الأربعاء، 31 مايو 2017

باب الزكاة عمرو العدوي الجزء الثالث



( الذين تجب عليهم النفقة من قبل المزكي )
1- الأب وإن علا والابن وإن نزل :
قال ابن قدامة في المغني (8/211) الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] . أَوْجَبَ أَجْرَ رَضَاعِ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] . وَمِنْ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا. وَمِنْ السُّنَّةِ «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ، فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا، وَلَا مَالَ، وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ نَفَقَةَ أَوْلَادِهِ الْأَطْفَالِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ.
وَلِأَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ بَعْضُهُ، وَهُوَ بَعْضُ وَالِدِهِ، فَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ كَذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِ وَأَصْلِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْأُمَّ تَجِبُ نَفَقَتُهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهَا، وَلَا لَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَصَبَةً لِوَلَدِهَا. وَلَنَا، قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] . «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ سَأَلَهُ: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ أُمَّك، ثُمَّ أُمَّك، ثُمَّ أُمَّك، ثُمَّ أَبَاك، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ، فَأَشْبَهَتْ الْأَبَ، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً تُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ، وَوُجُوبَ الْعِتْقِ، فَأَشْبَهْت الْأَبَ. فَإِنْ أَعْسَرَ الْأَبُ، وَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْأُمِّ، وَلَمْ تَرْجِعْ بِهَا عَلَيْهِ إنْ أَيْسَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ بِالْقَرَابَةِ، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، كَالْأَبِ.
وقال ابن قدامة (8/212)
 فَصْلٌ: وَيَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا، وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجِبْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَلَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ بِأَبٍ حَقِيقِيٍّ. وَلَنَا، قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ اسْمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] . فَيَدْخُلُ فِيهِمْ وَلَدُ الْبَنِينَ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ. وَقَالَ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] . وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً تُوجِبُ الْعِتْقَ وَرَدَّ الشَّهَادَةَ، فَأَشْبَهَ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ الْقَرِيبَيْنِ اهـ
( هل يجوز دفع الزكاة للأب وإن علا والابن وإن نزل )
قال في المغني (2/482) (وَلَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ لِلْوَالِدَيْنِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَلَا لِلْوَلَدِ، وَإِنْ سَفَلَ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْوَالِدَيْنِ، فِي الْحَالِ الَّتِي يُجْبَرُ الدَّافِعُ إلَيْهِمْ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّ دَفْعَ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ تُغْنِيهِمْ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَتُسْقِطُهَا عَنْهُ، وَيَعُودُ نَفْعُهَا إلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ تَجُزْ، كَمَا لَوْ قَضَى بِهَا دَيْنَهُ، وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ " لِلْوَالِدَيْنِ " يَعْنِي الْأَبَ وَالْأُمَّ.
وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ عَلَوْا " يَعْنِي آبَاءَهُمَا وَأُمَّهَاتِهِمَا، وَإِنْ ارْتَفَعَتْ دَرَجَتُهُمْ مِنْ الدَّافِعِ، كَأَبَوَيْ الْأَبِ، وَأَبَوَيْ الْأُمِّ، وَأَبَوَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهُمْ، مَنْ يَرِثُ مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يَرِثُ. وَقَوْلُهُ: " وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ " يَعْنِي وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُ مِنْ أَوْلَادِهِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، الْوَارِثِ وَغَيْرِ الْوَارِثِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: لَا يُعْطِي الْوَالِدَيْنِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَا الْوَلَدَ وَلَا وَلَدَ الْوَلَدِ، وَلَا الْجَدَّ وَلَا الْجَدَّةَ وَلَا وَلَدَ الْبِنْتِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» - رواه البخاري (2704) - يَعْنِي الْحَسَنَ، فَجَعَلَهُ ابْنَهُ وَلِأَنَّهُ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ، فَأَشْبَهَ الْوَارِثَ، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً جُزْئِيَّةً وَبَعْضِيَّةً، بِخِلَافِ غَيْرِهَا اهـ
فائدة : 1- عن مَعْن بْن يَزِيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَيَّ، فَأَنْكَحَنِي وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي المَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ» رواه البخاري (1422)
قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/325) وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إلَى كُلِّ أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا حُجَّةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنٌ كَانَ مُسْتَقِلًّا لَا يَلْزَمُ أَبَاهُ نَفَقَتُهُ، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لَا صَدَقَةُ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فِي الْوَلَدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ اهـ
2- سئل ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: هل تعطى الأم من الرضاعة والأخت من الرضاعة من الزكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: نعم تعطى الأم من الرضاعة من الزكاة، والأخت من الرضاعة إذا كن مستحقات للزكاة، وذلك لأن الأم من الرضاعة والأخت من الرضاعة لا يجب النفقة عليهن، فهن يعطين من الزكاة بشرط أن تثبت فيهما صفة الاستحقاق انظر مجموع فتاوى (18/417)
 ( هل يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين إذا كانوا غارمين أو أبناء سبيل أو كان الولد عاجزا عن نفقتهم )
قال في روضة الطالبين (2/310)
أَمَّا الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، لِغِنَاهُ بِنَفَقَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ النَّفَقَةَ، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ، وَالْغَارِمِ، وَالْغَازِي، وَالْمُكَاتَبِ، إِذَا كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَكَذَا مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا، فَلَا يُعْطِيهِ، لِأَنَّهُ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ مُؤْنَةَ السَّفَرِ دُونَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَفَرًا وَحَضَرًا، فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ اهـ
وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/260)
مثال آخر: لو كان غنياً ينفق على أبيه، وأبوه مستغن، إما بنفسه، أو بإنفاق ولده، لكن عليه دين يستطيع الولد أن يؤدي الدين عنه، لكن يقول: أنا أؤدي الدين من زكاتي.
فيجوز؛ لأنه لا يجب على الابن وفاء دين أبيه، اللهم إلا إذا كان هذا الدين بسبب النفقة، أي: أن الأب يحتاج، ويشتري في ذمته فلحقه الدين لشراء مؤونته، ففي هذه الحال نقول: لا تقض دين أبيك من زكاتك؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يضيق الإنسان على أبيه، حتى يستدين للنفقة، ثم يقول: أبي عليه دين فأقضي دينه من زكاتي، فيجوز أن يقضي الدين عن أبيه، أو أمه، أو ابنه وابنته، بشرط ألا يكون هذا الدين استدانة لنفقة واجبة على الابن، فإن كان لنفقة واجبة فلا يجوز.
(دفع الزكاة من قبل المزكي لأقاربه الفقراء الذين لا تلزمه نفقتهم)
عن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ رواه الترمذي (658) وصححه الألباني ويشهد له حديث زينب الثففية امرأة عبد الله بن مسعود ضمن حديث مطول رواه البخاري (1466) ومسلم (1000) سيأتي
قال ابن باز رحمه الله : يجوز دفع الزكاة للفقراء من الأقارب صدقة وصلة؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما سئل، قال: (الصدقة على الفقير صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة)، فلا بأس أن يعطي أخاه, و عمه, و خاله إذا كان فقير من زكاته أو صدقة تطوع صدقة وصلة، لكن إذا كان الفقير من آبائه, أو أجداده, أو أمهاته لا؛ لأن عليه ينفق عليهم، أو كان من ذريته لا يعطيهم من الزكاة ينفق عليهم؛ لأن الولد حق على أبيه أن ينفق عليه، والأم كذلك، إذا كان عاجز وهي غير قادرة المقصود الأولاد الذرية لا يعطوا من الزكاة، بل ينفق عليهم أبوهم وأمهم من ماله إذا كانوا فقراء، وهكذا الآباء, والأمهات, والأجداد, والجدات لا يعطوا من الزكاة يعطوا من غير الزكاة.اهـ
( هل تدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها الفقير )
تنازع العلماء في ذلك على قولين 0
القول الأول : لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِ.
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ كَالْآخَرِ، وَلِأَنَّهَا تَنْتَفِعُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، تَمَكَّنَ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الْإِنْفَاقِ، فَيَلْزَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا، وَلَكِنَّهُ أَيْسَرِ بِهَا، لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ، فَتَنْتَفِعُ بِهَا فِي الْحَالَيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ، كَمَا لَوْ دَفَعَتْهَا فِي أُجْرَةِ دَارٍ، أَوْ نَفَقَةِ رَقِيقِهَا أَوْ بَهَائِمِهَا انظر المغني (2/484)
القول الثاني : يَجُوزُ لَهَا دَفْعُ زَكَاتِهَا إلَى زَوْجِهَا وهذا مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد وابن المنذر انظر المغني (2/484) وابن حزم وهو الراجح والدليل : عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: كُنْتُ فِي المَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا، قَالَ: فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حَجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى البَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلاَلٌ، فَقُلْنَا: سَلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي، وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي؟ وَقُلْنَا: لاَ تُخْبِرْ بِنَا، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «مَنْ هُمَا؟» قَالَ: زَيْنَبُ، قَالَ: «أَيُّ الزَّيَانِبِ؟» قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «نَعَمْ، لَهَا أَجْرَانِ، أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ رواه البخاري (1466) ومسلم (1000) قال الصنعاني في سبل السلام (1/546)
وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي صَدَقَةِ الْوَاجِبِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّطَوُّعُ وَالْأَوَّلُ أَوْضَحُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ «عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُجْزِي عَنَّا أَنْ نَجْعَلَ الصَّدَقَةَ فِي زَوْجٍ فَقِيرٍ وَأَبْنَاءِ أَخٍ أَيْتَامٍ فِي حُجُورِنَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَك أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَهُوَ أَوْضَحُ فِي صَدَقَةِ الْوَاجِبِ لِقَوْلِهَا: " أَيُجْزِي " وَلِقَوْلِهِ: " صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ " إذْ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَتَبَادَرُ فِي الْوَاجِبَةِ وَبِهَذَا جَزَمَ الْمَازِنِيُّ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَرْفِ زَكَاةِ الْمَرْأَةِ فِي زَوْجِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَا دَلِيلَ لَهُ يُقَاوِمُ النَّصَّ الْمَذْكُورَ.
وَمَنْ اسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّهَا تَعُودُ إلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ فَكَأَنَّهَا مَا خَرَّجَتْ عَنْهَا فَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَنْعُ صَرْفِهَا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فِي زَوْجِهَا مَعَ أَنَّهَا يَجُوزُ صَرْفُهَا فِيهِ اتِّفَاقًا اهـ
قال ابن حزم في المحلى (4/ 276)
وَتُعْطِي الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ زَكَاتِهَا؛ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ، صَحَّ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَفْتَى زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ إذْ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ فَسَأَلَتْهُ: أَيَسَعُهَا أَنْ تَضَعَ صَدَقَتَهَا فِي زَوْجِهَا، وَفِي بَنِي أَخٍ لَهَا يَتَامَى؟ فَأَخْبَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ لَهَا أَجْرَيْنِ: أَجْرَ الصَّدَقَةِ وَأَجْرَ الْقَرَابَةِ» اهـ
( لا تجوز الزكاة على الزوجة )
قال ابن قدامة في المغني (2/484)
أَمَّا الزَّوْجَةُ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا إجْمَاعًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ مِنْ الزَّكَاةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، فَتَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهَا، كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا اهـ
( الذين تحرم عليهم الزكاة )
1- الكفار :
قال ابن قدامة في المغني (2/487)
لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ لَا تُعْطَى لِكَافِرٍ وَلَا لِمَمْلُوكٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُعْطَى مِنْ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ شَيْئًا.
«وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذٍ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . فَخَصَّهُمْ بِصَرْفِهَا إلَى فُقَرَائِهِمْ، كَمَا خَصَّهُمْ بِوُجُوبِهَا عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ اهـ
وإذا كان الكافر من المؤلفة قلوبهم جاز إعطاؤه من الزكاة .
قال ابن قدامة في المغني (2/488)
وَلَا يُعْطَى الْكَافِرُ مِنْ الزَّكَاةِ، إلَّا لِكَوْنِهِ مُؤَلَّفًا اهـ
سئل ابن باز رحمه الله في مجموع فتاوى (14/317) :
أيصح إعطاء الزكاة لذمي؟ ج: الزكاة على قول الجمهور لا تعطى لذمي ولا غيره من الكفرة، وهو الصواب، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة معلومة؛ لأن الزكاة مواساة من المسلمين لفقرائهم، ورعاية لسد حاجتهم، فيجب أن توزع بين فقرائهم، وغيرهم من بقية الأصناف الثمانية، إلا أن يكون الكافر من المؤلفة قلوبهم، وهم الرؤساء المطاعون في عشائرهم، فيعطى ترغيبا له في الإسلام أو لكف شره عن المسلمين، كما يعطى المؤلف أيضا لتقوية إيمانه إذا كان مسلما، أو لإسلام نظيره، أو لغير ذلك من الأسباب التي نص عليها العلماء.
والأصل في ذلك قوله عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} سورة التوبة الآية 60
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل لما بعثه لليمن: «ادعهم إلى أن يشهدوا ألا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم  » الحديث متفق عليه اهـ
( هل يجوز أن يعطى الكافر من صدقة التطوع )
تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : ذهب قوم إلى عدم جواز إعطاء صدقة التطوع للكافر واستدلوا بحديث معاذ المتقدم اعتبارا بالزكاة وهذا ما ذهب إليه الشافعي ومالك وبعض الحنفية وغيرهم انظر الفقه الميسر (2/398)
القول الثاني : يجوز إعطاء غير المسلمين من الصدقات النافلة غير المفروضة وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة ، واشترط أبو حنيفة ألا يكون غير المسلم عدوا محاربا للمسلمين ، لأن الصرف إليه حينئذ يقع إعانة له على قتال أهل الإسلام ، وهذا لا يجوز انظر الفقه الميسر (2/399)وهو الراجح والدليل : 1-عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ رواه البخاري (2620) ومسلم  (1003)
2- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَصَدَّقُوا إِلَّا عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272] إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} [البقرة: 272] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ» رواه ابن أبي شيبة في " المصنف "(3 / 177) حسن بشواهده وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة للألباني (2766) قال البيهقي في سننه الكبرى (4/321) بَابُ صَدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَى الْمُشْرِكِ، وَعَلَى مَنْ لَا يُحْمَدُ فِعْلُهُ قال الألباني في الصحيحة (6/630) هذا في صدقة النافلة، وأما الفريضة فلا تجوز لغير المسلم لحديث معاذ المعروف: " تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ". متفق عليه، وهو مخرج في المصدر السابق برقم (1412) ، وبأوسع منه في " إرواء الغليل " (782) .
قال ابن عثيمين في نور على الدرب (10/2)
الصدقة على غير المسلم جائزة وفيها أجر إذا كان محتاجاً لها لكن لا تحل له الصدقة الواجبة أي الزكاة إلا أن يكون من المؤلفة قلوبهم ويشترط في الصدقة عليه ألا يكون ممن يقاتل المسلمين فإن كان ممن يقاتل المسلمين ويخرجهم من ديارهم فإنه لا يتصدق عليه لأن الصدقة عليه تستلزم إعانته على المسلمين يقول الله تعالى (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)  اهـ
قال ابن باز رحمه الله الصدقة على غير المسلمين جائزة إذا كانوا ليس حرباً لنا، إذا كان الكفار ليسوا حربا ًلنا، في حال أمان وهدنة ومعاهدة ونحو ذلك فلا بأس لقول الله عز وجل:لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) سورة الممتحنة. ولأنه ثبت في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنهما- أن أمها وردت عليها في وقت صلح الحديبية حين صالح النبي- صلى الله عليه وسلم-أهل مكة، وفدت عليها في المدينة تطلب الرفد منها فقالت أسماء: يا رسول الله هل أصلها؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(صلِيها)، فأمرها أن تصل أمها وهي كافرة. فالحاصل أن المسلم له أن يصل أقاربه من الكفار، وغير أقاربه من الكفار بالمال والإحسان إذا كانوا ليسوا حرباً لنا في حال الهدنة أما إذا كانوا حرباً لنا في حال الحرب، لا، لا يوصلون بشيء ولا يعانون بشيء ولا يجوز أن يعانوا بشيء بالكلية، لا قليل ولا كثير
2- ( بنو هاشم وبنو المطلب )
لحديث عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ، وفيه – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ،رواه مسلم (1072)
قال النووي في شرح مسلم (7/179)
(إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ بِسَبَبِ الْعَمَلِ أَوْ بِسَبَبِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَسْبَابِ الثَّمَانِيَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَجَوَّزَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ الْعَمَلَ عَلَيْهَا بِسَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ إِجَارَةٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي رَدِّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) تَنْبِيهٌ على العلة فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَأَنَّهَا لِكَرَامَتِهِمْ وَتَنْزِيهِهِمْ عَنِ الْأَوْسَاخِ وَمَعْنَى أَوْسَاخُ النَّاسِ أَنَّهَا تَطْهِيرٌ لِأَمْوَالِهِمْ وَنُفُوسِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها فَهِيَ كَغَسَّالَةِ الْأَوْسَاخِ قَوْلُهُ اهـ
وعن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَخَذَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِخْ كِخْ» لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» رواه البخاري (1491) ومسلم (1069)
 قال النووي في شرح مسلم (7/175) قال القاضي يقال كِخْ كِخْ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَتَسْكِينِ الْخَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا مَعَ التَّنْوِينِ وَهِيَ كَلِمَةٌ يُزْجَرُ بِهَا الصِّبْيَانُ عَنِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ فَيُقَالُ لَهُ كِخْ أَيِ اتْرُكْهُ وَارْمِ بِهِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ هِيَ عَجَمِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ بِمَعْنَى بِئْسَ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ فِي تَرْجَمَةِ بَابِ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الصِّبْيَانَ يُوَقَّوْنَ مَا يُوَقَّاهُ الْكِبَارُ وَتُمْنَعُ مِنْ تَعَاطِيهِ وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ تُقَالُ فِي الشَّيْءِ الْوَاضِحِ التحريم وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِهِ وَتَقْدِيرُهُ عَجَبٌ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْكَ هَذَا مَعَ ظُهُورِ تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ آلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ خَاصَّةً قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا وَقَالَ أُصْبَغُ الْمَالِكِيُّ هُمْ بَنُو قُصَيٍّ دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحِلُّ لِآلِهِ وَالثَّانِي تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَالثَّالِثُ تَحِلُّ لَهُ وَلَهُمْ وَأَمَّا مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَحْرُمُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا حَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ وَالثَّانِي تَحِلُّ وَبِالتَّحْرِيمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وبالاباحة قال مالك وادعى بن بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَأَمَّا مَوَالِي غَيْرِهِمْ فَتُبَاحُ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلِ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمُهَا عَلَى مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
قال ابن قدامة في المغني (2/ 489)
لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، - وساق حديثي الباب ثم قال - 000 فَأَمَّا بَنُو الْمُطَّلِبِ، فَهَلْ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ. نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَمْ نَفْتَرِقْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، إنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ":: «إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. – رواه أبو داود (2980) وصححه الألباني -
وَلِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْأَخْذُ كَبَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ أَكَّدَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ مَنْعَهُمْ الصَّدَقَةَ بِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْهَا بِخُمْسِ الْخُمْسِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ فِي خُمْسِ الْخُمْسِ مَا يُغْنِيكُمْ؟» . وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] . الْآيَةُ.
لَكِنْ خَرَجَ بَنُو هَاشِمٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ» ، فَيَجِبُ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَنْعُ بِهِمْ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ بَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنَّ بَنِي هَاشِمٍ أَقْرَبُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشْرَفُ، وَهُمْ آلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَمُشَارَكَةُ بَنِي الْمُطَّلِبِ لَهُمْ فِي خُمْسِ الْخُمْسِ مَا اسْتَحَقُّوهُ بِمُجَرَّدِ الْقَرَابَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ يُسَاوُونَهُمْ فِي الْقَرَابَةِ، وَلَمْ يُعْطَوْا شَيْئًا، وَإِنَّمَا شَارَكُوهُمْ بِالنُّصْرَةِ، أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا، وَالنُّصْرَةُ لَا تَقْتَضِي مَنْعَ الزَّكَاةِ اهـ
قال صدَّيق خان في الروضة الندية (1/ 209)
وتحرم على بني هاشم" وبنو عبد المطلب مثلهم. أقول: الأحاديث القاضية بتحريم ذلك عليهم قد تواترت تواترا معنويا ولم يأت من خادع نفسه بتسويغها بشيء ينبغي الالتفات إليه بل مجرد هذيان هو عن الحق معزل, واحتج لعدم التحريم بحديث: "إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم". قال: فإذا منعوا ذلك حلت لهم الزكاة وفي إسناده حسين ابن قيس الرحبي الملقب بحنش. قال الهيثمي: وفيه كلام كثير وقد وثقه أبو محصن, وقال في خلاصة البدر المنير: ضعفوه اهـ
( وكذلك تحريم الصدقة على مواليهم )
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (2/489)
(وَلَا لِمَوَالِيهِمْ) يَعْنِي أَنَّ مَوَالِيَ بَنِي هَاشِمٍ، وَهُمْ مَنْ أَعْتَقَهُمْ هَاشِمِيٌّ، لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَرَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُمْنَعُوا الصَّدَقَةَ كَسَائِرِ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَوَّضُوا عَنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ مِنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَرِّمُوهَا كَسَائِرِ النَّاسِ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا. فَقَالَ: لَا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْأَلَهُ. فَانْطَلَقَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (1650)، وَالتِّرْمِذِيُّ (657)، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.- قال الألباني في صحيح أبي داود (1456) (قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه الترمذي) - وَلِأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَرِثُهُمْ بَنُو هَاشِمٍ بِالتَّعْصِيبِ، فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِمْ كَبَنِي هَاشِمٍ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَرَابَةٍ. قُلْنَا: هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ.» - رواه ابن حبان (4950) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1668) - وَقَوْلُهُ: «مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْهُمْ.» وَثَبَتَ فِيهِمْ حُكْمُ الْقَرَابَةِ مِنْ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ وَالنَّفَقَةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حُكْمِ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ فِيهِمْ اهـ
3- (لا يجوز إعطاء الزكاة من قبل المزكي لمن تلزمه نفقتهم كما سبق)
4- ( صرفها في وجوه القرب )
منع جمهور أهل العلم صرف الزكاة في وجوه القرب كبناء المساجد والمستشفيات والمدارس وما أشبه ذلك ، وحجتهم قول الله تعالى : {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا , وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ , وَفِي الرِّقَابِ , وَالْغَارِمِينَ , وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] وهذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة والمالكية والحنفية وغيرهم انظر الفقه الميسر لأم تميم (2/403) قال القرطبي في تفسيره (8/168) وَاحْتَجُّوا بِلَفْظَةِ" إِنَّمَا" وَأَنَّهَا تَقْتَضِي الْحَصْرَ فِي وُقُوفِ الصَّدَقَاتِ عَلَى الثَّمَانِيَةِ الْأَصْنَافِ اهـ
قال ابن قدامة في المغني (2/497)
وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى غَيْرِ مَنْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى، مِنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالسِّقَايَاتِ وَإِصْلَاحِ الطُّرُقَاتِ، وَسَدِّ الْبُثُوقِ، وَتَكْفِينِ الْمَوْتَى، وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَضْيَافِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْبِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ: مَا أَعْطَيْت فِي الْجُسُورِ وَالطُّرُقِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَاضِيَةٌ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] . " وَإِنَّمَا " لِلْحَصْرِ وَالْإِثْبَاتِ، تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ، وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ،. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ، وَسُئِلَ: يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ مِنْ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: لَا، وَلَا يُقْضَى مِنْ الزَّكَاةِ دَيْنُ الْمَيِّتِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا فِي قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْغَارِمَ هُوَ الْمَيِّتُ وَلَا يُمْكِنُ الدَّفْعُ إلَيْهِ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى غَرِيمِهِ صَارَ الدَّفْعُ إلَى الْغَرِيمِ لَا إلَى الْغَارِمِ. وَقَالَ أَيْضًا: يُقْضَى مِنْ الزَّكَاةِ دَيْنُ الْحَيِّ، وَلَا يُقْضَى مِنْهَا دَيْنُ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَكُونُ غَارِمًا. قِيلَ: فَإِنَّمَا يُعْطِي أَهْلُهُ. قَالَ: إنْ كَانَتْ عَلَى أَهْلِهِ فَنِعْمَ اهـ
( دفع القيمة في الزكاة )
تنازع العلماء في ذلك فذهبت طائفة إلى منع ذلك لأن الله تعالى أمر بإيتاء الزكاة أمرا مجملا في قوله تعالى : وَآتَوُا الزَّكَاةَ } البقرة: 43، الآية وجاءت السنة ففصلت ما أجمله القرآن وبينت المقادير المطلوبة كقوله صلى الله عليه وسلم في كل رْبَعِينَ شَاةً شاة صحيح تقدم تخريجه وفي كل خَمْسَةٍ مِنَ الإِبِلِ شاة صحيح تقدم تخريجه وغير ذلك من النصوص فوجب بذلك اتباع أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مذهب الشافعي ومالك ورواية عن أحمد وأهل الظاهر  وخالفهم في ذلك آخرون ، قالوا يجوز دفع القيمة في الزكاة وحجتهم أن قول الله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }[التوبة: 103]
 يعني أن المأخوذ مال والقيمة مال ، فأشبهت المنصوص عليه ، وهذا مذهب أبي حنيفة انظر الفقه الميسر ( 2/405) قلت القول الراجح هو ما قالوه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في مجموع الفتاوى (25/82) إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ مَنَعَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا: أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَلِهَذَا قَدَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُبْرَانَ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَلَمْ يَعْدِلْ إلَى الْقِيمَةِ وَلِأَنَّهُ مَتَى جَوَّزَ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَعْدِلُ الْمَالِكُ إلَى أَنْوَاعٍ رَدِيئَةٍ وَقَدْ يَقَعُ فِي التَّقْوِيمِ ضَرَرٌ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي قَدْرِ الْمَالِ وَجِنْسِهِ وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ: مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ بُسْتَانِهِ أَوْ زَرْعِهِ بِدَرَاهِمَ فَهُنَا إخْرَاجُ عُشْرِ الدَّرَاهِمِ يُجْزِئُهُ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرًا أَوْ حِنْطَةً إذْ كَانَ قَدْ سَاوَى الْفُقَرَاءَ بِنَفْسِهِ " وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. وَمِثْلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَبِيعُهُ شَاةً فَإِخْرَاجُ الْقِيمَةِ هُنَا كَافٍ وَلَا يُكَلَّفُ السَّفَرَ إلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى لِيَشْتَرِيَ شَاةً وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلزَّكَاةِ طَلَبُوا مِنْهُ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ لِكَوْنِهَا أَنْفَعَ فَيُعْطِيهِمْ إيَّاهَا اهـ
( إظهار الصدقة وإخفاؤها )
قال تعالى : [إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] سورة البقرة (271)
وقال تعالى : [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ] [البقرة: 274]
قال : رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ» رواه الطبراني في الصغير (1034) صححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (4/539)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:منهم رَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ رواه البخاري (660) ومسلم (1031)
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الجَاهِرُ بِالقُرْآنِ، كَالجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ، وَالمُسِرُّ بِالقُرْآنِ، كَالمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ» رواه الترمذي في سننه (2919) قال الألباني في صحيح أبي داود (1204) (قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان (731) ، وحسنه الترمذي) - قال الترمذي وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي يُسِرُّ بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ، لِأَنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ صَدَقَةِ العَلَانِيَةِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ لِكَيْ يَأْمَنَ الرَّجُلُ مِنَ العُجْبِ، لِأَنَّ الَّذِي يُسِرُّ العَمَلَ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ العُجْبُ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَانِيَتِهِ»
قال ابن حزم في المحلى (4/280)
إظْهَارُ الصَّدَقَةِ - الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ رِيَاءً: حَسَنٌ، وَإِخْفَاءُ كُلِّ ذَلِكَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: إعْلَانُ الْفَرْضِ أَفْضَلُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فَرْقٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] فَإِنْ قَالُوا: نَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى صَلَاةِ الْفَرْضِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ فَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ حَقٌّ، فَأَذِّنُوا لِلزَّكَاةِ كَمَا يُؤَذَّنُ لِلصَّلَاةِ وَمِنْ الصَّلَاةِ غَيْرِ الْفَرْضِ مَا يُعْلَنُ بِهَا كَالْعِيدَيْنِ، وَالْكُسُوفِ، وَرَكْعَتَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، فَقِيسُوا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ عَلَى ذَلِكَ اهـ
قال ابن كثير في تفسيره (1/701)
وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم} فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ إِسْرَارَ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهَا؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدَ عَنِ الرِّيَاءِ، إِلَّا أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْإِظْهَارِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ، مِنَ اقْتِدَاءِ النَّاسِ بِهِ، فَيَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ،.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِسْرَارَ أَفْضَلُ، لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فذكر حديث الباب اهـ
قال ابن عثيمين في نور على الدرب (10/2)
صدقة السر هي أن يعطي الإنسان الصدقة من يستحقها سراً لا يطلع عليه أحد وقد امتدح الله سبحانه وتعالى الذين ينفقون أمواله سراً وعلانية فبدأ بالسر فدل ذلك على أن الأصل فيما ينفق ويتصدق به أن يكون سراً ولكن أحياناً يكون الإنفاق في العلن أفضل مثل أن يكون الإنفاق في شيء عام فالإعلان هنا أفضل ليكون الإنسان قدوةً يقتدي به الناس وليدفع اللوم عن نفسه ولأنه إذا أعلن هذا لا محظور فيه بخلاف من يتصدق على شخصٍ معين فإن إعلان الصدقة عليه قد يكون فيها كسرٌ لقلبه وإهانةٌ له فالمهم أن الإنفاق والصدقة تكون سراً وتكون علانية والأفضل السر ما لم يكن في الإعلان مصلحة
( زكاة الفطر )
«الفطر» أي من رمضان، وسميت زكاةً لما فيها من التنمية، تنمية الخُلُق لأنها تجعل الإنسان في عداد الكرماء، وتنمية المال؛ لأن كل شيء بذلته من مالك ابتغاء وجه الله، فهو تنمية له، وتنمية الحسنات لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ راواه البخاري (56) ومسلم (1628).انظر الشرح الممتع (6/149)
( حكمها )
تنازع : العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : زكاة الفطر واجبة عند الجمهور وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأهل الظاهر انظر الاستذكار (3/265) وهو الراجح والدليل : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ» رواه البخاري (1503) قال الصنعاني في سبل السلام (1/537)
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِقَوْلِهِ: " فَرَضَ " فَإِنَّهُ بِمَعْنَى أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ اهـ
القول الثاني : قال ابن حجر في فتح الباري (3/368) وَفِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ مَعَ ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عُلَيَّةَ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ كَيْسَانَ الْأَصَمَّ قَالَا إِنَّ وُجُوبَهَا نُسِخَ 00 وَنَقَلَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أهل الظَّاهِر وبن اللَّبَّانِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ اهـ قلت : ودليلهم : عَنْ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، فَقَالَ: " أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، ثُمَّ نَزَلَتِ الزَّكَاةُ، فَلَمْ نُنْهَ عَنْهَا، وَلَمْ نُؤْمَرْ بِهَا، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: " أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، ثُمَّ نَزَلَ رَمَضَانُ فَلَمْ نُؤْمَرْ بِهِ، وَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ "رواه أحمد في مسنده (23840) وصححه الألباني والأرنؤوط
وَتُعُقِّبَ قال ابن حزم في المحلى (4/239) وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِيهِ أَمْرَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، فَصَارَ أَمْرًا مُفْتَرَضًا ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَبَقِيَ فَرْضًا كَمَا كَانَ، وَأَمَّا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَلَوْلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَحَّ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: «مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» لَكَانَ فَرْضُهُ بَاقِيًا، وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ؛ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]
وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ: زَكَاةً، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا، وَالدَّلَائِلُ عَلَى هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا اهـ
وقال الطحاوي في شرح مشكل الآثار(6/ 51) فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ  ذِكْرُ فَرْضِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهَا، وَفِيهِ تَعْدِيلُ النَّاسِ إيَّاهَا بِمُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ , وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ بَقَاءِ فَرْضِهَا، فَكَانَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ قَيْسٌ فِي ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّا تَأَمَّلْنَا مَا قَالَهُ قَيْسٌ فِيهِ فَوَجَدْنَا لَهُ وَجْهًا مُحْتَمَلًا لِمَا قَالَهُ فِيهِ , وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الْبَدْءِ فِي فَرْضِهَا عَلَى مِثْلِ مَا فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ عَلَيْهِ فِي فَرْضِهَا بَعْدَ أَنْ فُرِضَتْ فِيهَا حَتَّى صَارَتْ فِي فَرْضِهَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْإِيمَانِ بِهَا وَفِي وُجُوبِ الْكُفْرِ عَلَى مَنْ جَحَدَهَا، فَكَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ كَذَلِكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ، فَرُدَّ الْفَرْضُ الَّذِي كَانَ فِيهَا إِلَى زَكَاةِ الْأَمْوَالِ، وَجُعِلَ مَكَانَهُ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ فَرْضٌ دُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِمَّا لَوْ جَحَدَهُ جَاحِدٌ لَمْ يَكُنْ بِجَحْدِهِ إِيَّاهُ كَافِرًا، كَمَا يَكُونُ بِجَحْدِهِ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ كَافِرًا. فَهَذَا هُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ يُخْرَجُ بِهِ مَا قَالَ قَيْسٌ فِي فَرْضِ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَانَ عَلَيْهِ. وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ اهـ قال البيهقي في السنن الكبرى (7671) وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِهَا؛ لِأَنَّ نُزُولَ فَرْضٍ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ آخَرَ اهـ وقال ابن حجر في فتح الباري (3/368)  وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى النَّسْخِ لِاحْتِمَالِ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ نُزُولَ فَرْضٍ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ فَرْضٍ آخَرَ اهـ
( حكمتها )
والحكمة من وجوب زكاة الفطر من رمضان ما ذكره النبي صلّى الله عليه وسلّم « طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ » - رواه أبو داود (1609) وحسنه الألباني سيأتي - وشكر لله ـ عزّ وجل ـ على إتمام الشهر، وطعمة للمساكين في هذا اليوم الذي هو يوم عيد وفرح وسرور فكان من الحكمة أن يعطوا هذه الزكاة؛ من أجل أن يشاركوا الأغنياء في الفرح والسرور.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «وطهرة للصائم ... » هذا بناء على الأغلب، وإلا فالصغير ونحوه لا يصوم.انظر الشرح الممتع (6/149)
( على من تجب )
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ» رواه البخاري (1503) عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ عَمَّنْ يَعُولُ وَعَنْ رَقِيقِهِ , وَعَنْ رَقِيقِ نِسَائِهِ»
رواه الدارقطني (2079) قال جمهور العلماء زكاة الفطر تجب على كل مسلم حر أو عبد يملك قوت يزيد عن قوته وقوت عياله يوما ، فتجب عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم ، كالأولاد والخدم ونحو ذلك ، وحجتهم أحاديث الباب وغيرها وهذا مذهب مالك وأحمد والشافعي وغيرهم وخالفهم أبو حنيفة ، قال لا تجب إلا على غني ، ومذهبه أن الغني هو من يملك النصاب ، وحجته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى رواه البخاري (1427) ومسلم (1034) انظر الفقه الميسر لأختنا أم تميم (2/414) قلت : الصحيح هو قول الجمهور  من أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم حر أو عبد ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا كما في حديث ابن عمر وظاهر الحديث كل حر أو عبد العموم سواء كان غنيا أو فقيرا  قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/220) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ أُطْلِقَتْ وَلَمْ تَخُصَّ غَنِيًّا وَلَا فَقِيرًا اهـ ولم يشترط ملك النصاب وَاعْتِبَارُ كَوْنِهِ وَاجِدًا لِقُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرَعِ الْفِطْرَةِ إغْنَاءُ الْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ولا يلزم فيها أن يكون صائما لقوله : ( صغيرا أو كبيرا )
( هل تجب زكاة الفطر على الزوجة والصغير )
ذهب الثوري أبو حنيفة وابن المنذر والظاهرية أنها تجب على الزوجة في نفسها ، ولزمها إخرجها من مالها ، وهو الراجح لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : ( الذكر والأنثى ) قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/214) قَوْلُهُ: (الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى) ظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا عَلَى الْمَرْأَةِ سَوَاءً كَانَ زَوْجٌ أَوْ لَا، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ اهـ القول الثاني : قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا انظر نيل الأوطار (4/214).ودليلهم : عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَنْ تُمَوِّنُونَ رواه البيهقي في السنن الكبرى (7685) حديث ضعيف وحسنه الألباني في الإرواء (835) قلت الصواب موقوف على ابن عمر وضعف المرفوع الدارقطنى والبيهقي وابن حجر والشوكاني قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ «مِمَّنْ تَمُونُونَ» لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ اهـوعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ عَمَّنْ يَعُولُ وَعَنْ رَقِيقِهِ , وَعَنْ رَقِيقِ نِسَائِهِ» رواه الدارقطني (2079) وصححه الألباني
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/ 154)
ولكن هذا الحديث ضعيف – حديث ابن عمر المرفوع - ومنقطع فلا يصح الاحتجاج به.
ولأثر ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه كان يخرج عن نفسه، وعن أهل بيته، حتى إنه يخرج عن نافع مولاه، وعن أبنائه ، ولكن هذا الأثر لا يدل على الوجوب.
فالصحيح أن زكاة الفطر واجبة على الإنسان بنفسه فتجب
على الزوجة بنفسها، وعلى الأب بنفسه، وعلى الابنة بنفسها، وهكذا، ولا تجب على الشخص عمن يمونه من زوجة وأقارب لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على الذكر والأنثى، والحر والعبد، والكبير والصغير من المسلمين» .
والأصل في الفرض أنه يجب على كل واحد بعينه دون غيره.
ولقول الله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ولو وجبت زكاة الفطر على الشخص نفسه وعمن يمونه فإنه سوف تزر وازرة وزر أخرى، لكن لو أخرجها عمن يمونهم وبرضاهم فلا بأس بذلك ولا حرج، كما أنه لو قضى إنسان ديناً عن غيره وهو راض بذلك فلا حرج، ولأنه يجوز دفع الزكاة عن الغير.
وينبني على هذا إذا كان هؤلاء لا يجدون زكاة الفطر؛ فإذا قلنا: إنها واجبة عليه أثم، وإذا قلنا بالقول الثاني لم يأثم وهم لا يأثمون؛ لعدم وجود مال عندهم.
لكن الأولاد الصغار الذين لا مال لهم قد نقول بوجوبها على آبائهم؛ لأن هذا هو المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم.
وفهم من كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ أن الزوجة الكافرة، والعبد الكافر لا يخرج عنهما. مسألة: إذا قلنا بوجوب زكاة الفطر عمن يمونه وعنده عمال على كفالته، فهل تجب عليه عنهم؟
الجواب: لا تجب عليه، بل عليهم وهذا هو المذهب؛ إلا إذا كان من ضمن الأجرة كون النفقة عليه، فتجب عليه.
أما زكاة الفطر عن العبد فإنها تجب على سيده لما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ» رواه مسلم (982) فيكون هذا الحديث مخصصاً لحديث ابن عمر فيما يتعلق بزكاة الفطر عن العبد، ولأن العبد مملوك للسيد لا يملك فوجب عليه تطهيره؛ لأنه لا يمكن أن يملك.
وقال بعض العلماء: تجب على العبد نفسه، ويلزم السيد بتفريغ العبد آخر رمضان ليكتسب ما يؤدي به صدقة الفطر، وهذا ضعيف لما يأتي:
أولاً: أنه صح الحديث في استثناء الرقيق.
ثانياً: أن من القواعد المقررة أن ما لا يتم الوجوب إلا به فهو غير واجب، فلا يقال للإنسان: اتجر لتجب عليك الزكاة اهـ
أما زكاة الفطر عن الصغير فراجح ما ذهب إليه الجمهور ورجحه ابن عثيمين فإن كان له مال أخرج عنه وليه وإن لم يكن له مال أخرج زكاة فطره من تلزمه نفقته قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/214) قَوْلُهُ: (الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ) وُجُوبُ فِطْرَةِ الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ، وَالْمُخَاطَبُ بِإِخْرَاجِهَا وَلِيُّهُ إنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ اهـ
( هل تخرج زكاة الفطر عن الجنين )
قال في المغني : وَمَنْ أَخْرَجَ عَنْ الْجَنِينِ، فَحَسَنٌ وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُخْرِجُ عَنْ الْجَنِينِ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْفِطْرَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْجَنِينِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ لَا يُوجِبُونَ عَلَى الرَّجُلِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمَّهُ.وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ، تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَبِهِ وَيَرِثُ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَيُقَاسُ عَلَى الْمَوْلُودِ. وَلَنَا أَنَّهُ جَنِينٌ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِهِ، كَأَجِنَّةِ الْبَهَائِمِ وَلِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُخْرِجُهَا عَنْهُ، وَلِأَنَّهَا صَدَقَةٌ عَمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، فَكَانَتْ مُسْتَحَبَّةً كَسَائِرِ صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ انظر المغني (3/99)
( قدرها )
الواجب في زكاة الفطر ( صاع ) من أقوات البلد كما ثبت عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ»، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ رواه البخاري (1510) ومسلم (985) فعلى هذا يخرج صاعا من شعير ، أو زبيب ، أو تمر أو صاعا من أقط ، أو أي شيء آخر مما يعد قوتا كالأرز والمكرونة ونحو ذلك 0 وتنازعو : في مقدار الزكاة من القمح على قولين :
القول الأول : ذَهَبَ أَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ إلَى أَنَّ الْبُرَّ وَالزَّبِيبَ كَذَلِكَ يَجِبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاع ودليلهم :  أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ صَدَقَةَ الْفَطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَالْبُرُّ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّعَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ غَالِبُهُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْبُرِّ إنَّمَا هُوَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ فَلَا يُجْزِئُ دُونَ الصَّاعِ مِنْهُ انظر نيل الأوطار (4/217)
القول الثاني :  أنه يقدر بنصف صاع وهذا ثابت عن عثمان ، وعلي ، وأبي هريرة ، وجابر ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وأمه أسماء بنت أبي بكر ، وهو ما رجحه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، ورجحه الألباني انظر تمام المنة لشيخنا عادل العزازي (2/269)
وهو الراجح والدليل : عنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: " كُنَّا نُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، بِالْمُدِّ الَّذِي تَقْتَاتُونَ بِه رواه أحمد في المسند (26936) وصححه الألباني والأرنؤوط
قال الألباني في تمام المنة (386) استدل المؤلف بهذا على أن الواجب في القمح صاع لقوله فيه: "صاعا من طعام" وذلك بناء على ما حكاه الخطابي أن المراد بـ "الطعام" هنا الحنطة لكن رد ذلك ابن المنذر بأن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره ثم أورد حديث أبي سعيد عند البخاري بلفظ: "كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام قال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر". قال الحافظ: "وهي ظاهرة فيما قال" وأخرجه الطحاوي نحوه وقال فيه:"ولا يخرج غيره".
ثم ذكر الحافظ لحديث أبي سعيد طرقا وألفاظا أخرى ثم قال:
"وهذه الطرق كلها تدل على أن المراد بالطعام في حديث أبي سعيد غير الحنطة فيحتمل أن تكون الذرة فإنه المعروف عند أهل الحجاز الآن وهي قوت غالب لهم".
قلت: فتبين أنه لا دليل في الحديث على ما ذكره المؤلف ثم إن صنيعه يشير إلى أنه ليس لمذهب أبي حنيفة القائل بإخراج نصف صاع من القمح دليل غير ما جاء في حديث أبي سعيد من تعديل معاوية مدين من القمح بصاع من تمر وليس الأمر كذلك بل فيه أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أصحها حديث عروة بن الزبير:
"أن أسماء بنت أبي بكر كانت تخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها - الحر منهم والمملوك - مدين من حنطة أو صاعا من تمر بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به".
أخرجه الطحاوي واللفظ له وابن أبي شيبة وأحمد وسنده صحيح على شرط الشيخين.
وفي الباب آثار مرسلة ومسندة يقوي بعضها بعضا كما قال ابن القيم في "الزاد" وقد ساقها فيه فليراجعها من شاء وخرجتها أنا في "التعليقات الجياد".
فثبت من ذلك أن الواجب في صدقة الفطر من القمح نصف صاع وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الاختيارات" ص 60 وإليه مال ابن القيم كما سبق وهو الحق إن شاء الله تعالى اهـ
فائدة : قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/176) والأصواع تختلف باختلاف الأزمان والأماكن والناس، ولذلك اتفق العلماء بأن المراد بالصاع في الفطرة والصاع في الغسل، والمد في الوضوء، ونصف الصاع في فدية الأذى، أن المراد بذلك الصاع والمد النبويان.
00 وقد حررته فبلغ كيلوين وأربعين جراماً من البر الرزين.
اهـ وتقدير الصاع أربع أمداد ( حفنات ) بكفي الرجل المعتدل وقد سجل بعض الدعاة مقادير هذه الأصناف على النحو الآتي : - أرز: 300 و2 كجم كجم - فاصوليا : 65و2كجم - تمر : 00و3 كجم - عدس بجبة : 00و3 كجم - لوبيا : 00و2 كجم - عدس أصفر : 00و2 كجم  - زبيب : 1و60 كجم انظر تمام المنة لشيخنا عادل العزازي (2/270)
( الأجناس التي يخرج منها )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : لا يجوز العدول عن الأصناف الخمسة المنصوص عليها مع قدرته ، وحجتهم أن هذه الأصناف هي التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز العدول عنها مع القدرة وهذا مذهب الحنابلة قال في المغني (3/85) وَمَنْ قَدَرَ عَلَى التَّمْرِ، أَوْ الزَّبِيبِ، أَوْ الْبُرِّ، أَوْ الشَّعِيرِ، أَوْ الْأَقِطِ فَأَخْرَجَ غَيْرَهُ لَمْ يُجْزِهِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْدُولُ إلَيْهِ قُوتَ بَلَدِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ اهـ
القول الثاني : هو قول الحنفية أن الأصناف التي في الحديث تجوز أو قيمتها دراهم 0
القول الثالث : زكاة الفطر، تخرج من أي طعام يقتاته الناس، كالقمح والذرة والأرز واللوبيا والعدس والحمص والفول والمكرونة واللحم ونحو ذلك، وقد فرضها الرسول صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان الصحابة رضي الله عنهم يخرجونها من الطعام الذي يقتاتونه.
روى البخاري (1510) ومسلم (985) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ) .
وفي رواية قال: (كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) .
"وقد فسر جمع من أهل العلم الطعام في هذا الحديث بأنه البر (أي: القمح) ، وفسره آخرون بأن المقصود بالطعام ما يقتاته أهل البلاد أيا كان، سواء كان برا أو ذرة أو غير ذلك. وهذا هو الصواب؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء للفقراء، ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده. ولا شك أن الأرز قوت في بلاد الحرمين وطعام طيب ونفيس، وهو أفضل من الشعير الذي جاء النص بإجزائه. وبذلك يعلم أنه لا حرج في إخراج الأرز في زكاة الفطر" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/200) .قلت : وهو الراجح
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/18)
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» وَهَذِهِ كَانَتْ غَالِبَ أَقْوَاتِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، فَأَمَّا أَهْلُ بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ قُوتُهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ صَاعٌ مِنْ قُوتِهِمْ، كَمَنْ قُوتُهُمْ الذُّرَةُ وَالْأُرْزُ أَوْ التِّينُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبِ، فَإِنْ كَانَ قُوتُهُمْ مِنْ غَيْرِ الْحُبُوبِ كَاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَالسَّمَكِ أَخْرَجُوا فِطْرَتَهُمْ مِنْ قُوتِهِمْ كَائِنًا مَا كَانَ، هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُقَالُ بِغَيْرِهِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ سَدُّ خُلَّةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْعِيدِ وَمُوَاسَاتُهُمْ مِنْ جِنْسِ مَا يَقْتَاتُهُ أَهْلُ بَلَدِهِمْ اهـ
سئل ابن تيمية في مجموع الفتاوى (25/68)
عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ: هَلْ تُخْرَجُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ بُرًّا أَوْ شَعِيرًا أَوْ دَقِيقًا؟ وَهَلْ يُعْطِي لِلْأَقَارِبِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ؟ أَوْ يَجُوزُ إعْطَاءُ الْقِيمَةِ؟
فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ قُوتِهِمْ بِلَا رَيْبٍ. وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مَا يَقْتَاتُونَ مِنْ غَيْرِهَا؟ مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا يَقْتَاتُونَ الْأُرْزَ وَالدُّخْنَ فَهَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ يُجْزِئُهُمْ الْأُرْزُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد: إحْدَاهُمَا لَا يُخْرِجُ إلَّا الْمَنْصُوصَ. وَالْأُخْرَى: يُخْرِجُ مَا يَقْتَاتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّدَقَاتِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَاةِ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَوْ كَانَ هَذَا لَيْسَ قُوتَهُمْ بَلْ يَقْتَاتُونَ غَيْرَهُ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مِمَّا لَا يَقْتَاتُونَهُ كَمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي الْكَفَّارَاتِ. وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مِنْ جِنْسِ الْكَفَّارَاتِ هَذِهِ مُعَلَّقَةٌ بِالْبَدَنِ وَهَذِهِ مُعَلَّقَةٌ بِالْبَدَنِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْمَالِ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِسَبَبِ الْمَالِ مِنْ جِنْسِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ. اهـ
فائدة : سئل ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (25/70)
عَمَّنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؟ وَيَعْلَمُ أَنَّهَا صَاعٌ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ هُوَ نَافِلَةٌ هَلْ يُكْرَهُ؟ فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَعَمْ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهِيَةٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا. وَإِنَّمَا تُنْقَلُ كَرَاهِيَتُهُ عَنْ مَالِكٌ. وَأَمَّا النَّقْصُ عَنْ الْوَاجِبِ فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ هَلْ الْوَاجِبُ صَاعٌ؟ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ؟ أَوْ أَكْثَرُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (6/183)
والصحيح أن كل ما كان قوتاً من حب وثمر ولحم ونحوها فهو مجزئ سواء عدم الخمسة، أو لم يعدمها لحديث أبي سعيد: «وكان طعامنا يومئذٍ الشعير والتمر والزبيب والأقط» اهـ
( ما حكم إخراج زكاة الفطر مال )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : قال أبو حنيفة : يجوز إخراج القيمة لأنها أنفع للفقير وحكاه ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عبد العزيز والثوري انظر المجموع (6/144)
القول الثاني : ذهب أكثر أهل العلم إلى عدم جواز ذلك لورود النص في الطعام ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد ومالك وابن المنذر انظر المجموع (6/144) وابن حزم وغيرهم انظر المحلى (4/259) قلت : القول الثاني هو الراجح 0والدليل : حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ رواه البخاري (1512) ومسلم  (984) فَإِذَا عَدَلَ - إلى القيمة- فَقَدْ تَرَكَ الْمَفْرُوضَ انظر المغني (3/87)
ثانيا : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ رواه أبو داود (1609) بسند حسن وحسنه الألباني وجه الدلالة: أن الطُّعمة تكون بما يُطْعِم، ولا تكون بالدراهم التي تُقْضَى بها الحاجات، مما يدل على أن إخراج زكاة الفطر طعاما مقصود للشارع
قال ابن عثيمين في نور على الدرب (10/2)
لا تجوز زكاة الفطر نقداً لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها من التمر والشعير كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعير) وقال أبو سعيدٍ الخدري (كنا نخرجها على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام وكان طعامنا يومئذٍ التمر والشعير والزبيب والأقط) أربعة أصناف فهي أعني زكاة الفطر لا تجوز إلا من الطعام ولا يجوز إخراجها من القيمة ولا من اللباس ولا من الفرش ولا أن يبنى بها مساكن للفقراء بل يجب أن تخرج مما فرضه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الطعام ولو كانت القيمة معتبرة لم تكن الأجناس مختلفة إذ أن صاعاً من الشعير قد لا يساوي صاعاً من التمر أو لا يساوي صاعاً من البر أو ما أشبه ذلك وعلى هذا فالواجب إخراج زكاة الفطر من الطعام وكل أمةٍ طعامها قد يختلف عن الأمة الأخرى وهذه القيمة التي تريد أن تدفعها اشتري بها طعاماً وأخرجه وتسلم وتبرأ بذلك ذمتك ونحن لا ننكر أن بعض العلماء قال يجوز إخراجها من القيمة ولكن المرجع عند النزاع إلى ما في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإذا علمنا أن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام إخراج زكاة الفطر من الطعام فلنستمسك بهذه السنة. اهـ
الرد على من يقول إخراج مال أو ثياب في زكاة الفطر 
,ودليلهم : أولا أن الواجب في الحقيقة إغناء عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ , وَقَالَ: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ» رواه الدارقطني (2133) والإغناء يحصل بالمال لأنها أقرب إلى دفع الحاجة 0
وأجيب : بأن الحديث ضعيف، في إسناده أبا مَعْشر نَجِيح السِّنْدِيّ الْمَدِينِيّ، قال الحافظ ابن حجر في "التقريب":"ضعيف أسن واختل اهـ وضعفه الجمهور انظر التهذيب ".وضعف هذه الحديث البيهقي والنووي وابن حجر والألباني . و الضعيف لا يحتج به وإن صح فلا يصلح للاستدلال به ، لأنه لا تعلق له بالزكاة ، وإن سلمنا أنه للزكاة فالإغناء يتحقق بالطعام إذ هو أهم الغايات من المال 0 .
ثانيا : أن الأصل في الصدقة المال، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} التوبة: 103والمال في الأصل ما يملك من الذهب أو الفضة، وبيان الرسول للمنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج، لا لحصر الواجب انظر تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال (ص 59)..
وأجيب : الدليل أعم من الدعوى فالمال يطلق على كل ما يتمول، ومن ذلك بهيمة الأنعام والحبوب، والأنواع المنصوصة في زكاة الفطر ،و القول بأن ( بيان الرسول للمنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج، لا لحصر الواجب ) لا يصح فبيان النبي صلى الله عليه وسلم للعبادة من قبيل المفسر ، والمفسر لا يقبل التأويل ،و النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن زكاة الفطر صاع من طعام فالقول بجواز إخراج زكاة الفطر من غير الطعام مخالف لبيان النبي صلى الله عليه وسلم 
ثالثا : قَالَ طَاوُسٌ: قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ اليَمَنِ: «ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ» رواه البخاري معلقا (2/ 116) هذا الأثر ضعيف ،ضعفه ابن حجر والألباني ، قال الدارقطني وأبو داود طاووسا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذ
قال الألباني في تمام المنة (379) قلت: في هذا الكلام إشعار بأن الأثر المذكور عن معاذ صحيح وليس كذلك فإنما علقه البخاري هكذا: "قال طاوس: قال معاذ ... " وهذا منقطع بين طاوس ومعاذ قال الحافظ في شرحه: "هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع فلا يغتر بقول من قال: "ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده" لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه وأما باقي الإسناد فلا؟ إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده اهـ
رابعا : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للنساء يوم عيد الفطر: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» رواه البخاري (1466) ومسلم (1000) وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستثن صدقة الفرض من غيرها
وأجيب: بأنه لو كان المقصود زكاة الفطر لما أمرهن بها فى الخطبة بعد الصلاة، وقد أمر المسلمين أن يؤدوها قبل الصلاة كما سيأتي
خامسا : أن الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)} [آل عمران: 92]
وجه الدلالة: أن المال هو المحبوب، فإن كثيرًا من الناس يهون عليه إطعام الطعام، ويصعب عليه دفع ثمن ذلك للفقراء، بخلاف الحال في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذا كان إخراج الطعام في حقهم أفضل لأنه أحب، وإخراج المال في عصرنا أفضل، لأنه إلينا أحب وأجيب : بأن هذا التفريق بين العصرين في ذلك لا دليل عليه، ثم إنه لو سلم فيحمل على صدقة التطوع، أما الفرض فيتبع فيه المشروع، ويكون هو الأفضل انظر نوازل الزكاة (527)
سادسا :.  قالوا : هذا الأنفع للفقير حتى لا يتكدس عنده الطعام فيضطر إلى بيعه بثمن بخس
فيُقال : أي منفعة للفقير أولي ؟ ، هل في المال أم في القوت ؟ ( قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ) [البقرة: 140] ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [الملك: 15]
فلابد ان تكون المصلحة مُعتبرة في الشرع ، فقد تكون هناك مصلحة بالنسبة للناس لكنها فى الشرع غير مُعتبرة مثل الربا فإنه فيه مصلحة زيادة المال للذي يأكل الربا ، ولكن الشرع لغي هذه المصلحة ، ولم يعتبرها والأمثلة كثيرة على هذا .
والفقير إذا احتاج للدواء والكسوة ، فإن عنده زكاة المال والصدقات فليذهب ويبحث عمن يتولاها ولن يُعدم ذلك بفضل الله .
أما أن نُغير أمر ربنا وأمر نبينا من اجل رأي إمام وقول فلان وفلان ، فهذا والله هو العجب العجاب واخيرا قياسا علي رأيهم هل ترضون حين يأتى عيد الاضحي ، هل من الممكن أن اُعطي لفقير او مجموعة فقراء قيمة الاُضحية لان المصلحة له في ذلك ولانه يحتاج المال أكثر من اللحم كي يشتري الدواء والحذاء والملابس وغير ذلك ؟ !! نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ والخلاف فى هذه المسألة مذموم ولا يسوغ الخلاف فيه ولا يُعتبر ، ويُنكر على المُخالف لمصادمته بسنة النبى وفعل الصحابة .فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أن زكاة الفطر لا تصح من المال ، ولا من الثياب، ولا من الفرش ، ولا عبرة بقول من قال من أهل العلم: إن زكاة الفطر تجزيء من المال؛ لأنه ما دام النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً، فلا قول لأحد بعده، ولا استحسان للعقول في إبطال الشرع ، و لو كانت القيمة مجزئة لبين النبي صلى الله عليه وسلم فالإنسان سوف يسأل يوم القيامة ماذا أجاب المرسلين كما قال الله تعالى (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) وليس يقال له ماذا أجبت فلاناً أو فلاناً من الناس
( وقت إخراجها )
تنازع العلماء  في أول وقت إخراج زكاة الفطر على أربعة أقوال
القول الأول : أنه قبل العيد بيومين ، وهو مذهب الحنابلة ، واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه : ( وَكَانُوا يُعطُونَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أَو يَومَينِ ) رواه البخاري (1511) .
القول الثاني قبل العيد بثلاثة أيام ، وهو رواية عن مالك انظر طرح التثريب (4/64) وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله وهو الراجح والدليل لما في "المدونة" (1/385) قال مالك : أخبرني نافع أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة .رواه مالك بسند صحيح قالوا: فهذا فعل صحابي ولا يعلم له مخالف فيدل على جواز إعطائها قبل يومين أو ثلاثة 
(فَإِنْ قُلْت) لَا حُجَّةَ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ (قُلْت) بَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ حُكْمًا لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمَيْ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا حُكْمُهُ الرَّفِيعُ وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ ذَلِكَ بِعَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُرَجَّحِ الْمُخْتَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انظر طرح التثريب (4/64) 
ويدل على ذلك أيضا ما أخرجه البخاري (2311) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، الحديث. قال ابن حجر : وَفِيهِ أَنَّهُ أَمْسَكَ الشَّيْطَانَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَهُوَ يَأْخُذُ مِنَ التَّمْرِ انظر فتح الباري (3/377)  في هذا الحديث دلالة على جمع الزكاة قبل العيد بثلاثة أيام ،وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّ تِلْكَ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ إلَّا عِنْدَ مَنْ شَذَّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَجَابَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ تَأْخِيرَهَا فِي شَوَّالٍ لِكَوْنِ أَهْلِهَا لَمْ يُوجَدُوا، وَهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّ أَهْلَ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ بِتِلْكَ الْبِلَادِ كَثِيرُونَ فَقَدْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ ضِيقُ الْعَيْشِ وَالِاحْتِيَاجِ.وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ هُنَا ضَعِيفٌ جِدًّا انظر طرح التثريب (4/64) 
القول الثالث : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الصَّدَقَةِ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ عَنْهُ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ، جَازَ تَعْجِيلُهَا، كَزَكَاةِ الْمَالِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ انظر المغني (3/90)
القول الرابع : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَيَجُوزُ تَعْجِيلُهَا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ فَأَشْبَهَتْ زَكَاةَ الْمَالِ انظر المغني (3/90) قلت هذا القول والقول الثالث ضعيفان؛ لأن هذه الصدقة متعلقة بالفطر فهي صدقة الفطر وقد سماها الشارع بزكاة الفطر فهي زكاة سببها الفطر فهي متعلقة به فلم تثبت قبله.
القول الخامس : مَنَعَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ ذَلِكَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا أَصْلًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْه انظر طرح التثريب (4/64)
والراجح هو القول الثاني .
قال ابن باز في مجموع فتاوى 
أما زكاة الفطر فلا تؤجل، بل يجب أن تقدم على صلاة العيد، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتخرج قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة لا بأس، ولا تؤجل بعد الصلاة.
َ( حكم من اخرج زكاة الفطر بعد صلاة العيد ) 
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : أجاز أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وهو قول عن أحمد إخراجها يوم العيد كله ينظر الفقه الميسر (2\431) ورجحه شيخنا مصطفى العدوي وحجتهم : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» رواه البخاري (1510) ومسلم (985) ووجه الدلالة : أن ظاهر قوله يوم الفطر صحة الإخراج في اليوم كله ؛ لصدق اليوم على جميع النهار
القول الثاني : وهو مذهب ابن حزم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني انظر مرعاة المفاتيح (6/208) وابن باز وابن عثيمين وهو الصحيح قالوا :إن أخرها بعد الصلاة يأثم 
والدليل : 1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ رواه أبو داود (1609) قلت : حديث حسن قال الدارقطنى: ليس فيهم مجروح وصححه الحاكم ووافقه الذهبى وأقره المنذرى والحافظ – ابن حجر - وحسنه النووى وابن قدامة والألباني ينظر إرواء الغليل (843)
قال صديق بن حسن خان رحمه الله في الروضة الندية (1\217) وهذا يدل على أنها لا تجزئ بعد الصلاة؛ لأنها حينئذ صدقة كسائر الصدقات التي يتصدق بها الإنسان، وليست بزكاة الفطر.
2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ رواه البخاري (1509) ومسلم (986(
قال ابن القيم في زاد المعاد (2\20) وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِخْرَاجُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَفِي " السُّنَنِ " عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: ( «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» ) .
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ( «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» ) . وَمُقْتَضَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَأَنَّهَا تَفُوتُ بِالْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّهُ لَا مُعَارِضَ لِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَلَا نَاسِخَ، وَلَا إِجْمَاعَ يَدْفَعُ الْقَوْلَ بِهِمَا، وَكَانَ شَيْخُنَا يُقَوِّي ذَلِكَ وَيَنْصُرُهُ اهـ
( صدقة التطوع )
وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] . وَأَمَرَ بِالصَّدَقَةِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةِ، وَحَثَّ عَلَيْهَا وَرَغَّبَ فِيهَا انظر المغني (3/101)  قال الله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ( البقرة (261) وقال تعالى : {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا رواه البخاري (73) ومسلم (816)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ» رواه البخاري (1410) ومسلم(1014) عن عَدِيّ بْن حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ رواه البخاري (1417) ومسلم (1016) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: «أَطْوَلُكُنَّ يَدًا»، فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَة رواه البخاري (1420) ومسلم (2452)
( الترهيب من المن بالعطية )
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» رواه مسلم (106)
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (2/116)
قِيلَ مَعْنَى لَا يُكَلِّمُهُمْ أَيْ لَا يكلمهم تكليم أهل الخيرات وباظهار الرضى بَلْ بِكَلَامِ أَهْلِ السُّخْطِ وَالْغَضَبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ لَا يُكَلِّمُهُمْ كَلَامًا يَنْفَعُهُمْ وَيَسُرُّهُمْ وَقِيلَ لَا يُرْسِلُ إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ بِالتَّحِيَّةِ وَمَعْنَى لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ أَيْ يُعْرِضْ عَنْهُمْ وَنَظَرُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ رَحْمَتُهُ وَلُطْفُهُ بِهِمْ وَمَعْنَى لَا يُزَكِّيهِمْ لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِم اهـ
( فضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح )
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِح رواه أحمد (23530) وصححه الألباني قيل في تأويل الكاشح ها هنا الْقَرِيبُ وَقِيلَ الْمُبْغِضُ الْمُعَادِي فَإِنَّهُ طَوَى كَشْحَهُ عَلَى بُغْضِهِ وَعَدَاوَتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَاللَّهُ أَعْلَم انظر التمهيد (1/207)
( فضل صدقة الشحيح الصحيح )
قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الْمُنَافِقُونَ: 9-11]
عن أبي هريرة،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ»
رواه البخاري (1419) ومسلم (1032)
قال ابن حجر في فتح الباري (3/285)
قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى الشُّحُّ بُخْلٌ مَعَ حِرْصٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الشُّحُّ مُثَلَّثُ الشِّينِ وَالضَّمُّ أَعْلَى وَقَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ كَأَنَّ الْفَتْحَ فِي الْمَصْدَرِ وَالضَّمَّ فِي الِاسْمِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ أَنَّ الْمَرَضَ يُقَصِّرُ يَدَ الْمَالِكِ عَنْ بَعْضِ مِلْكِهِ وَأَنَّ سَخَاوَتَهُ بِالْمَالِ فِي مَرَضِهِ لَا تَمْحُو عَنْهُ سِيمَةَ الْبُخْلِ فَلِذَلِكَ شَرَطَ صِحَّةَ الْبَدَنِ فِي الشُّحِّ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَتَيْنِ يَجِدُ لِلْمَالِ وَقْعًا فِي قَلْبِهِ لِمَا يَأْمُلُهُ مِنَ الْبَقَاءِ فَيَحْذَرُ مَعَهُ الْفَقْرَ وَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لِلْمُوصِي وَالثَّالِثُ لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ إِذَا شَاءَ أَبْطَلَه اهـ
 ( الصدقة على الجار )
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»
رواه البخاري (6015) ومسلم (2625)
( أجر المرأة إذا تصدقت من بيت زوجها من غير مفسدة )
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الزُّبَيْرِ رَجُلٌ شَدِيدٌ، يَأْتِينِي الْمِسْكِينُ، فَأَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارْضَخِي، وَلَا تُوعِي، فَيُوعِيَ اللهُ عَلَيْك رواه أحمد (26984) والبخاري (2590) ومسلم (1029) قال في فيض القدير (1/ 475) (إ رضخى) بهمزة مكسورة إذا لم توصل وبراء: من الرضخ بمعجمتين العطاء اليسير والخطاب لأسماء بنت أبي بكر أي انفقي بغير إجحاد ولا إسراف (ما استطعت) ما دامت قادرة مستطيعة للإعطاء فما مصدرية. قال الكرماني: لكن الظاهر أنها موصولة أو نكرة موصوفة أي الذي استطعتيه (ولا توعى) تمسكي المال في الوعاء والإيعاء حفظ الأمتعة بالوعاء وجعلها فيه أي لاتمنعي فضل المال عن الفقراء (فيوعى الله عليك) أي يمنع عنك فضله ويسد عليك باب المزيد فإسناد الوعاء إلى الله مجاز عن الإمساك أو من باب المقابلة والمراد النهي عن منع الصدقة خوف الفقر ومن علم أن الله تعالى يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب اهـ
في سبل السلام (1/545)
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُؤْبَهُ لَهُ وَلَا يَظْهَرُ بِهِ النُّقْصَانُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا أَذِنَ الزَّوْجُ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامُ قَالَ: ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا» .
إلَّا أَنَّهُ قَدْ عَارَضَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ» وَلَعَلَّهُ يُقَالُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إنَّ إنْفَاقَهَا مَعَ إذْنِهِ تَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ كَامِلًا وَمَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ نِصْفَ الْأَجْرِ، وَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ إنْفَاقِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ إذَا عَرَفَتْ مِنْهُ الْفَقْرَ أَوْ الْبُخْلَ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْإِنْفَاقُ إلَّا بِإِذْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَرَفَتْ مِنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ جَازَ لَهَا الْإِنْفَاقُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ اهـ
( صدقة المرأة من مالها من غير إذن زوجها )
يجوز للمرأة أن تصدق من مالها الخاص بها من غير إذن زوجها وهذا مذهب أكثر أهل العلم والدليل : عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي، قَالَ: «أَوَفَعَلْتِ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ» رواه البخاري (2592) ومسلم (999) قال النووي في شرح مسلم (7/86) وَفِيهِ جَوَازُ تَبَرُّعِ الْمَرْأَةِ بما لها بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا اهـ
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ، وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ»، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ، فَقَالَتْ: لِمَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ»، قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنّ رواه مسلم (885) قال الشوكاني في نيل الأوطار (6/ 24) وَالْحَدِيثُ فِيهِ فَوَائِدُ: مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا لِأَجْلِهِ، وَهُوَ جَوَازُ صَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَالِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنِ زَوْجِهَا أَوْ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهَا كَالثُّلُثِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْقِصَّةِ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا يُقَالُ فِي هَذَا: إنَّ أَزْوَاجَهُنَّ كَانُوا حُضُورًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَوْ نُقِلَ فَلَيْسَ فِيهِ تَسْلِيمُ أَزْوَاجِهِنَّ لَهُنَّ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِإِسْقَاطِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْقَوْمَ صَرَّحُوا بِذَلِكَ اهـ
أما حديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا» رواه أبو داود (3546) وقال الألباني حسن صحيح
قَوْلُهُ: (أَمْرٌ) أَيْ عَطِيَّةٌ مِنْ الْعَطَايَا، وَلَعَلَّهُ عَدَلَ عَنْ الْعَطِيَّةِ إلَى الْأَمْرِ لِمَا بَيْنَ لَفْظِ الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرِ مِنْ الْجِنَاسِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاغَةِ.
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ عَطِيَّةً مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَلَوْ كَانَتْ رَشِيدَةً وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّيْثُ: لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ مُطْلَقًا لَا فِي الثُّلُثِ وَلَا فِيمَا دُونَهُ إلَّا فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ، وَقَالَ طَاوُسٌ وَمَالِكٌ: إنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مَالَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي الثُّلُثِ لَا فِيمَا فَوْقَهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ مِنْ الزَّوْجِ إذَا لَمْ تَكُنْ سَفِيهَةً، فَإِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً لَمْ يَجُزْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَدِلَّةُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ انْتَهَى، وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ ذَكَرَهَا فِي بَابِ هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا
مِنْ كِتَابِ الْهِبَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ قَبْلَ هَذَا، وَحَمَلُوا حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ سَفِيهَةً غَيْرَ رَشِيدَةٍ.
وَحَمَلَ مَالِكٌ أَدِلَّةَ الْجُمْهُورِ عَلَى الشَّيْءِ الْيَسِيرِ، وَجَعَلَ حَدَّهُ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ وَمِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْقَاضِيَةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا التَّصَدُّقُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِذَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَبِالْأَوْلَى الْجَوَازُ فِي مَالِهَا؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِعُمُومِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمَا وَرَدَ مِنْ الْوَاقِعَاتِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ تَكُونُ مَقْصُورَةً عَلَى مَوَارِدِهَا أَوْ مُخَصِّصَةً لِمِثْلِ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالَاتِ فَلَيْسَتْ مِمَّا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ.
انظر نيل الأوطار (6/ 24)
 ( أفضل الصدقة التصدق بالماء )
عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ، فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: «الْمَاءُ رواه أبو داود (1681) وحسنه الألباني
( ما جاء في المنيحة )
عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الجَنَّةَ» رواه البخاري (2631)
قال ابن حجر في فتح الباري (5/243) وَالْمَنِيحَةُ بِالنُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ وَزْنَ عَظِيمَةٍ هِيَ فِي الْأَصْلِ الْعَطِيَّةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمَنِيحَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ صِلَةً فَتَكُونَ لَهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُعْطِيَهُ نَاقَةً أَوْ شَاةً يَنْتَفِعُ بِحَلْبِهَا وَوَبَرِهَا زَمَنًا ثُمَّ يَرُدُّهَا وَالْمُرَادُ بِهَا فِي أَوَّلِ أَحَادِيثِ الْبَابِ هُنَا عَارِيَّةَ ذَوَاتِ الْأَلْبَانِ لِيُؤْخَذَ لَبَنُهَا ثُمَّ تَرُدَّ هِيَ لِصَاحِبِهَا وَقَالَ الْقَزَّازُ قِيلَ لَا تَكُونُ الْمَنِيحَةُ إِلَّا نَاقَةً أَوْ شَاةً وَالْأَوَّلُ أَعْرَف اهـ قال النووي في المجموع (6/243) تُسْتَحَبُّ الْمَنِيحَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ لَهُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ ذَاتُ لَبَنٍ فَيَدْفَعُهَا إلَى مَنْ يَشْرَبُ لَبَنَهَا مدة ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص اهـ
( لا تقبل الصدقة من الحرام )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ رواه مسلم (1015)
قال النووي في شرح مسلم (7/100)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا) قَالَ الْقَاضِي الطَّيِّبُ فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْمُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْقُدُّوسِ وَأَصْلُ الطَّيِّبُ الزَّكَاةُ وَالطَّهَارَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْخَبَثِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي هِيَ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِي الْأَحْكَامِ وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْهَا أَرْبَعِينَ حَدِيثًا فِي جُزْءٍ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنَ الْحَلَالِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِنْفَاقِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوبَ وَالْمَأْكُولَ وَالْمَلْبُوسَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَالِصًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ الدُّعَاءَ كَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِنَاءِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ) إِلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُطِيلُ السَّفَرَ فِي وُجُوهِ الطَّاعَاتِ كَحَجٍّ وَزِيَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَغُذِيَ بِالْحِرَامِ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ الْمَكْسُورَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَيْنَ يُسْتَجَابُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَكَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ اهـ
 ( لا يقبل الله صدقة من غلول )
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ: أَلَا تَدْعُو اللهَ لِي يَا ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ، وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ» رواه مسلم (224)
قال النووي في شرح مسلم (3/103) وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ والغلول الْخِيَانَةُ وَأَصْلُهُ السَّرِقَةُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ القسمة وأما قول بن عامر ادع لى فقال بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ وَكُنْتُ عَلَى الْبَصْرَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّكَ لَسْتَ بِسَالِمٍ مِنَ الْغُلُولِ فَقَدْ كُنْتَ وَالِيًا عَلَى الْبَصْرَةِ وَتَعَلَّقَتْ بِكَ تَبِعَاتٌ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلَا يُقْبَلُ الدُّعَاءُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ كَمَا لَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ إِلَّا مِنْ مُتَصَوِّنٍ وَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ بن عمر قصد زجر بن عَامِرٍ وَحَثَّهُ عَلَى التَّوْبَةِ وَتَحْرِيضَهُ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنِ الْمُخَالَفَاتِ وَلَمْ يُرِدِ الْقَطْعَ حَقِيقَةً بِأَنَّ الدُّعَاءَ لِلْفُسَّاقِ لَا يَنْفَعُ فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالسَّلَفُ وَالْخَلَفُ يَدْعُو لِلْكُفَّارِ وَأَصْحَابِ الْمَعَاصِي بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْبَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ