الثلاثاء، 10 يناير 2017

هل يجوز خضاب الشعر بالسواد عمرو العدوي أبو حبيبة

عمرو العدوي
أبو حبيبة
هل يجوز خضاب الشعر بالسواد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة هل يجوز خضاب الشعر بالسواد بيَّنت فيها بإيجاز: أقوال العلماء ودليل كل فريق وذكرت القول الراجح من أَقوالهم
أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن يرحمني يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.
هل يجوز خضاب الشعر بالسواد
قلت : تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول : يَحْرُمُ خِضَابُهُ بِالسَّوَادِ وهو مذهب الشافعي في رواية قال النووي في شرح مسلم 14/80 وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ خِضَابِ الشَّيْبِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِصُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ وَيَحْرُمُ خِضَابُهُ بِالسَّوَادِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَالْمُخْتَارُ التَّحْرِيم اهـ ورجحه ابن باز وابن عثيمين والألباني 0
واستدلوا أولا : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ» رواه مسلم (2102) وله شاهد عن أنس به مرفوعا رواه أحمد (12635) وقال العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (1/895) : وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم اهـ قالوا : فقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: «واجتنبوا السَّواد». يدل على النهي عن صبغ الشعر بالسواد، والنهي يقتضي التحريم إلا إذا صرفه صارف شرعي من النهي إلى الكراهة، كما هو مقرر في مواضعه في أصول الفقه قلت : هذا الحديث لا يصح الاحتجاج به على عموم تحريم الصبغ بالسواد لأن الحديث إنما كان في سياق أبي قحافة فالعبرة في هذا الحديث في خصوص السبب لا عموم اللفظ أي أن هذا خاص بأبي قحافة، ومن كان في مثل سنه فلا يجوز لهم الخضاب بالسواد أما الشاب فيجوز له ذلك قال الشيخ سيد سابق رحمه الله : فإنه واقعة عين ووقائع الأعيان لا عموم لها.
قال الألباني : قلت: لا أرى أن الحديث من "وقائع الأعيان التي لا عموم لها" بل هو من باب "الأمر للواحد أمر لجميع الأمة أم لا؟ " " والحق الأول انظر تمام المنة ص (85) قلت : قول الشيخ سيد سابق رحمه الله : فإنه واقعة عين خطأ هذا الحديث واقعة حال والفرق بينهما أن معنى واقعة عين المسألة التي وقعت في شخص معين مثل تخصيص النبي لأبي بُرْدَة بْن نِيَارٍ في التضحية بجذعة المعز كما عند البخاري (955) ومسلم (1961) فهي خاصة لهذا الشخص فقط وأما واقعة الحال فهي تبقى في الشخص وكل على من كان مثله في الحال مثل قصة هند في سؤالها النبي صلى الله عليه وسلم عن جواز أخذها من مال أبي سفيان لكونه شحيح ولا يعطيها من النفقة ما يكفيها وولدها ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ» رواه البخاري (2211) ومسلم (1714) فهذا واقعة حال فلا تعم مطلقا ، ولا تختص بالشخص كواقعة العين ، بل هي من الخاص النوعي ، بمعنى أنه يعم في حكمه كل من كان نوع حاله كنوع حال هند 0
أما قول العلامة الألباني رحمه الله : بل هو من باب "الأمر للواحد أمر لجميع الأمة قلت : بل نقول تعم ولكن لمن كان حاله كحال أبي قحافة  قال ضياء الدين أبو حفص في المغني (2/477) : وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير قَوْله فِي حق أبي قُحَافَة: " وجنبوه السوَاد. وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: الأول: أَن أَحَادِيث مُسلم لَا تقاوم أَحَادِيث البُخَارِيّ الثَّانِي: أَن الْحسن وَالْحُسَيْن وَسعد بن أبي وَقاص قد صبغوا بِالسَّوَادِ، فَلَو كَانَ حَرَامًا لما فَعَلُوهُ، وَكَذَلِكَ كَانُوا فِي زمَان الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، فَلَو كَانَ حَرَامًا لأنكروا عَلَيْهِم ". وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ " إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يصبغون فخالفوهم " أَخْرجَاهُ وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بتغيير الشيب مُطلقًا اهـ وقال ابن القيم في زاد المعاد (4/337) فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مسلم " النَّهْيُ عَنِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ فِي شَأْنِ أبي قحافة لَمَّا أُتِيَ بِهِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقَالَ: ( «غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ» --- أَنَّ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ خِضَابُ التَّدْلِيسِ، كَخِضَابِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ، وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ تَغُرُّ الزَّوْجَ، وَالسَّيِّدَ بِذَلِكَ، وَخِضَابِ الشَّيْخِ يَغُرُّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِنَ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ تَدْلِيسًا وَلَا خِدَاعًا، فَقَدْ صَحَّ عَنِ الحسن والحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسَّوَادِ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُمَا فِي كِتَابِ " تَهْذِيبِ الْآثَارِ " وَذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ و--- اهـ
وقال شيخنا مصطفى العدوي : فأجاب بعض العلماء عليه بأن هذا واقعة عين خاصة بأبي قحافة، ومن كان في مثل سنه، وفيمن صَارَ شَيْبه مُسْتَبْشَعًا ، ويشهد له ما نقله الحافظ في الفتح عن ابن شهاب الزهري قَالَ كُنَّا نُخَضِّبُ بِالسَّوَادِ إِذْ كَانَ الْوَجْهُ جَدِيدًا (شباباً)،فَلَمَّا نَغَضُّ الْوَجْهَ وَالْأَسْنَانَ (شخنا وكبرنا) تَرَكْنَاهُ فكبير السن الطاعن فيه إذا صبغ رأسه بالسواد رجع كالصبيّ، فأصبح مثارًا للسخرية منه والتهكم عليه.
فعلى سبيل المثال: إن كانت امرأة عجوز طاعنة في السن لبست ثوبًا أبيض به ورد أحمر، فإن الناس سيسخرون منها لكونها ارتدت ثيابًا لا تتناسب مع وقارها وسنها انظر فتاوى مهمة (1/314)
ثانيا : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ، كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ، لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ رواه أبو داود (4212) وصححه الألباني قلت : هذا الحديث لا يدل على شيء في حكم الخضاب بالسواد بل مجرد الحديث عن وصف هؤلاء القوم ولو قلنا بالتحريم لهذا الحديث لقلنا بتحريم الحلق إذ هو سيما الخوارج كما قال النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن الجوزي في الموضوعات (3/55) ثُمَّ نقُول عَلَى تَقْدِير الصِّحَّة: يحْتَمل أَن يَكُون الْمَعْنى لَا يريحون رَائِحَة الْجَنَّة لفعل يصدر مِنْهُم أَوِ اعْتِقَاد، لَا لعِلَّة الخضاب، وَيكون الخضاب سِيمَاهُمْ، فعرفهم بالسيما كَمَا قَالَ فِي الْخَوَارِج: سِيمَاهُمْ التحليق، وَإِن كَانَ تحليق الشّعْر لَيْسَ بِحرَام انتهى وفي تحفة الأحوذي (5/360) أَنَّ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ بَلْ عَلَى مَعْصِيَةٍ أُخْرَى لَمْ تُذْكَرْ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ بن أَبِي عَاصِمٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ وَقَدْ عَرَفْتَ وُجُودَ طَائِفَةٍ قَدْ خَضَبُوا بِالسَّوَادِ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَبَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَظَهَرَ أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ إِذَا لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَائِدَةٌ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ
ثالثا : عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَوَّدَ بِالْخِضَابِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الطبراني في الشاميين (652) قلت : حديث ضعيف قال الزين العراقي في شرح الترمذي: فيه الوضين بن عطاء ضعيف وقال ابن حجر في الفتح: سنده لين وقال في الميزان: قال أبو حاتم: هذا حديث موضوع انظر فيض القدير (6/124) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5573)
قال العلامة ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (6/380) ففي هذا دليل على أن الأفضل أن الإنسان يغير الشيب يصبغه لكن بغير الأسود إما بالأصفر كالحناء أو بالأصفر الممزوج بالكتم والكتم أسود فإذا مزج الأصفر بالأسود ظهر لون بني فيصبغ الإنسان بالبني أو بالأصفر كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولولا المشقة والمؤونة على بعض الناس لكان يفعل ذلك لكن في مراعاة ومراقبة ويخرج أسفل شعر أبيض وأعلاه مصبوغا وفي قوله جنبوه السواد دليل على أنه يمنع اللون الأسود لأن السواد يعني أنه يعيد الإنسان شابا فكان ذلك مضادة لفطرة الله عز وجل وسنته في خلقه وأما بقية الأصباغ فلا بأس بها إلا السواد لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وإلا إذا كان صبغة مختصة بنساء الكفار فإنه لا يجوز لنساء المؤمنين أن يصبغوا بها لأنهم إن فعلوا ذلك تشبهوا بالكفار وهو منهي عنه والله الموفق
القول الثاني : ذَهَبَ أحمد والشافعي في المشهور عنهما ومالك إِلَى كَرَاهَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ انظر منار القاري (4/ 215) وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير ومكحول واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم  قال ابن قدامة في المغني 1/69 وَيُكْرَهُ الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ. قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَكْرَهُ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ؟ قَالَ: إي وَاَللَّهِ ثم قال ابن قدامة وَرَخَّصَ فِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ لِلْمَرْأَةِ تَتَزَيَّنُ بِهِ لِزَوْجِهَا اهـ
القول الثالث : قالوا يجوز الخضاب بالسواد قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ فَقَدْ صَحَّ عَنِ الحسن والحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسَّوَادِ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُمَا فِي كِتَابِ " تَهْذِيبِ الْآثَارِ " وَذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ: مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وأيوب، وإسماعيل بن معدي كرب.
وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، ويزيد، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وأبي يوسف، وأبي إسحاق، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَزِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، وغيلان بن جامع وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وعمرو بن علي المقدمي، وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ.
قُلْتُ وَكَانَ مِمَّنْ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ وَيَقُولُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالْحَافِظُ بْنُ أبي عاصم وبن الْجَوْزِيِّ وَلَهُمَا رِسَالَتَانِ مُفْرَدَتَانِ فِي جَوَازِ الْخِضَابِ بالسواد وبن سِيرِينَ وَأَبُو بُرْدَةَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ وَعَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَقَالَ إِنَّمَا شَعْرُكَ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبِكَ فَاصْبُغْهُ بِأَيِّ لَوْنٍ شِئْتَ وَأَحَبُّهُ إِلَيْنَا أَحْلَكُهُ انظر تحفة الأحوذي 5/358
واستدلوا :
1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ قَدْ خَضَّبَ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ: «مَا أَحْسَنَ هَذَا» قَالَ: فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خَضَّبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، فَقَالَ: «هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا»، قَالَ: فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خَضَّبَ بِالصُّفْرَةِ، فَقَالَ: «هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ» رواه أبو داود (4211) قال الألباني في المشكاة (4454) : جيد وضعفه في سنن أبي داود وهو الراجح 0
2- عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ الحِنَّاءُ وَالكَتَمُ» رواه الترمذي (1753) وصححه الترمذي والألباني قال ابن الأثير في النهاية (4/150) : الكَتَمُ، وَهُوَ نَبْتٌ يُخْلَطُ مَعَ الْوَسْمَةِ وَيُصْبَغُ بِهِ الشَّعْرُ أَسْوَدُ وَقِيلَ هُوَ الْوَسْمَةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُرَادَ اسْتِعْمَالُ الْكَتَمِ مُفْرَدًا عَنِ الْحِنَّاءِ فَإِنَّ الْحِنَّاءَ إِذَا خُضِبَ بِهِ مَعَ الْكَتَمِ جَاءَ أَسْوَدَ وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنِ السَّوَادِ وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْحِنَّاءِ أَوِ الْكَتَمِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلَكِنَّ الرِّوَايَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وانظر لسان العرب (12/508)
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ» رواه البخاري (3462) ومسلم (2103) فهذا نص عام في تجويز الصباغ بعمومه
4- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى رواه أحمد (7545) وصححه الألباني قَوْلُهُ (غَيِّرُوا الشَّيْبَ) أَيْ بِالْخِضَابِ -- قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا الشَّيْبَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ التَّغْيِيرَ بِالسَّوَادِ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فخالفوهم قال الحافظ بن أَبِي عَاصِمٍ قَوْلُهُ فَخَالِفُوهُمْ إِبَاحَةٌ مِنْهُ أَنْ يُغَيِّرُوا الشَّيْبَ بِكُلِّ مَا شَاءَ الْمُغَيِّرُ لَهُ إِذْ لَمْ يَتَضَمَّنْ قَوْلُهُ خَالِفُوهُمْ أَنِ اصْبُغُوا بِكَذَا وَكَذَا دُونَ كَذَا وَكَذَا انظر تحفة الأحوذي (5/ 356) الراجح هو قول الزهري قَالَ كُنَّا نُخَضِّبُ بِالسَّوَادِ إِذْ كَانَ الْوَجْهُ جَدِيدًا (شباباً)،فَلَمَّا نَغَضُّ الْوَجْهَ وَالْأَسْنَانَ (شخنا وكبرنا) تَرَكْنَاهُ فيجوز للشاب ولا يجوز لكبير السن
فوائد :
1- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَغْيِيرَ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ أَوْ نَحْوِهِ مُسْتَحَبٌّ لِلْمَرْأَةِ كَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلرَّجُل، لِلأَْخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ انظر الموسوعة الفقهية (2/281) قلت : ولكن اختلفوا في الخضاب بالسواد كما سبق 0
2- قال ابن حجر في فتح الباري (6/499) وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أي : النهي عن الصبغ بالسواد ـ الْمُجَاهِدُ اتِّفَاقًا
3- خضاب اليدين والرجلين بالحناء من زينة النساء ، وليس من زينة الرجال :عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَوْمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ بِيَدِهَا كِتَابٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، فَقَالَ: (مَا أَدْرِي أَيَدُ رَجُلٍ أَمْ يَدُ امْرَأَةٍ؟ قَالَتْ: بَلْ امْرَأَةٌ. قَالَ: لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ - يَعْنِي بِالْحِنَّاءِ) رواه أبو داود (4166) قلت : حديث حسن لشواهده وحسنه الألباني
قال في "عون المعبود (6/ 149):
" وَفِي الْحَدِيث شِدَّة اِسْتِحْبَاب الْخِضَاب بِالْحِنَّاءِ لِلنِّسَاءِ " انتهى.
وقال السندي:" (لَوْ كُنْت اِمْرَأَة) أَيْ: لَوْ كُنْت تُرَاعِينَ شِعَار النِّسَاء لَخَضَّبْت يَدك " انتهى وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ هَذَا؟» فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ: «إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: «وَالنَّقِيعُ نَاحِيَةٌ عَنِ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ بِالْبَقِيعِ» رواه أبو داود (4928) وصححه الألباني قلت : بل هو حديث ضعيف قال النووي : إسْنَادُهُ فِيهِ مَجْهُولٌ وضعفه الأرنؤوط  قال النووي في المجموع (1/ 294) أَمَّا خِضَابُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْحِنَّاءِ فَمُسْتَحَبٌّ لِلْمُتَزَوِّجَةِ مِنْ النِّسَاءِ: لِلْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ إلَّا لِحَاجَةِ التَّدَاوِي وَنَحْوِهِ: وَمِنْ الدَّلَائِلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَعَنْ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ اهـ قال ابن عثيمين في نور على الدرب (22/2) يحرم على الرجل أن يختضب بالحناء في مناسبة الزواج أو غير مناسبة الزواج وذلك لأن الخضاب بالحناء من خصائص النساء فإذا فعله الرجل كان متشبها بالمرأة وتشبه الرجل بالمرأة من كبائر الذنوب كما أن تشبه المرأة بالرجل من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) ولأن هذا يؤدي إلى حالة نفسية يشعر بها المخضب ويشعر بها من شاهده حالة نفسية تكون كحالة المرأة بالنسبة للرجال أو الرجال بالنسبة للمرأة فيحصل بهذا فتنة كبيرة عظيمة وخلاصة الجواب أن خضاب الرجل بمناسبة الزواج أو غيره محرم بل من كبائر الذنوب لما فيه من المشابهة بالنساء اهـ قلت : أما خضاب الشعر بالحناء للرجال فلا بأس به كما سبق
4- استعمال الصبغ بالسواد للتَّلْبِيسِ وَالْخِدَاعِ ، كأَنْ تفعله امرأة عند الخِطْبة تدليساً فهذا متفق على مَنْعِهِ وذمِّه قال المباركفوري رحمه الله في : ((تحفة الأحوذي (5/ 360) وهو - أي : الخضب بالسواد لغرض التلبيس والخداع  حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ
5 - هل يجوز تغيير شعر المرأة والرجل من الأسود إلى الأحمر أو البني مثلاً بصبغة؟ الجواب هذا ينبني على قاعدة مهمة، وهي أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة هذا هو الأصل، وأن الإنسان يلبس ما شاء ويتجمل بما شاء ما لم يرد منعه في الشرع،وما سكت الله عنه مما الأصل فيه الحل، فهو حلال، وعلى هذا فنقول: هذا الصبغ الذي تصبغه النساء والرجال حلال ورجح ذلك ابن عثيمين رحمه الله
بهذا القدر نكتفي سائلين الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا  نسأل الله عز وجل أن يرفع راية الْإِسْلام والمسلمين عالية خفاقة وأن ينصر بنصره من أعان على نشر الْإِسْلَام في إرجاء المعمورة
ونسْأَله سبحانه أن يخذل من خذل الْإِسْلام والمسلمين وسعى لنشر الرذيلة وابتغى في  الأَرْض  وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق