السبت، 13 يناير 2018

هل تجب الزكاة في عروض التجارة عمرو العدوي أبو حبيبة





أبو حبيبة




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في (زكاة العروض التجارية بيَّنت فيها بإيجاز: أقوال العلماء ودليل كل فريق وذكرت القول الراجح من أَقوالهم وأخيرا من أراد التوسع في باب الزكاة فليرجع إلى كتابي الزكاة على المذاهب الأربعة أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن يرحمني يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.
( زكاة عروض التجارة )
عروض التجارة هي الأشياء التي يتاجر فيها الناس عموما ، فتاجر السيارات يطلق على السيارات التي يتاجر فيها عرض تجارة وكذا الأرز والمكرونة والملح والملابس والأحذية ، وعموم ما يتاجر فيه فالشيء المُعدُّ للتجارة يسمى عرضا وجمعه عروض 0
( هل تجب الزكاة في عروض التجارة )
تنازع العلماء في ذلك على قولين وأخطأ من نقل الإجماع على ذلك كما سيأتي ؟
القول الأول : وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَدَاوُد، أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ انظر المغني (3/ 58) واختيار ابن حزم والشوكاني وصديق خان والألباني كما سيأتي وهو الراجح والدليل : 1- عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: كُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلْفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» رواه أبو داود (3326) وصححه الألباني (فَشُوبُوهُ) أَيِ اخْلِطُوا مَا ذُكِرَ مِنَ اللَّغْوِ وَالْحَلِفِ قالوا : لَوْ كَانَ يَجِبُ فِيهَا صَدَقَةً كَمَا يَجِبُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ لَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الصَّدَقَةِ
2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» رواه البخاري [1464] ومسلم (982)
 ظاهره عدم الوجوب سواء كانت للتجارة أو لغيرها.
3- عَنْ حَارِثَةَ، قَالَ : جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا وَخَيْلًا وَرَقِيقًا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَنَا فِيهَا زَكَاةٌ وَطَهُورٌ، قَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلَهُ. وَاسْتَشَارَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِمْ عَلِيٌّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: هُوَ حَسَنٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ جِزْيَةً رَاتِبَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا مِنْ بَعْدِكَ رواه أحمد [82] وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط
4-  أن الأصل في مال المسلم الحرمة وبراءة الذمم من التكاليف
 قال الألباني في تمام المنة (1/363) والحق أن القول بوجوب الزكاة على عروض التجارة مما لا دليل عليه في الكتاب والسنة الصحيحة مع منافاته لقاعدة "البراءة الأصلية" التي يؤيدها هنا قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:
«فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، وَأَبْشَارَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ» قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ،... ". الحديث.رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في "الإرواء" 1458.
00وقد صح شيء مما ذكرته عن بعض السلف فقال ابن جريج: قال لي عَطَاءٌ: «لَا صَدَقَةَ فِي اللُّؤْلُؤِ، وَلَا زَبَرْجَدٍ، وَلَا يَاقُوتٍ، وَلَا فُصُوصٍ، وَلَا عَرَضٍ لَا يُدَارُ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَارُ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ فِي ثَمَنِهِ حِينَ يُبَاعُ» أخرجه عبد الرزاق – (7061) - وسنده صحيح جدا.
والشاهد منه قوله: "ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع".
فإنه لم يذكر تقويما ولا نصابا ولا حولا ففيه إبطال لادعاء البغوي في "شرح السنة 6 / 53 الإجماع على وجوب الزكاة في قيمة عروض التجارة إذا كانت نصابا عند تمام الحول كما زعم أنه لم يخالف في ذلك إلا داود الظاهري!
وإن مما يبطل هذا الزعم أن أبا عبيد رحمه الله قد حكى في كتابه "الأموال" 427 / 1193 عن بعض الفقهاء أنه لا زكاة في أموال التجارة. ومن المستبعد جدا أن يكون عنى بهذا البعض داود نفسه لأن عمره كان عند وفاة الأمام أبي عبيد أربعا وعشرين سنة أو أقل ومن كان في هذا السن يبعد عادة أن يكون له شهرة علمية بحيث يحكي مثل الإمام أبي عبيد خلافه وقد توفي سنة 224 وولد داود سنة 200 أو 202 فتأمل.
ولعل أبا عبيد أراد بذاك البعض عطاء بن أبي رباح فقد قال إبراهيم الصائغ: " سُئِلَ عَطَاءٌ: " تَاجِرٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فِي أَصْنَافٍ شَتَّى , حَضَرَ زَكَاتُهُ، أَعَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ مَتَاعَهُ عَلَى نَحْوِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ثَمَنَهُ , فَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ؟ قَالَ: لَا , وَلَكِنْ مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ , أَخْرَجَ مِنْهُ زَكَاتَهُ , وَمَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَخْرَجَ مِنْهُ إِذَا بَاعَهُ "أخرجه ابن زَنْجُوَيْهِ في كتابه "الأموال" 3 / 946 / 1703 بسند حسن كما قال المعلق عليه الدكتور شاكر ذيب فياض وهو شاهد قوي لرواية ابن جريج المتقدمة.
وجملة القول أن المسألة لا يصح ادعاء الإجماع فيها لهذه الآثار وغيرها مما ذكره ابن حزم في "المحلى" الأمر الذي يذكرنا بقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى:"من ادعى الإجماع فهو كاذب وما يدريه لعلهم اختلفوا".
وصدق - جزاه الله خيرا - فكم من مسالة ادعي فيها الإجماع ثم تبين أنها من مسائل الخلاف وقد ذكرنا أمثلة منها في بعض مؤلفاتنا مثل "أحكام الجنائز" و "آداب الزفاف" وغيرها. وقد أشبع ابن حزم القول في مسألتنا هذه وذهب إلى أنه لا زكاة في عروض التجارة ورد على أدلة القائلين بوجوبها وبين تناقضهم فيها ونقدها كلها نقدا علميا دقيقا فراجعه فإنه مفيد جدا في كتابه "المحلى" 6 / 233 - 240.
وقد تبعه فيما ذهب إليه الشوكاني في "الدرر البهية" وصديق حسن خان في شرحه "الروضة الندية" 1 / 192 - 193 ورد الشوكاني على صاحب "حدائق الأزهار" قوله بالوجوب في كتابه "السيل الجرار" 2 / 26 - 27 فليراجعه من شاء.
وقد رد عليه أيضا قوله بوجوب الزكاة على "المستغلات" الذي تبناه بعض الكتاب في العصر الحاضر فقال الشوكاني رحمه الله 2 / 27:
"هذه مسألة لم تطن على أذن الزمن ولا سمع بها أهل القرن الأول الذين هم خير القرون ولا القرن الذي يليه ثم الذي يليه وإنما هي من الحوادث اليمنية والمسائل التي لم يسمع بها أهل المذاهب الإسلامية عنى اختلاف أقوالهم وتباعد أقطارهم ولا توجد عليها أثارة من علم ولا من كتاب ولا سنة ولا قياس. وقد عرفناك أن أموال المسلمين معصومة بعصمة الإسلام لا يحل أخذها إلا بحقها وإلا كان ذلك من أكل أموال الناس بالباطل. وهذا المقدار يكفيك في هذه المسألة".
وراجع لها "الروضة الندية" 1 / 194 تزدد فقها وعلما
فائدة هامة: قد يدعي بعضهم أن القول بعدم وجوب زكاة عروض التجارة فيه إضاعة لحق الفقراء والمساكين في أموال الأغنياء والمثرين.
والجواب من وجهين:الأول: أن الأمر كله بيد الله تعالى فليس لأحد أن يشرع شيئا من عنده بغير إذن من الله عز وجل {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ألا ترى أنهم أجمعوا على أنه لا زكاة على الخضروات على اختلاف كثير بينهم مذكور عند المصنف وغيره واتفقوا على أنه لا زكاة على القصب والحشيش والحطب مهما بلغت قيمتها فما كان جوابهم عن هذا كان الجواب عن تلك الدعوى على أن المؤلف قد جزم أنه لم تكن تؤخذ الزكاة من الخضروات ولا من غيرها من الفواكه إلا العنب والرطب.
فأقول: فهذا هو الحق وبه تبطل الدعوى من أصلها.
والآخر: أن تلك الدعوى قائمة على قصر النظر في حكمة فرض الزكاة أنها لفائدة الفقراء فقط والأمر على خلافه كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ... } الآية.فإذا كان الأمر كذلك ووسعنا النظر في الحكمة قليلا وجدنا أن الدعوى المذكورة باطلة لأن طرح الأغنياء أموالهم ومتاجرتهم بها أنفع للمجتمع - وفيه الفقراء - من كنزها ولو أخرجوا زكاته ولعل هذا يدركه المتخصصون في علم الاقتصاد أكثر من غيرهم والله ولي التوفيق.اهـ
القول الثاني : تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا التِّجَارَةُ الزَّكَاةَ، إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَالْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ انظر المغني (3/ 58) ودليلهم : 1- قال تعالى {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمُنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (البقرة: 267) قال الجصاص :  وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ فِي قَوْله تَعَالَى أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ أَنَّهُ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعُمُومُ هَذِهِ الْآيَةِ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ لأن قوله تعالى ما كَسَبْتُمْ يَنْتَظِمُهَا انظر أحكام القرآن (2/175) والرد على ذلك أولا : قول الحسن ومجاهد مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم نقول لهم : لو واحد عنده أربعة من الأبل هل يجب عليه الزكاة إن كان ينوي بذلك التجارة فإن قالوا : نعم فقد خالفوا قول النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ رواه البخاري (1459) ومسلم (979) فمفهوم الحديث من يملك أقل من خمس من الإبل فليس عليه زكاة فمن قال عليه زكاة فقد خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم 0
وأيضا نقول لهم هل الخضروات عليها زكاة لو نوى بذلك التجارة فإن قالوا : نعم فقد خالفوا أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ مُعَاذٍ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الخَضْرَاوَاتِ وَهِيَ البُقُولُ؟ فَقَالَ: «لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ» رواه الترمذي (638)  وصححه الألباني وذكر لها صاحب نصب الراية (2/389) شواهد وقال قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا اهـ قوله : ليس فيها شيء سواء كانت للتجارة أو غير ذلك وأيضا هل التفاح والزيتون والرمان والبطيخ و--- عليهم زكاة لو نوى بذلك التجارة فإن قالوا نعم فقد خالفوا أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ رواه أحمد في المسند (21989) قلت : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه الذهبي  وتمام كلام الحاكم:«وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ لَمْ يُنْكَرْ لَهُ أَنَّهُ يُدْرِكُ أَيَّامَ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَفِي تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ لِهَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، وَمُعَاذٌ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَرِوَايَةُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْهُ أَوْلَى بِالْإِرْسَالِ 0 وقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَفِي الِاتِّصَالِ بَيْنَ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَمُعَاذٍ نَظَرٌ انظر نصب الراية (2/ 386) ورجح الإرسال أيضا شيخنا مصطفى العدوي قلت : مُوسى بْن طَلْحَة وإن لم يلق معاذاً كما قال أَبُو زُرْعَةَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كما في تلخيص الحبير (2/365) إلا أنه نقله عن كتابه، وهي وجادة صحيحة مقبولة عند أهل العلم كما في أصول الحديث فلا وجه لمن أعل هذا الحديث بالإرسال ، قال الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (3/ 277) لا وجه عندى لإعلال هذا السند بالإرسال , لأن موسى إنما يرويه عن كتاب معاذ , ويصرح بأنه كان عنده فهى رواية من طريق الوجادة وهى حجة على الراجح من أقوال علماء أصول الحديث , ولا قائل باشتراط اللقاء مع صاحب الكتاب.وإنما يشترط الثقة بالكتاب وأنه غير مدخول. فإذا كان موسى ثقة ويقول: " عندنا كتاب معاذ " بذلك , فهى وجادة من أقوى الوجادات لقرب العهد بصاحب الكتاب. والله أعلم اهـ قلت: له شاهدا بلفظ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، حِينَ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ «لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، الشَّعِيرِ، وَالْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ» رواه الحاكم (1/401) صحح هذا الحديث الحاكم ووافقه الذهبي وأقره الزيلعى فى " نصب الراية " (2/389) وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ مُتَّصِلٌ وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح،وقواه الشوكاني وصححه الألباني والأرنؤوط وللحديث طرق أخرى فمن أراد الإطلاع عليها فليراجع نصب الراية ، والتلخيص , ونيل الأوطار 0  
فهذا الحديث يبطل قول من زعم أن هذه الآية وغيرها على العموم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ أي على العموم أي صدقة إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أي لا زكاة إلا من هذه الأربعة المذكورة ولكن خص ذلك أيضا وجوب زكاة الذهب والفضة وبهيمة الأنعام وهي : الإبل والبقر والغنم لورود الأدلة على ذلك كما بينت ذلك في كتابي الزكاة على المذاهب الأربعة  وأيضا الإجماع فقد نقل النووي في شرح مسلم (7/64) الإجماع فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وقال ابن المنذر في الإجماع (45) وأجمعوا على وجوب الصدقة في: الإبل، والبقر، والغنم اهـ فمن قال إن عروض التجارة واجبة فليأتي بالدليل فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بين للناس ما ما نُزّل إليهم ، ففرض على الأمة فرائض في بعض أملاكهم ، ولم يفرض عليهم في البعض الآخر ، ومات على ذلك ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة كما في أصول الفقه ، فمن زعم أنها تجب الزكاة في غير ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم متمسكا بالعمومات القرآنية أو الأحاديث كان محجوجا بما ذكرناه قال ابن حزم في المحلى (4/ 44) وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» .
وَأَنَّهُ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ، وَعَمَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ وَالْحَبِّ؛ فَمَنْ أَوْجَبَ زَكَاةً فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي كُلِّ مَا نُفِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الزَّكَاةُ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي: عَبْدِهِ، وَلَا فَرَسِهِ، صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ» .
وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَكَرَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي: الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْكَنْزِ «فَسُئِلَ عَنْ الْخَيْلِ، فَقَالَ: الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ» .
«فَسُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] »
فَمَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي الْخَيْلِ، وَالْحَمِيرِ، وَالْعَبِيدِ، وَقَدْ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ؛ فَلَوْ كَانَتْ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَكَاةٌ إذَا كَانَ لِتِجَارَةٍ -: لَبَيَّنَ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ؛ فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا زَكَاةَ فِيهَا أَصْلًا  وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرْضٍ كَحُكْمِ الْخَيْلِ، وَالْحَمِيرِ، وَالرَّقِيقِ، وَمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ، وَالْعَيْنِ.ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فَمِنْ مُوجِبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَمِنْ مَسْقَطٍ لِلزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِتِجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ.وَصَحَّ بِالنَّصِّ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ، وَلَا فِي الرَّقِيقِ، وَلَا فِي الْحَمِيرِ، وَلَا فِيمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ؛ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرَضٍ فِي التِّجَارَةِ كَحُكْمِ هَذِهِ. فَصَحَّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ.اهـ
ثانيا : تحمل هذه الآية على زكاة مطلقة غير مقيدة بزمن أو كمية وإنما بما تطيب به نفس صاحبها ويبين ذلك حديث قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: كُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلْفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» رواه أبو داود (3326) وصححه الألباني قال ابن حزم في المحلى [4/40] :فَهَذِهِ صَدَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، لَكِنْ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا يَشُوبُ الْبَيْعَ مِمَّا لَا يَصِحُّ مِنْ لَغْوٍ وَحَلِفٍ اهـ
2- قال تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ( التوبة 103) قال ابن العربي في المسالك (4/55) : وهذه الآية عامّةٌ في كلِّ مالٍ على اختلافِ أصنافِهِ وتبايُنِ أسمائه واختلاف أغراضه، فمن أراد أنّ يخصها بشيءٍ فعليه الدَّليل اهـ قلت : في هذا الاستدلال نظر ، لأن هناك أموال لا تجب فيها الزكاة كالخضروات والخيل والحمير والرقيق وغير ذلك حتى ولو كانت للتجارة وانظر ما سبق
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا رواه البخاري (1468) ومسلم (983) قَالُوا: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ طُلِبَتْ مِنْهُ فِي دُرُوعِهِ، وَأَعْبُدِهِ؛ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ. قَالَ ابن حزم رحمه الله : وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ لَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ وَلَا إشَارَةٌ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ادَّعَوْهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ ظَلَمُوا خَالِدًا إذْ نَسَبُوا إلَيْهِ مَنْعَ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَطْ، صَدَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إذْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ عَاقِلٌ ذُو دِينٍ يُنْفِقُ النَّفَقَةَ الْعَظِيمَةَ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ يَمْنَعُ الْيَسِيرَ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ هَذَا حُكْمُ الْحَدِيثِ انظر المحلى (4/44) وقال صديق خان في الروضة الندية (193) فلا تقوم به الحجة إلا إذا كانت المطالبة بزكاة ذلك الذي حبسه مع كونه للتجارة فعرّفهم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنها قد صارت محبسة وأنه لا زكاة فيها بعد التحبيس وليس الأمر كذلك بل الظاهر أنهم لما أخبروا النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بأن خالدا امتنع من الزكاة رد عليهم بذلك, والمراد أن من بلغ في التقرب إلى الله إلى هذا الحد وهو تحبيس أدراعه وأعتده يبعد كل البعد أن يمتنع من تأدية ما أوجبه الله عليه من زكاة التجارة اهـ
4- عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ رواه أبو داود (1562) حديث ضعيف وضعفه الذهبي وابن حجر والألباني انظر ضعيف أبي داود (275) وضعفه ابن حزم قال الشيخ الألباني رحمه الله: إذا لم يثبت هذا الحديث، فإنه لم يثبت في العروض حديث، ولهذا فإنه لا زكاة فيها، ومن أراد أن يتصدق تطوعاً وإلا فلا  قال ابن حزم في المحلى [4/40] : لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ هِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ؛ بَلْ لَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لَبَيَّنَ وَقْتَهَا وَمِقْدَارَهَا وَكَيْفَ تُخْرَجُ، أَمِنْ أَعْيَانِهَا، أَمْ بِتَقْوِيمٍ، وَبِمَاذَا تُقَوَّمُ؟ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُوجِبُ عَلَيْنَا زَكَاةً لَا يُبَيَّنُ كَمْ هِيَ. وَلَا كَيْفَ تُؤْخَذُ. وَهَذِهِ الصَّدَقَةُ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مَوْكُولَةً إلَى أَصْحَابِ تِلْكَ السِّلَعِ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ --- عَنْ «قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ قَالَ: مَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» .
فَهَذِهِ صَدَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، لَكِنْ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا يَشُوبُ الْبَيْعَ مِمَّا لَا يَصِحُّ مِنْ لَغْوٍ وَحَلِفٍ اهـ
5- عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ رواه أجمد [21557] الْبَزُّ (الثياب أو نوع منها) قالوا : فهذا الحديث دليل على وجوب الزكاة في عروض التجارة، لأن الثياب لا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة، فتعين حمل الحديث على ذلك قلت : حديث ضعيف ضعفه الألباني وشعيب الأرنؤوط قال الألباني في تمام المنة ص [363] : إن الحديث فيه لفظة اختلفت النسخ فيها وهي: "البز" فهي في بعضها البز بفتح الموحدة والزاي المعجمة وقد صرح بذلك موسى بن عبيدة وقد علمت ضعفه وفي بعضها "البر" بالباء المضمومة والراء المهملة ولم يتبين لنا ولا لكثيرين قبلنا أيهما الأرجح وهذا كما قال صديق خان في "الروضة":
"مما يوجب الاحتمال فلا يتم الاستدلال".
قلت: هذا لو صح الحديت فكيف به وهو ضعيف اهـ  
6- عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَلَى عُنُقِي آدِمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ عُمَرُ: " أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا حِمَاسُ؟ " فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي غَيْرُ هَذِهِ الَّتِي عَلَى ظَهْرِي وَآهَبَةٌ فِي الْقَرَظِ، فَقَالَ: " ذَاكَ مَالٌ فَضَعْ " , قَالَ: فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسَبَهَا فَوَجَدْتُ قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ رواه الشافعي في مسنده (633) قلت : آثر عمر ضعيف فيه : أبو عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ ووالده مجهولان كما قال ابن حزم وضعف هذا الحديث  ابن حزم وابن حجر والألباني انظر تمام المنة (1/368)  قال ابن قدامة في المغني (3/58) وَهَذِهِ قِصَّةٌ يَشْتَهِرُ مِثْلُهَا وَلَمْ تُنْكَرْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا اهـ قال الألباني رحمه الله في تمام المنة (368) وأما ما نقله المؤلف - سيد سابق - عقب ذلك عن "المغني" قال:"وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فيكون إجماعا"!فيقال: أثبت العرش ثم انقش على أنه لو ثبتت القصة فليس فيها ما يدل على الإجماع البتة يوضحه قول ابن رشد بعد أن أشار إلى هذه القصة وقول ابن عمر المتقدم:"ولا مخالف لهم من الصحابة وبعضهم يرى أن مثل هذا إجماع من الصحابة أعني إذا نقل عن واحد منهم قول ولم ينقل عن غيره خلافه وفيه ضعف".قلت: وفيه الخلاف الذي شرحته آنفا – كما سبق من كلام الشيخ الألباني –
7- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، وَكَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فِي زَمَنِ عُمَرَ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ فَإِذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ «جَمَعَ عُمَرُ أَمْوَالَ التِّجَارَةِ فَحَسَبَ عَاجِلَهَا وَآجِلَهَا، ثُمَّ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنَ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ» رواه ابن أبي شيبة (10466) وصححه ابن حزم وقال : فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ تِلْكَ الْأَمْوَالَ كَانَتْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ وَقَدْ كَانَتْ لِلتُّجَّارِ أَمْوَالٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَحْصُلُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ عَلَى الْكَذِبِ انظر المحلى [4/41]
8- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:  «لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ» رواه البيهقي في الصغير (1210) وصححه ابن حزم وشيخنا مصطفى العدوي قال ابن حزم في المحلى [4/ 42] : وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: فَصَحِيحٌ؛ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ، وَابْنَهُ. مِنْهَا لِلْمَالِكِيِّينَ الرِّوَايَةُ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ؛ وَلِلْحَنَفِيِّينَ حُكْمُهُ فِي زَكَاةِ الرَّقِيقِ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا - وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَابْنُهُ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ دُونَ آخَرَ اهـ وقال الألباني رحمه الله في تمام المنة ص [364] : ومع كونه موقوفا غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس فيه بيان نصاب زكاتها ولا ما يجب إخراجه منها فيمكن حمله على زكاة مطلقة غير مقيدة بزمن أو كمية وإنما بما تطيب به نفس صاحبها فيدخل حينئذ في عموم النصوص الآمرة بالإنفاق كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْْ ... } وقوله جل وعلا: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا". رواه الشيخان وغيرهما. وهو مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم 920 اهـ
9- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالتَّرَبُّصِ حَتَّى يَبِيعَ، وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ رواه ابن حزم في المحلى (4/40) وصححه الألباني قال ابن حزم : لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي فَائِدَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْمَاشِيَةِ حِينَ تُسْتَفَادُ، فَرَأَى الزَّكَاةَ فِي الثَّمَنِ إذَا بَاعُوهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ: يُزَكِّيهِ حِينَ يَسْتَفِيدُهُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.
وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا عَطَاءٌ: وَهُوَ أَكْبَرُ أَصْحَابِهِ، عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انظر المحلى [4/ 41]
فائدة : قال صديق خان في الروضة الندية (1/193) وقد نقل ابن المنذر الإجماع على زكاة التجارة وهذا النقل ليس بصحيح فأول من يخالف في ذلك الظاهرية وهم فرقة من فرق الإسلام اهـ
فإذا قيل هذا القول مخالف لمذهب الأئمة الأربعة والرد على ذلك : لا حجة في أحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم لأن الحجة فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خالفه من الصحابة، فمن بعدهم من المذاهب الأربعة فإنه يلتمس لهم العذر حيث يستحقون ذلك، والله تعالى إنما يسأل الناس يوم القيامة عن إجابتهم الرسل، قال الله تعالى: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) القصص الآية (65) ولا يسأل لماذا تركتم قول المذاهب الأربعة  قال الألباني رحمه الله : التقليد ليس بعلم فلأن الله تعالى قد ذمه في غير ما آية في القرآن الكريم ولذلك تتابعت كلمات الأئمة المتقدمين على النهي عنه وقد عقد إمام الأندلس ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه الجليل "جامع بيان العلم وفضله" بابا خاصا في تحقيق ذلك فقال ما ملخصه "2/109 - 114": بَابُ فَسَادِ التَّقْلِيدِ وَنَفْيِهِ وَالْفَرَقِ بَيْنِ التَّقْلِيدِ وَالِاتِّبَاعِ " قَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]
وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ، قَالَ «لَمْ يَعْبُدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ فَاتَّبَعُوهُمْ» وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ فَقَالَ لِي: " يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ: «أَلْقِ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ» . وَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٍ حَتَّى أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَمْ نَتَّخِذْهُمْ أَرْبَابًا، قَالَ: «بَلَى، أَلَيْسَ يُحِلُّونَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ فَتُحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ فَتُحَرِّمُونَهُ؟» فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «تِلْكَ عِبَادَتُهُمْ» وقال عز وجل: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف: 23, 24] فمنعهم الاقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء فقالوا: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 24] . وقال جل وعز عائبا لأهل الكفر وذاما لهم: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الانبياء: 52, 53] . ومثل هذا في القرآن كثير من ذمه تقليد الآباء والرؤساء. وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر وإنما وقع التشبيه بين التقليدين "في كونهما اتباعا" بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجلا فكفر وقلد آخر فأذنب وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجهها كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه" ثم روي عن ابن مسعود أنه كان يقول: " اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا وَلَا تَغْدُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ "ومن طريق أخرى عنه قال: "كنا ندعوا الإمعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه بغيره وهو فيكم اليوم المحقب دينه الرجال" يعني المقلد - قال ابن الأثير أراد الذي يقلد دينه لكل أحد أي يجعل دينه تابعا لدين غيره بلا حجة ولا برهان ولا روية وهو من الإرداف على الحقيبة-.
وعن ابن عباس قال: " وَيْلٌ لِلْأَتْبَاعِ مِنْ عَثَرَاتِ الْعَالِمِ، قِيلَ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يَقُولُ الْعَالِمُ شَيْئًا بِرَأْيِهِ ثُمَّ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَيَتْرُكُ قَوْلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يَمْضِي الْأَتْبَاعُ " ثم قال ابن عبد البر: " وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا أَنَّهُ قَالَ: «يَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ ثُمَّ يَتَّخِذُ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا يُسْأَلُونَ فَيُفْتُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ» - روى نحوه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - وَهَذَا كُلُّهُ نَفْيٌ لِلتَّقْلِيدِ وَإِبْطَالٌ لَهُ لِمَنْ فَهِمَهُ وَهُدِيَ لِرُشْدِهِ"..... ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد فأغنى ذلك عن الإكثار ونقله ابن القيم في "الإعلام" "2/294 - 298" وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: لَا يَجُوزُ الْفَتْوَى بِالتَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِلْمٍ، وَالْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ حَرَامٌ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ التَّقْلِيدَ لَيْسَ بِعِلْمٍ، وَأَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ عَالِمٍ "الإعلام 1/51".
وكذلك قال السيوطي: إن المقلد لا يسمى عالما كما نقله أبو الحسن السندي الحنفي في أول حاشيته على ابن ماجه وجزم به الشوكاني في "إرشاد الفحول ""ص 236" فقال:" إِنَّ التَّقْلِيدَ جَهْلٌ وَلَيْسَ بِعِلْمٍ " وهذا يتفق مع ما جاء في كتب الحنفية أنه لا يجوز تولية الجاهل على القضاء. ففسر العلامة ابن الهمام "الجاهل" بالمقلد نهي الأئمة عن التقليد:ومن هنا جاءت أقوال الأئمة المجتهدين تتتابع على النهي الأكيد عن التقليد لهم أو لغيرهم
1 - فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه". "وفي رواية: حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا"
2 - وقال مالك رحمه الله تعالى:
"إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه"
3 - وقال الشافعي رحمه الله تعالى: "أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد".
وقال: "كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي".
وقال:"كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى فلا تقلدوني" 4 - وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا ".
واشتهر عنهم أنهم قالوا: "إذا صح الحديث فهو مذهبي". إلى غير ذلك من الأقوال المأثورة عنهم انظر الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ص (75)
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: «لَا فَرْقَ بَيْنَ بَهِيمَةٍ تُقَادُ وَإِنْسَانٍ يُقَلِّدُ» انظر جامع بيان العلم (2/ 988) وقال ابن القيم :  نَهَى الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ، وَذَمُّوا مَنْ أَخَذَ أَقْوَالَهُمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ انظر إعلام الموقعين (2/ 139) وقال أيضا : أَخَذْتُمْ بِقَوْلِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ فُلَانًا قَالَهُ أَوْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ " لِأَنَّ فُلَانًا قَالَهُ " جَعَلْتُمْ قَوْلَ فُلَانٍ حُجَّةً، وَهَذَا عَيْنُ الْبَاطِلِ انظر إعلام الموقعين (2/ 163) قال ابن حزم رحمه الله : التَّقْلِيد حرَام لَا يحل لأحد أَن يَأْخُذ قَول أحد غير رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا برهَان لقَوْله تَعَالَى: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} [الأعراف: 3].
وَقَوله تَعَالَى:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا } [الْبَقَرَةِ: 110].
وَقَالَ مادحا لمن لم يُقَلّد:
{فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الألباب} [الزمر، الآية:17-18] وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء، الآية:59].
فَلم يبح الله تَعَالَى الرَّد عِنْد التَّنَازُع إِلَى أحد دون الْقُرْآن وَالسّنة، وَحرم بذلك الرَّد عِنْد التَّنَازُع إِلَى قَول قَائِل لِأَنَّهُ غير الْقُرْآن وَالسّنة، وَقد صَحَّ إِجْمَاع الصَّحَابَة كلهم أَوَّلهمْ عَن آخِرهم وَإِجْمَاع التَّابِعين أَوَّلهمْ عَن آخِرهم على الِامْتِنَاع وَالْمَنْع من أَن يقْصد مِنْهُم أحد إِلَى قَول إِنْسَان مِنْهُم أَو مِمَّن قبلهم، فَيَأْخذهُ كلهم، فَليعلم من أَخذ بِجَمِيعِ أَقْوَال أبي حنيفَة، أَو جَمِيع أَقْوَال مَالك، أَو جَمِيع أَقْوَال الشَّافِعِي، أَو جَمِيع أَقْوَال أَحْمد رَضِي الله عَنْهُم، وَلم يتْرك قَول من اتبع مِنْهُم أَو من غَيرهم إِلَى قَول غَيره، وَلم يعْتَمد على مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن وَالسّنة غير صَارف ذَلِك إِلَى قَول إِنْسَان بِعَيْنِه - أَنه قد خَالف إِجْمَاع الْأمة كلهَا أَولهَا عَن آخرهَا بِيَقِين لَا إِشْكَال فِيهِ وَأَنه لَا يجد لنَفسِهِ سلفا، وَلَا إنْسَانا فِي جَمِيع الْأَعْصَار المحمودة الثَّلَاثَة، فقد اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نَعُوذ بِاللَّه من هَذِه الْمنزلَة وَأَيْضًا فَإِن هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء كلهم قد نهوا عَن تَقْلِيد غَيرهم، فقد خالفهم من قلدهم، وَأَيْضًا فَمَا الَّذِي جعل رجلا من هَؤُلَاءِ أَو من غَيرهم أولى أَن يُقَلّد من عمر بن الْخطاب أَو عَليّ بن أبي طَالب أَو ابْن مَسْعُود أَو ابْن عمر أَو ابْن عَبَّاس أَو عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَلَو سَاغَ التَّقْلِيد لَكَانَ كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ أَحَق بِأَن يتبع من غَيره انظر حجة الله البالغة (1/ 263)
وقال ابن حزم أيضا : ويكفي في إبطال التقليد أن القائلين به مقِرون على أنفسهم بالباطل، لأن كل طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية مقرة بأن التقليد لا يحل، وأئمتهم الثلاثة قد نهوا ، عن تقليدهم، ثم مع ذلك خالفوهم وقلّدوهم، وهذا عجب ما مثله عجب، حيث أقروا ببطلان التقليد، ثم دانوا الله بالتقليد اهـ وابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله كثيرا يخالفون قول المذاهب الأربعة فالعبرة في الترجيح بين الأقوال هي موافقة الدليل واتباع ما هو أقرب إلى الصواب والشيخ سيد سابق رحمه الله ذكر بعض أسباب التقليد والتعصب المذهبي لقول إمام من الأئمة الأربعة أو تقليد أكثر العلماء وترك الدليل الصحيح ، كما بين خطر التقليد والتعصب للمذاهب بقوله رحمه الله في مقدمة فقه السنة: وبالتقليد والتعصب للمذاهب فقدت الأمة الهداية بالكتاب والسنة، وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد، وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء، وأقوال الفقهاء هي الشريعة، وإعتبر كل من يخرج ، عن أقوال الفقهاء مبتدعاً لا يوثق بأقواله، ولا يُعتد بفتاواه اهـ هذا قليل من كثير قالوه في مسألة عدم جواز اتباع واحد من المذاهب المعروفة ، الأربعة وغيرها ، أو تقليد أكثر العلماء ، ولو شئنا استقصاءه لخرجنا عن موضوع الكتاب ، ولكن فيما ذكرناه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد فائدة : - التَّقليد عند الضَّرورة جائزٌ ولكن - لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ فِي دِينِ اللَّهِ بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ قَوْلُ مَنْ قَلَّدَهُ دِينَهُ، هَذَا إجْمَاعٌ مِنْ السَّلَفِ كُلِّهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – وَغَيْرُهُمَا انظر إعلام الموقعين (4/149) قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/16) : وعُلِمَ من قولنا: «بأدلَّتها» أن المقلِّدَ ليس فقيهاً؛ لأنه لا يعرف الأحكام بأدلَّتها، غايةُ ما هنالك أن يكرِّرَها كما في الكتاب فقط. وقد نقل ابنُ عبد البَرِّ الإجماعَ على ذلك  .
وبهذا نعرف أهميَّة معرفة الدَّليل، وأن طالب العلم يجب عليه أن يتلقَّى المسائل بدلائلها، وهذا هو الذي يُنجيه عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سيقول له يوم القيامة: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65] ، ولن يقول: ماذا أجبتم المؤلِّفَ الفلاني،فإذاً لا بُدَّ أن نعرفَ ماذا قالت الرُّسل لنعمل به.
ولكن التَّقليد عند الضَّرورة جائزٌ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] ، فإِذا كُنَّا لا نستطيع أن نعرف الحقَّ بدليله فلا بُدَّ أن نسأل؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن التَّقليد بمنزلة أكل الميتة، فإذا استطاع أن يستخرج الدَّليلَ بنفسه فلا يحلُّ له التقليد اهـ  
وأختم بحثي هذا بكفارة المجلس:
" سبحانك اللهم! وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ".وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وآخر دعوانا:{أن الحمدُ لله رب العالمين}

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق