الخميس، 26 يناير 2017

الجامع لإحكام دماء المرأة عمرو العدوي أبو حبيبة



الجامع لإحكام دماء المرأة عمرو العدوي أبو حبيبة
                                     
                                   أبوحبيبة

عمرو العدوي

ساهم في إخراجها كل من :          
                        

- فضيلة الشيخ / مصطفى بن العدوي .
                    


- فضيلة الشيخ / طارق بن عوض الله في الحديث .
                              



- فضيلة الشيخ / عادل بن يوسف العزازي .

حفظهم الله تعالى .        
             
    




والأحاديث مخرجة على كتب العلامة ابن حجر والألباني والأرنؤوط رحمهم الله  


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يُضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه؛ والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين , وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
هذاكتاب في أحكام  الحيض والنفاس والاستحاضة سميته سلسلة الجامع لإحكام دماء المرأة فهي مسائل تحتاجها المرأة في حياتها لأن هذا الأمر قد كتبه الله عليها  قال النبي صلى الله عليه وسلم إِن هَذَا أَمْر كَتَبَه الله عَزَّ وَجَل عَلَى بَنَاتِ آدَمَ ، ومن العجائب  أن بعض النساء لا يعرفن شيئاً عن هذا الأمر فلا تعلم الفرق بين الحيض والاستحاضة  فعلى هذا يجب على كل امرأة أن تتعلم في مسائل الحيض والنفاس والاستحاضة بل ويجب على كل زوج أن يتعلم من علم الحيض والاستحاضة لكي يُعلِّم امرأته حتى لا يأتي الدم وهي لا تعلم أهذا دم حيض أم دم استحاضة ، حتى لا تأتي لتسأل زوجها عن الحيض والاستحاضة  فيقول لها :  هذه الأحكام؛ لا تخصني لأني لا احيض ولا استحاض فعلى هذا واجب على المرأة  أن تتعلم هذا العلم لأنه يترتب  عليها من أحكام: كالطهارة، والصلاة، ، والصوم، والحج، والبلوغ، والوطء، والطلاق، والعِدّة والاستبراء.
 وهذا الكتاب هو اختصار لكتاب كبير كنت قد جمعته فيما مضى ذكرت فيه أقوال العلماء وذكرت دليل كل فريق وبينت القول الراجح من أقوالهم والرد على أدلة المخالف فخرج مصنفا كبيرا ، فبدا لي أن أختصرة فكثيرا أذكر القول الراجح من أقوال العلماء فقط بالدليل وقليلا أذكر قول كل فريق والرد عليها واذكر القول الراجح ففي هذا البحث أذكر الدليل من الكتاب والسنة من غير تعصب  لمذهب من المذاهب ، ولا نلتفت إِلَى قول : يخالف الدليل من كتاب الله  أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، مهما علا قدر قائله ، فلا عبرة بقول أحد مع قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فما وافق الكتاب والسُّنَّة أخذناه، وما خالفهما تركناه، وقلنا: غفر الله لقائله قال الله عز وجل : {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قليلا ما تذكرون} [الأعراف: 3]   قَالَ الشَّافِعِي وغيره إذَا صَح الْحَدِيث فَهُوَ مذْهبي  إذ لا حجة إلا في كلام لله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، هذا وقد قمت بتخريج الْأَحادِيث مع بيان درجة الحديث – صحة وضعفا – فَإِنْ  كان الحديث في الصحيحين اكتفيت بعزوه إلَيْهَا أَو أحدهما وإِن  كان في الكتب الستة  أو غيرها فاكتفي بذكر واحد منها ؛ إذ المقصود أن تعلم صحة الحديث أو ضعفه  ثم قمت بعرض هذه المسائل على شيخي مصطفى العدوي  وكنت أذهب إليه كل اثنين في مسجد التوحيد في أحمد بدوي أو اذهب اليه في المنصورة  وينظر  إلى بعض المسأئل حتى انتهى منها والحمد لله وكذلك شيخنا عادل العزازي في مسجد عماد الْإِسْلَام في العتبة والتوحيد في أحمد بدوي وشيخنا طارق بن عوض الله في مسجد عماد الْإِسْلَام في العتبة أو من طريق الهاتف ونظر في الحديث فقط واستفدت منهم كثيرا جزاهم الله خيرا ، اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبارك لنا في عمرهم وينفعنا بعلمهم وأخلاقهم وأن يجزيهم عني وعن المسلمين خير جزاء ، اللهم آمين وأخيرا أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن يرحمني يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.

















قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/464)
هذا الباب من أصعب أبواب الفقه عند الفقهاء، وقد أطالوا فيه كثيراً.
وفيما يبدو لنا أنَّه لا يحتاج إِلى هذا التَّطويل والتفريعات والقواعد التي أطال بها الفقهاء ـ رحمهم الله ـ والتي لم يكن كثيرٌ منها مأثوراً عن الصَّحابة رضي الله عنهم.فالمرأة إذا جاءها الحيض تركت الصَّلاة ونحوها، وإِذا طَهُرَتْ منه صلَّت، وإِذا تنكَّر عليها لم تجعله حيضاً.فقواعده في السُّنَّة يسيرة جدًّا، ولهذا كانت الأحاديث الواردة فيه غير كثيرة.ولكن بما أننا نقرأ كلام الفقهاء، فيجب علينا أن نعرف ما قاله الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في هذا الباب، ثم نعرضه على كتاب الله وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فما وافق الكتاب والسُّنَّة أخذناه، وما خالفهما تركناه، وقلنا: غفر الله لقائله اهـ
..تعريف الحيض 0
الحيض لغة سيلان الشيء وجريانه 0
واصطلاحا دَم يُرْخِيه رَحِم الْمَرْأَة بَعْد بُلُوغِهَا فِي أَوْقَات مُعْتَادَة0 انظر المجموع (2/342)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فهو دم طبيعي ليس له سبب من مرض ،أو جرح ،أو سقوط ،أو ولادة ،وبما أنه  دم طبيعي فانه يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها وجوها ولذلك تختلف فيه النساء اختلافا متباينا ظاهراوالحكمة فيه: أنه لما كان الجنين في بطن أمه لا يمكن أن يتغذى بما كان خارج البطن ولا يمكن لأرحم الخلق به أن يوصل إليه شيئا من الغذاء حينئذ جعل الله تعالى في الأنثى إفرازات دموية يتغذى بها الجنين في بطن أمه بدون الحاجة إلى أكل وهضم تنفذ إلى جسمه من طريق السرة حيث يتخلل الدم عروقه فيتغذىبه، فتبارك الله أحسن الخالقين. فهذه هي الحكمة في هذا الحيض، ولذلك إذا حملت المرأة انقطع الحيض عنها، فلا تحيض إلا نادرا. وكذلك المراضع يقل من تحيض منهن لا سيما في أول زمن الإرضاع. الدماء الطبيعية للنساء (ص5)
تنبيه : دم الحائض نجس بالْإِجْمَاع ونقل الْإِجْمَاع النووي رحمه الله  في شرح مسلم 1/588
...أسماء الحيض 0
وله 11 اسم : الحيض والطمث, وَالضَّحِك وَالْإِكْبَار, وَالْإِعْصَاروالدراس, وَالْعَرَاك بالعين, والفراك بالفاء, وَالطَّمْس بالسين, حكاهما صاحب (الأحوذي) , والعاشر النفاس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: (أنفست).ينظرالنجم الوهاج 1/486قلت : والقرء الراجح : أن القُرء هو الحيضة: وهو مذهب الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَحْمَدُ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَقُولُ إنَّهَا الْأَطْهَارُ، وَأَنَا الْيَوْمُ أَذْهَبُ إلَى أَنَّهَا الْحَيْضُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ انظر سبل السلام (2\300) والدليل : عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: تَدَعُ الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي.رواه الترمذي (126) وصححه الألباني قالوا - أَنَّ لَفْظَ الْقُرْءِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ إِلَّا لِلْحَيْضِ، وَلَمْ يَجِئْ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ اسْتِعْمَالُهُ لِلطُّهْرِ، فَحَمْلُهُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْمَعْهُودِ الْمَعْرُوفِ مِنْ خِطَابِ الشَّارِعِ أَوْلَى، بَلْ مُتَعَيِّنٌ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ " «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ» انظر زاد المعاد (5\541)
.. في تاريخ ابتداء الحيض 0
اختلف العلماء في ذلك على قولين القول الأول قالوا : كان أَوَّل مَا أُرْسل الحَيْض عَلَى بَنِي إسْرَائِيل ، هَذَا قَول عبد الله بن مسعود وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
عَن بن مَسْعُود رضي الله عنه  قَال كَان الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي بَنِي إِسْرَائِيل يُصَلُّون جَمِيعًا فَكَانَت الْمَرْأَة تَتَشَرَّف لِلرَّجُل فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَ وَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ ) عزاه ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (1/400) إلى عبد الرزاق وصحح ابن حجر إسناده وقال وَعِنْدَهُ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ 0
القول الثاني قالوا : أن الحيض كان في جميع بنات آدم، فهو مروي عن جمهور السلف منهم ابن عباس رضي الله عنهما  والبخاري رحمه الله 0 انظرشرح فتح الباري لابن رجب (2/11):  وهو الراجح
والدليل : 1- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَحَاضَتْ بِسَرِفَ، قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ، وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» رواه البخاري (5548) ومسلم (1211)
وهذا الحديث يفيد أن ابتداء الحيض كان على بنات آدم جميعا ،.
2- قال ابن حجر وروى الْحَاكِم وبن الْمُنْذر بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ كَانَ عَلَى حَوَّاءَ بَعْدَ أَنْ أُهْبِطَتْ مِنَ الْجَنَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَبَنَاتُ آدَمَ بَنَاتُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ  (فتح الباري 400/1)
3- روى الطَّبَرِيّ وَغَيره عَن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيم وَامْرَأَته قَائِمَة فَضَحكت أَيْ حَاضَتْ وَالْقِصَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِلَا ريب (فتح الباري 400/1)
قال البخاري في صحيحه (1/66) : بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الحَيْضِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ – البخاري - : «وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم أَكْثَرُ» اهـ قال ابن حجر في فتح الباري (1/ 400) : قَوْلُهُ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ قِيلَ مَعْنَاهُ أَشْمَلُ لِأَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ فَيَتَنَاوَلُ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَمَنْ قَبْلَهُنَّ أَوِ الْمُرَادُ أَكْثَرُ شَوَاهِدَ أَوْ أَكْثَرُ قُوَّةً وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ فَإِنَّ نِسَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بَنَاتُ آدَمَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّعْمِيمِ بِأَنَّ الَّذِي أُرْسِلَ عَلَى نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ طُولُ مُكْثِهِ بِهِنَّ عُقُوبَةً لَهُنَّ لَا ابْتِدَاءُ وُجُودِهِ وَقد روى الطَّبَرِيّ وَغَيره عَن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيم وَامْرَأَته قَائِمَة فَضَحكت أَيْ حَاضَتْ وَالْقِصَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِلَا ريب وروى الْحَاكِم وبن الْمُنْذر بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ كَانَ عَلَى حَوَّاءَ بَعْدَ أَنْ أُهْبِطَتْ مِنَ الْجَنَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَبَنَاتُ آدَمَ بَنَاتُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام النساء (1/132) - قال عن أثر ابن مسعود رضي الله عنه - فهذا محمول على أن الحيض اشتد عليهم وكان بمثابة العقوبة لهن من كثرته وشدته وذلك ما قال الله سبحانه وتعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ00) مع أن الطوفان نزل على قوم نوح من قبلهم ، فالمعنى أن الحيض سلط على نساء بني اسرائيل بشدة وبكثرة لعصيانهن ، وليس معنى ذلك أن ابتداءه كان عليهن 0 والله أعلم 0
... الحيض دليل على بلوغ المرأة ؟
البلوغ هو: انْتِهَاء حَد الصِّغَر فِي الإِْنْسَان، لِيَكُون أَهْلا لِلتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ. انظرشرح الزرقاني ( 5 / 290 )
 والبلوغ يحصل بواحد من أربعة أشياء: الأول: الاحتلام عند الرجل والمرأة،قال ابن حجر رحمه الله وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاحْتِلَامَ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَلْزَمُ بِهِ الْعِبَادَاتُ وَالْحُدُودُ وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ وَهُوَ إِنْزَالُ الْمَاءِ الدَّافِقِ سَوَاءٌ كَانَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْيَقَظَةِ أَوِ الْمَنَامِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَا أَثَرَ لِلْجِمَاعِ فِي الْمَنَامِ إِلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ انظر فتح الباري (5/277)
 والدليل : عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: منهم وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، رواه أَبُوداود (4403) حديث صحيح وصححه الحاكم والذهبي والألباني
...الثاني: السن
قال ابن قدامة : . وَأَمَّا السِّنُّ، فَإِنَّ الْبُلُوغَ بِهِ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ دَاوُد: لَا حَدَّ لِلْبُلُوغِ مِنْ السِّنِّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» . وَإِثْبَاتُ الْبُلُوغِ بِغَيْرِهِ يُخَالِفُ الْخَبَرَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ أَصْحَابُهُ: سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ.وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْغُلَامِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا، سَبْعَ عَشْرَةَ، وَالثَّانِيَةُ، ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. وَالْجَارِيَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، أَوْ اتِّفَاقٍ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي مَا دُونَ هَذَا، وَلَا اتِّفَاقَ 00 وما ذكره أصحاب أبي حنيفة ففيما رويناه- أي حديث ابن عمر سيأتي  - جواب عنه. وما احتج به داود لا يمنع إثبات البلوغ بغير الاحتلام إذا ثبت بالدليل. ولهذا كان إنبات الشعر علماً عليه،.انظر المغني (4/346)
قلت : قول الشافعي وغيره هو الصحيح والدليل عن نَافِعٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي»، قَالَ نَافِعٌ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الحَدِيثَ فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ» رواه البخاري (2664) ومسلم (1868) قَالَ ابن حجر : وَاسْتدلَّ بِقصَّة بن عُمَرَ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ فَيُكَلَّفُ بِالْعِبَادَاتِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَيَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْغَنِيمَةِ وَيُقْتَلُ إِنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَيُفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إِنْ أُونِسَ رُشْدُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَأقرهُ عَلَيْهِ راوية نَافِع وَأجَاب الطَّحَاوِيّ وبن الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ الْمَذْكُورَةَ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْقِتَالِ وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادَفَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ تِلْكَ السِّنِّ قَدِ احْتَلَمَ فَلِذَلِكَ أَجَازَهُ وَتَجَاسَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِضَعْفِهِ لَا لِسِنِّهِ وَإِنَّمَا أَجَازَهُ لِقُوَّتِهِ لَا لِبُلُوغِهِ وَيَرِدُ عَلَى ذَلِك مَا أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن بن جريج وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ عُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ وَهِيَ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ لَا مَطْعَنَ فِيهَا لِجَلَالَةِ بن جُرَيْجٍ وَتَقَدُّمِهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ وَقَدْ صَرَّحَ فِيهَا بِالتَّحْدِيثِ فَانْتَفَى مَا يُخْشَى من تدليسه وَقد نَص فِيهَا لفظ بن عمر بقوله وَلم يرني بلغت وبن عُمَرَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي قِصَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ انظر فتح الباري (5/279)
...الثالث: إنبات شعر العانة حول الذكر أو الفرج،
قال ابن قدامة :وَأَمَّا الْإِنْبَاتُ فَهُوَ أَنْ يَنْبُتَ الشَّعْرُ الْخَشِنُ حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، الَّذِي اسْتَحَقَّ أَخْذَهُ بِالْمُوسَى، وَأَمَّا الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، 00وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا اعْتِبَارَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَبَاتُ شَعْرٍ، فَأَشْبَهَ نَبَاتَ شَعْرِ سَائِرِ الْبَدَنِ.انظر المغني (4/345)
قلت : قول الإمام مالك والشافعي هو الصحيح والدليل : عَنْ عَطِيَّةَ القُرَظِيِّ، قَالَ: «عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخُلِّيَ سَبِيلِي»:رواه الترمذي (1584) حديث صحيح وصححه الألباني قال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الإِنْبَاتَ بُلُوغًا، إِنْ لَمْ يُعْرَفْ احْتِلَامُهُ وَلَا سِنُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاق اهـ
قَالَ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع 9/299
أن ينبت حول قُبُله شعر خشن ـ سواء كان ذكراً أو أنثى ـ أي: قوي صلب، احترازاً من الشعر الناعم الخفيف، فهذا يحصل حتى لابن عشر أو أقل، لكن الشعر الخشن القوي الصلب، هذا علامة البلوغ، فلو نبتت لحيته ولم تنبت عانته فليس ببالغ، فالعبرة هي نبات العانة، والدليل حديث عطية القرظي --- وهذا يكون قرينة على أن هذا هو البلوغ.وقوله: «نبت» ظاهره أنه نبت بدون علاج، أما لو كان هناك علاج بأن ادهن هذا الصبي بدهن ينبت به الشعر، فإنه لا يحصل البلوغ بذلك؛ لأن هذه معالجة، لكن إذا نبت بالطبيعة فهذا يحصل به البلوغ اهـ
...رابعا : الحيض عند المرأة :
والدليل : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» رواه أبو داود (641) حديث صحيح قال الألباني في صحيح أبي داود (648) (قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الترمذي: " حديث حسن "والحاكم:حديث صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما اهـ
 إنما أراد به النبي صل الله عليه وسلم من بلغت المحيض.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفَرَائِضَ وَالْأَحْكَامَ تَجِبُ عَلَى الْمُحْتَلِمِ الْعَاقِلِ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ بِظُهُورِ الْحَيْضِ مِنْهَا.انظر المغني (4/345)
...فنلخص مما سبق علامات البلوغ هي أربعة الأولى: الاحتلام  إنزال المني يقظة أو مناماً.الثانية: بلوغ تمام خمسة عشر سنة.  الثالثة: نبات الشعر الخشن حول الفرج وتزيد الأنثى علامة رابعة وهي الحيض فهذه هيعلامات البلوغ إذا وجد واحدة منها فنقول: إن هذا الصبي أو هذه الفتاة قد بلغا سن التكليف.
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع 4/224
ويحصُلُ البلوغُ بواحدٍ مِن أمورٍ ثلاثةٍ بالنسبة للذُّكورِ وهي:
1 ـ تمامُ خمس عشرة سَنَةً.
2 ـ إنباتُ العَانةِ.
3 ـ إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً.
فإذا وُجِدَ واحدٌ مِن هذه الأمورِ الثلاثةِ صارَ الإِنسانُ بالغاً. والمرأةُ تزيدُ على ذلك بأمرٍ رابعٍ وهو الحيضُ، فإذا حاضت ولو لعشرِ سنواتٍ فهي بالغةٌ.انتهى
 ...أقسام الدماء الخارجة من فرج المرأة
تنقسم الدماء الخارجة من فرج المرأة إلى ثلاثة أقسام، الأول: دم الحيض سبق تعريفه القسم الثاني: دم النفاس.وهو دم الولادة .
وأما الدماء التي تنزل من الحامل قبل أن تلد بيومين تستقبل به الولادة، ففيه خلاف بين الفقهاء، فلو قلنا: إن الدم الذي ينزل من الحامل قبل أن تلد بيومين هو دم نفاس فالحكم أنها لا تصلي ولا تصوم، ولو قلنا: إنه دم فساد وعلة فالحكم أنها تصلي وتصوم حتى تلد، والراجح من أقوال أهل العلم أنه ليس بدم نفاس قالت الشافعية – كما في تمام المنة لشيخنا العزازي (1/144) لا يكون النفاس إلا مع الولادة أو بعدها ،وأما قبل الولادة ولو مع الطلق فلا يعد نفاسا ، والله أعلم ، وهذا ما رجحه الطب كما أورد ذلك أبو عمر دبيان بن محمد الدبيان في كتابه ( الحيض والنفاس )
القسم الثالث: دم الاستحاضة. سيأتي تعريفه.
... الفرق بين دم الحيض والاستحاضة :
يميز دم  الحيض التي بواسطتها تعرف المرأة أن هذا الدم هو دم الحيض يمنع الصلاة والصوم وغيرهما ، عن دم الاستحاضة الذي لا يمنع الصلاة والصوم وغيرهما  بأربع علامات: ومعرفة هذه الأمور من العلم والدين قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/ 487) والتَّمييز له أربع علامات: الأولى: اللَّون: فدم الحيض أسودُ،- قلت عمرو: أو بني قاتم - والاستحاضةِ أحمرُ.الثانية: الرِّقة: فدم الحيض ثخينٌ غليظٌ، والاستحاضةِ رقيقٌ.- خفيف -الثالثة: الرَّائحة:فدم الحيض منتنٌ كريهٌ، والاستحاضةِ غيرُ منتنٍ، لأنه دَمُ عِرْقٍ عادي.الرَّابعةُ: التَّجمُّد: فدم الحيض لا يتجمَّد إِذا ظهر، لأنه تجمَّد في الرَّحم، ثم انفجر وسال،فلا يعود ثانية للتجمُّد، والاستحاضة يتجمَّد، لأنه دم عِرْقٍ. هكذا قال بعضُ المعاصرين من أهل الطبِّ، وقد أشار صلّى الله عليه وسلّم إِلى ذلك بقوله:إِنه دَمُ عِرْقٍ» والمعروف أنَّ دماء العروق تتجمَّد.هذا هو الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة اهـ
 ...سن ابتداء الحيض وانتهائه :
اختلف العلماء في سن ابتداء الحيض وانتهائه، ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يمكن الحيض إلا بعد تسع سنين، والدم الذي يدفعه الرحم بعد تمام خمس سنين أو ثمان سنين لا يعتبر حيضاً عندهم.
أما الانتهاء عندهم: فببلوغ المرأة بَعْد الْخَمْسِين لَا تَحِيض. ، فإذا بلغت المرأة الخمسين ونزل منها الدم فلا يعتبر دم حيض عندهم
، واستدلوا : عن  عائشة رضي الله عنها قالت: " إذا بلغت الجارية تسع سنين فهى امرأة " . وروى عن ابن عمر مرفوعا قال الألباني في الارواء(1829) ضعيف مرفوعا.والموقوف علقه البيهقى ولم أقف على إسناده- قلت : ضعفهما شيخنا مصطفى العدوي وطارق بن عوض الله وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ( قال الألباني في الارواء (186) لم أقف عليه).ضعفه شيخنا طارق بن عوض الله
 قالوا : فهذا دليل على أنها قبل التسع السنين لا تكون امرأة، أي: لا تكون حائضاً.ولا حيض بعد الخمسين ، قلت : ولكن هذه الاحاديث ضعيفه  وهناك أقْوال أخْرى ضعيفة  فِي أقل سن تحيض له الْمَرْأة فقيل ستّ، وقيل سبْع. وقيل اثنتا عشرة 0
قلت : الصحيح هو ما ذهب إليه  ابن حزم، وابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه وابن عثيمين : أنه لا يصح تحديد سن للجارية، ولا يصح تحديد سن للمرأة الكبيرة، فلو رأت البنت الجارية عند ست سنين الدَّم المعروف عند النِّساء أنه حيض فهو حيض، ولو رأت عند سبع سنين فهو حيض، والمرأة بعد الخمسين إذا رأت الدَّم المعروف عند النِّساء أنه حيض فهو حيض؛ والدليل على ذلك 0
1- عموم قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً} [البقرة: 222] فقوله: {قُلْ هُوَ أَذىً} حكمٌ معلَّقٌ بِعلَّة، وهو الأذى، فإِذا وُجِدَ هذا الدَّمُ الذي هو الأذى ـ وليس دم العِرْق ـ فإِنَّه يُحكمُ بأنه حيضٌ.
وصحيحٌ أن المرأة قد لا تحيضُ غالباً إلا بعد تمام تسع سنين، لكن النِّساء يختلفن، فالعادةُ خاضعةٌ لجنس النِّساء، وأيضاً للوراثة، فمن النساء من يبقى عليها الطُّهر أربعة أشهر، ويأتيها الحيض لمدَّة شهر كامل، كأنه ـ والله أعلم ـ ينحبس، ثم يأتي جميعاً. ومن النِّساء من تحيض في الشهر ثلاثة أيام، أو أربعة، أو خمسة، أو عشرة.
انظر الشرح الممتع (1/467)
2- قال تعالى: {وَاللاََّّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاََّّئِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أي: عِدَّتهن ثلاثةُ أشهر، ولم يقل: واللائي قبل التسع أو بعد الخمسين، بل قال: واللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن، فالله سبحانه رَدَّ هذا الأمر إِلى معقول معلَّل، فوجب أن يثبت هذا الحكم بوجود هذه الأمور المعقولة المعلَّلة، وينتفي بانتفائها، والمرأة التي حاضت في آخر شهر من الخمسين، وأوَّل شهر من الحادية والخمسين غير آيسة، فهو حيضٌ مطَّردٌ بعدده وعدد الطُّهر بين الحيضات ولا اختلاف فيه، فمن يقول بأنَّ هذه آيسة؟!.
والله علَّق نهاية الحيض باليأس، وتمام الخمسين لا يحصُل به اليأس إِذا كانت عادتُها مستمرَّةٌ، فتبيَّن أنَّ تحديد أوَّله بتسع سنين، وآخره بخمسين سَنَة لا دليل عليه.
فالصَّواب: أنَّ الاعتماد إِنَّما هو على الأوصاف، فالحيض وُصِفَ بأنَّه أذى، فمتى وُجِدَ الدَّمُ الذي هو أذىً فهو حيض.
فإِن قيل: هل جرت العادة أن يذكر القرآن السَّنوات بأعدادها؟.
فالجواب: نعم، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: 15] ، ولو كانت مدَّة الحيض معلومة بالسَّنوات لبيَّنه الله تعالى، لأنَّ التَّحديدَ بالخمسين أوضحُ من التحديد بالإِياس.
انظر الشرح الممتع (1/469)
3- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن دم الحيض قال: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ رواه أبو داود (304) وصححه الحاكم والذهبي وابن حزم وحسنه الألباني ، ولم يقل:النبي صلى الله عليه وسلم عندما تصل المرأة سن تسع سنين فهو حيض .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل للسن الذي يتاتى فيه الحيض حد معين بحيث لا تحيض الانثى قبله ولا بعده وأن ما يأتيها قبله أو بعده فهو دم فساد لا حيض ؟ اختلف العلماء في ذلك 0 قال الدارمي بعد أن ذكر الاختلافات: كل هذا عندي خطأ! لأن المرجع في جميع ذلك إلى الوجود،- يعني وجود الدم -  فأي قدر وجد في أي حالٍ وسنً وجب جعله حيضًا. والله أعلم .
وهذا الذي قاله الدارمي هو الصواب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فمتى رأت الأنثى الحيض فهي حائض، وإن كانت دون تسع سنين أو فوق خمسين، وذلك لأن أحكام الحيض علقها الله ورسوله على وجوده، ولم يحددْ الله ورسوله لذلك سنًّا معينًا، فوجب الرجوع فيه إلى الوجود الذي عُلقت الأحكام عليه، وتحديده بسنّ معين يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة ولا دليل في ذلك.
. الدماء الطبيعية ص6
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (19/240) : وَلَا حَدَّ لِسِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ بَلْ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا بَعْدَ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ زَادَ الدَّمُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الرَّحِمِ لَكَانَ حَيْضًا. وَالْيَأْسُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} لَيْسَ هُوَ بُلُوغُ سِنٍّ، لَوْ كَانَ بُلُوغُ سَنٍّ لَبَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَإِنَّمَا هُوَ أَنْ تَيْأَسَ الْمَرْأَةُ نَفْسُهَا مِنْ أَنْ تَحِيضَ فَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا وَيَئِسَتْ مِنْ أَنْ يَعُودَ فَقَدْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ وَلَوْ كانت بِنْتَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ إذَا تَرَبَّصَتْ وَعَادَ الدَّمُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً  اهـ
أقل الحيض وأكثره
«أكثر الحيض خَمْسَة عَشَر يوماً» والدليل : أولا : لا يعقل أن تكون أكثر أيام المرأة لا تتعبد لله فيها أبداً، فهذا مخالف لمقاصد الشريعة والتكليف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي) رواه مسلم (79) أي: أنه حدد الأوقات التي لا تصلي فيها، ولو كان أكثر عمرها كذلك لقال النبي صلى الله عليه وسلم: تمكث أكثر أيامها لا تصلي
ثانيا : بالعادة، وهو أن العادة أن المرأة لا يزيد حيضها على خمسة عشر يوماً، ولأنَّ ما زاد على هذه المدَّة فقد استغرق أكثر الشهر، ولا يمكن أن يكون زمن الطُّهر أقلَّ من زمن الحيض.
فإِذا كان سِتَّة عشر يوماً، كان الطُّهر أربعة عشر يوماً، ولا يمكن أن يكون الدَّم أكثر من الطُّهر، وعند العلماء أن الدَّم إِذا أطبق على المرأة وصار لا ينقطع عنها، فإِنها تكون مستحاضة، فأكثر الشَّهر يجعل له حُكْم الكُلِّ، ويكون الزَّائد على خمسة عشر يوماً استحاضة، فكلُّ امرأة زاد دمها على خمسة عشر يوماً يكون استحاضة وهو قول أكثر العلماء وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ انظر سنن الترمذي (128) ورجحه ابن باز وهو الراجح  قال ابن قدامة في المغني (1/ 225) : وَلَنَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي الشَّرْعِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، وَلَا حَدَّ لَهُ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، كَمَا فِي الْقَبْضِ، وَالْإِحْرَازِ، وَالتَّفَرُّقِ، وَأَشْبَاهِهَا اهـ قال ابن باز رحمه الله في نور على الدرب (5/393) : الصواب: لا حد لأقله ولا لأكثره، لكن الأغلب أن العادة تكون ستا أو سبعا، هذا هو الأغلب، وقد تصل إلى خمسة عشر، والذي عليه جمهور أهل العلم أنها لا تزيد على خمسة عشر، فإذا زادت فهي استحاضة؛ تصلي معها وتصوم وتحل لزوجها، أما خمسة عشر فأقل فإنها تكون عادة تستمر عليها، وإن نقصت تطهرت بعد ذلك، فعلى كل حال العادة تزيد وتنقص، قد تكون ستا أو سبعا، وقد تزيد يوما وتنقص يوما، فالمؤمنة تجلس فيما ترى من الدم ولو زادت العادة أو نقصت على الصحيح تجلس ولا تصلي، ولا تصوم، ولا تحل لزوجها، حتى تطهر وتغتسل، لكن متى استمرت معها إلى خمسة عشر هذه النهاية على الصحيح، وما زاد تعتبره استحاضة وتصلي، وتصوم، وتحل لزوجها، وترجع إلى عادتها المعروفة قبل هذه الزيادة، وتستمر عليها سواء كانت ستا أو سبعا أو ثمانيا أو عشرا؛ لأنها لما زادت على نصف الشهر اتضح أنها استحاضة، وأنها ليست العادة المعروفة، والعادة الشرعية لا تزيد على نصف الشهر، أقصاها ونهايتها نصف الشهر اهـ
وقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ انظر المغني (1/224):
 إلى أن أقل الحيض ثلاثة أيام، بمعنى: أن المرأة إذا نزل منها دفعة واحدة من الدم فلا يعتبر عندهما حيضاً، فلا بد أنه يستمر معها ثلاثة أيام، وأكثر أيام الحيض عندهما عشرة أيام، فلو زاد على عشرة أيام فهو دم استحاضة.واستدلوا عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ». رواه الدارقطني 847  وقال ابْنُ مِنْهَالٍ مَجْهُولٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ ضَعِيفٌ وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1077) وضعفه شيخنا طارق عوض الله وقال ابن حزم وابن تيمية ورجحه الألباني انظر الضعيفة للألباني (3/609) أنه لا حد لأقله ولا لأكثره اهـ قلت : الراجح أكثر الحيض خَمْسَة عَشَر يوماً فمن حاضت ثمانية أيام مثلا ، ثم طهرت ثمانية أيام أخرى ، ثم رأت الدم ، فهو استحاضة لأن أكثر الحيض خَمْسَة عَشَر يوماً ولا حد لأقله قَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، فَلَوْ رَأَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَانَ حَيْضًا، وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا انظر المبدع في شرح المقنع (1/239)
(وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا) عَنْ عَامِرٍ الشعبي ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَلِيٍّ تُخَاصِمُ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَقَالَ: عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ «اقْضِ بَيْنَهُمَا» قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْتَ هَاهُنَا؟ قَالَ: «اقْضِ بَيْنَهُمَا». قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْتَ هَاهُنَا؟ قَالَ: «اقْضِ بَيْنَهُمَا» فَقَالَ إِنْ جَاءَتْ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ تَزْعُمُ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ تَطْهُرُ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ وَتُصَلِّي، جَازَ لَهَا وَإِلَّا فَلَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: " قَالُونُ، وَقَالُونُ بِلِسَانِ الرُّومِ: أَحْسَنْتَ رواه الدارمي (883) وصححه الألباني وحسين سليم أسد وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا تَوْقِيفًا وَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ اُشْتُهِرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ، وَوُجُودُ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ يَقِينًا انظر كشاف القناع (1/203)
وقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ انظر المغني (1/225) قال ابن عبد البر في الاستذكار (1/348) : وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ عِدَّةَ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَجَعَلَ عِدَّةَ مَنْ لَا تَحِيضُ مِنْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَكَانَ كُلُّ قُرْءٍ عِوَضًا مِنْ شَهْرٍ وَالشَّهْرُ يَجْمَعُ الطُّهْرَ وَالْحَيْضَ فَإِذَا قَلَّ الْحَيْضُ كَثُرَ الطُّهْرُ وَإِذَا كَثُرَ الْحَيْضُ قَلَّ الطُّهْرُ فَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِيَكْمُلَ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ حَيْضٌ وَطُهْرٌ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ كَثْرَةِ النِّسَاءِ وَجِبِلَّتِهِنَّ مَعَ دَلَائِلِ الْقُرْآنِ والسنة على ذلك كما ذكرنا اهـ
ويرى آخرون من أهل العلم, وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله: أنه لا حد لأقل الطهر بين الحيضتين قلت : القول الأول هو الراجح أن أَقَلّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فإن جاء الدم قبل ذلك فلا يكون حيضا ، ويكون استحاضة 0
ولا حد لأكثر الطهر قال النووي في المجموع (2/376) : ولا حد لا كثره بِالْإِجْمَاعِ اهـ
...الحائض ترى الحيض يوماً والطهر يوماً:
إذا كانت المرأة ترى الحيض يوماً وترى الطهر يوماً، فيوم السبت نزل منها دم الحيض ويوم الأحد انقطع، ويوم الإثنين نزل ويوم الثلاثاء انقطع، ويوم الأربعاء نزل ويوم الخميس انقطع، فهذه لها حالتان: الحالة الأولى: أن ينزل الدم يوم السبت، ويوم الأحد ترى الطهر، أي: أنها ترى القصة البيضاء،  أو الجفوف، ففي هذه الحالة يكون يوم السبت حيضاً، ويوم الأحد طهراً، ويوم الإثنين حيضاً، ويوم الثلاثاء  طهراً، وهكذا.وهذا هو الراجح عند أهل العلم،وهو مذهب أكثر أهل العلم منهم المالكية والشافعية والحنابلة فيوم السبت لا تصلي ولا تصوم ، وفي يوم  الأحد إذا رأت الطهر بأن ترى القصة البيضاء أو الجفاف، فتصلي وتصوم بعد الاغتسال وتفعل ما تفعله الطاهر ما لم يتجاوز مجموعُهما أكثرَ الحيض، فإِن تجاوز أكثره فالزَّائد عن خمسة عشر يوماً، يكون استحاضةً؛ لأنَّ الأكثر صار دما كما سبق
والدليل على ذلك أولا: عموم قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222] الحكم يدور حول العلة وجودا وعدما 0
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ) أخرجه أبو داود (286) وحسنه الألباني ، فإن كان الدم فهو حيض، وإن انقطع ورأت  القصة البيضاء أو الجفوف فهو طهر ،الدليل الثالث : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ: «إِذَا رَأَتِ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَلَا تُصَلِّي، وَإِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي» رواه أبوداود (287)  قال الألباني في صحيح أبي داود (2/ 63) (قلت: وصله الدارمي بإسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن حزم: " إنه أصح إسناد )
قال  الشنقيطي : تعرف هذه المسألة بمسألة التّلفيق، فإذا رأت المرأة يوماً دماً، ثمّ يوماً نقاءً – أي طهر-، ثمّ يوماً دماً، ثمّ يوماً نقاءً؛ فالحكم ما ذكره المصنف – أي الإمام أحمد- رحمه الله: يوم الدم يومُ حيض، ويومُ النّقاء يومُ طُهْرٍ، فتحسب عادتها في أيام الدّماء وحْدَها، وهذا هو مذهب جمهور العلماء رحمهم الله، ودليله ظاهر الكتاب، والسُّنة، وهو أن النّصوص فيهما دلّت على أن الحيض في زمانه مترتب على وجود الدم، فإذا وجد الدم حكمنا بكونها حائضاً، وإذا لم يوجد حكمنا بكونها طاهراً، فهذا هو الأصل.انظر زاد المستقنع(1/427)
الحالة الثانية: أن ترى الدم يوماً، ثم في اليوم الثاني لا ترى الدم من غير أن ترى الطهر بالجفاف أو بالقصة البيضاء ولكن  ترى صفرة أو كدرة أو أثر دم ، ففي يوم السبت نزل الدم، وفي يوم الأحد  صفرة أوكدرة ، أو أثر دم ، وهكذا  ففي هذه الحالة تكون حائضاً في جميع هذه الأيام، سيأتي معنى الصفرة والكدرة
وشيخنا مصطفى العدوي حفظه الله له رأي آخر على الحالة الأولى  ولكن ما ذكرته هو الراجح قال شيخنا مصطفى العدوي  في أحكام النساء (1/207):
والذي يظهر لي والله أعلم – أن المرأة إذا كانت ( في مدة حيضتها ) ترى الدم يوما ويتوقف آخر وترى الدم في اليوم الثالث وهكذا فإن ذلك ما دام في مدة الحيض فهو دم حيض ولا عبرة باليوم الذي يتوقف فيه الدم اللهم الا أن ترى في ذلك اليوم القصة البيضاء ، وهذا شيء لم أسمع به ، لم أسمع أن امرأة ترى القصة البيضاء اليوم ثم ينزل عليها دم حيض غدا ثم ترى القصة البيضاء بعد غد فعليه فتوقف الدم في اليوم الذي يتوقف فيه لا عبرة به إنما العبرة برؤية القصة البيضاء بعد انتهاء مدة الحيض ، والله أعلم 0وبنحو هذا أفتى الشيخ عبد الله الجبرين
( من علماء الرياض ) فسئل حفظه الله من سائلة قالت : إن دم الحيض في أيام العادة الشهرية يأتي يومين ثم ينقطع ثم في اليوم الرابع يعود مرة أخرى فهل أصلي اليوم الثالث من أيام العادة أم لا أصلي ؟ فاجأب بقوله : ما دامت المرأة في أيام عادتها التي تعرفها فانها تسقط عنها الصلاة ولا يجزئها الصوم في وسط أيام العادة ولو توقف الدم في بعض الأيام ما دامت في زمن العادة ولم تر علامة الطهر – وهي القصة البيضاء – التي تعرفها النساء علامة على انقضاء الحيض فهذه المراة تتوقف عن الصلاة في أيام عادتها كلها فلا تصلي ولا تصوم 00 في اليوم الثالث الذي ذكرت أو بعده حتى ترى الطهر الكامل 0 (

هل الدم في باطن الفرج يأخذ حكم الحيض ولو لم يخرج بعد ؟

قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين
الدم الذي يكون في باطن الفرج [ مكان إدخال القطنة ] ولا ينتقل ويبرز إلى الظاهر : يعد حيضاً ، ولا يشترط في الدم حتى يأخذ حكم الحيض أن يخرج إلى ظاهر الفرج ، بل إذا بقي في باطن الفرج يلوث القطن الداخل فهو حيض أيضا .
وهو مذهب الشافعية والحنابلة
القول الثاني : ليس بحيض حتى يبرز الدم إلى ظاهر الفرج ، وهو مذهب الحنفية انظر بدائع الصنائع (1/39) ورجحه ابن عثيمين وهو الراجح قال العلامة ابن عثيمين في جلسات رمضانية (16/20) : يرى بعض العلماء أن الحيض إذا انتقل -ليس إذا أوجع البطن- ولكن ما خرج وبقي داخل الفرج، يرى أنه مثل الخارج، وهذا القول ضعيف.
والصحيح: أنه لا تفطر المرأة أو لا يفسد صومها إلا بخروج الحيض بارزاً، أما ما دام مجرد أوجاع أو أنها أحست بأنه انتقل لكن ما خرج فهذا لا يؤثر شيئاً، والدليل على هذا: أن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وسلم: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء) فعلق الحكم برؤية الماء خارجاً، وكذلك الحيض اهـ
...حيض الحامل :
 ذهب أكثر أهل العلم إِلَى أن الحامل لا تحيض وإذا رأت دماً فهو دم فساد، فعليها أن تنظف المحل وتتحفظ وتصلي كل صلاة ويجامعها زوجها ، إذ لا يأخذ هذا الدم أحكام الحيض، وقال المالكية والشافعية: تحيض، وإذا رأت دماً يوافق عادتها أو يطابق صفات دم الحيض فهو حيض، والدليل على أن الحامل لا تحيض قال تعالى [وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ] [الطلاق: 4]
فدل هذا على أن الحامل لا تحيض؛ إذ لو حاضت لكانت عدتها ثلاث حيض، وهذه عدة المطلقة بينما عدة الحامل بوضع الحمل لا بالحيض ثانيا : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسَ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً»رواه ابو داود (2157) حسنه ابن حجر والشوكاني وصححه الألباني:
قالوا : إن استبراء الأمة اعتبر بالمحيض لتحقق براءة الرحم من الحمل، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض
ثالثا : عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْحَامِلًا» رواه مسلم (1471) فطاهر يعني: خالية من الحيض، وحامل؛ لأنها لا تحيض، فجعل الحمل علامة على عدم الحيض.
رابعا : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «إِنَّ الْحُبْلَى لَا تَحِيضُ، فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ، فَلْتَغْتَسِلْ، وَلْتُصَلِّي» رواه الدارمي (985)
 قال الألباني في الإرواء (1/201) وقد استدل به المصنف على أن الحامل إذا رأت دما فليس حيضا لأنه جعل الدليل على براءتها من الحمل الحيض , فلو كان يجتمع الحيض والحمل لم يصلح أن يكون دليلا على البراءة. وهذا ظاهر ويشهد له ما روى الدارمى (1/227 , 228) من طريقين عن عطاء بن أبى رباح عن عائشة قالت: إن الحبلى لا تحيض , فاذا رأت الدم فلتغتسل ولتصل وإسناده صحيح اهـ
قال ابن قدامة :
أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، وَمَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ؛ مِنْهُمْ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَكْحُولٌ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ 000 قال مالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ: مَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ حَيْضٌ إذَا أَمْكَنَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَإِسْحَاقَ لِأَنَّهُ دَمٌ صَادَفَ عَادَةً، فَكَانَ حَيْضًا كَغَيْرِ الْحَامِلِ، وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» فَجَعَلَ وُجُودَ الْحَيْضِ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ. المغني 1/262
قلت : ترجح من كلام الأطباء أنه لا يمكن للحامل أن تحيض وأن ما تراه إنما هو نزيف أو مرض أو جرح فترجح بهذا قول من يرون أن الحامل لا تحيض انظر تمام المنة (1/136)
--- ما حكم صيام الحامل التي نزل عليها دم في نهار رمضان قلت : الحامل لا تحيض كما تقدم ، وما تراه من دم هو دم فساد لا يؤثر على صيامها ولا على صلاتها .
... علامة الطهر :
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
علامةُ الطُّهر معروفةٌ عند النِّساء، وهو سائلٌ أبيضُ يخرج إِذا توقَّفَ الحيضُ، وبعض النِّساء لا يكون عندها هذا السَّائل، فتبقى إِلى الحيضة الثَّانية دون أن ترى هذا السَّائل، فعلامةُ طُهْرِها أنَّها إِذا احتشت بقطنة بيضاء، أي: أدخلتْهَا محلَّ الحيض ثم أخرجَتْهَا ولم تتغيَّرْ، فهو علامةُ طهرها.الشرح الممتع (1/498)
...التغير في مدة الحيض :
إذا زادت مدة الحيض أو نقصت عن المدة المعتادة بأن تكون عادتها مثلا ستة أيام فتزيد لسبع أو عكسه فالصحيح أنه متى رأت الدم فهو حيض ومتى رأت الطهر فهو طهر،قال الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222) والحكم يدور حول العله وجودا وعدما
0قال ابن تيميه رحمه الله :
إذَا تَغَيَّرَتْ عَادَتُهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، أَوْ انْتِقَالٍ، فَذَلِكَ حَيْضٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهَا اسْتِحَاضَةٌ بِاسْتِمْرَارِ الدَّمِ. الفتاوى (19/239
... التغير في وقت الحيض
 وكذلك إذا تقدم أو تاخر الحيض عن عادتها كأن يكون في أول الشهر فتراه مثلا في آخره أو عكس ذلك فالصحيح أنه متى رأت الدم فهو حيض ومتى رأت الطهر فهو طهر كالمسألة السابقة تماما وهذا مذهب الشافعي واختيار ابن تيمية  وقواه صاحب المغني 0 انظر الدماء الطبيعية (16) 
...حكم الصفرة والكدرة :
الْكُدْرَةَ أَيْ: مَا هُوَ بِلَوْنِ الْمَاءِ الْوَسِخِ الْكَدِرِ،وَالصُّفْرَةُ هُوَ: الْمَاءُ الَّذِي تَرَاهُ الْمَرْأَةُ كَالصَّدِيدِ يَعْلُوهُ اصْفِرَارٌ انظر سبل السلام (1/153)
تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن الصفرة والكدرة ليستا من الحيض مطلقا، وهذا مذهب سعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي وابن حزم رحمهم الله تعالى انظر المحلى (1/ 165)
 واستدلوا أولا: عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: «كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا» رواه البخاري في صحيحه (326)
ومعنى قولها: شيئا؛ أي شيئا من الحيض، وظاهر اللفظ العموم.وأجيب هذا الحديث عام يخصص برواية أبي داود عن أم عطية كما سيأتي
ثانيا : عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ، فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي»
( رواه أبو داود)(304) وصححه ابن حزم والنووي.وحسنه الألباني0
قالوا: إن هذا الحديث نص - أي لا احتمال فيه- في كون الحيض هو الدم الأسود، وأن ما عداه لا يعد حيضا ومن ذلك الصفرة والكدرة، والقاعدة في الأصول: [أن النص يجب العمل به، ولا يدخله التأويل].وأجيب هذا الحديث مقيد بحديث أم عطية كما سيأتي 0
القول الثاني : أنهما حيض مطلقا: وهو قول المالكية انظر المحلى (1/388) ودليلهم : عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ، مَوْلاَةِ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنينَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النِّسِاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدِّرَجَةِ  فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، يَسْأَلْنَهَا عَنِ الصَّلاَةِ. فَتَقُولُ لَهُنَّ: لاَ تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ. رواه مالك (1/59/97) وصححه الألباني في الارواء 198 والحديث وإن كان موقوفا فله حكم المرفوع قالوا: إنهما خارجان من الرحم رائحتهما كريهة فيأخذان حكم الحيض وَالدُّرْجَة َهِيَ خِرْقَةٌ أَوْ قُطْنَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ تُدْخِلُهُ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا ثُمَّ تُخْرِجُهُ لتنظر هل بقى شئ مِنْ أَثَرِ الْحَيْضِ أَمْ لَا والكرسف القطن والقصة البيضاء ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض
القول الثالث : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ، وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا انظر المحلى (1/388) ورجحه ابن باز وابن عثيمين وشيخنا مصطفى العدوي ، وهو الراجح والدليل على ذلك : أولا : عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - وَكَانَتْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: «كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ، وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا»  رواه أبو داود (307) قال الألباني إسناده صحيح على شرط مسلم
 فهذا القيد الذي ذكرته أم عطية يدل دلالة واضحة على أن هذا الدم إن كان قبل الطهر فهو حيض أي في أيامه، وما عداها لا يكون حيضا
قال الشوكاني – رحمه الله – في كلامه على حديث أم عطية رضي الله عنها - وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ لَيْسَتَا مِنْ الْحَيْضِ وَأَمَّا فِي وَقْتِ الْحَيْضِ فَهُمَا حَيْض --- وَحَدِيثُ الْبَابِ إنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: إنَّ الْمُرَادَ كُنَّا فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عِلْمِهِ فَيَكُونُ تَقْرِيرًا مِنْهُ. وَيَدُلُّكَ بِمَنْطُوقِهِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلْكُدْرَةِ وَالصُّفْرَةِ بَعْدَ الطُّهْرِ، وَبِمَفْهُومِهِ أَنَّهُمَا وَقْتَ الْحَيْضِ حَيْضٌ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ انظر نيل الأوطار (1/340)
ثانيا : عن عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النِّسِاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدِّرَجَةِ  فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، يَسْأَلْنَهَا عَنِ الصَّلاَةِ. فَتَقُولُ لَهُنَّ: لاَ تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ.
فقولها رضي الله عنها: [لاَ تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ] واضح في الدلالة على أنها إعتبرته حيضاً، وأمرت بالإنتظار حتى ترى السائلةُ علامةَ الطُّهر، وهي القصة البيضاء فدلّ على أنّ الصُّفرة والكُدرة حيض في زمان الحيض قال البخاري : بَابُ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ قال ابن حجر : يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهَا حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ - كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا - بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا رَأَتِ الصُّفْرَةَ أَوِ الْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَعَلَى مَا قَالَتْهُ أُمُّ عَطِيَّةَ انظر فتح الباري (1/426)
--- إذا رأت المرأة في وقت طهرها نقطة دم غير متصلة فإنها لا تلتفت إليها ولا تعد شيئا فقد يحدث ذلك نتيجة إرهاق أو حمل شيء ثقيل أو مرض
 سؤر الحائض 0
السؤر هو: ما بقي في الإناء  بعد الشرب فهو طاهر
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها  قَالَتْ: «كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ، فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ» رواه مسلم (300)
قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 349)
قَوْلُهُ: (أَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ) الْعَرْقُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا قَافٌ: الْعَظْمَ، وَتَعَرَّقَهُ: أَكَلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ اللَّحْمِ، ذُكِرَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْقَامُوسِ.وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِيقَ الْحَائِضِ طَاهِرٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِيمَا أَعْلَمُ، وَعَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِهَا مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.اهـ
--- جواز نوم الحائض مع زوجها في لحاف واحد:
فعن أم سلمة قالت: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيصَةٍ، إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، قَالَ: «أَنُفِسْتِ» قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي، فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ
أخرجه البخاري (298)، ومسلم (296)
قال النووي في شرح مسلم (1/ 954): فَفِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِوَالِاضْطِجَاعِ مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ... اهـ.
... كيف تغتسل المرأة من المحيض ؟
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ؟ فَقَالَ: «تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا» فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، تَطَهَّرِينَ بِهَا» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ، رواه مسلم (332)
قال شيخنا مصطفى العدوي  في أحكام النساء (5/36)
وعلى هذا فتتلخص صفة الغسل من المحيض في الآتي:
 تحضر المرأة ماءها وسدرتها ( والسدر الذي يوضع مع الماء هو السدر المسحوق ) ، أو ما يقوم مقام السدر كالصابون ونحوه ، فتتوضأ وتحسن الوضوء  ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى يصل الماء إلى منابت الشعر ، ولا يلزم من ذلك حل ضفائرها إلا إذا كان حل الضفائر يساعد على وصول الماء إلى منابت الشعر ، ثم تصب الماء على نفسها مبتدئة بالايمن ، ثم سائر الجسد ، ثم تأتي بقطعة قماش ( أو ما يقوم مقامها)ممسكة فتتبع بها أثر الدم وهذا الأخير ( أعني استعمال الطيب للفرج وأثر الدم ) متأكد- وإن كان ليس بواجب – يدل على تاكده واستحبابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للحادة التي حرم عليها استعمال الطيب في شيء مخصوص منه ، فقد أخرج البخاري من حديث أم عطية رضي الله عنها قالت ( في شان الحادة )، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ، إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا، فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ0
 –النبذة : القطعة- من كست – الكست : هو القسط البحري ، وهو بخور معروف- أظفار – الأظفار : نوع من العطر يشبه الظفر يوضع في البخور –
فائدة : قال فريق من العلماء : إن الغرض من استعمال المسك هو تطييب المحل 0 أي : الفرج ) ودفع الرائحة الكريهة ، ليكمل استمتاع الزوج بإثارة الشهوة وكمال اللذة 0
وقول آخر : إن المراد لكونه أسرع إلى علوق الولد 0 والله تعالى أعلم انتهى
لا يجب على المرأة إذا اغتسلت من جنابة أو حيض غسل داخل الفرج في اصح القولين والله أعلم  انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (21/297)
.... لَوْ أَحْدَثَ – أي أخرج ريح أو نحوه - الْمُغْتَسِلُ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي غُسْلِهِ بَلْ يُتِمُّهُ وَيُجْزِيه فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ نَصَّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْغُسْلَ: دَلِيلُنَا أَنَّ الْحَدَثَ لَا يُبْطِلُ الْغُسْلَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فلا يبطله في أثنائه كالاكل انظر المجموع (2/200)0
هل يجزئ الغسل عن الوضوء؟
قلت : ذهب جمهور العلماء  على أن الوضوء لمريد الاغتسال سنَّة مستحبة ولا يجب، وقال أبو ثور وداود: هو واجب انظرموسوعة مسائل الجمهور مسألة (88)
قلت : الصحيح أن الوضوء في الغسل سنة ولا يجب يعني لو أَفاضت الماء على جميع بدنها منْ غير وضوء صح غسلها ويجوز الصلاة بهذا الغسل ولكن  الْأَفضل أَنْ تتوضأ  أما إن كان الغسل كغسل الجمعة والعيدين فلا يجزئ هذا الغسل عن الوضوء قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (21/ 396) : وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَمَرَنَا بِالطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَبِالتَّيَمُّمِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَالَ: {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} فَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ. ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} فَأَمَرَ بِالتَّطَهُّرِ مِنْ الْجَنَابَةِ كَمَا قَالَ فِي الْمَحِيضِ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} وَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّطَهُّرَ هُوَ الِاغْتِسَالُ. وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ إلَّا الِاغْتِسَالُ وَأَنَّهُ إذَا اغْتَسَلَ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلَاةَ. وَالْمُغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد: أَنَّ عَلَيْهِ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْوُضُوءِ وَلَا تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد. وَقِيلَ: لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ إلَّا بِهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَرْتَفِعُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَد وَالْقُرْآنُ يَقْتَضِي: أَنَّ الِاغْتِسَالَ كَافٍ. وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ حَدَثٌ آخَرُ بَلْ صَارَ الْأَصْغَرُ جُزْءًا مِنْ الْأَكْبَرِ. كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْغَرِ جُزْءٌ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الْأَكْبَرِ فَإِنَّ الْأَكْبَرَ يَتَضَمَّنُ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَاَللَّوَاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ: {اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءِ وَسِدْرٍ. وَابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا} . فَجَعَلَ غَسْلَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ جُزْءًا مِنْ الْغُسْلِ لَكِنَّهُ يُقَدَّمُ كَمَا تُقَدَّمُ الْمَيَامِنُ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ نَقَلُوا صِفَةَ غُسْلِهِ كَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَكَرَتْ {أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى شَعْرِهِ ثُمَّ عَلَى سَائِرِ بَدَنِهِ} وَلَا يَقْصِدُ غَسْلَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ وَكَانَ لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ. فَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ لَا يَغْسِلَانِ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَلَا يَنْوِيَانِ وُضُوءًا بَلْ يَتَطَهَّرَانِ وَيَغْتَسِلَانِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: {فَاطَّهَّرُوا} أَرَادَ بِهِ الِاغْتِسَالَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَيْضِ {حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أَرَادَ بِهِ الِاغْتِسَالَ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد اهـ  
 قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في نور على الدرب 7/ 2
إذا أصاب الإنسان جنابة فإنه يكفيه الغسل عن الوضوء 000ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر صفة معينة فإن قال قائل هذا مجمل والسنة بينت أنه لابد من الوضوء قبل الغسل ومن غسل الرأس ثلاثا قبل غسل بقية البدن حسب ما جاءت به السنة قلنا هذا الإيراد وارد لكن قد ثبت في صحيح البخاري في حديث عمران بن حصين -الطويل- (في قصة الرجل الذي أعتزل قومه ولم يصل فسأله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فقال أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء فأعطى هذا الرجل منه وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) ولم يبين له صلى الله عليه وسلم كيفية معينة فدل هذا على أنه متى حصل تطهير جميع البدن ارتفعت الجنابة ويدخل الحدث الأصغر في الحدث الأكبر كما تدخل العمرة في الحج فيمن حج قارناً.انتهى
قال الشيخ عبد العزيز بن باز في مجموع الفتاوى " (10/175) :
" السنة للجنب: أن يتوضأ ثم يغتسل ; تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم , فإن اغتسل غسل الجنابة ناويا الطهارة من الحدثين: الأصغر والأكبر أجزأه ذلك , ولكنه خلاف الأفضل , أما إذا كان الغسل مستحبا ; كغسل الجمعة , أو للتبرد، فإنه لا يكفيه عن الوضوء ; بل لا بد من الوضوء قبله أو بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) متفق على صحته.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور) أخرجه مسلم في صحيحه.ولا يعتبر الغسل المستحب أو المباح تطهرا من الحدث الأصغر إلا أن يؤديه كما شرعه الله في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6.
أما إذا كان الغسل عن جنابة أو حيض أو نفاس ونوى المغتسل الطهارتين دخلت الصغرى في الكبرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق على صحته " انتهى.
....حكم الوضوء بعد الغسل:
إذا اغتسل ، فعم جميع بدنه بالماء ، ولم يتوضأ، أو أتى بالوضوء قبل الغسل، فلا يشرع له الوضوء بعد الغسل، إلا إذا أتى بناقض من نواقض الوضوء.عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ وَصَلاَةَ الغَدَاةِ –الفجر- وَلاَ أَرَاهُ يُحْدِث وُضُوءاً بَعْدَ الغُسْلِ. أخرجه أبو داود (250) صححه الألباني
قال العلامة ابن عثيمين في نور على الدرب 7/2
إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئ عن الوضوء لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولا يجب عليه إعادة الوضوء بعد الغسل إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء وأحدث بعد الغسل فيجب عليه أن يتوضأ وأما إذا لم يحدث فإن غسله عن الجنابة يجزئه عن الوضوء سواء توضأ قبله أم لم يتوضأ انتهى
...ليس على المرأة أن تنقض ضفيرتها لغسل الجنابة : وهو مذهب الائمة الاربعة انظر المغني (1/166) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: «لَا. إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ».رواه مسلم (330)
ولكن هل يجب عليها  نقض  الضفائر في غسل الحيض 0
قلت : ذهب أكثر أهل العلم منهم  الشافعي ومالك وأبو حنيفة إلى أنه مستحب وليس بواجب – وهو الراجح انظر تهذيب السنن (1/293) مع العون وقال أحمد رحمه الله  يجب0
 قال ابن قدامة رحمه الله :
وَأَمَّا نَقْضُهُ لِلْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا إذْ كَانَتْ حَائِضًا: «خُذِي مَاءَك وَسِدْرَك، وَامْتَشِطِي» . وَلَا يَكُونُ الْمَشْطُ إلَّا فِي شَعْرٍ غَيْرِ مَضْفُورٍ، وَلِلْبُخَارِيِّ: «اُنْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي» . وَلِابْنِ مَاجَهْ: «اُنْقُضِي شَعْرَك وَاغْتَسِلِي»؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ نَقْضِ الشَّعْرِ لِيَتَحَقَّقَ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ، فَعُفِيَ عَنْهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيَشُقُّ ذَلِكَ فِيهِ، وَالْحَيْضُ بِخِلَافِهِ، فَبَقِيَ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فِي الْوُجُوبِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَلِلْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: لَا، إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْك الْمَاءَ، فَتَطْهُرِينَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ وَرَوَتْ «، أَسْمَاءُ، أَنَّهَا سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ، فَقَالَ: تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا، فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ كَانَ النَّقْضُ وَاجِبًا لَذَكَرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مِنْ الْبَدَنِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ، كَسَائِرِ الْبَدَنِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ، الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ بِالْغُسْلِ، وَلَوْ أُمِرَتْ بِالْغُسْلِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ غُسْلَ الْحَيْضِ، إنَّمَا أُمِرَتْ بِالْغُسْلِ فِي حَالِ الْحَيْضِ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ فَإِنَّهَا قَالَتْ: أَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْت ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " دَعِي عُمْرَتَك، وَانْقُضِي رَأْسَك، وَامْتَشِطِي ". وَإِنْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالْغُسْلِ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْمَشْطِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَوْلَى انظر المغني (1/167)0
---هل يجب على  المرأة  أن تتوضأ من مس فرجها ؟:
قلت : اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال 0
 : القول الأول : مس الفرج  ينقض الوضوء مطلقًا: وهو مذهب الشافعي وأحمد في روايه انظر المجموع ( 2/43) ورجحه شيخنا مصطفى العدوي
ودليلهم : عن عبد الله بن عمرو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأ رواه أحمد (7076) صححه البخاري والألباني في صحيح الجامع (2725)
القول الثاني: ينقض إذا كانت مست فرجها بشهوة ولا ينقض إذا مسّت بدون شهوة : وهو رواية عن مالك،  والقائلون بهذا حملوا حديث عبد الله بن عمرو على ما إذا كان لشهوة وحديث طلق بن علي سيأتي على ما إذا كان لغير شهوة، قالوا: دل عليه قوله: « إنما هو منك » فإذا مست فرجها بغير شهوة صار كأنما مست سائر أعضائها  
الثالث: الوضوء من مسِّ الفرج مستحب مطلقًا وليس بواجب: وهو مذهب أبي حنيفة وروايه عن مالك انظر المجموع (2/43) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية انظر مجموع الفتاوى 21/241  وهو الراجح.
والدليل : عن قَيْس بْن طَلْق الْحَنَفِيّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَقَالَ: «لَيْسَ فِيهِ وُضُوءٌ، إِنَّمَا هُوَ مِنْكَ» رواه أبو داود (182) وابن ماجه (483) واللفظ له قال الألباني في صحيح أبي داود (1/ 333) (قلت: إسناده صحيح. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"، والطحاوي وقال: " صحيح مستقيم الاسناد "، وصححه أيضا عمرو بن علي الفَلاس والطبراني وابن حزم، وحسنه الترمذي اهـ. فإذا كانت العلة في عدم النقض من مس الذكر كونه بضعة من جسم الرجل، فكذلك فرج المرأة بضعة من جسدها، لا يوجب وضوءًا.

قلت : وحديث طلق يخص الذكر ولكن الأصل أن النساء شقائق الرجال في الأحكام قال: النبي صلى الله عليه وسلم النِّسَاء شَقَائِقُ الرِّجَالِ رواه الترمذي (113) وصححه الألباني ويجمع بين حديث عبد الله بن عمرو وحديث طلق بأن يحمل الأمر بالوضوء في حديث عبد الله على الاستحباب لوجود الصارف عن الوجوب في حديث طلق
تنبيهات : 1- مس المرأة فرج زوجها لا ينقض وضوءها إذ ليس هناك دليل صريح في ذلك 0انظر أحكام النساء لشيخنا 1/41
2- مس المرأة دبرها لا ينقض وضوءها إذ ليس هناك دليل على ذلكوهو مذهب مالك ورواية عن أحمد انظر المغني 1/134    
3- مس المرأة ذكر طفلها لا ينقض وضوءها  إذ ليس هناك دليل على ذلك 0وهو قول مالك و الزهري والأوزاعي 0 انظر «الكافي» لابن عبد البر (1/ 149)، و «الأوسط» (1/ 210).
4- سئل  ابن تيمية رحمه الله إذَا تَوَضَّأَ وَقَامَ يُصَلِّي أَحَسَّ بِالنُّقْطَةِ فِي صَلَاتِهِ، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا أَصَابَ النُّقْطَةَ يَغْسِلُ الثَّوْبَ؟
الْجَوَابُ: مُجَرَّدُ الْإِحْسَاسِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» ، وَأَمَّا إذَا تَيَقَّنَ خُرُوجَ الْبَوْلِ إلَى ظَاهِرِ الذَّكَرَ، فَقَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَعَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ إذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.الفتاوى الكبرى(1/281)
  ....- إذا سمعت الحائض الآية فيها السجدة فلا نعلم مانعا لها من السجود بل يجوز لها أن تسجد فالوضوء ليس شرطا لسجدة التلاوة والدليل : عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَالجِنُّ وَالإِنْسُ»  رواه البخاري (1071) ويبعد أن يكون الجميع على وضوء حينئذ وبنحو هذا القول قال الزُّهْرِيّ، وَقَتَادَة انظر مصنف عبد الرزاق (1231) وابن حزم وابن تيمية ورجحه ابن باز وابن عثيمين وشيخنا مصطفى العدوي وشيخنا محمد عبد المقصود 0
قال الشوكاني: لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ السَّاجِدُ مُتَوَضِّئًا وَقَدْ كَانَ يَسْجُدُ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَضَرَ تِلَاوَتَهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْوُضُوءِ، وَيَبْعُد أَنْ يَكُونُوا جَمِيعًا مُتَوَضِّئِينَ. وَأَيْضًا قَدْ كَانَ يَسْجُدُ مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُمْ أَنْجَاسٌ لَا يَصِحُّ وُضُوؤُهُمْ نيل الأوطار» (3/ 125)
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (23/166) : وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُجَوِّزُونَ فِعْلَهَا إلَّا مَعَ الطَّهَارَةِ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا لِلْحَدِيثِ. -- وَعَلَى هَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: (بَابُ سَجْدَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكُ نَجِسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ) . قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَذَكَرَ {سُجُودَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّجْمِ لَمَّا سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ} --- وَهَذَا فَعَلُوهُ تَبَعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَرَأَ قَوْلَهُ: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا.} وَمَعْلُومٌ أَنَّ جِنْسَ الْعِبَادَةِ لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ بَلْ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ. فَكَذَلِكَ جِنْسُ السُّجُودِ يُشْتَرَطُ لِبَعْضِهِ وَهُوَ السُّجُودُ الَّذِي لِلَّهِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ وَسَجْدَتَيْ السَّهْوِ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَسُجُودِ الشُّكْرِ وَسُجُودِ الْآيَاتِ اهـ قال ابن حزم في المحلى (1/ 94) : وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودُ فِيهِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى جَائِزٌ، كُلُّ ذَلِكَ بِوُضُوءٍ وَبِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودَ فِيهِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَفْعَالُ خَيْرٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا مَأْجُورٌ فَاعِلُهَا، فَمَنْ ادَّعَى الْمَنْعَ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ اهـ
....- إذا جامع الرجل أهله ثم اغتسل فلا بأس أن يستدفيء بها حتى قبل أن تغتسل هي وبذلك قال أكثر أهل العلم انظر أحكام النساء لشيخنا 5/105 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «رُبَّمَا اغْتَسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الجَنَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ فَاسْتَدْفَأَ بِي، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ وَلَمْ أَغْتَسِلْ» رواه الترمذي (123) قلت : حديث ضعيف قال الترمذي:" ليس بإسناده بأس "! وصححه الحاكم والذهبي وضعفه ابن العربي والألباني قلت : فيه حُرَيْثُ بْنُ أَبِي مَطَرٍ الْفَزَارِيُّ قال ابن حجر في التقريب (1182) : ضعيف اهـ قال الترمذي وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعِينَ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا اغْتَسَلَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَدْفِئَ بِامْرَأَتِهِ وَيَنَامَ مَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ المَرْأَةُ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ "
 ....اجتماع أشياء موجبة للغسل يجزيء لها غسل واحد
قال ابن قدامة في المغني 1/221
إذَا اجْتَمَعَ شَيْئَانِ يُوجِبَانِ الْغُسْلَ، كَالْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ، أَوْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَالْإِنْزَالِ، وَنَوَاهُمَا بِطَهَارَتِهِ، أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا. قَالَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَأَبُو الزِّنَادِ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ، فِي الْحَائِضِ الْجُنُبِ، يَغْتَسِلُ غُسْلَيْنِ.وَلَنَا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجِمَاعِ إلَّا غُسْلًا وَاحِدًا» ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ، إذْ هُوَ لَازِمٌ لِلْإِنْزَالِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ؛ وَلِأَنَّهُمَا سَبَبَانِ يُوجِبَانِ الْغُسْلَ، فَأَجْزَأَ الْغُسْلُ الْوَاحِدُ عَنْهُمَا، كَالْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ إنْ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ تُوجِبُ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى كَالنَّوْمِ، وَخُرُوجِ النَّجَاسَةِ، وَاللَّمْسِ، فَنَوَاهَا بِطَهَارَتِهِ أَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْجَمِيعِ.وَإِنْ نَوَى أَحَدَهَا، أَوْ نَوَتْ الْمَرْأَةُ الْحَيْضَ دُونَ الْجَنَابَةِ، فَهَلْ تُجْزِئُهُ عَنْ الْآخَرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ غُسْلٌ صَحِيحٌ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ عَمَّا نَوَاهُ دُونَ مَا لَمْ يَنْوِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ". وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ، هَلْ تُجْزِئُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، مَضَى تَوْجِيهُهُمَا فِيمَا مَضَى.انتهى
.... أحكام الحائض من حيث الصلاة و الصوم :
--- عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» رواه البخاري (304)
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (1/637): أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال 0
--- الحائض لا تقضي الصلاة وتقضي الصوم
 عنْ مُعَاذَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» رواه مسلم (335)
قال النووي رحمه الله في المجموع( 2/351) :
وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جرير وآخرون الإجماع أنها لا تقتضي الصَّلَاةَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ اهـ
--- إِنْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْ تِلْكَ الصَّلَاةَ قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين القول الأول : سَقَطَتْ عَنْهَا، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وابن حزم ورجحه ابن باز وهو الراجح
القول الثاني : قَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَإِسْحَاقُ: عَلَيْهَا الْقَضَاءُ ورجحه ابن عثيمين وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تُصَلِّيَهَا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ.
قَالَ ابن حزم : بُرْهَانُ قَوْلِنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا مَحْدُودًا أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَفِي آخِرِ وَقْتِهَا، فَصَحَّ أَنَّ الْمُؤَخِّرَ لَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا لَيْسَ عَاصِيًا. لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَفْعَلُ الْمَعْصِيَةَ فَإِذًا هِيَ لَيْسَتْ عَاصِيَةً فَلَمْ تَتَعَيَّنْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا بِعُدُولِهَا تَأْخِيرَهَا، فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهَا حَتَّى حَاضَتْ فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا، وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَكَانَ مَنْ صَلَّاهَا بَعْدَ مُضِيِّ مِقْدَارِ تَأْدِيَتِهَا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا قَاضِيًا لَهَا لَا مُصَلِّيًا، وَفَاسِقًا بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَمُؤَخِّرًا لَهَا عَنْ وَقْتِهَا،وَهَذَا بَاطِلٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ انظر المحلى 1/394
--- فَإِنْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِمِقْدَارِ مَا لَا يُمْكِنُهَا الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَلَا تَلْزَمُهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ وَلَا قَضَاؤُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِنَا.وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ – ابن حزم - : بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُبِحْ الصَّلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ، وَقَدْ حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِلصَّلَوَاتِ أَوْقَاتَهَا، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّهُورُ وَفِي الْوَقْتِ بَقِيَّةٌ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تُكَلَّفْ تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتِهَا.المحلى 1/395
--- إذا طهرت الحائض في وقت الثانية من صلاتي الجَمْع، العصر أو العشاء، فهل يجب مع أداء الثانية قضاء الأولى؟
تنازع أهل العلم في ذلك على قولين :
القول الأول: أنَّ الصلاة تلزمها، وما يُجمع إليها قبلها.
وهو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَامَّةُ التَّابِعِينَ يَقُولُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ انظر المغني (1/ 287) ورجحه ابن باز في مجموع فتاوى (10/ 216)
 القول الثاني: أنه لا يلزمه سوى وقت واحد، فلا تلزمه الظهر ولا المغرب، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وأبي حنيفة ، والحسن انظر المغني (1/ 287) وقتادة وحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، واختاره ابن المنذر ورجحه ابن عثيمين  لِأَنَّ وَقْتَ الْأُولَى خَرَجَ فِي حَالِ عُذْرِهَا، فَلَمْ تَجِبْ كَمَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ وَقْتِ الثَّانِيَةِ شَيْئًا وهو الراجح فلو طهرت قبل خروج وقت المغرب فإنه لا يلزمها إلا صلاة العصر فقط ولا تلزمها صلاة الظهر وكذلك لو طهرت قبل خروج وقت العشاء فإنه لا يلزمها إلا صلاة العشاء ، ولا تلزمها صلاة المغرب برهان ذلك 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ رواه البخاري (580) ومسلم (607) قال العلماء وأل» في قوله: «الصَّلاة» للعهد، أي: أدرك الصَّلاة التي أدرك من وقتها ركعة، وأما الصَّلاة التي قبلها فلم يدرك شيئاً من وقتها، وقد مَرَّ به وقتها كاملاً، وهو ليس أهلاً للوجوب فكيف نلزمه بقضائها وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ» رواه البخاري (579) ومسلم (608) ولم يذكر وجوب قضاء الظُّهر 0
2- أن النساء كن يحضن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد قط أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة منهن بعد طهرها أن تصلي صلاة فاتتها قبل نزول الحيض عليها 0
 قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (1/395) : فَإِنْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِمِقْدَارِ مَا لَا يُمْكِنُهَا الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَلَا تَلْزَمُهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ وَلَا قَضَاؤُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ – ابن حزم -: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُبِحْ الصَّلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ، وَقَدْ حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِلصَّلَوَاتِ أَوْقَاتَهَا، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّهُورُ وَفِي الْوَقْتِ بَقِيَّةٌ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تُكَلَّفْ تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتِهَا اهـ
.... هل مرور المرأة الحائض أمام المصلى هل يبطل صلاته 
قلت : اختلف العلماء في ذلك على قولين ؛
القول الأول :قالوا مرور المرأة أمام الرجل يقطع صلاته  : وهو روايه عن أحمد ومذهب ابن حزم وغيرهما انظر المحلى (4/8) واختاره ابن القيم واستدلوا : عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ» قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» رواه مسلم (510)
 وقد وردت أحاديث أخرى بمعنى هذا الحديث قال النووي في شرح مسلم (4/227) : وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ – أي أصحاب القول الثاني - هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ نَقْصُ الصَّلَاةِ لِشُغْلِ الْقَلْبِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِبْطَالُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي نَسْخَهُ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمَرْءِ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتَأْوِيلِهَا وَعِلْمِنَا التَّارِيخَ وَلَيْسَ هُنَا تَارِيخٌ وَلَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَالتَّأْوِيلُ بَلْ يُتَأَوَّلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ اهـ
القول الثاني :   ذهب أكثر أهل العلم إلى أن مرور المرأة أمام الرجل لا يقطع الصلاة  روى ذلك عن عثمان، وعلى، وحذيفة، وابن عمر، ومن التابعين: الشعبى، وعروة، وهو قول مالك، والثورى، وأبى حنيفة، والشافعى، وأبى ثور، وجماعة، انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال ( 2/141) قال الترمذي في سننه (337) : وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، قَالُوا: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ اهـ ورجحه شيخنا مصطفى العدوي 0
وهو الراجح والدليل أولا : عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالمَرْأَةُ، فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُونَا بِالحُمُرِ وَالكِلاَبِ، وَاللَّهِ «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ، فَأُوذِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ» رواه البخاري (514) ومسلم.(512)
فلو كانت تقطع صلاته ما استمرَّ في صلاته.
ثانيا : عَنْ أَنَسٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ فَمَرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حِمَارٌ , فَقَالَ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ , فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: «مَنِ الْمُسَبِّحُ آنِفًا سُبْحَانَ اللَّهِ؟» , قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ أَنَّالْحِمَارَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ , قَالَ:  «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ» رواه الدَّارَقُطْني (1380) وقال الحافظ في " الدراية "(ص 104) :" إسناده حسن وصححه أحمد شاكر وضعفه الألباني ولكن الصحيح انه حديث حسن بشواهده بلفظ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْء دزن القصة كما بينت ذلك في كتابي الأحاديث الصحيحة
ثالثا : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلاَةً، قَالَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَيَّ لِيَقْطَعَ الصَّلاَةَ عَلَيَّ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَذَعَتُّهُ وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثِقَهُ إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا، فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: رَبِّ {هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}  فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِيًا رواه البخاري 1210 ومسلم (541) وجه الاستشهاد  أن الشيطان مر أمام رسول الله ولم يقطع صلاته فكذلك الكلب الاسود لا يقطع الصلاة فهو شيطان  أيضا ومن ثم المرأة والحمار للاقتران الوارد في الحديث والله  أَعلم انظر أَحكام النساء لشيخنا العدوي 5/111
رابعا : عَنْ عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، قَالَا: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوهُمْ عَنْكُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2884) وصححه شعيب الأرنؤوط 0
قال ابن عبد البر في التمهيد 2/345
وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَلَوْ كَانَ خِنْزِيرًا وَإِنَّمَا يَقْطَعُهَا مَا يُفْسِدُهَا مِنَ الْحَدَثِ وَغَيْرِهِ - مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ0
.... - ما حكم دخول الحائض والنفساء المسجد ؟ 
تنازع العلماء في ذلك على قولين الصحيح في هذه المسألة
يجوز للحائض والنفساء دخول المسجد والمكث فيه ويجوز لها الاعتكاف في المسجد وهو  مذهب المزني ، وداود ، وابن حزم . وابن المنذر 0 ينظر المحلى 1/402 وفيض القدير 2/390- ورجحه الألباني وشيخنا مصطفى العدوي وشيخنا حسن أبو الأشبال والدليل : أولا : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، اقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» أخرجه البخاري (5559) ، ومسلم (1211) .
قال ابن حزم : وَلَوْ كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَائِشَةَ، إذْ حَاضَتْ فَلَمْ يَنْهَهَا إلَّا عَنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ لَا يَحِلُّ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَنْهَاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ الطَّوَافِ انظر المحلى 1/402 .
ثانيا : عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ وَلِيدَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَتْ فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أخرجه البخاري (439) .
قال ابن حزم رحمه الله : فَهَذِهِ امْرَأَةٌ سَاكِنَةٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَعْهُودُ مِنْ النِّسَاءِ الْحَيْضُ فَمَا مَنَعَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ وَلَا نَهَى عَنْهُ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ فَمُبَاحٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا» وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَائِضَ وَالْجُنُبَ مُبَاحٌ لَهُمَا جَمِيعُ الْأَرْضِ، وَهِيَ مَسْجِدٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الْمَسَاجِدِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَائِشَةَ، إذْ حَاضَتْ فَلَمْ يَنْهَهَا إلَّا عَنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ لَا يَحِلُّ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَنْهَاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ الطَّوَافِ.وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
انظر المحلى  1/401
قلت : أما حديث  عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» رواه أبوداود (232) ضعفه البيهقي وابن حزم وأبو محمد عبد الحق والألباني
تنبيه : من السنة  دخول المسجد باليمين والخروج منه بالشمال
 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَ، يَقُولُ: «مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى، وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُسْرَى» رواه  الحاكم (791) حديث حسن وصححه الحاكم والذهبي وحسنه الألباني في الصحيحه 5/626
--- تقضي الحائض والنفساء صوم رمضان في أي يوم من أيام السنة ويجوز تأخيره ما لم يأت رمضان آخر، وهو قول جمهور الفقهاء انظر المحرر 1/ 227 وهو الراجح والدليل : عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، تَقُولُ: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ، رواه البخاري (1950) ومسلم (1146)
  قال ابن قدامة رحمه الله: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ صَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَلَهُ تَأْخِيرُهُ مَا لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ آخَرُ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: الحديث 00وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تُؤَخِّرْهُ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ أَمْكَنَهَا لَأَخَّرَتْهُ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الْأُولَى عَنْ الثَّانِيَةِ، كَالصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ.  عَلَيْهِ إلَّا الْقَضَاءُ، انظر المغني (3/153)
--- سئل ابن عثيمين رحمه الله -إذا رأت المرأة دما ولم تجزم أنه دم حيض فما حكم صيامها ذلك اليوم؟
جـ: صيامها ذلك اليوم صحيح لأن الأصل عدم الحيض حتى يتبين لها أنه حيض.الدماء الطبيعية 68
--- قال ابن عثيمين رحمه الله : أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح، لأن الدم في باطن الجوف لا حكم له، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لما سئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء» فعلق الحكم برؤية المني لا بانتقاله، فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجا لا بانتقاله. وإذا طلع الفجر وهي حائض لم يصح منها صيام ذلك اليوم ولو طهرت بعد الفجر بلحظة.
وإذا طهرت قبيل الفجر فصامت صح صومها، وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر، كالجنب إذا نوى الصيام وهو جنب ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صومه صحيح، لحديث عائشة (رضي الله عنها) قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان» . متفق عليه.. الدماء الطبيعية 26
--- في الطهر أثناء النهار، وحكم الإمساك
اختلف أهل العلم في المرأة تطهر أثناء النهار، هل يلزمها الإمساك أو لا؟ على قولين:
القول الأول: أنه يلزمها الإمساك والقضاء:
ذهب إليه الحنفية ، وأحمد في رواية عنه ، القول الثاني: أنه لا يلزمها الإمساك:ذهب إليه مالك ، والشافعي ، وأحمد في رواية عنه ، والظاهرية وهو الراجح  .لأنَّ الجميع مُتفِقون على وجوب قضاء ذلك اليوم الذي طهرت في أثنائه، فصحّ أنها في هذا اليوم غير صائمة، وإذا كانت غير صائمة فلا معنى لصيامها، ولا أن تؤمر بصوم ليس صومًا، ولا هي مؤدية به فرضًا لله تعالى، ولا عاصية بتركه قال ابن عثيمين في مجموع فتاوى (19/ 99) إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار لم يجب عليها الإمساك، ولها أن تأكل وتشرب، لأن إمساكها لا يفيدها شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليها، وهذا مذهب مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «من أكل أول النهار فليأكل آخره» ، يعني من جاز له الفطر أول النهار جاز له الفطر في آخره.اهـ
--- هل يجوز للمرأة أَن تتناول دواء يقطع الحيضة في رمضان كي تصوم رمضان كاملا وتقومه قال ابن قدامة في المغني : رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَشْرَبَ الْمَرْأَةُ دَوَاءً يَقْطَعُ عَنْهَا الْحَيْضَ، إذَا كَانَ دَوَاءً مَعْرُوفًا انظر المغني (1/ 266)
وقال شيخنا مصطفى العدوي :
اعلم أَن هذا لا يستحب للمرأة وذلك لأن الحيض كتبه الله على بنات ادم ولم تكن النسوة على عهد رسول الله يتكلفن ذلك بل لم نقف على امَرْأَة على عهد رسول الله فعلت ذلك
س- لكن هب أنَّه حدث فما حكمه
ج- حكمه إِذا قطع الدم أن الصوم معه جائز ولا إعادة أما إذا   شك في انقطاع الدم من وجوده فحينئذ حكمها حكم الحائض وعليها أن تفطرأيام حيضها وتعيد صوم تلك الأيام  بعد والله أعلم انظر أحكام النساء 5/223
.... أعمال الحج:
1-         الطواف 0اتفق الفقهاء على أن المرأة الحائض تؤدي جميع المناسك وهي حائض إلا الطواف ؛ لما ثبت عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ نَذْكُرُ إِلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ؟» قُلْتُ: لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنِّي لَمْ أَحُجَّ العَامَ، قَالَ: «لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنَّ ذَلِكِ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَتَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» رواه البخاري (305) ومسلم (1211)
قال ابن عثيمين رحمه الله :
فيحرم عليها الطواف بالبيت، فرضه ونفله، ولا يصح منها لقول: النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة لما حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري» .
وأما بقية الأفعال كالسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمار وغيرها من مناسك الحج والعمرة فليست حراما عليها، وعلى هذا فلو طافت الأنثى وهي طاهر ثم خرج الحيض
بعد الطواف مباشرة، أو في أثناء السعي فلا حرج في ذلك.الدماء الطبيعية (27)
2- طواف الوداع0
طواف الوداع: ويسمى طواف الصَّدر، وطواف آخر العهد،
قال ابن عثيمين رحمه الله :
سقوط طواف الوداع منها: فإذا أكملت الأنثى مناسك الحج والعمرة ثم حاضت قبل الخروج إلى بلدها واستمر بها الحيض إلى خروجها، فإنها تخرج بلا وداع، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض) – رواه البخاري (1755)ومسلم (1328) -. ولا يستحب عند الوداع أن تأتي إلى باب المسجد الحرام وتدعو، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم والعبادات مبنية على الوارد بل الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي خلاف ذلك، ففي «قصة صفية رضي الله عنها حين حاضت بعد طواف الإفاضة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: فلتنفر إذن» . متفق عليه. ولم يأمر بالحضور إلى باب المسجد ولو كان ذلك مشروعا لبينه. وأم طواف الحج والعمرة فلا يسقط عنها بل تطوف إذا طهرت.الدماء الطبيعية  (28)
.....هل يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن ؟
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين والراجح جواز قراءة الحائض والنفساء للقرآن .
روى ذلك عن ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ومالك والطبري ، وداود ، والبخاري ، وابن حزم  وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ ينظر المحلى1/94، والمغني 1/106 / 121 ومرعاة المفاتيح 2/ 155 ومجموع الفتاوى 21/460
ورجحه ابن باز وابن عثيمين
والألباني وشيخنا مصطفى العدوي 0
والدليل :أولا : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَالَتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»أخرجه البخاري (1650) ،ومسلم(1211).
قال الحافظ ابن حجر : وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَه بن رَشِيدٍ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ وَغَيْرِهِ إِنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ جَمِيعِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إِلَّا الطَّوَافَ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَاهُ لِكَوْنِهِ صَلَاةً مَخْصُوصَةً وَأَعْمَالُ الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرٍ وَتَلْبِيَةٍ وَدُعَاءٍ وَلَمْ تُمْنَعِ الْحَائِضُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْجُنُبُ لِأَنَّ حَدَثَهَا أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِهِ وَمَنْعُ  الْقِرَاءَةِ إِنْ كَانَ لِكَوْنِهِ ذِكْرًا لِلَّهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ تَعَبُّدًا فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ. فتح الباري 1/487.
ثانيا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رسالته إلى هرقل ، : وفيها «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِالرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ، وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}» رواه البخاري (7) ، ومسلم (1773) واللفظ له
وقد وقعت في أيدي كفار ، ووقوعها في أيديهم أعظم من وقوع المصاحف في أيدي المُحْدِثين من المؤمنين والمؤمنات  .
قلت : أما حديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقْرَأِ الحَائِضُ، وَلَا الجُنُبُ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ»، أخرجه الترمذي (131) .قالوا : أن هذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم للحائض أن تقرا القرآن والنهي يفيد التحريم 0
قلت : أن الحديث ضعيف ولا حجة في الضعيف ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث  . مجموع الفتاوى 21/460 . وضعفه ابن حجر في فتح الباري 1/409.وضعفه الألباني في سنن الترمذي وضعفه شيخنا طارق بن عوض الله
قال العلامة ابن عثيمين –الشرح الممتع 1/348
وقال شيخُ الإسلام – ابن تيمية - رحمه الله: إِنه ليس في مَنْعِ الحائض منقراءة القرآن نُصوص صريحة صحيحة ، وإذا كان كذلك فلها أن تقرأ القرآن لما يلي:
1-أنّ الأصْلَ الحِلُّ حتى يقوم دليلٌ على المَنْعِ.
2- أنَّ الله أمر بتلاوة القرآن مُطْلَقاً، وقد أثنى الله على من يتلو كتابه، فَمَنْ أخرجَ شخصاً من عِبَادة الله بقراءة القرآن فإِنَّنا نُطالبه بالدَّليل، وإِذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنْعِ، فإِنَّها مأمورة بالقراءة.
فإن قيل: ألا يُمكِن أن تُقَاسَ على الجُنُبِ بجامع لُزُوم الغُسْلِ لكلٍّ منهما بسبب الخارج؟
أُجِيب: أنَّه قياس مع الفارق؛ لأنَّ الجُنُبَ باختياره أن يُزيل هذا المانع بالاغتسال، وأمّا الحائضُ فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع. وأيضاً: فإِن الحائض مُدَّتها تطول غالباً، والجُنُب مدَّته لا تطول؛ لأنه سوف تأتيه الصَّلاة، ويُلْزم بالاغتسال.
والنُّفساء من باب أَوْلى أنْ يُرخَّص لها، لأنَّ مُدَّتها أطول من مُدَّة الحائض. وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله مَذْهبٌ قويٌّ
تنبيهات :
 1- قال الشوكاني رحمه الله : وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ النِّفَاسَ كَالْحَيْضِ فِي جَمِيعِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيُكْرَهُ وَيُنْدَبُ 0
نيل الأوطار(1 /353)
2- قال ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب 2/5
يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن وشعرها مكشوف وذراعاها مكشوفتان وكذلك القدمان لأنه لا يشترط لقراءة القرآن ما يشترط في الصلاة من السترة.
3- ما حكم تقبيل المصحف
يجوز تقبيل المصحف عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَانَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ يَأْخُذُ الْمُصْحَفَ وَيَضَعُهُ عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ: «كَلَامُ رَبِّي كَلَامُ رَبِّي» رواه الطبراني في الكبير (1018) وصححه النووي في التبيان ص (191) قال ابن كثير في البداية والنهاية (7/34) : احْتَجَّ بِهَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ اهـ وقال بعض العلماء  إسناده منقطع ابن أبي ملكية لم يدرك عكرمة قَالَ الْبُجَيْرِمِيُّّ وَاسْتَدَلَّ السُّبْكِيُّ عَلَى جَوَازِ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ بِالْقِيَاسِ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَيَدِ الْعَالِمِ وَالصَّالِحِ وَالْوَالِدِ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ انظر تحفة المحتاج (1/155) وقال الشيخ ابن باز في مجموع فتاوى 9/289  لا نعلم دليلا على شرعية تقبيله، ولكن لو قبله الإنسان فلا بأس لأنه يروى عن عكرمة بن أبي جهل الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه أنه كان يقبل المصحف ويقول: هذا كلام ربي، وبكل حال التقبيل لا حرج فيه ولكن ليس بمشروع وليس هناك دليل على شرعيته اهـ
ما حكم مس الْحَائِض وَالنُّفَسَاء للمصحف….
قُلْتُ : تَنَازَع الْعُلَمَاء فِي ذَلِك عَلَى ثلاثة اقوال ؛
القول الْأَوَّل : وهو مذْهب الْأَئمة الْأَرْبَعة وَهُو أَيْضا قَوْل سَلْمَان الْفَارسي وَعَبْداللَّه بْن عُمر وَغَيْرِهما واختاره شيخ الإِسلام ابن تيمية انظر مجموع الفتاوى 21/266 قالوا : أَنَّهُ لَا يَمَس الْمُصْحَف إلَّا طَاهر.
وحجتهم : أَوَّلا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «ٌلَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرًا» أخرجه الدَّارَقُطْنِي فِي السّنن (437) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبى قال الحافظ ابن حجر : وإسناده لا بأس به , ذكر الأثرم أن أحمد احتج به "وصححه الألباني  انظر إرواء الغليل  ( 1/159/161 )  
قُلْتُ : هذا الحديث ليس فيه حجة على منع الْحَائِض وَالنُّفَسَاء من مس المصحف  ، لأَن لفظة طاهر لفظة مشتركة مجملة ، فَإِن كلمة طاهر تطلق على المؤمن والدليل  : عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قال قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ» ( أخرجه البخاري 285)  
(  ومسلم 371 )  مفهومه أَنْ المؤمن طاهر 0
2-أو طاهرا : من الحدث الْأَصْغَر لَأَنْ الوضوء يسمى طهارة فعن ابْن عُمَر رضي الله عنهما؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ  رواه مسلم(224)
3 – أو طاهرا : من الحدث الْأَكْبر لقوله تعالى : {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } [المائدة: 6]  ، فسمى الله الاغتسال من الجنابة طهارة 0
4 – أو طاهرا : من النجاسة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءٍ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] "، قَالَ: «كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ» رواه أَبُو دَاوُدَ ( 44) وصححه الألباني وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»  رواه مسلم(279)
فهذه أَرْبَعة احتمالات، فَإِن الطاهر في مصطلح الكتاب والسنة يطلق على كل واحد من هذه المعاني الْأَربعة , وحمل اللفظ على إِحدى معانيه يحتاج إِلَى  قرينة ولا يوجد قرينة , وحمله على جميع معانيه فيه مخالفة لمذهب جُمْهُور الْأُصُولِيِّين ، قال محمد الخضري اصول الفقه ( ص194) والمشترك لا يدل على أحد معنييه ما لم يكن مصحوبا بقرنية تبينه انتهى   والدليل إِذَا احتمل احتمالين بطل الاستدلال به ، فكيف إِذَا احتمل أَرْبَعة  فليس لهم حجه بالاستدلال بهذا الحديث ، فلفظة طاهر لا يعقل معناها في لفظها ، فينبغي أَن تحمل على كل ما ذكرنا فمن بين مجملها وقال المراد هو الوضوء أَو الغسل من الجناية أَو الحيض فعليه الدليل ولا دليل على ذلك فلا يسلم الاحتجاج به على منع الحائض والنفساء من مس المصحف 0   
قال الشَّوْكَانِي رحمه الله 0
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ إلَّا لِمَنْ كَانَ طَاهِرًا، وَلَكِنَّ الطَّاهِرَ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَالطَّاهِرِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، وَمَنْ لَيْسَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ. وَيَدُلُّ لِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي هُرَيْرَةَ: (الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ) وَعَلَى الثَّانِي {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَعَلَى الثَّالِثِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: (دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ) وَعَلَى الرَّابِعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ حِسِّيَّةً وَلَا حُكْمِيَّةً يُسَمَّى طَاهِرًا، وَقَدْ وَرَدَ إطْلَاقُ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ، فَمَنْ أَجَازَ حَمَلَ الْمُشْتَرَكَ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ حَمَلَهُ عَلَيْهَا هُنَا.وَالْمَسْأَلَةُ مُدَوَّنَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَفِيهَا مَذَاهِبُ. وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ مُجْمَلٌ فِيهَا فَلَا يُعْمَلُ بِهِ حَتَّى يُبَيَّنَ، ينظر 0 نيْل الْأَوْطَار( 2/262)
استدلوا ثانيا : قال الله عز وجل : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)  الواقعة
وجه الدلالة من الْآيَة 0
قالوا : إِن الْآيَة  صريحة في النهي عن مس المصحف لغير المتطهر وتدخل فيها الحائض والنفساء0
قلت الآية: الذى عليه أكثر المفسرين أنه عائد على الكتاب المكنون الذى فى السماء، وهو اللوح المحفوظ، والمطهرون هم الملائكة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله
والصحيح في الآية: أن المراد به: الصحف التي بأيدي الملائكة لوجوه عديدة.منها: أنه وصفه بأنه مكنون، والمكنون المستور عن العيون، وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة.
ومنها: أنه قال: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وهم الملائكة ولو أراد المؤمنين المتوضئين لقال: لا يمسه إلا المتطهرون، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فالملائكة مطهرون، والمؤمنون والمتوضئون متطهرون.ومنها: أن هذا إخبار، ولو كان نهيا لقال: لا يمسسه، بالجزم.
والأصل في الخبر، أن يكون خبرا صورة ومعنى.
ومنها: أن هذا رد على من قال. إن الشيطان جاء بهذا القرآن، فأخبر تعالى أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين، ولا وصول لها إليه، كما قال تعالى في آية الشعراء: { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [الشعراء:212].
 وإنما  تناله الأرواح المطهرة، وهم الملائكة.
ومنها: أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس به: { فَمَنْ شاءَ ذَكَرَه (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ  }
قال مالك في موطئه: أحسن ما سمعت في تفسير قوله: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ أنها مثل هذه الآية في سورة عبس.
ومنها: أن الآية مكية، في سورة مكية، تتضمن تقرير التوحيد، والنبوة والمعاد، وإثبات الصانع، والرد على الكفار، وهذا المعنى أليق بالمقصود من فرع عملي، وهو حكم مس المحدث المصحف.
ومنها: أنه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي الناس لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة، ومن المعلوم أن كل كلام فهو قابل لأن يكون في كتاب، حقا أو باطلا، بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن العيون عند الله، لا يصل إليه شيطان، ولا ينال منه، ولا يمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية.
فهذا المعنى أليق وأجل بالآية بلا شك.انظر التفسير القيم (1/528)
وتفسيرالآية أنهم الملائكة : هو قول ابن عباس، وأَنَس وعكرمة، ومجاهد ،
وسعيد بن جبير ، وَالضَّحَّاك ، وَأَبُو الْعَالِيَة ، ومالك ، وابن القيم ، والشوكاني
انظر زَاد الْمسير( 4/228 )  ونيل الأوطار( 1/260 ) والأوسط( 2/ 103)
القول الثاني : قالوا جواز مس المصحف للحائض والنفساء ، ولكن بحائل ككيس أو نحوه ؟
 روِي ذلك  : عنْ الْحسن ، وعطاءٍ ، وطاوس والشعْبي ، والْقاسم  ، وأَبي وائل  ، وَالْحَكم ، وحماد 0 انظر المغني (1/109)                                   
واستدلوا بما يلي:
1-أن من حمل المصحف بحائل  غير ماس له، فلم يمنع منه كما لو حمله في رحله.
2-أن الأدلة التي ورد فيها المنع إنما تتناول المس والحمل ليس بمس فلا يتناوله المنع.
 قلت : هذا القول ليس فيه دليل 0
قال ابن حزم رحمه الله 0هَذِهِ تَفَارِيقُ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ - لَا صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ - وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. .المحلى 1/99
القول الثالث : جواز مس المصحف للحائض والنفساء :
وهو مذهب داود الظاهري ، وابن حزم ، وقال البيهقي اختارها العراقيون   ، وابن المنذر ، والشوكاني ، والصنعاني ، انظر الاستذكار( 2/473 ) والمحلى(1/98) والخلافيات للبيهقي( 1/497 ) ونيل الاوطار( 2/260 ) و سبل السلام (1/101) ورجحه الألباني ، وشيخنا مصطفى العدوي ، وشيخنا حسن ابو الاشبال ، وهو الصحيح 0  
وحجتهم أَوَّلا: حديث أبي سفيان 0 في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى هرقل وفيه قوله تعالى :{يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}   {عمران 64} رواه البخاري(7) ومسلم (1773)
قالوا : وقد وقعت في  أيدي كفار، ووقوعها في أيدي الكفار أعظم من وقوع المصحاف في أيدي المحدثين من المؤمنين والمؤمنات 0
قال ابن حزم رحمه الله 0
. فَهَذَا رَسُول الله - صلى الله عليْه وَسلم - قدْ بعث كتابا وفيه هذه الْآية إلى النصارى وقد أَيْقن أَنهمْ يمسون ذلك الْكتاب.
 فَإِنْ ذكروا 0000 عنْ ابْن عمر قال «كان ينهَى النبي - صلى الله علَيْه وسلم- أَنْ يسافر بالْقرْآن إلى أَرْض الْعدو يخاف أَنْ يناله الْعدو» فهذا حق يلْزم اتباعه وليْس فيه أَنْ لَا يمس الْمُصْحف جُنُب وَلَا كَافر. وإِنَّما فيه أَنْ لَا يَنَال أَهْل أَرْض الْحَرْب الْقُرْآن فقطْ. فَإِنْ قالوا: إنما بعث رسول الله - صلى الله عليْه وسلم - إلى هِرَقْلَ آيَة واحدة. قيل لهمْ: ولمْ يمْنعْ - صلى الله عليْه وسلم - منْ غَيْرِها وأَنْتمْ أَهْل قيَاس فَإِنْ لَمْ تقيسوا عَلَى الْآيَة مَا هو أَكْثر منْها فلا تقيسوا على هذه الْآيَة غيْرها0 المحلَّى( 1/98)
ثانيا : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ»، قَالَتْ فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» رواه مسلم ( 298 )
 فَإِذَا كانت الحيْضة ليْستْ فِي الْيدكانت الْيدطاهرة فلها مسه 0
قال ابن المنذر رحمه الله 0
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَنَّجَّسُ مَا تَمَسُّ إِذْ لَيْسَ جَمِيعُ بَدَنِهَا نَجِسٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنْ بَدَنَهَا غَيْرُ نَجِسٍ إِلَّا الْفَرْجُ ثَبَتَ أَنَّ النَّجَسَ فِي الْفَرْجِ لِكَوْنِ الدَّمِ فِيهِ وَسَائِرُ الْبَدَنِ طَاهِرٌ0الاوسط (2/103)0  
قال ابن حزم رحمه الله :
 0 وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودُ فِيهِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى جَائِزٌ، كُلُّ ذَلِكَ بِوُضُوءٍ وَبِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودَ فِيهِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى
 أَفْعَالُ خَيْرٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا مَأْجُورٌ فَاعِلُهَا، فَمَنْ ادَّعَى الْمَنْعَ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ. المحلى (1/94)
--- الحائض والجماع ؟
تحريم جماع الحائض قال الله تعالى :{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة: 222]
 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا، أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ». رواه الترمذي (135) وصححه الألباني
قال النووي رحمه الله :
فَاعْلَمْ أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ أَقْسَامٌ أَحَدُهَا أَنْ يُبَاشِرَهَا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فَهَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوِ اعْتَقَدَ مُسْلِمٌ حِلَّ جِمَاعِ الْحَائِضِ فِي فَرْجِهَا صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا وَلَوْ فَعَلَهُ إِنْسَانٌ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ حِلَّهُ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِوُجُودِ الْحَيْضِ أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ أَوْ مُكْرَهًا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ وَطِئَهَا عَامِدًا عَالِمًا بِالْحَيْضِ وَالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا فَقَدِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ وَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ 0 انظر المجموع (3/204)
تنبيه - جماع النفساء كجماع الحائض 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (21/ 624):
ووطء النفساء كوطء الحائض حرام باتفاق الأئمة. اهـ.
مضار الوطء في أثناء الحيض:
قال الدكتور الطبيب محمد علي البار: إدخالُ القضيب في الفرج أثناء الحيض، هو إدخالُ ميكروبات في وقتٍ لا تستطيعُ الأجهزة أنْ تقاومه، فيحدث ما يلي:
1 - تمتدُّ الالتهابات إلى قناتي الرَّحم فتسدّها، ممَّا يؤدِّي إلى العقم، أو الحمل خارج الرحم.
2 - يمتد الالتهاب إلى قناة مجرى البول فالمثانة فالحالبين فالكُلَى، ممّا يسبِّب أمراضَ الجهاز البولي.
3 - تقلُّ الرغبةُ الجنسية لدى المرأة، وخاصَّةً عند بداية الطمث.
4 - الصداع النصفي.
5 - تصاب المرأة بحالة من الكآبةِ والضِّيقِ، فتكون متقلِّبة المزاج.
إلى غير ذلك من الأمراض الكثيرة والتي لم يكشف عنها الآن، وإنَّما عبَّر عنها الحكيمُ العلم بقوله: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} فَوَصْفُهُ تعالى له بأنَّه "أذى" يشتمل على مضار كثيرة اللهُ أعلَمُ بها!!.
 انظر توضيح الأحكام (1/458)
 ....ما الذي يمنع من الاستمتاع بالحائض
قلت : اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال 0
 القول الأول : قالوا له أن يقبل ويباشر ويضم، ويصنع كل شيء، وفي كل مكان دون الفرج والدبر قال شيخنا مصطفى العدوي فعلى هذا القول يجوز للرجل أن يؤاكل زوجته الحائض ويشاربها ويساكنها في البيت ويضمها إليه ويقبِّلها ويمص شفتيها ولسانها ويطأها في بطنها وبين ثدييها وبين فخذيها ما لم يولج في الفرج وبين إليتيها ما لم يولج في الدبر ويصنع كل شيء إلا الجماع وكذا إلا الوطء في الدبر انظر أحكام النساء (1/137) وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذلك عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَصْبَغُ وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه وأبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا انظر شرح مسلم نووي 3/205 وابن حزم في المحلى (1/176) ورجحه شيخنا مصطفى العدوي وهو الراجح 0
والدليل : 1-عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» رواه مسلم (302). إلا النكاح يعني: الجماع
قال ابن حزم في المحلى (1/399)  فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ بِصِحَّتِهِ، وَبَيَانُ أَنَّهُ كَانَ إثْرَ نُزُولِ الْآيَةِ هُوَ الْبَيَانُ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْمَحِيضُ فِي اللُّغَةِ مَوْضِعَ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ، وَهَذَا فَصِيحٌ مَعْرُوفٌ، فَتَكُونُ الْآيَةُ حِينَئِذٍ مُوَافِقَةٌ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي مَوْضِعِ الْحَيْضِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّ عَمَّنْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اهـ
2- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا» رواه ابو داود (272) قوى ابن حجر إسناده وصححه الألباني
3- أَنَّ مَسْرُوقًا، رَكِبَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَبُو عَائِشَةَ مَرْحَبًا فَأْذِنُوا لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ وَأَنَا أَسْتَحْيِي، فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَنَا أُمُّكُ وَأَنْتَ ابْنِي. فَقَالَ، " مَا لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَتْ لَهُ: كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا فَرْجَهَا رواه ابن جرير في التفسير (4/378) وصححه شيخنا مصطفى العدوي
ولا شك أن عائشة من أعلم الناس بحكم هذه المسألة لأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: قالوا اعتزال جميع بدنها أن يباشره بشيء من بدنه 0
قال النووي في شرح مسلم (3/205) وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لا يباشر شيئا منها بشئ مِنْهُ فَشَاذٌّ مُنْكَرٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَا مَقْبُولٍ وَلَوْ صَحَّ عَنْهُ لَكَانَ مَرْدُودًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي مُبَاشَرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِذْنِهِ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْمُخَالِفِ وَبَعْدَهُ اهـ قال الشوكاني في فتح القدير (1/259) وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَعْتَزِلَ فِرَاشَ زَوْجَتِهِ إِذَا حَاضَتْ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ اهـ
القول الثالث : وهو مذهب مَالِك وَأَبُي حَنِيفَة وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء مِنْهُمْ سَعِيد بْنُ الْمُسَيَّبِ وَشُرَيْح وَطَاوُس وَعَطَاء وَسُلَيْمَان بْنُ يَسَارٍ وَقَتَادَة انظر شرح مسلم نووي 3/205 قالوا أن ما يجوز للرجل الاستمتاع به من امرأته الحائض هو كل شيء ما عدا ما بين السرة إلى الركبة ودليلهم : أولا عن مَيْمُونَةَ رضي الله عنها ، قالت  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا، فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ» رواه البخاري (303) ومسلم (294)
ثانيا : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها  قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ كِلاَنَا جُنُبٌ» وَكَانَ يَأْمُرُنِي، فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ» رواه البخاري (299)( 300)
قال شيخنا مصطفى العدوي حفظه الله :
بإمعان النظر فيما ورد وساقته أمهات المؤمنين ميمونة وعائشة وأم سلمة لا نجد فيه نهيا عن الوطء بين الفخذين مثلا إنما هو وصف حال فقط فلا تعارض بينه وبين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شيء إلا النكاح انظر أحكام النساء (1/141)
 ثالثا : عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: «لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ»، رواه أبو داود (212) وصححه الألباني
قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع 1/480
أي يستمتعُ الرَّجل من الحائض بما دون الفَرْج فيجوز أن يستمتعَ بما فوق الإِزار، وبما دون الإزار، إِلا أنَّه ينبغي أن تكون متَّزرة؛ لأنَّه صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر عائشة رضي الله عنها أن تَتَّزِرَ فيباشرها وهي حائض ، وأَمْرُه صلّى الله عليه وسلّم لها بأن تتَّزِرَ لئلاَّ يَرى منها ما يكره من أثر الدَّم، وإِذا شاء أن يستمتع بها بين الفخذين مثلاً، فلا بأس. فإِن قيل: كيف تجيب عن قوله صلّى الله عليه وسلّم لما سُئِلَ ماذا يَحِلُّ للرَّجُل من امرأته وهي حائض؟ قال: «لك ما فوق الإِزار» ، وهذا يدلُّ على أن الاستمتاع يكون بما فوق الإِزار.
فالجواب عن هذا بما يلي:
1- أنَّه على سبيل التنزُّه، والبعد عن المحذور.
2- أنه يُحمَلُ على اختلاف الحال، فقولُه صلّى الله عليه وسلّم: «اصنعوا كلَّ شيء إِلا النكاح»  ، هذا فيمن يملك نفسه، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لك ما فوق الإِزار» ، هذا فيمن لا يملك نفسه إِما لقلَّة دينه أو قوَّة شهوته.
وإِذا استمتع منها بما دون الفَرْج فلا يجب عليه الغُسْل إِلا أن يُنزِلَ. والمرأة إِذا أنزلت وهي حائض استُحِبَّ لها أن تغتسل للجنابة، لئلا يبقى عليها أثر الجنابة، سواء حَدَثت لها الجنابة بعد الحيض كما لو احتلمت، أو كانت على جنابة حين الحيض، هكذا قال العلماء انتهى
قلت :  الصحيح  الذي يمنع من الاستمتاع بالحائض هو الفرج  فقط فللزوج أن يتلذذ من امرأته الحائض بكل شيء ما عدا الجماع في الفرج ،
0 تنبيهات:
1- ما سبق  تستوي فيها الحائض والنفساء.
قال ابن قدامة رحمه الله بعد أن ذكر أقسام مباشرة الرجل لإمرأته وهي حائض، قال: والنفساء كالحائض في هذا اهـ المغني (1/419) .
2- لا يجوز لأحد الزوجين أن ينشر أسرار الجماع:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله يوم القيامة، الرجل يُفضي إلى المرأة وتُفضي إليه ثم ينشر سرَّها"مسلم (1437)  لكن يجوز هذا لمصلحة شرعية كما كانت زوجات النبي صلى الله عليه
وسلم ينشرن ذلك لبيان هديه صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت هناك مصلحة شرعية من ذكره فلا بأس والله أعلم.انظر صحيح فقه السنة189/3
3-يباح للزوج في جماع زوجته - غير الحائض - جسدها كله ما عدا الدُّبُر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا رواه أبو داود (2162) قال الألباني في صحيح أبي داود (6/375)  (قلت: حديث حسن بهذا اللفظ، والأصح عنه بلفظ: " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها"، وصححه البوصيري، وحسنه الترمذي من حديث ابن عباس، وصححه إسحاق بن راهويه وابن الجارود وابن حبان وابن دقيق العيد) .
قال ابن قدامة في المغني (7/296) وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ – جماع- الزَّوْجَةِ فِي الدُّبُرِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَتْ إبَاحَتُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَنَافِعٍ، وَمَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ فِي دِينِي فِي أَنَّهُ حَلَالٌ. وَأَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ مَنْ أَحَلَّهُ، بُقُولِ اللَّهِ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] . وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] . وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ مِنْ أَعْجَازِهِنَّ.» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا» . رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ.وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَحَاشُّ النِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» . رَوَاهُنَّ كُلَّهُنَّ الْأَثْرَمُ. فَأَمَّا الْآيَةُ، فَرَوَى جَابِرٌ قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَقُولُونَ: إذَا جَامِعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا، جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. فَأَنْزَلَ اللَّهَ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] . مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا، وَمِنْ خَلْفِهَا، غَيْرَ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا إلَّا فِي الْمَأْتَى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَفِي رِوَايَةٍ: «ائْتِهَا مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً، إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ» . وَالْآيَةُ الْأُخْرَى الْمُرَادُ بِهَا ذَلِكَ.اهـ
... هل يجوزللرجل أن يطأ- يجامع - زوجته إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل  ؟
 : اختلف العلماء في ذلك على قولين 0
القول الأول : قال مالك، والليث، والثورى، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: لا توطأ – أي لا تجامع _ حتى تغتسل بالماء 0 انظر شرح البخاري لابن بطال (1/408) واستدلوا أولا : بقوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] قالوا الطهر هنا هو الغسل ثانيا : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ فِي الدَّمِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ وَإِذَا وَطِئَهَا وَقَدْ رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ رواه البيهقي (1521) قلت : بهذا اللفظ ضعيف وضعفه الألباني في آداب الزفاف 129 ثالثا : قالوا : في  إجماع نقله النووي وابن المفلح وغيرهما قلت : المسألة ليس فيها إجماع، سيأتي من خالف في ذلك 0
القول الثاني : وهو مذهب  عطاء وطاوس وابن حزم  ورجحه الألباني  وهو القول الراجح   بأن المرأة إذا طهرت من حيضها وانقطع الدم عنها فهي مخيرة بين الغسل أو الوضوء أو غسل الفرج أي ذلك فعلت جاز له أن يجامعها لأن كل هذا يقع عليه اسم الطهارة فهي لفظة مشتركة مجملة 0
قال ابن حزم رحمه الله :
وَأَمَّا وَطْءُ – أي جماع- زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا لَهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِأَنْ تَغْسِلَ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَجَسَدَهَا بِالْمَاءِ أَوْ بِأَنْ تَتَيَمَّمَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَبِأَنْ تَتَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلَاةِ أَوْ تَتَيَمَّمَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَبِأَنْ تَغْسِلَ فَرْجَهَا بِالْمَاءِ وَلَا بُدَّ، أَيَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ فَعَلَتْ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا.- أي جماعها-
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] فَقَوْلُهُ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] مَعْنَاهُ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُنَّ الطُّهْرُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْحَيْضِ وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] هُوَ صِفَةُ فِعْلِهِنَّ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا يُسَمَّى فِي الشَّرِيعَةِ وَفِي اللُّغَةِ تَطَهُّرًا وَطَهُورًا وَطُهْرًا، فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَتْ فَقَدْ تَطَهَّرَتْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] فَجَاءَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ غَسْلُ الْفَرْجِ وَالدُّبُرِ بِالْمَاءِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» فَصَحَّ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَدَثِ طَهُورٌ.وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» يَعْنِي الْوُضُوءَ.وَمَنْ اقْتَصَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] عَلَى غَسْلِ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ كُلِّهِ دُونَ الْوُضُوءِ وَدُونَ التَّيَمُّمِ وَدُونَ غَسْلِ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ، فَقَدْ قَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا فَعَلْتُمْ هَذَا فِي الشَّفَقِ؟ إذْ قُلْتُمْ أَيُّ شَيْءٍ تَوَقَّعَ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّفَقِ فَبِغُرُوبِهِ تَدْخُلُ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ، فَمَرَّةً تَحْمِلُونَ اللَّفْظَ عَلَى كُلِّ مَا يَقْتَضِيهِ، وَمَرَّةً عَلَى بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ بِالدَّعْوَى وَالْهَوَسِ.فَإِنْ قَالَ: إذَا حَاضَتْ حَرُمَتْ بِإِجْمَاعٍ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِإِجْمَاعٍ آخَرَ، قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، لَمْ يُوجِبْهَا لَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، بَلْ إذَا حَرُمَ الشَّيْءُ بِإِجْمَاعٍ ثُمَّ جَاءَ نَصٌّ يُبِيحُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ، مَا نُبَالِي أُجْمِعَ عَلَى إبَاحَتِهِ أَمْ اُخْتُلِفَ فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ قَضِيَّتُكُمْ هَذِهِ صَحِيحَةً لَبَطَلَ بِهَا عَلَيْكُمْ أَكْثَرُ أَقْوَالِكُمْ، فَيُقَالُ لَكُمْ: قَدْ حَرَّمْتُمْ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْمُجْنِبِ بِإِجْمَاعٍ، فَلَا تَحِلُّ لَهُمَا إلَّا بِإِجْمَاعٍ وَلَا تُجِيزُوا لِلْجُنُبِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ شَهْرًا فَلَا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ، بَلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْأَسْوَدُ لَا يُجِيزُونَ لَهُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ، وَأَبْطَلُوا صَلَاةَ مَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْتَنْشِقْ، لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ فِي صِحَّتِهَا، وَأَبْطَلُوا صَلَاةَ مَنْ تَوَضَّأَ بِفَضْلِ امْرَأَةٍ وَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَجَمِيعِ الشَّرَائِعِ، فَصَحَّ أَنَّ قَضِيَّتَهُمْ هَذِهِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ فِي ذَاتِهَا، وَفِي غَايَةِ الْإِفْسَادِ لِقَوْلِهِمْ.قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَبِانْقِطَاعِ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، اغْتَسَلَتْ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ، مَضَى لَهَا وَقْتُ صَلَاةٍ أَوْ لَمْ يَمْضِ، تَوَضَّأَتْ أَوْ لَمْ تَتَوَضَّأْ، تَيَمَّمَتْ أَوْ لَمْ تَتَيَمَّمْ، غَسَلَتْ فَرْجَهَا أَوْ لَمْ تَغْسِلْهُ، فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إلَّا بِأَنْ تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ لَهَا وَقْتُ أَدْنَى صَلَاةٍ مِنْ طُهْرِهَا، فَإِنْ مَضَى لَهَا وَقْتُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ طَهُرَتْ فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فِيهِ فَلَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَلَا تَيَمَّمَتْ وَلَا تَوَضَّأَتْ وَلَا غَسَلَتْ فَرْجَهَا، فَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةٍ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ.وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهَا، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إلَّا عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ الْمَنْعَ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ انْفَرَدُوا، فَكَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهُمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ.وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ خَالَفُوا فِيهَا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهَا مُخَالِفٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا كَثِيرًا قَبْلُ، وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مَقْبَرَةٍ وَلَا إلَى قَبْرٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَخَالَفُوهُمْ بِآرَائِهِمْ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَأَنَسٍ: الْفَخِذُ لَيْسَتْ عَوْرَةً وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَخَالَفُوهُمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا.
وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ دُونَ بَعْضٍ لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَ ذَلِكَ، فَلَمَّا لَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ وَأَحَالَنَا عَلَى الْقُرْآنِ أَيْقَنَّا قَطْعًا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُرِدْ بَعْضَ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ قَالُوا قَوْلُنَا أَحْوَطُ، قُلْنَا حَاشَا لِلَّهِ، بَلْ الْأَحْوَطُ أَنْ لَا يُحَرِّمَ عَلَيْهِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْوَطْءِ بِغَيْرِ يَقِينٍ.
فَإِنْ قَالُوا: لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا بِمَا يَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ، قُلْنَا هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ مُنْتَقِضَةٌ، أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا.
وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَيْثُ لَا تَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ، وَهُوَ كَوْنُهَا مُجْنِبَةً وَمُحْدِثَةً.
وَالثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: هَلَّا قُلْتُمْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا بِمَا يَحِلُّ لَهَا بِهِ الصَّوْمُ وَهُوَ يَحِلُّ لَهَا عِنْدَهُمْ بِرُؤْيَةِ الطُّهْرِ فَقَطْ فَهَذِهِ دَعْوَى بِدَعْوَى فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَجَدْنَا التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ بِأَدَقِّ الْأَشْيَاءِ، وَلَا يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَشْيَاءِ، كَنِكَاحِ مَا نَكَحَ الْآبَاءُ، يَحْرُمُ بِالْعَقْدِ، وَتَحْلِيلُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا يَحِلُّ لَهَا إلَّا بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ.
قُلْنَا لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ، بَلْ قَدْ خَالَفْتُمْ قَضِيَّتَكُمْ هَذِهِ عَلَى فَسَادِهَا وَبُطْلَانِهَا، فَتَرَكْتُمْ أَغْلَظَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا قَالَهُ غَيْرُكُمْ وَهُوَ الْإِجْنَابُ، فَإِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لَا يَرَى الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا تَحِلُّ إلَّا بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ وَالْإِنْزَالِ وَلَا بُدَّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَرَى أَنَّهَا تَحِلُّ بِالْعَقْدِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطْءٌ وَلَا دُخُولٌ.ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: قَدْ وَجَدْنَا التَّحْلِيلَ يَدْخُلُ بِأَدَقِّ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ فَرْجُ الْأَجْنَبِيَّةِ الَّذِي فِي وَطْئِهِ دُخُولُ النَّارِ وَإِبَاحَةُ الدَّمِ بِالرَّجْمِ وَالشُّهْرَةِ بِالسِّيَاطِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِثَلَاثِ كَلِمَاتٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ: أَنْكِحْنِي ابْنَتَكَ. قَالَ قَدْ أَنْكَحْتُهَا. أَوْ تَلْفِظُ هِيَ بِالرِّضَا وَالْوَلِيُّ بِالْإِذْنِ. وَبِأَنْ يَقُولَ سَيِّدُ الْأَمَةِ: هِيَ لَكَ هِبَةً. وَوَجَدْنَا التَّحْرِيمَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ أَوْ انْقِضَاءُ أَمَدِ الْعِدَّةِ، وَوَجَدْنَا تَحْرِيمَ الرَّبِيبَةِ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَالدُّخُولِ وَإِلَّا فَلَا، فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي قَالُوهُ تَخْلِيطٌ وَقَوْلٌ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ، وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا هُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِمَا يَدْخُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ وَلَا مَزِيدَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.0المحلى (1/391)
0.... لو جامع رجل امرأته وهي حائض هل عليه كفارة 0
قلت إن كان جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه وأما إن كان متعمدا فقد ذهب إِلَى إِيجَاب الْكفارة أحمد وغيره وقال أكثر العلماء أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، بَلْ الْوَاجِبُ الِاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ.انظر عون المعبود(1/308) ورجح قول أكثر أهل العلم شيخنا مصطفى العدوي وضعف حديث ابن عباس  ولكن الصحيح أن عليه كفاره والدليل عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: «يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» رواه أَبُو دَاوُد (264)  قال الألباني رحمه الله : وهذا سند صحيح على شرط البخارى , وصححه الحاكم , ووافقه الذهبى وابن القطان وابن دقيق العيد وابن التركمانى وابن القيم وابن حجرالعسقلانى واستحسنه الإمام أحمد انظر الارواء (1/218)
قال الشوكاني وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، نيل الْأَوْطَار (1/347)
تنبيه: قيمة الدينار، بالوزن: (4.25) غراما تقريبا،- ذهب- فالواجب عليه أن يتصدق بهذه القيمة، أو نصفها.والله أعلم. انظر موقع الاسلام سؤال وجواب(5/374)
.... وَهَلْ تَلْزَمُ الْمَرْأَة كَفَّارَةٌ؟
قال ابن قدامة في المغني (1/245) الْمَنْصُوصُ أَنَّ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ 0 وَقَالَ الْقَاضِي: فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَجب
قلت : وهو الصحيح قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام النساء 5/181وحتى إن صح هذا الحديث فهو خاص بالزوج ليس للمرأَة فيه شيء
... المرأة تحيض في الثوب كيف تصنع ؟
إذا حاضت المرأة في الثوب فانها تفرك الدم ثم تدلك موضع الدم بأصابعها أو ما يقوم مقام ذلك ، ثم تغسل موضع الدم بالماء أو بالماء والسدر (أو ما يقوم مقام السدر كالصابون مثلا ) ثم إن نضحت سائر الثوب بالماء فهو حسن – إن غمست الثوب في الماء بعد أن صنعت بالدم ما ذكر من فرك ودلك وغسل فهو حسن
عن أسماء ، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فيه رواه البخاري 227 ومسلم  (291)
 ( تحته ) أَيْ : تفركه ( تَقرصه بالماء )  أَيْ تُدَلِّكُ مَوْضِعَ الدَّمِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا لِيَتَحَلَّلَ بِذَلِكَ وَيَخْرُجَ مَا يَشْرَبُهُ الثَّوْبُ مِنْهُ
المراد بالنضح هنا بالماء ، أي : تغسل موضع الدم ، ثم إن شاءت رشت باقي الثوب بالماء وفي رواية للحديث عند ابن خزيمة : «إِنْ رَأَتْ فِيهِ شَيْئًا فَلْتَحُكُّهُ، ثُمَّ لِتَقْرُصْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، وَتَنْضَحُ فِي سَائِرِ الثَّوْبِ مَاءً وَتُصَلِّي فِيهِ» انظر أحكام النساء (5/64)
يجوز لها أن تصلي في الثوب الذي حاضت فيه فلا يلزم  تغيير ملابسها التي حاضت فيها وطهرت وأرادت الصلاة فيها مادام أن هذه الملابس لم يصبها من دم الحيض وتجزئها الصلاة فيها حتى وإن أصاب هذه الملابس دم الحيض بشرط أن تقوم بغسل موضع الدم.
والدليل : حديث عائشة السابق وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: «إِذَا طَهُرْتِ فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ». فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُجِ الدَّمُ؟ قَالَ: «يَكْفِيكِ غَسْلُ الدَّمِ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُه» رواه أبو داود (365) وصححه الألباني
قال العلامة البسام رحمه الله في توضيح الأحكام (1/190) لا يضرك: يُقال: ضرَّه: إذا أَلحق به مكروهًا أو أذى، والضر النقص، والمراد هنا: ولا ينقص من طهارة ثوبك. - فإنْ لم يذهب: أي: أثره بعد حتِّه وقرصه ونضحه.- أثره: الأثر: العلامة، وبقيَّة الشيء، وهو هنا: بقيَّة لون الدم بعد الحَتِّ والقرص والغسل.
* ما يُؤْخذ من الحديث:
1 - وجوب غسل دم الحيض من ثوب المرأة وبدنها.
2 - يكون غسله بالماء.
3 - أن الثَّوبَ ونحوه إذا غسل من دم الحيض، ثُمَّ بقي أثر لونه في الثوب أو البدن، أنَّه لا يضر في كمال التطهر، ولا يضر في صحة الصلاة ونحوها.
4 - سماحة هذه الشريعة ويسرها؛ فالمسلم يتقي الله قدر استطاعته، وما زاد عن ذلك، فهو معفوٌّ عنه.
5 - أنَّ بدن الحائض وعرقها طاهران، فإنَّها لم تؤمر بغسل شيءٍ إلاَّ ما أصابه الدم، وأمَّا البدن وبقيَّة الثوب، فهو باقٍ على طهارته الأصلية.
أما غُسْلُهَا من الحيض، فليس من أجل نجاستها، وإنما من أجل أن عليها حدثًا أكبر، وهو لا يوصف بأنه نجاسة، وإنما هو وصف يقوم بالبدن ويرتفع بالغُسْلِ، ولو كان نجاسة، لم يُغْسَلْ إلاَّ مكان الحيض، وَلَمَا جَازَ مباشرة الحائض وقربها، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة.
6 - المقصود بالطهارة والابتعاد عن النجاسات، هو أنْ يكون المصلِّي على أكمل هيئة، وأحسن زينة؛ حين مناجاة ربِّه تبارك وتعالى اهـ
... ما حكم تناول المرأة لدواء يقطع الحيضة لعذر من الأعذار ؟
قال شيخنا مصطفى العدوي :
إذا تناولت المرأة دواء يقطع الحيض لعذر مثل أن تكون حاجة ومعها رفقة من الناس وتخشى أن تفوتها صحبتهم أو تتخلف عن موعد الطائرة ويشق عليها البقاء ، فلا مانع من أن تتناول دواء يقطع الحيضة ، وبعد تأكدها من انقطاع الحيضة تغتسل وتصلي وتطوف بالبيت إن شاءت 0 وقد وردت لبعض أهل العلم فتاوى في ذلك ، فسئل عطاء عن امرأة تحيض يجعل لها دواء فترتفع حيضتها وهي في قرئها كما هي 0 تطوف ؟ قال نعم  إذا رأت الطهر ، فاذا هي رأت خفوقا –
أي : أن أكثر الدم قد ذهب – ولم تر الطهر الأبيض فلا 0
وقال ابن قدامة في المغني : لا بأس أن تشرب المرأة دواء يقطع عنها الحيض إذا كان دواء معروفا – انظر أحكام النساء (5/66).
  ....شهود الحائض للعيدين
عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ العِيدِ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَأَتَيْتُهَا، فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ، فَقَالَتْ: فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى المَرْضَى، وَنُدَاوِي الكَلْمَى، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، فَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ» قَالَتْ حَفْصَةُ: فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي، وَقَلَّمَا ذَكَرَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَتْ: بِأَبِي قَالَ: " لِيَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ - أَوْ قَالَ: العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ، شَكَّ أَيُّوبُ - وَالحُيَّضُ، وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى، وَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ " قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: الحُيَّضُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَلَيْسَ الحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ، وَتَشْهَدُ كَذَا، وَتَشْهَدُ كَذَا رواه البخاري (980)
قال ابن حزم رحمه الله 0
وَيَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى: النِّسَاءُ حَتَّى الْأَبْكَارُ، وَالْحُيَّضُ وَغَيْرُ الْحُيَّضِ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى، وَأَمَّا الطَّوَاهِرُ فَيُصَلِّينَ مَعَ النَّاسِ، وَمَنْ لَا جِلْبَابَ لَهَا فَلْتَسْتَعِرْ جِلْبَابًا وَلْتَخْرُجْ، فَإِذَا أَتَمَّ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ فَنَخْتَارُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ يَعِظُهُنَّ وَيَأْمُرْهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، وَتُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الصَّدَقَةُ يَوْمَئِذٍ بِمَا تَيَسَّر000 فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى حُضُورَ النِّسَاءِ الْمُصَلَّى، وَأَمَرَ بِهِ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ غَيْرِهِ إذَا خَالَفَهُ وَلَا مُتَعَلِّقَ لِلْمُخَالِفِ إلَّا رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَنَعَهُنَّ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِابْنِ عُمَرَ إلَّا أَنَّهُ إذْ مَنَعَهُنَّ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا بَلَغَهُ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ كَمَا فَعَلَ إذْ سَبَّ ابْنَهُ أَشَدَّ السَّبِّ إذْ سَمِعَهُ يَقُولُ: نَمْنَعُ النِّسَاءَ الْمَسَاجِدَ لَيْلًا؟ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ ادَّعَى امْرُؤٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْعِيدَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُنَّ -: لَصُدِّقَ، لِأَنَّنَا لَا نَشُكُّ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْ بَلَغَهُ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ -: فَقَدْ سَلَّمَ وَرَضِيَ وَأَطَاعَ، وَالْمَانِعُ مِنْ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَلِلسُّنَّةِ المحلى
( 3/87)
.... ما حكم طلاق المرأة في الحيض
 اتفق العلماء على أن طلاق الحائض يأثم صاحبه لأنه خالف الكتاب والسنة لكن هل يقع الطلاق مع تأثيم صاحبه أم لا يقع
قلت:اختلف أهل العلم في وقوع الطلاق في الحيض -  على قولين:والصحيح  أن الطلاق في الحيض يقع ويُحسب: وهو قول الأئمة الأربعة منهم أبوحنيفة ومالك والشافعي وأحمد  وغيرهم انظر الشرح الممتع 13/46،ورجحه شيخنا مصطفى العدوي والدليل : أولا : عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»رواه البخاري (5332) ومسلم (1471) واللفظ له
 قالوا : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: « مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا...»  قالوا والمراجعة لا تكون إلا من طلاق قد وقع.
قال ابن عبد البر في التمهيد (15/64)
وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا طَلْقَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْمُرَاجَعَةِ إِلَّا لِمَنْ لَزِمَتْهُ الطَّلْقَةُ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ لَقَالَ دَعْهُ فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ أَوْ نَحْوَ هَذَا
ثانيا : قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَاجَعْتُهَا، وَحَسَبْتُ لَهَا التَّطْلِيقَةَ الَّتِي طَلَّقْتُهَا رواه مسلم (1417) فوجه الشاهد من الحديث: أنه قال: وحسبت لها التطليقة. وفي رواية قال: «حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ»رواه البخاري 5253).قالوا والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حسبها تطليقة.
ثالثا : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً» أخرجه الطَّيَالِسِيّ (68) قال الألباني في ارواء الغليل (7/126) وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
قال ابن حجر في فتح الباري (9/353)وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ انتهى
.... هل يجوز الخلع في الحيض أم لا
الخلع هو: «وقوع الفُرقة بين الزوجين بتراضيهما، وبعوض تدفعه الزوجة لزوجها» انظر«المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم» د. عبد الكريم زيدان (8/ 114).  
أولا : الخلع بدون سبب فهو حرام عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ» رواه الترمذي (1186) وصححه الألباني 0
ثانيا : قال ابن عثيمين رحمه الله : إذا كان الطلاق على عوض، فإنه لا باس أن يطلقها وهي حائض. مثل أن يكون بين الزوجين نزاع وسوء عشرة فيأخذ الزوج عوضًا ليطلقها، فيجوز ولو كانت حائضًا. لحديث ابن عباس (رضي الله عنهما) «أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءتْ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: " يا رسول الله إني ما أعْتِبُ عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام "، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أتردِّين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقْبلْ الحديقة وطلّقها تطليقة» [رواه البخاري] . ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كانت حائضًا أو طاهرًا؟ ، ولأن هذا الطلاق افتداء من المرأة عن نفسها فجازَ عند الحاجة إليه على أي حال كان.قال في المغني معللا جواز الخلع حال الحيض " لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل الضرر الذي يلحقُها بطول العدة، والخلعُ لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرههُ ولَبغضُه، وذلك أعظم من ضرر طول العدة، فجاز دفع أعلاهما بأدناهما، ولذلك لم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم – المختلعة عن حالها ". اهـ .انظر الدماء الطبيعية (1/34 )
.... أحكام النفساء
معنى النفاس :
هو دم يرخيه الرحم بسبب الولادة إما معها أو بعدها أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق انظر الدماء الطبيعية لابن عثيمين ص38
وعند الشافعية لا يكون النفاس الا مع الولادة أو بعدها وأما قبل الولادة ولو مع الطلق فلا يعد نفاسا والله أعلم وهذا ما رجحه الطب كما أورد ذلك ابو عمر دبيان بن محمد الدبيان في كتابه الحيض والنفاس انظر تمام المنة لشيخنا العزازي 1/144
فائدة : قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام النساء (1/242)
عرَّف بعض أهل العلم دم النفاس : بأنه دم حيض ، وإنما امتنع خروجه مدة الحمل لكونه ينصرف إلى غذاء الحمل فإذا وضع الحمل وانقطع العرق الذي كان يجري فيه الدم خرج من الفرج ويفترق دم النفاس عن دم الحيض من وجهين : أولا : طول المدة ثانيا : عدم حصول العدة به لقول الله تعالى : {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وقد نقل النووي رحمه الله الإجماع على وجوب الغسل لخروج دم الحيض والنفاس 0وباقي أحكام النفاس هي نفسها أحكام دم الحيض من ترك الصلاة والصيام 0 وقد أطلق النبي صل الله عليه وسلم النفاس على الحيض بقوله للحائض أنفست كما تقدم والله أعلم
....أقل مدة النفاس:
ليس لأقل مدة للنفاس حَدٌّ:  فمثلاً امرأة ولدت، وبعد ولادتها نزل منها نقاط دم، ثم رأت القصة البيضاء أو الجفوف ، فهذه نقول لها: نفاسك هذه النقاط، نفاسك هذه المدة التي نزل فيها بعض الدم، وما دمت رأيت القصة البيضاء أو الجفوف ، فاغتسلي وصلي، وصومي ، ويجامعك زوجك؛ لأنك قد طهرت، فلا حد لأقله، ولو لحظة واحدة، فيكون قد طهرت، وتسمى نفاساً في هذه اللحظة فقط.
قال ابن قدامة رحمه الله :  في المغني( 1/251):
(وَلَيْسَ لِأَقَلِّهِ حَدٌّ، أَيَّ وَقْتٍ رَأَتْ الطُّهْرَ اغْتَسَلَتْ، وَهِيَ طَاهِرٌ، 000 وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: إذَا لَمْ تَرَ دَمًا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ: أَقَلُّهُ سَاعَةٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَقَلُّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ تَحْدِيدُهُ، فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ قَلِيلًا وَكَثِيرًا،انتهى
.... أما أكثر مدة تنتظرها المرأة إذا استمر بها الدم،
ذهب  الشعبي وعطاء والشافعي وقال به مالك في الأول ثم رجع عنه وقال يسئل النساء عن ذلك ولم يحد فيه حدا.انظر معالم السنن 1/95
قالوا: أكثر مدة النفاس ستون يوماً، وذهب أكثر الفقهاء أن أكثر مدة النفاس أربعون يومًا أي: أن تحسب المرأة التي نزل منها الدم 40 يوماً، فإذا استمر الدم معها  بَعْد أَرْبَعِين يوماً نقول لها: ان صَادَف عَادَة الْحَيْض، فَهُوَ حَيْض، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً، فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ فهذا اليوم الواحد والأربعون ، وهذا ليس بدم نفاس، فتدخل فتغتسل، ،  وتصلي  قال في معالم السنن 1/ 95 روي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس وأنس بن مالك وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. قال أبوعبيد وعلى هذا جماعة الناس ،انتهى  وهذا هو الراجح ، والدليل : عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَتِ النُّفَسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا رواه أبو داود 311 قال الألباني في صحيح أبي داود (330) (قلت: إسناده حسن صحيح. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقوّاه البيهقي. وقال النووي: " حديث حسن جيد "، وأقره الحافظ) اهـ فهذا توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن قدامة :
فَصْلٌ: فَإِنْ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَصَادَفَ عَادَةَ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً، فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الَّذِي تَقْعُدُهُ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْتِهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، يَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي إنْ أَدْرَكَهَا رَمَضَانُ، وَلَا تَقْضِي. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا قُلْنَا.
المغني 1/251
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/352)
وَالْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا مُتَعَاضِدَةٌ بَالِغَةٌ إلَى حَدِّ الصَّلَاحِيَّةِ وَالِاعْتِبَارِ فَالْمَصِيرُ إلَيْهَا مُتَعَيَّنٌ، فَالْوَاجِبُ عَلَى النُّفَسَاءِ وُقُوفُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ اهـ
تنبيهات :
1- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : أحكام النفاس كأحكام الحيض سواء بسواء، إلا فيما يأتي:
الأول: العدة فتعتبر بالطلاق دون النفاس لأنه إن كان الطلاق قبل وضع الحمل انقضت العدة بوضعه لا بالنفاس، وإن كان الطلاق بعد الوضع انتظرت رجوع الحيض كما سبق.
الثاني: مدة الإيلاء يحسب منها مدة الحيض ولا يحسب منها مدة النفاس.
والإيلاء: أن يحلف الرجل على ترك جماع امرأته أبدا أو مدة تزيد على أربعة أشهر، فإذا حلف وطالبته بالجماع جعل له مدة أربعة أشهر من حلفه، فإذا تمت أجبر على الجماع أو الفراق بطلب الزوجة، فهذه المدة إذا مر بالمرأة نفاس لم يحسب على الزوج، وزيد على الشهور الأربعة بقدر مدته، بخلاف الحيض فإن مدته تحسب على الزوج.
الثالثة: البلوغ يحصل بالحيض ولا يحصل بالنفاس، لأن المرأة لا يمكن أن تحمل حتى تنزل فيكون حصول البلوغ بالإنزال السابق للحمل.
الرابع: أن دم الحيض إذا انقطع ثم عاد في العادة فهو حيض يقينا، مثل أن تكون عادتها ثمانية أيام، فترى الحيض أربعة أيام ثم ينقطع يومين ثم يعود في السابع والثامن، فهذا العائد حيض يقينا يثبت له أحكام الحيض، وأما دم النفاس، إذا انقطع قبل الأربعين ثم عاد في الأربعين فهو مشكوك فيه فيجب عليها أن تصلي وتصوم الفرض المؤقت في وقته ويحرم عليها ما يحرم على الحائض غير الواجبات وتقضي بعد طهرها ما فعلته في هذا الدم. مما يجب على الحائض قضاؤه. هذا هو
المشهور عند الفقهاء من الحنابلة والصواب أن الدم إذا عاودها في زمن يمكن أن يكون نفاسا فهو نفاس، وإلا فهو حيض إلا أن يستمر عليها فيكون استحاضة، وهذا قريب مما نقله في المغني  عن الإمام مالك حيث قال: وقال مالك: " إن رأت الدم بعد يومين أو ثلاثة يعني من انقطاعه فهو نفاس وإلا فهو حيض ". اهـ وهو مقتضى اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وليس في الدماء شيء مشكوك فيه بحسب الواقع، ولكن الشك أمر نسبي يختلف فيه الناس بحسب علومهم وأفهامهم. والكتاب والسنة فيهما تبيان كل شيء، ولم يوجب الله سبحانه على أحد أن يصوم مرتين، أو يطوف مرتين، إلا أن يكون في الأول خلل لا يمكن تداركه إلا بالقضاء، أما حيث فعل العبد ما يقدر عليه من التكليف بحسب استطاعته فقد برئت ذمته، كما قال تعالى:
{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] وقال: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]
الخامس: أنه في الحيض إذا طهرت قبل العادة جاز لزوجها جماعها بدون كراهة. وأما في النفاس إذا طهرت قبل الأربعين فيكره لزوجها جماعها على المشهور في المذهب، والصواب أنه لا يكره له جماعها. وهو قول جمهور العلماء، لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، وليس في هذه المسألة سوى ما ذكره الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين، فقال لا تقربيني.- قلت عمرو هذا الأثرضعيف ضعفه الألباني انظر الارواء (212) - وهذا لا يستلزم الكراهة لأنه قد يكون منه على سبيل الاحتياط خوفا من أنها لم تتيقن الطهر، أو من أن يتحرك الدم بسبب الجماع، أو لغير ذلك من الأسباب. والله أعلم.الدماء الطبيعية (50)
 2- إذا ولدت ولم تر الدم – وهذا نادر جدا – فإنها تتوضأ ، وتصلي ، ولا غسل عليها
3- إذا  طهرت قبل الأربعين ثم عاودها الدم أثناء الأربعين فالصحيح كما قال الشيخ ابن عثيمين اعتبار القرائن في هذا الدم فإن علمت أنه دم نفاس فهو كذلك وإن علمت بالقرائن أنه ليس دم نفاس فهي في حكم الطاهرات والله أعلم انظر الشرح الممتع (1/450)
4- قال شيخنا عادل العزازي :
لا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان ، فلو وضعت سقطا لم يتبين فيه خلق إنسان فيرى بعض العلماء أن دمها لا يكون دم نفاس 0 ويتلخص عندهم الأمر كما يلي : أ- إن كان السقط قبل الأربعين يوما الأولى فالدم لا يحكم عليه أنه دم نفاس بل هو دم فساد فتغتسل وتصلي وتصوم 0
ب- إن كان السقط بعد ثمانين يوما فالدم دم نفاس 0
ج – إن كان السقط ما بين الأربعين والثمانين يوما فينظر في السقط ، فإن ظهرت فيه أمارات التخليق فالدم دم نفاس ، وإلا فلا 0
ويرى الشيخ الألباني رحمه الله أن الدم عقب السقط يكون نفاسا في أي مرحلة من مراحل الجنين ، وأرى أن ذلك هو الأرجح لعدم وجود دليل على الفرق بين ما كان قبل الأربعين ، وما كان بعد الأربعين ، شريطة التأكد أنه سقط لآدمي ، ليس مجرد محتبس ، ويستعان على ذلك بالوسائل الطبية والله أعلم 0 انظر تمام المنة لشيخنا (1/146)
5-قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في  الدماء الطبيعية 56
وأما استعمال ما يسقط الحمل فهو على نوعين:
الأول: أن يقصد من إسقاطه إتلافه، فهذا إن كان بعد نفخ الروح فيه فهو حرام، بلا ريب، لأنه قتل نفس محرمة بغير حق وقتل النفس المحرمة حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وإن كان قبل نفخ الروح فيه فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، ومنهم من قال يجوز ما لم يكن علقة أي ما لم يمض عليه أربعون يوما، ومنهم من قال يجوز ما لم يتبين فيه خلق إنسان.
والأحوط المنع من إسقاطه إلا لحاجة كأن تكون الأم مريضة لا تتحمل الحمل أو نحو ذلك، فيجوز إسقاطه حينئذ إلا إن مضى عليه زمن يمكن أن يتبين فيه خلق إنسان فيمنع، والله أعلم.
الثاني: ألا يقصد من إسقاطه إتلافه بأن تكون محاولة إسقاطه عند انتهاء مدة الحمل وقرب الوضع فهذا جائز، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر على الأم، ولا على الولد. ولا يحتاج الأمر إلى عملية، فإن احتاج إلى عملية فله حالات أربع:
الأولى: أن تكون الأم حية والحمل حيا، فلا تجوز العملية إلا للضرورة، بأن تتعسر ولادتها فتحتاج إلى عملية، وذلك لأن الجسم أمانة عند العبد، فلا يتصرف فيه بما يخشى منه إلا لمصلحة كبرى؛ ولأنه ربما يظن ألا ضرر في العملية فيحصل الضرر.
الثانية: أن تكون الأم ميتة والحمل ميتا، فلا يجوز إجراء العملية لإخراجه لعدم الفائدة.
الثالثة: أن تكون الأم حية والحمل ميتا، فيجوز إجراء
العملية لإخراجه، إلا أن يخشى الضرر على الأم لأن الظاهر - والله أعلم - أن الحمل إذا مات لا يكاد يخرج بدون العملية، فاستمراره في بطنها يمنعها من الحمل المستقبل، ويشق عليها، وربما تبقى أيما إذا كانت معتدة من زوج سابق.
الرابعة: أن تكون الأم ميتة والحمل حيا، فإن كان لا ترجى حياته لم يجز إجراء العملية.
وإن كان ترجى حياته، فإن كان قد خرج بعضه شق بطن الأم لإخراج باقيه، وإن لم يخرج منه شيء فقد قال أصحابنا - رحمهم الله - لا يشق بطن الأم لإخراج الحمل، لأن ذلك مثلة، والصواب أنه يشق البطن إن لم يكن إخراجه بدونه، وهذا اختيار ابن هبيرة قال في الإنصاف  وهو أولى.قلت ولا سيما في وقتنا هذا فإن إجراء العملية ليس
بمثلة، لأنه يشق البطن ثم يخاط، ولأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، ولأن إنقاذ المعصوم من الهلكة واجب. والحمل إنسان معصوم فوجب إنقاذه. والله أعلم.
تنبيه: في الحالات التي يجوز فيها إسقاط الحمل فيما سبق لا بد من إذن من له الحمل في ذلك كالزوج
6-. قَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي زمن النفاس حُكْمُهُمَا حُكْمُهُمَا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ انظر المجموع 2/ 531
.... دم الاستحاضة  0
 تعريف الاستحاضة:
قال ابن عثيمين رحمه الله : الاستحاضة: استمرار الدم على المرأة بحيث لا ينقطعُ عنها أبدًا أو ينقطعُ عنها مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر فدليل الحالة الأولى التي لا ينقطع الدم فيها أبدًا ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: «قالت فاطمة بنت أبي حُبيش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله إني لا أطهُرْ. وفي رواية أستحاضُ فلا أطهُر» .
ودليل الحالة الثانية التي لا ينقطع الدم فيها إلا يسيرًا حديث حمنة بنت جحش حيث «جاءتْ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: " يا رسول الله إني أستحاضُ حيضةً كبيرةً شديدة» . [الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ونقل عن الإمام أحمد تصحيحه وعن البخاري تحسينه] .انظر الدماء الطبيعية (39)
.... وقد قسَّم العلماء المستحاضة إلى أربعة أقسام 0
فنقول: هذه المرأة لا تخلو من أربع حالات:
1- المعتادة وهي أن تكون مدة الحيض معروفة لها قبل الاستحاضة ، فهذه تنتظر قدر حيضتها ثم تغتسل وتصلي وما زاد على حيضتها فهو دم استحاضة ليس بحيض. مثال ذلك امرأة كان يأتيها الحيض ستة أيام من أول كل شهر، ثم استمر نزول الدم بعد ذلك ، فيكون حيضُها ستة أيام من أول كل شهر، ويكون بقية الشهر استحاضة ، وهكذا كل شهر0فعن عائشة رضي الله عنها ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَمَّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها، سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّمِ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلْآنَ دَمًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي»
   أخرجه مسلم (334)، فعلى هذا تجلسُ المستحاضة التي لها حيض معلوم قدر حيضها ثم تغتسلُ وتصلي  وتصوم ويجامعها زوجها  ولا تُبالي بالدم حينئذ.
قال الخطابي رحمه الله:
  هذا حكم المرأة يكون لها من الشهر أيام معلومة تحيضها في أيام الصحة قبل حدوث العلة، ثم تستحاض فتهريق الدماء ويستمر بها السيلان. أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة من الشهر قدر الأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها ما أصابها، فإذا استوفت عدد تلك الايام اغتسلت مرة واحدة وصار حكمها حكم الطواهر 0 معالم السنن (1/85)
2 - المميِّزة أن لا تكون لها عادة ، ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض  لون دم الحيض وصفته وقدره عن لون دم الاستحاضة   فتنظر إلى دم حيضها فتترك الصلاة ثم تغتسل وتصلي بعد إدباره. مثال ذلك امرأة رأت الدم في أول ما رأته، واستمر عليها لكن تراه عشرة أيام أسود وباقي الشهر أحمر. أو تراه عشرة أيام غليظا وباقي الشهر رقيقا. أو تراه عشرة أيام له رائحة الحيض وباقي الشهر لا رائحة له فحيضها الأسود في المثال الأول والغليظ في المثال الثاني، وذو الرائحة في المثال الثالث، وما عدا ذلك فهو استحاضة
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي» أخرجه البخاري (228)، ومسلم (ص 262)
قال شيخنا مصطفى العدوي في احكام النساء 1/228
أما إذا كانت المستحاضة لا تعرف قدر حيضتها وتستطيع تمييز دم حيضها من دم استحاضتها فتنظر الى دم حيضها فتترك الصلاة عند قدومه ثم تغتسل وتصلي فور ادباره انتهى
3 - -وإما أن تكون المرأة مبتدأة، بمعنى أنها لم يسبق لها الحيض، فهي غير مميزة لدم الحيض عن غيره من الدماء، وفي هذه الحالة يكون حيضها ستة أيام أو سبعة، على غالب عادة النساء،  فإن كان الغالب من حال النساء حولها أن يحضن مثلًا في الشهر ستة أو سبعة أيام، فإنها تنتظر من ابتداء حيضتها ستة أو سبعة أيام وتعتبرها أيام حيض،يحرم عليها فيها ما يحرم على الحائض
وبعدها تغتسل ولا عبرة بالدم بعد ذلك فإنه استحاضة.
والدليل على ذلك : حديث عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها  قَالَتْ:  يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَرَى فِيهَا قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ. فَقَالَ: «أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ». قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَاتَّخِذِي ثَوْبًا».الى أن قال -: «إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ، وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا 000» . أخرجه أبو داود( 287)،،  وحسنه الألباني في الإرواء (205).
 قال الخطابي - تعليقا على هذا الحديث -: وإنما هي امرأة مبتدأة لم يتقدم لها أيام ولا هي مميزة لدمها وقد استمر بها الدم حتى غلبها فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها إلى العرف الظاهر والأمر الغالب من أحوال النساء كما حمل أمرها في تحيضها كل شهر مرة واحدة على الغالب من عاداتهن ويدل على ذلك قوله كما تحيض النساء ويطهرن من ميقات حيضهن وطهرهن، وهذا أصل في قياس أمرالنساء بعضهن على بعض في طب الحيض والحمل والبلوغ وما أشبه هذا من أمورهن0 معالم السنن (1/88)
4 – ان علمت بموضع الدم لكنها نسيت عدد أيامه ولا تستطيع تمييز الحيض من الاستحاضة  بمعنى أنها علمت مثلا أنه يأتيها في أول الشهر ثم نسيت هل هو ستة أيام أم سبعة أم غير ذلك ؟وهذه يسميها العلماء المتحيرة فللعلماء في هذه اقوال قالوا انها كالمبتداة غير المميزة التي تقدم حكمها الحالة الثالثة 
وقال بعض العلماء بل تتحرى – قدر استطاعتها – لون الدم وكذلك سائر ألوان دماء الحيض عند النساء ، وتتحرى – قدر الاستطاعة – وقت نزوله عليها قبل أن يطرأ عليها المرض ومن ثم تبنى على التقريب فتترك الصلاة تقريبا في الأيام التي ترجح أن دم الحيض ينزل عليها فيها وكذلك تترك الصوم ويعتزلها زوجها إلى غير ذلك من مستلزمات الحيض ومتبوعاته ، فاذا انقضت هذه المدة اغتسلت وتعامل معاملة الطاهر ، ورجح هذا القول شيخنا مصطفى العدوي 0
:[حال من تشبه المستحاضة]
حال من تشبه المستحاضة قد يحدث للمرأة سبب يوجب نزيف الدم من فرجها كعملية في الرحم أو فيما دونه وهذه على نوعين:
الأولى: أن يعلم أنها لا يمكن أن تحيض بعد العملية مثل أن تكون العملية استئصال الرحم بالكلية أو سده بحيث لا ينزل منه دم، فهذه المرأة لا يثبت لها أحكام المستحاضة، وإنما حكمها حكم من ترى صفر أو كدرة أو رطوبة بعد الطهر، فلا تترك الصلاة ولا الصيام ولا يمتنع جماعها ولا يجب غسل من هذا الدم، ولكن يلزمها عند الصلاة غسل الدم، وأن تعصب على الفرج خرقة ونحوها، لتمنع خروج الدم، ثم تتوضأ للصلاة ولا تتوضأ لها إلا بعد دخول وقتها، إن كان لها وقت كالصلوات الخمسة، وإلا فعند إرادة فعل الصلاة كالنوافل المطلقة.
الثاني: ألا يعلم امتناع حيضها بعد العملية بل يمكن أن تحيض، فهذه حكمها حكم المستحاضة. ويدل لما ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش «إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة» . فإن قوله «فإذا أقبلت الحيضة» يفيد أن حكم المستحاضة فيمن لها حيض ممكن ذو إقبال وإدبار، أما من ليس لها حيض ممكن فدمها دم عرق بكل حال. انظر الدماء الطبيعية (45)
.... ماذا تفعل المستحاضة من اجل الصلاة ؟
المستحاضة إذا انقضت مدة الحيض فانها تغتسل غسلها من الحيض ثم تعصب بخرقة على فرجها – ويسمى هذا تلجما واستثارا –وهذا مستحب وليس بواجب - وبذلك يكون لها أحكام الطهر : فيباح لها الصلاة ، والصوم ، والطواف ، وغير ذلك مما كان محرما عليها بالحيض إلا أنها بالنسبة للصلاة فانها تتخير احد هذه الأمور
الأول : الاغتسال لكل صلاة فعن  عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فَقَالَ: «هَذَا عِرْقٌ» فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ0  رواه البخاري 327 ومسلم 334
الثاني : تؤخر الظهر إِلي قبل العصر ثم تغتسل وتصلي الظهر والعصر وكذلك تؤخر المغرب إِلي  قبل العشاء ثم تغتسل وتصلي المغرب والعشاء وتغتسل للصبح وتصلي وذلك لما ثبت في حديث حمنة بنت جحش أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَتُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَدِرْتِ عَلَى ذَلِكَ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ» رواه أبو داود 287 صححه الألباني في الارواء 1/314
الثالث : تتوضأ لكل صلاة ، أي أنها لا تتوضأ قبل دخول وقت الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» رواه أبو داود (292) وصححه الألباني  ، وقبل وضوئها تغسل فرجها وتشد خرقة على فرجها ولا يضرها ما ينزل منها من دم بعد وضوئها للصلاة مهما كثر لأنها معذورة 
قال ابن قدامة :
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ مُسْتَحَبُّ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَالْغُسْلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَفْضَلُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْأَخْذِ بِالثِّقَةِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَهُوَ أَشَدُّ مَا قِيلَ، ثُمَّ يَلِيهِ فِي الْفَضْلِ وَالْمَشَقَّةِ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَالِاغْتِسَالُ لِلصُّبْحِ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ: «وَهُوَ أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إلَيَّ» . ثُمَّ يَلِيهِ الْغُسْلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً بَعْدَ الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَيْضِ، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَهُوَ أَقَلُّ الْأُمُورِ وَيُجْزِئُهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.المغني (1/265)
 ....ما حكم مجامعة المستحاضة ؟
قلت: تنازع العلماء في ذلك على قولين 0
القول الاول :  قالوا جَوَاز مُجَامَعَة الْمُسْتَحَاضَة وَلَوْ حَال جَرَيَان الدَّم 0
وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ : ( أي أَكْثَر أَهْل الْعِلْم ) وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِر عَنْ ابْنِ عَبَّاس وَابْنِ الْمُسَيِّب وَالْحَسَن الْبَصْرِي وَعَطَاء وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة وَحَمَّاد بْنِ أَبِي سُلَيْمَان وَبَكْر بْنِ عَبْد اللَّه الْمُزَنِي وَالْأَوْزَاعِي وَالثَّوْرِي وَمَالِك وَإِسْحَاق وَالشَّافِعِي وَأَبِي ثَوْر 0 انظر نيل الْأَوْطَار ( 1/350 ) ورجحه ابن باز في مجموع فتاوى ( 10/213 ) وابن عثيمين و شيخنا مصطفى العدوي ، وهو الراجح والدليل : أولا : قال الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]
قالوا  : والمستحاضة قد تطهرت من الحيض فيجوز وطؤها مطلقا  وإن دم الاستحاضة دم عرق فلا يمنع من الوطء كالناسور ؟
قال النووي رحمه الله :
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) وَهَذِهِ قَدْ تَطَهَّرَتْ مِنْ الْحَيْضِ 0 انظر المجموع (2/ 372)
ثانيا : قال ابن عباس رضي الله عنه (عن المستحاضة )  «تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَوْ سَاعَةً، وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتْ، الصَّلاَةُ أَعْظَمُ»
رواه البخاري معلقا (1/73 )
ثالثا : عن عكرمة قال:كانت أم حبيبة تُسْتَحَاضُ؛ فكان زوجها يغشاها (أي يجامعها ) راوه أبو داود (309 ) وصححه الألباني
رابعا : عن عكرمة عن حَمْنَةَ بنت جحش:أنها كانت مستحاضة؛ وكان زوجها يجامعها. رواه أبو داود (310) وحسنه النووي في المجموع (2/372 ) وحسنه الألباني في سنن  أبي داود 0
 خامسا  : أنَّ الصَّحابة رضي الله عنهم الذين استُحيضتْ نساؤهم وهنَّ حوالي سبع عشرة امرأة، لم يُنقَلْ أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمر أحداً منهم أن يعتزل زوجته، ولو كان من شرع الله لبيَّنه صلّى الله عليه وسلّم لمن استُحيضَت زوجتُه، ولَنُقِلَ حفاظاً على الشريعة، فلما لم يكن شيءٌ من ذلك عُلِمَ أنه ليس بحرام.
سادسا : البراءة الأصلية، وهي الحلُّ.
قال النووي رحمه الله 0
يجوز عندنا وطىء ( أي مجامعة ) الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ جَارِيًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنا00وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ 00وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ كَالطَّاهِرِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا فكذا في الوطئ ولانه دم عرق فلم يمنع الوطئ كَالنَّاسُورِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمٍ بَلْ وَرَدَ بِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ 0 المجموع ( 2/372)
القول الثاني : وَقَالَ النَّخَعِيّ وَالْحَكَمُ: إنَّهُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ، انظر نيل الْأَوْطَار ( 1/350 ) وقال أَحْمَد لا يجوز الوطىء ( أَي الجماع ) إلَّا أَنْ يخاف زوجها العنت ( أَي الزنا ) انظر المجموع (2/372)
 وحجتهم أولا : عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَمِيرٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا ( أي يجامعها ) زَوْجُهَا " رواه البيهقي في السنن الكبرى (1563) وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ نَقْلَ الْمَنْعِ عَنْ عَائِشَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْهَا بَلْ هُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ أَدْرَجَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي حديثها 0 المجموع (2/ 372)    
ثانيا : قالوا قياسا على الحائض : في نَيْلُ الْأَوْطَارِ 1/351 قَالُوا: وَلِأَنَّ بِهَا أَذًى فَيَحْرُم وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ، وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ مِنْ وَطْءِ الْحَائِضِ مُعَلِّلًا بِالْأَذَى وَالْأَذَى مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ فَثَبَتَ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّهَا.
قال النووي رحمه الله 0
والْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْحَائِضِ أَنَّهُ قِيَاسٌ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَمْ يُقْبَلْ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَوَجَبَ إلْحَاقُهُ بِنَظَائِرِهِ لَا بِالْحَيْضِ الَّذِي لا يشاركه في شئ 0 المجموع( 2/373 )
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله 0
الجماع فقد اختلف العلماء في جوازه إذا لم يخفْ العنت بتركه والصواب جوازه مطلقا لأن نساءكثيرات يبلُغن العشر أو أكثر استحضْن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يمنع الله ولا رسوله من جماعهنَّ. بل في قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] دليل على أنه لا يجبُ اعتزالهن فيما سواه، ولأن الصلاة تجوزُ منها، فالجماعُ أهون. وقياس جماعها على جماع الحائض غير صحيح، لأنهما لا يستويان حتى عند القائلين بالتحريم والقياس لا يصحُّ مع الفارق.انظر رسالة في الدماء الطبيعية للنساء ( 1/46 )
المبحث السادس : اعتكاف المستحاضة ؟
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي» رواه البخاري (310)
نقل النووي رحمه الله الاجماع على أن المستحاضة في الاعتكاف كالطاهرة قال وأما الصلاة والصيام والاعتكاف وقرآة الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَسُجُودُ الشُّكْرِ وَوُجُوبُ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهَا فَهِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَالطَّاهِرَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (شرح مسلم 1/631)
 :

--------------------------------------------------------------


بهذا القدر نكتفي سائلين الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا  نسأل الله عز وجل أن يرفع راية الْإِسْلام والمسلمين عالية خفاقة وأن ينصر بنصره من أعان على نشر الْإِسْلَام في إرجاء المعمورة
ونسْأَله سبحانه أن يخذل من خذل الْإِسْلام والمسلمين وسعى لنشر الرذيلة وابتغى في  الأَرْض  وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق