الثلاثاء، 13 فبراير 2018

حكم قول فلان شهيد عمرو العدوي أبو حبيبة



إن الحمدَ لله نستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، مَنْ يَهْدِهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، ونشهدُ أنْ لا إله إلا الله، ونشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .
وبعد:فهذه بعض الأسطر نوضّح من خلالها القول الصحيح في مسألة  حكم قول : فلان شهيد فقد كثرت المقولات في هذا فشجعت نفسي على القيام ببحث حول هذه المسألة فذكرت دليل كل فريق وذكرت أقوال العلماء وذكرت القول الراجح من أَقوالهم 0
 أسال الله سبحانه أن يلهمني رشدي ، ويقيني شر نفسي ويعصمني من الضلالة والزلل ، وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه إنه أهل ذلك والقادر عليه وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
حكم قول : فلان شهيد
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : أنه لا يجوزُ أن نشهدَ لشخصٍ بعينهِ أنه شهيدٌ، حتى لو قُتل مظلوماً، أو قُتل وهو يدافعُ عن الحقِ، إلا من شهد له النبي صلى اللهُ عليه وسلم، أو اتفقت الأمةُ على الشهادةِ له بذلك. وهو مذهب البخاري ورجحه ابن عثيمين والألباني " قال الألباني رحمه الله في أحكامِ الجنائز " ( ص 59 ) فقال : ( تنبيه ) : بوب البخاري في " صحيحه " (6/89) : (بَابُ لاَ يَقُولُ فُلاَنٌ شَهِيدٌ) فهذا مما يتساهلُ فيه كثيرٌ من الناسِ فيقولون : الشهيدُ فلان ... والشهيدُ فلان .ا.هـ ودليلهم :
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ رواه البخاري [2803]
2-  عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التَقَى هُوَ وَالمُشْرِكُونَ، فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: مَا أَجْزَأَ مِنَّا اليَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» رواه البخاري [2898] ومسلم (112)
وجه الدلالة: أن الصحابة رضي الله عنهم شهدوا رجحان هذا الرجل في أمر الجهاد، فلو كان قُتل لم يمتنع أن يشهدوا له بالشهادة، وقد ظهر منه أنه لم يقاتل لله وإنما قاتل غضبًا لقومه، فلا يطلق على كل مقتول في الجهاد أنه شهيد، لاحتمال أن يكون مثل هذا
وبهذين الحديثين السابقين استدل البخاري -رحمه الله- على هذه المسألة، فترجم لهما بقوله: باب لا يقول: فلان شهيد
3- عن خَارِجَة بْن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال : قَالَتْ أُمُّ العَلاَءِ: فَسَكَنَ عِنْدَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَاشْتَكَى، فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ وَجَعَلْنَاهُ فِي ثِيَابِهِ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟»، فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ اليَقِينُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِهِ»، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ رواه البخاري [2687]
4- حديث كَعْب بْنِ عُجْرَةَ فَقْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟» ، قَالُوا: مَرِيضٌ، فَخَرَجَ يَمْشِي حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَبْشِرْ يَا كَعْبُ» ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ يَا كَعْبُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذِهِ الْمُتَأَلِّيَةُ عَلَى اللَّهِ؟» قَالَ: هِيَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَا يُدْرِيكِ يَا أَمَّ كَعْبٍ؟ لَعَلَّ كَعْبًا قَالَ مَا لَا يَنْفَعُهُ، أَوْ مَنَعَ مَا لَا يُغْنِيهِ» رواه الطبراني في الأوسط [7157] وضعفه الألباني في الضعيفة [13/244]
5- عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلَا لَا تَغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً وَفِي الدُّنْيَا، أَوْتَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ، أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغْلِي بِصَدُقَةِ امْرَأَتِهِ، حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَحَتَّى يَقُولَ: كُلِّفْتُ لَكُمْ عِلْقَ الْقِرْبَةِ، وَكُنْتُ غُلَامًا عَرَبِيًّا مُوَلَّدًا فَلَمْ أَدْرِ مَا عِلْقُ الْقِرْبَةِ، قَالَ: وَأُخْرَى يَقُولُونَهَا: لِمَنْ قُتِلَ فِي مَغَازِيكُمْ، أَوْ مَاتَ، قُتِلَ فُلَانٌ شَهِيدًا، أَوْ مَاتَ فُلَانٌ شَهِيدًا، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْقَرَ عَجُزَ دَابَّتِهِ، أَوْ دَفَّ رَاحِلَتِهِ ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا، يَطْلُبُ التِّجَارَةَ، فَلَا تَقُولُوا ذَاكُمْ، وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مَاتَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ» رواه النسائي [3349] وحسنه الحافظ ابن حجر وصححه العلامة الألباني
وجه الدلالة: أنه نهى عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد، وأن ذلك لا يجوز أن يقال إلا على سبيل الإجمال ، وكانت خطبته هذه في جمع من الصحابة رضي الله عنهم ولم يُعلم له مخالف
وهناك أدلة أخرى ، ولكن هذه أهمها 0
سئل فضيلة الشيخ - ابن عثيمين رحمه الله - : عن حكم قول فلان
شهيد؟ .
فأجاب بقوله: الجواب على ذلك أن الشهادة لأحد بأنه شهيد تكون على وجهين:
أحدهما: أن تقيد بوصف مثل أن يقال كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد ونحو ذلك، فهذا جائز كما جاءت به النصوص، لأنك تشهد بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعنى بقولنا - جائز - أنه غير ممنوع وإن كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن تقيد الشهادة بشخص معين مثل أن تقول بعينه إنه شهيد، فهذا لا يجوز إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك وقد ترجم البخاري - رحمه الله - لهذا بقوله: (باب لا يقال فلان شهيد) قال في الفتح 90/6 " أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي " وكأنه أشار إلى حديث عمر
 --- ولأن الشهادة بالشيء لا تكون إلا عن علم له، وشرط كون الإنسان شهيدا أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهي نية باطنة لا سبيل إلى العلم بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، مشيرا إلى ذلك: " مثل المجاهد في سيبل الله، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله ". وقال: " والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دما اللون لون الدم، والريح ريح المسك ". رواهما البخاري من حديث أبى هريرة.
ولكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك، ولا نشهد له به ولا ننسي به الظن. والرجاء مرتبة بين المرتبتين، ولكننا نعامله في الدنيا بأحكام الشهداء فإذا كان مقتولا في الجهاد في سبيل الله دفن بدمه في ثيابه من غير صلاة عليه، وإن كان من الشهداء الآخرين فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه.
ولأننا لو شهدنا لأحد بعينه أنه شهيد لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة وهذا خلاف ما كان عليه أهل السنة فإنهم لا يشهدون بالجنة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، بالوصف أو بالشخص، وذهب آخرون منهم إلى جواز الشهادة بذلك لمن اتفق الأمة على الثناء عليه وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله تعالى -. وبهذا تبين أنه لا يجوز أن نشهد لشخص أنه شهيد إلا بنص أو اتفاق، لكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك كما سبق، وهذا كاف في منقبته، وعلمه عند خالقه - سبحانه وتعالى - انظر المناهي اللفظية ص [79] قلت : والرد على تبويب البخاري قال ابن حجر في فتح الباري [6/ 90] : أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ بِذَلِكَ --- وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ يُعْطَى حُكْمَ الشُّهَدَاءِ فِي الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ وَلِذَلِكَ أَطْبَقَ السَّلَفُ عَلَى تَسْمِيَةِ الْمَقْتُولِينَ فِي بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَغَيْرِهِمَا شُهَدَاءَ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْحُكْمُ الظَّاهِرُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الظَّنِّ الْغَالِبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
وفي كتاب: (النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح) لمحمد الطاهر بن عاشور قال ص/ 118 عن ترجمة البخاري هذه:
(هذا تبويب غريب، فإن إطلاق اسم الشهيد على المسلم المقتول في الجهاد الإسلام ثابت شرعاً، ومطروق على ألسنة السلف فمن بعدهم، وقد ورد في حديث الموطأ، وفي: الصحيحين: أن الشهداء خمسة غير الشهيد في سبيل الله، والوصف بمثل هذه الأعمال يعتمد النظر إلى الظاهر الذي لم يتأكد غيره، وليس فيما أخرجه البخاري هنا إسناداً وتعليقاً ما يقتضي منع القول بأن فلان شهيد، ولا النهي عن ذلك.
فالظاهر أن مراد البخاري بذلك أن لا يجزم أحد بكون أحد قد نال عند الله ثواب الشهادة، إذ لا يدري ما نواه من جهاده، وليس ذلك للمنع من أن يقال لأحد: إنه شهيد، وأن تجري عليه أحكام الشهداء، إذا توفرت فيه، فكان وجه التبويب أن يكون: باب لا يجزم بأن فلاناً شهيد إلا بإخبار من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مثل قوله في عامر بن الأكوع: ((إنه لجاهد مجاهد)) .
ومن هذا القبيل زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أم العلاء الأنصارية حين قالت في عثمان بن مظعون: شهادتي عليك: لقد أكرمك الله، فقال لها: ((وما يدريك أن الله أكرمه)) ) اهـ
القول الثاني : جوازُ تسميةِ المقتولِ في سبيلِ اللهِ وغيرهِ ممن مات بسببٍ من أسبابِ الشهادةِ بـ " شهيد " ولو بالتعيين، بناءً على الحكمِ الظاهرِ المبني على الظنِ الغالبِ، وذلك لمن اجتمعت فيه الشروطُ، وانتفت عنه الموانعُ في الأعمالِ البدنية الظاهرةِ دون الأعمالِ الباطنةِ كالإخلاصِ مثلاً وهو قول ابن معين واختيار ابن تيمية والذهبي ورجحه ابن باز رحمهم الله وهو الراجح والدليل : 1-عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : " لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ، وَكَانَ خَالَهُ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، قَالَ: بِالدَّمِ هَكَذَا فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ رواه البخاري (4092) قال ابن حجرٍ : قَوْلُهُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَيْ بِالشَّهَادَةِ انظر فتح الباري [7/ 388] وهذه شهادةٌ لنفسهِ ولم يُنكِر عليه النبي صلى الله عليه وسلم
2- عن عَبْد اللهِ بْن عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا - أَوْ عَبَاءَةٍ -» رواه مسلم (114) والحديث فيه دليل على جواز إطلاق لفظ الشهادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الصحابة ذلك بل أقرهم حيث كانوا يقولون: فلان شهيد وفلان شهيد. كما في لفظ مسلم حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا إني رأيته في النار ...
فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق لفظ الشهادة على الغال لملابسة خاصة به.
3- عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ»، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا - أَوْ قَالَ: غَيْرَ ذَلِكَ - فَقَالَ: «وَجَبَتْ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ لِهَذَا وَجَبَتْ، وَلِهَذَا وَجَبَتْ، قَالَ: «شَهَادَةُ القَوْمِ المُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ» رواه البخاري [2642] قال ابن حجر في فتح الباري [3/230] : قَالَ الدَّاوُدِيُّ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصِّدْقِ لَا الْفَسَقَةُ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُثْنُونَ عَلَى مَنْ يَكُونُ مِثْلَهُمْ وَلَا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ عَدَاوَةٌ لِأَنَّ شَهَادَة الْعَدُوِّ لَا تُقْبَلُ وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِعْمَالُ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ اهـ
4- جاء في " سير أعلام النبلاء " (11/ 167) للذهبي عند ترجمةِ أحمد بن نصر المروزي عندما قتل في فتنة القرآن: " قَالَ ابْنُ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: خَتَمَ اللهُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ، قَدْ كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ عِنْدَهُ مُصَنَّفَاتُ هُشَيْمٍ كُلُّهَا، وَعَنْ مَالِكٍ أَحَادِيْثُ.ا. هـ قلت : فإذا قيل فلان شهيد فلا مانع من ذلك، وهو حكم بالظاهر وليس على سبيل القطع فلا ينبغي التثريب على من يقول مثلا: الشهيد أحمد ياسين .. فالمقصود غلبة الظن من ظاهر الحال .. وليس القطع والجزم
سُئِلَ - ابن تيمية رحمه الله - كما في مجموع الفتاوى [24/ 293] :
عَنْ رَجُلٍ رَكِبَ الْبَحْرَ لِلتِّجَارَةِ، فَغَرِقَ فَهَلْ مَاتَ شَهِيدًا؟ .
فَأَجَابَ : نَعَمْ مَاتَ شَهِيدًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِرُكُوبِهِ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {الْغَرِيقُ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِيقُ شَهِيدٌ وَالْمَيِّتُ بِالطَّاعُونِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ فِي نِفَاسِهَا شَهِيدَةٌ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ شَهِيدٌ} . وَجَاءَ ذِكْرُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ. وَرُكُوبُ الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ جَائِزٌ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ السَّلَامَةُ. وَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ: إنَّهُ شَهِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
سئل ابن باز رحمه الله كما في مجموع فتاوى [9/461] :
 حكم إطلاق لفظة الشهيد على شخص معين
إلى سماحة الوالد الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حرسه الله ورعاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فأرجو من سماحتكم إفتائي في حكم إطلاق لفظة (الشهيد) على المعين، مثل أن أقول: الشهيد فلان، وهل يجوز كتابة ذلك في المجلات والكتب وجزاكم الله خيرا؟
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده: كل من سماه النبي صلى الله عليه وسلم شهيدا فإنه يسمى شهيدا؛ كالمطعون والمبطون وصاحب الهدم والغرق والقتيل في سبيل الله والقتيل دون دينه أو دون ماله أو دون أهله أو دون دمه، لكن كلهم يغسلون ويصلى عليهم ما عدا الشهيد في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه إذا مات في المعركة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغسل شهداء أحد الذين ماتوا في المعركة ولم يصل عليهم كما رواه البخاري في صحيحه عن جابر رضي الله عنه اهـ
 بهذا القدر نكتفي ، سائلين الله سبحانه وتعالى ، أن ينفعنا بما علمنا ، وأن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن يجعل ذلك شاهدا لنا ، لا علينا ، ثم نسأله سبحانه أن ينفع بذلك المسلمين ، وأن يُعلى راية الإسلام عالية فوق كل الرايات وصل اللهم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم كتبه / عمرو العدوي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق