الأحد، 22 يناير 2017

أحكام الأضحية عمرو العدوي أبو حبيبة

أحكام الأضحية
عمرو العدوي
أبو حبيبة
والأحاديث مخرجة على كتب ابن حجر والألباني والأرنؤوط وغيرهم رحمهم الله
                                                                 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يُضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه؛ والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين , وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد هذه رسالة موجزة فيما تدعو الحاجة إليه من بيان أحكام الأضحية وسيكون السير في هذا البحث على النحو الآتي


وعلى هذا جمعت في هذه المسائل : أقوال العلماء ، مع بيان أدلة كل فريق في المسألة ، من غير تعصب  لمذهب من المذاهب ، ولا نلتفت إِلَى قول : يخالف الدليل من كتاب الله  أو سنة النبي صل الله عليه وسلم الصحيحة ، مهما علا قدر قائله ، فلا عبرة بقول أحد مع قول الله ورسوله فما وافق الكتاب والسُّنَّة أخذناه، وما خالفهما تركناه، وقلنا: غفر الله لقائله قال الله عز وجل : {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قليلا ما تذكرون} [الأعراف: 3]   قَالَ الشَّافِعِي وغيره إذَا صَح الْحَدِيث فَهُوَ مذْهبي  إذ لا حجة إلا في كلام لله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، هذا وقد قمت بتخريج الْأَحادِيث مع بيان درجة الحديث – صحة وضعفا – فَإِنْ  كان الحديث في الصحيحين اكتفيت بعزوه إلَيْهَا أَو أحدهما وإِن  كان في الكتب الستة  أو غيرها فاكتفي بذكر واحد منها ؛ إذ المقصود أن تعلم صحة الحديث أو ضعفه أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن يرحمني يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.
الفصل الأول
حكم الأضحية وشروطها
المبحث الأول
: تعريف الأضحية
الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى بسبب العيد؛ تقرباً إلى الله عز وجل.قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُضْحِيَّةٌ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - وَأُضْحِيَّةٌ بِكَسْرِهَا - وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا (وَالثَّالِثُ) ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا (وَالرَّابِعُ) أَضْحَاةٌ وَجَمْعُهَا أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى وَيُقَالُ ضَحَّى يُضَحِّي تَضْحِيَةً فَهُوَ مُضَحٍّ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِفِعْلِهَا فِي الضُّحَى وَفِي الْأَضْحَى لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ لغة قيس والتأنيث لغة تميم انظر المجموع ( 8/382)
المبحث الثاني : مشروعية الأضحية وفضلها
أولاً: مشروعية الأضحية:
الأصل في مشروعة الأضحية الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) (الحج: 34) .
وأما السنة عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» رواه البخاري (5558) ومسلم (1966)
قال ابن قدامة في المغني (9/435) :
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ
ثانياً: فضل الأضحية:
وقد وردت بعض الأحاديث في فضل الأضحية، ولكنها ضعيفة، وبعضها موضوع مكذوب قال ابن العربي المالكي في كتابه عارضة الأحوذي 6/ 288. و هو شرح لسنن الترمذي قال: ليس في فضل الأضحية حديث صحيح و قد روى الناس فيها عجائب لم تصح. اهـ
وهذه الأحاديث هي:
الحديث الأول: عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا»رواه الترمذي (1493)
ضعفه المنذري وأبو حاتم وابن الجوزي والشيخ الألباني انظر كتاب العلل المنتاهية لابن الجوزي (2/ 569) والسلسلة الضعيفة للألباني حديث رقم (526).الحديث الثاني: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ؟ قَالَ: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ» قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ، حَسَنَةٌ» قَالُوا: " فَالصُّوفُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ، حَسَنَةٌ»رواه ابن ماجه (3127) قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 223) هَذَا إِسْنَاد فِيهِ أَبُو دَاوُد واسْمه نفيع بن الْحَرْث وَهُوَ مَتْرُوك وضعفه الألباني والأرنؤوط جدا
الحديث الثالث: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَا فَاطِمَةُ قَوْمِي إِلَى أُضْحِيَّتِكَ فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ وَقُولِي: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ " قَالَ عِمْرَانُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكِ خَاصَّةً فَأَهَلَّ ذَاكَ أَنْتُمْ أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: «لَا بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» رواه الحاكم في المستدرك ((4 / 222)) وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه وشاهده حديث عطية عن أبي سعيد.وتعقبه الذهبي فقال: بل أبو حمزة ضعيف جداً وإسماعيل ليس بذاك وقال الألباني في الضعيفة (528) منكر
الحديث الرابع: ((عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم)) قال الألباني في الضعيفة (74) : لا أصل له بهذا اللفظ. قال ابن الصلاح: هذا حديث غير معروف ولا ثابت، نقله الشيخ إسماعيل العجلوني في " الكشف " ومن قبله ابن الملقن في " الخلاصة " (164 / 2)
الحديث الخامس : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ضَحَّى طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، مُحْتَسِبًا لِأُضْحِيَّتِهِ؛ كَانَتْ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ»رواه الطبراني (3/84)
قال الهيثمي في " المجمع " (4 / 17) وقد ذكره من حديث حسن بن علي: " رواه الطبراني في " الكبير " وفيه سليمان بن عمرو النخعي وهو كذاب "وقال الألباني في الضعيفة (529) موضوع
الحديث السادس : أَنَّ اللَّهَ يُعْتِقُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ الضَّحِيَّةِ عُضْوًا مِنْ الْمُضَحِّي قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَلَمْ نَجِدْ لَهُ سَنَدًا يَثْبُتُ بِهِ، انظر تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر (4/ 252)
الحديث السابع :. عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ضَحُّوا وَاحْتَسِبُوا بِدِمَائِهَا، فَإِنَّ الدَّمَ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي حِرْزِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ» رواه الطبراني في الأوسط (8/ 176) وقال الألباني في الضعيفة (530). موضوع.قال الهيثمي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ الْعُقَيْلِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.انظر مجمع الزوائد (4/17)
الحديث الثامن :. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «مَا أُنْفِقَتِ الْوَرِقُ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ نَحِيرَةٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ»رواه الدارقطني في سننه (4752) وقال الألباني في الضعيفة (524) ضعيف جدا.
الحديث التاسع :. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ أَضْحَى: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَفْضَلَ مِنْ دَمٍ يُهَرَاقُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَحِمًا مَقْطُوعَةً تُوصَلُ»رواه الطبراني في الكبير (11/32) وقال الالباني في الضعيفة (525) ضعيف
المبحث الثالث : حكم الأضحية :
اختلف أهل العلم في حكم الأضحة ، على قولين :
الاول : أنها واجبة: وهو قول الأوزاعي، والليث، ومذهب أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، قال شيخ الإسلام: وهو أحد القولين في مذهب مالك أو ظاهر مذهب مالك. واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين انظر أحكام الأضحية والذكاة (2/214) ومجموع الفتاوى (23/ 162.) واستدلوا بأدلة منها :
1- قال الله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر: 2) قالوا فأمر بالنحر، أي انحر الأضحية والأصل في الأمر الوجوب.واجيب بأن للعلماء في تأويل الآيه خمسة أقوال أظهرها أن المراد : صل لله ، وانحر لله قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَاجْعَلْ صَلَاتَكَ كُلَّهَا لِرَبِّكَ خَالِصًا دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ وَكَذَلِكَ نَحْرَكَ اجْعَلْهُ لَهُ دُونَ الْأَوْثَانِ؛ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكَ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْخَيْرِ، الَّذِي لَا كِفَاء لَهُ، وَخَصَّكَ بِهِ - قال ابن كثير - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى: مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَعَطَاءٌ انظر تفسير ابن كثير ت سلامة  (8/504)
2- عَنْ جُنْدَبٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ، فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ، فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ» رواه البخاري (985) ومسلم (1960) قالوا والأمر يقضتي الوجوب
 وأجيب قال ابن حزم في المحلى (6/5)
وَكُلُّ سُنَّةٍ لَيْسَتْ فَرْضًا، فَإِنَّ لَهَا حُدُودًا مَفْرُوضَةً لَا تَكُونُ إلَّا بِهَا كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِصَلَاةٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَلَّا يُصَلِّيَهَا إلَّا بِوُضُوءٍ، وَإِلَى الْقِبْلَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا، وَأَنْ يَقْرَأَ فِيهَا وَيَرْكَعَ، وَيَسْجُدَ، وَيَجْلِسَ وَلَا بُدَّ، وَكَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُهُ الصَّائِمُ وَإِلَّا فَلَيْسَ صَوْمًا. انتهى وكذلك من أراد أن يضحي فعليه أن يأتي بشروط الأضحية ومنها أن يذبح بعد الصلاة كما جاء في هذا الحديث
وقال ابن حجر في فتح الباري (12/ 99) وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِوُقُوعِ الْأَمْرِ فِيهِمَا بِالْإِعَادَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ شَرْطِ الْأُضْحِيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ صَلَّى رَاتِبَةَ الضُّحَى مَثَلًا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَعِدْ صَلَاتَكَ
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا»رواه ابن ماجه  (3123) وحسنه الألباني قلت بل هو ضعيف ضعفه الترمذي والبيهقي انظر المعرفة (14/16) والدارقطني  في العلل (10/34)وابن عبد البر في التمهيد  (7/17) والنووي في المجموع 08/355) والأرنؤوط قلت : في إسناده عبد الله بن عياش قال أبو حاتم : ليس بالمتين ، صدوق ، يكتب حديثه ، و هو قريب من ابن لهيعة . و قال أبو داود ، و النسائى : ضعيف . و ذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات " و قال ابن يونس : منكر الحديث . اهـ
 قلت : وان صح فهو ليس بصريح في الإيجاب، إذ يحتمل أن منعه من المسجد، وحرمانه من حضور الصلاة ودعوة المسلمين عقوبة له على ترك هذه الشعيرة، وإن لم تكن واجبة، لكن من أجل تأكدها،وأيضا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، كَمَا فِي حَدِيثِ: مَنْ أَكَلَ الثُّومَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا. انظر مرعاة المفاتيح (5/72) قال ابن عبد البرلَيْسَ فِي اللَّفْظِ تَصْرِيحٌ (بِإِيجَابِهَا) لَوْ كَانَ مَرْفُوعًا فَكَيْفَ وَالْأَكْثَرُ يَجْعَلُونَهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ ((إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ)سيأتي تخريجه) وَلَا شَيْءَ يُقَالُ فِي الْوَاجِبِ مَنْ أَرَادَ فِعْلَهُ انظر الاستذكار (5/229)
4-عَنِ البَرَاءِ، قَالَ:قَالَ أَبُو بُرْدَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ قَالَ: " اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ رواه البخاري (968)
وأجاب الخطابي في معالم السنن (2/230)عن الاستدلال به على الوجوب فقال :
وقد استدل بعض من يوجب الأضحية بقوله تجزىء عنك ولن تجزىء عن أحد بعدك. قلت : وهذا لا يدل على ما قاله لأن أحكام الأصول مراعاة في إبدالها فرضاً كانت أو نفلا وإنما هو على الندب كما كان الأصل على الندب، ومعناه أنها تجزىء عنك إن أردت الأضحية ونويت الأجر فيها.
5- عن البراء بن عازب أن النبي صل الله عليه وسلم قال " أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ - فَقَالَ -: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى ".رواه أبو داود (2802) وصححه الألباني قالوا فقوله أربع لا تجوز 00 دليل على وجوبها لأن التطوع لا يقال فيه : لا تجزيء ، قالوا : والسلامة من العيوب انما تراهى في الرقاب الواجبة ، وأما التطوع فجائز أن يتقرب الى الله فيه بالأعور وغيره 0وأجيب بأن الضحايا قربان سنة رسول الله صل الله عليه وسلم يتقرب به الى الله عز وجل حسبما ورد به الشرع وهو حكم ورد به التوقيت فلا يتعدي به سنته صل الله عليه وسلم لأنه محال أن يتقرب اليه بما نهى عنه على لسان رسول الله صل الله عليه وسلم انظر صحيح فقه السنة (2/368)
6- عن مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: وَنَحْنُ وُقُوفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً،رواه أبو داود (2788) قلت : حديث حسن وحسنه ابن حجر والأرنؤوط وضعفه الألباني ثم حسنه قالوا ووجه الشاهد فيه أن كلمه على للإيجاب كما هو الأصل
قال البيهقي في المعرفة (14/ 16): وَهَذَا إِنْ صَحَّ، فَالْمُرَادُ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ , فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَتِيرَةِ، وَالْعَتِيرَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِالْإِجْمَاعِ
وقال ابن حجر : وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ 00بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ ذَكَرَ مَعَهَا الْعَتِيرَةَ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ اهـ
القول الثاني : الأضحيةُ سنةٌ وليست واجبة ، وهذا قول أكثر العلماء، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبِلَالٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِهِ قَالَ سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ – وأحمد - وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ انظر المغني (9/435)وابن حزم وهو الراجح
والدليل :1- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»رواه مسلم (1977) قالوا فقوله وأراد أن يضحي دليل على أن الأضحية ليست بواجبة 0 قَالَ الشَّافِعِيُّ هذا دليل ان التضحية ليست بواجبة لقوله صلى الله عليه وسلم (وَأَرَادَ) فَجَعَلَهُ مُفَوَّضًا إلَى إرَادَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ واجبة لقال فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ انظر المجموع (8/386)
2-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَضْحَى بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ، فَأُتِيَ بِكَبْشٍ، فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي» رواه الترمذي ( 1521) وصححه الألباني قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/131)
وَوَجْهُ دَلَالَةِ الْحَدِيثَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَضْحِيَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أُمَّتِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ تُجْزِئُ كُلَّ مَنْ لَمْ يُضَحِّ سَوَاءٌ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ
3- وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ»
 ذكره البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم (7/99) قال ابن حجر في فنح الباري (10/3) وَصَلَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلمَة فِي مُصَنفه بِسَنَد جيد إِلَى بن عُمَرَ
4- عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ يَعْنِي حُذَيْفَةَ بْنَ أَسِيدٍ الْغِفَارِيَّ، قَالَ: " أَدْرَكْتُ أَبَا بَكْرٍ، أَوْ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يُضَحِّيَانِ. فِي بَعْضِ حَدِيثِهِمْ: كَرَاهِيَةَ أَنْ يُقْتَدَىَ بِهِمَا "رواه البيهقي في الصغرى (2/222) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1139)
قال ابن حزم في المحلى (6/3)
الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، وَلَيْسَتْ فَرْضًا، وَمَنْ تَرَكَهَا غَيْرَ رَاغِبٍ عَنْهَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ ضَحَّى عَنْ امْرَأَتِهِ، أَوْ وَلَدِهِ، أَوْ أَمَتِهِ فَحَسَنٌ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ.
المبحث الرابع : أيهما أفضل الأضحية أم التصدق بثمنها؟
ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها، نص على هذا جمهور أهل العلم بما فيهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وربيعة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ورجحه ابن باز ، وابن عثيمين وغيرهم انظر الاستذكار 15/157، مجموع الفتاوى (26/ 304. وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ قال ابن قدامة رحمه الله : وَالْأُضْحِيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقِيمَتِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهَذَا قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ.
وَرُوِيَ عَنْ بِلَالٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أُضَحِّيَ إلَّا بِدِيكٍ، وَلَأَنْ أَضَعَهُ فِي يَتِيمٍ قَدْ تَرِبَ فُوهُ، فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِخَاتَمِي هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُهْدِيَ إلَى الْبَيْتِ أَلْفًا - أخرجه ابن أبي شيبة (12362) قال البوصيري رجاله ثقات - وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ، لَعَدَلُوا إلَيْهَا.وَرَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ إرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَيُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.- ضعفه الألباني -وَلِأَنَّ إيثَارَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ يُفْضِي إلَى تَرْكِ سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ، فَهُوَ فِي الْهَدْيِ دُونَ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِيهِ انظر المغني (9/436)  قال العلامة ابن عثيمين في أحكام الأضحيه (2/220)
وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله، قال ابن القيم ـ وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه البارزين ـ: فَكَانَ الذّبْح فِي مَوْضِعه أفضل من الصَّدَقَة بِثمنِهِ وَلَو زَاد كالهدايا وَالْأَضَاحِي فَإِن نفس الذّبْح وإراقة الدَّم مَقْصُود فَإِنَّهُ عبَادَة مقرونة بِالصَّلَاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} وَقَالَ {قل إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين} الْأَنْعَام 162 فَفِي كل مِلَّة صَلَاة ونسيكة لَا يقوم غَيرهمَا مقامهما وَلِهَذَا لَو تصدق عَن دم الْمُتْعَة وَالْقرَان بأضعاف أَضْعَاف الْقيمَة لم يقم مقَامه وَكَذَلِكَ الْأُضْحِية اهـ ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها: أنه هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فإنهم كانوا يضحون، ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل؛ لعدلوا إليها وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعمل عملا مفضولا يستمر عليه منذ أن كان في المدينة إلى أن توفاه الله مع وجود الأفضل وتيسره ثم لا يفعله مرة واحدة، ولا يبين ذلك لأمته بقوله، بل استمرار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه على الأضحية يدل على أن الصدقة بثمن الأضحية لا تساوي ذبح الأضحية فضلا عن أن تكون أفضل منه، إذ لو كانت تساويه لعملوا بها أحيانا؛ لأنها أيسر وأسهل، أو تصدق بعضهم وضحى بعضهم كما في كثير من العبادات المتساوية، فلما لم يكن ذلك؛ علم أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها.ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها: أن الناس أصابهم ذات سنة مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الأضحية، ولم يأمرهم بصرف ثمنها إلى المحتاجين، بل أقرهم على ذبحها، وأمرهم بتفريق لحمها كما في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء)) فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا في العام الماضي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها)) وفي صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنه سئلت: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الأضاحي أن تؤكل فوق ثلاث؟ فقالت: ما فعله إلا عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها: أن العلماء اختلفوا في وجوبها، وأن القائلين بأنها سنة صرح أكثرهم أو كثير منهم بأنه يكره تركها للقادر، وبعضهم صرح بأنه يقاتل أهل بلد تركوها، ولم نعلم أن مثل ذلك حصل في مجرد الصدقة المسنونة.ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها: أن الناس لو عدلوا عنه إلى الصدقة؛ لتعطلت شعيرة عظيمة نوه الله عليها في كتابه في عدة آيات، وفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلها المسلمون، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة المسلمين.قال شيخ الإسلام ابن تيميه: فكيف يجوز أن المسلمين كلهم يتركون هذا لا يفعله أحد منهم، وترك المسلمين كلهم هذا أعظم من ترك الحج في بعض السنين، كذا قال.قال: وقد قالوا إن الحج كل عام فرض على الكفاية؛ لأنه من شعائر الإسلام، والضحايا في عيد النحر كذلك، بل هذه تفعل في كل بلد هي والصلاة، فيظهر بها من عبادة الله وذكره والذبح له والنسك له ما لا يظهر بالحج كما يظهر ذكر الله بالتكبير في الأعياد اهـ
وقال شيخنا مصطفى العدوي الأضحية شعيرة من شعائر المسلمين ينبغي أن تظهر ، ولقد قال الله تبارك وتعالى : وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) سورة الحج (36) وقال عز وجل : ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (سورة الحج32) وقال عز وجل : {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ) [الحج: 37] وقد كان النبي صل الله عليه وسلم يضحي مع كونه كان يحارب ويغزو صلوات الله وسلامه عليه انظر البخاري (5564) ومسلم (1966) ثم هي سنة في الأمم من قبلنا قال تعالى : لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) سورة الحج (67) وقال تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ )[الحج: 34]
قال النووي في المجموع (8/425):
 مَذْهَبُنَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي فَضْلِ الْأُضْحِيَّةِ وَلِأَنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ شِعَارٌ ظَاهِرٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا من السلف ربيعة شيخ مالك وابو الوقاد وَأَبُو حَنِيفَةَ اهـ
المبحث الخامس : هل الأضحية مشروعة في حق المسافر والحاج؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قال أبو حنيفة: لَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ انظر الاستذكار (5/227)
القول الثاني: وقال مالك هي مشروعة للمسافر ولا تشرع للحاج
 القول الثالث : ذهب أكثر أهل العلم منهم الشافعي وابن حزم وبه قال البخاري انظر المجموع (8/ 383.) وصحيح البخاري مع الفتح 12/ 100. أن الأضحية مشروعة للمسافر والحاج بمنى وهو الراجح والدليل : عنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَحَاضَتْ بِسَرِفَ، قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ، وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى، أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ رواه البخاري (5548) ومسلم (119)
ثانيا : عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا ثَوْبَانُ، أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ»، فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ،رواه مسلم (1975) قال ابن حزم في المحلى (6/37) وَالْأُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ.وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا مُحْتَاجٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّضْحِيَةِ وَالتَّقْرِيبِ وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَادِيًا مِنْ حَاضِرٍ، وَلَا مُسَافِرًا مِنْ مُقِيمٍ، وَلَا ذَكَرًا مِنْ أُنْثَى، وَلَا حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَلَا حَاجًّا مِنْ غَيْرِهِ، فَتَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِالْبَقَرِ عَنْ نِسَائِهِ بِمَكَّةَ وَهُنَّ حَوَاجُّ مَعَهُ» .وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَحُجُّ فَلَا يُضَحِّي - وَهَذَا مُرْسَلٌ.وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ -. وَالْحَارِثُ كَذَّابٌ.وَعَنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُضَحُّونَ فِي الْحَجِّ - وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَنْعٌ لِلْحَاجِّ وَلَا لِلْمُسَافِرِ مِنْ التَّضْحِيَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَرْكُهَا فَقَطْ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَهْمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نَا الْهَرَوِيُّ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ سَافَرَ مَعِي تَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ فَلَمَّا ذَبَحْنَا أُضْحِيَّتَهُ أَخَذَ مِنْهَا بَضْعَةً فَقَالَ: آكُلُهَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَحُجُّ وَلَا يُضَحِّي وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَحُجُّونَ مَعَهُمْ الْوَرِقُ وَالذَّهَبُ فَلَا يُضَحُّونَ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِيَتَفَرَّغُوا لِنُسُكِهِمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: حَجَجْت فَهَلَكَتْ نَفَقَتِي فَقَالَ أَصْحَابِي: أَلَا نُقْرِضُك فَتُضَحِّيَ؟ فَقُلْت: لَا - فَهَذَا بَيَانُ أَنَّهُمْ لَمْ يَمْنَعُوا مِنْهَا وَالنَّهْيُ عَنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنَصٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ خَيْرًا اهـ

المبحث السادس : شروط الأضحية
الشرط الأول أن تكون الأضحية من الأنعام
لا يجزيء في الأضحية إلا الأنعام : وهي الغنم بنوعيه الضأن والماعز.
 والإبل والبقر.لقوله تعالى : {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] قال القرطبي : [والأنعام هنا هي الإبل والبقر والغنم] تفسير القرطبي 11/44 وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» رواه البخاري (5558) ومسلم (1966)
وهذا مذهب الائمة الأربعة انظر شرح المهذب (8/366) أبوحنيفة ومالك والشافعي وأحمد
قال ابن القيم
وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ (الْأَنْعَامِ) ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ هَدْيٌ، وَلَا أُضْحِيَّةٌ، وَلَا عَقِيقَةٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ مَجْمُوعِ أَرْبَعِ آيَاتٍ.إِحْدَاهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] [الْمَائِدَةِ: 1] .وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] [الْحَجِّ: 28] .
وَالثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ - ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الأنعام: 142 - 143] [الْأَنْعَامِ 142، 143] ثُمَّ ذَكَرَهَا.
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] [الْمَائِدَةِ 95] انظر زاد المعاد (1/385) قال القرطبي: [والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر] تفسير القرطبي 15/109.
قال شيخنا مصطفى العدوي الذي يضحي به أحد الأزواج الثمانية التي قال الله عز وجل : ثم ذكر آية الأنعام ثم قال وهي : الكبش ، والنعجة ، والجدي ، والعنز ، والجمل ، والناقة ، والثور ، والبقرة ، ويدخل فيها الجاموس اهـ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِبَقَرِ الْوَحْشِ عَنْ سَبْعَةٍ وَبِالضَّبَا عَنْ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُد فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ انظر المجموع (8/ 394) قلت : هذا القول مردود مخالف للكتاب وللسنة وقال ابن حزم وَالْأُضْحِيَّةُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ ذِي أَرْبَعٍ، أَوْ طَائِرٍ، كَالْفَرَسِ، وَالْإِبِلِ، وَبَقَرِ الْوَحْشِ، وَالدِّيكِ، وَسَائِرِ الطَّيْرِ وَالْحَيَوَانِ الْحَلَالِ أَكْلُهُ،انظر المحلى (6/ 29) واستدل
1- قال ابن حزم فَوَجَدْنَا النُّصُوصَ تَشْهَدُ لِقَوْلِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى - بِكُلِّ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ قُرْآنٌ وَلَا نَصُّ سُنَّةٍ - حَسَنٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وَالتَّقَرُّبُ إلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِهِ فِعْلُ خَيْرٍ.انظر المحلى (6/30)
وأجيب عن استدلال ابن حزم: أن الآية عامة والأدلة الواردة في التضحية بالأنعام خاصة فتقدم عليها، لأن الخاص يقدم على العام كما في أصول الفقه.
2- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم  وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ».رواه البخاري (929) ومسلم (850) وأجيب عن استدلال ابن حزم بالحديث فمردود ، حيث إنه كان يلزم ابن حزم أن يجيز الأضحية بالبيضة لأنها وردت في الحديث! فلماذا قصر الأضحية على الحيوان والطائر؟ فأعمل بعض الحديث وأهمل بعضه، وأيضاً يلزم ابن حزم القول بإجزاء الدجاجة والعصفور والفرس ونحوها في هدايا الحج، لأن الحديث ورد بلفظ الهدي وهو لا يقول بجوازها في الهدي بل الهدي عنده هو من الأنعام فقط.والصحيح أن الإهداء المذكور في الحديث مفسر بالتصدق، وليس المقصود إراقة الدم بدليل ذكر البيضة فيه. وكذلك فقد ورد في الحديث (فكأنما قرب .00 ) والتقريب هو التصدق بالمال تقرباً إلى الله عز وجل، وصحيح أن الأضحية تقريب ولكنها مقيدة بإراقة الدم كالهدي انظر المفصل (53).
3- عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ لِي بِلَالٌ: مَا كُنْت أُبَالِي لَوْ ضَحَّيْت بِدِيكٍ،رواه ابن حزم في المحلى (6/9)
4-عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَعْطَى مَوْلًى لَهُ دِرْهَمَيْنِ وَقَالَ: اشْتَرِ بِهِمَا لَحْمًا وَمَنْ لَقِيَك فَقُلْ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ.رواه ابن حزم في المحلى (6/10)
وأجيب أما احتجاج ابن حزم بما ورد عن بلال وعن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فلا حجة في أحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم. فإنه لا يدفع به ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم،أنه كان يضحي بالأنعام فقط. لأن الحجة فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خالفه من الصحابة، فمن بعدهم فإنه يلتمس له العذر حيث يستحق ذلك، والله تعالى إنما يسأل الناس يوم القيامة عن إجابتهم الرسل، قال الله تعالى: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) القصص الآية: 65.
الشرط الثاني أن تكون قد بلغت السن المعتبرة شرعا
               اختلف العلماء في السن المجزئة في الأضحية على ثلاثة أقوال: القول الأول : وهو قول الجمهور - منهم مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ انظر المغني (3/474) أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني فما فوقه ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه.ودليلهم  1- عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ» رواه مسلم (1963) والمسنة من الإبل ما له خمس سنوات ، ومن البقر : ماله سنتان ، ومن المعز ماله سنة  انظر الشرح الممتع (7/460) وأما الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا لَهُ سَنَةٌ تَامَّةٌ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ: سَبْعَةٌ. وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ. وَقِيلَ: عَشَرَةٌ.انظر نيل الأوطار (5/134)
قال العلامة ابن عثيمين في أحكام الأضحية وظاهره – أي حديث جابر - لا تجزئ الجذعة من الضأن إلا عند تعسر المسنة، ولكن حمله الجمهور على أن هذا على سبيل الأفضلية وقالوا: تجزئ الجذعة من الضأن ولو مع وجود الثنية وتيسرها،
2- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مِمَّا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُّ» - رواه أبو داود (2799) وقال ابن حزم في المحلى 6/ 26 هو في غاية الصحة وصححه الألباني -وَالْمَعْنَى يَجُوزُ تَضْحِيَةُ الْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ كَتَضْحِيَةِ الثَّنْيِّ مِنَ الْمَعْزِ.
3- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ؟ قَالَ: «ضَحِّ بِهَا - رواه البخاري (5547) ومسلم (1965) وفي رواية عند النسائي (4382)  عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَذَعٍ مِنَ الضَّأْنِ»وقال الشيخ الألباني: [وهذا إسناد جيد وقواه الحافظ] إرواء الغليل 4/ 35-
القول الثاني : قال الزهري: لا يجزئ الجذع من الضأن ولا من غيره، ونقل عن ابن عمر، وبه قال ابن حزم.انظر المحلى (6/ 13) ودليلهم عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، فَلاَ يَذْبَحْ حَتَّى يَنْصَرِفَ» فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَلْتُ. فَقَالَ: «هُوَ شَيْءٌ عَجَّلْتَهُ» قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ، آذْبَحُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، ثُمَّ لاَ تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» رواه البخاري (5563)  مسلم (1961)
قال ابن حزم في المحلى (6/16)
فَقَطَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا تُجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ أَبِي بُرْدَةَ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَخْصِيصُ نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ بِذَلِكَ؛ وَلَوْ أَنَّ مَا دُونَ الْجَذَعَةِ لَا يُجْزِي لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورُ بِالْبَيَانِ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]
ويرى ابن حزم أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم -: (لا تجزئ عن أحد بعدك ناسخ لكل الروايات الواردة عن الرسول  صلى الله عليه وسلم  والآثار الواردة عن الصحابة بإجازة الجذع في الأضحية ويضاف إلى ذلك أن ابن حزم يضعف حديث جابر الذي احتج به الجمهور                  قال ابن حزم في المحلى (6/ 20)   وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُصَحِّحُهُ، لِأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ مُدَلِّسٌ مَا لَمْ يَقُلْ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، هُوَ أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. اهـ قلت : نعم ابن الزبير مدلس ولكن صرح بالتحديث عند أبي عوانة في المستخرج (7843)
القول الثالث : عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُجْزِي الْجَذَعُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ انظر شرح النووي على  مسلم  (13/117) واستدلوا عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ؟ قَالَ: «ضَحِّ بِهَا» رواه البخاري (5547) ومسلم (1965) ويجاب عن هذا الحديث بأن البيهقي رواه وفيه زيادة وهي: ضَحِّ بِهَا أَنْتَ وَلَا أُرَخِّصُهُ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدُ ".قال البيهقي فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ إِذَا كَانَتْ مَحْفُوظَةً كَانَتْ رُخْصَةً لَهُ كَمَا رَخَّصَ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ انظر سنن البيهقي الكبرى (19063) وصحح هذه الرواية ابن حجر في فتح الباري (12/110) والألباني
قال ابن عبد البر في التمهيد (7/13) قَالَ رسول الله لأبي بردة لا تجزىء عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ وَهُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجِذَعَ مِنَ الْمَعِزِ لَا تجزىء الْيَوْمَ عَنْ أَحَدٍ لِأَنَّ أَبَا بُرَيْدَةَ خُصَّ بِذَلِكَ اهـ قلت : كما سبق خالف الأوزاعي في ذلك وقال السَّرَخْسِيُّ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْمَعْزِ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الضَّأْنِ خَاصَّةً.انظر المبسوط (10/13)
قال النووي في شرح مسلم (13/117) قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلامسنة إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ مِنْ كل شئ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَمَا فَوْقَهَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُجْزِي الْجَذَعُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ وَأَمَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً يُجْزِي سواء وجد غيره أم لاوحكوا عن بن عمر والزهرى أنهما قالا لايجزى وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُمَا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِ وتقديره يستحب لكم أن لاتذبحوا إِلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةَ ضَأْنٍ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِي بِحَالٍ وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ يُجَوِّزُونَ الْجَذَعَ مِنَ الضأن مع وجود غيره وعدمه وبن عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ يَمْنَعَانِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاسْتِحْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وقال النووي في المجموع (8/393) وَلَا يُجْزِئُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا الْجَذَعُ وَالْجَذَعَةُ فَصَاعِدًا وَلَا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ أَوْ الثَّنِيَّةُ فَصَاعِدًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَطٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بُرْدَةَ بن دينار خَالِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ (تُجْزِئُك يَعْنِي الْجَذَعَةُ مِنْ الْمَعْزِ وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ


الشرط الثالث
السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء،
 لمَّا كانت الأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، فينبغي أن تكون الأضحية، طيبة، وسمينة، وخالية من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها
العيوب التي ترد بها الأضحية :وتنقسم الى قسمين
الأول : عيوب ترد بها الأضحية ، ولا تجزىء معها : وهي أربعة ، نصت السنة على عدم اجزائها : عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ. فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصَابِعِي أَقْصَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ، وَأَنَامِلِي أَقْصَرُ مِنْ أَنَامِلِهِ فَقَالَ: " أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ - فَقَالَ -: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي السِّنِّ نَقْصٌ. قَالَ: «مَا كَرِهْتَ فَدَعْهُ وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ» رواه أبو داود (2802) وصححه الشيخ الألباني وهذا مذهب جمهور العلماء قال العلامة ابن عثيمين في أحكام الأضحية
فهذه أربع منصوص على منع الأضحية بها وعدم إجزائها.
الأولى: العوراء البين عورها، وهي التي انخسفت عينها أو برزت، فإن كانت لا تبصر بعينها ولكن عورها غير بين أجزأت، والسليمة من ذلك أولى.الثانية: المريضة البين مرضها، وهي التي ظهر عليه آثار المرض مثل الحمى التي تقعدها عن المرعى، ومثل الجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحتها، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضا بينا، فإن كان فيها كسل أو فتور لا يمنعها من المرعى والأكل أجزأت لكن السلامة منه أولى. الثالثة: العرجاء البين ظلعها، وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى، فإن كان فيها عرج يسير لا يمنعها من معانقة السليمة أجزأت، والسلامة منه أولى.الرابعة: الكسيرة أو العجفاء (يعنى الهزيلة) التي لا تنقي، أي ليس فيها مخ، فإن كانت هزيلة فيها مخ أو كسيرة فيها مخ أجزأت إلا أن يكون فيها عرج بين، والسمينة السليمة أولى.هذه هي الأربع المنصوص عليها، وعليها أهل العلم، قال في ((المغني)) : لا نعلم خلافا في أنها تمنع الإجزاء. اهـ. ويلحق بهذه الأربع ما كان بمعناها أو أولى، فيلحق بها:العمياء: التي لا تبصر بعينها؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العوراء البين عورها.فأما العشواء التي تبصر في النهار، ولا تبصر في الليل فصرح الشافعية بأنها تجزئ؛ لأن في ذلك ليس عورا بينا ولا عمى دائما يؤثر في رعيها ونموها، ولكن السلامة منه أولى.الثانية: المبشومة حتى تثلط؛ لأن البشم عارض خطير كالمرض البين، فإذا ثلطت زال خطرها وأجزأت إن لم يحدث لها بذلك مرض بين.الثالثة: ما أخذتها الولادة حتى تنجو؛ لأن ذلك خطر قد يودي بحياتها، فأشبه المرض البين، ويحتمل أن تجزئ إذا كانت ولادتها على العادة ولم يمض عليها زمن يتغير به اللحم ويفسد الرابعة: ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع؛ لأن هذه أولى بعدم الإجزاء من المريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها. الخامسة: الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها.فأما العاجزة عن المشي لسمن فصرح المالكية بأنها تجزئ، لأنه لا عاهة فيها ولا نقص في لحمها.السادسة: مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها، ولأنها ناقصة بعضو مقصود فأشبهت ما قطعت أليتها.هذه هي العيوب المانعة من الإجزاء وهي عشرة: أربعة منها بالنص وستة بالقياس، فمتى وجد واحد منها في بهيمة لم تجز التضحية بها؛ لفقد أحد الشروط وهو السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء.انتهى
ثانيا : هناك عيوب مختلف فيها ولكن تجزيء وهي:
1-مكسورة القرن والجماء في التمهيد (7/8) الجماء : التي لا قرن لها
في التمهيد (7/8) وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الضَّحِيَّةَ بِالْجَمَّاءِ جَائِزَةٌ انتهى
وذهب أبو حنيفة والشافعي وابن حزم انظر المغني (8/430) والمحلى (6/10) الى أن مكسورة القرن تجزىء في الأضحية لأنه لم يرد حديث صحيح في النهي عن التضحية بمكسورة القرن ويقوي هذا القول أن عبيد بن فيروز لما قال للبراء : فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي السِّنِّ نَقْصٌ. قَالَ: «مَا كَرِهْتَ فَدَعْهُ وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ وذهب مالك انظر الاستذكار (15/132) ان كان القرن  ذاهبا لا يدمي أجزأت فان كان يدمي لم تجز وكأنه جعله مرضا بينا وقال أحمد إذا ذهب أكثر من نصف قرنها لا تجزىء سواء دميت أم لا واستدل عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ القَرْنِ وَالأُذُنِ» قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، فَقَالَ: العَضْبُ، مَا بَلَغَ النِّصْفَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ: رواه أحمد (1158) والترمذي (1504) والعضب نصف القرن ضعفه الألباني قلت : بل هو حديث حسن  كما قال الترمذي وشعيب الأرنؤوط وصححه ابن خزيمة (3/29) والحاكم (4/224) ووافقه الذهبي وصححه أحمد شاكر في مسند أحمد
2- مقطوعة الأذن أو جزء منها 0
ذهب الائمة الأربعة وأهل الظاهر وغيرهم على أن التضحية بمقطوعة الأذن لا تجوز ودليلهم : عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ، وَالْأُذُنَ» رواه ابن ماجه (3143) قال الألباني حسن صحيح ـ ((الإرواء)) (362 ـ 363).
واختلفوا في مقطوع شيء من الأذن ، فذهب الشافعي ومَالِكٌ وَدَاوُد انظر المجموع (8/404) أنها لا تجزىء ودليلهم عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ، وَالْأُذُنَ» رواه ابن ماجه (3143) قال الألباني حسن صحيح ـ ((الإرواء)) (362 ـ 363).قالوا النبي صل الله عليه وسلم أمر الصحابة باستشراف العين والأذن – وهو التأمل حتى لا يكون فيهما عيب ولم يرد في الحديث أن يكون القطع أكثر من النصف أو أقل أو غير ذلك فالاجتهاد مقابل نص لا يجوز -وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ لَمْ تَجْزِهِ وَإِلَّا فَتُجْزِئُهُ*- واستدل عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ القَرْنِ وَالأُذُنِ» قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، فَقَالَ: العَضْبُ، مَا بَلَغَ النِّصْفَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ: رواه أحمد (1158) والترمذي (1504) سبق تخريجه وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ تَجْزِهِ انظر المجموع (8/404) قال ابن حزم في المحلى (6/10) وَلَا تَجْزِي الَّتِي فِي أُذُنِهَا شَيْءٌ مِنْ النَّقْصِ أَوْ الْقَطْعِ، أَوْ الثَّقْبِ النَّافِذِ،
3-  المقابلة، وهي التي شقت أذنها من الأمام عرضاً.
4: المدابرة، وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضاً.
5: الشرقاء، وهي التي شقت أذنها طولا.
6: الخرقاء، وهي التي خرقت أذنها.لحديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَ وَالأُذُنَ، وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ، وَلَا شَرْقَاءَ، وَلَا خَرْقَاءَ» رواه الترمذي (1498) حسنه الأرنؤوط وضعفه الألباني 7-الْمُصْفَرَّةُ: الَّتِي تُسْتَأْصَلُ أُذُنُهَا حَتَّى يَبْدُوَ سِمَاخُهَا  8-:وَالْمُسْتَأْصَلَةُ: الَّتِي اسْتُؤْصِلَ قَرْنُهَا مِنْ أَصْلِهِ، 9: الْبَخْقَاءُ: الَّتِي تُبْخَقُ عَيْنُهَا قال في ((النهاية)) : والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة. وفي ((القاموس)) : البخق أقبح العور وأكثره غمصا، وعلى هذا فإذا كان البخق عورا بينا لم تجز كما يدل عليه حديث البراء السابق.
10: وَالْمُشَيَّعَةُ: الَّتِي لَا تَتْبَعُ الْغَنَمَ عَجَفًا وَضَعْفًا، ،تكون وراء الغنم كالمشيع للمسافر، وقيل بفتح الياء لحاجتها إلى من يشيعها لتلحق بالغنم، وهذه إن لم يكن فيها مخ فلا تجزئ لحديث البراء، وإن كان فيها مخ ولا تستطيع معانقة الغنم لم تجز أيضا؛ لأنها كالعرجاء البين ظلعها، وإن كانت تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة؛انظر أحكام الأضحية (2\242) لحديث يَزِيد ذي مِصْر، قَالَ: أَتَيْتُ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، إِنِّي خَرَجْتُ أَلْتَمِسُ الضَّحَايَا فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا يُعْجِبُنِي غَيْرَ ثَرْمَاءَ فَكَرِهْتُهَا فَمَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَفَلَا جِئْتَنِي بِهَا. قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ تَجُوزُ عَنْكَ وَلَا تَجُوزُ عَنِّي. قَالَ: نَعَمْ، إِنَّكَ تَشُكُّ وَلَا أَشُكُّ، إِنَّمَا " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المُصْفَرَّةِ، وَالْمُسْتَأْصَلَةِ، وَالْبَخْقَاءِ وَالْمُشَيَّعَةِ، وَكِسَرَا رواه أبي داود (2803) حديث حسن لغيره وحسنه الأرنؤوط
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : وإنما قلنا: هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي أو الأمر بعدم التضحية بما عاب بها، ولم نقل: إنها مانعة من الإجزاء؛ لأن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه خرج مخرج البيان والحصر؛ لأنه جواب سؤال، والظاهر أنه كان حال خطبة وإعلان، ولو كان غير العيوب المذكورة فيه مانعاً من الإجزاء؛ للزم ذكره لامتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة، فالجمع بينه وبين هذه الأحاديث لا يتأتى إلا على هذا الوجه بأن نقول:العيوب المذكورة في حديث البراء مانعة من الإجزاء، والعيوب المذكورة في هذه الأحاديث موجبة للكراهة غير مانعة من الإجزاء لما يقتضيه سياق حديث البراء؛ ولأنها دون العيوب المذكورة فيه، وقد فهم الترمذي رحمه الله ذلك فترجم على حديث البراء: (باب ما لا يجوز من الأضاحي) وعلى حديث علي: (باب ما يكره من الأضاحي) .
ويلحق بهذه العيوب المكروهة ما يأتي: الأولى: البتراء من الإبل والبقر والمعز، وهي التي قطع ذنبها، فتكره التضحية بها قياسا على العضباء؛ لأن في الذنب مصلحة كبيرة للحيوان ودفاعا عما يؤذيه، وجمالا لمؤخره، وفي قطعه فوات هذه الأمور.فأما البتراء بأصل الخلقة فلا تكره لكن غيرها أولى.وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فلا تجزئ؛ لأن ذلك نقص بين في جزء مقصود منها.فأما إن قطع من أليتها النصف فأقل فإنها تجزئ مع الكراهة قياسا على العضباء، قال الشافعية: إلا التطريف وهو قطع شي يسير من طرف الألية، فإنه لا يضر؛ لأن ذلك ينجبر بزيادة سمنها فأشبه الخصاء.وأما مفقودة الألية بأصل الخلقة فإن كانت من جنس لا ألية له في العادة أجزأت بدون كراهة؛ لأنها لا نقص فيها عن جنسها، وإن كانت من جنس له ألية في العادة لكن لم يخلق لها أجزأت، وفي الكراهة تردد؛ لأننا إذا نظرنا إليها باعتبار جنسها قلنا: إنها ناقصة بفقد جزء مقصود لكن لا يمنع الإجزاء لأنه بأصل الخلقة، وإذا نظرنا إليها باعتبار الخلقة قلنا: إنها ناقصة فلم تكره كالجماء. وعلى كل حال فغيرها أولى منها.الثانية: ما قطع ذكره فتكره التضحية به قياسا على العضباء، فأما ما قطعت خصيتاه فلا تكره التضحية به لما سبق من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى به، ولأن الخصاء يزيد في سمنه وطيب لحمه.الثالثة: الهتماء، وهي التي سقط بعض أسنانها، فتكره التضحية بها قياسا على عضباء القرن، فإن في الأسنان جمالا ومنفعة، ففقد شيء منها يخل بذلك.فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره إلا أن يؤثر ذلك في اعتلافها.الرابعة: ما قطع شيء من حلمات ضرعها، فتكره التضحية بها قياساً على العضباء.فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره قياسا على المخلوقة بلا أذن.وإن توقف ضرعها عن الدر فنشف لبنها أجزأت بلا كراهة؛ لأنه لا نقص في لحمها ولا في خلقتها، واللبن غير مقصود في الأضحية، والأصل الإجزاء وعدم الكراهة حتى يقوم دليل على خلاف ذلك.هذه هي العيوب المكروهة التي يوجب وجودها في الأضحية كراهة التضحية بها، ولا يمنع من إجزائها وهي ثلاثة عشر: تسعة منها ورد بها النص، وأربعة منها رأيناها مقيسة على ما ورد به النص، وأسأل الله تعالى أن نكون فيها موفقين للصواب هداة مهتدين.
انظر أحكام الأضحية (2/243)
المبحث السابع : لو اشترى أضحية سَلِيمَةً فَعَابَتْ عِنْدَهُ
لو اشترى شخص أضحية - شاة أو بقرة أو ناقة - قبل يوم الأضحى، ثم حبسها عنده ، ثُمَّ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ،. كأن كسرت رجلها، أو غير ذلك فهل يصح أن يضحي بها وتكون مجزئة أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول: يذبحها وتجزؤه، نقل هذا القول عن عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ،-أحمد- وَإِسْحَاقَ انظر المغني (9/443) القول الثاني: ، وهو قول أَصْحَاب الرَّأْيِ قالوا : لَا تُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ عِنْدَهُمْ وَاجِبَةٌ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِإِرَاقَةِ دَمِهَا سَلِيمَةً، كَمَا لَوْ أَوْجَبَهَا فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ عَيَّنَهَا، فَعَابَتْ.انظر المغني
قلت : القول الأول هو الراجح والدليل أولا:عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: ابْتَعْنَا كَبْشًا نُضَحِّي بِهِ، فَأَصَابَ الذِّئْبُ مِنْ أَلْيَتِهِ، أَوْ أُذُنِهِ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَمَرَنَا، أَنْ نُضَحِّيَ بِهِ»رواه ابن ماجة (3146) قال الألباني ضعيف جدا لأنه من رواية جابر الجعفي  قلت : بل هو حديث حسن لغيره شعبة بن الحجاج روى عن جابر الجعفي  وفي ذلك تقوية له قال الحافظ ابن عبد البر:وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَلَكِنَّ شُعْبَةَ رَوَى عَنْهُ وَكَانَ يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَحَسْبُكَ بِذَلِكَ مِنْ مِثْلِ شُعْبَةَ انظر التمهيد (20/169) رواية جابر الجعفي لها طريق يتتقوى بها رواه البيهقي، في سنن الكبرى (19194) بسند ضعيف   فمجموع الطريقين يتقوى الحديث إلى درجة الحسن لغيره
قال المجد ابن تيمية بعد أن ذكر حديث أبي سعيد:. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ بَعْدَ التَّعْيِينِ لَا يَضُرُّ قال الشوكاني: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَهَابَ الْأَلْيَةِ لَيْسَ عَيْبًا فِي الضَّحِيَّةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّعْيِينِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا انظر نيل الأطار (5/140)
الدليل الثاني : أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا رَأَى هَدَايَا لَهُ فِيهَا نَاقَةٌ عَوْرَاءُ , فَقَالَ: إِنْ كَانَ أَصَابَهَا بَعْدَ مَا اشْتَرَيْتُمُوهَا فَأَمْضُوهَا , وَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَشْتَرُوهَا فَأَبْدِلُوهَا انظر نيل الأوطار (5/ 140/137)
ثالثا : روى عبد الرزاق في مصنفه ( 8161 ) عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «إِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أُضْحِيَتَهُ فَمَرِضَتْ عِنْدَهُ، أَوْ عَرَضَ لَهَا مَرَضٌ فَهِيَ جَائِزَةٌ»
وأما إذا طرأ العيب على الأضحية حين إضجاعها للذبح، كأن أضجعها فاضطربت فأصابت السكين عينها، فعورت أو كسرت رجلها، فاختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه يذبحها وتجزئه أضحية، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا عَالَجَ ذَبْحَهَا، فَقَلَعَتْ السِّكِّينُ عَيْنَهَا، أَجْزَأَتْ، اسْتِحْسَانًا انظر المغني (9/444)
القول الثاني: لا تجزئه، وهو قول . الشَّافِعِي انظر المغني (9/444)
قلت : القول الأول هو الراجح قال الكاساني: وَلَوْ قَدَّمَ أُضْحِيَّةً لِيَذْبَحَهَا فَاضْطَرَبَتْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَذْبَحُهَا فِيهِ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا ثُمَّ ذَبَحَهَا عَلَى مَكَانِهَا أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا انْقَلَبَتْ مِنْهُ الشَّفْرَةُ فَأَصَابَتْ عَيْنَهَا فَذَهَبَتْ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ.(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عَيْبٌ دَخَلَهَا قَبْلَ تَعْيِينِ الْقُرْبَةِ فِيهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ حَالِ الذَّبْحِ.(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِأَنَّ الشَّاةَ تَضْطَرِبُ فَتَلْحَقُهَا الْعُيُوبُ مِنْ اضْطِرَابِهَا انظر بدائع الصنائع (5/76).
المبحث الثامن : المجزئ في الأضحية
المطلب الأول : إجزاء الشاة عن الواحد وأهل بيته في الأضحية ؟
يجوز أن يضحي الرجل بالشاة الواحدة عن نفسه وعن أهل بيته - وهو مذهب الجمهور - روي، ذلك عَن أبي هريرة وابن عمر أنهما كانا يفعلان ذلك وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد انظر معالم السنن (2/228) والدليل : 1- عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ»، ثُمَّ قَالَ: «اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ»، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: «بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ»رواه مسلم (1967) قال النووي واستدل بِهَذَا مَنْ جَوَّزَ تَضْحِيَةَ الرَّجُلِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَاشْتِرَاكَهُمْ مَعَهُ فِي الثَّوَابِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ أومخصوص وَغَلَّطَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيصَ لايثبتان بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى انظر شرح مسلم (13/122)
2- عن عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَتْ كَمَا تَرَى. أخرجه الترمذي (1505) وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه الشيخ الألباني
قال ابن القيم : وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ، كَمَا قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: «سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبٍ الْأَنْصَارِيَّ:الحديث انظر زاد المعاد (2/295)
3 - وَكَانَ يُضَحِّي – أي رسول الله صل الله عليه وسلم - بِالشَّاةِ الوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ رواه البخاري (7210)
قال الشوكاني رحمه الله
وجميع الأحاديث المطلقة والمقيدة تدل على أن أقل ما يجزيء في الأضحية الجذع من الضأن وأنها تجزيء أهل البيت كما تجزيء الواحد وحده وقد حكى الترمذي في سننه أن الشاة تجزيء عن أهل البيت قال والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد واسحاق واحتجا بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش فقال: "هذا عمن لم يضح من أمتي" وقال بعض أهل العلم لا تجزيء الشاة إلا عن نفس واحدة وهو قول عبد الله بن المبارك وغيره من أهل العلم انتهى فعرفت بكلام الترمذي هذا عدم صحة ما زعمه النووي وابن رشد والمهدي في البحر من أن الشاة لا تجزيء إلا عن ثلاثة فالحق أنها تجزيء عن أهل البيت وإن كانوا مائة نفس. انظر السيل الجرار(1/717 )
المطلب الثاني : المجزئ من الإبل والبقر
تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال ؟
القول الأول : ذهب أكثر أهل العلم على أنه تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ فِي الْأُضْحِيَّةِ.قال ابن قدامة: وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَسَالِمٌ وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.انظر المغني (9/437) وأجاز داود الظاهري الاشتراك في أضحية التطوع دون الواجبة وحجتهم : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»رواه مسلم (1318) القول الثاني : قال مالك لا يجوز الاشتراك في الأضحية فلا يجزئ عندهم أن يشترك سبعة في بقرة أو بدنة، بأن يسهم كلٌ منهم بشيء من الثمن، فإن فعلوا فلا تجزئ عن واحد منهم ودليله  عَنِ بن شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ مَا نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا بَدَنَةً وَاحِدَةً أَوْ بَقَرَةً وَاحِدَةً رواه مالك (1004) قال ابن عبد البر : وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ مَالِكٍ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نحر عَنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً وَاحِدَةً وَلَا يَصِحُّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ انظر الاستذكار (5/ 238)
 قال ابن حجر في فتح الباري (3/ 551) قَالَ بن بَطَّالٍ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ جَمَاعَةٌ فَأَجَازُوا الِاشْتِرَاكَ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَقَرَةٌ وَأَمَّا رِوَايَةُ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ عَنْ أَزْوَاجِهِ بَقَرَةً وَاحِدَةً فَقَدْ قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي تَفَرَّدَ يُونُسُ بِذَلِكَ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ اه وَرِوَايَةُ يُونُسَ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَيُونُسُ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَقَدْ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَيْضًا وَلَفْظُهُ أَصْرَحُ مِنْ لَفْظِ يُونُسَ قَالَ مَا ذُبِحَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَّا بَقَرَةٌ وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ذَبَحَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حَجَجْنَا بَقَرَةً بَقَرَةً أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا فَهُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَضَاحِي وَمُسلم أَيْضا من طَرِيق بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بِلَفْظِ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا زَادَهُ عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَكِنْ بِلَفْظِ أَهْدَى بَدَلَ ضَحَّى وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّصَرُّفَ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ النَّحْرِ فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْأُضْحِيَةِ فَإِنَّ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ فَقَوِيَتْ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ أَهْدَى وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هَدْيُ التَّمَتُّعِ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ لَا ضَحَايَا عَلَى أَهْلِ مِنًى وَتَبَيَّنَ تَوْجِيهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
 القول الثالث : عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ الْجَزُورَ عَنْ عَشَرَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ انظر المغني (9/437) وابن خزيمة ورجحه الشوكاني والساعاتي وهو الصحيح  والدليل : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَ الأَضْحَى، فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي الجَزُورِ عَشَرَةً رواه الترمذي. (905) وقال «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصححه الألباني
قال الشوكاني بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في البدنة قال : وَالْجُمْهُورُ: إنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ وَقَالَتْ الْعِتْرَةُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ: إنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ عَشَرَةٍ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ هُنَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ:انظر نيل الأوطار (5/143)
قال الساعاتي: [وقد جمع الشوكاني بين حديثي جابر وابن عباس، بأن حديث جابر محمول على الهدي وحديث ابن عباس محمول على الأضحية وقال هذا هو الحق.قلت: وهو جمع حسن، وكأن حديث ابن عباس لم يصح عند الجمهور.وأما البقرة فتجزئ عن سبعة في الهدي والأضحية بالاتفاق] الفتح الرباني 13/ 87.
قال شيخنا مصطفى العدوي وان صح حديث ابن عباس فالقول عليه إذ هو صريح في بابه ولكن في نفسي منه شيء قلت : بل هو صحيح ويؤيد حديث ابن عباس حديث رافع بن خديج كان النبي عَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ،رواه البخاري (5498)
المطلب الثالث : يجوز الأضحية بالفحيل والخصي والحامل: أما دليل الأضحية بالفحيل عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُضَحِّي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ، يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، وَيَأْكُلُ فِي سَوَادٍ، وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ رواه أبو داود (2796) وصححه الألباني قوله فَحِيَلٍ» ) : أَيْ: كَرِيمٍ سَمِينٍ مُخْتَارٍ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ النَّبِيلَ وَالْعَظِيمَ فِي الْخَلْقِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْمُخْتَارَ مِنَ الْفُحُولِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ التَّشْبِيهَ بِالْفَحْلِ مِنَ الْعِظَمِ وَالْقُوَّةِ، وَقِيلَ الْمُنْجِبُ فِي ضِرَابِهِ. قَالَ قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/141) قَوْلُهُ: (فَحِيلٍ) فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِالْفَحِيلِ كَمَا ضَحَّى بِالْخَصِيِّ. قَوْلُهُ: (يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ) . . . إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ فَمَهُ أَسْوَدُ وَقَوَائِمُهُ وَحَوْلَ عَيْنَيْهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ التَّضْحِيَةُ بِمَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ اهـ وأما دليل الخصي فعَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجِيَّيْنِ خَصِيَّيْنِ رواه أحمد (23860) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَصِيَّ فِي الضَّحَايَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِنَقْصِ الْعُضْوِ وَهَذَا النَّقْصُ لَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّ الْخِصَاءَ يَزِيدُ اللَّحْمَ طِيبًا وَيَنْفِي فِيهِ الزُّهُومَةَ وَسُوءَ الرَّائِحَةِ انظر عون المعبود (7/352)
أم الحامل قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (26/307)
وَالْأُضْحِيَّةُ بِالْحَامِلِ جَائِزَةٌ فَإِذَا خَرَجَ وَلَدُهَا مَيِّتًا فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا. سَوَاءٌ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ. وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ذُبِحَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ إنْ أَشْعَرَ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يُذَكَّى بَعْدَ خُرُوجِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ الراجح هو قول الشافعي والدليل : قول النبي صل الله عليه وسلم فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ رواه أبو داود (2827) وصححه الألباني أَيْ تَذْكِيَةُ أُمِّهِ مُغْنِيَةٌ عَنْ تَذْكِيَتِهِ وَهَذَا إِنْ خَرَجَ مَيِّتًا

المطلب الرابع : ما هو الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام؟
اختلف الفقهاء في الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام على ثلاثة أقوال:القول الأول: أفضل الأضاحي هي البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز
وهذا قول أكثر أهل العلم منهم  أبو حنيفة والشافعي وأحمد وابن حزم انظر المجموع (8/370/371) والمحلى (6/31)
ودليلهم : 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» رواه البخاري (881) ومسلم (850)
قال ابن حزم في المحلى (6/31)
وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنَمِ الْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ،(حديث أبي هريرة المتقدم )
القول الثاني: أفضل الأضاحي ما كان أكثر لحماً وأطيب، وهذا قول الحنفية، فالشاة أفضل من سبع البقرة، فإن كان سبع البقرة أكثر لحماً فهو أفضل.والأصل عندهم في هذا إذا استويا في اللحم والقيمة، فأطيبها لحماً أفضل، وإذا اختلفا فيهما فالفاضل أولى انظر المفصل (95) واستدل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أَفْضَلَ الضَّحَايَا أَغْلَاهَا، وَأَسْمَنُهَا»رواه أحمد (15494) وضعفه الألباني في الضعيفة (1678) القول الثالث : قَالَ مَالِكٌ أَفْضَلُهَا الْغَنَمُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْإِبِلُ قَالَ وَالضَّأْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَعْزِ وَإِنَاثُهَا أَفْضَلُ مِنْ فُحُولِ الْمَعْزِ وَفُحُولُ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ إنَاثِ الْمَعْزِ وَإِنَاثُ الْمَعْزِ خَيْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ انظر المجموع (8/398) ودليله : 1- عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» رواه البخاري (5558) ومسلم (1966) 2- عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا ثَوْبَانُ، أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ»، فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، رواه مسلم (1975)
3- قال الله تعالى وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {سورة الصافات الآية 107.
قال القرطبي: [} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {، أي ضخم الجثة سمين، وذلك كبشٌ لا جملٌ ولا بقرة]  تفسير القرطبي 15/ 107.
سئلت : اللجنة الدائمة (11/398) أيهما أفضل في الأضحية: الكبش أم البقر؟ ج1: أفضل الأضاحي البدنة، ثم البقرة، ثم الشاة، ثم شرك في بدنة -ناقة أوبقرة-؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الجمعة: «من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة،ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة  » ووجه الدلالة من ذلك: وجود المفاضلة في التقرب إلى الله بين الإبل والبقر والغنم، ولا شك أن الأضحية من أعظم القرب إلى الله تعالى، ولأن البدنة أكثر ثمنا ولحما ونفعا، وبهذا قال الأئمة الثلاثة أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد.وقال مالك: الأفضل الجذع من الضأن، ثم البقرة، ثم البدنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل.والجواب عن ذلك: أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم قد يختار غير الأولى رفقا بالأمة؛ لأنهم يتأسون به، ولا يحب صلى الله عليه وسلم أن يشق عليهم، وقد بين فضل البدنة على البقر والغنم كما سبق. والله أعلم.
المطلب الخامس : وأفضل اختيار للأضحية أن يكون سمينا وهو مذهب  جمهور العلماء انظر المجموع  8/ 396،،«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ مُوْجَيَيْنِ» رواه أحمد (25046) صححه الألباني وأصله عند  البخاري (5564) ومسلم (1966) دون قوله سَمِينَيْنِ  وروى البخاري في صحيحه تعليقاً: وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ، قَالَ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ» قال الحافظ ابن حجر: [وصله أبو نعيم في المستخرج ... الخ] انظر صحيح البخاري مع الفتح 12/ 105. قال النووي وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُكْرَهُ - تسمين الأضحية - لِئَلَّا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ انظر المجموع (8/ 396) قال ابن قدامة في المغني (9/ 439)
وَيُسَنُّ اسْتِسْمَانُ الْأُضْحِيَّةِ وَاسْتِحْسَانُهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْظِيمُهَا اسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِعْظَامُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا.وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا، وَأَكْثَرُ لِنَفْعِهَا اهـ
المطلب السادس : أفضل الأضحية لوناً:
عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» رواه البخاري (5554) ذكر في المصباح المنير ص579. من معاني الأملح: نقيُّ البياض وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَمُ عَفْرَاءَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ» رواه أحمد (9404) وحسنه  الالباني في الصحيحة (4/476) والعفراء من العفر وهو بياض ليس بالخالص المصباح المنير (ص418.)
قال النووي رحمه الله في المجموع (8\396) أَفْضَلُهَا الْبَيْضَاءُ ثُمَّ الصَّفْرَاءُ ثُمَّ الْغَبْرَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا يَصْفُو بَيَاضُهَا ثُمَّ الْبَلْقَاءُ وَهِيَ الَّتِي بَعْضُهَا أَبْيَضُ وَبَعْضُهَا أَسْوَدُ ثم السوداء اهـ
قال ابن قدامة في المغني (9/ 439)
وَالْأَفْضَلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْغَنَمِ فِي لَوْنِهَا الْبَيَاضُ؛ 00وَلِأَنَّهُ لَوْنُ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَا كَانَ أَحْسَنَ لَوْنًا، فَهُوَ أَفْضَلُ اهـ
 والأفضل فيه أن تكون قدماه وفمه وعيناه في سواد والأدلة على ذلك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ، يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ، وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ»: رواه الترمذي (1496) وقال  هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وصححه الألباني قَوْلُهُ (يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ) أَيْ فَمُهُ أَسْوَدُ (وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ) أَيْ قَوَائِمُهُ سُودٌ مَعَ بَيَاضِ سَائِرِهِ (وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ) أَيْ حَوَالَيْ عَيْنَيْهِ سَوَادٌ
فائدة : قال الماوردي بعد أن ذكر الألوان المرغوبة في الأضحية: وَبَاقِي هَذِهِ الْأَلْوَانِ إِنْ ضَحَّى لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَرَاهِيَةٌ وَإِنْ كَانَ مَا اخْتَرْنَاهُ مِنَ الْأَلْوَانِ أَفْضَلَ، فَمِنْهَا مَا كَانَ أَفْضَلَ لِحُسْنِ مَنْظَرِهِ، وَمِنْهَا مَا كَانَ أَفْضَلَ لِطِيبِ مَخْبَرِهِ؛ فَإِنِ اجْتَمَعَا كَانَ أَفْضَلَ. وَإِنِ افْتَرَقَا كَانَ طَيِّبُ الْمَخْبَرِ أَفْضَلَ مِنْ حُسْنِ المنظر.انظر الحاوي 15/ 79
المبحث التاسع : إذا اجتمعت الأضحية والعقيقة، كأن أراد شخصٌ أن يعقَ عن ولده يوم عيد الأضحى، أو في أيام التشريق، فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: تجزئ الأضحية عن العقيقة، وبه قال قَتَادَة ومُحَمَّد بْن سِيرِين وَالْحَسَن البصري انظر فتح الباري (9/595) وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ورجحه شيخنا مصطفى العدوي  قال البهوتي في منتهى الإرادات (1/ 616) (وَإِنْ اتَّفَقَ وَقْتُ عَقِيقَةٍ وَأُضْحِيَّةٍ) بِأَنْ يَكُونَ السَّابِعُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (فَعَقَّ) أَجْزَأَ عَنْ أُضْحِيَّةٍ (أَوْ ضَحَّى أَجْزَأَ عَنْ الْأُخْرَى) كَمَا لَوْ اتَّفَقَ يَوْمُ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ فَاغْتَسَلَ لِأَحَدِهِمَا. وَكَذَا ذَبْحُ مُتَمَتِّعٍ أَوْ قَارِنٍ شَاةً يَوْمَ النَّحْرِ، فَتُجْزِئُ عَنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ وَعَنْ الْأُضْحِيَّةَ اهـ وأيضا قالوا كَمَا لَو صلى رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بهما تَحِيَّة الْمَسْجِد وَسنة الْمَكْتُوبَة أَو صلى بعد الطّواف فرضا أَو سنة مَكْتُوبَة وَقع عَنهُ وَعَن رَكْعَتي الطّواف وَكَذَلِكَ لَو ذبح الْمُتَمَتّع والقارن شَاة يَوْم النَّحْر أَجزَأَهُ عَن دم الْمُتْعَة وَعَن الْأُضْحِية وَالله أعلم انظر تحفة المودود (87) وفي فتاوى الشيخ الإمام العلامة محمد بن إبراهيم -رحمه الله- (6/ 159):
(ثم نعرف أنه لو اجتمع أضحية وعقيقة كفى واحدة صاحب البيت عازم على التضحية على نفسه فيذبح هذه أضحية وتدخل فيها العقيقة.
وفي كلام لبعضهم ما يؤخذ منه أن لابد من الاتحاد: أن تكون الأضحية والعقيقة عن الصغير. وفي كلام آخرين أنه لا يشترط إذا كان الأب سيضحي فالاضحية عن الأب والعقيقة عن الولد. الحاصل أنه إذا ذبح الأضحية عن أُضحية نواها وعن العقيقة كفى،
القول الثاني: أنه لا تجزئ الأضحية عن العقيقة، وهو قول المالكية، والشافعية، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد.
سئل الشيخ ابن حجر المكي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ ذَبْحِ شَاةٍ أَيَّامَ الْأُضْحِيَّةِ بِنِيَّتِهَا وَنِيَّةِ الْعَقِيقَةِ فَهَلْ يَحْصُلَانِ أَوْ لَا اُبْسُطُوا الْجَوَابَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَجَرَيْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ سِنِينَ أَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا وَلَهَا سَبَبٌ يُخَالِفُ سَبَبَ الْأُخْرَى وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأُخْرَى إذْ الْأُضْحِيَّةُ فِدَاءٌ عَنْ النَّفْسِ وَالْعَقِيقَةُ فِدَاءٌ عَنْ الْوَلَدِ إذْ بِهَا نُمُوُّهُ وَصَلَاحُهُ وَرَجَاءُ بِرِّهِ وَشَفَاعَتِهِ.
وَبِالْقَوْلِ بِالتَّدَاخُلِ يَبْطُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِهِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي سُنَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَغُسْلِ الْعِيدِ وَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَسُنَّةِ الْعَصْرِ وَأَمَّا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَنَحْوُهَا فَهِيَ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا بَلْ لِعَدَمِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِصَلَاةِ غَيْرِهَا وَكَذَا صَوْمُ نَحْوِ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إحْيَاءُ هَذَا الْيَوْمِ بِعِبَادَةِ الصَّوْمِ الْمَخْصُوصَةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِأَيِّ صَوْمٍ وَقَعَ فِيهِ وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ وَالْعَقِيقَةُ فَلَيْسَتَا كَذَلِكَ كَمَا ظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَالْكَلَامُ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى نَحْوِ شَاةٍ أَوْ سُبُعِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَمَّا لَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةِ أَسْبَابٍ مِنْهَا ضَحِيَّةٌ وَعَقِيقَةٌ وَالْبَاقِي كَفَّارَاتٌ فِي نَحْوِ الْحَلْقِ فِي النُّسُكِ فَيُجْزِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ التَّدَاخُلِ فِي شَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّ سُبُعٍ يَقَعُ مُجْزِيًا عَمَّا نُوِيَ بِهِ وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ وَلَوْ فِي بَطْنٍ وَاحِدَةٍ فَذَبَحَ عَنْهُمَا شَاةً لَمْ يَتَأَدَّ بِهَا.
أَصْلُ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. اهـ.وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي التَّدَاخُلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَأَوْلَى مَعَ اخْتِلَافِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَاب انظر الفتاوى الفقهية (4/256)
الفصل الثاني
ما يتعلق بالمضحي ووقت الأضحية
المبحث الأول : حكم الأخذ من الأظافر والشعر لمن أراد أن يضحي ودخلت عليه العشرة : اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول: فَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ انظر نيل الأوطار (5/133) وهو الراجح والدليل : عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» رواه مسلم (39 - (1977) وَمُقْتَضَى النَّهْيِ التَّحْرِيمُ
القول الثاني: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ: هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ بِحِرَامٍ. قالوا إن النهي الوارد في حديث أم سلمة، محمولٌ على كراهة التنزيه وليس ذلك بحرام وأيدوا قولهم بما ثبت من حديث عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُهْدِي مِنَ المَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِهِ، ثُمَّ لاَ يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ» رواه البخاري (1698) ومسلم 359 - (1321) وأجيب قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/133) وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ 00فَجَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ مُقْتَضِيًا لِحَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ – حديث أم سلمة - أَخَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَيَكُونُ الظَّاهِرُ مَعَ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ وَلَكِنْ عَلَى مَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ اهـ
القول الثالث: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُكْرَهُ انظر نيل الأوطار احتجوا بحديث عائشة السابق وحملوه على الإباحة وقدموه على حديث أم سلمة انظر رد الشوكاني السابق
قال ابن القيم رحمه الله كما في عون المعبود (7\347) وَأَسْعَد النَّاس بِهَذَا الْحَدِيث ( حديث أم سلمة ) مَنْ قَالَ بِظَاهِرِهِ لِصِحَّتِهِ وَعَدَم مَا يُعَارِضهُ وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَهُوَ إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ فِي أَهْله فَإِنَّهُ يُقِيم حَلَالًا وَلَا يَكُون مُحْرِمًا بِإِرْسَالِ الْهَدْي رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَف يَكُون بِذَلِكَ مُحْرِمًا وَلِهَذَا رَوَتْ عَائِشَة لَمَّا حُكِيَ لَهَا هَذَا الْحَدِيث وَحَدِيث أُمّ سَلَمَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّي أَمْسَكَ فِي الْعَشْر عَنْ أَخْذ شَعْره وَظُفْره خَاصَّة فَأَيّ مُنَافَاة بَيْنهمَا وَلِهَذَا كَانَ أَحْمَد وَغَيْره يَعْمَل بِكِلَا الْحَدِيثَيْنِ هَذَا فِي مَوْضِعه وَهَذَا فِي مَوْضِعه وَقَدْ سَأَلَ الْإِمَام أَحْمَد أَوْ غَيْره عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ هَذَا لَهُ وَجْه وَهَذَا لَهُ وَجْه وَلَوْ قُدِّرَ بِطَرِيقِ الْفَرْض تَعَارُضهمَا لَكَانَ حَدِيث أُمّ سَلَمَة خَاصًّا وَحَدِيث عَائِشَة عَامًّا وَيَجِب تَنْزِيل الْعَامّ عَلَى مَا عَدَا مَدْلُول الْخَاصّ تَوْفِيقًا بَيْن الْأَدِلَّة وَيَجِب حَمْل حَدِيث عَائِشَة عَلَى مَا عَدَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أُمّ سَلَمَة فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَل مَا نَهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا وَأَيْضًا فَعَائِشَة إِنَّمَا تَعْلَم ظَاهِر مَا يُبَاشِرهَا بِهِ أَوْ يَفْعَلهُ ظَاهِرًا مِنْ اللِّبَاس وَالطِّيب وَأَمَّا مَا يَفْعَلهُ نَادِرًا كَقَصِّ الشَّعْر وَتَقْلِيم الظُّفْر مِمَّا لَا يُفْعَل فِي الْأَيَّام الْعَدِيدَة إِلَّا مَرَّة فهي لم تخبر بوقوعه منه صلى الله عليه وسلم فِي عَشْر ذِي الْحِجَّة وَإِنَّمَا قَالَتْ لَمْ يَحْرُم عَلَيْهِ شَيْء وَهَذَا غَايَته أَنْ يَكُون شَهَادَة عَلَى نَفْي فَلَا يُعَارِض حَدِيث أُمّ سَلَمَة وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ ذَلِكَ بِحَدِيثِهَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَاحْتِمَال تَخْصِيصه قَرِيب فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى دَلِيل وَخَبَر أُمّ سَلَمَة صَرِيح فِي النَّهْي فَلَا يَجُوز تَعْطِيله أَيْضًا فَأُمّ سَلَمَة تُخْبِر عَنْ قَوْله وَشَرْعه لِأُمَّتِهِ فَيَجِب اِمْتِثَاله
وَعَائِشَة تُخْبِر عَنْ نَفْي مُسْتَنِد إِلَى رُؤْيَتهَا وَهِيَ إِنَّمَا رَأَتْ أَنَّهُ لَا يَصِير بِذَلِكَ مُحْرِمًا يَحْرُم عَلَيْهِ مَا يَحْرُم عَلَى الْمُحْرِم وَلَمْ تُخْبِر عَنْ قَوْله إِنَّهُ لَا يَحْرُم عَلَى أَحَدكُمْ بِذَلِكَ شَيْء وَهَذَا لَا يُعَارِض صَرِيح لَفْظه وَأَمَّا رَدّ الْحَدِيث بِالْقِيَاسِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ قِيَاس فَاسِد مُصَادِم لِلنَّصِّ لَكَفَى ذَلِكَ فِي رَدّ الْقِيَاس وَمَعْلُوم أَنَّ رَدّ الْقِيَاس بِصَرِيحِ السُّنَّة أَوْلَى مِنْ رَدّ السُّنَّة بِالْقِيَاسِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق
فوائد 1- قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/133) قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الظُّفْرِ وَالشَّعْرِ النَّهْيُ عَنْ إزَالَةِ الظُّفْرِ بِقَلْمٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَنْعُ مِنْ إزَالَةِ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إحْرَاقٍ أَوْ أَخْذِهِ بِنَوْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شُعُورِ بَدَنِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: حُكْمُ أَجْزَاءِ الْبُدْنِ كُلِّهَا حُكْمُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ.وَدَلِيلُهُ مَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَلَا يَمَسَّنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» ، وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ أَنْ يَبْقَى كَامِلَ الْأَجْزَاءِ لِلْعِتْقِ مِنْ النَّارِ. وَقِيلَ: لِلتَّشَبُّهِ بِالْمُحْرِمِ، حَكَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ النَّوَوِيُّ وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَزِلُ النِّسَاءَ وَلَا يَتْرُكُ الطِّيبَ وَاللِّبَاسَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكُهُ الْمُحْرِمُ اهـ
2- قال ابن عثيمين رحمه الله : يتوهم بعض العامة أن من أراد الأضحية ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئا في أيام العشر؛ لم تقبل أضحيته، وهذا خطأ بين، فلا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ مما ذكر، لكن من أخذ بدون عذر فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإمساك، ووقع فيما نهى عنه من الأخذ، فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ولا يعود، وأما أضحيته فلا يمنع قبولها أخذه من ذلك.وأما من احتاج إلى أخذ الشعر والظفر والبشرة فأخذها فلا حرج عليه، مثل أن يكون به جرح فيحتاج إلى قص الشعر عنه، أو ينكسر ظفره فيؤذيه فيقص ما يتأذى به، أو تتدلى قشرة من جلده فتؤذيه فيقصها، فلا حرج عليه في ذلك كله انظر أحكام الأضحية (2/256)
3- هل هذا الحكم يجري على أهل بيته الذين يضحي عنهم أم يختص بالمضحي فقط ؟ فيه خلاف ، ورجح ابن عثيمين أن هذا خاص برب البيت فقط الذي يضحي ، لأن النبي صل الله عليه وسلم خصه به – إذا لم ينو الأضحية إلا في أثناء العشر ، فإنه يبتديء تحريم الأخذ من حين نيته في الأضحية انظر تمام المنة (2/422)
المبحث الثاني : وقت الأضحية
المطلب الأول : حكم الذبح بعد صلاة العيد، وقبل أن يذبح إمام المسلمين أضحيته:
قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/224) وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ لِأَهْلِ الْحَضَرِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هِيَ شَاةُ لَحْمٍ)) رواه البخاري (5556))
واختلفوا في بدء وقت الذبح على قولين :
القول الأول : ذهب مالك والشافعي وأصحابهما وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يذبح أضحيته قبل ذبح الْإِمَامُ انظر الاستذكار (5/224)
وَحُجَّتُهُمْ : عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ، فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا، وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَحَرَ، «فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، وَلَا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رواه مسلم 14 - (1964)
القول الثاني : قال جمهور الفقهاء من ذبح بعد صلاة العيد، وقبل أن يذبح الإمام أضحيته فأضحيته جائزة ولا حرج في ذلك. وهذا قول الحنفية والشافعية والحنابلة وأهل الظاهر انظر المفصل (132) وهو الراجح وحجتهم ما ورد في الأحاديث الكثيرة من تقييد وقت الأضحية بكونه بعد الصلاة كما في حديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ رواه البخاري (5546) ومسلم 10 - (1962)
وعَنِ البَرَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا رواه البخاري (951) ومسلم (1961)
قال ابن حجر في فتح الباري (10/ 22)وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ إِنَّ أَوَّلَ مَا نَصْنَعُ أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ يَدْخُلُ بَعْدَ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّأْخِيرُ إِلَى نَحْرِ الْإِمَامِ وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَمْ يَنْحَرْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْقِطًا عَنِ النَّاسِ مَشْرُوعِيَّةَ النَّحْرِ وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ لَمْ يُجْزِئْهُ نَحْرُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ وَالنَّاسُ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ سَوَاءٌ اهـ
وأما حديث جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ السابق.قال الصنعاني رحمه الله : وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ زَجْرُهُمْ عَنْ التَّعْجِيلِ الَّذِي قَدْ يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَلِذَا لَمْ يَأْتِ فِي الْأَحَادِيثِ إلَّا تَقْيِيدُهَا بِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  انظر سبل السلام (2/533)
قال ابن باز رحمه الله : فإذا صلى الناس العيد صلاة العيد بدءوا بالذبح، يبدأ بالذبح بعد صلاة العيد كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه صلى ثم ذبح، وقال: (من صلى صلاتنا ونسك بنسكنا فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل الصلاة فلا ذبح له) فالسنة والواجب أن تكون الضحية بعد الصلاة، إذا كان الإنسان في البلد. أما إذا كان في الصحراء كالبادية فإنهم يذبحون بعد ارتفاع الشمس، إذا ارتفعت الشمس ومضى شيء بعد ارتفاعها مقدار الصلاة، فإنهم يذبحون ذاك الوقت، يذبحون بعد ارتفاع الشمس ومضي قليلٍ من الزمن بقدر الصلاة يذبحون؛ لأنهم لا صلاة عندهم، البادية والمسافرون ليس لهم صلاة عيد وليس عليهم صلاة عيد، فيذبحون بعد ارتفاع الشمس، وهكذا في منى الحجاج في منى يذبحون بعد ارتفاع الشمس؛ لأنهم ليس عندهم صلاة عيد في منى، رمي الجمار يقوم مقام صلاة العيد، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه رمى الجمرة ثم نحر هديه، ولم يصل صلاة العيد في حجة الوداع -عليه الصلاة والسلام-، فإنهم يرمون الجمار ثم يذبحون هداياهم وضحاياهم بعد ذلك الوقت، بعد ارتفاع الشمس، هذا هو المشروع.اهـ
المطلب الثاني : آخر وقت ذبح الأضحية ومدته:
اختلف أهل العلم في آخر وقت ذبح الأضحية ومدته كما يلي:
القول الأول: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيَّامُ النَّحْرِ يَوْمُ الْأَضْحَى، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ إِمَامِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ الحسن، وَإِمَامِ أَهْلِ مَكَّةَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِمَامِ أَهْلِ الشَّامِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَإِمَامِ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ ابن المنذر؛ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ تَخْتَصُّ بِكَوْنِهَا أَيَّامَ مِنًى، وَأَيَّامَ الرَّمْيِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَيَحْرُمُ صِيَامُهَا، فَهِيَ إِخْوَةٌ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَكَيْفَ تَفْتَرِقُ فِي جَوَازِ الذَّبْحِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ انظر زاد المعاد (2/291) واختاره ابن تيمية وابن عثيمين قلت : وهذا القول هو الراجح والدليل : عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ رواه أحمد (16751) وصححه ابن حبان والسيوطي، ووثق رجاله الحافظ ابن حجر وقال الهيثمي وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ انظر مجمع الفوائد (3/251) وصححه الألباني والأرنؤوط قال الشوكاني وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّهَا أَيَّامُ ذَبْحٍ، وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ انظر نيل الأوطار (5\148)
القول الثاني : أَنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ أحمد ومالك، وأبي حنيفة رَحِمَهُمُ اللَّهُ، قَالَ أحمد: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَهُ الأثرم عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. انظر زاد المعاد (2/292) قال شيخنا مصطفى العدوي : ولم يرد فيه شيء مرفوع صحيح إلا أثر ابن عمر الموقوف في تجويز ذلك ، وقد ورد عنه أثر في تفسير الأيام المعلومات وإدخال اليوم الحادي عشر والثاني عشر فيها لكنه ضعيف
القول الثَّالِثُ: أَنَّ وَقْتَ النَّحْرِ يَوْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، لِأَنَّهُ اخْتُصَّ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ فَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِ حُكْمِهَا بِهِ، وَلَوْ جَازَ فِي الثَّلَاثَةِ لَقِيلَ لَهَا: أَيَّامُ النَّحْرِ كَمَا قِيلَ لَهَا: أَيَّامُ الرَّمْيِ وَأَيَّامُ مِنًى، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَلِأَنَّ الْعِيدَ يُضَافُ إِلَى النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ كَمَا يُقَالُ عِيدُ الْفِطْرِ انظر زاد المعاد وهو قول داود الظاهري
القول الرَّابِعُ: قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: إِنَّهُ يَوْمٌ وَاحِدٌ فِي الْأَمْصَارِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي مِنًى؛ لِأَنَّهَا هُنَاكَ أَيَّامُ أَعْمَالِ الْمَنَاسِكِ مِنَ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ فَكَانَتْ أَيَّامًا لِلذَّبْحِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ انظر زاد المعاد (2/ 292)
القول الخامس: تجوز الأضحية حتى هلال المحرم وبه قال أبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وهو قول ابن حزم الظاهري قال ابن حزم في المحلى (6/42) الْأُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ وَقُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: وَفِعْلُ الْخَيْرِ حَسَنٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ وَقْتٍ بِغَيْرِ نَصٍّ، فَالتَّقْرِيبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّضْحِيَةِ حَسَنٌ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ وَلَا إجْمَاعَ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ.
وَقَدْ رُوِّينَا خَبَرًا يَلْزَمُهُمْ الْأَخْذُ بِهِ - وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَحْتَجُّ بِهِ وَيُعِيذُنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ بِمُرْسَلٍ، وَهُوَ 00عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَا جَمِيعًا " بَلَغَنَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَضْحَى إلَى هِلَالِ الْمُحَرَّمِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِيَ بِذَلِكَ» وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ وَأَصَحِّهَا فَيَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا اهـ
قلت : المرسل من أقسام الضعيف وضعفه شيخنا مصطفى العدوي وكما سبق أنه ثبت عن النبي صل الله عليه وسلم فالصحيح هو القول الأول  قال ابن عثيمين رحمه الله في أحكام الأضحية (2/226) وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فيكون الذبح في أربعة أيام: يوم العيد، واليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر. وثلاث ليال: ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر.
هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -في إحدى الروايتين عنه، قال ابن القيم: وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن البصري، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي، واختاره ابن المنذر.قلت: واختاره الشيخ تقي الدين بن تيميه وهو ظاهر ترجيح ابن القيم لقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) (الحج: 28).قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده  رواه ابن حاتم في تفسيره (8/2489). وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل أيام التشريق ذبح)) رواه أحمد، والبيهقي، وابن حبان في صحيحه ، وأعل بالانقطاع لكن يؤيده قوله صلى الله عليه وسلمً: ((أيام التشريق أكل وشرب وذكر لله عز وجل)) . رواه مسلم . فجعل النبي صلى الله عليه وسلم باب هذه الأيام واحدا في كونها أيام ذكر لله عز وجل، وهذا يتناول الذكر المطلق والذكر المقيد على بهيمة الأنعام، ولأن هذه الأيام مشتركة في جميع الأحكام ما عدا محل النزاع، فكلها أيام منى، وأيام رمي للجمار، وأيام ذكر لله وصيامها حرام، فما الذي يخرج الذبح عن ذلك حتى يختص منها باليومين الأولين اهـ
المطلب الثالث : حكم ذبح الأضحية ليلاً:
اختلف العلماء في حكم ذبح الأضحية ليلاً
القول الأول: ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز ذبح الأضحية ليلاً مع الكراهة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهي اختيار أصحابه المتأخرين، وهو قول ابن حزم ورواية عن مالك وأشهب انظر المفصل (128)
القول الثاني: لا يجوز الذبح ليلاً، فإن فعل فليست أضحية، وبه قال الإمام مالك في القول المشهور عنه، وأحمد في الرواية الأخرى عنه ونقل عن عطاء انظر المفصل (128) ودليلهم : 1- قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] قالوا فذكر الأيام دون الليالي ، فالأيام هي وقت الذبح دون الليالي وأجيب إن لفظ الأيام في قوله تعالى:} فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ {، قد يتناول الليل والنهار، كما في قوله تعالى:} تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ {سورة هود الآية 11.وقال تعالى في قصة زكريا عليه الصلاة والسلام:} ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا {سورة آل عمران الآية 41. وقال تعالى في موضع آخر:} ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا {سورة مريم الآية 10.والقصة قصة واحدة.والعرب قد تستعمل اليوم في الوقت مطلقاً، أي لا يختص بالنهار دون الليل انظر المفصل (130)  لَكِنْ إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ دَلَالَتَهُ فِي الْآيَةِ هِيَ عَلَى النَّهَارِ فَقَطْ لَمْ يُمْنَعِ الذَّبْحُ بِاللَّيْلِ إِلَّا بِنَحْوٍ ضَعِيفٍ مِنْ إِيجَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَهُوَ تَعْلِيقُ ضِدِّ الْحُكْمِ بِضِدِّ مَفْهُومِ الِاسْمِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِطَابِ هُوَ مِنْ أَضْعَفِهَا، انظر بداية المجتهد (2/200)
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُضَحَّى لَيْلًا». قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/23) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ،-(11458)- وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
قال ابن عثيمين والذبح في النهار أفضل، ويجوز في الليل؛ لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي، ولذلك دخلت الليالي في الأيام في الذكر حيث كانت وقتا له كما كان النهار وقتا له، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار.ولا يكره الذبح في الليل؛ لأنه لا دليل على الكراهة، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل.وأما ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح ليلا، فقال في ((التلخيص)) : فيه سليمان بن سلمة الخبائري، وهو متروك وأما قول بعضهم: يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف؛ فالتعليل ليس حجة شرعية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر، فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام، فإنه وصف حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يسلكه من لم يكن عارفا بالأدلة الشرعية في نفس الأمر لطلب الاحتياط. اهـ.
المطلب الرابع : إذا اشترى أضحية فضلَّت أو ماتت قبل أن يذبحها:
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : يرى الحنفية إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ إنَّهَا مَاتَتْ أَوْ سُرِقَتْ أَوْ ضَلَّتْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ أُخْرَى انظر بدائع الصنائع (5/ 66) وهذا بناءً على قولهم بوجوب الأضحية.
القول الثاني : إذا اشترى شاة للتضحية بها، فضَلَّت أو ماتت فلا شيء عليه وهو الراجح قال الإمام البيهقي: بَابُ الرَّجُلِ يَشْتَرِي أُضْحِيَّةً فَتَمُوتُ أَوْ تُسْرَقُ أَوْ تَضِلُّ ثم ساق بإسناده عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً.ثُمَّ ضَلَّتْ، أَوْ مَاتَتْ. فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَذْراً، أَبْدَلَهَا. وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعاً.  فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا رواه مالك في الموطأ (1418) والبيهقي في الكبرى (19196) بسند صحيح وصححه البيهقي وعَنْ تَمِيمِ بْنِ حُوَيَصٍ يَعْنِي الْمِصْرِيَّ، قَالَ: اشْتَرَيْتُ شَاةً بِمِنًى أُضْحِيَّةً فَضَلَّتْ , فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَضُرُّكَ رواه البيهقي في الكبرى (19197) وصححه زكريا الباكستاني انظر ما صح من آثار الصحابة (3/ 1105) (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الضَّحِيَّةَ فَأَوْجَبَهَا أَوْ لَمْ يُوجِبْهَا فَمَاتَتْ أَوْ ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ فَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ انظر الأم (2/ 247)






المطلب الخامس : إذا فات وقت الأضحية ولم يضح، فماذا يترتب على من أراد الأضحية؟ قال الحنفية والمالكية إذا فات وقت الأضحية ولم يضح فإنها تقضى.وقال الشافعية والحنابلة تقضى الأضحية المنذورة فقط؛ فإذا فات وقتها ذبحها انظر المفصل (135) قال الكاساني: [ ... أَنَّهَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا ... لما قلنا] انظر بدائع الصنائع (5/ 67)
المبحث الثالث
ما يطلب من المضحي عند الذبح وبعده
المطلب الأول: ما يطلب من المضحي عند الذبح:
أولاً: النية: عن عُمَر بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» رواه البخاري (1) ومسلم 155 - (1907) قال الكاساني: فَمِنْهَا نِيَّةُ الْأُضْحِيَّةَ لَا تُجْزِي الْأُضْحِيَّةُ بِدُونِهَا؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِلَّحْمِ وَقَدْ يَكُونُ لِلْقُرْبَةِ وَالْفِعْلُ لَا يَقَعُ قُرْبَةً بِدُونِ النِّيَّةِ انظر بدائع الصنائع (5/71)
ثانيا : أن يحد السكين قبل الذبح ولا يحد السكين أمام الحيوان الذي يريد ذبحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحُهَا وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا»رواه الحاكم (4 / 231) وصححه الألباني وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم 57 - (1955)
قال النووي رحمه الله : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلْيُحِدَّ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ يُقَالُ أَحَدَّ السِّكِّينَ وَحَدَّدَهَا وَاسْتَحَدَّهَا بِمَعْنًى وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ بِإِحْدَادِ السِّكِّينِ وَتَعْجِيلِ إِمْرَارِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة وأن لا يَذْبَحَ وَاحِدَةً بِحَضْرَةِ أُخْرَى وَلَا يَجُرَّهَا إِلَى مَذْبَحِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ عَامٌّ فِي كُلِّ قَتِيلٍ مِنَ الذَّبَائِحِ وَالْقَتْلُ قِصَاصًا وَفِي حَدٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْجَامِعَةِ لِقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ أعلم انظر شرح مسلم (13/107)
ثالثا : يستحب نحر الإبل قائمة مربوطة فعَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا قَالَ: «ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه البخاري (1713) ومسلم 358 - (1320) معنى (مقيدة) معقولة اليد اليسرى مربوطة بالعقال وهو الحبل]
 قال النووي رحمه الله : قَوْلُهُ (ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أيِ الْمُقَيَّدَةُ الْمَعْقُولَةُ فَيُسْتَحَبُّ نَحْرُ الْإِبِلِ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَعْقُولَةُ الْيَدِ الْيُسْرَى صَحَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ – صححه الألباني - أَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُذْبَحَ مُضْجَعَةً عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ وَتُتْرَكَ رِجْلُهَا الْيُمْنَى وَتُشَدَّ قَوَائِمُهَا الثَّلَاثُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ اسْتِحْبَابِ نَحْرِهَا قِيَامًا مَعْقُولَةً هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يَسْتَوِي نَحْرُهَا قَائِمَةً وَبَارِكَةً فِي الْفَضِيلَةِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ نحرها باركة أفضل وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انظر شرح مسلم (9/69)
وأما الغنم فقد ثبت عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا رواه البخاري (5565) ومسلم17 - (1966) قال النووي رحمه الله قَوْلُهُ (وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) أَيْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهِيَ جَانِبُهُ وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا لِيَكُونَ أَثْبَتَ له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعهمن إِكْمَالِ الذَّبْحِ أَوْ تُؤْذِيهِ وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنْ هَذَا انظر شرح مسلم (13/121)
رابعا : استقبال القبلة من الذابح والذبيحة:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأَيْنِ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ» ثُمَّ ذَبَح رواه أبو داود (2795) والشاهد في الحديث قوله (فلما وجههما) أي نحو القبلة هذا الحديث حسنه الأرنؤوط وضعفه الألباني وهو الراجح

خامسا : ما حكم التسمية على الذبيحة واجبة أم مستحبة :
قلت : تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال 0
القول الأول : قالوا كل من ترك التسمية عامداً كان أو ناسيا فذبيحته لا تحل ، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما ومولاه نافع  والشعبي وابن سيرين ورواية عن أحمد وهو اختيار أبو ثور وداود . وابن حزم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين رحمهم الله 0 ينظر أحكام الأضحية والذكاة لابن عثيمين ( 2/265 / 267)
واستدلوا أَولا : عن رافع بن خديج مرفوعا «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه فَكُلْ»  رواه [ البخاري 3075 ]  [ ومسلم 1968]
قالوا : فشرط النبي صلى الله عليه وسلم للحل ذكر اسم الله عليه مع إنهار الدم.
ثانيا : قال الله تعالى :{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}  {الانعام}   (121)
قالوا:أن النهي يقتضي التحريم لاسيما مع وصف الفسق؛ فإن الذي يسمى فسقا في الشرع لابد أن يكون حراما.
قال ابن حزم رحمه الله 0
وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِعَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ. ينظر المحلى (6/87)
القول الثاني : قالوا إِنْ تركها ناسيا حلت وإنْ تركها عامدا لم تحل وهو مذهب  الجمهور : وهو قول  علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وهو مذهب أَبي حَنِيفَة، وَمَالِك ، وبه قال الثوري ، وإسحاق ، وَمَال إِلَيْه البُخَارِي في صحيحه 0 ينظر معالم السنن (4/ 283 ) والمحلى ( 6/89 )  وفتح الباري( 9/624) والموسوعة الفقهية الكويتية (21/189)
وهؤلاء احتجوا : بِأَدلة الفريق الأول في المتعمد ، وبِأَدِلة الفريق الثالث في الناسي، وزادوا في حجتهم :  قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286].
 وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رواه ابن ماجه  [2043] وصححه الألباني  
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ:  «الْمُسْلِمُ يَكْفِيهِ اسْمُهُ فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحُ فَلْيُسَمِّ وَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ لِيَأْكُلْ» رواه الدارقطني في السنن[ 4808]  قلت : هذا الحديث ضعيف مرفوعا صحيح موقوفا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال البيهقى ورجحه الألباني: الأصح وقفه ينظر الارواء ( 8/171)
قال الزرقاني رحمه الله : 
 بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ
جَمْعُ ذَبِيحَةٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحَةٍ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الذَّاكِرِ الْقَادِرِ لَا النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وَالْأَخْرَسِ.قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ: 121) وَالنَّاسِي لَا يُسَمَّى فَاسِقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ الْآيَةِ ; لِأَنَّ ذِكْرَ الْفِسْقِ عَقِبَهُ إِنْ كَانَ عَنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ إِهْمَالُ التَّسْمِيَةِ فَلَا يُدْخَلُ النَّاسِي لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ فِسْقًا، وَإِنْ كَانَ عَنْ نَفْسِ الذَّبِيحَةِ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنَ الْمَصْدَرِ، وَالذَّبِيحَةُ الْمَتْرُوكَةُ لِتَسْمِيَةٍ عَلَيْهَا نِسْيَانًا، لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا فِسْقًا، إِذِ الْفِعْلُ الَّذِي نُقِلَ مِنْهُ هَذَا الِاسْمُ لَيْسَ بِفِسْقٍ، فَإِمَّا أَنْ تَقُولَ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَمْدِ لَا الْمَنْسِيِّ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، أَوْ نَقُولُ: فِيهَا دَلِيلٌ مِنْ حَيْثُ مَفْهُومِ تَخْصِيصِ النَّهْيِ بِمَا هُوَ فِسْقٌ، فَمَا لَيْسَ بِفِسْقٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ قَالَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الِانْتِصَافِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ظَاهَرُ الْآيَةِ تَحْرِيمُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَخُصَّتْ حَالَةُ النِّسْيَانِ بِالْحَدِيثِ أَوْ يُجْعَلُ النَّاسِي ذَاكِرًا تَقْدِيرًا وَمَنْ أَوَّلَ الْآيَةَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ مِمَّا ذُكِرَ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ.  شرح الزرقاني على الموطأ [3/122]    
القول الثالث : قالوا أَنْ التسمية على الذبيحة مستحبة إِنَّ تركها الذابح عمدا أَوْ سهوا حلت الذبيحة  حكي ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وهو مذهب الشافعي ، ورواية عن أحمد ، واختاره ابن عبدالبر ، وهو الراجح 0
 ينظر معالم السنن (4/ 283). تمام المنة لشيخنا العزازي ( 4/ 227)
والاستذكار (5/ 249).
 واستدلوا أولا : قال الله تعالى :{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ 000 الي قوله تعالى  إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } [المائدة 3}
فاباح المذكي ولم يذكر التسمية 0
 قال النووي رحمه الله :
فَأَبَاحَ الْمُذَكَّى وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ (فَإِنْ قِيلَ) لَا يَكُونُ مُذَكًّى إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ (قُلْنَا) الذَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْفَتْحُ وَقَدْ وُجِدَا 0 ينظر المجموع {8/411}
 ثانيا : قال الله تعالى : (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ )
[سورة المائدة -5]  فاباح ذبائحهم ولم يشترط التسمية 0
المجموع للنووي { 8/411}
ثالثا : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَا بِاللَّحْمِ، لاَ نَدْرِي: أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ؟ فَقَالَ: «سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ» قَالَتْ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالكُفْرِ  رواه البخاري[ 5507]
قال ابن عبد البر رحمه الله :
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْأَكْلِ إِنَّمَا مَعْنَاهَا التَّبَرُّكُ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلذَّكَاةِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا تُدْرِكُهُ ذَكَاةٌ وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا لَوْ كَانَتِ التَّسْمِيَةُ وَاجِبَةً فَرْضًا عَلَى الذَّبِيحَةِ لَمَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِ لَحْمٍ ذَبَحَتْهُ الْأَعْرَابُ بِالْبَادِيَةِ إِذْ مُمْكِنٌ أَنْ يُسَمُّوا وَمُمْكِنٌ أَنْ لَا يُسَمُّوا اللَّهَ لِجَهْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ أَلَّا يُؤْكَلَ مِنْ ذَبَائِحِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا صَحَّتِ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزِ اسْتِبَاحَةُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِيَقِينٍ مِنَ التَّسْمِيَةِ إِذِ الْفَرَائِضُ لَا تُؤَدَّى إِلَّا بِيَقِينٍ وَإِذِ الشَّكُّ وَالْإِمْكَانُ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْمُحَرَّمَاتُ 0 التمهيد ( 7/50)
قال الخطابي عن هذا الحديث :
فيه دليل على أن التسمية غير واجبة عند الذبح لأن البهيمة أصلها على التحريم حتى يتيقن وقوع الذكاة فهي لا تستباح بالأمر المشكوك فيه فلو كانت التسمية من شرط الذكاة لم يجز أن يحمل الأمر فيها على حسن الظن بهم فيستباح أكلها كما لو عرض الشك في نفس الذبح فلم يعلم هل وقعت الذكاة أم لا لم يجز أن تؤكل معالم السنن(4/283  ) رابعا : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ  أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ؟ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «اسْمُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ». مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ ضَعِيفٌ ,» رواه الدارقطني في السنن[4803] وضعفه الالباني في الارواء [8/169]وقال النووي في المجموع[ 8/412] فهذا الحديث منكر مجمع على ضعفه
خامسا : عَنِ الصَّلْتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ، ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ، إِنَّهُ إِنْ ذَكَرَ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا اسْمَ اللَّهِ» رواه أَبُو دَاوُدَ في المراسيل [378]
وقال الألباني:  هذا مرسل ضعيف إرواء الغليل [ 8 /170] 
قلت : الصحيح هو القول الثالث : أَن التَّسْمِيَة على الذبيحة مستحبة ، أَمَّا   حجتهم  بقوله تعالى : {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } الانعام  (121)  قلت : قد حمل الإمام الشافعي ، هذه الآية على ما ذبح لغير الله كقوله تعالى : (أَوْ فِسْقا أُهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) [الأنعام: 145]  قال ابن كثير : في تفسيره ت سلامة (3/325 ) وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي رحمه الله قوي انتهى
وقال النووي رحمه الله :
(وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْأَوَّلُونَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب وما أهل به لغير الله) وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يذكر اسم الله عليه وانه لفسق) وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ 0 ينظر المجموع( 8/412)
قال ابن عبد البر رحمه الله :
قَالُوا وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا خَرَجَ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَتَحْرِيمِ مَا ذُبِحَ لِلنُّصُبِ وَأُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتِ الْآيَةُ حِينَ خَاصَمَ الْمُشْرِكُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 0 التمهيد (7/50)
 أما حديث : «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه فَكُلْ»  هذا الوجوب صرف للندب بِالْآيَتَيْن : وبحديث عائشة رضي الله عنها : فالصحيح أَن التَّسْمِيَة  على الذبيحة مستحبة والله اعلم 0
سادسا : استحباب التكبير مع التسمية عند الذبح واستحباب ذبحها بيده
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» رواه البخاري 5558 ومسلم 1966
قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (5/ 145) قَوْلُهُ: (وَيُكَبِّرُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَيَقُولُ، بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
00 قَوْلُهُ: (فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَوَلِّي الْإِنْسَانِ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَنَابَ قَالَ النَّوَوِيُّ: جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اسْتَنَابَ كِتَابِيًّا كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَأَجْزَأَهُ وَوَقَعَتْ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمُوَكِّلِ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَالِكًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ صَبِيًّا وَامْرَأَةً حَائِضًا لَكِنْ يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ وَفِي كَرَاهَةِ تَوْكِيلِ الْحَائِضِ وَجْهَانِ انْتَهَى.
سابعا : لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ
قال ابن قدامة في المغني (9/455) وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ، وَإِنْ ذَبَحَهَا بِيَدِهِ كَانَ أَفْضَلَ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَذْبَحَ الْأُضْحِيَّةَ إلَّا مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ، فَلَا يَلِيهَا غَيْرُ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، وَإِنْ اسْتَنَابَ ذِمِّيًّا فِي ذَبْحِهَا، جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمِمَّنْ كَرِهَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ. وَقَالَ جَابِرٌ: لَا يَذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ؛ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّوِيلِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَلَا يَذْبَحْ ضَحَايَاكُمْ إلَّا طَاهِرٌ ". وَلِأَنَّ الشُّحُومَ تَحْرُمُ عَلَيْنَا مِمَّا يَذْبَحُونَهُ عَلَى رِوَايَةٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِهِ.وَلَنَا، أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ ذَبْحُ غَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ، جَازَ لَهُ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ، كَالْمُسْلِمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْكَافِرُ مَا كَانَ قُرْبَةً لِلْمُسْلِمِ، كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَلَا نُسَلِّمُ تَحْرِيمَ الشُّحُومِ عَلَيْنَا بِذَبْحِهِمْ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا الْمُسْلِمُ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ اهـ
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (7\449) الشرط الرابع: أن يكون مسلماً، أو كتابياً فالمسلم ظاهر، والكتابي، لقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، قال ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ: «طعامهم ذبائحهم» ، وهذا متواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يأكل مما ذبح اليهود. واختلف العلماء هل يشترط أن يكون ذبحه كذبح المسلمين؟ أو نقول ما عدوه ذبحاً وتذكية فهو ذكاة، وإن لم يكن على طريقة المسلمين؟ في هذا قولان هما: الأول: وهو قول الجمهور: أنه لا بد أن ينهر الدم، أعني ذبح الكتابي، كما أنه لا بد من أن ينهر الدم في ذبح المسلم.الثاني: وهو وجه في مذهب الإمام مالك أن ما عدوه ذكاة فهو ذكاة، وإن كان بالخنق؛ لعموم قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ، وهذا طعام عندهم فيكون حلالاً.ولكن نقول في الرد على هذا: إن قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} مطلق مقيد بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ، فإذا كان إنهار الدم شرطاً في ذبيحة المسلم، وهو خير من اليهودي والنصراني، فكونه شرطاً في ذبيحة اليهودي والنصراني من باب أولى، وهذا هو الحق.ولكن هل يجب علينا أن نعلم أن الكتابي ذبحه على هذا الوجه؟ الجواب: لا يشترط.وهل يجب أن نعلم أنه سمى عليه؟ الجواب: لا، والدليل على هذا ما رواه البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «أن قوماً سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: «سموا أنتم وكلوا» ، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر»، ومن هو حديث عهد بالكفر يشك في كونه سمى؛ لأنه لم يعرف أحكام الإسلام ومع ذلك قال: «سموا أنتم وكلوا» ، أي: سموا على الأكل لا على الذبح؛ لأنه لا تمكن التسمية؛ ولأن الإنسان لا يُسأل إلا عن فعل نفسه، وفعلكم أنتم هو الأكل فسموا عليه، أما فعل غيركم فليس عليكم منه شيء، وقد ترجم مجد الدين ابن تيمية ـ رحمه الله ـ على هذا الحديث: بأن الفعل إذا صدر من أهله فالأصل فيه الصحة والسلامة ولو أننا كلفنا أن نبحث عن كيفية الذبح وهل سمى الذابح أم لا؟ للحقنا بذلك حرج شديد لا يحتمل، حتى المسلم يمكن أنه لم يسم، أو أنه خنق، فكل شيء محتمل، لكن الأصل في الفعل الواقع من أهله السلامة، وبهذا يستريح الإنسان، ويسلم من القلق الذي يحصل فيما لو ذبح الكتابي اليهودي والنصراني الذبيحة وأهدى له، والحمد لله على التيسير، لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وقد أخبرني بعض الإخوة الذين في أمريكا أنهم الآن رجعوا إلى الشرط الإسلامي، وهو إنهار الدم بشق الودج ثم يدخلون آلة مع الودج الثاني وينفخونها بشدة، من أجل أن يخرج الدم مندفعاً من الودج الأول الذي فروه، أي: أنهم أشد منا، فيتعجلون أن يخرج الدم؛ لأنه إذا جاءه ما يدفعه من أحد الودجين اندفع إلى الآخر، لكننا ـ ولله الحمد ـ لا يكلفنا الله ـ عزّ وجل ـ مثل هذا، فذبحنا يسير، امرر السكين على الودجين، وهذا كافٍ اهـ
ثامنا : عَيَّنَ أُضْحِيَّة فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ
قال ابن قدامة في المغني (9/457) وَإِنْ عَيَّنَ أُضْحِيَّةً، فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى ذَابِحِهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ شَاةُ لَحْمٍ، لِصَاحِبِهَا أَرْشُهَا، وَعَلَيْهِ بَدَلُهَا؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ عِبَادَةٌ، فَإِذَا فَعَلَهَا غَيْرُ صَاحِبِهَا عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ تَقَعْ الْمَوْقِعَ، كَالزَّكَاةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهَا، وَلَهُ عَلَى ذَابِحِهَا أَرْشُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَمَذْبُوحَةً؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ أَحَدُ مَقْصُودَيْ الْهَدْيِ، فَإِذَا فَعَلَهُ فَاعِلٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُضَحِّي، ضَمِنَهُ، كَتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ.وَلَنَا، عَلَى مَالِكٍ، أَنَّهُ فِعْلٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، فَإِذَا فَعَلَهُ غَيْرُ الصَّاحِبِ أَجْزَأَ عَنْهُ، كَغَسْلِ ثَوْبِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ أَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا، وَوَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، فَلَمْ يَضْمَنْ ذَابِحُهَا، كَمَا لَوْ كَانَ بِإِذْنٍ، وَلِأَنَّهُ إرَاقَةُ دَمٍ تَعَيَّنَ إرَاقَتُهُ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى، فَلَمْ يَضْمَنْ مُرِيقُهُ، كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَلِأَنَّ الْأَرْشَ لَوْ وَجَبَ، فَإِنَّمَا يَجِبُ مَا بَيْنَ كَوْنِهَا مُسْتَحَقَّةَ الذَّبْحِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مُتَعَيِّنَةً لَهُ وَمَا بَيْنَ كَوْنِهَا مَذْبُوحَةً، وَلَا قِيمَةَ لِهَذِهِ الْحَيَاةِ، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، فَتَعَذَّرَ وُجُودُ الْأَرْشِ وَوُجُوبُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْأَرْشُ لَمْ يَخْلُ إمَّا أَنْ يَجِبَ لِلْمُضَحِّي، أَوْ لِلْفُقَرَاءِ، لَا جَائِزٌ أَنْ يَجِبَ لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَهَا مَذْبُوحَةً، وَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ لَمْ يَجُزْ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَجِبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بَدَلَ شَيْءٍ مِنْهَا، كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، وَلِأَنَّهُمْ وَافَقُونَا فِي أَنَّ الْأَرْشَ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ، فَيَتَعَذَّرُ إيجَابُهُ، لِعَدَمِ مُسْتَحِقِّهِ اهـ
المطلب الثاني : ما يكره أن يفعله المضحي بالأضحية قبل ذبحها:
أولاً: حكم ولدها ثانيا :حلب الأضحية: وثالثا : جز صوفها:
أولاً: حكم ولدها قال ابن قدامة في المغني (9/ 445) وَإِنْ وَلَدَتْ، ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ أُضْحِيَّةً فَوَلَدَتْ فَوَلَدُهَا تَابِعٌ لَهَا، حُكْمُهُ حُكْمُهَا، سَوَاءٌ كَانَ حَمْلًا حِينَ التَّعْيِينِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لَا يَذْبَحُهُ، وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ حَيًّا، وَإِنْ ذَبَحَهُ، دَفَعَهُ إلَيْهِمْ مَذْبُوحًا، وَأَرْشَ مَا نَقَصَهُ الذَّبْحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا، فَلَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ عَلَى صِفَتِهِ، كَصُوفِهَا وَشَعْرِهَا.وَلَنَا، أَنَّ اسْتِحْقَاقَ وَلَدِهَا حُكْمٌ يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ مِنْ الْأُمِّ، فَيَثْبُتُ لَهُ مَا يَثْبُتُ لَهَا، كَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَذْبَحُهُ كَمَا يَذْبَحُهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ أُضْحِيَّةً عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِأُمِّهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِهِ، كَأُمِّهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي اشْتَرَيْت هَذِهِ الْبَقَرَةَ لِأُضَحِّيَ بِهَا، وَإِنَّهَا وَضَعَتْ هَذَا الْعِجْلَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا تَحْلُبْهَا إلَّا فَضْلًا عَنْ تَيْسِيرِ وَلَدِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَضْحَى، فَاذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا عَنْ سَبْعَةٍ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ زُهَيْرٍ الْعَبْسِيِّ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَذْفٍ، عَنْ عَلِيٍّ – وصححه أبو زرعة انظر التلخيص (4/360) - ثانيا :حلب الأضحية: وثالثا : جز صوفها: قال ابن قدامة : وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا الْفَاضِلَ عَنْ وَلَدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ، أَوَكَانَ الْحَلْبُ يَضُرُّ بِهَا، أَوْ يُنْقِصُ لَحْمَهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَلَهُ أَخْذُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْلُبُهَا، وَيَرُشُّ عَلَى الضَّرْعِ الْمَاءَ حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ، فَإِنْ احْتَلَبَهَا، تَصَدَّقَ، بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ، فَلَمْ يَجُزْ لِلْمُضَحِّي الِانْتِفَاعُ بِهِ، كَالْوَلَدِ وَلَنَا، قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْلُبُهَا إلَّا فَضْلًا عَنْ تَيْسِيرِ وَلَدِهَا. وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا يَضُرُّهَا، فَأَشْبَهُ الرُّكُوبَ، يُفَارِقُ الْوَلَدَ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُهُ إلَى مَحَلِّهِ، أَمَّا اللَّبَنُ، فَإِنْ حَلَبَهُ وَتَرَكَهُ فَسَدَ، وَإِنْ لَمْ يَحْلُبْهُ، تَعَقَّدَ الضَّرْعُ، وَأَضَرَّ بِهَا، فَجُوِّزَ لَهُ شُرْبُهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ. وَإِنْ احْتَلَبَ مَا يَضُرُّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا، لَمْ يَجُزْ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَصُوفُهَا شَعْرُهَا، وَوَبَرُهَا إذَا جَزَّهُ، تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ، فَلِمَ أَجَزْتُمْ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِاللَّبَنِ؟ قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَبَنَهَا يَتَوَلَّدُ مِنْ غِذَائِهَا وَعَلَفِهَا، وَهُوَ الْقَائِمُ بِهِ، فَجَازَ صَرْفُهُ إلَيْهِ، كَمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا عَلَفَ الرَّهْنَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْلُبَ، وَيَرْكَبَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصُّوفَ وَلَا الشَّعْرَ. الثَّانِي، أَنَّ الصُّوفَ وَالشَّعْرَ يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الدَّوَامِ، فَجَرَى مَجْرَى جِلْدِهَا وَأَجْزَائِهَا، وَاللَّبَنُ يُشْرَبُ وَيُؤْكَلُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَجَرَى مَجْرَى مَنَافِعِهَا وَرُكُوبِهَا، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ يَتَجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ، وَالصُّوفُ وَالشَّعْرُ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ دَائِمَةٌ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ. (7872) فَصْلٌ: وَأَمَّا صُوفُهَا، فَإِنْ كَانَ جَزُّهُ أَنْفَعَ لَهَا، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ الرَّبِيعِ، تَخِفُّ بِجَزِّهِ وَتَسْمَنُ، جَازَ جَزُّهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهَا؛ لِقُرْبِ مُدَّةِ الذَّبْحِ أَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ أَنْفَعَ لَهَا؛ لِكَوْنِهِ يَقِيهَا الْحَرَّ وَالْبَرْدَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ بَعْضِ أَجْزَائِهَا اهـ
المبحث الرابع : الانتفاع بالأضحية المسنونة:
أولاً: الأكل منها:
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : قال ابن حزم: فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُضَحٍّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَلَا بُدَّ لَوْ لُقْمَةً فَصَاعِدًا انظر المحلى (6/48)
واستدل ابن حزم عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَافَرَ مَعِي تَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ فَلَمَّا ذَبَحْنَا أُضْحِيَّتَهُ فَأَخَذَ مِنْهَا بَضْعَةً فَقَالَ: آكُلُهَا؟ فَقُلْت لَهُ: وَمَا عَلَيْك أَنْ لَا تَأْكُلَ مِنْهَا؟ فَقَالَ تَمِيمٌ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] فَتَقُولُ أَنْتَ: وَمَا عَلَيْك أَنْ لَا تَأْكُلَ. حَمَلَ هَذَا الْأَمْرَ تَمِيمٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَهَذَا الْحَقُّ الَّذِي لَا يَسَعُ أَحَدًا سِوَاهُ، وَتَمِيمٌ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ. انظر المحلى (6\ 50)
القول الثاني : ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأكل من الأضحية مندوب انظر نيل الأوطار (5/151) ودليلهم : عن عَائِشَة، قالت: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادَّخِرُوا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ»، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا رواه البخاري (5570) ومسلم 28 - (1971) واللفظ له وقد حمل الجمهور الأوامر في هذه الأحاديث على الندب؛ لأن الأمر فيها جاء بعد الحظر فيحمل على الندب أو الإباحة.قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 233) : وَأَمَّا قَوْلُهُ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا فَكَلَامٌ خَرَجَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَمَعَنَاهُ الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَرَدَ بَعْدَ نَهْيٍ وَهَكَذَا شَأْنُ كُلِ أَمْرٍ يَرِدُ بَعْدَ حَصْرٍ أَنَّهُ إِبَاحَةٌ لَا إِيجَابٌ مِثْلُ قَوْلِهِ (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الْمَائِدَةِ 2(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) الْجُمُعَةِ 10اهـ
 وأما مقدار الأكل
قال ابن قدامة في المغني (9/448)
وَالِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَ أُضْحِيَّتِهِ، وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا، وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا، وَلَوْ أَكَلَ أَكْثَرَ جَازَ قَالَ أَحْمَدُ: نَحْنُ نَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: يَأْكُلُ هُوَ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ مَنْ أَرَادَ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِالثُّلُثِ. قَالَ عَلْقَمَةُ: بَعَثَ مَعِي عَبْدُ اللَّهِ بِهَدِيَّةٍ، فَأَمَرَنِي أَنْ آكُلَ ثُلُثًا، وَأَنْ أُرْسِلَ إلَى أَهْلِ أَخِيهِ عُتْبَةَ بِثُلُثٍ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ – رواه رواه الطبراني في "معجمه الكبير": (9/342)وقال الطريفي في التحجيل إسناده صحيح.( 182)-- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا ثُلُثٌ لَك، وَثُلُثٌ لِأَهْلِك، وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينِ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْآخَرِ: يَجْعَلُهَا نِصْفَيْنِ، يَأْكُلُ نِصْفًا، وَيَتَصَدَّقُ بِنِصْفٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] .وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: مَا كَثُرَ مِنْ الصَّدَقَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَأَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلَ هُوَ وَعَلِيٌّ مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسِيَا مِنْ مَرَقِهَا. وَنَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، أَوْ سِتَّ بَدَنَاتٍ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ. وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا» - صححه الألباني -. وَلَنَا، مَا رُوِيَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي صِفَةِ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ،وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَّالِ بِالثُّلُثِ.» رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ، فِي الْوَظَائِفِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.- لم أجد له إسناد- وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ،- قلت : قول ابن عمر رواه ابن حزم في المحلى (7/270) قال الشيخ الطريفي في التحجيل (182) إسناده حسن – قال ابن قدامة : وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] .وَالْقَانِعُ: السَّائِلُ يُقَالُ: قَنِعَ قَنُوعًا. إذَا سَأَلَ وَقَنِعَ قَنَاعَةً إذَا رَضِيَ. قَالَ الشَّاعِر:لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنْ الْقَنُوعِ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيك. أَيْ يَتَعَرَّضُ لَك لِتُطْعِمَهُ، فَلَا يَسْأَلُ، فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا. وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْمَأْكُولِ مِنْهَا وَالْمُتَصَدَّقِ بِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي آيَتِنَا، وَفَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلِهِ، وَابْنُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ بِأَمْرِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، فَهُوَ فِي الْهَدْيِ، وَالْهَدْيُ يَكْثُرُ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْإِنْسَانُ مِنْ قَسْمِهِ، وَأَخْذِ ثُلُثِهِ، فَتَتَعَيَّنُ الصَّدَقَةُ بِهَا، وَالْأَمْرُ فِي هَذَا وَاسِعٌ، فَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا أَوْ بِأَكْثَرِهَا جَازَ، وَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا إلَّا أُوقِيَّةً تَصَدَّقَ بِهَا جَازَ.وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يَجُوزُ أَكْلُهَا كُلِّهَا. وَلَنَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] . وَقَالَ: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَجِبُ الْأَكْلُ مِنْهَا، وَلَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهَا؛ لِلْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مِنْهَا. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا، وَقَالَ " مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ ". وَلِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ يُتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِهَا فَلَمْ يَجِبْ الْأَكْلُ مِنْهَا، كَالْعَقِيقَةِ، وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ، أَوْ الْإِبَاحَةِ، كَالْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مِنْ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ، وَالنَّظَرِ إلَيْهَا اهـ
ثانياً: التصدق منها:
قال الشافعية والحنابلة والظاهرية يجب التصدق بشيء قلَّ أو كثر من الأضحية المسنونة والدليل على الوجوب قوله تعالى:} فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ {سورة الحج الآية 28)وذهب الحنفية والمالكية إلى أن التصدق من الأضحية مندوب وليس بواجب انظر المفصل (153)  وحجتهم ما سبق في مسألة الأكل من الأضحية وهو القول الراجح قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 233) : وَأَمَّا قَوْلُهُ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا فَكَلَامٌ خَرَجَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَمَعَنَاهُ الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَرَدَ بَعْدَ نَهْيٍ وَهَكَذَا شَأْنُ كُلِ أَمْرٍ يَرِدُ بَعْدَ حَصْرٍ أَنَّهُ إِبَاحَةٌ لَا إِيجَابٌ مِثْلُ قَوْلِهِ (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الْمَائِدَةِ 2(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) الْجُمُعَةِ (10) اهـ
--- قال ابن قدامة في المغني (9\450) وَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا كَافِرًا. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: غَيْرُهُمْ أَحَبُّ إلَيْنَا. وَكَرِهَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ إعْطَاءَ النَّصْرَانِيِّ جِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ طَعَامٌ لَهُ أَكْلُهُ فَجَازَ إطْعَامُهُ لِلذِّمِّيِّ، كَسَائِرِ طَعَامِهِ، وَلِأَنَّهُ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ، فَجَازَ إطْعَامُهَا الذِّمِّيَّ وَالْأَسِيرَ، كَسَائِرِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. فَأَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ مِنْهَا، فَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ، فَأَشْبَهَتْ الزَّكَاةَ، وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ.اهـ
المطلب الثاني : الانتفاع بالأضحية المنذورة:
سبق وذكرت أن الأضحية سنة مؤكدة، ولكنها تصير واجبة بالنذر، كأن يقول شخص: [لله عليه أن يضحي بشاة]، فهذه الأضحية صارت واجبة فما حكم الانتفاع بالأضحية المنذورة (الواجبة)؟
اختلف الفقهاء في المسألة على قولين:
القول الأول: قال الحنفية والشافعية وهو قول في مذهب الحنابلة، إنه لا يجوز الأكل من الأضحية المنذورة، ويجب التصدق بجميعها على الفقراء، فإن أكل شيئاً منها غرم بدله
قال الزيلعي الفقيه: [وإن وجبت بالنذر، فليس لصاحبها أن يأكل منها شيئاً، ولا أن يطعم غيره من الأغنياء، سواء كان الناذر غنياً أو فقيراً، لأن سبيلها التصدق وليس للمتصدق أن يأكل من صدقته ولا أن يطعم الأغنياء] انظر المفصل (155)
القول الثاني:قال ابن قدامة في المغني (9/ 457) وَإِنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ ذَبَحَهَا، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ مَنَعَ الْأَكْلَ مِنْهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَبَنَاهُ عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ. وَلَنَا، أَنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَالْمَعْهُودُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ذَبْحُهَا، وَالْأَكْلُ مِنْهَا، وَالنَّذْرُ لَا يُغَيِّرُ مِنْ صِفَةِ الْمَنْذُورِ إلَّا الْإِيجَابَ، وَفَارَقَ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ؛ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ، فَالْمَنْذُورُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ اهـ
المطلب الثالث : الادخار من لحم الأضحية:
عن عَائِشَة، قالت: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادَّخِرُوا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ»، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا رواه البخاري (5570) ومسلم 28 - (1971) قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (5/151) قَوْلُهُ: (إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ فَكُلُوا) . . . إلَخْ، هَذَا وَمَا بَعْدَهُ تَصْرِيحٌ بِالنَّسْخِ لِتَحْرِيمِ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَادِّخَارِهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: يَحْرُمُ الْإِمْسَاكُ لِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَأَنَّ حُكْمَ التَّحْرِيمِ بَاقٍ، وَحَكَاهُ الْحَازِمِيُّ فِي الِاعْتِبَارِ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالنَّاسِخِ وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ بَعْدَ الثَّلَاثِ مِنْ بَعْدِ عَصْرِ الْمُخَالِفِينَ فِي ذَلِكَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا بَعْدَهُمْ ذَهَبَ إلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ
المطلب الرابع : هل يجوز أن يعطي الجزار الأجرة من الأضحية :
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
 القول الأول : قال ابن قدامة في المغني (9/450) وَلَا يُعْطَى الْجَازِرُ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. القول الثاني : وَرَخَّصَ الْحَسَنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فِي إعْطَائِهِ الْجِلْدَ انظر المغني (9/450)  قلت : القول الأول هو الصحيح والدليل : عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا»، قَالَ: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» رواه البخاري (1716) ومسلم 348 - (1317)
 قال النووي رحمه الله في المجموع (8/419) وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يجوز بيع شئ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ نَذْرًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ اللَّحْمُ وَالشَّحْمُ وَالْجِلْدُ وَالْقَرْنُ وَالصُّوفُ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ الْجِلْدِ وَغَيْرِهِ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ الْمُضَحِّي وَالْمُهْدِي أَوْ يَتَّخِذُ مِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَسِقَاءٍ أَوْ دَلْوٍ أَوْ خُفٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ
قال ابن قدامة في المغني (9/450) وَلَنَا، مَا رَوَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ000الحديث. وَلِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ إلَى الْجَزَّارِ أُجْرَةً عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ وَجِزَارَتِهِ، وَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. فَأَمَّا إنْ دَفَعَ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ، فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْأَخْذِ، فَهُوَ كَغَيْرِهِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَهَا، وَتَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا اهـ
المطلب الخامس : بيع شيء من الأضحية والانتفاع بجلدها:
قال ابن قدامة في المغني (9/450) قَالَ: وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهَا. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ، لَا لَحْمِهَا وَلَا جِلْدِهَا، وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ تَطَوُّعًا لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالذَّبْحِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَبِيعُهَا، وَلَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْهَا. وَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يَبِيعُهَا، وَقَدْ جَعَلَهَا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: قَالُوا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَجِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ يُعْطَاهُ السَّلَّاخُ؟ قَالَ: لَا. وَحَكَى قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يُعْطَى الْجَازِرُ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَرَخَّصَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ فِي الْجِلْدِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِهِ الْغِرْبَالَ وَالْمُنْخُلَ وَآلَةَ الْبَيْتِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ، فَجَرَى مَجْرَى تَفْرِيقِ اللَّحْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَبِيعُ مَا شَاءَ مِنْهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ يَبِيعُ الْجِلْدَ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَلَنَا، أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَسْمِ جُلُودِهَا وَجِلَالِهَا، وَنَهْيُهُ أَنْ يُعْطَى الْجَازِرُ شَيْئًا مِنْهَا.وَلِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِلَّهِ - تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَالْوَقْفِ، وَمَا ذَكَرُوهُ فِي شِرَاءِ آلَةِ الْبَيْتِ، يَبْطُلُ بِاللَّحْمِ، لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِآلَةِ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ، فَأَمَّا جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا، فَلَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا، فَجَازَ لِلْمُضَحِّي الِانْتِفَاعُ بِهِ، كَاللَّحْمِ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ وَمَسْرُوقٌ يَدْبُغَانِ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِمَا، وَيُصَلِّيَانِ عَلَيْهِ. وَرَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، يُجَمِّلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ، وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: نَهَيْت عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْق ثَلَاثٍ. قَالَ: إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِلدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا، وَتَزَوَّدُوا، وَتَصَدَّقُوا.» حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِهِ، فَجَازَ كَلَحْمِهَا اهـ
قال ابن عثيمين رحمه الله في أحكام الأضحية (2/253)
ويحرم أن يبيع شيئا منها من لحم أو شحم أو دهن أو جلد أو غيره؛ لأنها مال أخرجه لله فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة، ولا يعطي الجازر شيئا منها في مقابلة أجرته أو بعضها؛ لأن ذلك بمعنى البيع.
فأما من أهدي له شيء منها أو تصدق به عليه فله أن يتصرف فيه بما شاء من بيع وغيره؛ لأنه ملكه ملكا تاما فجاز له التصرف فيه، وفي ((الصحيحين)) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألم أر البرمة فيها لحم؟)) قالوا: بلى، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة، قال ((عليها صدقة ولنا هدية)) وفي لفظ البخاري: ((ولكنه لحم تصدق به على بريرة فأهدته لنا)) ولمسلم: ((هو عليها صدقة، وهو منها لنا هدية)) رواه البخاري ومسلم .لكن لا يشتريه من أهداه أو تصدق به؛ لأنه نوع من الرجوع في الهبة والصدقة، وفي ((الصحيحين)) عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ((لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)) متفق عليه فإن عاد إلى من أهداه أو تصدق به بإرث مثل أن يهدي إلى قريب له أو يتصدق عليه ثم يموت فيرثه من أهداه أو تصدق به، فإنه يعود إليه ملكا تاما يتصرف فيه كما شاء على وجه مباح؛ لما رواه مسلم عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، (1620) إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجب أجرك وردها عليك الميراث) رواه مسلم اهـ
المطلب السادس : قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (6\38) وَلَا يَلْزَمُ مَنْ نَوَى أَنْ يُضَحِّيَ بِحَيَوَانٍ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ وَلَا بُدَّ، بَلْ لَهُ أَنْ لَا يُضَحِّيَ بِهِ إنْ شَاء إلَّا أَنْ يَنْذُرَ ذَلِكَ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ.بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ كَمَا قَدَّمْنَا لَيْسَتْ فَرْضًا فَإِذْ لَيْسَتْ فَرْضًا فَلَا يَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ إلَّا أَنْ يُوجِبَهَا نَصٌّ وَلَا نَصَّ إلَّا فِيمَنْ ضَحَّى قَبْلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ فِي أَنْ يُعِيدَ؛ وَفِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَفِيَ بِالنَّذْرِ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ أُضْحِيَّتَهُ مِمَّنْ يُضَحِّي بِهَا وَيَشْتَرِي خَيْرًا مِنْهَا - وَعَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لَهُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا - وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ، وَالشَّعْبِيِّ،وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، كَرَاهَةَ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ حُجَّةً اه
المبحث الخامس : الأضحية عن الميت :
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجوز للحي أن يضحي عن قريبه الميت وهذا قول الحنفية والحنابلة وطائفة من أهل الحديث واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه العلامة بن باز والعلامة محمد بن صالح العثيمين انظر المفصل (164) وهو الراجح ودليلهم : 1- عَنْ حَنَشٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ رواه أبو داود (2790) وضعفه الألباني
2- عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ»، ثُمَّ قَالَ: «اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ»، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: «بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ رواه مسلم (1967)
القول الثاني: قال المالكية تكره التضحية عن الميت، لعدم ورود دليل في ذلك، ولكن قالوا إن مات الشخص الذي اشترى أضحية قبل وقت التضحية، فيندب في حق الورثة التضحية عن الميت.
قال القرافي: [واستحب ابن القاسم ذبح الورثة لها عنه تنفيذاً لما قصد من القربة انظر المفصل (165)
القول الثالث: وقال الشافعية في المعتمد عندهم لا تصح الأضحية عن الميت إلا أن يوصي بها انظر المجموع (8/406)
قلت : القول الأول هو الراجح قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (26/306) وَتَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا يَجُوزُ الْحَجُّ عَنْهُ وَالصَّدَقَةُ عَنْهُ وَيُضَحَّى عَنْهُ فِي الْبَيْتِ وَلَا يُذْبَحُ عِنْدَ الْقَبْرِ أُضْحِيَّةً وَلَا غَيْرَهَا. فَإِنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْعَقْرِ عِنْدَ الْقَبْرِ} حَتَّى كَرِهَ أَحْمَد الْأَكْلَ مِمَّا يُذْبَحُ عِنْدَ الْقَبْرِ؛- رواه أبو داود (3222) بلفظ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ»، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: «كَانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أَوْ شَاةً»وصححه الألباني -  قال ابن تيمية : لِأَنَّهُ يُشْبِهُ مَا يَذْبَحُ عَلَى النُّصُبِ. فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا} . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: {لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا} وَقَالَ: {الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ} فَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَهَا؟ لِئَلَّا يُشْبِهَ مَنْ يُصَلِّي لَهَا. وَكَذَلِكَ الذَّبْحُ عِنْدَهَا يُشْبِهُ مَنْ ذَبَحَ لَهَا. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَذْبَحُونَ لِلْقُبُورِ وَيُقَرِّبُونَ لَهَا الْقَرَابِينَ وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا مَاتَ لَهُمْ عَظِيمٌ ذَبَحُوا عِنْدَ قَبْرِهِ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْمَيِّتِ. فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَلَوْ نَذَرَ ذَلِكَ نَاذِرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوَفِّيَ بِهِ. وَلَوْ شَرَطَهُ وَاقِفٌ لَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا. وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ كَرِهَهَا الْعُلَمَاءُ، وَشَرْطُ الْوَاقِفِ ذَلِكَ شَرْطٌ فَاسِدٌ. وَأَنْكَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوضَعَ عَلَى الْقَبْرِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لِيَأْخُذَهُ النَّاسُ فَإِنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ مِنْ عَمَلِ كَفَّارٍ التُّرْكِ لَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُسْلِمِينَ.
 قال ابن عثيمين في أحكام الأضحية
والأصل في الأضحية أنها للحي كما كان النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم خلافا لما يظنه بعض العامة أنها للأموات فقط.وأما الأضحية عن الأموات؛ فهي ثلاثة أقسام:القسم الأول: أن تكون تبعا للأحياء، كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات، فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يضحي ويقول: ((اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد)) وفيهم من مات سابقا.القسم الثاني: أن يضحي عن الميت استقلالا تبرعا، مثل: أن يتبرع لشخص ميت مسلم بأضحية، فقد نص فقهاء الحنابلة على أن ذلك من الخير، وأن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به؛ قياسا على الصدقة عنه، ولم ير بعض العلماء أن يضحي أحد عن الميت إلا أن يوصي به. لكن من الخطأ ما يفعله بعض الناس اليوم يضحون عن الأموات تبرعا أو بمقتضى وصاياهم، ثم لا يضحون عن أنفسهم وأهليهم الأحياء، فيتركون ما جاءت به السنة، ويحرمون أنفسهم فضيلة الأضحية، وهذا من الجهل، وإلا فلو علموا بان السنة أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته فيشمل الأحياء والأموات، وفضل الله واسع.القسم الثالث: أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته، فتنفذ كما أوصى بدون زيادة ولا نقص، والأصل في ذلك قوله تعالى في الوصية: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 181) . وروي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه ضحى بكبشين وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه. رواه أبو داود، ورواه بنحوه الترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. اهـ. قلت: وفي إسناده مقال.وإذا كانت الوصية بأضاحي متعددة ولم يكف المغل لتنفيذها مثل أن يوصي شخص بأربع ضحايا: واحدة لأمه، وواحدة لأبيه وواحدة لأولاده، وواحد لأجداده وجداته، ولم يكف المغل إلا لواحدة فإن تبرع الوصي بتكميل الضحايا الأربع من عنده فنرجو أن يكون حسنا، وإن لم يتبرع جمع الجميع في أضحية واحدة كما لو ضحى عنهم في حياته.
وإن كانت الوصية في أضحية واحدة ولم يكف المغل لها فإن تبرع الوصي بتكميلها من عنده فنرجو أن يكون حسنا، وإن لم يتبرع أبقى المغل إلى السنة الثانية والثالثة حتى يكفي الأضحية فيضحي به، فإن كان المغل ضئيلا لا يكفي لأضحية إلا بعد سنوات يخشى من ضياعه في إبقائه إليها، أو من أن تزايد قيم الأضاحي فإن الوصي يتصدق بالمغل في عشر ذي الحجة ولا يبقيه؛ لأنه عرضة لتلفه، وربما تتزايد قيم الأضاحي كل عام، فلا يبلغ قيمة الأضحية مهما جمعه، فالصدقة به خير. واخترنا أن يتصدق به في عشر ذي الحجة؛ لأنه الزمن الذي عين الموصي تنفيذ وصيته فيه، ولأن العشر أيام فاضلة، والعمل الصالح فيها محبوب إلى الله عز وجل، قال النبي صلي الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيها محبوب إلى الله من هذه الأيام العشر)) وقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)) رواه البخاري، (969).(تنبيه عام) : يذكر بعض الموصين في وصيته قدراً معيناً للموصي به مثل أن يقول: يضحي عني ولو بلغت الأضحية ريالا. يقصد المغالاة في ثمنها؛ لأنها في وقت وصيته بربع ريال أو نحوه، فيقوم بعض من لا يخشى الله من الأوصياء فيعطل الوصية بحجة أن الريال لا يمكن أن يبلغ ثمن الأضحية الآن، وهذا حرام عليه، وهو آثم بذلك، ويجب تنفيذ الوصية بالأضحية، وإن بلغت آلاف الريالات مادام المغل يكفي لذلك؛ لأن مقصود الموصي معلوم، وهو المبالغة في قيمة الأضحية مهما زادت، وذكره الريال على سبيل التمثيل، لا على سبيل التحديد اهـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق