونها كاشفة الوجه، بل لطول قدمها وهيئتها التي تميزها عن غيرها، وفي هذا الحديث دليل أيضا أن الحجاب لم يكن مختصُّا بأمهات المؤمنين، وذلك لأن سياق الحديث يدل على أن عمر لم يكن يحب أن تعرف أشخاص أمهات المؤمنين، ولو كان الحجاب مختصُّا بهن لكان أول دليل عليهن، وأول فارق وأعظم هيئة تميزهن عن غيرهن، ولعرفهن كل أحد، وعرف أعيانهن في معظم الأحوال انظر عودة الحجاب (3\362)
الدليل الثاني عشر : عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَفْلَحَ، أَخَا أَبِي القُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا، وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الحِجَابُ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ «فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ رواه البخاري (5103) ومسلم (1445).وفي رواية أنه قال لها: فَقَالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ رواه البخاري (2644) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9\ 152) عن هذا الحديث  وَفِيهِ وُجُوبُ احْتِجَابِ الْمَرْأَةِ مِنَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ
الدليل الثالث عشر : أحاديثه الكثيرة صلى الله عليه وسلم في أمر الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته ومن ذلك عَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» رواه الترمذي (1087) وقال «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»000 وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»، قَالَ: أَحْرَى أَنْ تَدُومَ المَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا وصححه الألباني 0
ففي هذا الحديث دليل على أن النساء كن يحتجبن عن الأجانب، ولهذا لا يستطيع الرجل أن يرى المرأة إلا إذا كان خاطباً.
ولو كنّ النساء يكشفن وجوههن لما احتاج الخاطب أن يذهب ليستأذن والدا المخطوبة في النظر إليها.
وأيضًا لو كنّ يكشفن وجوههن لما احتاج صلى الله عليه وسلم أن يأمر الخاطب بالنظر إلى المخطوبة. في أحاديث كثيرة.
ومن ذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا رواه مسلم. (1424) وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: خَطَبْتُ امْرَأَةً، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهَا فِي نَخْلٍ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا»
رواه ابن ماجه (1864) وصححه الألباني
إذًا استثناء النظر إلى المخطوبة دليل على أن الأصل هو احتجاب النساء، وإلا لم يكن لهذا الإستثناء فائدة.
 قال التويجري:
"وفي هذا الحديث والحديثين قبله دليل على مشروعية احتجاب النساء
من الرجال الأجانب، ولهذا أنكروا على محمد بن مسلمة لما أخبرهم أنه تخبأ لمخطوبته حتى نظر إليها وهي لا تشعر، فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخَّص في ذلك للخاطب.
وكذلك المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما طلب النظر إلى المخطوبة كَرِه ذلك والداها، وأعظمت ذلك المرأة وشددت على المغيرة ثم مكنته من النظر إليها طاعة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذه الأحاديث أيضا بيان ما كان عليه نساء الصحابة رضي الله عنهم من المبالغة في التستر من الرجال الأجانب، ولهذا لم يتمكن جابر ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهما من النظر إلى المخطوبة إلا من طريق الاختباء والاغتفال، وكذلك المغيرة لم يتمكن من النظر إلى مخطوبته إلا بعد إذنها له في النظر إليها انظر الصارم المشهور (94)
 .قال ابن عثيمين في رسالة الحجاب (17)
قوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم»  رواه أحمد.قال في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح. وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلّم، نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة إذا نظر من مخطوبته بشرط أن يكون نظره للخطبة، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع به نحو ذلك.فإن قيل: ليس في الحديث بيان ما ينظر إليه. فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر فالجواب أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه وما سواه تبع لا يقصد غالباً. فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب.انتهى
الدليل الرابع عشر : عَنْ نَبْهَانَ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُمِرْنَا بِالحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ رواه الترمذي (2778) قلت : حديث ضعيف فيه نَبْهَان مجهول العين وضعفه الألباني وشيخنا مصطفى العدوي
قال الألباني في الرد المفحم ص [62] : الحديث تفرد به نبهان وعنه الزهري كما قال النسائي والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم
 2 - وأن نبهان مجهول العين كما أفاده البيهقي وابن عبد البر وقريب منه قول الحافظ في " التقريب ": " مقبول " فإنه يعني: أنه غير مقبول إلا عند المتابعة كما نص عليه في مقدمة " التقريب " وأن قوله في " الفتح ": " إسناده قوي " غير قوي لمخالفته لقوله في " التقريب " وللقواعد الحديثية - كما هو مبين في " الضعيفة " - على أن قوله: " مقبول " وإن كان مؤيدا لضعف الحديث فهو غير مقبول لأن حقه أن يقول مكانه: " مجهول " لما تقدم من تفرد الزهري عنه وما في " تهذيبه ": أنه روى عنه أيضا محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة فهو غير محفوظ كما حققه البيهقي وشرحته هناك في " الضعيفة " وفيه الرد على الحافظ مفصلا وعلى غيره ممن سبقه أو قلده من المقلدين كالتويجري وغيره ممن خالفوا التحقيق العلمي وأقوال الأئمة الآخرين - ومنهم الإمام أحمد رحمه الله كما يأتي - ولذلك لم يسع الحافظ إلا أن يصرح في مكان آخر من " الفتح " بقوله (1 / 550) : وهو حديث مختلف في صحته اهـ
الدليل الخامس عشر : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَبَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي - مَيِّتًا فَلَمَّا فَرَغْنَا، انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْصَرَفْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا حَاذَى بَابَهُ وَقَفَ، فَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ مُقْبِلَةٍ، قَالَ: أَظُنُّهُ عَرَفَهَا فَلَمَّا ذَهَبَتْ، إِذَا هِيَ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَخْرَجَكِ يَا فَاطِمَةُ مِنْ بَيْتِكِ؟»، فَقَالَتْ: أَتَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ فَرَحَّمْتُ إِلَيْهِمْ مَيِّتَهُمْ أَوْ عَزَّيْتُهُمْ بِهِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى؟»، قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ، وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِيهَا مَا تَذْكُرُ، قَالَ: «لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى» فَذَكَرَ تَشْدِيدًا فِي ذَلِكَ، فَسَأَلْتُ رَبِيعَةَ عَنِ الكُدَى؟ فَقَالَ: «الْقُبُورُ فِيمَا أَحْسَبُ»رواه أبو داود (3123) هذا الحديث صححه ابن حبان والحاكم وحسنه ابْن الْقطَّان وَضَعفه عبد الْحق،  انظر المحرر في الحديث (1\328)  وضعفه النووي في "الخلاصة" (2/ 1005) والألباني وهو الراجح حديث ضعيف فيه ربيعة بن سيف قال البخاري في "التاريخ الكبير": عنده مناكير ". وقال في الصغِيْر (ص 137) :
 روى أحاديث لا يتابع عليه انتهى
قالوا : كيف  ظن الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف هذه المرأة – ابنته- هل كانت كاشفة الوجه ، وهو لم يعرفها رغم سفور وجهها ؟ قالو : هذا لا شك مستحيل ، والحقيقة أنها لاحتجابها بتخمير وجهها ظن الصحابة أن الرسول صل الله عليه وسلم لم يعرفها ، ولكنه صلى الله عليه وسلم عرفها لاعتبارات أخرى وقال لها: "يا فاطمة" كما عرف عائشة رضي الله عنها وسط الناس وهي منتقبة وذلك - فيما يروى - حينما جاءت عائشة رضي الله عنها لتنظر إلى صفية رضى الله عنها أول ما قدمت المدينة، (فَتَنَكَّرْتُ وَتَنَقَّبْتُ فَذَهَبْتُ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَيْنِي فَعَرَفَنِي) الحديث قلت : رواه ابن ماجة (1980) وضعفه الألباني والأرنؤوط 0
الدليل السادس عشر : عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ رواه أبو داود (1833)
قال ابن عثيمين في رسالة الحجاب (21) ففي قولها: «فإذا جاوزونا» تعني الركبان «سدلت إحدانا جلبابها على وجهها» دليل على وجوب ستر الوجه لأن المشروع في الإحرام كشفه، فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذ لوجب بقاؤه مكشوفاً. وبيان ذلك أن كشف الوجه في الإحرام واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم والواجب لا يعارضه إلا ما هو واجب، فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عن الأجانب ما ساغ ترك الواجب من كشفه حال الإحرام، وقد ثبت في الصحيحين وغيرها أن المرأة المحرمة تنهى عن النقاب والقفازين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن. انتهى وأجيب عن ذلك 1- بأن هذا الحديث ضعيف فيه يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد قال الحافظ ابن حجر في التقريب: " ضعيف , كبر فتغير , صار يتلقن وضعف هذا الحديث ابن حجر والألباني في رواية والارنؤوط رحمهم الله
2- أن هذا الفعل من السيده عائشه لايدل على الوجوب فإن فعل النبى صلى الله عليه وسلم  نفسه لايدل على الوجوب بل يدل على الجواز فقط فما بالنا بفعل غيره ..
الدليل السابع عشر : عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: يُرْخِينَ شِبْرًا، فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لاَ يَزِدْنَ عَلَيْهِ رواه الترمذي (1731) حديث صحيح قال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.وصححه الألباني
قال ابن عثيمين في رسالة الحجاب (20)
 ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه أمر معلوم عند نساء الصحابة رضي الله عنهم، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب. فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم، وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه.انتهى
الدليل الثامن عشر: قالو : أن وجوب احتجاب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولبسهن النقاب لا نزاع فيه بين المسلمين والمخالفين لنا مقرين معنا بذلك فذكر الأزواج مع نساء المؤمنين فيه دلالة واضحة كالشمس أن نساء المؤمنين يلزمهن كذلك ومن فرق فعليه الدليل ولا دليل
الدليل التاسع عشر : عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: جَاءَتْ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَائِلَةً بِثَوْبِهَا عَلَى وَجْهِهَا رواه ابن أبي حاتم (16832) صححه الحاكم 2/407 والذهبي قال ابن جرير  تمشي على استحياء من موسى ، قد سترت وجهها بثوبها انتهى
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24\382)وَكَشْفُ النِّسَاءِ وُجُوهَهُنَّ بِحَيْثُ يَرَاهُنَّ الْأَجَانِبُ غَيْرُ جَائِزٍ وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ هَذَا الْمُنْكَرِ وَغَيْرِهِ وَمَنْ لَمْ يَرْتَدِعْ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَزْجُرُهُ انتهى
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (2\47)
فَإِنَّ الْعَوْرَةَ عَوْرَتَانِ: عَوْرَةٌ فِي النَّظَرِ وَعَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَالْحُرَّةُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَكْشُوفَةَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي الْأَسْوَاقِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
. قال بن عثيمين رحمه الله بعد أن قرر وجوب تغطية المرأة لوجهها وكفيها: " وإني لأعجب من قوم يقولون: إنه يجب على المرأة أن تستر قدمها، ويجوز أن تكشف كفيها!! فأيهما أولى بالستر؟! أليس الكفان؛ لأن نعمة الكف وحسن أصابع المرأة وأناملها في اليدين أشد جاذبية من ذلك في الرجلين.وأعجب أيضاً من قوم يقولون: إنه يجب على المرأة أن تستر قدميها، ويجوز أن تكشف وجهها!! فأيهما أولى بالستر؟! هل من المعقول أن نقول إن الشريعة الإسلامية الكاملة التي جاءت من لدن حكيم خبير توجب على المرأة أن تستر القدم، وتبيح لها أن تكشف الوجه؟!.الجواب: أبداً هذا تناقض؛ لأن تعلق الرجال بالوجوه أكثر بكثير من تعلقهم بالأقدام.(إلى أن قال رحمه الله): " أنا أعتقد أن أي إنسان يعرف مواضع الفتن ورغبات الرجال لا يمكنه إطلاقاً أن يبيح كشف الوجه مع وجوب ستر القدمين، وينسب ذلك إلى شريعة هي أكمل الشرائع وأحكمها.ولهذا رأيت لبعض المتأخرين القول بأن علماء المسلمين اتفقوا على وجوب ستر الوجه لعظم الفتنة؛ كما ذكره صاحب نيل الأوطار عن ابن رسلان .. " (فتاوى المرأة المسلمة 1/ 403ـ404).
يقول الشيخ بكربن عبد الله أبو زيد رحمه الله في حراسة الفضيلة (53) لهذا!! فيجب على المؤمنين الذي مسَّ نساءهم طائف من السفور أو الحسور أو التكشف أن يتقوا الله، فيحجبوا نساءهم بما أمر الله به بالجلباب -العباءة- والخمار، وأن يأخذوا بالأسباب اللازمة لأطرهنَّ وتثبيتهن عليه، لما أوجبه الله على أوليائهن من القيام الذي أساسه: الغيرة الإسلامية، والحميَّة الدينية، ويجب على نساء المؤمنين الاستجابة للحجاب -العباءة- والخمار، طواعية لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وتأسياً بأمهات المؤمنين ونسائه، والله ولي الصالحين من عباده وإمائه.أما التنبيه والتحذير: فيجب على كل مؤمن ومؤمنة بهذا الدين الحذر الشديد من دعوات أعدائه من داخل الصف أو خارجه الرامية إلى التغريب، وإخراج نساء المؤمنين من حجابهن تاجِ العفة والحصانة إلى السفور والتكشف والحسور، ورميهنّ في أحضان الرجال الأجانب عنهن،وأن لا يغتروا ببعض الأقاويل الشاذة، التي تخترق النصوص، وتهدم الأصول، وتنابذ المقاصد الشرعية من طلب العفة والحصانة وحفظهما، وصد عاديات التبرج والسفور والاختلاط، الذي حلَّ بديار القائلين بهذا الشذوذ.ونقول لكل مؤمن ومؤمنة: فيما هو معلوم من الشرع المطهر، وعليه المحققون، أنه ليس لدعاة السفور دليل صحيح صريح، ولا عمل مستمر من عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن حدث في المسلمين حادث السفور في بدايات القرن الرابع عشر، وأن جميع ما يستدل به دعاة السفور عن الوجه والكفين لا يخلو من حال من ثلاث حالات:1 / دليل صحيح صريح، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب كما يعلمه مَن حقق تواريخ الأحداث، أي قبل عام خمس من الهجرة، أو في حق القواعد من النساء، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء.2 / دليل صحيح لكنه غير صريح، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على حجب الوجه والكفين كسائر البدن والزينة، ومعلوم أن رد المتشابه إلى المحكم هو طريق الراسخين في العلم.3 / دليل صريح لكنه غير صحيح، لا يحتج به، ولا يجوز أن تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة، والهدي المستمر من حجب النساء لأبدانهن وزينتهن، ومنها الوجه والكفان.هذا مع أنه لم يقل أحد في الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين، وفساد الزمان، بل هم مجمعون على سترهما، كما نقله غير واحد من العلماء.وهذه الظواهر الإفسادية قائمة في زماننا، فهي موجبة لسترهما، لو لم يكن أدلة أخرى.وإن من الخيانة في النقل نسبةَ هذا القول إلى قائل به مطلقاً غير مقيد، لتقوية الدعوة إلى سفور النساء عن وجوههن في هذا العصر، مع ما هو مشاهد من رقة الدين والفساد الذي غَشِيَ بلاد المسلمين.والواجب أصلاً هو ستر المرأة بدنها وما عليه من زينة مكتسبة، لا يجوز لها تعمد إخراج شيء من ذلك لأجنبي عنها، استجابةً لأمر الله سبحانه وأمر رسوله- صلى الله عليه وسلم -، وهدي الصحابة مع نسائهم، وعمل المسلمين عليه في قرون الإسلام المتطاولة. والحمد لله رب العالمين.
القول الثاني : قالوا النقاب مستحب وليس بواجب وهو مذهب أكثر العلماء منهم أبو حنيفة ومالك في رواية والشافعي في رواية والأوزاعي وأبي ثَوْرٍ وابن حزم ورجحه الألباني انظر المجموع (3\169) ومجموع الفتاوى 22/109 وعون المعبود (11\109) وجلباب المرأة المسلمة (89)0
ودليلهم : أولا قال تعالى : {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [النور: 30]قالوا :فلو كانت الوجوه كلها مستورة ، وكان كل النساء منتقبات ، فما وجه الحث على الغض من الأبصار؟ وماذا عسى أن تراه الأبصار إذا لم تكن الوجوه سافرة يمكن أن تجذب وتفتن
وأجاب أصحاب القول الأول عن ذلك  والجواب عنه من وجهين ؟
الوجه الأول: أن المدينة المنورة في زمن التنزيل كان فيها نساء اليهود والسبايا والإماء، ونحوهن، وربما بقي النساء غير المسلمات في المجتمع الإسلامي سافراتٍ كاشفات الوجوه، فأُمِروا بغض البصر عنهن.
وغاية ما في الأمر بغض البصر إمكان وقوع النظر على الأجنبيات، وهذا لا يستلزم جواز كشف الوجوه والأيدي أمام الأجانب.
قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه معلقا  (8\50): وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الحَسَنِ، لِلْحَسَنِ: إِنَّ نِسَاءَ العَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ؟ قَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ»، قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] وَقَالَ قَتَادَةُ: " عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُمْ
والأمر بالحجاب منذ اللحظة الأولى لم يتوجه لغير المؤمنات، لأنهن مظنة الاستجابة لأمر الله عز وجل، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ، [سورة الأحزاب: 36] الآية، وقال جل وعلا: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)) [النور: 51] .
وقال سبحانه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) الآية [سورة الأحزاب: 59] ، ولم يقل (ونساء أهل المدينة) .
وقال تبارك وتعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) الآية، وقال سبحانه: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) الآية، ولم يقل (وقل لنساء المدينة) ، لكن الأمر توجه لمن شرفهن الله تعالى بالإيمان مطلقا.
والقرآن اليوم يخاطبنا كما خاطب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من قبل، فنحن اليوم أيضا لا نخاطب الكوافر والفواسق بستر الوجه وإنما نخاطب المؤمنين والمؤمنات، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،
وإذا كانت المرأة غير مسلمة، أو مسلمة اجترأت على هتك أوامر الله، وتعمدت كشف زينتها - وهذا ما عمت به البلوى في زماننا - فالواجب هنا - على الأقل - أن يؤمر الرجل بغض البصر، مع العلم بأن هذا لايقتضي أن ما فعلته هذه المرأة من كشف الوجه وغيره تجيزه الشريعة بغير عذر أو مصلحة.انظر عودة الحجاب (3\417) . 
الدليل الثاني : قال تعالى : {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب: 52]
قالوا : فمن اين يعجبه حسنهن إذا لم يكن هناك مجال لرِؤيه الوجه الذى هو مجمع المحاسن للمرأه باتفاق؟
وأجيب عن ذلك : وهذا استدلال ضعيف لسببين الأول : لأن حسن المرأة قد يُعرف بالوصف ، كأن تَصِفه النساء ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا» رواه البخاري (5240) أي لا تَصِفُها لزوجها فتقع من قلبه موقعا فُيفتن بها ومن هذا الباب مَنع النبي صل الله عليه وسلم المخنث من الدخول على النساء عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلاَنَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ، وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ رواه البخاري (4324) ومسلم (2180) نقل ابن بطّال عن المهلّب  قال المهلب: أصل هذا الحديث قوله عليه السلام: «لاَ تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا حتى كأنه يراها » ، فلما سمع النبى (صلى الله عليه وسلم وَصف المخنث للمرأة بهذه الصفة التى تهَِيم نفوس الناس، منع أن يَدخل عليهن؛ لئلا يَصِفهن للرجال فيسقط معنى الحجاب. قال غيره: وفيه من الفقه أنه لا ينبغى أن يَدخُل على النساء من المؤنثين من يَفطن لِمَحَاسِنهن ويُحسِن وَصفهن انظر شرح البخاري (7\361)
الثاني : لأن حُسن المرأة قد يُعرَض على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه يجوز للنساء عَرض أنفسهن على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل وعلى الرجل الصالح ، كما بوب الإمام البخاري : باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح عن ثَابِت البُنَانِيّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟ " فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَا سَوْأَتَاهْ وَا سَوْأَتَاهْ، قَالَ: «هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا»رواه البخاري (5120)
قال المهلب: فيه جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح وتعريفه برغبتها فيه لصلاحه وفضله، ولعلمه وشرفه، أو لخصلة من خصال الدين، وأنه لا عار عليها فى ذلك ولا غضاضة، بل ذلك زائد فى فضلها، لقول أنس لابنته: هى خير منك.انظر شرح البخاري لابن بطال (7\227)
وقال ابن حجر عن هذا الحديث وحديث سهل بن سعد في الفتح (9\175) وَفِي الْحَدِيثَيْنِ جَوَازُ عَرْضِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ وَتَعْرِيفِهِ رَغْبَتَهَا فِيهِ وَأَنْ لَا غَضَاضَةَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الَّذِي تَعْرِضُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ بِالِاخْتِيَارِ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَرِّحَ لَهَا بِالرَّدِّ بَلْ يَكْفِي السُّكُوتُ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ فِيهِ أَنَّ عَلَى الرجل أَن لَا يَنْكِحَهَا إِلَّا إِذَا وَجَدَ فِي نَفْسِهِ رَغْبَةً فِيهَا وَلِذَلِكَ صَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ انْتَهَى.
وقال النووي في شرح مسلم (9\212) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ عَرْضِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِيَتَزَوَّجَهَا انتهى.
قال العيني قَوْله: (هِيَ خير مِنْك) فِيهِ دَلِيل على جَوَاز عرض الْمَرْأَة نَفسهَا على الرجل الصَّالح وتعرف رغبتها فِيهِ لصلاحه وفضله، أَو لعلمه وشرفه، أَو لخصلة من خِصَال الدّين، وَأَنه لَا عَار عَلَيْهَا فِي ذَلِك، بل ذَلِك يدل على فَضلهَا، وَبنت أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نظرت إِلَى ظَاهر الصُّورَة وَلم تدْرك هَذَا الْمَعْنى حَتَّى قَالَ أنس: هِيَ خير مِنْك، وَأما الَّتِي تعرض نَفسهَا على الرجل لأجل غَرَض من الْأَغْرَاض الدنياوية فأقبح مَا يكون من الْأَمر وأفضحه.انظر عمدة القاري (20\113)
قال ابن كثير في تفسيره (6\45)
وقوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ يَعْنِي لِصِغَرِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَعَوْرَاتِهِنَّ مِنْ كَلَامِهِنَّ الرَّخِيمِ وَتَعَطُّفِهِنَّ فِي الْمِشْيَةِ وحركاتهن وسكناتهن، فإذا كَانَ الطِّفْلُ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ: فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهِ عَلَى النِّسَاءِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مُرَاهِقًا، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، بِحَيْثُ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيَدْرِيهِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّوْهَاءِ وَالْحَسْنَاءِ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاء انتهى
الدليل الثالث : قال الله : [ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا] سورة النور (31)
قالوا : معنى إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالوا: وَجْهَهَا وَكَفَّاهَا وأجيب عن ذلك قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان (5/515) أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي مَعْنَى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ مَثَلًا، تُوجَدُ فِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ، وَهِيَ أَنَّ الزِّينَةَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، هِيَ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِمَّا هُوَ خَارِجٌ عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهَا: كَالْحُلِيِّ، وَالْحُلَلِ. فَتَفْسِيرُ الزِّينَةِ بِبَعْضِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ: الْوَجْهُ، وَالْكَفَّانِ خِلَافُ ظَاهِرِ مَعْنَى لَفْظِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ، فَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.انتهى
قال ابن كثير في تفسيره (6\45) {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أَيْ: لَا يُظهرْنَ شَيْئًا مِنَ الزِّينَةِ لِلْأَجَانِبِ، إِلَّا مَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ.وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَالرِّدَاءِ وَالثِّيَابِ. يَعْنِي: عَلَى مَا كَانَ يَتَعَانَاهُ نِسَاءُ الْعَرَبِ، مِنَ المِقْنعة الَّتِي تُجَلِّل ثِيَابَهَا، وَمَا يَبْدُو مِنْ أَسَافِلِ الثِّيَابِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ. [وَنَظِيرُهُ فِي زِيِّ النِّسَاءِ مَا يَظْهَرُ مِنْ إِزَارِهَا، وَمَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ. وَقَالَ]  بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعي، وَغَيْرُهُمْ اهـ
 . قال العلامة بن باز رحمه الله تعالى:
"وأما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر "إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" بالوجه والكفين فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب، وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع كما سبق في الآيات الكريمات من سورة الأحزاب وغيرها، ويدل على أن ابن عباس أراد ذلك ما رواه على بن أبي طلحة عنه أنه قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة. »- قلت عمرو ضعفه الألباني في الرد المفحم 48- قال ابن باز وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق وهو الحق الذي لا ريب فيه، ومعلوم ما يترتب على ظهور الوجه والكفين من الفساد والفتنة، وقد تقدم قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) ولم يستثن شيئا وهي آية محكمة، فوجب الأخذ بها والتعويل عليها وحمل ما سواها عليها، والحكم فيها عام في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين وتقدم من سورة النور ما يرشد إلى ذلك انر رسالة في الحجاب والسفور (19)
قلت : الصحيح معنى قوله تعالى : [ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ] وَجهها وَكَفاها وهو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ: وَجْهَهَا وَكَفَّاهَا، وَالْخَاتَمَ رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (14398) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (17003) بلفظ قَالَ:- أي ابن عباس- «الْكَفُّ وَرُقْعَةُ الْوَجْهِ» وصححه ابن حزم والألباني قال الألباني في الرد المفحم (1\133) قلت: وهذا إسناد صحيح لا يضعفه إلا جاهل أو مغرض – قلت : عمرو فقد ضعفه علماء أجلاء رحم الله الألباني وعف عنه عن هذا الكلام - قال الألباني فإن رجاله ثقات انتهى  وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالضَّحَّاكِ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَزِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ نَحْوُ ذَلِكَ.انظر تفسير ابن أبي حاتم (8\ 2574) وعن أنس وعائشة كذلك انظر الثمر المستطاب للألباني (1\304) واختاره الطبري قال ابن حزم في المحلى (2\251) وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ: الْكَفُّ، وَالْخَاتَمُ، وَالْوَجْهُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: الْوَجْهُ، وَالْكَفَّانِ، وَعَنْ أَنَسٍ: الْكَفُّ، وَالْخَاتَمُ وَكُلُّ هَذَا عَنْهُمْ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّابِعِينَ انتهى
قال الطبري في تفسيره (17\261)
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ الْكُحْلُ، وَالْخَاتَمُ، وَالسِّوَارُ، وَالْخِضَابُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالتَّأْوِيلِ، لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ فِي صَلَاتِهِ، وَأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا فِي صَلَاتِهَا، وَأَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تُسْتَرَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا أَنْ تُبْدِيَهُ مِنْ ذِرَاعِهَا إِلَى قَدْرِ النِّصْفِ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِهِمْ إِجْمَاعًا، كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ مِنْ بَدَنِهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً كَمَا ذَلِكَ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً فَغَيْرُ حَرَامٍ إِظْهَارُهُ. وَإِذَا كَانَ لَهَا إِظْهَارُ ذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْهَا انتهى
وقال القرطبي في تفسيره (12\229) قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَظْهَرُ لِي بِحُكْمِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُورَةٌ بِأَلَّا تُبْدِيَ وَأَنْ تَجْتَهِدَ فِي الْإِخْفَاءِ لِكُلِّ مَا هُوَ زِينَةٌ، وَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا يَظْهَرُ بِحُكْمِ ضَرُورَةِ حَرَكَةٍ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، أَوْ إِصْلَاحِ شَأْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَ"- مَا ظَهَرَ" عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّا تُؤَدِّي إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ فِي النِّسَاءِ فَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ. قُلْتُ: - أي القرطبي-  هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ظُهُورُهُمَا عَادَةً وَعِبَادَةً وَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهَا: (يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا) وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ. فَهَذَا أَقْوَى مِنْ جَانِبِ الِاحْتِيَاطِ، وَلِمُرَاعَاةِ فَسَادِ النَّاسِ فَلَا تُبْدِي الْمَرْأَةُ مِنْ زِينَتِهَا إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لَا رَبَّ سِوَاهُ انتهى
الدليل الرابع : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ رواه أبو داود (4104) حديث حسن لغيره وقواه بشواهده البيهقي وحسنه الهيثمي والألباني و شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط انظر كتابي الأحاديث الصحيحة [56]
قال صاحب عون المعبود [11/109] : وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ مِنَ الْعَوْرَةِ فَيَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ مِمَّا تَدْعُو الشَّهْوَةُ إِلَيْهِ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ مَا دُونَهِ أَمَّا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْحَاجَةِ وَيَدُلُّ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْحَاجَةِ اتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ  لَا سِيمَا عِنْد كَثْرَة الْفُسَّاق قاله بن رَسْلَانَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ لَيْسَتَا مِنَ الْعَوْرَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النُّورِ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا
قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ وَهُوَ يَعْنِي مَا ظهر منها الوجه والكفان فيجوز نظره لأجنبي إِنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (أَيْ لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ)
وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ وَرُجِّحَ حَسْمًا لِلْبَابِ انْتَهَى
وَقَدْ جَاءَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ إلا ما ظهر منها بالوجه والكفين عن بن عباس رضي الله عنه أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنِ بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ جَيِّدٍ اهـ
أجاب الموجبون للنقاب احتِمال أن يكون هذا الحديث في أول الأمر ، وقبل نُزول الحجاب
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (7\ 102)  وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ إنْ صَحَّ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ، فَنَحْمِلُهُ عَلَيْهِ انتهى
 وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
ثم على تقدير الصحة - أي صحة حديثه عائشة رضي الله عنها - يحمل على ما قبل الحجاب، لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه انظر رسالة الحجاب (30)
قالوا : هذا الاحتمال لو كان الحديث صحيح ولكن هذا الحديث ضعيف قلت : الصحيح أن هذا الحديث حسن لغيره له شاهد كما قال الألباني رحمه الله قال في جلباب المرأة المسلمة (1\58) لكن الحديث قد جاء من طرق أخرى يتقوى بها :
1- عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إِلَى الْمَفْصِلِ»
قلت : وهو مرسل صحيح يتقوى بما بعده ، وليس فيه ابن دريك ولا ابن بشير
2- أخرج الطبراني في الكبير 24\143\378 ، والأوسط 2\230\8959 ، والبيهقي ؛ من طريق ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الْأَنْصَارِيَّ، يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ، أَظُنُّهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَعِنْدَهَا أُخْتُهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ شَامِيَّةٌ وَاسِعَةُ الْأَكْمَامِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَخَرَجَ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَنَحَّيْ فَقَدْ رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا كَرِهَهُ، فَتَنَحَّتْ فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا لِمَ قَامَ؟ قَالَ: " أَوَلَمْ تَرَيْ إِلَى هَيْئَتِهَا إِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا " وَأَخَذَ بِكَفَّيْهِ، فَغَطَّى بِهِمَا ظَهْرَ كَفَّيْهِ حَتَّى لَمْ يَبْدُ مِنْ كَفِّهِ إِلَّا أَصَابِعُهُ، ثُمَّ نَصَبَ كَفَّيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ حَتَّى لَمْ يَبْدُ إِلَّا وَجْهُهُ وقال البيهقي إسناده ضعيف قلت : وعلته ابن لهيعة هذا ، واسمه عبد الله الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي ، وهو ثقة فاضل ، لكنه كان يحدث من كتبه ، فاحترقت ، فحدث من حفظه فخلط ، وبعض المتأخرين يحسن حديثه ، وبعضهم يصححه ، وقد أورد حديثه هذا الهيثمي في مجمع الزوائد (5\137) برواية الطبراني في الكبير والأوسط ثم قال : وفيه ابن لهيعة ، وحديثه حسن ، وبقية رجاله رجال الصحيح والذي لا شك فيه أن حديثه في المتابعات والشواهد لا ينزل عن رتبة الحسن ، وهذا منها انتهى
وقال في الإرواء (6\203)  لكن له شاهد من حديث أسماء بنت عميس بنحوه , وقال: " ثياب شامية واسعة الأكمام بدل ثياب رقاق
أخرجه البيهقى (7/76) .فالحديث بمجموع الطريقين حسن ما كان منه من كلامه صلى الله عليه وسلم , وأما السبب , فضعيف لاختلاف لفظه فى الطريقين كما ذكرت انتهى وانظر تخريج هذا الحديث بتوسع  في كتابي الأحاديث الصحيحة [56]
الدليل الخامس : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : لاَ تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ» رواه البخاري (1838) قالوا:مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللواتي لم يحرمن ونحن لا نعارض أن يكون بعض النساء في غير حالة الإحرام ، يلبسن النقاب والقفازين اختيارا منهن ، ولكن أين في هذا الدليل على أن هذا كان واجبا ؟ بل لو استدل بهذا على العكس لكان معقولا ، فإن محظورات الإحرام أشياء كانت في الأصل مباحة ، مثل لبس المخيط والطيب والصيد ونحوها ، وليس منها شيء كان واجبا ثم صار بالإحرام محظور0
 قال ابن قدامة رحمه الله وَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ عَوْرَةً لَمَا حَرُمَ سَتْرُهُمَا، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى كَشْفِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَالْكَفَّيْنِ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ انظر المغني (1\ 431) وقال النووي في المجموع (3\167) وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَجَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ منها) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى الْمَرْأَةَ الْحَرَامَ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ " وَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ عَوْرَةً لَمَا حَرَّمَ سَتْرَهُمَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِلَى إبراز الكلف لِلْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ فَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَوْرَةً انتهى
الدليل السادس : عن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ عَلَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ، وَكَانَ الفَضْلُ رَجُلًا وَضِيئًا، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ، وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ وَضِيئَةٌ تَسْتَفْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ فَأَخَذَ بِذَقَنِ الفَضْلِ، فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» رواه البخاري (6228) ومسلم (1334)
قَالُوا: فَالْإِخْبَارُ عَنِ الْخَثْعَمِيَّةِ بِأَنَّهَا وَضِيئَةٌ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا كَانَتْ كَاشِفَةً عَنْ وَجْهِهَا.
والرد على ذلك قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان (6\256) وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا كَانَتْ كَاشِفَةً عَنْ وَجْهِهَا، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهَا كَاشِفَةً عَنْهُ، وَأَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ بَلْ غَايَةُ مَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا كَانَتْ وَضِيئَةً، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ: أَنَّهَا حَسْنَاءُ، وَمَعْرِفَةُ كَوْنِهَا وَضِيئَةً أَوْ حَسْنَاءَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا كَانَتْ كَاشِفَةً عَنْ وَجْهِهَا، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ قَدْ يَنْكَشِفُ عَنْهَا خِمَارُهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَيَرَاهَا بَعْضُ الرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ كَشْفِهَا عَنْ وَجْهِهَا، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي رُؤْيَةِ جَابِرٍ سَفْعَاءَ الْخَدَّيْنِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ حُسْنَهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَعَرَفَهَا، وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَقْتَ نَظَرِ أَخِيهِ إِلَى الْمَرْأَةِ وَنَظَرِهَا إِلَيْهِ، لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَهُ بِاللَّيْلِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ طَرِيقِ أَخِيهِ الْفَضْلِ، وَهُوَ لَمْ يَقُلْ لَهُ: إِنَّهَا كَانَتْ كَاشِفَةً عَنْ وَجْهِهَا،وَاطِّلَاعُ الْفَضْلِ عَلَى أَنَّهَا وَضِيئَةٌ حَسْنَاءُ لَا يَسْتَلْزِمُ السُّفُورَ قَصْدًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَأَى وَجْهَهَا، وَعَرَفَ حُسْنَهُ مِنْ أَجْلِ انْكِشَافِ خِمَارِهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهَا، وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَعَرَفَ حُسْنَهَا.فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: إِنَّهَا وَضِيئَةٌ، وَتَرْتِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْفَاءِ قَوْلَهُ: فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَقَوْلَهُ: وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فِيهِ الدَّلَالَةُ الظَّاهِرَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى وَجْهَهَا، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ لِإِعْجَابِهِ بِحُسْنِهِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ تِلْكَ الْقَرَائِنَ لَا تَسْتَلْزِمُ اسْتِلْزَامًا، لَا يَنْفَكُّ أَنَّهَا كَانَتْ كَاشِفَةً، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهَا كَذَلِكَ، وَأَقَرَّهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنْوَاعِ الِاحْتِمَالِ، مَعَ أَنَّ جَمَالَ الْمَرْأَةِ قَدْ يُعْرَفُ وَيُنْظَرُ إِلَيْهَا لِجَمَالِهَا وَهِيَ مُخْتَمِرَةٌ، وَذَلِكَ لِحُسْنِ قَدِّهَا وَقَوَامِهَا، وَقَدْ تُعْرَفُ وَضَاءَتُهَا وَحُسْنُهَا مِنْ رُؤْيَةِ بَنَانِهَا فَقَطْ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. وَلِذَلِكَ فَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ، بِالْمُلَاءَةِ فَوْقَ الثِّيَابِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ الْحُسْنَ يُعْرَفُ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:طَافَتْ أُمَامَةُ بِالرُّكْبَانِ آوِنَةً ... يَا حُسْنَهَا مِنْ قَوَامٍ مَا وَمُنْتَقِبَافَقَدْ بَالَغَ فِي حُسْنِ قَوَامِهَا، مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ كَوْنُهُ مَسْتُورًا بِالثِّيَابِ لَا مُنْكَشِفًا.الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ مُحْرِمَةٌ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، فَعَلَيْهَا كَشْفُ وَجْهِهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رِجَالٌ أَجَانِبُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَعَلَيْهَا سَتْرَهُ مِنَ الرِّجَالِ فِي الْإِحْرَامِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِنَّ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ الْخَثْعَمِيَّةَ نَظَرَ إِلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَالْفَضْلُ مَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّهَا مُحْرِمَةٌ لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا أَحَدٌ فَكَشْفُهَا عَنْ وَجْهِهَا إذًا لِإِحْرَامِهَا لَا لِجَوَازِ السُّفُورِ.فَإِنْ قِيلَ: كَوْنُهَا مَعَ الْحُجَّاجِ مَظِنَّةُ أَنْ يَنْظُرَ الرِّجَالُ وَجْهَهَا إِنْ كَانَتْ سَافِرَةً ; لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ السَّافِرَةَ وَسَطَ الْحَجِيجِ، لَا تَخْلُو مِمَّنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهَا مِنَ الرِّجَالِ.فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَرَعُ وَعَدَمُ النَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ، فَلَا مَانِعَ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا وَلَا عَادَةً، مِنْ كَوْنِهَا لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَوْ نَظَرَ إِلَيْهَا لَحُكِيَ كَمَا حُكِيَ نَظَرُ الْفَضْلِ إِلَيْهَا، وَيُفْهَمُ مَنْ صَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَ الْفَضْلِ عَنْهَا، أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَرْكِ الْأَجَانِبِ يَنْظُرُونَ إِلَى الشَّابَّةِ، وَهِيَ سَافِرَةٌ كَمَا تَرَى، وَقَدْ دَلَّتِ الْأَدِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى أَنَّهَا يَلْزَمُهَا حَجْبُ جَمِيعِ بَدَنِهَا عَنْهُمْ.انتهى
ورد على ذلك الألباني رحمه الله في جلباب المرأة المسلمة (62)
وروى هذه القصة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وذكر أن الاستفتاء كان عند المَنْحَر بعد ما رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمرة وزاد:"فقال له العباس: يا رسول الله لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا» وقال الألباني في الهامش وأما حديث علي بهذه القصة فأخرجه الترمذي 1\167 طبع بولاق 000 وإسناد جيد 0 وبه استدل الحافظ في الفتح 4\67 على أن الاستفتاء وقع عند المنحر بعد الفراخ من الرمي قلت : ومعنى ذلك أن السؤال كان بعد التحلل من الإحرام ؛ لما هو معلوم أن الحاج إذا رمي جمرة العقبة حل له كل شيء إلا النساء ، وحينئذ فالمرأة الخثعمية لم تكن محرمة 0 والحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله من أن الوجه ليس بعورة ؛ لأنه كما قال ابن حزم وَلَوْ كَانَ وَجْهُهَا مُغَطًّى مَا عَرَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَسْنَاءُ هِيَ أَمْ شَوْهَاء وفي الفتح 11\8 : قَالَ بن بَطَّالٍ فِي الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِغَضِّ الْبَصَرِ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ لَمْ يَمْتَنِع قال : وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَوِّلْ وَجْهَ الْفَضْلِ حَتَّى أَدْمَنَ النَّظَرَ إِلَيْهَا لِإِعْجَابِهِ بِهَا فَخَشِيَ الْفِتْنَةَ عَلَيْهِ قَالَ وَفِيهِ مُغَالَبَةُ طِبَاعِ الْبَشَرِ لِابْنِ آدَمَ وَضَعْفُهُ عَمَّا رُكِّبَ فِيهِ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى النِّسَاءِ وَالْإِعْجَابِ بِهِنَّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحِجَابِ مَا يَلْزَمُ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَوْ لَزِمَ ذَلِكَ جَمِيعَ النِّسَاءِ لَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَثْعَمِيَّةَ بِالِاسْتِتَارِ وَلَمَا صَرَفَ وَجْهَ الْفَضْلِ قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا لَيْسَ فَرْضًا لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُبْدِيَ وَجْهَهَا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ رَآهُ الْغُرَبَاءُ هذا كله كلام ابن بطال ، وهو متين جيد 0 غير أن الحافظ تعقبة بقوله : قُلْتُ وَفِي اسْتِدْلَالِهِ بِقِصَّةِ الْخَثْعَمِيَّةِ لِمَا ادَّعَاهُ نَظَرٌ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُحْرِمَةً 0 قلت : كلا ، فإنه لا دليل على أنها كانت محرمة ، بل الظاهر خلافه ، فقد قدمنا عن الحافظ نفسه أن سؤال الخثعمية للنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان بعد رمي جمرة العقبة ، أي بعد التحلل ، فكان الحافظ نسي ما كان حققه هو بنفسه رحمه الله تعالى 0 ثم هب أنها كانت محرمة ، فإن ذلك لا يخدج في استدلال ابن بطال المذكور البتة ؛ ذلك لأن المحرمة في جواز ستر وجهها بالسدل عليه كما يدل على ذلك الحديث الرابع والخامس الآتيان ص108 ، وإنما يجب عليها أن لا تنتقب فقط ، فلو أن كشف المرأة لوجهها أمام الأجانب لا يجوز ؛ لأمرها صلى الله عليه وسلم أن تسبل عليه من فوق كما قال ابن حزم ، ولا سيما وهي من أحسن النساء وأجملهن ، وقد كاد الفضل بن عباس أن يفتتن بها ومع هذا كله لم يأمرها صلى الله عليه وسلم ، بل صرف وجه الفضل عنها ، ففي هذا دليل أيضا على أن الستر المذكور لا يجب على المرأة ولو كانت جميلة ، وإنما يستحب ذلك لها كما يستحب لغيرها وأما قول بعض الفضلاء : ليس في الحديث التصريح بأنها كانت كاشفة عن وجهها ؛ فمن أبعد الأقوال عن الصواب ، إذ لو لم يكن الأمر كذلك ، فمن أين للراوي أو الرائي أن يعرفها أنها امرأة حسناء وضيئة ؟ ولو كان الأمر كما قال ، فإلى ماذا كان ينظر الفضل ويكرر النظر ؟ والحق أن هذا الحديث من أوضح الأدلة وأقواها على أن وجه المرأة ليس بعورة لأن القصة وقعت في آخر حياته صلى الله عليه وسلم وعلى مشهد منه صلى الله عليه وسلم مما يجعل الحكم ثابتا محكما ، فهو نص مبين لمعنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} وأنه لا يشمل الوجه ، فمن حاول أن يفهم الآية دون الاستعانة بالسنة فقد أخطأ انتهى
الدليل السابع : عن عائشة قالت : «كُنَّ نِسَاءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ، لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ»
رواه البخاري (578) ومسلم (645) قَالَ الْبَاجِيَّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ سَافِرَاتٍ إذْ لَوْ كُنَّ مُتَقَنِّعَاتٍ لَكَانَ الْمَانِعُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ تَغْطِيَتُهُنَّ لَا التَّغْلِيسُ.انظر نيل الأوطار (2\23)
قال الألباني رحمه الله في جلباب المرأة المسلمة (65) ووجه الاستدلال بها هو قولها: "لا يعرفن من الغلس" فإن مفهومه أنه لولا الغلس لعرفن وإنما يعرفن عادة من وجوههن وهي مكشوفة فثبت المطلوب. وقد ذكر معنى هذا الشوكاني "2/ 15" عن الباجي.
ثم وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ: وَمَا يَعْرِفُ بَعْضُنَا وُجُوهَ بَعْضٍ رواه أبو يعلى في مسنده ق 214\2 بسند صحيح عنها اهـ
وأجيب عن ذلك : هذا الحديث ليس صريح في الدلالة : وغاية ما في هذا الحديث نفي المَعرِفة ، وهو محتَمِل لِوُجُوه الأول :  إما نفي معرفة أعيانهن من قِبل النساء أنفسهن الثاني : أن ذلك قبل نزول الحجاب ، كما قاله الباجي ، فيما نقله عنه ابن الملقن الثالث : إن من عادة النساء في ذلك الزمن أنهن يَنصَرِفن قبل الرجال عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ»، قَالَ: نَرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ، قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَال رواه البخاري (870) بمعنى أنهن لو كشفن وجوههن مع الغَلَس وانصرافهن قبل الرجال لم يكن فيه من حَرج ، كما أنه ليس فيه مستمسك للقول بجواز كشف المرأة لوجهها بحضرة الرجال الأجانب ؛ لأنهن يَنصَرِفن قبل الرجال
 قال التويجري:
"وهذا الحديث يدل على أن نساء الصحابة كن يغطين وجوههن، ويستترن عن نظر الرجال الأجانب، حتى إنهن من شدة مبالغتهن في التستروتغطية الوجوه لا يَعْرِفُ بعضهُن بعضَا، ولو كُنَ يكشفن وجوههن لعرف بعضهُن بعضا كما كان الرجال يعرفُ بَعضهم بعضَا، قال أبو بَرْزَة رضي الله عنه: "وكان - يعني النبي صلى الله عليه وسلم -  يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَةِ الغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ رواه البخاري (547) ومسلم (647) قال الداودي في قوله "ما يعرفن من الغَلَس" معناه: لا يعرفْن أنساء أم رجال؟ أي لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصَّة.
وقيل: لا يُعْرَفُ أعيانهن، فلا يُفَرَّقُ بين خديجة وزينب - قال النووي: وهذا ضعيف لأن المتلفعة في النهار لا يُعْرف عينُها فلا يبقى في الكلام فائدة وقول النووي هذا مع ما تقدم عن أئمة اللغة في تفسير التلفع يؤيد ما ذكرتُه من مبالغة نساء الصحابة رضي الله عنهم في التستر وتغطية وجوههن عن الرجال الأجانب، ويؤيد هذا ما تقدم عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت نساء الأنصار وفضلهن، وأنهن لما أنزلت سورة النور (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) قامت كل امرأة منهن إلى مِرْطها فاعتجرت به،فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجراتِ كان على رؤوسهن الغربان، رواه ابن أبي حاتم - وقد تقدم تفسير الاعتجار وأنه لف الخمار على الرأس مع تغطية الوجه"انظر الصارم المشهور (85)".
الدليل الثامن : عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا000 الحديث  رواه البخاري (5030) ومسلم (1425) قالوا : ولو لم تكن سافرة الوجه فما معنى نظره صل الله عليه وسلم إليها وإطالته النظر تصعيدا وتصويبا ولم يرد أنها فعلت ذلك للخطبة ثم غطت وجهها بعد ذلك بل ورد أنها جلست كما جاءت فرآها الصحابي وطلب الزواج منها
 وأجاب أصحاب القول الأول قالوا : والجواب من وجوه:
أحدها: ليس في الحديث أنها كانت سافرة الوجه، ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إليها لا يدل على سفورها، لأن تصويب النظر لا يفيد رؤية الوجه، فيمكن أن يكون نظرة إليها لمعرفة نبلها وشرفها وكرامتها، فإن هيئة الإنسان قد تدل على ذلك،
الثاني: ما ذكره القاضي أبو بكر بن العربي من أنه "يحتمل أن ذلك قبل الحجاب، أو بعده لكنها كانت متلفعة .وسياق الحديث يبعد ما قال سيما الأخير، بل إنه يشير إلى وقوع ذلك في أوائل الهجرة، لأن الفقر كان قد تخفف كثيرًا بعد بني قينقاع والنضيروقريظة، ومعلوم أن نزول الحجاب كان عقب قريظة، وفي الحديث إشارة إلى شدة فقر الرجل الذي تزوجها حتى أنه لم يكن يملك خاتما من حديد.الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، ولا يقاس عليه غيره من البشر.الرابع: أنه ثبت في صحيح السنة أنه يباح للرجل أن ينظر إلى وجه المرأة لقصد الخطبة، ويباح لها النظر إليه وكشف وجهها له، وعليه فلا حجة في الحديث على إباحة كشف الوجه لأجنبي غير خاطِب، ومن استدل به على ذلك فقد حمل الحديث على غير مَحْمله، والله أعلم.انظر عودة الحجاب (3\404) : 
الدليل التاسع : عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي رواه مسلم (2159)
قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي هَذَا حُجَّةٌ أنه لايجب على المرأة أن تستر وجهها فِي طَرِيقِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَهَا وَيَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا فِي جميع الأحوال إلالغرض صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ حَالَةُ الشَّهَادَةِ وَالْمُدَاوَاةِ وَإِرَادَةِ خِطْبَتِهَا أَوْ شِرَاءِ الْجَارِيَةِ أَوِ الْمُعَامَلَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُبَاحُ فِي جَمِيعِ هَذَا قَدْرُ الْحَاجَةِ دُونَ مَا زَادَ والله أعلم انظر شرح مسلم نووي 14/139
الدليل العاشر : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتْ امْرَأَةٌ تُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْنَاءَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَكَانَ بَعْضُ القَوْمِ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَكُونَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ لِئَلَّا يَرَاهَا، وَيَسْتَأْخِرُ بَعْضُهُمْ حَتَّى يَكُونَ فِي الصَّفِّ المُؤَخَّرِ، فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْتِ إِبْطَيْهِ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر: 24] رواه الترمذي (3122) وصححه ابن خزيمة وابن حبان و الحاكم والذهبي وأحمد شاكر والألباني
قالوا : والحديث دليل على أن النساء كن يصلين وراء النبي صلى الله عليه وسلم مكشوفات الوجوه
قال الألباني في الثمر المستطاب (1\306)
وأما قول الحافظ ابن كثير في (تفسيره):
(وهذا الحديث فيه نكارة شديدة) فغير مسلم لأن ذلك البعض الذي كان ينظر من تحت إبطه جاز أن يكون من المنافقين أو من جهلة الأعراب وهذا واضح لا يخفى فلا نكارة ولا إشكال ولذلك لم نر أحدا ممن خرج الحديث أو ذكره وصفه بالنكارة الشديدة حتى ولا الحافظ الذهبي المعروف بنقده الدقيق للمتون بل صححه كما علمت وهو الذي يقول فيه ابن كثير في (تاريخه) وقد ذكر وفاته سنة:
(وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه رحمه الله) انتهى
قلت : عمرو بل هو حديث ضعيف ضعفه الترمذي وابن كثير والمباركفوري انظر تحفة الأحوذي 8/437 وضعفه الأرنؤوط وفيه علل 1- الإرسال قال الترمذي وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو  بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الجَوْزَاءِ، نَحْوَهُ، «وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ نُوحٍ – أي حديث المرسل أصح من الحديث المتصل -
2- وفيه أيضا  عَمرِو بْن مَالِكٍ النُّكْرِيّ قال ابن عدي في الكامل 6/258 منكر الْحَدِيث عَن الثقات، وَيَسْرِقُ الحديث. سمعت أبا يَعْلَى يَقُولُ عَمْرو بْن مالك النُّكْرِيّ كَانَ ضعيفا انتهى.ووثقه ابن حبان وهو معروف بالتساهل أما قول الحافظ ابن حجر في التقريب صدوق له أوهام هذا من تساهله رحمه الله قلت وقد تناقض العلامة الألباني رحمه الله في شأن عَمرِو بْن مَالِكٍ النُّكْرِيّ فضعفه في بعض كتبه حديث غير هذا الحديث قال الألباني في الضعيفة 1/ 211 قال المنذري (1 / 196) وتبعه الهيثمي (1 / 48) : وإسناده حسن.قلت: وفيما قالاه نظر، فإن عمرا – النُّكْرِيّ-  هذا لم يوثقه غير ابن حبان (7 / 228، 8 /487) ، وهو متساهل في التوثيق حتى أنه ليوثق المجهولين عند الأئمة النقاد كما سبق التنبيه على ذلك مرارا، فالقلب لا يطمئن لما تفرد بتوثيقه، ولا سيما أنه قد قال هو نفسه في مالك هذا: يعتبر حديثه من غير رواية ابنه يحيى عنه، يخطيء ويغرب، فإذا كان من شأنه أن يخطيء ويأتي بالغرائب، فالأحرى به أن لا يحتج بحديثه إلا إذا توبع عليه لكي نأمن خطأه، فأما إذا تفرد بالحديث كما هنا - فاللائق به الضعف انتهى قال العلامة شعيب الأرنؤوط في تحقيقه سنن ابن ماجه [2/162] : إسناده ضعيف ومتنه منكر، عمرو بن مالك -وهو النكري- لا يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، فقد ذكره في "الثقات" وقال: يخطئ ويغرب، وقال الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام، وأخطأ الذهبي في "الميزان" و "الضعفاء" فوثق عمرو ابن مالك مع أنه ذكره في "الكاشف" ولم يوثقه، وإنما اقتصر على قوله: وثق، وهو يطلق هذه اللفظة عادة على من انفرد ابن حبان بتوثيقه.
وقد وقع لنا وهم في "تحرير التقريب" فقلنا في ترجمته استدراكا على الحافظ ابن حجر: بل صدوق حسن الحديث، اعتمادا على توثيق الذهبي في "الميزان" 3/ 286 قال شعيب: وقد كنت حسنته في "صحيح ابن حبان"، فليستدرك من هنا --- وجاء في تفسير الآية عند ابن كثير 4/ 449 - 450 ما نصه: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمُسْتَقْدِمُونَ: كُلُّ مَنْ هَلَكَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ: مَنْ هُوَ حَيٌّ وَمَنْ سَيَأْتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَقَتَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ اهـ
الدليل الحادي عشر: حديث جابر بن عبد الله في وعظ النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يوم العيد فَقَالَ: «تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ»، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ، فَقَالَتْ: لِمَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ»، قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ رواه مسلم (885)
قَالُوا: وَقَوْلُ جَابِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ كَاشِفَةً عَنْ وَجْهِهَا، إِذْ لَوْ كَانَتْ مُحْتَجِبَةً لَمَا رَأَى خَدَّيْهَا، وَلَمَا عَلِمَ بِأَنَّهَا سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ. وَأُجِيبُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا: بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهَا كَاشِفَةً عَنْ وَجْهِهَا، وَأَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ غَايَةُ مَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ أَنَّ جَابِرًا رَأَى وَجْهَهَا، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَشْفَهَا عَنْهُ قَصْدًا، وَكَمْ مِنِ امْرَأَةٍ يَسْقُطُ خِمَارُهَا عَنْ وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَيَرَاهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، كَمَا قَالَ نَابِغَةُ ذُبْيَانَ: سَقَطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ ... فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنَا بِالْيَدِ
فَعَلَى الْمُحْتَجِّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ، أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهَا سَافِرَةً، وَأَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى إِثْبَاتِ ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ غَيْرُ جَابِرٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ كَشْفَ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ وَجْهِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» مِمَّنْ رَوَاهَا غَيْرَ جَابِرٍ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ غَيْرِهِمْ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِمَّنْ رَوَى الْقِصَّةَ غَيْرَ جَابِرٍ أَنَّهُ رَأَى خَدَّيْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ السَّفْعَاءِ الْخَدَّيْنِ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى السُّفُورِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَقَوْلُهُ: فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ، هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ (سِطَةٌ) بِكَسْرِ السِّينِ، وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَاسِطَةِ النِّسَاءِ. قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ: مِنْ خِيَارِهِنَّ، وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ وَالْخِيَارُ، قَالَ: وَزَعَمَ حُذَّاقُ شُيُوخِنَا أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ مُغَيَّرٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَأَنَّ صَوَابَهُ مِنْ سِفْلَةِ النِّسَاءِ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مَسْنَدِهِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ. فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: امْرَأَةٌ لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ، وَهَذَا ضِدُّ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي، وَهَذَا الَّذِي ادَّعَوْهُ مِنْ تَغْيِيرِ الْكَلِمَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مِنْ خِيَارِ النِّسَاءِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ هُوَ، بَلِ الْمُرَادُ: امْرَأَةٌ مِنْ وَسَطِ النِّسَاءِ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِهِنَّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: يُقَالُ: وَسَطْتُ الْقَوْمَ أَسِطُهُمْ وَسْطًا وَسِطَةً، أَيْ: تَوَسَّطْتُهُمْ، اه مِنْهُ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ الْأَخِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ، فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ ثَنَاءٌ الْبَتَّةَ عَلَى سَفْعَاءِ الْخَدَّيْنِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ جَابِرًا ذَكَرَ سَفْعَةَ خَدَّيْهَا لِيُشِيرَ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ شَأْنُهَا الِافْتِتَانُ بِهَا ; لِأَنَّ سَفْعَةَ الْخَدَّيْنِ قُبْحٌ فِي النِّسَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ، أَيْ: فِيهَا تَغَيُّرٌ وَسَوَادٌ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي «صِحَاحِهِ» : وَالسَّفْعَةُ فِي الْوَجْهِ: سَوَادٌ فِي خَدَّيِ الْمَرْأَةِ الشَّاحِبَةِ، وَيُقَالُ لِلْحَمَامَةِ سَفْعَاءُ لِمَا فِي عُنُقِهَا مِنَ السَّفْعَةِ، قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:مِنَ الْوُرْقِ سَفْعَاءُ الْعِلَاطَيْنِ بَاكَرَتْ ... فُرُوعَ أَشَاءٍ مَطْلَعَ الشَّمْسِ أَسْحَمَا قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: السَّفْعَةُ فِي الْخَدَّيْنِ مِنَ الْمَعَانِي الْمَشْهُورَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: أَنَّهَا سَوَادٌ وَتَغَيُّرٌ فِي الْوَجْهِ، مِنْ مَرَضٍ أَوْ مُصِيبَةٍ أَوْ سَفَرٍ شَدِيدٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ التَّمِيمِيِّ يَبْكِي أَخَاهُ مَالِكًا: قُولُ ابْنَةُ الْعُمَرِيِّ مَا لَكَ بَعْدَمَا ... أَرَاكَ خَضِيبًا نَاعِمَ الْبَالِ أَرْوَعَا تَفَقُلْتُ لَهَا طُولُ الْأَسَى إِذْ سَأَلْتِنِي ... وَلَوْعَةُ وَجْدٍ تَتْرُكُ الْخَدَّ أَسْفَعَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِنَ السَّفْعَةِ مَا هُوَ طَبِيعِيٌّ كَمَا فِي الصُّقُورِ، فَقَدْ يَكُونُ فِي خَدَّيِ الصَّقْرِ سَوَادٌ طَبِيعِيٌّ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى:
أَهْوَى لَهَا أَسْفَعُ الْخَدَّيْنِ مُطَّرِقُ ... رِيشَ الْقَوَادِمِ لَمْ تُنْصَبْ لَهُ الشَّبَكُ
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ السَّفْعَةَ فِي الْخَدَّيْنِ إِشَارَةٌ إِلَى قُبْحِ الْوَجْهِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إِنَّ قَبِيحَةَ الْوَجْهِ الَّتِي لَا يَرْغَبُ فِيهَا الرِّجَالُ لِقُبْحِهَا، لَهَا حُكْمُ الْقَوَاعِدِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا.انظر أضواء البيان (6\253)
الدليل الثاني عشر: أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ ابْنِ خَوْلَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ( أى لم تلبث )  أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ (أى خرجت من نفاسها ) مِنْ نِفَاسِهَا، تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ، تُرَجِّينَ النِّكَاحَ؟ فَإِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ «فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي، وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي» رواه البخاري 3991 ومسلم(1484) قالوا : فدل هذا الحديث على أن سبيعه ظهرت متجملة أمام أبى السنابل وهو ليس بمحرم لها بل هو ممن تقدم لخطبتها بعد .
ولولا أنها سافرة الوجه ما عرف إن كانت متجمله أم لا 
) قال الألباني: في حجاب المرأة المسلمة 32
والحديث صريح الدلالة على أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة، وكذا الوجه أو العينان على الأقل، وإلا لما جاز لسبيعة رضي الله عنها أن تظهر ذلك أمام أبي السنابل لاسيما وكان قد خطبها فلم
ترضه انتهى . وأجاب أصحاب القول الأول 0
أولا: ليس في الحديث دليل على أنها كانت سافرة الوجه حين رآها
أبو السنابل بل غاية ما فيه أنه رأى خضاب يديها وكحل عينيها، ورؤية ذلك لا يستلزم رؤية الوجه.
* قال الشيخ عبد العزيز بن خلف:
"والمستمسك من الحديث هو أنه عرف منها أنها كانت مكتحلة
ومخضبة، وله أن يعرف أنها كانت مكتحلة حين تكون قد لوت الجلباب
على وجهها، وأخرجت عينا كما وصف ابن عباس رضي الله عنهما فعل المؤمنات بعد نزول آية إدناء الجلابيب 000 ثانيًا: قال الحافظ ابن حجر في الفوائد المستنبطة من قصة سبيعة: وفِيهِ جَوَازُ تَجَمُّلِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِمَنْ يَخْطُبُهَا لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الَّتِي فِي الْمَغَازِي فَقَالَ مَالِي أَرَاك تجملت للخطاب وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَتَهَيَّأَتْ لِلنِّكَاحِ وَاخْتَضَبَتْ وَفِي رِوَايَةِ مُعَمِّرٍ عَنِ الزُّهْرِي عِنْدَ أَحْمَدَ فَلَقِيَهَا أَبُو السَّنَابِلِ وَقد اكتحلت وَفِي رِوَايَة الْأَسْوَدَ فَتَطَيَّبَتْ وتعطرت انظر فتح الباري 9/ 475 ويتضح من هذا أن إظهار زينتها إنما كان للخُطَّاب، وعليه ينبغي حمل هذه الروايات، وقد سبق ذكر جملة من النصوص في الترخيص في نظر الخاطب إلى المخطوبة بإذنها، أو بغير إذنها، فعلم أبو السنابل بخضابها واكتحالها، وقال لها: "ما لي أراك تجملت للخطاب"، وكان قد نظر إليها مريدا خطبتها لكنها أبت أن تنكحه.جاء في رواية البخاري أنه كان ممن خطبها، فأبت أن تنكحه، فقال لها ما قال، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "كذب  أبو السنابل" رواه أحمد، وفي رواية الموطأ: فَخَطَبَهَا رَجُلانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ، والآخَرُ كَهُلٌ، فَحَطَّتْ إِلَى الشَّابِّ، فَقَالَ الْكَهْلُ: لَمْ تَحِلِّي.
وَكَانَ أَهْلُهَا غُيَّبًا وَرَجَا إِذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا اهـ.فأين في الحديث جواز كشف الوجه والكفين لغير الخاطب؟ انظر عودة الحجاب (3\406)
قال أبو الفضل الحنفي في الاختيار (4\156) وهو مرجح للمذهب الحنفي  (وَلَا يَنْظُرُ إِلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إِلَّا إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إِنْ لَمْ يَخَفِ الشَّهْوَةَ) ؛ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَادَ الْقَدَمَ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهَا عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْأَجَانِبِ لِإِقَامَةِ مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِأَسْبَابِ مَعَاشِهَا.
وقال الصاوي في بلغة السالك لأقرب المسالك (1\289) وهو مذهب المالكية قال عَوْرَةُ الْحُرَّةِ (مَعَ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ) : مِنْهَا أَيْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا جَمِيعُ الْبَدَنِ (غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) : وَأَمَّا هُمَا فَلَيْسَا بِعَوْرَةٍ. وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا سَتْرُهُمَا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ
وقال الشافعي في الأم (1\109) وَكُلُّ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إلَّا كَفَّيْهَا وَوَجْهَهَا انتهى
  قال شيخنا حسن أبوالأشبال في شرحه صحيح مسلم (7/37) والشاهد الذي أريد أن أقوله: أن نربي أنفسنا دائماً على حسن التعامل مع مسائل الخلاف، فالغضب الشديد لا وجه له في الإسلام، ولا وجه له في الشرع، فأنت حينما تقرأ في أدلة الحجاب والنقاب ستجد من يذهب إلى وجوب النقاب وفي المقابل ستجد من ترجح لديه أن الكشف جائز، فلا إنكار عليه، لكنك حين تدخل على القضية وأنت عاقد العزم -قبل أن تقرأ وقبل أن تسمع شيئاً- أن النقاب واجب، وأن تاركة النقاب آثمة، فربما تقول: هي سافرة، وداعرة وغيرها من هذه الألفاظ التي نسمعها ممن لا عقل له، وممن لا يحتمل الخلاف لضيق أفقه بكلام أهل العلم.وقل أن تجد في دين الله عز وجل مسألة مجمع عليها؛ ولذلك فإن كتب الإجماع قليلة جداً، وحجم كل منها صغير؛ وانظر إلى الإجماع لـ ابن المنذر لا يتعدى المائة ورقة، والإجماع لـ ابن حزم لا يتعدى المائة ورقة وهكذا؛ بل إن أهل العلم ينكرون على ابن حزم أنه عد مسائل من الإجماع وفيها الخلاف، وكذلك ابن المنذر فقد ادعى الإجماع في مسائل فيها خلاف، وتجد كتب الفقه ضخمة جداً، لوجود الخلاف.إذاً: أنت في هذا الوقت تريد تحملني في كل قضية من القضايا على رأيك أو على مذهب إمامك، وهذا الكلام لا علاقة له بالعلم قط، إنما كل إمام من الأئمة بذل أقصى جهده وبذل وسعه ثم استقر لديه أن دين الله عز وجل انتهى
وقال القرضاوي في حكم النقاب حيث قال " أؤكد أن النقاب حق للمرأة المسلمة خصوصا إذا رأت أنه واجب عليها وإذاأخذت بالرأي الذي يقول بوجوب تغطية الوجه فلا نستطيع أن نفرض عليها أن تخالف أمرا تعتقد بوجوبه شرعا، بل أرى أنها حتى لو رأت أن هذا أمر مستحب لا يجوز لنا أن نفرض عليها أن تترك أمرا مستحبا هذا يدخل في حقها الشخصي وحريتها الشخصية وحريتها الدينية، ولكن الرأي الذي أرجحه هو رأي جمهور الفقهاء أن النقاب ليس واجبا – يعني مستحبا-  وهناك أدلة كثيرة تبين أن تغطية الوجه وهو المقصود بكلمة النقاب ليست واجبا دينيا والأدلة على ذلك كثيرة من القرآن ومن السنة النبوية اهـ
بهذا القدر نكتفي سائلين الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا  نسأل الله عز وجل أن يرفع راية الْإِسْلام والمسلمين عالية خفاقة وأن ينصر بنصره من أعان على نشر الْإِسْلَام في إرجاء المعمورة
ونسْأَله سبحانه أن يخذل من خذل الْإِسْلام والمسلمين وسعى لنشر الرذيلة وابتغى في  الأَرْض  وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق