الجمعة، 18 أغسطس 2017

حكم الموسيقى والدف والشعر عمرو العدوي أبو حبيبة



و الْمَعَازِفُ " هِيَ الْمَلَاهِي كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ. جَمْعُ مِعْزَفَةٍ وَهِيَ الْآلَةُ الَّتِي يُعْزَفُ بِهَا انظر مجموع الفتاوى (11/ 576)
أما حكمها فقد تنازع العلماء في حكم الموسيقى على قولين ؟
القول الأول : قَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْغِنَاءِ مَعَ آلَةٍ مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَبِدُونِهَا. ذَهَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ – منهم ابن حزم - وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ إلَى التَّرْخِيصِ فِي السَّمَاعِ وَلَوْ مَعَ الْعُودِ وَالْيَرَاعِ انظر نيل الأوطار (8/113) ودليلهم : 1- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا رواه البخاري (952) ومسلم (892) قال ابن حزم في المحلى (7/569) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ فِيهِ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا قَدْ قَالَتْ: إنَّهُمَا كَانَتَا تُغَنِّيَانِ، فَالْغِنَاءُ مِنْهُمَا قَدْ صَحَّ، وَقَوْلُهَا " لَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ " أَيْ لَيْسَتَا بِمُحْسِنَتَيْنِ.
وَهَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ، إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي إنْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَوْلَهُ: أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَصَحَّ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ، لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ بِلَا شَكٍّ اهـ وأجيب قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (11/ 566) فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ: أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا سَمَّاهُ الصِّدِّيقُ مِزْمَارَ الشَّيْطَانِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ الْجَوَارِيَ عَلَيْهِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَالصِّغَارُ يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي اللَّعِبِ فِي الْأَعْيَادِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ {لِيَعْلَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً} " وَكَانَ لِعَائِشَةَ لُعَبٌ تَلْعَبُ بِهِنَّ وَيَجِئْنَ صَوَاحِبَاتُهَا مِنْ صِغَارِ النِّسْوَةِ يَلْعَبْنَ مَعَهَا اهـ
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/491) وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا: اسْتِدْلَالُكُمْ عَلَى إِبَاحَةِ السَّمَاعِ الْمُرَكَّبِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنَ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ بِغِنَاءِ بُنَيَّتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ دُونَ الْبُلُوغِ، عِنْدَ امْرَأَةٍ صَبِيَّةٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ وَفَرَحٍ، بِأَبْيَاتٍ مِنْ أَبْيَاتِ الْعَرَبِ، فِي وَصْفِ الشَّجَاعَةِ وَالْحُرُوبِ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالشِّيَمِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ .
وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَكْبَرِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الصِّدِّيقَ الْأَكْبَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمَّى ذَلِكَ مَزْمُورًا مِنْ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ وَأَقَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ التَّسْمِيَةِ وَرَخَّصَ فِيهِ لِجُوَيْرِيَّتَيْنِ غَيْرِ مُكَلَّفَتَيْنِ، وَلَا مَفْسَدَةَ فِي إِنْشَادِهِمَا، وَلَا اسْتِمَاعِهِمَا، أَفَيَدُلُّ هَذَا عَلَى إِبَاحَةِ مَا تَعْمَلُونَهُ وَتَعْلَمُونَهُ مِنَ السَّمَاعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى؟ فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ! كَيْفَ ضَلَّتِ الْعُقُولُ وَالْأَفْهَامُ؟ اهـ
قال ابن حجر في فتح الباري (2/ 442) تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم: " دَعْهُمَا ... ": فَفِيهِ تَعْلِيلُ الْأَمْرِ بِتَرْكِهِمَا وَإِيضَاحُ خِلَافِ مَا ظَنَّهُ الصِّدِّيقُ مِنْ أَنَّهُمَا فَعَلَتَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ دَخَلَ فَوَجَدَهُ مُغَطًّى بِثَوْبِهِ فَظَنَّهُ نَائِمًا فَتَوَجَّهَ لَهُ الْإِنْكَارُ عَلَى ابْنَتِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ مُسْتَصْحِبًا لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مِنْ مَنْعِ الْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ فَبَادَرَ إِلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ قِيَامًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مُسْتَنِدًا إِلَى مَا ظَهَرَ لَهُ فَأَوْضَحَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَالَ وَعَرَّفَهُ الْحُكْمَ مَقْرُونًا بِبَيَانِ الْحِكْمَةِ بِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ أَيْ يَوْمُ سُرُورٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُنْكَرُ فِيهِ مِثْلُ هَذَا كَمَا لَا يُنْكَرُ فِي الْأَعْرَاسِ اهـ
2- عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ، مِزْمَارًا قَالَ: فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ، وَنَأَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَقَالَ لِي: يَا نَافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَرَفَعَ إِصْبَعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ مِثْلَ هَذَا فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا» رواه أبو داود (4924) وصححه الألباني وحسنه الأرنؤوط 0
لَوْ كَانَ سَمَاعُهُ حَرَامًا لَمَا أَبَاحَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عُمَرَ وَلَا ابْنُ عُمَرَ لِنَافِعٍ وَلَنَهَى عَنْهُ وَأَمَرَهُ بِكَسْرِ الْآلَةِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا سَدُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَمْعِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَجَنَّبَهُ كَمَا كَانَ يَتَجَنَّبُ كَثِيرًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ كَمَا تَجَنَّبَ أَنْ يَبِيتَ فِي بَيْتِهِ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. لَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَرْكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْإِنْكَارِ عَلَى الرَّاعِي إنَّمَا كَانَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: ابْنُ عُمَرَ إنَّمَا صَاحَبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَقُوَّتِهِ، فَتَرْكُ الْإِنْكَارِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ.انظر نيل الأوطار (8/118)
قال ابن حزم في المحلى (7/570) هَذِهِ هِيَ الْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ، وَلَوْ كَانَ الْمِزْمَارُ حَرَامًا سَمَاعُهُ لَمَا أَبَاحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنِ عُمَرَ سَمَاعَهُ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ حَرَامًا سَمَاعُهُ لَمَا أَبَاحَ لِنَافِعٍ سَمَاعَهُ، وَلَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكَسْرِهِ وَبِالسُّكُوتِ عَنْهُ، فَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا تَجَنَّبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمَاعَهُ كَتَجَنُّبِهِ أَكْثَرَ الْمُبَاحِ مِنْ أَكْثَرِ أُمُورِ الدُّنْيَا، كَتَجَنُّبِهِ الْأَكْلَ مُتَّكِئًا، وَأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُ دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ، وَأَنْ يُعَلِّقَ السُّتُرَ عَلَى سَهْوَةٍ فِي الْبَيْتِ وَالسُّتُرُ الْمُوَشَّى فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى – التَّوْفِيقُ اهـ وأجيب عن ذلك قال ابن قدامة في المغني (10/154) وَقَدْ احْتَجَّ قَوْمٌ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى إبَاحَةِ الْمِزْمَارِ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عُمَرَ مِنْ سَمَاعِهِ، وَمَنَعَ ابْنُ عُمَرَ نَافِعًا مِنْ اسْتِمَاعِهِ، وَلَأَنْكَرَ عَلَى الزَّامِرِ بِهَا. قُلْنَا: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اسْتِمَاعُهَا دُونَ سَمَاعِهَا، وَالِاسْتِمَاعُ غَيْرُ السَّمَاعِ، وَلِهَذَا فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ بَيْنَ السَّامِعِ وَالْمُسْتَمِعِ، وَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى مَنْ سَمِعَ شَيْئًا مُحَرَّمًا سَدَّ أُذُنَيْهِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: 55] . وَلَمْ يَقُلْ: سَدُّوا آذَانَهُمْ.
وَالْمُسْتَمِعُ هُوَ الَّذِي يَقْصِدُ السَّمَاعَ، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ السَّمَاعُ؛ وَلِأَنَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجَةً إلَى مَعْرِفَةِ انْقِطَاعِ الصَّوْتِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ، وَسَدَّ أُذُنَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِيَرْجِعَ إلَى الطَّرِيقِ، وَلَا يَرْفَعَ إصْبَعَيْهِ عَنْ أُذُنَيْهِ، حَتَّى يَنْقَطِعَ الصَّوْتُ عَنْهُ، فَأُبِيحَ لِلْحَاجَةِ. وَأَمَّا الْإِنْكَارُ، فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ، حِينَ لَمْ يَكُنْ الْإِنْكَارُ وَاجِبًا، أَوْ قَبْلَ إمْكَانِ الْإِنْكَارِ؛ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ، وَقِلَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. اهـ وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/ 567) فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَأْمُرْ ابْنُ عُمَرَ بِسَدِّ أُذُنَيْهِ فَيُجَابُ بِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا أَوْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَمِعُ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْمَعُ. وَهَذَا لَا إثْمَ فِيهِ. وَإِنَّمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْأَفْضَلِ وَالْأَكْمَلِ اهـ
3- أَنَّا لَوْ حَكَمْنَا بِتَحْرِيمِ اللَّهْوِ لِكَوْنِهِ لَهْوًا لَكَانَ جَمِيعُ مَا فِي الدُّنْيَا مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ لَهْوٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد: 36] وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا حُكْمَ عَلَى جَمِيعِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى اللَّهْوِ لِكَوْنِهِ لَهْوًا، بَلْ الْحُكْمُ بِتَحْرِيمِ لَهْوٍ خَاصٍّ وَهُوَ لَهْوُ الْحَدِيثِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ وكذلك كما جاء في السنة كما سيأتي
4- قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّهُ لَا يَصِحّ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ أَبَدًا، وَكُلُّ مَا فِيهِ فَمَوْضُوعٌ انظر نيل الأوطار (8/113) قلت : بل ثبت تحريم المعازف بأسانيد صحيحة كما سيأتي  قال ابن باز رحمه الله: (إن الأحاديث الواردة في تحريم الغناء ليست مثخنة بالجراح كما زعمت، بل منها ما هو في صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله، ومنها الحسن ومنها الضعيف، وهي على كثرتها وتعدد مخارجها حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم الغناء والملاهي) .
(وقد اتفق الأئمة على صحة أحاديث تحريم الغناء والمعازف إلا أبو حامد الغزالي، والغزالي ما عرف علم الحديث، وابن حزم، وبين الألباني رحمه الله خطأه أوضح بيان، وابن حزم نفسه قال أنه لو صح منها شيء لقال به، ولكن من في هذا الزمن ثبتت لديهم صحة ذلك لما تكاثر من كتب أهل العلم، وما تواتر عنهم من تصحيح هذه الأحاديث، ولكنهم أعرضوا عنه، فهم أشد من ابن حزم بكثير وليسوا مثله، فهم ليسوا متأهلين ولا رجعوا لهم) انظر سؤال وجواب (5/7267)
القول الثاني : ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ: أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ كُلَّهَا حَرَامٌ ثانظر مجموع الفتاوى (11/ 576) وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم وابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله وغيرهم  وهو الراجح
والدليل :1- قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان:6] عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، " {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 6] فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ الْغِنَاءُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ "رواه الطبري في تفسيره (18/534) قال الألباني رحمه الله في تحريم آلات الطرب (143) قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وهو كما قالا وصححه ابن القيم اهـ وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] ، قَالَ: الْغِنَاءُ وَأَشْبَاهُهُ رواه البخاري في الأدب المفرد (786) وصححه الألباني 0
 قال القرطبي في تفسبره (14/51) وَ" لَهْوَ الْحَدِيثِ": الْغِنَاءُ، فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا: وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، 00 قُلْتُ: هَذِهِ إِحْدَى الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْغِنَاءِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ. والآية الثانية قوله تعالى:" وَأَنْتُمْ سامِدُونَ" «3» [النجم: 61]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْغِنَاءُ بِالْحِمْيَرِيَّةِ، اسْمُدِي لَنَا، أَيْ غَنِّي لَنَا. وَالْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ" [الاسراء: 64] قَالَ مُجَاهِدٌ: الْغِنَاءُ وَالْمَزَامِيرُ.00وَقَالَ الْحَسَنُ: لَهْوُ الْحَدِيثِ الْمَعَازِفُ وَالْغِنَاءُ اهـ وأجاب عن ذلك ابن حزم فقال في المحلى (7/567) لَا حُجَّةَ فِي هَذَا كُلِّهِ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ نَصَّ الْآيَةِ يُبْطِلُ احْتِجَاجَهُمْ بِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] وَهَذِهِ صِفَةٌ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ كَافِرًا، بِلَا خِلَافٍ، إذَا اتَّخَذَ سَبِيلَ اللَّهِ - تَعَالَى - هُزُوًا.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اشْتَرَى مُصْحَفًا لِيُضِلَّ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَتَّخِذُهَا هُزُوًا لَكَانَ كَافِرًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَمَا ذَمَّ قَطُّ - عَزَّ وَجَلَّ - مَنْ اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيَلْتَهِيَ بِهِ وَيُرَوِّحَ نَفْسَهُ، لَا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا.
وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَغَلَ عَامِدًا عَنْ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِقِرَاءَةِ السُّنَنِ، أَوْ بِحَدِيثٍ يَتَحَدَّثُ بِهِ، أَوْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، أَوْ بِغِنَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ فَاسِقٌ، عَاصٍ لِلَّهِ - تَعَالَى -، وَمَنْ لَمْ يُضَيِّعْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ اشْتِغَالًا بِمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُحْسِنٌ اهـ وأجيب : قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر هذا التفسير: (قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب المستدرك: ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند) وقال في موضع آخر من كتابه: (هو عندنا كحكم المرفوع) ، وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد الله عز وجل في كتابه، فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا التفسير من الرسول صلى الله عليه وسلم علما وعملا، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة، فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيلا) ولا تعارض بين تفسير "لهو الحديث" بالغناء، وتفسيره: بأخبار الأعاجم وملوكها، وملوك الروم، ونحو ذلك مما كان النضر بن الحارث يحدث به أهل مكة، يشغلهم به عن القرآن، فكلاهما لهو الحديث، ولهذا قال ابن عباس: "لهو الحديث: الباطل والغناء".
فمن الصحابة من ذكر هذا، ومنهم من ذكر الآخر، ومنهم من جمعهما.
والغناء أشد لهواً، وأعظم ضرراً من أحاديث الملوك وأخبارهم، فإنه رقية الزنا، ومنبت النفاق، وشرك الشيطان، وخمرة العقل، وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل، لشدة ميل النفوس إليه، ورغبتها فيه.انظر إغاثة اللهفان(1/240)
2 – قال البخاري : وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، رواه البخاري (5590) معلقا وقد وصله الطبراني (1 / 167 / 1) والبيهقي (10 / 221) وصحح هذا الحديث 1 - البخاري 2 - ابن حبان 3 – الإسماعيلي 4 - ابن الصلاح 5 - النووي 6 - ابن تيمية
7 - ابن القيم 8 - ابن كثير 9 - العسقلاني 10 - ابن الوزير الصنعاني 11 - السخاوي 12 - الأمير الصنعاني
انظر تحريم الآت الطرب (89)
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (11/535) فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَعَازِفِ. وَالْمَعَازِفُ هِيَ آلَاتُ اللَّهْوِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهَذَا اسْمٌ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْآلَاتِ كُلَّهَا اهـ
قال الألباني في الصحيحة (1/191) تحريم آلات العزف والطرب، ودلالة الحديث على ذلك من وجوه: أ - قوله: " يستحلون " فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع
محرمة، فيستحلها أولئك القوم.
ب - قرن (المعازف) مع المقطوع حرمته: الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة ما قرنها معها اهـ وقد أعله ابن حزم بأنه منقطع بين البخاري رحمه الله وبين شيخه هشام بن عمار، لكونه لم يصرح بسماعه منه، وإنما علقه عنه تعليقا،وأجيب ::
1- أن البخاريَّ قد لَقِي هشامَ بن عمَّار، وسمع منه، فإذا قال: "وقال هشام"، فهو بِمَثابة قوله: "عن هشام".
2 - أنَّ كلام ابن حزم يُقبَل إذا كان البخاريُّ مُدلِّسًا، ولَمْ يَصِفِ أحدا الْبُخَارِيَّ بِالتَّدْلِيسِ ، فبطلَ بذلك كلامُ ابن حزم.
3 - أنَّ البخاري أدخلَ الحديث في كتابه المُسمَّى بالصَّحيح، فلولا صحَّتُه ما فعل ذلك.
4 - لو سلَّمْنا بصحَّة كلام ابن حزم، فقد رَوى الحديثَ نفسَه أبو داود متَّصِلَ الإسناد؛ ففي كلِّ الحالات الحديث ثابتٌ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال ابن باز : وقد أخطأ ابن حزم في ذلك، وأنكر عليه أهل العلم هذا القول، وخطؤه فيه؛ لأن هشاما من شيوخ البخاري، وقد علقه عنه جازما به، وما كان كذلك فهو صحيح عنده، وقد قبل منه أهل العلم ذلك وصححوا ما علقه جازما به إلى من علقه عنه وهذا الحديث من جملة الأحاديث المعلقة الصحيحة، ولعل البخاري لم يصرح بسماعه منه، لكونه رواه عنه بالإجازة، أو في معرض المذاكرة أو لكونه رواه عنه بواسطة بعض شيوخه الثقات، فحذفه اختصارا أو لغير ذلك من الأسباب المقتضية للحذف، وعلى فرض انقطاعه بين البخاري وهشام، فقد رواه عنه غيره متصلا، عن هشام بن عمار.. إلخ.. بأسانيد صحيحة، وبذلك بطلت شبهة ابن حزم ، واتضح الحق لطالب الحق، والله المستعان قال ابن حجر : وَأَمَّا دَعْوَى بن حَزْمٍ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا فَقَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهَا بن الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فَقَالَ التَّعْلِيقُ فِي أَحَادِيثَ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قُطِعَ إِسْنَادُهَا وَصُورَتُهُ صُورَةُ الِانْقِطَاعِ وَلَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ وَلَا خَارِجًا مَا وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الصَّحِيحِ إِلَى قَبِيلِ الضَّعِيفِ وَلَا الْتِفَاتٌ إِلَى أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ الْحَافِظِ فِي رَدِّ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ وَأَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَهُ قَائِلًا قَالَ هِشَامُ بْنُ عمار وَسَاقه بِإِسْنَادِهِ فَزعم بن حَزْمٍ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ فِيمَا بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَهِشَامٍ وَجَعَلَهُ جَوَابًا عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَعَازِفِ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَعْرُوفُ الِاتِّصَالِ بِشَرْطِ الصَّحِيحِ وَالْبُخَارِيُّ قَدْ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا وَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يَصْحَبُهَا خَلَلُ الِانْقِطَاعِ اه ثم قال الحافظ بعدما نقل كلام ابن الصلاح المذكور بأسطر ما نصه: وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ الْحُفَّاظِ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنَ التَّعَالِيقِ كُلِّهَا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ يَكُونُ صَحِيحًا إِلَى مَنْ عَلَّقَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شُيُوخِهِ لَكِنِ إِذَا وُجِدَ الْحَدِيثُ الْمُعَلَّقُ مِنْ رِوَايَةِ بَعْضِ الْحُفَّاظِ مَوْصُولًا إِلَى مَنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ أَزَالَ الْإِشْكَالَ وَلِهَذَا عَنَيْتُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ بِهَذَا النَّوْعِ وَصَنَّفَتْ كِتَابَ تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي كَلَامِهِ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ جَاءَ عَنْهُ مَوْصُولًا فِي مُسْتَخْرَجِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِسَنَدِهِ انْتَهَى انظر فتح الباري (10/52) ومجموع فتاوى لابن باز (3/410)  
3- عن أَنَس بْن مَالِكٍ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ رواه البزار كما في كشف الأستار (795) حديث صحيح لغيره وحسنه المقدسي في المختارة (6/188) وصححه الألباني في تحريم آلات الطرب (52)  وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 13) تبعا للمنذري في " الترغيب "(4 / 177) : " رواه البزار ورجاله ثقات اهـ قال الألباني رحمه الله في الصحيحة (1/ 791)
وفي الحديث تحريم آلات الطرب لأن المزمار هو الآلة التي يزمر بها. وهو من الأحاديث الكثيرة التي ترد على ابن حزم إباحته لآلات الطرب اهـ
4- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: «إِذَا ظَهَرَتِ القَيْنَاتُ وَالمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الخُمُورُ» رواه الترمذي (2212)  وصححه الألباني
5- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: «لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَلَا تِجَارَةٌ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ» وَقَالَ: «إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ» {وَمَنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ  رواه الترمذي (1282) والطبراني في الكبير (7749) واللفظ له قلت : حديث حسن بشواهده وحسنه الألباني
وفي سؤال وجواب (5/7267) قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/568) في بيان حال من اعتاد سمعه الغناء:- وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ اعْتَادَهُ وَاغْتَذَى بِهِ لَا يَحِنُّ إلَى الْقُرْآنِ وَلَا يَفْرَحُ بِهِ وَلَا يَجِدُ فِي سَمَاعِ الْآيَاتِ كَمَا يَجِدُ فِي سَمَاعِ الْأَبْيَاتِ؛ بَلْ إذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ سَمِعُوهُ بِقُلُوبٍ لَاهِيَةٍ وَأَلْسُنٍ لَاغِيَةٍ وَإِذَا سَمِعُوا سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ خَشَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَسَكَنَتْ الْحَرَكَاتُ وَأَصْغَتْ الْقُلُوبُ اهـ ويروج بعضهم للموسيقى والمعازف بأنها ترقق القلوب والشعور، وتنمي العاطفة، وهذا ليس صحيحا، فهي مثيرات للشهوات والأهواء، ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم.اهـ
وقد تجرأ البعض بنسبة سماع الغناء إلى الصحابة والتابعين، وأنهم لم يروا به بأسا!!
قال الفوزان حفظه الله: (نحن نطالبه بإبراز الأسانيد الصحيحة إلى هؤلاء الصحابة والتابعين بإثبات ما نسبه إليهم) ، ثم قال: (ذكر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن المبارك أنه قال: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء) انظر سؤال وجواب (5/7267)
فائدة : ومن جملة هذه المعازف المحرمة الطبل عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيَّ، أَوْ حُرِّمَ الْخَمْرُ، وَالْمَيْسِرُ، وَالْكُوبَةُ» قَالَ: «وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» قَالَ سُفْيَانُ: فَسَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ بَذِيمَةَ عَنِ الكُوبَةِ، قَالَ: «الطَّبْلُ» رواه أبو داود (3696) وصححه الألباني والأرنؤوط  الْكُوبَةُ طَبْلٌ طَوِيلٌ ضَيِّقُ الْوَسَطِ وَاسِعُ الطَّرَفَيْنِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ طَرَفَاهَا مَسْدُودَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَلاَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اتِّسَاعُهُمَا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَوْسَعَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حُكْمِهَا.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ إِِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ ضَرْبُ الْكُوبَةِ وَالاِسْتِمَاعُ إِِلَيْهَا لِقَوْل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ ، وَلأَِنَّ فِي ضَرْبِهَا تَشَبُّهًا بِالْمُخَنَّثِينَ إِِذْ لاَ يَعْتَادُهَا غَيْرُهُمْ، وَنَقَل أَبُو الْفَتْحِ الرَّازِيُّ - كَمَا حَكَى الْهَيْتَمِيُّ - الإِِِْجْمَاعَ عَلَى حُرْمَتِهَا.
وَقَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كُرِهَ الطَّبْل وَهُوَ الْمُنْكَرُ وَهُوَ الْكُوبَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.انظر الموسوعة الفقهية (38/173)"الكوبة هي الطبل كما جاء مفسرا في حديث ابن عباس وابن عمر وجزم به الإمام أحمد واعتمده ابن القيم في الإغاثة قال: وقيل: البربط.
وقال الخطابي في المعالم 5 / 268:
الْكُوبَةُ تُفَسَّرُ بِالطَّبْلِ وَيُقَالُ بَلْ هُوَ النَّرْدُ وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ كُلُّ وَتَرٍ وَمِزْهَرٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَلَاهِي اهـ
وفيها أقوال أخرى نقلها الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في التعليق على المسند 10 / 76 ثم قال: وأجود من كل هذا وأحسن شمولا قول أحمد في كتاب الأشربة [84] 214] : يعني ب الكوبة كل شيء يكب عليه انظر تحريم آلات الطرب (78) قال الألباني في الصحيحة (4/423) والراجح: أنه الطبل لجزم علي بن بذيمة به كما تقدم وهو أحد رواته والراوي أدرى بمرويه من غيره. والله أعلم اهـ
 ( ما حكم الغناء بدون آلة )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول مكروه ودليلهم : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا الشَّيْطَانَ، أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا رواه البخاري (6155) ومسلم (2259)
القول الثاني : قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً هُوَ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُحْشٌ وَنَحْوُهُ وهو الراجح والدليل : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشِّعْرُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ، حَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ، وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِ الْكَلَامِ» رواه البخاري في الأدب المفرد (865) وصححه الألباني
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (15/14) : - قال عن حديث القول الأول - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِهَذَا الشِّعْرِ شِعْرٌ هُجِيَ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً هَذَا تَفْسِيرٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْمُومَ مِنَ الْهِجَاءِ أَنْ يَمْتَلِئَ مِنْهُ دُونَ قَلِيلِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْكَلِمَةَ الواحدة من هجاء النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبَةٌ لِلْكُفْرِ قَالُوا بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الشِّعْرُ غَالِبًا عَلَيْهِ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَذْمُومٌ مِنْ أَيِّ شِعْرٍ كَانَ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ هُوَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ حِفْظُ الْيَسِيرِ مِنَ الشِّعْرِ مَعَ هَذَا لِأَنَّ جَوْفَهُ لَيْسَ مُمْتَلِئًا شِعْرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ الشِّعْرِ مُطْلَقًا قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا فُحْشَ فِيهِ وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا الشَّيْطَانَ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً هُوَ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُحْشٌ وَنَحْوُهُ قَالُوا وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّعْرَ وَاسْتَنْشَدَهُ وَأَمَرَ بِهِ حَسَّانَ فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْشَدَهُ أَصْحَابُهُ بِحَضْرَتِهِ فِي الْأَسْفَارِ وَغَيْرِهَا وَأَنْشَدَهُ الْخُلَفَاءُ وَأَئِمَّةُ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَاءُ السَّلَفِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا الْمَذْمُومَ مِنْهُ وَهُوَ الْفُحْشُ وَنَحْوُهُ وَأَمَّا تَسْمِيَةُ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي سَمِعَهُ يَنْشُدُ شَيْطَانًا فَلَعَلَّهُ كَانَ كَافِرًا أَوْ كَانَ الشِّعْرُ هُوَ الْغَالِبُ عليه أَوْ كَانَ شِعْرُهُ هَذَا مِنَ الْمَذْمُومِ وَبِالْجُمْلَةِ فَتَسْمِيَتُهُ شَيْطَانًا إِنَّمَا هُوَ فِي قَضِيَّةِ عَيْنٍ تَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالَاتُ الْمَذْكُورَةُ وَغَيْرُهَا وَلَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
\" الأناشيد الإسلامية تختلف، فإذا كانت سليمة ليس فيها إلا الدعوة إلى الخير، والتذكير بالخير، وطاعة الله ورسوله، والدعوة إلى حماية الأوطان من كيد الأعداء، والاستعداد للأعداء ونحو ذلك: فليس فيها شيء، أما إذا كانت فيها غير ذلك من دعوة إلى المعاصي، واختلاط النساء بالرجال، أو تكشف عندهم، أو أي فساد: فلا يجوز استماعها انظر" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز \" (3 / 437) .
 (حكم ضرب الدف للرجال )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : ذهب الحنفية إلى كراهته في حق الرجال كراهة تحريمية انظر فتاوى الشبكة الإسلامية (6/863) قال بتخصيص ذلك بالنساء  ودليله : عن الرُّبَيِّع بِنْت مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاء، جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا، يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: «دَعِي هَذِهِ، وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ رواه البخاري (5147)
 قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/565) وَلَمَّا كَانَ الْغِنَاءُ وَالضَّرْبُ بِالدُّفِّ وَالْكَفِّ مِنْ عَمَلِ النِّسَاءِ كَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ مُخَنَّثًا وَيُسَمُّونَ الرِّجَالَ لْمُغَنِّينَ مَخَانِيث اهـ قال ابن حجر في فتح الباري (9/226) وَالْأَحَادِيثُ الْقَوِيَّةُ فِيهَا الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِنَّ الرِّجَالُ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّه بِهن اهـ
القول الثاني : يباح ضرب الرجال بالدف في الأعراس ونحوها الْجُمْهُور لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ وَالأَْصْل اشْتِرَاكُ الذُّكُورِ وَالإِِِْنَاثِ فِي الأَْحْكَامِ إِِلاَّ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالْفُرْقَةِ وَلَمْ يَرِدْ هُنَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ حَتَّى يُقَال يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَال التَّشَبُّهُ بِهِنَّ فِيهِ انظر الموسوعة الفقهية (38/171) وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة انظر فتاوى الشبكة الإسلامية (6/863) والدليل : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، الصَّوْتُ وَضَرْبُ الدُّفّ رواه أحمد (18279) صححه الحاكم والذهبي وحسنه الترمذي والألباني انظر إرواء الغليل (1994) وحسنه الأرنؤوط ظاهرُ قولِه: وَضَرْبُ الدُّفّ. أنَّه سواءٌ كان الضارِبُ رجُلًا،أو امْراة.فالحديث على عمومه ولم يخصص النساء فدل على إنه يجوز الدف للرجال والنساء لعموم هذا الحديث
سئل  الشنقيطي رحمه الله كما في شرح زاد المستقنع (233/13)
حكم سماع الدف وضربه للرجال
السؤال هل ضرب الدف مقيدٌ بالأعراس فقط أم يتعدى إلى الأعياد والمناسبات؟ الجواب
  باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد: فمن حيث الأصل الشرعي في قوله عليه الصلاة والسلام: (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف)، يدل على أن ضرب الدف مباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحلّه وأذن به، وصحيح أنه أذن به بالنكاح لكن يقال: إنه من باب الإعلان، وإنما يستقيم تخصيصه بالنكاح إذا كان الأصل تحريم الدف، فجاء استثناء النكاح، وهذا معروف في الأصول عند العلماء رحمهم الله، أنه لا يقال: إن الشيء حرام ولا يجوز إلا في حالة كذا، إلا بدليلين؛ الدليل الأول يقتضي أن الأصل تحريمه، والدليل الثاني يستثني، فتقول: الأصل حرمته إلا ما دلّ الدليل على إذنه وحله وهي حالة الضرورة أو حالة الجواز فيتقيد بها، فيرد السؤال: هل الأصل حل الدف أو تحريمه؟ فلما كان الدف يختلف عن آلات الزمر والغناء، يختلف من جهة طبعه ويختلف من جهة تأثيره، وقد بينا هذا وأشرنا إليه، ومن هنا قال طائفة من أهل العلم رحمةُ الله عليهم واختاره بعض مشائخنا رحمهم الله أن الأصل جوازه حتى يدل الدليل على تحريمه وأنه باق على البراءة الأصلية، خاصةً وأن النبي صلى الله عليه وسلم اختاره للنكاح فقال: (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف)، فاختار له المباح وترك المحرم على الأصل، فدل على أنه مباحٌ وجائزٌ من هذا الوجه.
وقال بعض أهل العلم: أن الدُّف الأصل تحريمه، قالوا: لأنه من آلات الغناء، وآلات الغناء والمجون تثير الفاحشة وتدعو إليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل لهوٍ باطل)، فنقول: إن الأصل تحريمه حتى يدل الدليل على جوازه، فجاء الدليل من النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف)، فنخصه بالنكاح، وهذا مُشكل؛ لأنه لو كان الأصل تحريمه لما أحله في نذر المرأة، فالمرأة نذرت أن تضرب على رأسه بالدف، فلو كان الأصل تحريمه لكان عليه الصلاة والسلام -وهو الذي لا يأذن بالحرام على رأسه- قال لها: يا أمةَ الله! غني ولا تضربي بالدف، فبالإجماع لكن كونه يأذن به في النذر، فبالإجماع أن النذر لا يجب الوفاء به إذا كان بمحرم، والشريعة لا تتناقض، ولا يمكن أن يأتي ويقول لها: أوفي بنذرك؛ لأن الوفاء بالنذر واجب؛ لأنه إذا كان محرماً فلا يجب الوفاء بمحرم.
فدل على جواز الضرب به إذ لا يمكن أن يحل الله عز وجل لعباده شيئاً محرماً.
فهذه مسألة خلافية، فلو قال شخص بتحليله وضرب به تأويلاً للسنة فلا ينكر عليه ولا يثرب عليه؛ لأن له وجهاً من السنة وله سلف يقولون بقوله، وإذا قال بالتحريم فلا ينكر عليه ولا يثرب عليه، بل يفعل ما يعتقده.
وانظر إلى رسول الأمة صلى الله عليه وسلم، لو كان الدف الأصل تحريمه وجاءت المرأة تضرب على رأسه، فهل يترك أذنيه تسمع الدف وهو أورع الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وهو أتقى الناس لله عز وجل؟ ثم أمر بالوفاء بالنذر، فهل يسكت عليه الصلاة والسلام ويتركها؟ وما أبيح للضرورة يقدّر بقدرها، فلو كان الأصل حرمة سماعه وحرمة ضربه لما أذن به عليه الصلاة والسلام وهو أتقى الخلق لله؛ ولذلك لا ينبغي أن تفخم هذه المسألة أكثر مما تستحق بأن يشنع على من يحرم أو يشنع على من يحل، فمن سمعه يتأول الحل فلا شيء عليه، ومن تركه يتقي الله عز وجل ويطلب الأورع لدينه فلا شيء عليه، لكن ننبه على مسألة: وهي أنه حتى ولو قلنا بحله فكون الإنسان يسمع الدف قائماً قاعداً ويجعل الدف دائماً عنده ويجعله سلوته لا شك أن هذا يؤثر على نفس الإنسان، فالضحك والمزح مباح، ولكن الإنسان إذا أكثر من سقطت مروءته ومات قلبه واستخف أمره نسأل الله السلامة والعافية، فحل الدف لا يقتضي من الإنسان أن يتوسع فيه أو أن نطبع الأشرطة ونعتني بالأشرطة التي فيها الدف ونتوسع في ذلك ونشغل الأخيار والصالحين بها! لا.
بل ينبغي علينا أن نسمو إلى الأكمل وإلى الأفضل -حتى على القول بحله- وأن نشغل الناس بما ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وعلى هذا لا تفريط، فلو أنشدت الأناشيد الحماس التي تدعو إلى الجهاد في سبيل الله وتذكر بالسلف الصالح وأمجاد الأمة فهذا شيء ليس فيه من معارضة، وهو متفق مع الأصول الشرعية ويحدث في النفس محبة للخير ولبذل النفس في سبيل الله عز وجل، فكل هذا مندرجٌ تحت أصول شرعية تقره ولا تنكره، وتثبته ولا ترفضه.
وعلى هذا: فإن الذي يظهر -والعلم عند الله- أنه يبقى على الأصل، لكن لا يتوسع في هذا الأمر كما سبق وأن بينا ونبهنا عليه، والله تعالى أعلم اهـ