أحكام الطلاق
على المذاهب الأربعة
عمرو العدوي
أبو حبيبة
والأحاديث مخرجة على كتب العلامة الألباني
رحمه الله وغيره
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يُضلل فلا
هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه؛ والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين , وسلم تسليما
كثير
أما
بعد:
هذا بحث في أحكام الطلاق ، جمعت فيه هذه المسائل : وذكر أقوال العلماء من
الصحابة والتابعين ، والائمة الأربعة ، مع ترجيح ما يستند الى دليل صحيح، من أقوالهم
من غير تعصب لمذهب من
المذاهب ، هذا وقد قمت بتخريج الأحاديث مع بيان
درجة الحديث – صحة وضعفا – فإن كان الحديث في الصحيحين اكتفيت بعزوه إليْها أو أحدهما وإن كان في الكتب الستة أو غيرها فاكتفي بذكر واحد منها ؛ إذ
المقصود أن تعلم صحة الحديث أو ضعفه وما كان من صواب فمن الله وحده وما كان من
خطأ فمني والشيطان والله ورسوله بريئان والحمد لله أولا وآخرا ظاهرا وباطنا
عمرو العدوي أبو حبيبة
--- تعريف الطلاق ؟
الطَّلَاقُ فِي اللُّغَةِ حَلُّ الْوَثَاقِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِطْلَاقِ
وَهُوَ الْإِرْسَالُ وَالتَّرْكُ وَفُلَانٌ طَلْقُ الْيَدِ بِالْخَيْرِ أَيْ كَثِيرُ
الْبَذْلِ
وَفِي الشَّرْعِ حَلُّ عُقْدَةِ التَّزْوِيجِ فَقَطْ
انظر فتح الباري (9/346)
--- الأدلة على مشروعية الطلاق ؟
وَهُوَ مَشْرُوعٌ، وَالْأَصْلُ
فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ
اللَّهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
[البقرة: 229] . وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] .وغير ذلك من الآيات 0
وَأَمَّا السُّنَّةُ : عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا» رواه مسلم (1471) وغيره
ونقل الإجماع على ذلك ابن قدامة رحمه الله في المغني
(7/363)
--- حكم الطلاق ؟
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (9\ 346)
ثُمَّ الطَّلَاقُ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ وَاجِبًا
أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ جَائِزًا
أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيمَا إِذَا كَانَ بِدْعِيًّا وَلَهُ صُوَرٌ- قلت عمرو سيأتي ذلك- وَأَمَّا الثَّانِي فَفِيمَا
إِذَا وَقَعَ بِغَيْرِ سَبَبٍ مَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِي
صُوَرٍ مِنْهَا الشِّقَاقُ إِذَا رَأَى ذَلِكَ الْحَكَمَانِ –قلت عمرو سيأتي ذلك-
وَأَمَّا الرَّابِعُ فَفِيمَا
إِذَا كَانَتْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ
وَأَمَّا الْخَامِسُ فَنَفَاهُ النَّوَوِيُّ وَصَوَّرَهُ غَيْرَهُ بِمَا
إِذَا كَانَ لَا يُرِيدُهَا وَلَا تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ مُؤْنَتَهَا مِنْ
غَيْرِ حُصُولِ غَرَضِ الِاسْتِمْتَاعِ انتهى
--- فوائد: ما صحة هذه الأحاديث ؟
1-: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ رواه أبو داود (2178) حديث ضعيف ضعفه أبوحاتم والدارقطني والبيهقي
والخطابي والألباني انظر الإرواء (2040)
2- عن علي رضي الله عنه،
مرفوعًا: (تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا فإِنَّ الطَّلاقَ يَهْتَزُّ مِنْهُ العَرْشُ)) أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 157)، وابن
الجوزي في الموضوعات (2/ 277)، وقال: لا يصح. والحديث أورده الصغاني في " الموضوعات
" (ص 8) وحكم عليه الألباني بالوضع في السلسلة الضعيفة (731).
3- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ، فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلَا
تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ، فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى
الدِّينِ، وَلَأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ» رواه ابن ماجه (1859) وقال الألباني ضعيف معنى أَنْ يُرْدِيَهُنَّ أي يوقعهن في الهلاك بالإعجاب والتكبر – تُطْغِيَهُنّ
- أن توقعهن في المعاصي والشرور – خَرْمَاء
- أي مقطوعة بعض الأنف ومثقوبة الأذن – أَفْضَل- أي من الحرة
4- عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ رواه ابن ماجه (1968) والحاكم (2 / 163) وصححه الحاكم وحسنه ابن حجر في التلخيص (3 / 146) وحسنه الألباني 0
معنى تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ أي اطلبوا لها ما هو خير المناكح
وأزكاها وأبعدها من الخبث والفجور وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ أي اخطبوا إليهم بناتهم
---لا يجوز سؤال المرأة الطلاق من زوجها بدون سبب 0
عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاَقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ
عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ.رواه الترمذي (1187) وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.قلت : حديث صحيح
صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي والألباني 0
في فيض القدير(3\138) (من
غير ما بأس) والبأس الشدة أي في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة كأن تخاف
أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له أو بأن
يضارها لتنخلع منه (فحرام عليها) أي ممنوع عنها (رائحة الجنة) وأول ما يجد ريحها المحسنون المتقون لا أنها لا
تجد ريحها أصلا فهو لمزيد المبالغة في التهديد وكم له من نظير قال ابن العربي: هذا
وعيد عظيم لا يقابل طلب المرأة الخروج من النكاح لو صح وقال ابن حجر: الأخبار الواردة
في ترغيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن سبب يقتضي ذلك كحديث ثوبان
هذا
--- الطلاق بيد الزوج :
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] وعن ابن عباس أن النبي صل الله عليه وسلم قال إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ رواه ابن ماجه(2081) قلت
: حديث حسن وحسنه الألباني وشعيب الأرنؤوط
قال محمد فؤاد عبد الباقي : في سنن ابن ماجه إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ أي الطلاق حق الزوج الذي له أن يأخذ بساق
المرأة لا حق المولى
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (5/254)
حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ
بِيَدِ الزَّوْجِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ
ثم ذكر آية الأحزاب
وغيرها ثم قال وَقَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ
أَنْ يُتَّبَعَ،وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمُتَقَدِّمُ،
وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَا فِيهِ، فَالْقُرْآنُ يُعَضِّدُهُ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ
النَّاسِ.انتهى
وفي اللجنة الدائمة (20\8) س لماذا يضع الإسلام الطلاق في يد الزوج وحده، وما الحكم إذا كان الزوج نفسه لا تطاق عشرته،
وكيف يقال: إن الإسلام سوى بين والمرأة والرجل؟ ج أولا: وضع الله الطلاق بيد الزوج
وحده لحكم عظيمة منها: 1- قوة عقله وإرادته وسعة إدراكه، وبعد نظره لعواقب الأمور،
بخلاف المرأة فليست كذلك. 2- قيامه بالإنفاق وكونه صاحب السيطرة والأمر والنهي في بيته،
فهو عماد البيت ورب لأسرته. 3- أن المهر يجب على الزوج، فجعل الطلاق في يده؛ لئلا تطمع
المرأة، فإذا تزوجت وأخذت المهر طلقت زوجها للحصول على مهر آخر وهكذا، وهذا يضر الزوج،
وقد نبه الله سبحانه على هذا المعنى في قوله عز وجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ} ثانيا: إذا كان الزوج نفسه
لا تطاق عشرته فيرجع في ذلك إلى المحكمة. ثالثا: جعل الله للرجل أحكاما تخصه، وجعل
للمرأة أحكاما تخصها، وجعلهما مشتركين في كثير من الأحكام، والمرجع في ذلك هو الشرع
انتهى
---
من يقع منه الطلاق ومن لا يقع ؟
--- أولا : هل يقع طلاق المجنون ؟
قلت
: لا يصح طلاق المجنون لما ثبت في الحديث ، عن علي بن أبي طالب مرفوعا: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنِ
الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ
حَتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى
يَحْتَلِمَ»رواه أبوداود (4401) صحيح قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبى والألباني 0
وقد نقل ابن المنذر وابن القيم وغيرهما الإجماع على أن طلاق المجنون لا يقع انظر الإجماع (44) وإعلام الموقعين
(4\39)
قال
الشافعي في الأم (5\235) وَلَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ خَمْسَ عَشْرَةَ
أَوْ يَحْتَلِمَ قَبْلَهَا وَلَا طَلَاقُ الْمَعْتُوهِ، وَلَا طَلَاقُ الْمَجْنُونِ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ إذَا طَلَّقَ فِي حَالِ
جُنُونِهِ وَإِنْ طَلَّقَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ جَازَ انتهى
فائدة
1- إذا كان المجنون له نوبات ، يفيق أحيانا ويجن أحيانا ، وقع
طلاقه في حال إفاقته ، ولم يقع في حال جنونه كما سبق من كلام الشافعي
2- إذا كان الزوج صغيراً أو مجنوناً فإن كان الولي عليه هو
الأب فقد اختلف العلماء هل للأب أن يطلق زوجة ابنه الصغير أو المجنون أم ليس له
ذلك؟ على قولين: القول الأول قول أبي حنيفة
ومالك والشافعي ، أنه ليس له أن يطلق زوجة ابنه، ولا يملك
ذلك، وحجتهم حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" سيق تخريجه والقول الثاني: أن للأب طلاق زوجة ابنه الصغير والمجنون،
وهي رواية عن أحمد وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ؛ وحجتهم أن الأب لما كان له حق
تزويج ابنه الصغير والمجنون وتمليك البضع، كان له حق إزالتة، والراجح القول
الأول، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، ، قال بعض العلماء فإذا
رأى الأب المصلحة في تطليق زوجة ابنه الصغير والمجنون أو تضررت المرأة وأرادت
المطالبة بالطلاق فليتقدموا للحاكم للنظر في ذلك وفسخ النكاح من قبله، احتياطاً
للفروج، وخروجاً من خلاف العلماء، وينبغي أن يعلم أن فسخ الحاكم هو فرقة، وليس
طلاقاً، فلا ينقص به عدد الطلاق قال ابن قدامة في
المغني (7\54) وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ تَطْلِيقُ امْرَأَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ
مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ، كَوَصِيِّ الْأَبِ وَالْحَاكِمِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ
حَامِدٍ، أَوْ لَا يَمْلِكُهُ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. فَأَمَّا الْأَبُ
إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ، فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلَيْنِ
زَوَّجَ أَحَدُهُمَا ابْنَهُ بِابْنَةِ الْآخَرِ، وَهُمَا صَغِيرَانِ، ثُمَّ إنَّ الْأَبَوَيْنِ
كَرِهَا، هَلْ لَهُمَا أَنْ يَفْسَخَا؟ فَقَالَ: قَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ. وَكَأَنَّهُ
رَآهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ إلَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ، فَتُخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا،
يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ يَسْتَفِيدُ
بِهَا تَمْلِيكَ الْبُضْعِ، فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ بِهَا إزَالَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ
مُتَّهَمًا، كَالْحَاكِمِ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بِالْإِعْسَارِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ،
وَالشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا
الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» . وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُضْعَ، فَلَا
يَمْلِكُ الطَّلَاقَ بِنَفْسِهِ، كَوَصِيِّ الْأَبِ وَالْحَاكِمِ، وَكَالسَّيِّدِ يُزَوِّجُ
عَبْدَهُ الصَّغِيرَ، وَبِهَذِهِ الْأُصُولِ يَبْطُلُ دَلِيلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.
3- أدخل العلماء في هذا الباب كل من زال
عقله بعذر فان طلاقه لا يقع ، ومن صور ذلك النائم ، أَوْ إغْمَاءٍ، ، أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ00
أَوْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ شُرْبُهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُزِيلٌ لِلْعَقْلِ،
قال ابن قدامة في المغني (7/378 ) فَكُلُّ هَذَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، رِوَايَةً
وَاحِدَةً، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا قلت وكذلك الموسوس لا يقع طلاقه قَال عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لاَ يَجُوزُ طَلاَقُ الْمُوَسْوَسِ.وَعَلَّقَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى هَذَا الْقَوْل
شَارِحًا لَهُ: أَيْ لاَ يَقَعُ طَلاَقُه ، لأَِنَّ الْوَسْوَسَةَ حَدِيثُ النَّفْسِ
وَلاَ مُؤَاخَذَةَ بِمَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ فتح الباري (9\392) قال ابن عثيمين
في نور على الدرب (19\2)
إن المبتلى بوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به في لسانه إذا لم يكن
عن قصد لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة بل هو مغلق مكره
عليه لقوة الدافع وقلة المانع وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا طلاق في إغلاق)
فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة انتهى
4- قال ابن تيمية رحمه الله في مختصر
الفتاوى (1\544) وَمن سحر
فَبلغ بِهِ السحر أَن لَا يعلم مَا يَقُول فَلَا
طَلَاق لَهُ انتهى
سئل فضيلة
الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين السؤال التالي : هل يقع طلاق المسحور أم لا ؟
فأجاب – حفظه الله – : ( إذا غلب السحر على العقل وألحق المسحور بالمجانين لم يقع طلاق ، لأن الطلاق يشترط له العزم لقوله تعالى : ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) ( سورة البقرة – الآية 277 ) ، وفاقد العقل ليس له عزم ولا نية ، فأما إن كان الطلاق مع الفهم والعلم بآثار الطلاق وما يسببه من الفرقة فإنه يقع ، لكن إن عمل السحر في صرفه عن زوجته وإيقاع الكراهة بينهما ولم يجد الراحة إلا في الطلاق على حد قوله تعالى : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 102 ) فالظاهر أنه لا يقع لأنه مغلوب على أمره والله أعلم ) انظر الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
فأجاب – حفظه الله – : ( إذا غلب السحر على العقل وألحق المسحور بالمجانين لم يقع طلاق ، لأن الطلاق يشترط له العزم لقوله تعالى : ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) ( سورة البقرة – الآية 277 ) ، وفاقد العقل ليس له عزم ولا نية ، فأما إن كان الطلاق مع الفهم والعلم بآثار الطلاق وما يسببه من الفرقة فإنه يقع ، لكن إن عمل السحر في صرفه عن زوجته وإيقاع الكراهة بينهما ولم يجد الراحة إلا في الطلاق على حد قوله تعالى : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 102 ) فالظاهر أنه لا يقع لأنه مغلوب على أمره والله أعلم ) انظر الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
--- ثانيا : طلاق السكران ؟
طلاق
السكران لا يقع وقد ذهب إلى ذلك عثمان بن عفان
وعمر بن عبد العزيز و يحيى بْنِ سعيد الْأَنْصَارِيّ وهو رواية عن أحمد وَهَذَا
مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ كُلِّهِمْ، ورجحه ابن تيمية وابن القيم وابن
عثيمين انظر زاد المعاد (5/ 191) والشرح
الممتع 5/436
وهو الراجح والدليل 1- قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لاَ
تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ )
النساء 43
قالوا فَجَعَلَ قَوْلَ السَّكْرَانِ
غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ
لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّكْلِيفِ الْعَقْلَ وَمَنْ
لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ، أَوْ بِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ
يَقَعَ طَلَاقُهُ إذَا كَانَ مُكْرَهًا عَلَى شُرْبِهَا، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهَا
خَمْرٌ، وَلَا يَقُولُهُ الْمُخَالِفُ.
2- قال النبي صل الله عليه وسلم «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ رواه البخاري (1)
ومسلم (1691) قالوا فإن هذا السكران حينما تكلم وقال: أنت طالق، ما نوى، فهذا لا يقع طلاقه،
3-
حديث علي في قصة سُكر حمزة بن عبد المطلب ودخول النبي صلى الله عليه وسلم عليه
وفيه : فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، «فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ»، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ، مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ،
فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،ثُمَّ صَعَّدَ
النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ،
ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ،ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ
إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ القَهْقَرَى، وَخَرَجْنَا مَعَه
رواه البخاري (3091) ومسلم (1979)
قال ابن حزم في المحلى
(9\476)
فَهَذَا حَمْزَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ وَهُوَ سَكْرَانُ
مَا لَوْ قَالَهُ غَيْرُ سَكْرَانَ لَكَفَرَ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.
فَصَحَّ أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِمَا يَفْعَلُ جُمْلَةً.انتهى
4-
عنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ
إِلَّا طَلَاقَ النَّشْوَانِ وَطَلَاقَ الْمَجْنُونِ» رواه سعيد بن منصور (1112) النَّشْوَان أي السَّكْرَان قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ:
هَذَا ثَابِتٌ عَنْ عُثْمَانَ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ خَالَفَهُ.انظر
المغني (7/379)
وقال الإمام مالك، وَالشَّافِعِيّ
فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَأبو حَنِيفَةَ،انظر المغني (7/379) قالوا يقع واستدلوا 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ طَلاَقٍ جَائِزٌ، إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ
عَلَى عَقْلِهِ.رواه الترمذي (1191) ضعفه الترمذي وقال الألباني ضعيف جدا
2-
قالوا : أَنَّهُ مُكَلَّفٌ، وَلِهَذَا يُؤَاخَذُ بِجِنَايَاتِهِ.وأَنَّ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ عُقُوبَةٌ لَهُ.
وأجيب بأن محل التكليف هو العقل وقد أزيل
، وأما عن العقوبة فإنه يعاقب الحد لا يزيد على ذلك 0وَقَدْ حَصَلَ رِضَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ
مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ 0
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
- رَحِمَهُ اللَّهُ في مجموع الفتاوى (33\ 102)
عَنْ " السَّكْرَانِ غَائِبِ الْعَقْلِ " هَلْ يَحْنَثُ إذَا
حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَذِهِ الْمُسَالَةُ فِيهَا " قَوْلَانِ " لِلْعُلَمَاءِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا
يَقَعُ طَلَاقُهُ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ السَّكْرَانِ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ إذَا طَلَّقَ وَهَذَا
ثَابِتٌ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عفان؛ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ الصَّحَابَةِ
خِلَافُهُ فِيمَا أَعْلَمُ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: كَعُمَرِ
بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد: اخْتَارَهَا
طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ
طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ:
كالطَّحَاوِي. وَهُوَ مَذْهَبُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ؛
فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ {مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا جَاءَ إلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى: أَمَرَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يستنكهوه} لِيَعْلَمُوا هَلْ هُوَ سَكْرَانُ؟
أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ سَكْرَانَ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ؛ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ
عُلِمَ أَنَّ أَقْوَالَهُ بَاطِلَةٌ كَأَقْوَالِ الْمَجْنُونِ؛ وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ
وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا فِي الشُّرْبِ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَإِذَا لَمْ
يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ {وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ}
. وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مُحَرَّمًا جَعَلَهُ مَجْنُونًا؛ فَإِنَّ
جُنُونَهُ وَإِنْ حَصَلَ بِمَعْصِيَةِ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ
مِنْ أَقْوَالِهِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ وَمَقَاصِدَهَا تَبَيَّنَ
لَهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّوَابُ وَأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالسَّكْرَانِ
قَوْلٌ لَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا؛ وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ
مِنْ مُحَقِّقِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ كَأَبِي الْوَلِيدِ الباجي وَأَبِي
الْمَعَالِي الجُوَيْنِي - يَجْعَلُونَ الشَّرَائِعَ فِي النَّشْوَانِ فَأَمَّا الَّذِي
عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بِلَا رَيْبٍ. وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا مِمَّنْ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ كَمَا أَنَّهُ لَا
تَصِحُّ صِلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَنْ لَا تَصِحُّ صِلَاتُهُ لَا يَقَعُ
طَلَاقُهُ وَقَدْ قَالَ: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا
مَا تَقُولُونَ} وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
--- ثالثا :
طلاق المكره ؟
وَالْإِكْرَاهُ يَحْصُلُ إمَّا بِالتَّهْدِيدِ أَوْ بِأَنْ يَغْلِبَ
عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَضُرُّهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ بِلَا تَهْدِيدٍ انظر
الفتاوى الكبرى (5\490)
قلت
: تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول
الأول : على وقوع طلاق المكره وهو مذهب أبي حنيفة انظر المغني واستدل أولا - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ حديث
ضعيف سيأتي تخريجه قال أن النية لا اعتبار لها بدليل أن الهازل
واللاعب يقع منهما الطلاق
قال
ابن القيم رحمه الله عن هذا الحديث في عون المعبود (6\188)
وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ
يَرَى طَلَاق الْمُكْرَه لَازِمًا قَالَ لِأَنَّهُ أَكْثَر مَا فِيهِ أَنَّهُ
لَمْ يَقْصِدهُ وَالْقَصْد لَا يُعْتَبَر فِي الصَّرِيح بِدَلِيلِ وُقُوعه مِنْ الْهَازِل
وَاللَّاعِب وَهَذَا قِيَاس فَاسِدٌ فَإِنَّ الْمُكْرَه غَيْر قَاصِد لِلْقَوْلِ وَلَا لِمُوجِبِهِ وَإِنَّمَا
حُمِلَ عَلَيْهِ وَأُكْرِه عَلَى التَّكَلُّم بِهِ وَلَمْ يُكْرَه عَلَى الْقَصْد وَأَمَّا
الْهَازِل فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ بِاللَّفْظِ اِخْتِيَارًا وَقَصَدَ بِهِ غَيْر مُوجِبه
وَهَذَا لَيْسَ إِلَيْهِ بَلْ إِلَى الشَّارِع فَهُوَ أَرَادَ اللَّفْظ الَّذِي إِلَيْهِ
وَأَرَادَ أَنْ لَا يَكُون مُوجِبه وَلَيْسَ إِلَيْهِ فَإِنَّ من باشر سبب لكم بِاخْتِيَارِهِ
لَزِمَهُ مُسَبَّبه وَمُقْتَضَاهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ وَأَمَّا الْمُكْرَه فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا فَقِيَاسه
عَلَى الْهَازِل غَيْرُ صَحِيحٍ انتهى
ثانيا - عَنْ صَفْوَانَ بْنِ
عِمْرَانَ الطَّائِيِّ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ نَائِمًا مَعَ امْرَأَتِهِ فَقَامَتْ فَأَخَذَتْ
سِكِّينًا فَجَلَسَتْ عَلَى صَدْرِهِ وَوَضَعَتِ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ:
لَتُطَلِّقَنِّي ثَلَاثًا الْبَتَّةَ وَإِلَّا ذَبَحْتُكَ، فَنَاشَدَهَا اللَّهَ، فَأَبَتْ
عَلَيْهِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ»
رواه سعيد بن منصور (1130) قلت : هذا الحديث ضعيف
ضعفه الْعُقَيْلِيّ
، وابن الجوزي ، وابن القيم ، وشيخنا مصطفى العدوي ،
القول
الثاني : طَلَاق الْمُكْرَهِ لَا يَقَعُ. رُوِيَ ذَلِكَ
عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَابِرِ
بْنِ سَمُرَةَ. ، وَمَالِك، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، انظر
المغني (7/382) ورجحه شيخنا مصطفى العدوي وهو الراجح والدليل عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا
اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رواه ابن ماجه (2045) وصححه الألباني 0
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (33/110)
عَنْ رَجُلٍ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ؟فَأَجَابَ:
إذَا أُكْرِهَ بِغَيْرِ حَقٍّ
عَلَى الطَّلَاقِ لَمْ يَقَعْ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ: كَمَالِكِ. وَالشَّافِعِيِّ
وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. انتهى
فائدة
- وَهَذَا كُلُّهُ فِي الإِْكْرَاهِ
بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلاَقِ بِحَقٍّ، كَالْمُولِي
إِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الإِْيلاَءِ بِدُونِ فَيْءٍ فَأَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى
الطَّلاَقِ فَطَلَّقَ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالإِْجْمَاعِ انظر الموسوعة الفقهية
(29\18) سيأتي معنى الإيلاء
--- رابعا :
طلاق الصبي ؟
طلاق الصبي
لا يقع حتى يحتلم وهو مذهب جمهور العلماء أي اكثر أهل العلم وقال أحمد رحمه الله (وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلَاقَ، فَطَلَّقَ، لَزِمَهُ)
أي واقع انظر المغني (7/380/381) واستدل عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ طَلاَقٍ
جَائِزٌ، إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ.رواه الترمذي (1191) وضعفه الترمذي وقال
الألباني : ضعيف جدا قلت : الصحيح
لا يقع طلاق الصبي حتى يحتلم والدليل قوله
: صلى الله عليه وسلم «رُفِعَ
الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، وذكر منها وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ الحديث 0
فائدة :البلوغ يحصل بواحد من أربعة أشياء: الأول: الاحتلام عند الرجل
والمرأة،قال ابن حجر رحمه الله وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاحْتِلَامَ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَلْزَمُ بِهِ الْعِبَادَاتُ
وَالْحُدُودُ وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ وَهُوَ إِنْزَالُ الْمَاءِ الدَّافِقِ
سَوَاءٌ كَانَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْيَقَظَةِ أَوِ
الْمَنَامِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَا أَثَرَ لِلْجِمَاعِ فِي الْمَنَامِ
إِلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ
0انظر
فتح الباري (5/277)
والدليل عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: منهم وَعَنِ
الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، رواه أَبُوداود (4403)
وصححه الألباني
الثاني:
السن 0
قال
ابن قدامة : . وَأَمَّا السِّنُّ، فَإِنَّ الْبُلُوغَ بِهِ فِي الْغُلَامِ
وَالْجَارِيَةِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ،
وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ دَاوُد: لَا حَدَّ
لِلْبُلُوغِ مِنْ السِّنِّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ
الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» . وَإِثْبَاتُ
الْبُلُوغِ بِغَيْرِهِ يُخَالِفُ الْخَبَرَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ
أَصْحَابُهُ: سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ.وَرُوِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ فِي الْغُلَامِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا، سَبْعَ عَشْرَةَ،
وَالثَّانِيَةُ، ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. وَالْجَارِيَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ بِكُلِّ
حَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، أَوْ اتِّفَاقٍ، وَلَا
تَوْقِيفَ فِي مَا دُونَ هَذَا، وَلَا اتِّفَاقَ 00 وما ذكره أصحاب أبي حنيفة
ففيما رويناه- أي حديث ابن عمر سيأتي -
جواب عنه. وما احتج به داود لا يمنع إثبات البلوغ بغير الاحتلام إذا ثبت بالدليل.
ولهذا كان إنبات الشعر علماً عليه،.انظر المغني (4/346)
قلت
: قول الشافعي وغيره هو الصحيح والدليل عن نَافِعٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ
عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً،
فَأَجَازَنِي»، قَالَ نَافِعٌ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَهُوَ
خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الحَدِيثَ فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ
الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ
خَمْسَ
عَشْرَةَ» رواه البخاري
(2664)ومسلم (1868)
قَالَ
الْحَافِظُ ابن حجر : وَاسْتدلَّ بِقصَّة بن عُمَرَ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَكْمَلَ
خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ وَإِنْ لَمْ
يَحْتَلِمْ فَيُكَلَّفُ بِالْعِبَادَاتِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَيَسْتَحِقُّ
سَهْمَ الْغَنِيمَةِ وَيُقْتَلُ إِنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَيُفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ
إِنْ أُونِسَ رُشْدُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ
عمر بن عبد الْعَزِيز وَأقرهُ عَلَيْهِ راوية نَافِع وَأجَاب الطَّحَاوِيّ وبن
الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ الْمَذْكُورَةَ
جَاءَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْقِتَالِ وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ
بِالْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ
عَيْنٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادَفَ أَنَّهُ كَانَ
عِنْدَ تِلْكَ السِّنِّ قَدِ احْتَلَمَ فَلِذَلِكَ أَجَازَهُ وَتَجَاسَرَ
بَعْضُهُمْ فَقَالَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِضَعْفِهِ لَا لِسِنِّهِ وَإِنَّمَا
أَجَازَهُ لِقُوَّتِهِ لَا لِبُلُوغِهِ وَيَرِدُ عَلَى ذَلِك مَا أخرجه عبد
الرَّزَّاق عَن بن جريج وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا
مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ فَذَكَرَ هَذَا
الْحَدِيثَ بِلَفْظِ عُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ وَهِيَ زِيَادَةٌ
صَحِيحَةٌ لَا مَطْعَنَ فِيهَا لِجَلَالَةِ بن جُرَيْجٍ وَتَقَدُّمِهُ عَلَى
غَيْرِهِ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ وَقَدْ صَرَّحَ فِيهَا بِالتَّحْدِيثِ فَانْتَفَى
مَا يُخْشَى من تدليسه وَقد نَص فِيهَا لفظ بن عمر بقوله وَلم يرني بلغت وبن
عُمَرَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي قِصَّةٍ
تَتَعَلَّقُ بِهِ انظر فتح الباري (5/279)
الثالث:
إنبات شعر العانة حول الذكر أو الفرج،
قال
ابن قدامة :وَأَمَّا الْإِنْبَاتُ فَهُوَ أَنْ يَنْبُتَ الشَّعْرُ الْخَشِنُ
حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، الَّذِي اسْتَحَقَّ أَخْذَهُ
بِالْمُوسَى، وَأَمَّا الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، فَإِنَّهُ
يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي
قَوْلٍ، 00وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا اعْتِبَارَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَبَاتُ
شَعْرٍ، فَأَشْبَهَ نَبَاتَ شَعْرِ سَائِرِ الْبَدَنِ.انظر المغني (4/345)
قلت
: قول الإمام مالك والشافعي هو الصحيح والدليل
عَنْ عَطِيَّةَ القُرَظِيِّ، قَالَ: «عُرِضْنَا عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ
يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخُلِّيَ
سَبِيلِي»:رواه الترمذي (1584) وقال حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم
أنهم يرون الإنبات بلوغا إن لم يعرف احتلامه ولا سنه وهو قول أحمد وإسحق انتهى وصححه الألباني
قَالَ
ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع 9/299
أن
ينبت حول قُبُله شعر خشن ـ سواء كان ذكراً أو أنثى ـ أي: قوي صلب، احترازاً من
الشعر الناعم الخفيف، فهذا يحصل حتى لابن عشر أو أقل، لكن الشعر الخشن القوي
الصلب، هذا علامة البلوغ، فلو نبتت لحيته ولم تنبت عانته فليس ببالغ، فالعبرة هي
نبات العانة، والدليل حديث عطية القرظي «أنهم عرضوا على النبي صلّى الله عليه
وسلّم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لا فلا»
، وهذا يكون قرينة على أن هذا هو البلوغ.وقوله: «نبت» ظاهره أنه نبت بدون
علاج، أما لو كان هناك علاج بأن ادهن هذا الصبي بدهن ينبت به الشعر، فإنه لا يحصل
البلوغ بذلك؛ لأن هذه معالجة، لكن إذا نبت بالطبيعة فهذا يحصل به البلوغ.
رابعا
: الحيض عند المرأة :
والدليل
: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» رواه أبو داود (641) وقال الترمذى: حديث حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبى.والألباني
إنما
أراد به النبي صل الله عليه وسلم من بلغت المحيض.
قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفَرَائِضَ وَالْأَحْكَامَ تَجِبُ عَلَى
الْمُحْتَلِمِ الْعَاقِلِ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ بِظُهُورِ الْحَيْضِ مِنْهَا.انظر
المغني (4/345)
فنلخص
مما سبق علامات البلوغ هي أربعة الأولى: الاحتلام
إنزال المني يقظة أو مناماً.الثانية: بلوغ تمام خمسة عشر سنة. الثالثة: نبات الشعر الخشن حول الفرج وتزيد
الأنثى علامة رابعة وهي الحيض فهذه هي علامات البلوغ إذا وجد واحدة منها
فنقول: إن هذا الصبي أو هذه الفتاة قد بلغا سن التكليف.
قال
ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع 4/224
ويحصُلُ
البلوغُ بواحدٍ مِن أمورٍ ثلاثةٍ بالنسبة للذُّكورِ وهي:
1
ـ تمامُ خمس عشرة سَنَةً.
2
ـ إنباتُ العَانةِ.
3
ـ إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً.
فإذا
وُجِدَ واحدٌ مِن هذه الأمورِ الثلاثةِ صارَ الإِنسانُ بالغاً. والمرأةُ تزيدُ على
ذلك بأمرٍ رابعٍ وهو الحيضُ، فإذا حاضت ولو لعشرِ سنواتٍ فهي بالغةٌ.
--- خامسا : طلاق الغضبان ؟
المعلوم أن الغضبان لا يؤاخذ بما صدر منه ، قال الله
تعالى وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى
إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا
خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ
وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ سورة الأعراف( 150)
أقسام الغضب ؟
تكلم العلماء في وقوع طلاق الغضبان والتحقيق أن الغضب
ينقسم الى ثلاثة أقسام 0
قال ابن القيم في زاد المعاد (5/195)
وَالْغَضَبُ
عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ، فَلَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ
بِمَا قَالَ، وَهَذَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِلَا نِزَاعٍ.
وَالثَّانِي:
مَا يَكُونُ فِي مَبَادِيهِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ تَصَوُّرِ مَا يَقُولُ
وَقَصْدِهِ، فَهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ.
الثَّالِثُ:
أَنْ يَسْتَحْكِمَ وَيَشْتَدَّ بِهِ، فَلَا يُزِيلُ عَقْلَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَكِنْ
يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِيَّتِهِ بِحَيْثُ يَنْدَمُ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ إِذَا
زَالَ، فَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ، وَعَدَمُ الْوُقُوعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوِيٌّ
مُتَّجِهٌ.انتهى قلت : القسم الثالث فيه خلاف بين العلماء فمنهم من قال : الطلاق يقع
، وهو قول : أكثر أهل العلم ، ومنهم من قال : لا يقع وهو الراجح وهو اختيارشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ،
ورجحه ابن باز ، وابن عثيمين ، وشيخنا
مصطفى العدوي ، والدليل عن عَائِشَةُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا طَلَاقَ، وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ رواه
ابن ماجة (2046) حديث حسن وحسنه
الألباني قال أحمد وأبوداود وغيرهما أن معنى الْإِغْلَاق الغضب انظر زاد المعاد (5/195) وقال الله تعالى (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ
بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ
يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ) سورة الأعراف( 150) وجه الاستشهاد بالآية الكريمة على
عدم وقوع طلاق الغضبان من ناحية عدم مؤاخذة موسى عليه السلام بما صدر منه أثناء غضبه
من القاء الألواح فكذلك فليكن أمر الغضبان
بالنسبة للطلاق 0
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله
عمن تسيء إليه زوجته وتشتمه، فطلقها في حال الغضب فأجاب:
"إذا كان الطلاق المذكور وقع منك في حالة شدة الغضب وغيبة الشعور، وأنك لم تدرك نفسك، ولم تضبط أعصابك،
بسبب كلامها السيئ وسبها لك وشتائمها ونحو ذلك، وأنك طلقت هذا الطلاق في حال شدة الغضب وغيبة الشعور، وهي معترفة بذلك، أو لديك من يشهد
بذلك من الشهود العدول، فإنه لا يقع الطلاق؛ لأن الأدلة الشرعية دلت على أن شدة الغضب - وإذا كان معها غيبة الشعور كان أعظم - لا يقع
بها الطلاق.
ومن ذلك: ما رواه أحمد وأبو
داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا طلاق
ولا عتاق في إغلاق) .
قال جماعة من أهل العلم:
الإغلاق: هو الإكراه أو الغضب؛ يعنون بذلك الغضب الشديد، فالغضبان قد أغلق عليه غضبُه قصدَه، فهو شبيه بالمعتوه والمجنون
والسكران، بسبب شدة الغضب، فلا يقع طلاقه. وإذا كان هذا مع تغيب الشعور وأنه لم يضبط ما يصدر منه
بسبب شدة الغضب فإنه لا يقع الطلاق.
والغضبان له ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: حال يتغيب
معها الشعور، فهذا يلحق بالمجانين، ولا يقع الطلاق عند جميع أهل العلم.
الحال الثانية: وهي إن اشتد
به الغضب، ولكن لم يفقد شعوره، بل عنده شيء من الإحساس،
وشيء من العقل، ولكن اشتد به الغضب حتى ألجأه إلى الطلاق، وهذا النوع لا يقع به الطلاق أيضاً على الصحيح.
والحال الثالثة: أن يكون
غضبه عادياً ليس بالشديد جداً، بل عادياً كسائر الغضب الذي يقع من الناس، فهو ليس بملجئ، وهذا النوع
يقع معه الطلاق عند الجميع " انتهى من فتاوى الطلاق ص 19- 21، جمع: د. عبد الله
الطيار، ومحمد الموسى.
---
سادسا : طلاق الهازل ؟
قلت : ذهب أكثر أهل العلم - منهم الشافعية
والحنفية إلى أن طلاق الهازل يقع انظر نيل الأوطار (6\278) واستدلوا : عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ
جَدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ،
وَالرَّجْعَةُ "رواه أبو داود (2194) هذا الحديث حسنه
الألباني ولكن الصحيح انه حديث ضعيف ضعفه ابن حزم في المحلى (9/ 266)، وابن القطان
في بيان الوهم (3/ 510) وابن العربي في عارضة الأحوذي (5/ 156)، والذهبي في التلخيص
(2/ 198) حيث تعقب الحاكم في تصحيحه.وضعفه شيخنا مصطفى العدوي 0
قال
الأستاذ الفاضل مراد شكري في كتابه " المنخلة النونية في فقه الكتاب والسنة النبوية
وشرحها " (161):
"
وشواهده لا تنهض لتصحيحه؛ لسببين:
الأول:
ضعفها الشديد.والثاني: عدم كونها في محل الشاهد؛ ففرق بين قوله: " ثلاث هزلهنَّ
جدٌّ "، وقوله: " ثلاث لا يُلعَب بهن "؛ فالأولى إثبات للطلاق، والثانية
نهي عن اللعب فيه، والنهي لا يفيد الوقوع، بل يفيد الإثم فقط " أ. هـ.
قال
ابن عثيمين في الشرح الممتع (13\63) قوله: «جاد أو هازل» يعني أنه يقع من الجاد ومن
الهازل، والفرق بينهما أن الجاد قصد اللفظ والحكم، والهازل قصد اللفظ دون الحكم، فالجاد
طلق زوجته قاصداً اللفظ وقاصداً الحكم وهو الفراق، وأما الهازل فهو قاصد للفظ غير قاصد
للحكم، يقول مثلاً: أنا أمزح مع زوجتي، فقلت: أنت طالق، أو ما أشبه ذلك، وما قصدت أنها
تطلق، فنقول: الحكم يترتب عليه؛ لأن الصيغة وجدت منك، وهي أنت طالق، أو زوجتي مطلقة،
أو ما أشبه ذلك، والحكم إلى الله، فما دام وجد لفظ الطلاق من إنسان عاقل، يعقل ويميز
ويدري ما هو، فكونه يقول: أنا ما قصدت أنه يقع، فهذا ليس إليه بل إلى الله، هذا من
جهة التعليل والنظر، أما من جهة الأثر فحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى
الله عليه وسلّم: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة» ، وفي رواية: «والعتق» .
وقال بعض أهل العلم: إنه
لا يقع الطلاق من الهازل، وكيف يقع الطلاق من الهازل وهو لم يرِدْه، إنما أراد اللفظ
فقط؟!
وشنَّعوا على من قال بوقوع
طلاق الهازل، فقالوا: أنتم تقولون: إنه هَزْلٌ، ليس بجد، فهو يضحك ويمزح، فكيف تقولون:
يقع، وتعاملونه معاملة الجد؟!ولكن الرد على هؤلاء أن نقول: إننا ما قلنا إلا ما دل
عليه الدليل، والحديث صححه بعضهم وحسنه بعضهم، ولا شك أنه حجة فنحن نأخذ به، وهو قول
عامة الأمة، ثم إن النظر يقتضيه؛ لأننا لو أخذنا بهذا الأمر، وفتحنا الباب لكان كل
واحد يدعي هذا، لا يبقى طلاق على الأرض.
فالصواب: أنه يقع سواء كان
جادّاً أو هازلاً، ثم إن قولنا بالوقوع فيه فائدة تربوية، وهي كبح جماح اللاعبين، فإذا
علم الإنسان الذي يلعب بالطلاق وشبهه أنه مؤاخذ به فما يقدم عليه أبداً، والقول بأنه
غير مؤاخذ به لا شك أنه يفتح باباً للناس، وتتخذ آيات الله هزواً انتهى
قال
الشوكاني في نيل الأوطار (6\278)
وَالْحَدِيثُ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تَلَفَّظَ هَازِلًا بِلَفْظِ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ رَجْعَةٍ
أَوْ عَتَاقٍ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ.
أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ
وقالا: أحمد ومالك: إنَّهُ يَفْتَقِرُ اللَّفْظَ
الصَّرِيحَ إلَى النِّيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَزَمُوا
الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَدَلَّتْ الآية
عَلَى اعْتِبَارِ الْعَزْمِ وَالْهَازِلُ لَا عَزْمَ مِنْهُ.قال الشوكاني رحمه
الله : وَأَجَابَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فَقَالَ:
يُعْتَبَرُ الْعَزْمُ فِي غَيْرِ الصَّرِيحِ لَا فِي الصَّرِيحِ فَلَا يُعْتَبَرُ.
وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ عَلَى تِلْكَ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ أَصْلِهِ
فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْجَمْعِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى انظر نيل الأوطار (6\278)
قلت : واستدلوا أيضا
بقوله صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، متفق عليه قلت : طلاق الهازل لا
يقع لضعف حديث أبي هريرة لو صح لقلت به : قال النبي صل الله عليه وسلم «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، والهازل لا عزم له ولا
نية
والله أعلم
قال
الشيخ محمد بن أبراهيم موسوعة الفقه الإسلامي (4\186)
الهازل: هو الذي يتكلم ولا
يقصد الحقيقة كأن يطلق زوجته هازلاً ولاعباً، فهذا آثم، ويقع طلاقه إن قصد الطلاق،
فإن لم يقصد الطلاق فلا يقع؛ لأن الطلاق عمل يفتقر إلى نية، والهازل لا عزم له ولا
نية.انتهى
-- سابعا : طلاق السفيه ؟
-- سابعا : طلاق السفيه ؟
. السَّفَهُ: خِفَّةٌ فِي الْعَقْل تَدْعُو إِلَى
التَّصَرُّفِ بِالْمَال عَلَى غَيْرِ وَفْقِ الْعَقْل وَالشَّرْعِ
طلاق
السفيه يقع وذلك لأنه لم يرد دليل من كتاب ولا سنة على استثناء السفيه من سائر
الرجال الذين يقع طلاقهم 0
قال
ابن قدامة في المغني (7/382)
فَأَمَّا
السَّفِيهُ، فَيَقَعُ طَلَاقُهُ،
فِي قَوْلِ أَكْثَرِ رَأْي أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَمَنَعَ مِنْهُ عَطَاءٌ.
وَالْأَوْلَى صِحَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، مَالِكٌ لِمَحَلِّ الطَّلَاقِ، فَوَقَعَ
طَلَاقُهُ كَالرَّشِيدِ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَهُ
فِي غَيْرِ مَا هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ، كَالْمُفْلِسِ.انتهى
---
ثامنا : طلاق المريض ؟
ذهب
عثمان بن عفان ، ومالك ، وأبو حنيفة انظر
الفقه الميسر (3\61) إلى عدم وقوع طلاق
المريض ودليلهم أن المريض طلق حال مرضه حتى يمنع الميراث عن الزوجه وذهب ابن
الزبير والشافعي وابن حزم انظر المحلى (9\486)
والفقه الميسر (3\61)إلى أن طلاق المريض يقع شأنه شأن غيره من المطلقين
ولأنه ِ لم يرد في طلاق المريض نص من كتاب ولا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم
وأما من كانت نيته من الطلاق أن لا ترثه الزوجة فهو آثم وحسابه عند ربه وهذا هو
الراجح والله أعلم
قال
شيخنا مصطفى العدوي في أحكام النساء (5\473)
إذا
طلق المريض زوجته في مرض موته آخر ثلاث تطليقات ( أي طلقها طلاقا مبتوتا ) ، أو
طلقها قبل البناء بها أثناء مرض موته ، فهل يقع ذلك الطلاق أو لا يقع ؟ وهل ترثه
المطلقة أو لا ترثه ؟ ابتداء لا أعلم في طلاق المريض نصا خاصا من كتاب الله ، ولا
من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم اختلف أهل العلم في ذلك ، فمنهم من
ذهب إلى أن هذا الطلاق يقع ، شأنه شأن غيره من المطلقين ، إذ لا دليل على التفريق
بين المريض وغيره 0 ومن أهل العلم من رأي أن هذا الطلاق لا يقع ، وذلك لأن الطلاق
في المرض قرينة تدل على أن المريض إنما فر من توريث زوجته ، فإذا كان ذلك كذلك فهو
لها ظالم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، قالوا
: يارسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال : تاخذ فوق يديه - أخرجه البخاري (2444) من حديث أنس رضي
الله عنه مرفوعا -والذي يظهر لي – والله تعالى أعلم – أن طلاق المريض يقع شأنه شأن
غيره ، أما التعليل لعدم إيقاع الطلاق بأنه يظن أنه يريد ظلم امرأته والفرار من
توريثها ، فهذا الظن لا ينبغي أن تبطل به الأحكام الشرعية ، ثم إن هذا الظن أيضا
موجود في حال صحته وقوته ، فلو طلقها في حال صحته وقوته وصرح وقال : أريد تطليقها
حتى لا ترث مني شيئا ، فهل هذا يكون مبررا لعدم إيقاع الطلاق منه في حال صحته ؟
أما
قول بعض الصحابة فقد عورض بقول صحابة آخرون منهم رضي الله عنهم أجمعين ، والعلم
عند الله تعالى 0
---
تاسعا : الطلاق قبل النكاح :
إذا قال رجل لامرأة إذا تزوجتك فأنت طالق
ثم تزوجها فالطلاق لا يقع والدليل : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ رواه ابن ماجه (2048) حسنه ابن حجر والبوصيرى وصححه الألباني قلت : وهو مذهب الجمهور – أي أكثر أهل العلم -وهو قول الشافعي وبن مَهْدِيٍّ
وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ
وَقَالَ بِالْوُقُوعِ مُطْلَقًا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وقال بالتفصيل ربيعة
والثوري والليث والأوزاعي وبن أبي ليلى وبن مَسْعُودٍ وَأَتْبَاعُهُ وَمَالِكٌ فِي
الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَعَنْهُ عدم الوقوع مطلقا ولو عين وعن بن الْقَاسِمِ مِثْلُهُ
وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ وَكَذَا عَنِ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ جُمْهُورُ
الْمَالِكِيَّةِ بِالتَّفْصِيلِ فَإِنْ سَمَّى امْرَأَةً أَوْ طَائِفَةً أَوْ
قَبِيلَةً أَوْ مَكَانًا أَوْ زَمَانًا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ إِلَيْهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ
وَالْعِتْقُ انظر تحفة الاحوذي (4\ 299)
في اللجنة الدائمة (20\191)
س: تقدمت لخطبة فتاة وهي ابنة عمي، وقد وافق عمي على ذلك وقال لي: هي لك. وقلت أنا:
قبلت ذلك وتسلم على كل حال. ولكن لم يحضر شيخ يكتب عقد الزواج، وبعد ذلك حلفت بالطلاق
عدة مرات، ولكن بدون قصد مني، ولم أكن أحلف بالطلاق؛ لأني خاطب هذه الفتاة، ولكن بجهالة
مني فهل ينفذ طلاقي أم أنه لا بد من عقد الزواج؟
ج: الطلاق قبل العقد لا يقع؛
لأنه لا يصح إلا من زوج، والخاطب الذي لم يعقد النكاح ليس زوجا، فلا يصح طلاقه ولا
يقع؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» ولقوله -صلى الله عليه
وسلم-: «لا طلاق إلا بعد نكاح » وهذا الكلام الذي حصل بينك
وبين عمك لا يثبت به النكاح، فإن من شرط صحة النكاح: رضا المخطوبة بالنطق أو بالسكوت
إن كانت بكرا، وحضور شاهدين يشهدان على الإيجاب والقبول. وبالله التوفيق، وصلى الله
على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
---
عاشرا : إذا طلق في نفسه ؟
إذا طلق في نفسه ولم
يتلفظ بالطلاق فان الطلاق لا يقع والدليل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ
بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ
تَتَكَلَّمْ» قَالَ قَتَادَةُ: «إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ
رواه البخاري (5269) ومسلم (127) عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ قَالَا مَنْ طَلَّقَ
سِرًّا فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ طَلَاقُهُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَهَذَا قَول الْجُمْهُور-
قلت: منهم أبو حنيفة والشافهي وأحمد- وَخَالفهُم بن سِيرِين وبن شِهَابٍ فَقَالَا تَطْلُقُ
وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِك – قلت : عمرو والحديث حجة عليهم- انظر فتح الباري
(9\394)
--- الحادى عشر: طلاق الغائب ؟
إذا كان الرجل غائبا عن
زوجته وأرسل اليها بالطلاق كتابة هل يقع طلاقه أم لا ؟ اختلف العلماء في ذلك قال :
- أكثر أهل العلم- منهم َأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ
–وأحمد- انظر المغني (7\ 486) أن طلاق الغائب
يقع مع النية فإن لم ينو الطلاق لم يقع وهو الراجح والدليل عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ رواه مسلم (1480) وقال ابن حزم في
المحلى لا يقع (9/454) والحديث حجة عليه
قال : الْخَرَشِيّ في شرحه لمختصر خليل المالكي (4\49)
يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَتَبَ إلَى زَوْجَتِهِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهُوَ
عَازِمٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهِ
بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَيُنَزَّلُ كَتْبُهُ لِلَفْظِ الطَّلَاقِ
مَنْزِلَةَ مُوَاجَهَتِهَا بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْكِتَابَةِ: إذَا جَاءَكِ كِتَابِي
فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهُ وَوَصَلَ إلَيْهَا أَوْ
لَمْ يُخْرِجْهُ انتهى
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
رجل كان جالسا مع أخته وزوجته فطلب من أخته أن تجيء بالقلم فكتب على ورقة:
طلاق طلاق بغير إضافة إلى أحد فغضبت أخته وأخذت القلم ثم كتبت ثلاث مرات طلاق طلاق
طلاق ثم ألقى الورقة إلى امرأته وقال لها: انظري هل صحيح ما كتبت؟ وهو لم يرد كتابة
هذه الألفاظ لامرأته.
فأجاب: " هذا الطلاق
غير واقع على المرأة المذكورة إذا كان لم يقصد به طلاقها , وإنما مجرد الكتابة أو أراد
شيئا آخر غير الطلاق , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات. .
.) الحديث.
وهذا قول جمع كثير من أهل
العلم وحكاه بعضهم قول الجمهور , لأن الكتابة في معنى الكناية , والكناية لا يقع بها
الطلاق إلا مع النية في أصح قولي العلماء، إلا أن يقترن بالكتابة ما يدل على قصد إيقاع
الطلاق فيقع بها الطلاق.والحادثة المذكورة ليس فيها ما يدل على قصد إيقاع الطلاق والأصل
بقاء النكاح والعمل بالنية " انظر سؤال وجواب (6\ 1401).
فائدة
: اشترط بعض أهل العلم الإشهاد على الكتاب بشاهدين
قال
ابن قدامة في المغني (7/488)وَلَا يَثْبُتُ الْكِتَابُ بِالطَّلَاقِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، أَنَّ هَذَا
كِتَابُهُ قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ فِي امْرَأَةٍ أَتَاهَا كِتَابُ زَوْجِهَا
بِخَطِّهِ وَخَاتَمِهِ بِالطَّلَاقِ: لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهَا شُهُودٌ
عُدُولٌ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ شَهِدَ حَامِلُ الْكِتَابِ؟ قَالَ: لَا، إلَّا شَاهِدَانِ
فَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ حَامِلِ الْكِتَابِ وَحْدَهُ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ غَيْرُهُ؛
لِأَنَّ الْكُتُبَ الْمُثْبِتَةَ لِلْحُقُوقِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، كَكِتَابِ
الْقَاضِي انتهى
--- الثاني عشر : الاستثناء في الطلاق
:
معنى الاستثناء أن يقول رجل لزوجته أنت طالق إن شاء الله هل يقع
طلاق ؟
قلت
: الصحيح لا يقع وينفعه الِاسْتِثْنَاء وهو مذهب - طاووس وحماد - وأبي حنيفة والشافعي
ورواية عن أحمد وابن حزم انظر المغني (7/357) والمحلى(9/484) ورجحه شيخنا مصطفى
العدوي0
والدليل 1- أن الاستثناء في الطلاق داخل في عموم
حديث ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى
يَمِينٍ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ رواه الترمذي (1531) وقال الترمذي حَدِيثُ
ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.وصححه الحاكم والذهبي والألباني فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ أَيْ: فَلَا يَمِينَ لَهُ
2-
قال ابن حزم في المحلى (9/484)
وَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ،
أَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ
لَا يَشَاءَ اللَّهُ -: فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا يَقَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
طَلَاقٌ.
بُرْهَانُ
ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ
غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] .
وَقَالَ
تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30]
وَنَحْنُ
نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ إمْضَاءَ هَذَا الطَّلَاقِ لَيَسَّرَهُ
لِإِخْرَاجِهِ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ.فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ وُقُوعَهُ
إذْ يَسَّرَهُ لِتَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَتِهِ - عَزَّ وَجَلَّ انتهى- قالوا: إن هذا تعليق على مستحيل، والتعليق على
المستحيل مستحيل، فلا يقع الطلاق أبداً؛ ووجه كونه مستحيلاً: أننا لا نطلع على مشيئة
الله إلا بعد وقوع ما يقع، فأنت لا تعلم أن الله أراد لك شيئاً إلا إذا وقع، وقبل وقوعه
لا تدري أن الله شاءه أم لا.
3- عن الثوري - في رجل قال
لامرأته: أنت طالق إن شاء الله تعالى - قال: قال طاووس وحماد: «لا يقع عليها الطلاق
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11326) وصححه
شيخنا مصطفى العدوي0
وذهب مالك وأحمد في
رواية قالوا يقع الطلاق لا ينفعه الاستثناء انظر المغني (7\357) وهو اختيار ابن
تيمية ودليلهم 1- (قال ابن عباس: " إذا قال الرجل لامرأته:
أنت طالق إن شاء الله فهى طالق " (2/251) .
قال
الألباني لم أره عن ابن عباس من قوله. وإنما أخرجه ابن أبى شيبة فى " المصنف
" (7/88/1) عن الحسن وهو البصرى قال: " إذا قال لامرأته: هى طالق إن شاء الله فهى طالق , وليس استثناؤه بشىء
" وإسناده صحيح. والمروى عن ابن عباس مرفوعا خلافه , رواه إسحاق بن أبى يحيى الكعبى عن
عبد العزيز بن أبى رواد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " من قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله , أو غلامه حر
إن شاء الله أو عليه المشى إلى بيت الله إن شاء الله , فلا شىء عليه ".أخرجه ابن
عدى فى " الكامل " (16/2) وعنه البيهقى (7/361) وقالا:وهذا الحديث بإسناده
منكر , ليس يرويه إلا إسحاق الكعبى انظر الإرواء (2071)
2-
عن ابْن عُمَرَ، وَأَبُي سَعِيدٍ قَالَا: كُنَّا مَعَاشِرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَرَى الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزًا فِي كُلِّ شَيْءٍ،
إلَّا فِي الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ. ضعيف قال صاحب صحيح فقه السنة (3/308) لم اجده
مسندا وقد ذكره ابن قدامة في المغني
قلت
: الصحيح لا يقع ؟
فائدة
: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
– ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ –عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ اسْتَثْنَى بَعْدَ
هُنَيْهَةٍ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَلَامُ؟
فَأَجَابَ:لَا يَقَعُ فِيهِ
الطَّلَاقُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَالْحَالُ هَذِهِ. وَلَوْ قِيلَ لَهُ: قُلْ:
إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ وَلَوْ لَمْ يَخْطُرْ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ
إلَّا لِمَا قِيلَ لَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انظر مجموع الفتاوى (33\238)
قلت : والدليل على كلام
ابن تيميه رحمه الله 1- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا»، ثُمَّ قَالَ: «إِنْ شَاءَ اللَّهُ»،رواه أبوداود(3285)
وصححه ابن حبان (4343) والألباني
2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: " قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: لَأَطُوفَنَّ
اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ المَلَكُ: قُلْ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ، فَأَطَافَ بِهِنَّ،
وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ " قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ رواه البخاري (5242) ومسلم (1654)
---
الثالث عشر -
طلاق
الكافر هل يقع ؟
بمعنى
إذا طلق زوجته وهو كافر ثم أسلم فهل يحسب عليه تطليقة في كفره أم لا
َقلت:
لا يقع طلاق الكافر ولا يحسب عليه وهو مذهب مالك وابن حزم وبه قال الْحَسَنِ، وَرَبِيعَةَ ، وَأَبِي سُلَيْمَان
انظر المحلى (9\462) ورجحه شيخنا مصطفى
العدوي وقال جمهور العلماء يقع طلاق الكافر ويحسب عليه دليلهم : 1- قالوا أن
الكافر مخاطب بفروع الشريعة على الراجح 2- قالوا بالقياس على النكاح ، فقالوا :
كما أن نكاحه كان صحيحا ، فليكن كذلك طلاقه 0 وأجيب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم
أقر أنكحة من أسلم من أصحابه ولم يأمر بعقد جديد ، لكن لم يرد أنه عليه الصلاة
والسلام اعتد بتطليقهم أثناء شركهم ولا سألهم عن ذلك 0 قلت : الصحيح لا يقع طلاق
الكافر والدليل 1-قال الله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ
لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِين )
سورة الانفال (38)
2-
حديث عمرو بن العاص مرفوعا الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَه رواه
مسلم (121)
3-
أنه
أسلم رجال على عهد النبي صل الله عليه وسلم ولم يكن يسألهم عن عدد تطليقاتهم قبل
الاسلام وترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يتنزل منزلة العموم من المقال
قال
ابن حزم في المحلى (9\461)
وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْرِكَ طَلَاقُهُ، ثم قال : بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ
أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ
اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1]فَصَحَّ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَنَّ
كُلَّ مَنْ عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، أَوْ رَسُولُهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ.وَلَا
شَكَّ فِي أَنَّ الْكَافِرَ مَأْمُورٌ بِقَوْلِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ، مُلْزَمٌ ذَلِكَ، مُتَوَعَّدٌ عَلَى تَرْكِهِ بِالْخُلُودِ بَيْنَ
أَطْبَاقِ النِّيرَانِ فَكُلُّ كَلَامٍ قَالَهُ، وَتَرَكَ الشَّهَادَةَ الْمَذْكُورَةَ:
فَقَدْ وَضَعَ ذَلِكَ الْكَلَامَ غَيْرَ مَوْضِعِهِ، فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ.ثم
قال فَبَقِيَ الطَّلَاقُ لَمْ يَأْتِ فِي إمْضَائِهِ نَصٌّ: فَثَبَتَ عَلَى أَصْلِهِ
الْمُتَقَدِّمِ.
---
الرابع عشر –
إذا شك في الطلاق ؟
إذا شك هل طلق امرأته
أم لا لم تطلق لأن الأصل بقاء النكاح واليقين لا يزال إلا بيقين
قال ابن قدامة في "المغني"(7/492)
:
مَنْ شَكَّ فِي طَلَاقِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُهُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ
بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِشَكٍّ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
زَيْدٍ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
الرَّجُلِ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا
يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ
بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَاطِّرَاحِ الشَّكِّ وَلِأَنَّهُ شَكٌّ طَرَأَ عَلَى
يَقِينٍ فَوَجَبَ اطِّرَاحُهُ كَمَا لَوْ شَكَّ الْمُتَطَهِّرُ فِي الْحَدَثِ أَوْ
الْمُحْدِثُ فِي الطَّهَارَةِ، انتهى بتصرف
قال الشيخ ابن عثيمين في
الشرح الممتع (13\171)
والشك في الطلاق لا عبرة
به؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ودليل ذلك حديث عبد الله بن زيد ـ رضي الله عنه ـ في الرجل
يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «لا ينصرف حتى
يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» ، فالأصل بقاء طهارته إلا بدليل؛ لأنه كان في الأول متيقناً
للطهارة ثم شك في الحدث، والشك لا يزيل اليقين، وهذا الدليل هو الأصل في هذا الباب.
أما التعليل: فإن الأصل بقاء
ما كان على ما كان، وعدم التغير، وأن الأمور باقية على ما هي عليه، ولهذا قال الله
عزّ وجل: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}
[النساء: 6] ، لأنك لو لم تشهد لزمك المال؛ لأن الأصل بقاؤه عندك وعدم دفعه، فعندنا
أصل من السنة، وقاعدتان فقهيَّتان، وهما: «الأصل بقاء ما كان على ما كان» ، فما دام
النكاح موجوداً فالأصل بقاؤه، والثانية: «أن اليقين لا يزول إلا بيقين» بناء على هذا
يقول المؤلف: «من شك في طلاق أو شرطه لم يلزمه» شك في طلاق، يعني قال: ما أدري، هل
طلقت زوجتي أو لا؟ فلا يلزمه الطلاق، والدليل ما سبق.وهذا ـ نسأل الله السلامة ـ يُبتلى
به بعض الناس فيحصل عنده وسواس في طلاق زوجته، حتى إن بعض الناس ـ نسأل الله أن يعافينا
ـ يقول: إني قلت: إن فتحت الكتاب فزوجتي طالق، ثم إذا فتحه قال: لا، أخاف إني قلت:
إن لم أفتحه فزوجتي طالق!! فكلما حصل أدنى شيء قال: إني قد علقت طلاق زوجتي على هذا
الشيء، فيحصل عنده من التردد والخوف ما يفسد عليه حياته الزوجية، وهذا لا شك أنه بلوى،
لكن دواؤها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وكثرة قراءة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
الْفَلَقِ *} [الفلق] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *} [الناس] ، فمن كثرت شكوكه
في ذلك فلا عبرة بشكه؛ لأنه وسواس، والوسواس لا يقع به الطلاق انتهى
---
الخامس عشر - هل تحريم المرأة يقع طلاقا ؟
إذا
قال لامرأته : أنت على حرام هل يقع طلاقا ؟
قلت
اختلف الفقهاء في هذه المسألة اختلافا كثيرا تفرغت إلى عشرين مذهبا وأقرب الأقوال
أربعة : الأول : إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ كَانَ
يَمِينًا، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ
الْحَسَنِ، انظر نيل الأوطار (6/314) ورجحه ابن باز وابن عثيمين رحمهم الله ، وَحُجَّةُ
هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ نَوَاهُ كَانَ طَلَاقًا،
وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ كَانَ يَمِينًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ: {تَحِلَّةَ
أَيْمَانِكُمْ} [التحريم2]
القول
الثاني :يقع ظهارا نوى الظهار أو لم ينوه ويكون فيه كفارة ظهار :. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ:
صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَوَهْبِ بْنِ
مُنَبِّهٍ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ
وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
جَعَلَ التَّشْبِيهَ بِمَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ ظِهَارًا، فَالتَّصْرِيحُ بِالتَّحْرِيمِ
أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذَا أَقَيْسُ الْأَقْوَالِ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُكَلَّفِ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ، وَإِنَّمَا
ذَلِكَ إلَيْهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ مُبَاشَرَةَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ
الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ، فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ
أُمِّي، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَدْ قَالَ الْمُنْكَرَ مِنْ الْقَوْلِ وَالزُّورِ
وَكَذَبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ
وَلَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ حَرَامًا فَقَدْ أَوْجَبَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْمُنْكَرِ
وَالزُّورِ أَغْلَظَ الْكَفَّارَتَيْنِ وَهِيَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ.انظر نيل الأوطار (6/314) قلت : وأجيب فلو كان صحيحا لكفر النبي صلى الله عليه
وسلم بكفارة الظهار ، ولو فعل لاشتهر عنه ذلك ، فدل على أنه لم يفعل
القول
الثالث : أَنَّهُ يَمِينٌ يُكَفِّرُ عنه بكفارة الْيَمِين سواء نوى الطلاق أو غيره قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ:
صَحَّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ
وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعِكْرِمَةَ
وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ
بْنِ يَسَارٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَنَافِعٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ
وَأَبِي ثَوْرٍ وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ، انظر نيل الأوطار (6/314) ورجحه شيخنا مصطفى العدوي
، وكان الأول مرجح القول الرابع 0
وَحُجَّةُ
هَذَا الْقَوْلِ 1- قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ
أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ
وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ] سورة التحريم (2)
2-
وسبب نزول الآية : تحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه احتباسه عند بعض نسائه
وشرب العسل 0
فعن
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ
عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ
عَلَى، أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، إِنِّي
أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، قَالَ: «لاَ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَلَنْ
أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ، لاَ تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا»
وفي رواية فَنَزَلَتْ: {يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] {إِنْ تَتُوبَا إِلَى
اللَّهِ} [التحريم: 4 رواه البخاري (4912\5267) ومسلم (1474)
3-
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ: «يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا»، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب:
21] رواه مسلم (1473)
القول
الرابع : أنه لَغْوٌ وَبَاطِلٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ،لا طلاق ولا يمين وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَبِهِ قَالَ مَسْرُوقٌ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ
وَدَاوُد وَجَمِيعُ أَهْلِ الظَّاهِرِانظر نيل الأوطار (6/313) قال ابن حزم في
المحلى (9/302)
وَمَنْ
قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: كَالْمِيتَةِ،
وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، أَوْ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ
وَكَذِبٌ، وَلَا تَكُونُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَامًا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ
- نَوَى بِذَلِكَ طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ.انتهى
وَاسْتَدَلُّوا 1- بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ
أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ} [النحل: 116] فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ - الْحَلَالِ لَهُ بِحُكْمِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ هِيَ حَرَامٌ، فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى، وَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ حَرَامًا
بِقَوْلِهِ، لَكِنْ بِالْوَجْهِ الَّذِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ انظر
المحلى (9/307)
2-
عن ابْنَ عَبَّاسٍ، قال : «إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ» وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} رواه البخاري (5266) وقد حمل هذا اللفظ
على لفظ مسلم السابق بأن المراد بقوله ليس بشيء ، أي ليس بطلاق فلا ينبغي أن يكون
يمينا والله أعلم
قال
الصنعاني : رحمه الله في سبل السلام (2\ 260)
قال
: عن حديث ابن عباس السابق- وَفِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ
الزَّوْجَةِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ
كَمَا دَلَّتْ لَهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فَمُرَادُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لَيْسَ بِطَلَاقٍ
لَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ أَصْلًا، وَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ هَذَا
الْحَدِيثَ بِلَفْظِ " وَإِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ
يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا "فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ
أَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ انتهى
3-
حديث عائشة السابق 0قال ابن حجر في فتح
الباري (9/378)
وَاسْتَدَلَّ
الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ بِقَوْلِهِ
حَلَفْتُ فَتَكُونُ الْكَفَّارَةُ
لِأَجْلِ الْيَمِينِ لَا لِمُجَرَّدِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ قَوِيٌّ لِمَنْ
يَقُولُ إِنَّ التَّحْرِيمَ لَغْوٌ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ بِمُجَرَّدِهِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ
قَوْلَهُ حَلَفْتُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَلَا
يَخْفَى بُعْدُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انتهى
4-
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ،
فَهُوَ رَدٌّ» رواه البخاري (2697) ومسلم (1718)
فَتَحْرِيمُ
الْحَلَالِ إحْدَاثُ حَدَثٍ لَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَجَبَ أَنْ
يُرَدَّ
قال الصنعاني رحمه الله في سبل
السلام (2\ 260)
قَالُوا: وَنَظَرْنَا إلَى
مَا سِوَى هَذَا
الْقَوْلِ يَعْنِي مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَوَجَدْنَاهَا
أَقْوَالًا مُضْطَرِبَةً لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا مِنْ اللَّهِ فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ
بِهَذَا، وَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتِلَاوَتُهُ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
[الأحزاب: 21] ، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالتَّحْرِيمِ مَا حَرَّمَهُ
عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْكَرَ عَلَى رَسُولِهِ تَحْرِيمَ مَا
أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى
{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] ،
فَإِنَّهَا كَفَّارَةُ حَلِفِهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ التَّابِعِيِّ الْمَشْهُورِ قَالَ «أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ إبْرَاهِيمَ وَلَدِهِ فِي بَيْتِ بَعْضِ
نِسَائِهِ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي فَجَعَلَهَا
عَلَيْهِ حَرَامًا، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُحَرِّمُ الْحَلَالَ فَحَلَفَ
بِاَللَّهِ لَا يُصِيبُهَا فَنَزَلَتْ» . هَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا حَرَّمَهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ الْآخَرُ فِي تَحْرِيمِ
إيلَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا،
فَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيّ - (3959)- بِسَنَدٍ
صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –قلت : عمرو، وصححه الألباني - «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَلَمْ
تَزَلْ بِهِ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} [التحريم: 1] » ، وَهَذَا أَصَحُّ طُرُقِ سَبَبِ النُّزُولِ
وَالْمُرْسَلُ عَنْ زَيْدٍ قَدْ شَهِدَ لَهُ هَذَا فَالْكَفَّارَةُ لِلْيَمِينِ لَا
لِمُجَرَّدِ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ فَهِمَ هَذَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، فَقَالَ بَعْدَ
رِوَايَتِهِ الْقِصَّةَ " يَقُولُ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ
لَغْوٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ حَلَفَ " وَحِينَئِذٍ فَالْأُسْوَةُ
بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلْغَاءُ التَّحْرِيمِ، وَالتَّكْفِيرُ إنْ حَلَفَ،
وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ وَأَرْجَحُهَا عِنْدِي فَلَمْ
أَسْرُدْ شَيْئًا مِنْهَا انتهى
قلت : القول الصحيح : أن
تحريم الزوجة لا يقع به الطلاق ولكن عليه كفارة يمين : فهو كما قال حرام علي أن
أكل من هذا الطعام ، ثم أكل ، نقول عليك كفارة يمين ، فإن قال لزوجته : أنت علي
حرام ، ثم جامعها نقول عليك كفارة يمين سواء نوى الطلاق أو غيره : وكفارة اليمين
هي ما ورد في قوله تعالى : {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ
وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ
مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] قلت : هو مخير بين الإطعام ، أو الكسوة ، أو
العتق ، فإن لم يستطع واحدة من الثلاث ، فعليه أن يصوم ثلاثة أيام 0
قال ابن قدامة رحمه
الله في المغني (9\538)
أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ،
عَلَى أَنَّ الْحَانِثَ فِي يَمِينِهِ بِالْخِيَارِ؛ إنْ شَاءَ أَطْعَمَ، وَإِنْ شَاءَ
كَسَا، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، أَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ أَجْزَأَهُ؛ انتهى
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله في مجموع الفتاوى (33\ 74)
إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِالْحَرَامِ فَقَالَ: الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا.
أَوْ الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ
حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا. أَوْ مَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ يَحْرُمُ عَلَيَّ إنْ
فَعَلْت كَذَا. أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَهُ زَوْجَةٌ: فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ
مَشْهُورٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ؛ وَلَكِنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ أَنَّ هَذِهِ
يَمِينٌ مِنْ الْأَيْمَانِ لَا يَلْزَمُهُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْحَلِفَ
بِالطَّلَاقِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَد الْمَشْهُورُ عَنْهُ حَتَّى لَوْ
قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ
عِنْدَهُ. انتهى
فائدة
: قلت وباقي المذاهب هي ؟
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ
فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَذْهَبًا أَحَدُهَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ
مَالِكٍ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ
لَا لَكِنْ لَوْ نَوَى أَقَلَّ مِنَ الثَّلَاثِ قُبِلَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا
خَاصَّةً قَالَ وَبِهَذَا الْمَذْهَبِ قَالَ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدٌ
وَالْحَسَنُ وَالْحَكَمُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ وَلَا
تُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْمَدْخُولِ بها ولا غيرها قاله بن أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيُّ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ عَلَى
الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَعَلَى غَيْرِهَا وَاحِدَةٌ) قَالَهُ أَبُو مُصْعَبٍ وَمُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمَالِكِيَّانِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ
وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
مَالِكٍ وَالْخَامِسُ أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ قَالَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَبِي مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيُّ وَالسَّادِسُ أَنَّهُ يَقَعُ مَا نَوَى وَلَا يَكُونُ
أَقَلَّ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَالسَّابِعُ أَنَّهُ إِنْ نَوَى
وَاحِدَةً أَوْ عَدَدًا أَوْ يَمِينًا فَهُوَ مَا نَوَى وَإِلَّا فَلَغْوٌ قَالَهُ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالثَّامِنُ مِثْلُ السَّابِعِ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا لَمْ
يَنْوِ شَيْئًا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَالتَّاسِعُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَالْعَاشِرُ إِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا
وَقَعَ الثَّلَاثُ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ
شَيْئًا فَيَمِينٌ وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَلَغْوٌ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
وَالْحَادِي عَشَرَ مِثْلُ الْعَاشِرِ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا نَوَى اثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ
قَالَهُ زُفَرُ وَالثَّانِي عَشَرَ أَنَّهُ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ قَالَهُ
إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَالثَّالِثَ عَشَرَ هِيَ يَمِينٌ فيها كفارة اليمين قاله
بن عَبَّاسٍ وَبَعْضُ التَّابِعِينَ الرَّابِعَ عَشَرَ أَنَّهُ كَتَحْرِيمِ الماء والطعام
فلا يجب فيه شئ أصلا ولا يقع به شئ بَلْ هُوَ لَغْوٌ قَالَهُ مَسْرُوقٌ وَالشَّعْبِيُّ
وَأَبُو سَلَمَةَ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ هَذَا كُلُّهُ إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ
الْحُرَّةِ انظر شرح مسلم للنووي (10\73)
---السادس
عشر: قول الرجل لامرأته يأختي هل يقع طلاقا أو ظهارا ؟
لا
يقع ذلك طلاقا ولا ظهارا والدليل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ المُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ
مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ مَنْ هَذِهِ
الَّتِي مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي فذكر الحديث رواه البخاري (2217) أما الذين ذهبوا إلى كراهية قول الرجل لامرأته : ياختي ، من أجل إن ذلك عندهم مظنة التحريم فاستدلوا عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ
الْهُجَيْمِيِّ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخَيَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُخْتُكَ هِيَ؟»، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْه رواه أبو
داود (2210) وضعفه الألباني وقد
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للرجل أن يقول لزوجته يا أختي بقصد المحبة
فقط , أو يا أمي بقصد المحبة فقط.
فأجاب:" نعم , يجوز
له أن يقول لها يا أختي , أو يا أمي , وما أشبه ذلك من الكلمات التي توجب المودة والمحبة
, وإن كان بعض أهل العلم كره أن يخاطب الرجل زوجته بمثل هذه العبارات , ولكن لا وجه
للكراهة , وذلك لأن الأعمال بالنيات , وهذا الرجل لم ينو بهذه الكلمات أنها أخته بالتحريم
والمحرمية , وإنما أراد أن يتودد إليها ويتحبب إليها , وكل شيء يكون سبباً للمودة بين
الزوجين , سواء كان من الزوج أو الزوجة فإنه أمر مطلوب " "فتاوى نور على
الدرب".(2/19)
---
السابع عشر - التخيير لا يعد طلاقا ؟
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَرْنَا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا»رواه البخاري (5262) ومسلم (1477) ولفظ مسلم عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ نِسَاءَهُ، فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا
قال النووي رحمه الله في
شرح مسلم (10/81) فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
طَلَاقًا وَلَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
وَالْحَسَنِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ نَفْسَ التَّخْيِيرِ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ
بَائِنَةٌ سَوَاءٌ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَمْ لَا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَالنَّقَّاشُ
عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ هُوَ مَذْهَبٌ
ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ ولعل الْقَائِلِينَ
بِهِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
-- وإذا اختارت نفسها لا يقع طلاق
أيضا وهو مذهب ابن حزم وغيره
وذهب الشافعي وأحمد وهو مروي عن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر بن
عبد الله وغيرهم أنها تقع طلقة واحدة رجعية
وقال أبو حنيفة تقع طلقة بائنة وقال مالك تقع ثلاثا في المدخول بها انظر صحيح
فقه السنة (3\311)
قال ابن حزم في المحلى
(9\291)
مَسْأَلَةٌ وَمَنْ خَيَّرَ
امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، أَوْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ، أَوْ اخْتَارَتْ
زَوْجَهَا، أَوْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا، فَكُلُّ ذَلِكَ لَا شَيْءَ، وَكُلُّ ذَلِكَ
سَوَاءٌ، وَلَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ، وَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا لِشَيْءٍ مِنْ
ذَلِكَ حُكْمٌ، وَلَوْ كَرَّرَ التَّخْيِيرَ وَكَرَّرَتْ هِيَ اخْتِيَارَ نَفْسِهَا،
أَوْ اخْتِيَارَ الطَّلَاقِ أَلْفَ مَرَّةٍ.وَكَذَلِكَ إنْ مَلَّكَهَا أَمْرَ نَفْسِهَا،
أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَلَا فَرْقَ ثم قال ابن حزم (9\302) لَا حُجَّةَ
فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذْ لَمْ
يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: " أَمْرُك بِيَدِك، أَوْ قَدْ مَلَّكْتُك
أَمْرَك، أَوْ اخْتَارِي " يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ طَالِقًا، أَوْ أَنَّ لَهَا أَنْ
تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، أَوْ أَنْ تَخْتَارَ طَلَاقًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى
الرَّجُلِ فَرْجٌ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِأَقْوَالٍ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ.انتهى
قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام
الطلاق (48)
قلت : ومن خير زوجته
فاختارت نفسها فيعده كثير من أهل العلم طلاقا ولا نعلم لهم دليلا صريحا ، ولكننا
لا نراه طلاقا حتى يحدث المطلق نفسه الطلاق إذ إن الأمر بيد الرجل وهو صاحب الحق في طلاق زوجته
أو إمساكها وقد قال تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْضٍ الآية } [النساء: 34] وانظر ما قاله أبو محمد بن حزم رحمه الله
(10/116-117)
---
الثامن عشر : طلاق المخطيء ؟
والْمُخْطِئ
مَنْ لَمْ يَقْصِدِ التَّلَفُّظَ بِالطَّلاَقِ
وَإِنَّمَا قَصَدَ لَفْظًا آخَرَ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى الطَّلاَقِ مِنْ
غَيْرِ قَصْدٍ، كَأَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقُول لِزَوْجَتِهِ: يَا جَمِيلَةُ، فَإِذَا بِهِ
يَقُول لَهَا خَطَأً: يَا طَالِقُ وهذا لا يقع الطلاق وهو قول الجمهور وقال
: أبوحنيفة يقع والصحيح قول الجمهور والدليل : عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ
وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ رواه ابن ماجه (2045) وصححه الألباني
قال
ابن القيم في إعلام الموقعين (4\40)
وَالطَّلَاقُ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ وَطَرٍ؛ فَيَكُونُ عَنْ قَصْدِ الْمُطَلِّقِ
وَتَصَوُّرٍ لِمَا يَقْصِدُهُ، فَإِنْ تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ،
وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِيمَنْ
قَالَ لِامْرَأَتِهِ ": أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت
أَنْ أَقُولَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، أَوْ خَرَجْت مِنْ بَيْتِي بِغَيْرِ إذْنِي، ثُمَّ
بَدَا لِي فَتَرَكْت الْيَمِينَ، وَلَمْ أُرِدْ التَّنْجِيزَ فِي الْحَالِ، إنَّهُ
لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ
التَّنْجِيزَ، وَلَمْ يُتِمَّ الْيَمِينَ.وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ
" أَنْتِ طَاهِرٌ " فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ
" لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، لَا فِي الْحُكْمِ الظَّاهِرِ، وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ،
وَالثَّانِيَةِ لَا يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَيَقَعُ فِي الْحُكْمِ،
وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ:
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ عُمَارَةَ سُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ
غَلِطَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُؤْمِنِ غَلَطٌ، ثنا وَكِيعٌ
عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَامِرٍ فِي رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ فَغَلِطَ،
فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.انتهى
التاسع
عشر : طلق امرأته بناء على اتهام كاذب
في الإسلام سؤال وجواب (6/ 1448)
[السُّؤَالُ]ـ[حصل خلاف
بيني وبين زوجتي وشككت في عفتها وشرفها، فطلقتها لذلك، ثم عرفت بعد ذلك أن هذه الاتهامات
كاذبة، ولا أساس لها من الصحة. فهل هذا الطلاق واقع؟.]ـ[الْجَوَابُ]
الحمد لله إذا كنت لم تطلق
امرأتك إلا بناء على هذا السبب ثم تبين لك أنها بريئة من هذا، فلا يقع الطلاق، لأنه
كان مبنياً على سبب، ثم تبين عدم وجود هذا السبب. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية
وابن رجب، وأفتى به من المعاصرين الشيخان: محمد بن إبراهيم وابن عثيمين رحمهم الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله:
وَلَوْ قِيلَ زَنَتْ امْرَأَتُك أَوْ خَرَجَتْ مِنْ الدَّارِ فَغَضِبَ وَقَالَ
فَهِيَ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ
بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَخَالَفَ فِيهِ
الْقَاضِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ إنَّهَا لَا تَطْلُقُ إذَا لَمْ تَكُنْ دَخَلَتْ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَهَا
لِعِلَّةٍ فَلَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ بِدُونِهَا "الفتاوى الكبرى"
(5/495) .
وانظر: قواعد ابن رجب الحنبلي
(ص 323) .
0000وقال الشيخ ابن عثيمين
في "الشرح الممتع" (6/245) :
" من بنى قوله على سبب
تبين أنه لم يوجد فلا حكم لقوله، وهذه قاعدة لها فروع كثيرة، من أهمها:
ما يقع لبعض الناس في الطلاق،
يقول لزوجته مثلاً: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، بناءً على أنه عنده آلات محرمة مثل
المعازف أو غيرها، ثم يتبين أنه ليس عنده شيء من ذلك، فهل إذا دخلت تطلق أو لا؟
الجواب: لا تطلق، لأنه مبني
على سبب تبين عدمه، وهذا هو القياس شرعاً وواقعاً " انتهى.
--- العشرون : أمرك بيدك ؟
من جعل أمر امرأته بيدها
فطلَقت نفسها هل يقع الطلاق ؟
عن حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
قَالَ: قُلْتُ لِأَيُّوبَ: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا قَالَ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ إِنَّهَا ثَلَاثٌ إِلَّا الحَسَنَ؟، فَقَالَ:
لَا، إِلَّا الحَسَنَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ غَفْرًا إِلَّا مَا حَدَّثَنِي قَتَادَةُ
عَنْ كَثِيرٍ، مَوْلَى بَنِي سَمُرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ»، قَالَ أَيُّوبُ: فَلَقِيتُ كَثِيرًا مَوْلَى
بَنِي سَمُرَةَ فَسَأَلْتُهُ: فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى قَتَادَةَ فَأَخْبَرْتُهُ،
فَقَالَ: نَسِيَ.رواه
الترمذي (1178) قلت : حديث ضعيف ضعفه البخاري والنسائي
والنذري وابن القيم وقال الألباني ضعيف لكنه عن الحسن قوله صحيح 0
قال الترمذي وَقَدْ اخْتَلَفَ
أَهْلُ العِلْمِ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ
العِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَزَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ: «القَضَاءُ مَا قَضَتْ»، وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " إِذَا جَعَلَ أَمْرَهَا
بِيَدِهَا، وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَقَالَ: لَمْ أَجْعَلْ
أَمْرَهَا بِيَدِهَا إِلَّا فِي وَاحِدَةٍ اسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ، وَكَانَ القَوْلُ
قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ "، وَذَهَبَ سُفْيَانُ وَأَهْلُ الكُوفَةِ إِلَى قَوْلِ
عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ، وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فَقَالَ: «القَضَاءُ مَا قَضَتْ»،
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَأَمَّا إِسْحَاقُ فَذَهَبَ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَر
قال شيخنا مصطفى العدوي
في أحكام النساء (5\464)
بينما ذهب فريق من أهل
العلم إلى أن كل ذلك لا يقع إلا إذا طلقها هو بنفسه 0
والذي يظهر لي – والله
تعالى أعلم بالصواب – أن رأي القائلين بعدم الوقوع أقرب إلى الدليل ، وإن كان القائلون
بهذا قلة من أهل العلم ، وذلك لأن الله تعالى إنما جعل الطلاق إلى الرجال ، فقال
تعالى : [ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ]الطلاق (1)
وقال تعالى :[ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ البقرة ] (227)
وقال تعالى : [ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ
] البقرة (230)
وقال تعالى : [ وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ 000 ] البقرة (232)
وقال تعالى : [ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ] البقرة (236)
إلى غير ذلك من الآيات
، فكلها أفادت أن الطلاق إنما هو بيد الرجال 0
وقال تعالى : [ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى
بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ] النساء (34)
ومن تمام القوامة أن
يكون الطلاق بيد الرجل 0
وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ) الأحزاب (28)
فرد الله سبحانه الأمر
إلى رسوله إذا أرادت نساؤه الحياة الدنيا وزينتها أن يمتعهن ويسرحهن بنفسه ، ولم
يقل لهن إن كنتن تردن الحياة الدنيا
وزينتها فأنتن طوالق 0
قال ابن حزم رحمه الله
في المحلى (9\301) في هذه الآية 0
فَإِنَّمَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- إنْ أَرَدْنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يُرِدْنَ الْآخِرَةَ: طَلَّقَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ
مُخْتَارًا لِلطَّلَاقِ، لَا أَنَّهُنَّ طَوَالِقُ بِنَفْسِ اخْتِيَارِهِنَّ الدُّنْيَا - وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ هَذَا فَقَدْ حَرَّفَ
كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقْحَمَ فِي حُكْمِ الْآيَةِ كَذِبًا مَحْضًا لَيْسَ
فِيهَا مِنْهُ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ.انتهى 0
فيظهر لي من هذا –
والعلم عند الله تعالى – أن من قال لامرأته : أمرك بيدك أن طلاقها لنفسها لا يقع ،
إلا إذا طلقها هو بنفسه ، لما ذكرناه من أدلة ، وهذا القول هو قول طاووس وابن حزم
وفهمه البعض من أثر ابن عباس رضي الله عنهما –
قال ابن حزم رحمه الله
في المحلى (9\291)
وَمَنْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، أَوْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ،
أَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا، أَوْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا، فَكُلُّ ذَلِكَ لَا شَيْءَ،
وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ، وَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا
لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حُكْمٌ، وَلَوْ كَرَّرَ التَّخْيِيرَ وَكَرَّرَتْ هِيَ اخْتِيَارَ
نَفْسِهَا، أَوْ اخْتِيَارَ الطَّلَاقِ أَلْفَ مَرَّةٍ.
وَكَذَلِكَ إنْ مَلَّكَهَا
أَمْرَ نَفْسِهَا، أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَلَا فَرْقَ.000 ثم أورد جملة من الآثار وقال : وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ آرَاءٌ لَا دَلِيلَ
عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا0
ثم قال رحمه الله (9\483)
وَمَنْ جَعَلَ إلَى امْرَأَتِهِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا: لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ،
وَلَا تَكُونُ طَالِقًا - طَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ لَمْ تُطَلِّقْ - لِمَا ذَكَرْنَا
قَبْلُ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلرِّجَالِ لَا لِلنِّسَاءِ.انتهى
--- الرجل يأمره أبوه
بتطليق امرأته هل يطيعه ؟
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،
قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ وَكُنْتُ
أُحِبُّهَا وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا فَقَالَ: لِي طَلِّقْهَا فَأَبَيْتُ فَأَتَى
عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلِّقْهَا رواه أبو داود (5138) و الترمذي (1189) وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه
الألباني 0
قال المباركفوري في تحفة
الأحوذي (4\ 309)
فِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجِبُ
عَلَى الرَّجُلِ إِذَا أَمَرَهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَإِنْ
كَانَ يُحِبُّهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي الْإِمْسَاكِ وَيَلْحَقُ بِالْأَبِ
الأم لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ لَهَا
مِنَ الْحَقِّ عَلَى الْوَلَدِ مَا يَزِيدُ عَلَى حَقِّ الْأَبِ كَمَا فِي حَدِيثِ
بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ
أَبَرُّ قَالَ أُمَّكَ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ أُمَّكَ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ أُمَّكَ
قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ أَبَاكَ الْحَدِيثَ انتهى
قلت : إذا كان الأب
فاسقا ويأمر ابنه بتطليق زوجته لصلاحها فإنه لا يطلقها والدليل قوله تعالى : {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]
--- الإشهاد على الطلاق ؟
اختلف العلماء في الإشهاد على الطلاق على قولين ؟
القول الأول : من ذهب إلى
وجوب الاشهاد على الطلاق وعدم وقوعه بدون بينة:عمران بن حصين، رضي الله عنه، وكذلك عطاء، وابن
جريج، وابن سيرين رحمهم الله " انظر فقه السنة (2\258)- وبه قال ابن حزم، ورجحه
العلامة أحمد شاكر والألباني 0
واستدلوا :1 - ظاهر الأمر في قوله تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وهو يقتضي الوجوب.
قال ابن حزم رحمه الله
في المحلى (10\17)
فَإِنْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ فَلَيْسَ مُرَاجِعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَرَّقَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْمُرَاجَعَةِ،
وَالطَّلَاقِ وَالْإِشْهَادِ، فَلَا يَجُوزُ إفْرَادُ بَعْضِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ، وَكَانَ
مَنْ طَلَّقَ وَلَمْ
يُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، أَوْ رَاجَعَ
وَلَمْ يُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، مُتَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ
تَعَالَى.وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ
عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه
2 - عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عِمْرَانَ
بْنَ حُصَيْنٍ، سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ يَقَعُ بِهَا،
وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَلَا عَلَى رَجْعَتِهَا، فَقَالَ: «طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، وَرَاجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَعَلَى رَجْعَتِهَا،
وَلَا تَعُدْ رواه أبوداود (2186) وصححه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (ص228) والشوكاني ، والألباني
قال العلامة الألباني في
الشريط الثامن من سلسلة الهدي والنور
وهذا هو الأصل، أن الطلاق
البدعي لا يقع لقوله -عليهِ الصلاةُ والسلام-: (من أحدث في أمرِنا هذا ما ليسَ منه
فهو رد) أي: مردود على صاحبه، فإذا عرفنا هذه القاعدة، وتذكرنا حديث عمران بن حصين
في سنن أبي داود أن السُّنّة في الطلاق الإشهاد، حينئذ يكون الطلاق بغير إشهاد طلاقا
بدعيا، يضاف إلى هذا أنه لا يرتاب عاقل في أن الطلاق بالنسبة للنكاح هو كالهدِم بالنسبة للبناء، فإنسان يبني دارا ثم
يهدمها، يبني دارا ينفق عليها أموال طائلة وأوقات عديدة وو تكاليف ثم ما إذا أراد هدمها،
هدمها بساعة من نهار، الهدِم أصعب من البناء، لأنه يضيع على الإنسان جهود كثيرة وكثيرة
جداً، النِكاح هو بناء لأسرة حينما يتزوج المسلم فإنما يضع الأساس لإقامة أسرة مسلمة،
وكلنا يعلم قول الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (لا نكاح إلا بولي وشاهِدَيْ
عدل) فأي نكاح لم يتحقق فيه الشهود العدول فلا يعتبر نكاحاً شرعياً، وهو بناء، فالطلاق
الذي قلنا إنه أخطر من هذا النكاح فهو كالهدم بالنسبة للبناء، العقل والنظر السليم
يؤيد أن يشترط فيه الإشهاد، ومعنى ذلك أن إنساناً ما قرر وعزم كما قال -عزّ وجلّ-:)
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (عزم على الطلاق، ولكن
هذا الطلاق وضع له الشارع الحكيم شروطاً وهذه الشروط هي في الواقع كالعرقلة لمنع وقوع
هذا الطلاق، لأن الطلاق -كما قلنا- يترتب من وراءه هدم الأسرة، فقال أن السُّنّة الإشهاد،
فكأن الشارع الحكيم يقول للمطلق: لو عزمت على الطلاق وأردت تنفيذه فأتي بشاهدين، كما
إذا أردت أن تنكح فخذ [ .. ] الولي وأتي بشاهدين، وإلا فلا نكاح لك، انتهى
قال العلامة أحمد شاكر في
نظام الطلاق في الإسلام (80)
(والظاهر من سياق الآيتين إن قوله (وأشهدوا) راجع إلى الطلاق والى الرجعة
معاً، والأمر للوجوب، لأنه مدلوله الحقيقي، ولا ينصرف إلى غير الوجوب - كالندب - إلا بقرينة، ولا قرينة هنا تصرفه عن
الوجوب. بل القرائن هنا تؤيد حمله على الوجوب: لأن الطلاق عمل استثنائي يقوم به الرجل - وهو
أحد طرفي العقد - وحده، سواء أوافقته المرأة أم لا، كما أوضحنا ذلك مراراً، وتترتب
عليه حقوق للرجل قِبَل المرأة، وحقوق للمرأة قبل الرجل، وكذلك الرجعة، ويخشى فيهما
الإنكار من أحدهما، فإشهاد الشهود يرفع احتمال
الجحد، ويثبت لكل منهما حقه
قبل الآخر، فمن أشهد على طلاقه فقد أتى بالطلاق على الوجه المأمور به، ومن أشهد على
الرجعة فكذلك، ومن لم يفعل فقد تعدى حدَّ الله الذي حده له، فوقع عمله باطلاً لا يترتب
عليه أي أثر من آثاره) (وهذا الذي اخترناه هو قول ابن عباس: فقد روى عنه الطبري في
تفسير (ج28 ص88) قال: إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها اشهد رجلين كما قال الله:
(وأشهدوا ذوي عدل منكم). عند الطلاق وعند المراجعة. وهو قول عطاء أيضاً فقد روى عنه
عبد الرزاق وعبد بن حميد قال: النكاح بالشهود والطلاق بالشهود، والمراجعة بالشهود.
نقله السيوطي في الدر المنثور (ج6 ص232) والجصاص في أحكام القرآن بمعناه (ج3 ص456).
وكذلك هو قول السُّدّي. فقد روى عنه الطبري قال: في قوله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم):
على الطلاق والرجعة) انتهى
القول الثاني : جماهير العلماء
من السلف والخلف منهم الأئمة الأربعة وغيرهم قالوا الإشهاد ليس شرطا لصحة الطلاق وأن الأمر في
قوله تعالى : {
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ
} يُحمل على الاستحباب
قالوا : وقد يؤيد هذا الحمل:
1 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ
وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ
عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، رواه البخاري (5251) ومسلم (1471) قالوا : وليس فيه الأمر بالإشهاد على الطلاق ولا على الرجعة.
2 - عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ،
فَكَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنٍ، فَلَمَّا رَاجَعَهَا أَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا،
وَدَخَلَ عَلَيْهَا "
رواه البيهقي في الصغرى (2710) وصححه أحمد شاكر
رحمه الله في نظام الطلاق في الإسلام 0
3 -.وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن
الإشهاد على الطلاق مستحب غير واجب،قال الشوكاني رحمه الله في السبل الجرار(439) الاجماع على عدم وجوب الاشهاد في الطلاق واتفقوا على الاستحباب انتهى 0 قلت
: هذه دعوى غير مسلَّمة، المسألة فيها خلاف كما سبق0
قال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (33\33)
وَقَالَ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا
ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} فَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا مَأْمُورٌ بِهِ بِاتِّفَاقِ
الْأُمَّةِ: قِيلَ: أَمْرُ إيجَابٍ. وَقِيلَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ. وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ
النَّاسِ: أَنَّ الْإِشْهَادَ هُوَ الطَّلَاقُ وَظَنَّ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي لَا
يَشْهَدُ عَلَيْهِ لَا يَقَعُ. وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ - قلت : عمرو كما
علمت أن المسألة فيها خلاف – قال شيخ الإسلام وَخِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ
يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِهِ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ أَذِنَ
فِيهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِالْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا أَمَرَ
بِالْإِشْهَادِ حِينَ قَالَ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} . وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْمُفَارَقَةِ تَخْلِيَةُ
سَبِيلِهَا إذَا قَضَتْ الْعِدَّةَ وَهَذَا لَيْسَ بِطَلَاقِ وَلَا بِرَجْعَةِ وَلَا
نِكَاحٍ. وَالْإِشْهَادُ فِي هَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَعُلِمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ
إنَّمَا هُوَ عَلَى الرَّجْعَةِ انتهى
--- الألفاظ التي يقع بها الطلاق ؟
ورد الطلاق في كتاب الله تعالى بألفاظ ثلاثة وهي : الطَّلَاق، والسَّرَاح،
والْفِرَاق.
الأول : لفظ الطلاق قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءُ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق: 1] ،
والثاني لفظ التسريح :
قال الله تعالى : {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:
229] .والثالث : لفظ الفراق : {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}
[الطلاق: 2]
اختلف العلماء في
الألفاظ التي يقع بها الطلاق فذهب ابن حزم وهو القول الراجح إلى أنه لا يقع إلا
بهذه الألفاظ الثلاثة فقط ولم يوقع طلاقا في غير هذه الألفاظ سواء نوى الطلاق أم
لم ينوه
ورجحه
شيخنا مصطفى العدوي في أحكام النساء (5/461)
خلافا لجمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة فإنهم
قسموا الألفاظ إلى صريح وكناية 0 فالصريح : ما يقع به الطلاق ولو لم ينوه ،كأنت
طالق ، أو طلقتك ، أو أنت طلاق قلت : الصحيح إنه إذا لم ينوه فإنه لايقع قال النبي
صل الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وهو مذهب ابن حزم
وفي الشرح الممتع وقال بعض
أهل العلم: إنه إذا
لم ينوه فإنه لا يقع؛ لأن الله سبحانه
وتعالى يقول: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ
بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] مع أن اليمين له حكم معلق عليه، فإذا
حلف الإنسان تعلق الحكم بيمينه، ومع ذلك لم يجعله الله ـ سبحانه وتعالى ـ معتبراً إلا
إذا نواه، فإذا كان اليمين لا ينعقد إلا بالنية، فالطلاق ـ أيضاً ـ لا ينعقد إلا بالنية،
فمن لم ينوه لم يقع، ولكن سبق لنا أن من لم ينوه لإغلاق فإنه لا يقع طلاقه، وكلامنا
فيمن ليس عنده إغلاق، وهذا القول تعليله قوي جداً، إذ كيف يؤاخذ الإنسان بلفظ جرى على
لسانه بدون قصد انظر الشرح الممتع (13\62) قال ابن حزم في المحلى (9\ 436)
لَا يَقَعُ طَلَاقٌ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ: إمَّا الطَّلَاقُ،
وَإِمَّا السَّرَاحُ، وَإِمَّا الْفِرَاقُ.إلى إن قال : هَذَا كُلُّهُ إذَا
نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ انتهى
والكناية : أي قول الزوج لزوجته :
الحقي بأهلك ، أو لست لي بامرأة ، أو اعتدي ، أو أمرك
بيدك ، أو لست لي بزوجة أو غير هذا قالوا هذا لا يقع به الطلاق الا بالنية أو
قرينة تدل عليه 0
قال
شيخنا مصطفى العدوي في أحكام النساء (5\462)
وهناك
ألفاظ أخرى اختلف العلماء في وقوع الطلاق بها مثل الحقي بأهلك ، فذهب بعض أهل
العلم إلى أن الطلاق يقع بها إذا كانت مصحوبة بنية ، وذهب آخرون إلى أن الطلاق لا
يقع بها ، وقد وردت هذه اللفظة في الحديث الذي أخرجه البخاري (مع الفتح 9\3569 من
حديث عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا: أَنَّ ابْنَةَ الجَوْنِ، لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ
لَهَا: «لَقَدْ
عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الحَقِي بِأَهْلِكِ»0
فعد
بعض أهل العلم قوله عليه الصلاة والسلام الحقي بأهلك طلاقا 0 بينما ذهب آخرون إلى
أنها ليست طلاقا ، لأنه لم يظهر في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عقد
عليها ، واستدلوا بأن في بعض طرق الحديث عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما دخل عليها قال «هَبِي نَفْسَكِ لِي» قالوا ففي هذا دليل على أنه لم يكن هناك عقد ،
واستدلوا أيضا بما ورد في بعض طرق الحديث عند البخاري (10\98 مع الفتح) ومسلم
(ص1591) أن النبي صلى الله عليه وسلم كلمها فقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ:
«قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي» فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟
قَالَتْ: لاَ، قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ
لِيَخْطُبَكِ، 00 قالوا : ففيه أنه
صلى الله عليه وسلم لم يكن قد عقد عليها والذي يظهر لي أن قوله صلى الله عليه وسلم
الحقي بأهلك ليس صريحا في الطلاق هذا وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن هناك
الفاظا يقع بها الطلاق إذا صُحبت بنية مثل قول الرجل لامرأته : أنت برية ، أو خلية
، واعتدي ، والبتة ، والبائنة 00 وغير ذلك ، والآثار بذلك عند ابن أبي سيبة وعبد
الرزاق في مصنفيهما ، وعند غيرهما أيضا ، وفي هذا خلاف بين أهل العلم ، أعني في
وقوع الطلاق بالألفاظ المذكورة إذا صُحبت بنية ، ولم يرد دليل صريح صحيح عن النبي
صلى الله عليه وسلم في اعتبارها طلاقا فعلى ذلك فالذي يجنح إليه أن الطلاق لا يقع
بتلك الألفاظ ، ولا يقع إلا بالألفاظ
الواردة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الطلاق
والفراق والتسريح مع اعتبار النية في الفراق والتسريح 0أما مع لفظ الطلاق وما تصرف
منه فلا تعتبر النية عند القضاء 0 فمن قال لزوجته : أنت طالق ، أو مطلقة وقع
الطلاق من غير نية 0 وإن قال : فارقتك ، أو أنت مفارقة ، أو سرحتك ، أو أنت مسرحة
، فتلزم فيه النية لكي يقع الطلاق ، والله أعلم
هذا
وقد استفاض أبو محمد بن حزم في المحلى في بحث هذه المسألة ، وأورد كلاما قويا في
هذا الباب ، ننقل أوله وآخره ونحيل القاريء الكريم إلى سائره ، فلينظره هناك من
أراد ، وها هو بعض ما أورده قال ابن حزم في المحلى (10\185) لَا يَقَعُ طَلَاقٌ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ أَحَدِ
ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ: إمَّا الطَّلَاقُ، وَإِمَّا السَّرَاحُ، وَإِمَّا الْفِرَاقُ.
مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ يَقُولَ: مُطَلَّقَةٌ، أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك
- أَوْ أَنْتِ طَالِقَةٌ، أَوْ أَنْتِ الطَّلَاقُ - أَوْ أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، أَوْ
قَدْ سَرَحْتُك، أَوْ أَنْتِ السَّرَاحُ - أَوْ أَنْتِ مُفَارَقَةٌ، أَوْ قَدْ فَارَقْتُك،
أَوْ أَنْتِ الْفِرَاقُ.هَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنْ قَالَ فِي
شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ، صُدِّقَ فِي الْفُتْيَا، وَلَمْ
يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ فِي الطَّلَاقِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، وَصُدِّقَ فِي سَائِرِ
ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا.00 ثم ذكر
رحمه الله أدلته على ذلك ، ثم قال وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فَلَا يَقَعُ بِهَا
طَلَاقٌ أَلْبَتَّةَ - نَوَى بِهَا طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ - لَا فِي فُتْيَا وَلَا
فِي قَضَاءٍ -: مِثْلُ: الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَأَنْتِ مُبَرَّأَةٌ، وَقَدْ
بَارَأْتُك، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَالْحَرَجُ، وَقَدْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك، أَوْ
لِمَنْ يَذْكُرُ غَيْرَ الْأَهْلِ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالتَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ.
وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ جَاءَتْ فِيهَا آثَارٌ مُخْتَلِفَةُ الْفُتْيَا عَنْ نَفَرٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَأْتِ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَصْلًا، وَلَا حُجَّةَ فِي كَلَامِ
غَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، لَا سِيَّمَا فِي أَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ
لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ. 00ثم قال رحمه الله (10\196) لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -فَإِنْ قَالُوا: الْوَرَعُ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا؟ قُلْنَا: إنَّمَا أَوْرَعُ
لِكُلِّ مُفْتٍ فِي الْأَرْضِ أَنْ لَا يَحْتَاطَ لِغَيْرِهِ بِمَا يُهْلِكُ بِهِ نَفْسَهُ،
وَأَنْ لَا يَسْتَحِلَّ تَحْرِيمَ فَرْجِ امْرَأَةٍ عَلَى زَوْجِهَا وَإِبَاحَتَهُ
لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ حُكْمٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ
بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ
اللَّهِ} [البقرة: 102] .
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْفِدَاءَ طَلَاقًا حَتَّى يُطَلِّقَ؟ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - ذَكَرَ الطَّلَاقَ مِنْ قَبْلِهِ،
ثُمَّ ذَكَرَ الْفِدَاءَ فَلَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ
{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] .فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ
بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْهُ: لَا يَرَى طَلَاقًا إلَّا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، أَوْ مَا
سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَلَاقًا وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا.
قَدْ ذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي
حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ لِكُلِّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الصَّحَابَةِ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَا قَالَاهُ مِمَّا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُمَا
بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ أَصْلًا.
قلت أي الشيخ مصطفى :
وانظر المغني لابن قدامة (7\122) إن شئت
--- صبغ الطلاق ؟
الطلاق المنجز والمعلق :
صيغة الطلاق : إما أن تكون
1- منجزة مثل أنت طالق وحكمه أنه يقع في الحال إذا تحققت شروطه 2وإما تكون
صيغة قسم مثل .
الطلاق يلزمني لا أفعل كذا
ومن هذه
الصيغ علي الطلاق ، الصحيح : أنه لا يقع بها الطلاق وهذا مذهب ابن حزم وابن القيم
وشيخنا مصطفى العدوي وغيرهم خلافا لأكثر
أهل العلم قالوا : يقع 0
قال
ابن حزم رحمه الله في المحلى (9/476)
وَالْيَمِينُ
بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ - سَوَاءٌ بَرَّ أَوْ حَنِثَ - لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ،
وَلَا طَلَاقَ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَمِينَ إلَّا كَمَا
أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-.بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ
إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] انتهى
3- وإما تكون معلقة مثل رجلٌ قال لزوجته : لا تذهبي إلى ذلك البيت، فذهبت، فقلت: والله
إن ذهبت أنت طالق
قلت
: اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال ؟
القول
الأول : وهو مذهب الائمة الأربعة؛
مذهب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وأحمد
قالو يقع الطلاق المعلق واستدلوا أولا : قالوا فإن الزوجة تطلق حتى ولو أراد اليمين
فإن الزوجة تطلق؛ لأن هذا طلاقٌ معلق على شرط، فإذا وجد الشرط
وقع المشروط. انظر دروس الحرم لابن عثيمين (5/18)
ثانيا : َقَالَ نَافِعٌ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ البَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ»
رواه البخاري معلقا (7/45) والمعلق من أقسام الضعيف وضعفه شيخنا مصطفى العدوي
ثالثا : عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ
رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَرَادَ سَفَرًا فَأَخَذَهُ أَهْلُ امْرَأَتِهِ، فَجَعَلَهَا طَالِقًا إنْ لَمْ يَبْعَثْ بِنَفَقَتِهَا إلَى شَهْرٍ،
فَجَاءَ الْأَجَلُ وَلَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا بِشَيْءٍ فَلَمَّا قَدِمَ خَاصَمُوهُ إلَى
عَلِيٍّ فَقَالَ عَلِيٌّ: اضْطَهَدْتُمُوهُ حَتَّى جَعَلَهَا طَالِقًا، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ.ذكره ابن حزم في المحلى (9/477) ضعيف قال
شيخنا مصطفى العدوي : قد نفى بعض أهل العلم سماع الحسن من علي
رابعا : الإجماع على وقوع الطلاق المعلق : نقله ابن المنذر، وغيره قلت : المسألة
فيها خلاف كما سيأتي 0
القول
الثاني : هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه إن أراد الطلاق طلقت،-
لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات - وإن أراد تأكيد المنع وتهديد
المرأة فإنها لا تطلق لكن عليه كفارة يمين. ورجحه ابن عثيمين .انظر الشرح الممتع (125/13)
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (33\ 59)
منْ الصِّيَغِ: أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ أَوْ النَّذْرَ بِشَرْطِ؛ فَيَقُولُ: إنْ
كَانَ كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ. أَوْ الْحَجُّ. أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ. وَنَحْوَ
ذَلِكَ: فَهَذَا يُنْظَرُ إلَى مَقْصُودِهِ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَحْلِفَ
بِذَلِكَ لَيْسَ غَرَضُهُ وُقُوعَ هَذِهِ الْأُمُورِ - كَمَنْ لَيْسَ غَرَضُهُ وُقُوعَ
الطَّلَاقِ إذَا وَقَعَ الشَّرْطُ - فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَالِفِ؛ وَهُوَ مِنْ
" بَابِ الْيَمِينِ ". وَأَمَّا إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ وُقُوعَ هَذِهِ الْأُمُورِ:
كَمَنَ غَرَضُهُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ
لِامْرَأَتِهِ: إنَّ أبرأتيني مِنْ طَلَاقِك أَنْتِ طَالِقٌ. فَتُبَرِّئُهُ. أَوْ يَكُونُ
عَرْضُهُ أَنَّهَا إذَا فَعَلَتْ فَاحِشَةً أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَقُولُ: إذَا فَعَلْت
كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ غَرَضُهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهَا لِيَمْنَعَهَا؛
وَلَوْ فَعَلَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي طَلَاقِهَا فَإِنَّهَا تَارَةً يَكُونُ
طَلَاقُهَا أُكْرِهَ إلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ فَيَكُونُ حَالِفًا. وَتَارَةً يَكُونُ
الشَّرْطُ الْمَكْرُوهُ أَكْرَهَ إلَيْهِ مِنْ طَلَاقِهَا؛ فَيَكُونُ مُوقِعًا لِلطَلَاقِ
إذَا وُجِدَ ذَلِكَ الشَّرْطُ فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ إنْ
قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ فَشُفِيَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ
الصَّوْمُ. فَالْأَصْلُ فِي هَذَا: أَنْ يُنْظَرَ إلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ وَمَقْصُودِهِ
فَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ أَنْ تَقَعَ هَذِهِ الْأُمُورُ وَقَعَتْ مُنْجَزَةً أَوْ مُعَلَّقَةً
إذَا قُصِدَ وُقُوعُهَا عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ. وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَحْلِفَ
بِهَا؛ وَهُوَ يَكْرَهُ وُقُوعَهَا إذَا حَنِثَ وَإِنْ وَقْعَ الشَّرْطُ فَهَذَا حَالِفٌ
بِهَا؛ لَا مُوقِعٌ لَهَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ مِنْ " بَابِ الْيَمِينِ "؛
لَا مِنْ " بَابِ التَّطْلِيقِ وَالنَّذْرِ " فَالْحَالِفُ هُوَ الَّذِي
يَلْتَزِمُ مَا يَكْرَهُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت
كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ؛ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَنِسَائِي طَوَالِقُ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ
وَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ. فَهَذَا وَنَحْوُهُ يَمِينٌ؛ بِخِلَافِ مَنْ
يَقْصِدُ وُقُوعَ الْجَزَاءِ مِنْ نَاذِرٍ وَمُطَلِّقٍ وَمُعَلِّقٍ فَإِنَّ ذَلِكَ
يَقْصِدُ وَيَخْتَارُ لُزُومَ مَا الْتَزَمَهُ وَكِلَاهُمَا مُلْتَزِمٌ؛ لَكِنَّ هَذَا
الْحَالِفَ يَكْرَهُ وُقُوعَ اللَّازِمِ وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْمَلْزُومُ كَمَا
إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَإِنَّ هَذَا
يَكْرَهُ الْكُفْرَ وَلَوْ وَقَعَ الشَّرْطُ: فَهَذَا حَالِفٌ. وَالْمَوْقِعُ يَقْصِدُ
وُقُوعَ الْجَزَاءِ اللَّازِمِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ الْمَلْزُومِ؛ سَوَاءٌ كَانَ
الشَّرْطُ مُرَادًا لَهُ أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ غَيْرَ مُرَادٍ لَهُ. فَهَذَا مُوقِعٌ
لَيْسَ بِحَالِفِ. وَكِلَاهُمَا مُلْتَزِمٌ مُعَلِّقٌ؛ لَكِنَّ هَذَا الْحَالِفَ يَكْرَهُ
وُقُوعَ اللَّازِمِ انتهى
القول
الثالث : قالوا لا يقع وهو مذهب أبي عبد
الرحمن أحمد بن يحيى بن عبد العزيز الشافعي أحد أصحاب الشافعي وابن حزم ورجحه
شيخنا مصطفى العدوي انظر اعلام الموقعين (4/373) والمحلى (9/476) ودليلهم 1- أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ وَقَدْ عَلَّمَنَا
اللَّهُ الطَّلَاقَ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا،وَفِي غَيْرِالْمَدْخُولِ بِهَا،وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا عَلَّمَنَا {وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ الطلاق: 1 انظرالمحلى (9\479).
2-قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ
فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» رواه البخاري (2155) ومسلم ((1504)) قالوا وَالطَّلَاقُ إلَى أَجَلٍ مُشْتَرَطٍ بِشَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ
اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ.
3- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ
رَدٌّ» رواه البخاري (2697) ومسلم (1718)
4-عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو رَافِعٍ قَالَ: قَالَتْ لِي مَوْلَاتِي لَيْلَى ابْنَةُ الْعَجْمَاءِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ
وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ، وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ إِنْ لَمْ تُطَلِّقْ
زَوْجَتَكَ - أَوْ تُفَرِّقْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَتِكَ - قَالَ: فَأَتَيْتُ زَيْنَبَ
ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ إِذَا ذُكِرَتِ امْرَأَةٌ بِفِقْهٍ ذُكِرَتْ زَيْنَبٌ
قَالَ: فَجَاءَتْ مَعِي إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: «أَفِي الْبَيْتِ هَارُوتُ، وَمَارُوتُ؟»
فَقَالَتْ: يَا زَيْنَبُ جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكِ، إِنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ مَمْلُوكٍ
لَهَا حُرٌّ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ، فَقَالَتْ: «يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ؟ خَلِّي بَيْنَ
الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ» قَالَ: فَكَأَنَّهَا لَمْ تَقْبَلْ ذَلِكَ قَالَ: فَأَتَيْتُ حَفْصَةَ
فَأَرْسَلَتْ مَعِي إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ جَعَلَنِي اللَّهُ
فَدَاكِ، إِنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ،
وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ قَالَ: فَقَالَتْ حَفْصَةٌ: «يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ؟
خَلِّي بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ فَكَأَنَّهَا أَبَتْ»، فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ فَانْطَلَقَ مَعِي إِلَيْهَا فَلَمَّا سَلَّمَ عَرَفَتْ صَوْتَهُ، فَقَالَتْ:
بِأَبِي أَنْتَ وَبِآبَائِي أَبُوكَ، فَقَالَ: «أَمِنْ حِجَارَةٍ أَنْتِ أَمْ مِنْ
حَدِيدٍ أَمْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ؟ أَفْتَتْكِ زَيْنَبُ، وَأَفْتَتْكِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ،
فَلَمْ تَقْبَلِي مِنْهُمَا» قَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، جَعَلَنِي اللَّهُ
فَدَاكَ، إِنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ
وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ قَالَ: «يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ؟ كَفِّرِي
عَنْ يَمِينِكِ، وَخَلِّي بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ»، رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ،في المصنف (16000)
وفي رواية عند البيهقي في الكبرى
(20042) فَسَأَلَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَابْنَ عُمَرَ , وَابْنَ
عَبَّاسٍ , وَحَفْصَةَ , وَأُمَّ سَلَمَةَ , فَكُلُّهُمْ قَالَ لَهَا: " أَتُرِيدِينَ
أَنْ تَكُونِي مِثْلَ هَارُوتَ , وَمَارُوتَ؟ " , وَأَمَرُوهَا أَنْ تُكَفِّرَ يَمِينَهَا , وَتُخَلِّيَ بَيْنَهُمَا.انتهى ولم يستفصل هؤلاء الصحابة عن نيتها
قال ابن القيم رحمه الله
في زاد المعاد (3\52)
وَإِذَا كَانَ الْعِتْقُ الَّذِي هُوَ أَحَبُّ الْأَشْيَاءِ إلَى اللَّهِ
وَيَسْرِي فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَهُ مِنْ الْقُوَّةِ وَسُرْعَةِ النُّفُوذِ مَا
لَيْسَ لِغَيْرِهِ وَيَحْصُلُ بِالْمِلْكِ وَالْفِعْلِ قَدْ مَنَعَ قَصْدُ الْيَمِينِ
مِنْ وُقُوعِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الصَّحَابَةُ فَالطَّلَاقُ أَوْلَى وَأَحْرَى بِعَدَمِ الْوُقُوعِ،انتهى
5- قال شيخنا مصطفى العدوي
حفظه الله :لا أعلم دليلا صريحا من الكتاب والسنة وكأن الأظهر أنه لا يقع لعدم
وجود دليل على وقوعه فلما كان الزواج قد تم يقينا فلا ينفك إلا بشيء يقيني هذا وقد
استنبط بعض أهل العلم من قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ] [الأحزاب:
28] أن الطلاق المعلق لا يقع
وذلك لأنه لم يقل إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فأنتن طوالق أو مسرحات ،
وإنما رد الأمر ثانية إلى الزوج بقوله :[ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا] انظر فتاوى مهمة (3\241)
فائدة : المشروع للمسلم اجتناب استعمال الطلاق فيما يكون بينه وبين أهله من النزاع، وذلك لما
يترتب على الطلاق من عواقب وخيمة. وكثير من الرجال يتهاونون بشأن الطلاق فكلما حصل
نزاع بينه وبين أهله حلف بالطلاق، وكلما اختلف مع أصحابه حلف بالطلاق ... وهكذا. وهذا نوع تلاعب بكتاب الله، وإذا كان النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر من يطلق امرأته ثلاثاً جميعاً متلاعباً بكتاب
الله، فكيف بمن اتخذ الطلاق ديدنه، فكلما أراد منع زوجته من شيء أو حثها على فعل شيء
حلف بالطلاق؟! روى النسائي (3401) عن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: أُخْبِرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ
ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ غَضْبَان ثُمَّ قَالَ: (أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ
اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ! حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ:
أَلا أَقْتُلُهُ) قال الحافظ: رجاله ثقات اهـ وصححه الألباني في غاية المرام (261)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله: " هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم، هؤلاء مخالفون
لما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (مَنْ كَانَ حَالِفًا
فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) . فإذا أرد المؤمن أن
يحلف فليحلف بالله عز وجل، ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من الحلف لقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا
أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89. ومن جملة ما فسرت به الآية أن المعنى: لا تكثروا الحلف
بالله.أمّا أن يحلفوا بالطلاق مثل: علي الطلاق أن تفعل كذا أو علي الطلاق ألا تفعل
أو إن فعلت فامرأتي طالق أو إن لم تفعل فامرأتي طالق وما أشبه ذلك من الصيغ فإن هذا
خلاف ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/753) وانظر سؤال وجواب (6\1345)
-----
في
ادعاء الزوجة الطلاق والزوج منكر :
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ زَوْجِهَا، فَجَاءَتْ
عَلَى ذَلِكَ بِشَاهِدٍ عَدْلٍ، اسْتُحْلِفَ زَوْجُهَا، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ، وَإِنْ نَكَلَ، فَنُكُولُهُ بِمَنْزِلَةِ
شَاهِدٍ آخَرَ، وَجَازَ طَلَاقُهُ» رواه ابن ماجه (2038) وصححه البُوصَيْري في
الزوائد وقواه ابن القيم وضعفه الألباني 0
ويتلخص
من ذلك إن ثبت الحديث ، أن دعوى المرأة بوقوع الطلاق لا يثبت وأنها إذا جاءت بشاهد
واحد فحلف الزوج بطلت دعواها
وأما
إذا نكل الزوج فلم يحلف حكم لها وأجيز الطلاق انظر زاد المعاد لابن القيم (5/282) وتمام المنة
لشيخنا عادل العزازي (3/183)
أقسام
الطلاق ؟
ينقسم
الطلاق إلى أقسام مختلفة بحسب النظر إليه
:
أولا
:أقسام الطلاق باعتبار أثره :
ينقسم
الطلاق إلى طلاق رجعي وطلاق بائن والطلاق
البائن ينقسم إلى بائن بينونة صغرى ، وبائن بينونة كبرى ، وإليك تفصيل ذلك :
أولا
: الطلاق الرجعي : إذا طلق الزوج زوجته وكان
هذا الطلاق بعد الدخول ، وكانت هذه الطلقة
الأولى أو الثانية فيجوز للزوج ردّ زوجته في عدَّتها من غير استئناف عقد جديد، ولا صداق ولو من غير
رضاها، قال الله تعالى : {وَبُعُولَتُهُنَّ
أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وأما إذا انقضت العدة فلا
يملك مراجعتها إلا برضاها وبعقد جديد وصداق جديد
قال
الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (2\266)
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ
يَمْلِكُ رَجْعَةَ زَوْجَتِهِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ
رِضَاهَا وَرِضَا وَلِيِّهَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْمَسِيسِ انتهى وقال ابن المنذر وأجمعوا أن
الرجعة بغير مهر ولا عِوَض انظر الإجماع (517)
ثانيا : الطلاق البائن بينونة صغرى :
معناه : هو الذي لا يملك فيه الزوج
إعادة مطلقته إلى عصمة الزوجية إلا بعقد جديد ومهر جديد : ويشترط رضا الزوجة
وإذنها0
الحالات التي يعرف بها الطلاق على أنه طلاق بائن
بينونة صغرى 1- إذا وقع الطلاق قبل الدخول فالمرأة التي تطلق قبل الدخول لا عدة
لها ، فإذا طلقها وأراد أن يراجعها فلا بد من عقد ومهر جديد
قال ابن المنذر رحمه الله :
وأجمعوا على أن من طلق زوجته ولم
يدخل بها –طلقة- أنها قد بانت منه ، ولا تحل له إلا بنكاح جديد ، ولا عدة له عليها
انظر الإجماع (ص43)
2- وقوع الطلقة الأولى أو الثانية مع
انقضاء العدة ، فإنه لا يملك رجعتها إلا بعقد ومهر جديدين 0
ثالثا : الطلاق البائن بينونة كبرى :
معناه : لو طلق ثلاثة مرات فلا يجوز
له مُراجَعَتُها سواء كانت في العدة أو بعد انتهائها ،ولو أراد الزواج بها مرة
ثانيه فلا يجوز ، إلا بعد أن تنقضي عدتها منه ، وتتزوج غيره زواجا صحيحا ، ويدخل
بها الثاني دخولا حقيقيا ، ثم يفارقها بالموت أو الطلاق ، فإذا أراد الزوج الأول الرجوع
إليها بعد انقضاء عدتها من الثاني أعادها بعقد جديد ومهر جديد ، وبرضاها 0 قال الله تعالى : {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ
طَلَّقَهَا فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 230]
وعَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفاعَةَ القُرَظِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي، فَأَبَتَّ
طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ
هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ
تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» .رواه البخاري (2639) ومسلم (1433) فَبَتَّ طَلَاقِي
أَيْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا قَوْلُهَا هُدْبَةُ الثَّوْبِ : أي لا يقوى على
جماعها والعسيلة : الجماع وإن لم ينزل
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ "رواه أحمد (24331) وقال الألباني في
الإرواء (2083) والحديث صحيح المعنى , فقد جاء عن عائشة من طرق
خمسة أخرى بنحوه سبق ذكرها فيما تقدم (1887) .قلت: يقصد حديث امْرَأَة رِفاعَةَ
السابق
قال
النووي رحمه الله في شرح مسلم (10\3)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا
لَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَيَطَأَهَا ثُمَّ يُفَارِقَهَا
وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَأَمَّا مُجَرَّدُ عَقْدِهِ عَلَيْهَا فَلَا يُبِيحُهَا لِلْأَوَّلِ
وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ
وَانْفَرَدَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ إِذَا عَقَدَ الثَّانِي عَلَيْهَا ثُمَّ
فَارَقَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُشْتَرَطُ وَطْءُ الثَّانِي لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى حَتَّى تَنْكِحَ زوجا غيره وَالنِّكَاحُ حَقِيقَةً فِي الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَمُبَيِّنٌ
لِلْمُرَادِ بِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَعَلَّ سَعِيدًا لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِقَوْلِ سَعِيدٍ فِي هَذَا إِلَّا طَائِفَةٌ
مِنَ الْخَوَارِجِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَغْيِيبَ الْحَشَفَةِ فِي
قُبُلِهَا كَافٍ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالِ الْمَنِيِّ وَشَذَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
فَشَرَطَ إِنْزَالَ الْمَنِيِّ وَجَعَلَهُ حَقِيقَةَ الْعُسَيْلَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ
بِدُخُولِ الذَّكَرِ تَحْصُلُ اللَّذَّةُ وَالْعُسَيْلَةُ وَلَوْ وَطِئَهَا فِي نِكَاحٍ
فَاسِدٍ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ انتهى
فائدة
:
1-
قال الأئمة الأربعة : أنه لو طلقها ثانية
وهي في العدة وقع الطلاق والصحيح أنه لا
يقع وهو مذهب ابن تيمية وغيره ، لأنه لا طلاق إلا بعد رجعة
قال
شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (33\79)
فِي قَوْله تَعَالَى {يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} إلَى قَوْلِهِ: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ
ذَلِكَ أَمْرًا} {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الرَّجْعِيِّ. وَقَوْلُهُ:
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إرْدَافُ الطَّلَاقِ
لِلطَّلَاقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ أَوْ يُرَاجِعَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ
الطَّلَاقَ لِلْعِدَّةِ. أَيْ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ فَمَتَى طَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ
وَالثَّالِثَةَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ بَنَتْ عَلَى الْعِدَّةِ وَلَمْ تَسْتَأْنِفْهَا
بِاتِّفَاقِ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ. 000وَأَمَّا مَنْ أَخَذَ بِمُقْتَضَى الْقُرْآنِ
وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي شَرَعَهُ
اللَّهُ هُوَ مَا يَتَعَقَّبُهُ الْعِدَّةُ وَمَا كَانَ صَاحِبُهُ مُخَيَّرًا فِيهَا
بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِمَعْرُوفِ وَالتَّسْرِيحِ بِإِحْسَانِ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي
إيقَاعِ الثَّلَاثِ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ فَلَا
يَكُونُ جَائِزًا فَلَمْ
يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا لِلْعِدَّةِ وَلِأَنَّهُ قَالَ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} فَخَيَّرَهُ بَيْنَ
الرَّجْعَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَدَعَهَا تَقْضِي الْعِدَّةَ فَيُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانِ
فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَانِيَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يُمْسِكْ بِمَعْرُوفِ
وَلَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانِ
انتهى
2-
إذا مات أحدهما قبل انقضاء العدة ورثه الآخر، وإذا مات أحدهما
بعد انقضاء العدة فلا ورث لهما 0سيأتي ذلك
---
أحكام الرجعة ؟
ومعنى
الرجعة : إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه ، بغير عقد 0
يجوز
للزوج أن يراجع زوجته وهي في العدة من
الطلقة الأولى أو الثانية سواء رضيت بذلك أو كرهت ، وذلك بأن يقول لزوجته : راجعتك
أو بأي لفظ يدل على إرجاعها وذلك لعموم قول الله تعالى : {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228]
ويتعلق
بذلك أمور : أولا- أن يشهد على رجعته رجلين مسلمين عدلين لقوله تعالى : {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] واختلف العلماء
هل الإشهاد على الوجوب أو أنه مستحب قلت :
فيه قولان 0
القول
الأول :قالوا بوجوب الإشهاد على الرجعة
وهو مذهب الشافعي في القديم وأحمد
وابن حزم انظر أحكام الطلاق لشيخنا العدوي (184) واختيار ابن تيمية انظر مجموع
الفتاوى (32\129) وهو الراجح والدليل 1- قوله تعالى : {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وهو ظاهر
في الوجوب بمطلق الأمر 0
2-
عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ،
ثُمَّ يَقَعُ بِهَا، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَلَا عَلَى رَجْعَتِهَا، فَقَالَ:
«طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ،
وَرَاجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَعَلَى رَجْعَتِهَا،
وَلَا تَعُدْ رواه ابو داود (2186) صححه الشوكاني والألباني
القول الثاني : أن الإشهاد على الرجعة مستحب
وليس بواجب :
وهو
مذهب : أبي حنيفة وَالشَّافِعِيّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ انظر نيل
الأوطار (6\300) ودليلهم أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، متفق عليه ولم يذكر الإشهاد0
قال
ابن حزم رحمه الله في المحلى (10\17)
فَإِنْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ فَلَيْسَ مُرَاجِعًا لِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَرَّقَ
عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْمُرَاجَعَةِ، وَالطَّلَاقِ وَالْإِشْهَادِ، فَلَا يَجُوزُ
إفْرَادُ بَعْضِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ، وَكَانَ مَنْ طَلَّقَ وَلَمْ يُشْهِدْ ذَوَيْ
عَدْلٍ، أَوْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، مُتَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ
تَعَالَى.وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ عَمِلَ
عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» انتهى
ثانيا- إذا قبل أو جامع
، أو باشر زوجته بشهوة ، هل يكون ذلك رجعة
قلت : اختلف العلماء في
ذلك على أربعة أقوال ؟
القول الأول : قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: وَالنَّظَرُ
إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ
رَجْعَةٌ.
قَالَ: فَلَوْ قَبَّلَتْهُ
لِشَهْوَةٍ، أَوْ لَمَسَتْهُ لِشَهْوَةٍ - وَأَقَرَّ هُوَ بِذَلِكَ - فَهِيَ رَجْعَةٌ؟
فَلَوْ جُنَّ فَقَبَّلَهَا لِشَهْوَةٍ فَهِيَ رَجْعَةٌ، فَلَوْ جَامَعَتْهُ مُكْرَهَةً
فَهِيَ رَجْعَةٌ، وَلَا يَكُونُ مَا دُونَ الْجِمَاعِ بِإِكْرَاهٍ رَجْعَةً.انظر المحلى (10\19)
القول الثاني: قَالَ مَالِكٌ،
وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: إنْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الرَّجْعَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ،
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الرَّجْعَةَ فَلَيْسَ رَجْعَةً، انظر المحلى ولعلَّ حجتهم
عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات»
القول الثالث: تحصل الرَّجعة
بالجماع فقط سواء نوى الرجعة أو لم ينوها: قال ابن حزم رحمه الله : فَرُوِّينَا عَنْ
الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْوَطْءَ رَجْعَةٌ
- وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ،
وَالزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ
سِيرِينَ -، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى.انظر المحلى
(10\18)
القول الرابع: الْوَطْءُ
فَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ رَجْعَةً - نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ - وَلَا
رَجْعَةَ إلَّا بِالْكَلَامِ.وهو مذهب جَابِرُ
بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ وابن
حزم انظر المحلى (10\19)
قال الشوكاني في نيل
الأوطار (6\299)
وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ
إلَيْهِ الْأَوَّلُونَ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُدَّةُ خِيَارٍ، وَالِاخْتِيَارُ يَصِحُّ
بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. وَأَيْضًا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرْهُ
فَلْيُرَاجِعْهَا» أَنَّهَا تَجُوزُ الْمُرَاجَعَةُ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ قَوْلًا مِنْ فِعْلٍ،
وَمَنْ ادَّعَى الِاخْتِصَاصَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ انتهى
قال الصنعاني في سبل
السلام (2\267) وَاتَّفَقُوا عَلَى الرَّجْعَةِ بِالْقَوْلِ وَاخْتَلَفُوا إذَا كَانَتْ الرَّجْعَةُ بِالْفِعْلِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ
يَحْيَى إنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ، فَلَا تَحِلُّ بِهِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ
الْإِشْهَادَ، وَلَا إشْهَادَ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ.
(وَأُجِيبَ) بِأَنَّهُ لَا
إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون:
6] وَهِيَ زَوْجَةٌ وَالْإِشْهَادُ غَيْرُ وَاجِبٍ كَمَا سَلَفَ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ
يَصِحُّ بِالْفِعْلِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ مِنْ شَرْطِ الْفِعْلِ النِّيَّةُ، فَقَالَ
مَالِكٌ لَا يَصِحُّ بِالْفِعْلِ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لِعُمُومِ
الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ شَرْعًا
دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: 6] ، وَلَا يُشْتَرَطُ
النِّيَّةُ فِي لَمْسِ الزَّوْجَةِ وَتَقْبِيلِهَا وَغَيْرِهِمَا إجْمَاعًا.انتهى
فائدة :
قال ابن عثيمين في الشرح
الممتع (13\190)
لكن على هذا القول لو أنه
جامعها بغير نية الرجوع، وأتت بولد من هذا الجماع، فهل يكون ولداً له؟ الجواب: نعم،
يكون ولداً له؛ لأن هذا الوطء وطء شبهة؛ لأنها زوجته ولم تخرج من عدتها، ولا يُحَدُّ
عليه حد الزنا، وإنما يعزَّر عليه تعزيراً، هذا إذا قلنا بأن الرجعة لا تحصل بالوطء
المجرد.انتهى
ثالثا- سئل ابن عثيمين
رحمه الله في مجموع الفتاوى (19\2)
هل للمطلقة أن تخرج لزوجها
وأن تتحدث معه في وقت العدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا
كانت هذه الطلقة الأولى على غير عوض أو الثانية على غير عوض فإن لها أن تتحدث إليه
وأن تجتمع به وان تتجمل له لأنها زوجة ما دامت في العدة قال الله تبارك وتعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ
مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) فقال (بُعُولَتُهُنَّ)
أي أزواجهن (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) أي في ذلك الوقت الذي هو وقت العدة ولهذا
قال العلماء رحمهم الله إن المطلقة الرجعية في حكم الزوجات إلا في مسائل استثنوها.انتهى
رابعا- الهدم: :
سياتي أن الرجل إذا طلق امرأته آخر ثلاث تطليقات ، وانتهت عدتها وتزوجت زوجا غيره وجامعها
الثاني ، ثم فارقها ، ثم عادت للأول بعد انقضاء عدتها من الثاني ، فإنها تعود إليه
في هذه الحالة ، ويملك عليها ثلاث تطليقات 0فعلى ذلك يكون زواج المرأة من الزوج
الجديد هدم الثلاث تطليقات الأول 0 أما (إذا
طلَّق الرجل امرأته مرة أو مرتين ، ثم تزوجت
بآخر، فطلَّقها الثاني، ثم رجعت إلى الأول، فهل تُحسب التطليقات الأولى من الثلاث وتعود
إليه على ما بقي من الثلاث؟ أم أن زواجها بغيره قد هدم التطلقيات الأولى فيبقى لها
عليها ثلاث كاملة؟).
قلت : اختلف أهل العلم في
هذه المسألة على قولين
الأول: تُحسب التطليقات في
الزواج، فترجع إلى الزوج الأول على ما بقي من التطليقات:
بمعنى أنه: إن كان طلقها
واحدة عادت إليه وهو يملك عليها تطليقتين، وإن كان طلقها تطليقتين عادت إليه وهو يملك
عليها تطليقة واحدة.
وَهَذَا قَوْلُ الْأَكَابِرِ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ وَعَلِيٍّ
وَأُبَيٍّ وَمُعَاذٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَرُوِيَ ذَلِكَ
عَنْ زَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ وَعُبَيْدَةُ وَالْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى
وَالشَّافِعِيُّ - ورواية عن أحمد -وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَابْنُ الْمُنْذِر ِانظر المغني (7\505)
وحجتهم: 1 - أن الزواج الثاني هو الذي ينهي حرمة المطلقة ثلاثًا
على زوجها الأول بدليل قوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ
زَوْجًا غَيْرَهُ) [ الْبَقَرَةِ 23 ] ولا إنهاء للحرمة قبل ثبوتها،
ولا ثبوت لها إلا بعد الطلاق الثلاث
2 - وفتوى عمر بذلك: فعن أَبي هُرَيْرَةَ، قال : سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا
فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ غَيْرُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَمَاتَ عَنْهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ، قَالَ:
«هِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ»
رواه الشافعي في المسند (1\294) بسند صحيح
3- ذَكَرَ
ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عثمان بن مقسم، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ نبيه
بن وهب،يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا دُونَ الثَّلَاثِ،
ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا بَعْدَ زَوْجٍ أَنَّهَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الطَّلَاقِ» ) ذكره
ابن القيم في زاد المعاد (5\ 256) وقال : فِيهِ ضَعِيفٌ وَمَجْهُولٌ،
القول الثاني: الزواج الثاني
هدم التطليقات الأولى، فترجع إلى الأول وله عليها ثلاث تطليقات: وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ
عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَشُرَيْحٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ؛انظر المغني (7\505) ورجحه شيخنا مصطفى العدوي وحجتهم: قالوا لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ الثَّانِي
مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ فَيُثْبِتُ حِلًّا يَتَّسِعُ لِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ كَمَا بَعْدَ
الثَّلَاثِ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي يَهْدِمُ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثَ فَأَوْلَى أَنْ
يَهْدِمَ مَا دُونَهَا
قلت : القول الأول هو
الصحيح لأن فيهم اثنان من الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي
الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، رواه ابن ماجه (42) وصححه الألباني
قال ابن قدامة رحمه الله
في المغني (7\ 505)
وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الثَّانِي
لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِحْلَالِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَلَا يُغَيِّرُ حُكْمَ
الطَّلَاقِ كَوَطْءِ السَّيِّدِ وَلِأَنَّهُ تَزْوِيجٌ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الثَّلَاثِ
فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَجَعَتْ إلَيْهِ قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي وَقَوْلُهُمْ: إنَّ
وَطْءَ الثَّانِي يُثْبِتُ الْحِلَّ لَا يَصِحُّ؛ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: مَنْعُ
كَوْنِهِ مُثْبِتًا لِلْحِلِّ أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ غَايَةُ
التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ
زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَحَتَّى لِلْغَايَةِ، وَإِنَّمَا سَمَّى النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّوْجَ الَّذِي قَصَدَ الْحِيلَةَ مُحَلِّلًا
تَجَوُّزًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَعَنَهُ وَمَنْ أَثْبَتَ حَلَالًا يَسْتَحِقُّ لَعْنًا،
وَالثَّانِي أَنَّ الْحِلَّ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي مَحَلٍّ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ
ثَلَاثًا وَهَاهُنَا هِيَ حَلَالٌ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حِلٌّ، وَقَوْلُهُمْ:
إنَّهُ يَهْدِمُ الطَّلَاقَ قُلْنَا: بَلْ هُوَ غَايَةٌ لِتَحْرِيمِهِ وَمَا دُونَ
الثَّلَاثِ لَا تَحْرِيمَ فِيهَا فَلَا يَكُونُ غَايَةً لَهُ.انتهى
فائدة :
هَذَا الكلام السابق إِذَا أَصَابَهَا الثَّانِي، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا
فَهِيَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَقَالَ النخعي: لَمْ
أَسْمَعْ فِيهَا اخْتِلَافًا، 000انظر زاد المعاد (5\ 256)
خامسا :قال الصنعاني
رحمه الله في سبل السلام (2\267) وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهَا بِأَنَّهُ
قَدْ رَاجَعَهَا لِئَلَّا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعُلَمَاءِ
أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَجِبُ وَتَفَرَّعَ مِنْ الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَتْ
قَبْلَ عِلْمِهَا بِأَنَّهُ رَاجَعَهَا، فَقَالَ الْأَوَّلُونَ النِّكَاحُ بَاطِلٌ
وَهِيَ لِزَوْجِهَا الَّذِي ارْتَجَعَهَا وَاسْتَدَلُّوا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ
عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا الْمَرْأَةُ
وَبِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَزَوَّجَ.
وَعَنْ مَالِكٍ إنَّهَا لِلثَّانِي
دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ " مَضَتْ السُّنَّةُ
فِي الَّذِي يُطَلِّقْ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا ثُمَّ يَكْتُمُهَا رَجْعَتَهَا
فَتَحِلُّ فَتَنْكِحُ زَوْجًا غَيْرَهُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ أَمْرِهَا شَيْءٌ وَلَكِنَّهَا
لِمَنْ تَزَوَّجَهَا " إلَّا أَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُرْوَ هَذَا إلَّا عَنْ
ابْنِ شِهَابٍ فَقَطْ، وَهُوَ الزُّهْرِيُّ فَيَكُونُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ
وَيَشْهَدُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا
اثْنَانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا»- قال الترمذى: " حديث حسن ".وقال
الحاكم: " صحيح على شرط البخارى " , ووافقه الذهبى.وصححه أيضا أبو زرعة وأبو
حاتم وضعفه الألباني انظر الإرواء (1853) قال : ابن حجر وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن
من سمرة , فإن رجاله ثقات ".-، فَإِنَّهُ صَادِقٌ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ.انتهى
سادسا : يمتد وقت
إمكانية المراجعة حتى تنتهي من الحيضة الثالثة – وهذا في حق من تحيض- وقبل أن
تغتسل ، أي أنها إذا طهرت من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فيباح لزوجها ارتجاعها ولا
يحل لغيره نكاحها ، فإن اغتسلت فقد بانت منه ، ولا يملك لزوجها ارتجاعها إلا بعقد
جديد وصداق جديد وهذا قول عمر وعلي وابن مسعود وسعيد بن المسيب والثوري انظر
المغني (8\103) وقال سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ
ورواية عن أحمد أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِطُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ
الثَّالِثَةِ وَانْقِطَاعِ دَمِهَا. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] . وَقَدْ كَمَّلَتْ الْقُرُوءُ، بِدَلِيلِ
وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا، وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَفِعْلِ الصِّيَامِ، وَصِحَّتِهِ
مِنْهَا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ حُكْمُ الْعِدَّةِ فِي الْمِيرَاثِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ
بِهَا، وَاللِّعَانِ، وَالنَّفَقَةِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.انظر المغني
قال في المغني (8\103) وَوَجْهُ اعْتِبَارِ الْغُسْلِ قَوْلُ الْأَكَابِرِ مِنْ الصَّحَابَةِ،
وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا. وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ
مِنْ الصَّلَاةِ بِحُكْمِ حَدَثِ الْحَيْضِ، فَأَشْبَهَتْ الْحَائِضَ،انتهى
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح
الممتع (13\192) فَإِذَا طَهَرَتْ مِنَ الحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَلَمْ تَغْتَسِلْ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا،..........
قوله: «فإذا طهرت من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فله رجعتها» هذه المسألة
يجب أن ننتبه لها، مثاله: امرأة طلقت فعدتها ثلاث حيضات، فإذا طهرت من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فلزوجها رجعتها، إذاً
ليس الحد أن تطهر من الحيضة الثالثة، بل يستمر إلى أن تغتسل، وانظر حب الشارع للإصلاح
والوفاق والوئام أدى إلى هذا، فلعله إذا طهرت من الحيضة وصارت صالحة للجماع يرغب فيها
زوجها فيراجعها.
وهذه المسألة فيها قولان
لأهل العلم، وهي من المسائل الكبيرة التي تكاد الأدلة فيها أن تكون متكافئة، فيرى بعض
أهل العلم: أنه لا رجعة لها إذا طهرت من الحيضة الثالثة، لقول الله عزّ وجل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ومتى يكون الحق بالرجعة؟
قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] أي:
في القروء الثلاثة، فهذا وجه الدلالة من النص.
ووجه الدلالة من القياس قالوا:
لأن جميع الأحكام تنقطع بالطهر من الحيضة الثالثة، فإذا طهرت من الحيضة الثالثة فإنها
تحتجب عنه، ولا تجب لها النفقة، ولا ترثه لو مات، ولا يرثها لو ماتت، فكل الأحكام المترتبة
على انقطاع العدة تثبت بالطهر من الحيضة الثالثة، اغتسلت أو لم تغتسل، فيقال: ما الذي
أخرج هذه المسألة عن بقية الأحكام؟ فإذا طهرت من الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها.
وقال بعض أهل العلم وهو المذهب:
إن له رجعتها، ما لم تغتسل، قال في الروض : «روي عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم»
، إذاً هناك آثار عن الصحابة أن له أن يراجعها ما دامت لم تغتسل، وهذه الآثار مبنية
على قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] ، فَخَيَّر الله الزوج بين الإمساك والمفارقة
بعد بلوغ الأجل، وبلوغ الأجل يكون إذا طهرت من الحيضة الثالثة، كما قال الله تعالى:
{وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة:
235] فلما قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} فمعنى ذلك أن له أن
يراجعها بعد بلوغ الأجل، لكن يبقى النظر ما الذي حدده بالغسل؛ لأننا لو أخذنا بظاهر
الآية لقلنا: إذا بلغت الأجل فلك الخيار بين الإمساك والمفارقة إلى ما لا نهاية؛ لأن
الآية ما حددت بالغسل ولا بشيء آخر؟
نقول: يحدد بالغسل؛ لأنها
قبل أن تغتسل ما زال عليها آثار الحيض، والدليل على أنه ما زال عليها آثار الحيض أنها
لا يمكن أن تصلي حتى تغتسل، ولا يطؤها زوجها حتى تغتسل، لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا
النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] ، وعلى هذا فيكون تحديده
بالاغتسال ظاهراً.
ويبقى النظر ما الجواب عن
قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} ؟ نقول: هذه الآية
تدل على أن له الحق في المراجعة، ما دامت لم تكمل ثلاث حيض، والآية الثانية التي في
سورة الطلاق ـ وسورة الطلاق بعد سورة البقرة وتسمى سورة النساء الصغرى ـ تدل على أن
له أن يراجع بعد انقطاع الحيض، فيكون فيها زيادة، والزيادة يجب الأخذ بها.
فالآثار المروية عن عمر وعلي
وابن مسعود رضي الله عنهم يعضدها ظاهر آية الطلاق، فهذا دليل أثري.
والدليل النظري: أن هذا من
توسعة الله ـ سبحانه وتعالى ـ على العباد ومحبته للوئام والوفاق.
ولكن إذا قيل: ما حد الاغتسال؟
فقد تود هذه المرأة أن ترجع
لزوجها فلا تغتسل، وتقول: ربما يراجع، وإذا قيل لها: حرام عليك ترك الاغتسال، قالت:
سأتوب إلى الله!
فالظاهر أنه إذا أخَّرت فرضاً
من فروض الصلاة ولم تغتسل فإنها تنقضي العدة وليس له رجعة؛ لأن المروي عن الصحابة رضي
الله عنهم مبني على الأغلب، والأغلب أن المرأة تغتسل إذا جاء وقت الصلاة، والله أعلم.
ثانيا
: ينقسم الطلاق باعتبار وصفه إلى طلاق سني وطلاق بدعي
ا- طلاق السنة ؟
وهو
الطلاق الموافق لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وله صورتان 0
أ-
أن يطلق الرجل امرأته في
طهر غير حائض بشرط أنه لم يكن جامعها في هذا الطهر مهما طال زمن هذا الطهر
قال ابن قدامة رحمه الله 0
وَلَا
خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، ثُمَّ تَرَكَهَا
حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، أَنَّهُ مُصِيبٌ لِلسُّنَّةِ، مُطَلِّقٌ لِلْعِدَّةِ
الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَقَالَ:
طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَنَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ: «لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ
تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ
الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ».المغني (7/365)
ب
- أن يطلقها وهي حامل .
عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا،
ثُمَّ
لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا» رواه مسلم (1471) وغيره
قال
ابن كثير في التفسير (8/166) العلمية
فَطَلَاقُ السُّنَّةِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ،
أَوْ حَامِلًا قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا.انتهى
تنبيه
: الصحيح أن طلاق الحامل واقع وصحيح والدليل حديث ابن عمر السابق
قال
النووي رحمه الله :
قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا)
فِيهِ دَلَالَةٌ لِجَوَازِ طَلَاقِ الْحَامِلِ الَّتِي تَبَيَّنَ
حَمْلُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قال بن الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ
الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ طَاوُسٌ والحسن وبن سِيرِينَ وَرَبِيعَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي
سُلَيْمَانَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ قَالَ
بن الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وقال بعضهم هو
حرام وحكى بن الْمُنْذِرِ رِوَايَةً أُخْرَى عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ طَلَاقُ
الْحَامِلِ مَكْرُوه شرح مسلم (10/65) [
ثانيا : طلاق البدعة :
وهو ما كان مخالفا لكتاب الله وسنة رسول الله
صل الله عليه وسلم وهذا الطلاق بهذه الكيفية حرام وله صورتان :
1- وهو أن يطلق الرجل زوجته وهي حائض
2- أويطلقها في طهر قد جامعها فيه ولم يتبين
أمرها أحملت أم لا ، 0
قال ابن قدامة رحمه الله : وَأَمَّا الْمَحْظُورُ، فَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا
فِيهِ، أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَكُلِّ الْأَعْصَارِ عَلَى
تَحْرِيمِهِ، وَيُسَمَّى طَلَاقَ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ خَالَفَ السُّنَّةَ،
وَتَرَكَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]المغني (7/364)
....هل يقع الطلاق في الحيض؟
قلت : اتفق العلماء على أن طلاق البدعة يأثم
صاحبه لأنه خالف الكتاب والسنة لكن هل يقع الطلاق مع تأثيم صاحبه أم لا يقع
قلت:اختلف
أهل العلم في وقوع الطلاق في الحيض - على قولين:
القول الأول: أن الطلاق في الحيض يقع ويُحسب: وهو قول الأئمة الأربعة منهم
أبوحنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم
انظر الشرح الممتع 13/46،ورجحه شيخنا مصطفى العدوي وهو الراجح والدليل : أولا : عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّهُ
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ
لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ
بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي
أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»رواه البخاري (5332) ومسلم (1471) واللفظ
له
قالوا : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر:
« مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا...» قالوا والمراجعة لا تكون إلا من طلاق قد وقع.
قال
ابن عبد البر في التمهيد (15/64)
وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا طَلْقَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْمُرَاجَعَةِ إِلَّا
لِمَنْ لَزِمَتْهُ الطَّلْقَةُ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ لَقَالَ دَعْهُ فَلَيْسَ هَذَا
بِشَيْءٍ أَوْ نَحْوَ هَذَا
ثانيا
: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَاجَعْتُهَا، وَحَسَبْتُ لَهَا التَّطْلِيقَةَ الَّتِي طَلَّقْتُهَا رواه مسلم (1417) فوجه الشاهد من الحديث: أنه قال: وحسبت لها التطليقة. وفي رواية
قال: «حُسِبَتْ
عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ»رواه البخاري 5253).قالوا والظاهر أن النبي صلى
الله عليه وسلم هو الذي حسبها تطليقة.
ثالثا
: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً» أخرجه الطَّيَالِسِيّ (68) قال الألباني في
ارواء الغليل (7/126) وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
قال ابن حجر في فتح الباري (9/353)وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ
انتهى
واعترض ابن القيم رحمه الله فقال في
زاد المعاد (5\ 217)
فَلَعَمْرُ اللَّهِ لَوْ
كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَا قَدَّمْنَا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَلَصِرْنَا إِلَيْهَا بِأَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَلَكِنْ لَا نَدْرِي أَقَالَهَا
ابن وهب مِنْ عِنْدِهِ أَمِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، أَمْ نافع، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يُتَيَقَّنُ
أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ، وَيَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ، وَتُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ،
وَيُقَالُ: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالْوَهْمِ وَالِاحْتِمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا
مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُرَادُهُ بِهَا
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إِنَّمَا طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
مِنْهُ ثَلَاثًا، أَيْ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْرَأَتَهُ
وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ.وَأَمَّا
حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عطاء عَنْ نافع، أَنَّ تَطْلِيقَةَ عبد الله حُسِبَتْ
عَلَيْهِ، فَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ نافع، وَلَا يُعْرَفُ مَنِ
الَّذِي حَسَبَهَا، أَهُوَ عبد الله نَفْسُهُ، أَوْ أَبُوهُ عمر، أَوْ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَهْمِ وَالْحُسْبَانِ، وَكَيْفَ
يُعَارَضُ صَرِيحُ قَوْلِهِ: وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا بِهَذَا الْمُجْمَلِ؟ وَاللَّهُ
يَشْهَدُ - وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا - أَنَّا لَوْ تَيَقَّنَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ، لَمْ نَتَعَدَّ
ذَلِكَ، وَلَمْ نَذْهَبْ إِلَى سِوَاهُ.انتهى
وأجيب : تابع ابن وهب
أبو داود الطيالسي وتابع ابن أبي ذئب ابن جريج وتابع نافعا الشعبي فلفظة فجعلها
واحدة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والأصل قبول خبر الثقة ولو فتح باب
الاحتمالات ردت أكثر النصوص فيتمسك بالأصل وهو قبول خبر الثقة حتى يثبت خلافه انظر
فتح الباري (9\353) والإرواء (7\134)
قال الألباني رحمه الله في الإرواء (7\ 135)
قال الألباني رحمه الله في الإرواء (7\ 135)
وكل هذه الروايات مما لم يقف عليها ابن القيم رحمه الله تعالى , وظنى أنه لو وقف عليها لتبدد
الشك الذى أبداه فى رواية ابن وهب , ولصار إلى القول بما دل عليه الحديث من الاعتداد
بطلاق الحائض. والله تعالى هو الموفق والهادى إلى سبيل الرشاد.انتهى
رابعا : عموم قوله تعالى: {اَلطَّلاَقُ
مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ، ولم يفصِّل الله ـ عزّ وجل ـ هل وقع في حيض، أو في طهر
جامعها فيه، أو لا، فأثبت الله ـ تعالى ـ وقوع الطلاق
خامسا
: قالوا المسألة فيها إجماع ، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (7\364) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَكُلِّ
الْأَعْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَيُسَمَّى طَلَاقَ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ خَالَفَ السُّنَّةَ، وَتَرَكَ
أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، انتهى قلت : المسألة فيها خلاف كما سيأتي من
قول من خالف0قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (9\374)ادَّعَى بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِهَذَا أَنَّهُ إجْمَاعٌ
وَقَدْ كَذَبَ مُدَّعِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ،
قال
ابن القيم في زاد المعاد (5\201) فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ
لَمْ يَزَلْ ثَابِتًا بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَقَدْ وَهِمَ مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ
عَلَى وُقُوعِهِ، وَقَالَ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْخِلَافِ
مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ
فَهُوَ كَاذِبٌ، وَمَا يُدْرِيهِ لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا.انتهى
القول
الثاني : أن الطلاق في الحيض لا يقع ولا يُحسب: وهو قول طاووس و عِكْرِمَة وخِلَاس بْنِ عَمْرو ، وأهل الظاهر داود وابن
حزم، وهو اختيار ابن تيمية وتلميذه ابن القيم انظر أحكام الطلاق لشيخنا مصطفى العدوي (27) ورجحه
ابن باز وابن عثيمين ودليلهم:
1
–
حديث أَبُي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ، مَوْلَى
عُرْوَةَ، يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ، قَالَ: كَيْفَ تَرَى
فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ قَالَ: طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا، وَقَالَ: «إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ
أَوْ لِيُمْسِكْ»، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ، رواه أبو داود(2185)
وأجيب:
بأن زيادة (ولم يرها شيئًا) شاذة، وقد أطبق العلماء على تضعيفها منهم أبو داود والخطابي
والشافعي وابن عبد البر انظر طرح التثريب (7\89) وضعفها العراقي
قال ابن رجب رحمه الله
في جامع العلوم والحكم (1\188)
وهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ
بِهِ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ كُلِّهِمْ مِثْلِ ابْنِهِ سَالِمٍ، وَمَوْلَاهُ نَافِعٍ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ
سِيرِينَ، وَطَاوُسٍ، وَيُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَسَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ أَنْكَرَ أَئِمَّةُ
الْعُلَمَاءِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَلَى أَبِي الزُّبَيْرِ مِنَ الْمُحْدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ،
وَقَالُوا: إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِمَا خَالَفَ الثِّقَاتَ، فَلَا يُقْبَلُ تَفَرُّدُهُ،
فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَبَ عَلَيْهِ الطَّلْقَةَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ،
انتهى
قال أبو زرعة العراقي في طرح التثريب
(7\89)
تَمَسَّكَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِرِوَايَةِ
أَبِي الزُّبَيْرِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ
لَا يَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَاتِ، وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي دَاوُد
أَنَّهُ قَالَ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ.
وَعَنْ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَمْ
يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا فَكَيْفَ يَتَمَسَّكُ بِرِوَايَةٍ
شَاذَّةٍ، وَيَتْرُكُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي هِيَ مِثْلُ الشَّمْسِ فِي
الْوُضُوحِ، وَقَوْلُهُ إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَاتِ مَرْدُودٌ
انتهى
2- عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ رواه ابن حزم في المحلى (9\381)
قال
الحافظ ابن حجر فى " الفتح "
(9/309) : " أخرجه ابن حزم بإسناد صحيح "
قلت
: لا يصح الاحتجاج بهذا الأثر لأن المقصود بقوله لا يعتد بذلك أي بالحيضة ضمن
القروء فالحيضة التي طلقها فيها لا تحتسب من عدتها قلت: ويؤيده أمران: الأول: ان ابن
أبى شيبة قد أخرج الرواية المذكورة من نفس الطريق عن نافع عن ابن عمر بلفظ آخر يسقط الاستدلال به وهو عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ،
قَالَ: «لَا تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ» فهو بهذا اللفظ نص على
أن الاعتداد المنفى ليس هو الطلاق فى الحيض , وإنما اعتداد المرأة المطلقة بتلك الحيضة
, فلما حذفت الحيضة فهم الحديث على غير وجهه 0 فسقط الاستدلال المذكور.قال ابن رجب
في جامع العلوم والحكم (1\197) فإنَّ هذا الأثرَ قد سقط من آخره لفظة وهي قال: لا يعتد بتلك الحيضة، كذلك رواه أبو بكر
بنُ أبي شيبة في كتابه000ومرادُ ابنِ عمر أنَّ الحيضة التي طلق فيها المرأة لا تعتدُّ
بها المرأة قرءاً، وهذا هو مرادُ خِلاس وغيره.انتهى
والثاني: أن عبيد الله
قد روى أيضا عن نافع عن ابن عمر فى حديثه المتقدم فى تطليقه لزوجته قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَكَانَ تَطْلِيقَهُ إِيَّاهَا
فِي الْحَيْضِ وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةِ رواه الدارقطني في سننه (3903)
قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ
وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِمَا رُوِيَ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِض لم يعْتد بهَا
فِي قَول بن عمر قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَمْ تَعْتَدَّ الْمَرْأَةُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فِي الْعِدَّةِ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مَنْصُوصًا
أَنَّهُ قَالَ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَلَا تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ انظر فتح الباري (9/354)
وقال الألباني رحمه الله
من الأسباب التى حملت ابن القيم وغيره على عدم الاعتداد بطلاق الحائض ما ذكره من رواية
ابن حزم ذكر الحديث 000وقال الحافظ فى " الفتح " (9/309) : " أخرجه
ابن حزم بإسناد صحيح ".وقال أيضا: " واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق لا يقع
بما روى عن الشعبى قال: إذا طلق الرجل امرأته وهى حائض لم يعتد بها فى قول ابن عمر.قال
ابن عبد البر: وليس معناه ما ذهب إليه , وإنما معناه لم تعتد المرأة بتلك الحيضة فى
العدة ".ثم ذكر الحافظ عقبه رواية ابن حزم وقال: " والجواب عنه مثله
".قلت: ويؤيده أمران:
الأول: ان ابن أبى شيبة قد
أخرج الرواية المذكورة بلفظ آخر يسقط الاستدلال به وهو: نا عبد الوهاب الثقفى عن عبيد
الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فى الذى يطلق امرأته وهى حائض؟ قال: " لا تعتد
بتلك الحيضة ".وهكذا أخرجه ابن الأعرابى فى " معجمه " (ق 173/2) عن
ابن معين: أخبرنا الثقفى به فهو بهذا اللفظ نص على أن الاعتداد المنفى ليس هو الطلاق
فى الحيض , وإنما اعتداد المرأة المطلقة بتلك الحيضة , فسقط الاستدلال المذكور.والآخر:
أن عبيد الله قد روى أيضا عن نافع عن ابن عمر فى حديثه المتقدم فى تطليقه لزوجته قال:
عبيد الله: " وكان تطليقه إيها فى الحيض واحدة , غير أنه خالف السنة ".أخرجه
الدارقطنى (428) .والطرق بهذا المعنى عن ابن عمر كثيرة كما تقدم , فإن حملت رواية عبيد
الله الأولى على عدم الإعتداد بطلاق الحائض تناقضت مع روايته هذه , والروايات الأخرى
عن ابن عمر , ونتيجة ذلك أن ابن عمر هو المتناقض , والأصل فى مثله عدم التناقض , فحينئذ
لابد من التوفيق بين الروايتين لرفع التناقض , والتوفيق ما سبق فى كلام ابن عبد البر
, ودعمناه برواية ابن أبى شيبة , وإن لم يمكن فلا مناص من الترجيح بالكثرة والقوة
, وهذا ظاهر فى رواية عبيد الله الثانية ولكن لا داعى للترجيح , فالتوفيق ظاهر والحمد
لله.انظر
الإرواء (7/135)
3-
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ،
فَهُوَ رَدٌّ» رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) قالوا : والطلاق لغير
العدة عمل ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فيكون مردوداً، وأجيب :
هذا الحديث عام وثبت وقوع طلاق الحائض بالدليل الخاص فالخاص مقدم على
العام كما في أصول الفقه 0
4-
أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر ابن عمر رضي الله عنهما بردها، وإذا قلنا بوقوع
الطلاق في الحيض وحسبت عليه طلقة، فإن المراجعة لا ترفع مفسدته، بل تزيد وتكون المراجعة
أمراً بتكثير الطلاق؛ لأنه إذا راجعها ولم يكن له رغبة فيها، فأراد أن يطلقها صار عليه
طلقتان، فلم ترتفع مفسدة الوقوع في المحرم، بل زادت عليه، والشرع يحب أن ينقص الطلاق
لا أن يزيد؛ ولهذا حرم ما زاد على الواحدة.انظر الشرح الممتع 13/46
قلت : الصحيح هو القول الأول أن من طلق امرأته وهي حائض حسبت عليه تطليقة
وهو الموافق للدليل كما سبق وهو الذي أفتى به ابن عمر وهو الذي حدثت له تلك القصة
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم بها من غيره والله أعلم
فوائد :
1-
إذا طلق الرجل زوجته وهي حائض فإنه يؤمر بمراجعتها ويطلقها بعد ذلك إذا أراد لما ثبت أن ابن عمر أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا،الحديث متفق عليه .وقد اختلف العلماء هل
هذه المراجعة على الوجوب أم على الاستحباب فيري
جمهور العلماء أنها على الاستحباب وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ،
وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وأْصْحَابِ الرَّأْيِ.وقال مالك وروايه عن أْحمد
وَدَاوُد : هي واجبة لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي الْوُجُوبِ، انظر.المغني
(7/367)
فإذا ارتجعها فله أن
يمسكها ولا يطلق وله أن يطلقها لكن بشرط تطهر لكن اختلفت الروايات فبعضها بلفظ
فإذا طهرت فأْراد أْن يطلقها فليطلقها أْي بعد طهر واحد وقبل أْن يجامعها وبعض
الروايات بلفظ حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر أْي لا يطلقها الا بعد طهرين من ارتجاعها
ولذا اختلف العلماء هل يطلق إذا أْراد بعد طهر واحد أْم
بعد طهرين ذهب مالك إلى وجوب الانتظار للطهر الثاني انظر سبل السلام (1078) فقد
ذهب إلى تحريم الطلاق في الطهر الأول وهو
أصح الوجهين عند الشافعية انظر فتح الباري (9/349) واستدلوا أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لمن طلق امرأته وهي حائض «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى
تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ
طَلَّقَ
رواه البخاري (5251) ومسلم (1471) وَقَالَ بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا
يُطَلِّقْهَا فِي الطُّهْرِ الْمُتَعَقِّبِ لَهُ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ انظر فتح
الباري (9/349) واستدل أيضا بالحديث السابق وذهب أْحمد بن حنبل وأْبو حنيفة انظر سبل السلام
قالوا إن الانتظار للطهر الثاني مستحب وليس على الوجوب وهذا القول الراجح ورجحه شيخنا
مصطفى العدوي والدليل عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ
وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: «مُرْهُ
فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا» رواه مسلم (1471) فليس
فيه أنه ينتظر إلى الطهر الثاني قال ابن قدامة في المغني (7/367) فَإِنْ رَاجَعَهَا، وَجَبَ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، وَاسْتُحِبَّ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً
أُخْرَى ثُمَّ تَطْهُرَ،
2- يجوز طلاق الحائض قبل الدخول لأنه لا عدة
لها قال الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا{سورة
الأحزاب (49)
قال ابن عبد البر في التمهيد (15/72)
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ
أَنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَمَّا
غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَيْسَ فِي طَلَاقِهَا سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ
3-
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : وأما عقد النكاح على المرأة وهي حائض فلا بأس به
لأن الأصل الحل، ولا دليل على المنع منه، لكن إدخال الزوج عليها وهي حائض يُنظرُ فيه
فإن كان يُؤْمَّنُ من أن يطأها –يجامعها- فلا بأس، وإلا فلا يدخل عليها حتى تَطْهُرُ
خوفًا من الوقوع في الممنوع.انظر الدماء الطبيعية ص34
4-
إذا طهرت المرأة من حيضها ولم يجامعها زوجها و أراد أن يطلقها فهل يطلق بعد انقطاع
دم الحيض أم ينتظر حتى تغتسل قلت: الراجح ينتظر حتى تغتسل وهو قول مالك ورواية عن أحمد انظر المدونة (2/ 70).وفتح الباري (9/350)
ففي
رواية من حديث ابن عمر: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً، فَانْطَلَقَ
عُمَرُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْ عَبْدَ اللَّهِ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ
فَلْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَحِيضَ، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الْأُخْرَى
فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا،
فَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا فَلْيُمْسِكْهَا، فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ » رواه النسائي (3396) وصححه الألباني
5-
اعلم أن حال النفساء كحال الحائض فإنه لا يطلقها حتى تطهر من نفاسها قال ابن حزم: وَطَلَاقُ النُّفَسَاءِ كَالطَّلَاقِ
فِي الْحَيْضِ ثم قال رحمه الله وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ: أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
- «إذْ حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: أَنُفِسْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ،- رواه
البخاري (294) ومسلم (1211) فَسَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَيْضَ نِفَاسًا» .انظر المحلى (9/411)
6-
إذا كانت المرأة صغيرة لم تبلغ المحيض بعد ، وطلقها زوجها بعد الدخول بها ، أو
كانت آيسة : وهي التي انقطع عنها دم الحيض ، وآيست من رجوعه : فإنهما لا تعتدان
بالقروء ، إنما تعتدان بالأشهر
قال
الله عزوجل {وَاللائِي
يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ
ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]
قال
ابن قدامة في المغني (7/374) وَكَذَلِكَ ذَوَاتُ الْأَشْهُرِ؛ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَالْآيِسَاتِ مِنْ الْمَحِيضِ
لَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهِنَّ وَلَا بِدْعَةَ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَطُولُ بِطَلَاقِهَا
فِي حَالٍ، وَلَا تَحْمِلُ فَتَرْتَابُ.انتهى
7- قال ابن عثيمين رحمه
الله 0
ويستثني من تحريم الطلاق في الحيض ثلاث مسائل:
الأولى: إذا كان الطلاق قبل
أن يخلو بها، أو يمسها فلا بأس أن يطلقها وهي حائض، لأنه لا عدة عليها حينئذ، فلا يكون
طلاقها مخالفًا لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]
الثانية: إذا كان الحيض في
حال الحمل، وسبق بيان سبب ذلك.
الثالثة: إذا كان الطلاق
على عوض، فإنه لا باس أن يطلقها وهي حائض.
انظر رسالة الدماء في الطبيعية (32)
8- الشبكة –الذهب- في حال فسخ
الخطوبة من حق من 0
قال شيخنا مصطفى العدوي في فتاوى
مهمة (2\285) الحكم في الشبكة في غالب الأحوال في بلادنا مصر أنها جزء من الصداق
ما لم يُنص على أنها هدية ، فما دامت من الصداق فالخاطب أحق بها ؛ لأنه لم يعقد ،
ولكن ، ولكونه سبب ضررا للزوج وأهلها بما تكلفوه في حفل الخطوبة فأرى ، والله أعلم
، أنه يُخصم من الشبكة قدر الغرامة التي غرمتها المخطوبة وأهلها ثم يُرد إليه ما
بقي من الشبكة ، والله أعلم 0
--- عدد التطليقات
للزوج على الزوجة
المدخول بها ثلاث طلقات قال تعالى :} الطَّلَاقُ
مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ{ إلى
قوله تعالى } فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا
غَيْرَهُ{(سورة البقرة 229-230)
--- إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق ثلاثا ، هل يقع واحدة أم ثلاثا ؟
قلت تنازع العلماء إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق ثلاثا هل يقع
واحدة أو ثلاثا على أربعة أقوال
القول الأول : ذهب الجمهور
منهم الائمة الاربعة انظر أحكام النساء لشيخنا (5/464) قالوا
: ان طلقها ثلاثا بكلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ولا فرق
بين قبل الدخول وبعده ومنهم من قال أن الطلاق مباح ، ويقع ثلاثا وهو قول الشافعي
وابن حزم ومنهم من قال هذا الطلاق محرم ، لكنه يقع ثلاثا وهو قول أبي حنيفة ومالك
وروايه عن أحمد 0
واستدلوا أولا ما روى
أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْبَتَّةَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ
إِلَّا وَاحِدَةً؟»، فَقَالَ رُكَانَةُ:
وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي
زَمَانِ عُمَرَ، وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ،
أخرجه أبو داود (2206 )- معنى البتة؛ أي : طلقها واحدة.-
قالوا:
فقد أَحْلَفَهُ النبي - صلى الله عليه
وسلم - أنه أراد بالْبَتَّةَ واحدة، فدلَّ على أنه لو أراد بها أكثر لواقع ما أراده،
ولو لم يفترق الحال لم يحلفه. وأجيب: بأن هذا الحديث ضعيف ضعفه أحمد والبخاري والألباني انظر إرواء الغليل 7/141
ثانيا قوله تعالى {فَإِنْ
طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى
تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:
230]
قالوا فهذا الطلاق يقع
على الثلاثة المجموعة وغيره مُفَرَّقَة
وأُجيب: بأن الآية الكريمة لا علاقة لها بإباحة
الثلاث مجموعة أو مُفَرَّقَة،
لأن موضوعها بيان حرمة المطلقة في تطليقها الثالثة على مطلقها حتى تنكح زوجًا غيره.انظر صحيح فقه السنة
3/280
ثالثا حديث سهل بن سعد في قصة تلاعن عويمر العجلاني
وزوجته في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاَعَنَا
وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَلَمَّا فَرَغَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ
أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ المُتَلاَعِنَيْنِ» أخرجه البخاري (5259)، ومسلم
(1492).
قالوا:
فلم يُنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه إيقاع الطلقات الثلاث مجموعة، ولو كان
ممنوعًا أنكره، ولو أن الفرقة وقعت بنفس اللعان.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا
التَّقْرِيرَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَلَا عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ
النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَكُونُ فِي طَلَاقٍ رَافِعٍ لِنِكَاحٍ كَانَ مَطْلُوبَ
الدَّوَامِ وَالْمُلَاعِنُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ بَقِيَ لَهُ إمْسَاكُهَا
وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بِاللِّعَانِ حَصَلَتْ فُرْقَةُ الْأَبَدِ سَوَاءٌ كَانَ فِرَاقُهُ
بِنَفْسِ اللِّعَانِ، أَوْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ
انظر سبل السلام (2\256)
ويؤيد
هذا قول سهل في الرواية الأخرى: « فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، » أخرجه أبو داود(2250)
وصححه الألباني --فدلَّ
على أنه احتاج إلى إنفاذ النبي - صلى الله عليه وسلم -، واختصاص الملاعن بذلك.
رابعا : وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي البخاري (5323) ومسلم(1480) فِي حَدِيثِ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ
أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لَمَّا أُخْبِرَ بِذَلِكَ قَالَ لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ»
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ
فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَلَا
يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَالُوا عَدَمُ اسْتِفْصَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - هَلْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ، أَوْ مَجَالِسَ؟ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ
فِي ذَلِكَ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْوَاقِعُ
فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ غَالِبًا عَدَمَ إرْسَالِ الثَّلَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُنَا
غَالِبًا لِئَلَّا يُقَالَ قَدْ أَسْلَفْنَا أَنَّهَا وَقَعَتْ الثَّلَاثُ فِي عَصْرِ
النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ لَكِنْ نَادِرًا انظر سبل
السلام
خامسا : عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
, أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا , فَقَالَ: «يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثٌ وَتَدَعُ تَسْعَمِائَةً
وَسَبْعًا وَتِسْعِينَ»
أخرجه
الدارقطني (3924)، وصححه
الألباني «الإرواء» (2057). قالوا: فتوى ابن عباس
تدل على أن من طلق زوجته ثلاثًا مجموعة بانت منه.
وأجيب:
بأن هذه فتواه ورأيه، لكنه قد روي أن طلاق الثلاث كان على عهد رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يقع واحدة - كما سيأتي - والحجة فيما رواه مرفوعًا لا في رأيه وفتواه كما
هو مقرر في الأصول.
القول الثاني:
أن هذا الطلاق محرَّم، ويقع واحدة رجعية: وهو منقول عن طائفة من الصحابة منهم: الزبير
بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعلي وابن مسعود وابن عباس (وروي عن ثلاثتهم خلافه) وهو
قول كثير من التابعين ومن بعدهم كطاووس ومحمد بن إسحاق، وبه قال داود الظاهري وأكثر
أصحابه، وبعض أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد، وانتصر له شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم،
انظر صحيح فقه السنة 3/283
ورجحه ابن باز
وابن عثيمين في نورعلى الدرب 2/19و شيخنا مصطفى العدوي وهو الراجح
والدليل 1 - قوله تعالى: {الطلاق مرتان} سورة البقرة: 229 . فَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ
الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَحَقَّ بِرَدِّهَا: هُوَ (مَرَّتَانِ
مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَمَا إذَا قِيلَ لِلرَّجُلِ: سَبِّحْ مَرَّتَيْنِ. أَوْ سَبِّحْ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ. فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ.
سُبْحَانَ اللَّهِ. حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْعَدَدَ. فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُجْمِلَ ذَلِكَ
فَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ. لَمْ يَكُنْ قَدْ
سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: الطَّلَاقُ طَلْقَتَانِ.
بَلْ قَالَ: مَرَّتَانِ فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ أَوْ
ثَلَاثًا أَوْ عَشْرًا أَوْ أَلْفًا. لَمْ يَكُنْ قَدْ طَلَّقَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً «مجموع الفتاوى» (33/ 11).
2-
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ الطَّلَاقُ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَبِي بَكْرٍ، وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً،
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ
كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ
" أخرجه مسلم( 1472)
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (4\267)
وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ وَاحِدَةً فِي عَهْدِهِ وَعَهْدِ
أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَغَايَةُ
مَا يَقْدِرُ مَعَ بُعْدِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَبْلُغْهُ،
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ كَالْمُسْتَحِيلِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا
يُفْتُونَ فِي حَيَاتِهِ وَحَيَاةِ الصِّدِّيقِ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَفْتَى هُوَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ، فَهَذِهِ فَتْوَاهُ وَعَمَلُ أَصْحَابِهِ كَأَنَّهُ
أَخْذٌ بِالْيَدِ، وَلَا مُعَارِضَ لِذَلِكَ، وَرَأَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى إنْفَاذِ الثَّلَاثِ عُقُوبَةً وَزَجْرًا لَهُمْ لِئَلَّا
يُرْسِلُوهَا جُمْلَةً، وَهَذَا اجْتِهَادٌ مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، غَايَتُهُ
أَنْ يَكُونَ سَائِغًا لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا، وَلَا يُوجِبُ تَرْكَ مَا أَفْتَى بِهِ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ
فِي عَهْدِهِ وَعَهْدِ خَلِيفَتِهِ؛ فَإِذَا ظَهَرَتْ الْحَقَائِقُ فَلْيَقُلْ امْرُؤٌ
مَا شَاءَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فائدة : قال بعض العلماء
: أن حديث ابن عباس منسوخ وأن ابن عباس علم بالناسخ: فقد نقل البيهقي عن الشافعي أنه
قال: «يُشبه أن يكون ابن عباس علم شيئًا نسخ المروي عنه بأن الثلاث تقع واحدة» قال
البيهقي: ويقوى ما قاله الإمام الشافعي ما أخرج أبو داود (2195) عن ابن عباس قال: وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا
ثَلَاثًا، فَنُسِخَ ذَلِكَ، وَقَالَ: - قال الألباني حسن صحيح - إلا أنه لم يشتهر الناسخ
فبقى الحكم المنسوخ معمولًا به إلى أن أنكره عمر. والجواب عن ذلك قال في عون المعبود (6\190) قُلْتُ دَعْوَى نَسْخِ
حديث بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ مُعَارِضٍ مُقَاوِمٍ مُتَرَاخٍ فَأَيْنَ
هَذَا
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ
فَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ فَإِنَّهُ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ
كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَيُرَاجِعُهَا بِغَيْرِ عَدَدٍ فَنُسِخَ ذَلِكَ وَقُصِرَ
عَلَى ثَلَاثٍ فِيهَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ فَأَيْنَ فِي ذَلِكَ الْإِلْزَامُ بَالثَّلَاثِ بِفَمٍ وَاحِدٍ ثُمَّ كَيْفَ يَسْتَمِرُّ الْمَنْسُوخُ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا
مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَعْلَمُ بِهِ الْأُمَّةُ وَهُوَ
مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحِلِّ الْفُرُوجِ ثُمَّ كَيْفَ يَقُولُ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي شَيْءٍ كَانَتْ
لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ وَهَلْ لِلْأُمَّةِ أَنَاةٌ فِي الْمَنْسُوخِ بِوَجْهٍ مَا انتهى
3-
: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " طَلَّقَ رُكَانَةُ
بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ أَخُو بَنِي الْمُطَّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ،
فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ طَلَّقْتَهَا؟
" قَالَ: طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا، قَالَ: فَقَالَ:
" فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟ " قَالَ: نَعَمْ قَالَ: " فَإِنَّمَا تِلْكَ
وَاحِدَةٌ فَأَرْجِعْهَا إِنْ شِئْتَ " قَالَ: فَرَجَعَهَا فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
" يَرَى أَنَّمَا الطَّلَاقُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ "
أخرجه أحمد( 2387 ) وصححه الإمام أحمد
والحاكم والذهبي وحسنه الترمذي وصححه ابن القيم وقال ابن تيمية وهذا اسناد جيد
وحسنه الألباني انظر «الإرواء»( 7/145) وصححه أحمد شاكر
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ تَقَعُ وَاحِدَةً وَيَجُوزُ
لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَهُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
القول
الثالث : أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ
الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا فَتَقَعُ الثَّلَاثُ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا وَتَقَعُ
عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْه انظر سبل السلام ((2\257)
ودليلهم عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّ رَجُلًا، يُقَالُ لَهُ: أَبُو الصَّهْبَاءِ كَانَ كَثِيرَ
السُّؤَالِ لِابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ
عُمَرَ؟، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى، " كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ،
فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ تَتَابَعُوا فِيهَا، قَالَ: أَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ
رواه أبو داود وضعفه الألباني (2199)
القول الرابع : إنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا طَلَاقُ بِدْعَة
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» رواه البخاري
(2697) ومسلم (1718) وهو قول مقاتل
وداود الظاهري في روايه انظر الجامع للقرطبي قلت : هذا مذهب شاذ وباطل والصحيح هو القول الثاني من ان التطليقات الثلاث بلفظ واحد تقع واحده لحديث ابن عباس وحديث ركانة والله أعلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (33/ 12)
وَلَا نَعْرِفُ أَنَّ أَحَدًا طَلَّقَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَتَهُ
ثَلَاثًا بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ فَأَلْزَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالثَّلَاثِ وَلَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ وَلَا نَقَلَ أَهْلُ
الْكُتُبِ الْمُعْتَدِّ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا؛ بَلْ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ
كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بَلْ مَوْضُوعَةٌ؛ بَلْ الَّذِي
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ عَنْ طَاوُوسٍ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ
وذكر حديث الباب
ثم قال في (33\92)وَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ: الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ: مَا
يُوجِبُ لُزُومَ الثَّلَاثِ لَهُ وَنِكَاحُهُ ثَابِتٌ بِيَقِينِ وَامْرَأَتُهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْغَيْرِ
بِيَقِينِ وَفِي إلْزَامِهِ بِالثَّلَاثِ إبَاحَتُهَا لِلْغَيْرِ مَعَ تَحْرِيمِهَا
عَلَيْهِ وَذَرِيعَةٌ إلَى نِكَاحِ التَّحْلِيلِ
الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. و
" نِكَاحُ التَّحْلِيلِ " لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ. وَلَمْ يُنْقَلْ قَطُّ أَنَّ امْرَأَةً
أُعِيدَتْ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ عَلَى عَهْدِهِمْ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ
تَحْلِيلٍ؛ بَلْ {لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ
وَالْمُحَلَّلَ لَهُ} إلى أن قال وَبِالْجُمْلَةِ
فَمَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ " شَرْعًا لَازِمًا
" إنَّمَا لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَسْخٌ بَعْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى
--- النشوز ؟
--- النشوز ؟
--- مَعْنَى النُّشُوزِ مَعْصِيَةُ الزَّوْجِ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهَا
مِنْ طَاعَتِهِ، مَأْخُوذٌ مِنْ النَّشْزِ، وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، فَكَأَنَّهَا ارْتَفَعَتْ
وَتَعَالَتْ عَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ طَاعَتِهِ، فَمَتَى ظَهَرَتْ انظر المغني (7\318)
--- حكم النشوز:
مَعْنَى النُّشُوزِ مَعْصِيَةُ
الزَّوْجِ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ طَاعَتِهِ،
ونشوز المرأة حرام، وهو كبيرة
من الكبائر. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ
فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»" رواه البخاري (3237) ومسلم (1436) قال الله تعالى [وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:
من الآية34) وَأَمَّا قَوْلُهُ: {نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] قال الطبري في تفسيره (6\697)
فَإِنَّهُ يَعْنِي: اسْتِعْلَاءَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ , وَارْتِفَاعَهُنَّ عَنْ فُرُشِهِمْ بِالْمَعْصِيَةِ
مِنْهُنَّ , وَالْخِلَافِ عَلَيْهِمْ فِيمَا لَزِمَهُنَّ طَاعَتُهُمْ فِيهِ , بُغْضًا
مِنْهُنَّ وَإِعْرَاضًا عَنْهُمْ انتهى
---كيف يعامل الرجل زوجته الناشز ؟
قال الله تعالى [وَاللَّاتِي
تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:
من الآية34) وعلى هذا فإن الرجل إذا وجد من امرأته نشوزا
فعليه بالآتي :
1- أن يعظها ؟
والموعظة هي التذكير بما
يرغِّب أو يخوِّف، فيعظها بذكر الآيات الدالة على وجوب العشرة بالمعروف، وبذكر الأحاديث
المحذرة من عصيان الزوج، مثل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا الرجل امرأته
إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح» - متفق عليه- وأمثال ذلك.فيعظها
أولاً، وإذا استجابت للوعظ خير من كونها تستجيب للوعيد، أي: خير من كونه يقول: استقيمي
وإلا طلقتك، كما يفعله بعض الجهال، تجده يتوعدها بالطلاق، وما علم المسكين أن هذا يقتضي
أن تكون أشد نفوراً من الزوج، كأنها شاة، إن شاء باعها وإن شاء أمسكها، لكن الطريق
السليم أن يعظها ويذكرها بآيات الله ـ عزّ وجل ـ حتى تنقاد امتثالاً لأمر الله ـ عزّ
وجل ـ، فإن امتثلت وعادت إلى الطاعة فهذا المطلوب، انظر الشرح الممتع (12\442)
ويستحبّ أن يقول لها: عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا
امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الجَنَّةَ.
رواه الترمذي (1161)، وقال
: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.وصححه الحاكم (4/173) والذهبي!وقال شعيب الأرنؤوط
حديث حسن
2- الهجر في المضجع ؟
أي لا ينام معها 0
قال البخاري : بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ وذكر حديث : عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: آلَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَقَعَدَ
فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، فَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّكَ آلَيْتَ عَلَى شَهْرٍ؟ قَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ رواه
البخاري (5201) ومسلم (411) وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، رَفْعُهُ:
«غَيْرَ أَنْ لاَ تُهْجَرَ إِلَّا فِي البَيْتِ» وَالأَوَّلُ أَصَحُّ أي حديث أنس
قلت : بل صح بلفظ عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟، قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا
إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ،
وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا
فِي الْبَيْتِ»، رواه أبوداود(2142) وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي والألباني
انظر الإرواء (2033)
قلت : فحديث أنس أثبت
الهجر خارج البيت والثاني منعه ، فيجوز الجمع بين الحديثين فيجوز أن يهجرها وهو في
نفس البيت ، ويجوز خارج البيت 0 قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (9\301)
وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ
فَرُبَّمَا كَانَ الْهِجْرَانُ فِي الْبُيُوتِ أَشَدَّ مِنَ الْهِجْرَانِ فِي غَيْرِهَا وَبِالْعَكْسِ بَلِ الْغَالِبُ
أَنَّ الْهِجْرَانَ فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ آلَمُ لِلنُّفُوسِ وَخُصُوصًا
النِّسَاءَ لِضَعْفِ نُفُوسِهِنَّ انتهى
--- مدة الهجر:
للعلماء في أقصى مدة الهجر
قولان :
الأول: مدة الهجر شهر وله
أن يزيد إلى أربعة أشهر: وهو مذهب المالكية، ومستندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم
آلى من نسائه شهرًا، وأن مدة الإيلاء إلى أربعة أشهر -كما سيأتي-.
الثاني: له أن يهجر ما شاء
حتى ترجع: وهو مذهب الجمهور: الحنفية والشافعية والحنابلة ويُستدل لهم بأن الآية -في
الهجر- مطلقة غير مقيدة بمدة، والأصل بقاء المطلق على إطلاقه حتى يدلَّ الدليل على
تقييده.
وأما القياس على الإيلاء
فقياس مع الفرق، لأن الهجر في النشوز تأديب لها على تمردها، أما الإيلاء فقد يكون من
غير تمرُّد من الزوجة ولذا لم يُشرع الإيلاء أكثر من أربعة أشهر لما فيه من ظلم للمرأة،
ثم إن الإيلاء يمين (حلف) بخلاف الهجر.وإذا كان كذلك فلا يصح تقييد مطلق الآية بهذا،
وهو الأرجح، والله أعلم.
* فائدة: يجوز الهجر بترك
الكلام مع الناشز اتفاقًا: لكنهم اختلفوا في مدة الهجر بترك الكلام: فقال الجمهور:
لا يجوز أن يهجر كلامها أكثر من ثلاثة أيام حتى لو استمرت على نشوزها ، واستدلوا بعموم
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" وقد
يقال: "إذا لم يُفد الهجر بالكلام -في ثلاثة أيام- فلن يفيد في أكثر من ذلك، لأن
تأثيره أقل على المرأة من الهجر في المضجع" وذهب بعض الشافعية إلى أنه يجوز للزوج
أن لا يكلم الزوجة الناشز أكثر من ثلاثة أيام إذا قصد تأديبها وردَّها عن النشوز، واستدلوا
بأن النبي صلى الله عليه وسلم "هجر الثلاثة الذين خلِّفوا أكثر من ثلاث"
انظر صحيح فقه السنة (3\225)
في اللجنة الدائمة (20\261)
من هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر فإن كان ذلك لنشوزها، أي: لمعصيتها لزوجها فيما يجب
عليها له من حقوقه الزوجية، وأصرت على ذلك بعد وعظه لها وتخويفها من الله تعالى، وتذكيرها
بما يجب عليها من حقوق لزوجها- فإنه يهجرها في المضجع ما شاء؛ تأديبا لها حتى تؤدي
حقوق زوجها عن رضا منها، وقد هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءه فلم يدخل عليهن
شهرا، أما في الكلام فإنه لا يحل له أن يهجرها أكثر من ثلاثة أيام؛ لما صح عن النبي
-صلى الله عليه وسلم- من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: «ولا يحل لمسلم
أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام » أخرجه الإمام
البخاري ومسلم في (صحيحيهما) ، وأحمد في (مسنده) . أما إن هجر الزوج زوجته في الفراش
أكثر من أربعة أشهر إضرارا بها من غير تقصير منها في حقوق زوجها- فإنه كمول وإن لم
يحلف بذلك، تضرب له مدة الإيلاء، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يرجع إلى زوجته ويطأها في
القبل مع القدرة على الجماع إن لم تكن في حيض أو نفاس- فإنه يؤمر بالطلاق، فإن أبى
الرجوع لزوجته وأبى الطلاق طلق عليه القاضي أو فسخها منه إذا طلبت الزوجة ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله
على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية
والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر بن عبد الله أبو زيد
... صالح بن فوزان الفوزان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
3- أن يضربها :
قلت : يضربها ضرب غير مُبَرِّح كما جاء في الحديث 0
قال النبي صلى الله عليه
وسلم وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ
فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، رواه مسلم (1218) في المغني (7\318) قال ابن
قدامة: وَمَعْنَى " غَيْرَ مُبَرِّحٍ " أَيْ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ. قَالَ الْخَلَّالُ: سَأَلْت أَحْمَدَ
بْنَ يَحْيَى عَنْ قَوْلِهِ: " ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ " قَالَ: غَيْرَ شَدِيدٍ. وَعَلَيْهِ أَنْ
يَجْتَنِبَ الْوَجْهَ- قلت عمرو لحديث حكيم بن معاوية السابق-ثم قال ابن قدامة وَالْمَوَاضِعَ الْمَخُوفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّأْدِيبُ لَا الْإِتْلَافُ
000وَلَا يَزِيدُ فِي ضَرْبِهَا عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ؛
لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَجْلِدْ أَحَدٌ
فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.انتهى
فائدة :
عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ»
فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ
نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ رواه
أبو داود (2146) وصححه الالباني
هذا الحديث فيه النهي عن ضرب النساء
في فتح الباري (9\304)
وَقَوْلُهُ ذَئِرَ 00أَيْ
نَشَزَ 00وَقِيلَ مَعْنَاهُ غَضِبَ وَاسْتَبَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ النَّهْيُ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَالْإِذْنِ فِيهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ بِضَرْبِهِنَّ ثُمَّ أَذِنَ بَعْدَ نُزُولِهَا
فِيه انتهى
--- إرسال الحكمين :
إذا وصل الأمر إلى أشده
، وخشينا الشقاق بين الرجل وزوجته أرسلنا إليهما حكمين يحكمان بينهما 0 قال الله
تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا
مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]
قال شيخنا عادل العزازي
في تمام المنة (3\190)
فيرسل إليهما حكمان لهما
من العلم والثقة والمعرفة ما يؤهلهما للحكم بينهما ، على أن يكون هذان الحكمان
أحدهما من أهله والآخر من أهلها ، لأنهما أعرف بشئونهما وأرفق لهما من الأجنبيين
ملاحظات : هذان الرجلان –
حكمان- كما ذكر ربنا عز وجل ، فلهما أن يقضيا بما يرياه دون الرجوع إلى الزوجين ،
وما يحكمان به فهو ملزم عليهما ، رضي الزوجان أم كرها ، فلهما أن يحكما بالتفريق
أو التوفيق وهو أفضل وقد قال بعض أهل
العلم أنهما – وكيلان عن الزوجين ، وليس بصحيح بل هما حكمان كما ورد في الآية
وقال في الهامش والفرق
بين الوكيل والحاكم ؛ أن الوكيل لا يتصرف إلا بإذن موكله ، وعلى هذا فلا يملكان
التفريق بينهما إلا بإذن الزوجين ، وأما الحكم فهو قاض بما يحكم به ، وعلى هذا
فهما يملكان التفريق بينهما دون الرجوع إليهما 0
قال ابن القيم رحمه الله
في زاد المعاد (5\172)
َوقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ
وَالْخَلَفُ فِي الْحَكَمَيْنِ: هَلْ هُمَا حَاكِمَانِ أَوْ وَكِيلَانِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة وَالشَّافِعِيِّ فِي
قَوْلٍ وأحمد فِي رِوَايَةٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا حَاكِمَانِ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ ومالك وأحمد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ
الْآخَرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يَقُولُ هُمَا
وَكِيلَانِ لَا حَاكِمَانِ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَصَبَهُمَا حَكَمَيْنِ، وَجَعَلَ
نَصْبَهُمَا إِلَى غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ، لَقَالَ: فَلْيَبْعَثْ
وَكِيلًا مِنْ أَهْلِهِ وَلْتَبْعَثْ وَكِيلًا مِنْ أَهْلِهَا.وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَا
وَكِيلَيْنِ لَمْ يَخْتَصَّا بِأَنْ يَكُونَا مِنَ الْأَهْلِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جَعَلَ
الْحُكْمَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}
[النساء: 35] وَالْوَكِيلَانِ لَا إِرَادَةَ لَهُمَا إِنَّمَا يَتَصَرَّفَانِ بِإِرَادَةِ
مُوَكِّلَيْهِمَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ
لَا يُسَمَّى حَكَمًا فِي لُغَةِ الْقُرْآنِ، وَلَا فِي لِسَانِ الشَّارِعِ وَلَا فِي
الْعُرْفِ الْعَامِّ وَلَا الْخَاصِّ.وَأَيْضًا فَالْحَكَمُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحُكْمِ
وَالْإِلْزَامُ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَكَمَ
أَبْلَغُ مِنْ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ دَالَّةٌ
عَلَى الثُّبُوتِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا
كَانَ اسْمُ الْحَاكِمِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْوَكِيلِ الْمَحْضِ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ
أَبْلَغُ مِنْهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ
خَاطَبَ بِذَلِكَ غَيْرَ الزَّوْجَيْنِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ عَنِ الرَّجُلِ
وَالْمَرْأَةِ غَيْرَهُمَا، وَهَذَا يُحْوِجُ إِلَى تَقْدِيرِ الْآيَةِ هَكَذَا: {وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] فَمُرُوهُمَا أَنْ يُوَكِّلَا وَكِيلَيْنِ:
وَكِيلًا مِنْ أَهْلِهِ وَوَكِيلًا مِنْ أَهْلِهَا، وَمَعْلُومٌ بُعْدُ لَفْظِ الْآيَةِ
وَمَعْنَاهَا عَنْ هَذَا التَّقْدِيرِ، وَأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ،
بَلْ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى خِلَافِهِ وَهَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَاضِحٌ.(وَبَعَثَ عُثْمَانُ
بْنُ عَفَّانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ومعاوية حَكَمَيْنِ بَيْنَ عَقِيلِ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ وَامْرَأَتِهِ فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فَقِيلَ لَهُمَا: إِنْ رَأَيْتُمَا
أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا) .
وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَيْكُمَا (إِنْ
رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا)
فَهَذَا عثمان وعلي وَابْنُ
عَبَّاسٍ ومعاوية جَعَلُوا الْحُكْمَ إِلَى الْحَكَمَيْنِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنَ
الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الْخِلَافُ بَيْنَ التَّابِعِينَ فَمَنْ
بَعْدَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
---
الظهار
هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ
أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَإِنَّمَا خُصَّ الظَّهْرُ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ
الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرُّكُوبِ غَالِبًا وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمَرْكُوبُ
ظَهْرًا فَشُبِّهَتِ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَرْكُوبُ الرَّجُلِ انظر فتح الباري (9\432) وهو محرم؛
لقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ
إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا
مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2]
عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَشْكُو إِلَيْهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَادِلُنِي
فِيهِ، وَيَقُولُ: «اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ»، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى
نَزَلَ الْقُرْآنُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}
[المجادلة: 1]، إِلَى الْفَرْضِ، فَقَالَ: «يُعْتِقُ رَقَبَةً» قَالَتْ: لَا يَجِدُ، قَالَ:
«فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ شَيْخٌ
كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: «فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا»، قَالَتْ:
مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَتْ: فَأُتِيَ سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ
مِنْ تَمْرٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ:
«قَدْ أَحْسَنْتِ، اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَارْجِعِي
إِلَى ابْنِ عَمِّكِ»، رواه أبوداود (2214) وحسنه الألباني 0
قال ابن القيم رحمه الله
؟
الظِّهَارَ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ، وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ، انظر زاد المعاد (5\ 296)
--- من يصح منه الظهار :
1 - الْبُلُوغُ: فَلاَ يَصِحُّ
الظِّهَارُ مِنَ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا؛ لأَِنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ التَّحْرِيمُ،
وَخِطَابُ التَّحْرِيمِ مَرْفُوعٌ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، يَدُل عَلَى ذَلِكَ
قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ:
عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ
الصَّبِيِّ حَتَّى يَعْقِل وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الظِّهَارِ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ،
فَهُوَ كَالطَّلاَقِ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، وَطَلاَقُ الصَّبِيِّ لاَ يُعْتَبَرُ،
فَكَذَلِكَ ظِهَارُهُ لاَ يُعْتَبَرُ انظر الموسوعة الفقهية (29\202)
2 - الْعَقْل: فَلاَ يَصِحُّ
الظِّهَارُ مِنَ الْمَجْنُونِ حَال جُنُونِهِ، وَلاَ مِنَ الصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَعْقِل؛
لأَِنَّ الْعَقْل أَدَاةُ التَّفْكِيرِ وَمَنَاطُ التَّكْلِيفِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ
فِي الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْعَاقِل.وَمِثْل الْمَجْنُونِ فِي الْحُكْمِ:
الْمَعْتُوهُ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمَدْهُوشُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ.
انظر الموسوعة الفقهية (29\203) قلت : والسكران أيضا لا يصح ظهاره 0
3 - الإِْسْلاَمُ: فَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُسْلِمٍ لاَ يَصِحُّ
ظِهَارُهُ سَوَاءٌ كَانَ كِتَابِيًّا أَمْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ
عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِسْلاَمُ الزَّوْجِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الظِّهَارِ،
فَيَصِحُّ الظِّهَارُ مِنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِ انظر الموسوعة
الفقهية (29\203)
قال الصنعاني في سبل السلام (2\272)
أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يَنْعَقِدُ الظِّهَارُ مِنْ الْكَافِرِ فَقِيلَ: نَعَمْ لِعُمُومِ الْخِطَابِ فِي الْآيَةِ
وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ لَوَازِمِهِ الْكَفَّارَةَ وَهِيَ لَا
تَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَمَنْ قَالَ يَنْعَقِدُ مِنْهُ قَالَ يُكَفِّرُ
بِالْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ لَا بِالصَّوْمِ لِتَعَذُّرِهِ فِي حَقِّهِ. وَأُجِيبَ
بِأَنَّ الْعِتْقَ وَالْإِطْعَامَ إذَا فُعِلَا لِأَجْلِ الْكَفَّارَةِ كَانَا قُرْبَةً،
وَلَا قُرْبَةَ لِكَافِرٍ.
4- المكره لا يصح ظهاره
؟
وَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ.
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
يَصِحُّ ظِهَارُهُ. وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ
طَلَاقِهِ وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ.انظر المغني (8\4-5)
5- وَيَصِحُّ الظِّهَار مِنْ
كُلِّ زَوْجَةٍ، كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً،
مُمْكِنًا وَطْؤُهَا أَوْ غَيْرَ مُمْكِنٍ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، وَالظِّهَارُ لِتَحْرِيمِ وَطْئِهَا. وَلَنَا عُمُومُ
الْآيَةِ، وَلِأَنَّهَا زَوْجَةٌ يَصِحُّ طَلَاقُهَا، فَصَحَّ الظِّهَارُ مِنْهَا،
كَغَيْرِهَا. انظر المغني (8\4-5)
--- الظهار لا يكون
طلاقا حتى لو نوى به الطلاق 0
قال ابن القيم في زاد
المعاد (5\295)
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ
ظَاهَرَ يُرِيدُ طَلَاقًا كَانَ
ظِهَارًا، أَوْ طَلَّقَ يُرِيدُ ظِهَارًا كَانَ طَلَاقًا، هَذَا لَفْظُهُ، فَلَا يَجُوزُ
أَنْ يُنْسَبَ إِلَى مَذْهَبِهِ خِلَافُ هَذَا، وَنَصَّ أحمد: عَلَى أَنَّهُ إِذَا
قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ، أَنَّهُ ظِهَارٌ
وَلَا تَطْلُقُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
فَنُسِخَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَادَ إِلَى الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ وَأَيْضًا فأوس
بن الصامت إِنَّمَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ
حُكْمَ الظِّهَارِ دُونَ الطَّلَاقِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ
فِي حُكْمِهِ، فَلَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ كِنَايَةً فِي الْحُكْمِ الَّذِي أَبْطَلَهُ
عَزَّ وَجَلَّ بِشَرْعِهِ، وَقَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَحُكْمُ اللَّهِ أَوْجَبُ..انتهى
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله (13\235)
والظهار أن يشبه الرجل زوجته بأمه، فيقول: أنت علي كظهر
أمي، وهذه الكلمة ظهار بالإجماع، ولو نوى بها الطلاق فإنها تكون ظهاراً، وكانوا في
الجاهلية يجعلون الظهار طلاقاً بائناً، ولهذا لو قال إنسان: أنا أريد بالظهار الطلاق،
قلنا له: لا نقبل هذه النية؛ لأننا لو قبلنا نيته لرددنا الحكم في الإسلام إلى الحكم
في الجاهلية، ولأن لفظه صريح في الظهار، والصريح لا تقبل نية خلافه، كما مر علينا في
صريح الطلاق أنه لو قال: أنت طالق، ثم قال: ما أردت الطلاق، فإنه لا يقبل منه، ولو
قال: أنت طالق طلقة واحدة وقال: أردت ثلاثاً ما يقبل؛ لأنه لفظ صريح، ولو قال: أنت
طالق ثلاثاً وقال: أردت واحدة ما يقبل، كذلك إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي، وقال: أردت
الطلاق، فإنه لا يقبل؛ لعلتين:
أولاً: أنه مخالف لصريح اللفظ،
وما خالف الصريح فغير مقبول.
ثانياً: أننا لو قبلنا ذلك
لرددنا حكم الظهار من الإسلام إلى الجاهلية، وهذا أمر لا يجوز؛ لأن الإسلام أبطله انتهى
--- من ظاهر من
أجنبية ، ثم تزوجها فليس عليه ظهار ولا
كفارة
وهو مذهب ابن عباس
والحسن وقتادة وهو قول الشافعي وداود وابن حزم خلافا لعمر بن الخطاب وعطاء وأبي
حنيفة ومالك وأحمد وسفيان الثوري قالوا لا يقربها حتى يكفر انظر المحلى (9\199)
قال ابن حزم في المحلى
(9\200)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] فَإِنَّمَا جَعَلَ الْكَفَّارَةَ
عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ عَادَ لِمَا قَالَ، وَلَمْ يَجْعَلْ تَعَالَى
ذَلِكَ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ غَيْرِ امْرَأَتِهِ.فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا
فَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ؟ قُلْنَا: إنَّمَا الظِّهَارُ حِينَ
النُّطْقِ بِهِ لَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْحُكْمُ
لِلْقَوْلِ حِينَ يُقَالُ ثُمَّ يَلْزَمَ حِينَ لَا يُقَالُ.وَمَنْ عَلَّقَ ظِهَارَهُ
بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ وَطَأْتُك، أَوْ
قَالَ: إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا - وَكَرَّرَ ذَلِكَ - فَلَيْسَ ظِهَارًا - فَعَلَ ذَلِكَ
الشَّيْءَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ - لِأَنَّهُ لَمْ يُمْضِ الظِّهَارَ وَلَا الْتَزَمَهُ
حِينَ نَطَقَ بِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَلْزَمْ حِينَ الْتِزَامِهِ لَمْ يَلْزَمْ فِي
غَيْرِ حَالِ الْتِزَامِهِ، إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا نَصَّ هَهُنَا.انتهى
--- هل الظهار مختص
بالأم ؟
أولا: قالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ
الْعِلْمِ عَلَى أن تصريح الظهار أن يقول: أنت على كظهر أمي انظر المجموع (17\ 344)
ثانيا : واختلفوا في
باقي الألفاظ كقوله : أنت علي كأختي أو عمتي
أو كظهر امرأة محرمة من النسب أو الرضاع هل يقع بها الطلاق أم لا قلت : مذهب
أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الْحَسَنُ،
وَعَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ،
وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو
ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَهُوَ جَدِيدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.- وأحمد - أنه يقع ظهار
انظر المغني (8\5)
وذهب : الشافعي في القديم والظاهرية منهم ابن حزم واختاره الصَّنْعَانِيّ – ورجحه شيخنا مصطفى العدوي وهو الراجح- قالوا
لَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا بِأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ؛ لِأَنَّهَا أُمٌّ أَيْضًا، لِأَنَّ
اللَّفْظَ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ مُخْتَصٌّ بِالْأُمِّ، فَإِذَا عَدَلَ عَنْهُ،
لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ انظر المحلى (9\189)
والمغني (5\8) وسبل السلام (2\272)
قال : شيخنا مصطفى
العدوي في أحكام الطلاق في الشريعة (112)
1-
إذا استبدل الظهر بعضو من الأعضاء كأن قال أنت
علي كبطن أمي مثلا فذهب الأكثر كما نقل عنهم الصنعاني ص 1106- إلى أنه يكون ظهارا
، وتعقبه بقوله : وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي الظَّهْرِ0
قلت : أي الشيخ مصطفى
العدوي : والذي كان يستعمله أهل الجاهلية لفظ الظهر وما وقفنا على أحد قال أنت علي
كبطن أمي مثلا
2-
إذا استبدل الأم بالأخت فقال مثلا أنت علي كظهر
أختي فذهب الجمهور كما نقل عنهم الحافظ في الفتح (9\433) إلى أنه يكون ظهارا وكذلك
نقله ابن قدامة في المغني (7\340) عن أكثر أهل العلم 0
وذهب آخرون إلى أنه لا يكون ظهارا لأن لفظ القرآن ورد بالأم فقط من
هؤلاء الإمام الشافعي في مذهبه القديم 0 وقال الصنعاني في سبل السلام (ص 1106)
: وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي الْأُمِّ
وَمَا ذُكِرَ مِنْ إلْحَاقِ غَيْرِهَا فَبِالْقِيَاسِ وَمُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى، وَلَا يَنْتَهِضُ
دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمِ.انتهى
--- إذا ظاهرت المرأة من
زوجها ، فقالت أنت على كظهر أبي – أو أنا عليك كظهر أمك اختلف العلماء في
ذلك على قولين قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وأحمد في رواية: هُوَ ظِهَارٌ
انظر المغني (8\ 41) وهو اختيار ابن تيمية والقول الثاني ليس
عليها شيء وكلامها لغو وهو الصحيح قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (8\42)وَالرِّوَايَةُ
الثَّانِيَةُ: لَيْسَ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ،
وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُنْكَرٌ وَزُورٌ، وَلَيْسَ بِظِهَارٍ،
فَلَمْ يُوجِبْ كَفَّارَةً، كَالسَّبِّ وَالْقَذْفِ. وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَيس بِظِهَارٍ،
فَلَمْ يُوجِبْ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، كَسَائِرِ الْأَقْوَالِ، أَوْ تَحْرِيمٌ مِمَّا لَا يَصِحُّ
مِنْهُ الظِّهَارُ، فَأَشْبَهَ الظِّهَارَ مِنْ أَمَتِهِ.
---لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِ الظِّهَارِ، فَجَرَى
عَلَى لِسَانِهِ الظِّهَارُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَصْلاً - وَهَذَا هُوَ الْمُخْطِئُ
- فَلاَ يُعْتَبَرُ ظِهَارًا وهو مذهب الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ انظر
الموسوعة الفقهية (29\200)
والدليل : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ،
وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ رواه ابن ماجه (2045) وصححه الألباني
--- كفارة الظهار :
قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا
ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .سورة المجادلة (3،4)
وعلى هذا فالكفارة على
هذا الترتيب :
1-
عتق رقبة :
قال ابن قدامة رحمه الله
في المغني (8\21)كَفَّارَةَ الْمُظَاهِرِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِعْتَاقِ، عِتْقُ رَقَبَةٍ،
لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ. بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.انتهى
---واختلف أهل العلم في
الرقبة هل يشترط أن تكون مؤمنة أو لا يشترط ؟ وذلك لأن الآية لم تنص على ذلك ،
فمنهم من حمل المطلق على المقيد في كفارة القتل حيث وصفت الرقبة بالإيمان قال الله
تعالى {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء:
92] وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ ورواية عن
أحمد انظر المغني (8\22) ومنهم من التزم
ظاهر النص ولم يقيدها بالإيمان قالوا فليحرر رقبة مؤمنة كانت أو غير مؤمنة
لإطلاقها في الآية وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ،
وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛انظر
المغني ورجحه شيخنا مصطفى العدوي 0
قلت : الصحيح قول مالك
والشافعي والدليل عن «مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ،
فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا
رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً،
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ،
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: «ائْتِنِي بِهَا» فَأَتَيْتُهُ
بِهَا، فَقَالَ لَهَا: «أَيْنَ اللهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟»
قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ رواه
مسلم (537)
قال ابن قدامة في المغني
فَعَلَّلَ جَوَازَ إعْتَاقِهَا عَنْ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيْهِ بِأَنَّهَا
مُؤْمِنَةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيْهِ
إلَّا مُؤْمِنَةٌ، انتهى
قال الشوكاني في نيل الأوطار (6\308)
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ00:
لَا يَجُوزُ وَلَا يَجْزِي إعْتَاقُ الْكَافِرِ لِأَنَّ هَذَا مُطْلَقٌ مُقَيَّدٌ
بِمَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْيِيدَ
حُكْمٍ بِمَا فِي حُكْمٍ آخَرَ مُخَالِفٌ لَهُ لَا يَصِحُّ، وَتَحْقِيقُ الْحَقِّ فِي
ذَلِكَ مُحَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ وَلَكِنَّهُ يُؤَيِّدُ اعْتِبَارَ الْإِسْلَامِ حَدِيثَ
مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ فَإِنَّهُ «لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إعْتَاقِ جَارِيَتِهِ عَنْ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيْهِ،
قَالَ لَهَا: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟ فَقَالَتْ:
رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَأَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» وَلَمْ يَسْتَفْصِلْهُ
عَنْ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ
يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الرَّقَبَةِ أَنَّهَا
تُجْزِي الْمَعِيبَةُ. انتهى
2-
فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ؟
قال ابن قدامة رحمه الله
في المغني (8\24) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ إذَا لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً، أَنَّ فَرْضَهُ صِيَامُ
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ انتهى
وقد أجمع أهل العلم أيضا
على وجوب التتابع في الصيام وأنه إن قطعه من غير عذر أنه يستأنف الصيام
قال ابن قدامة في المغني
(8\26) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ بَعْضَ
الشَّهْرِ، ثُمَّ قَطَعَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَفْطَرَ، أَنَّ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافَ
الشَّهْرَيْنِ؛ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِوُرُودِ لَفْظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
بِهِ،انتهى
لكن إن أفطر لعذر من مرض
أو أيام يحرم صيامها كالعيدين أو أيام التشريق قطع الصيام ثم بنى على ما صام يعني
يكمل صيامه – إلا أنه ينبغي ألا يتحايل ليقع صومه خلال هذه الأيام حتى يستريح ،
فلا يحل له ذلك وعليه – لو تعمد ذلك – أن يستأنف الصيام من جديد وكذلك لو أفطر
ناسيا أو مكرها لم ينقطع التتابع 0
-- مدة الصيام شهران
متتابعان وليس ستين يوما كما يظن البعض
قال ابن المنذر رحمه
الله وأجمعوا على أن صوم شهرين متتابعين يجزىء ، كانت ثمانية وخمسين أو تسعة
وخمسين يوما انظر الإجماع ( ص 120)
-- حكم من جامع امرأته
ليلا أثناء صومه لكفارة الظهار
قال الشيخ ابن عثيمين في
الشرح الممتع (13\280)
قوله: «وإن أصاب المُظاهَرَ
منها ليلاً أو نهاراً انقطع التتابع» يعني إن أصاب المرأة التي ظاهر منها ليلاً أو
نهاراً انقطع التتابع، مثال ذلك: رجل شرع في صيام الشهرين المتتابعين، ولما مضى خمسة
أيام جامع الزوجة في الليل فإنه ينقطع التتابع، وعلى هذا فيستأنف، ولو صام شهراً وثمانية
وعشرين يوماً ثم جامعها يستأنف، فيصوم الشهرين من جديد؛ لأن الله ـ تعالى ـ يقول:
{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا} [المجادلة:
4] ، هذا ما مشى عليه المؤلف.والصحيح أنه إذا أصابها ليلاً فهو آثم، ولكنه لا ينقطع
التتابع؛ وذلك لأن استئناف الشهرين لا يرتفع به إثم الإصابة أو مفسدتها، فيقال لمن
أصابها في أثناء الشهرين ليلاً: إنك أخطأت وأثمت فعليك أن تتوب، ولكن التتابع لا ينقطع،
وهذا مذهب الشافعي، واختيار ابن المنذر، وقواه صاحب المغني.ولو أصابها ناسياً في الليل
ينقطع التتابع أو لا؟ على المذهب ينقطع؛ لأنه أطلق، ولو أصابها في سفر مباح ينقطع،
فالمهم أنه إذا أصاب المُظاهَرَ منها ولو في زمن يباح له الفطر فيه، كالليل، والسفر
المبيح للفطر، أو ناسياً فإنه ينقطع التتابع، والصحيح أنه إذا أصابها ليلاً لا ينقطع
لكنه يأثم، وإن أصابها ناسياً لا ينقطع ولا يأثم؛ لا ينقطع لأنه لم يفطر، ولا يأثم
لأنه كان ناسياً. إذن إذا أصاب المُظاهَر منها في وقت لا يجب فيه الصوم، إما لكونها
أيام عيد، أو أيام التشريق، أو كان مسافراً، أو في الليل، فإنه يكون آثماً، ولا ينقطع
التتابع؛ لأنه ليس صائماً، وإن أصابها صائماً فإنه ينقطع التتابع، لا لأنه أصابها قبل
أن يتم الصوم، ولكن لأنه أفطر أثناء الشهرين، والله ـ عزّ وجل ـ اشترط أن يكون الشهران
متتابعين، وبناء على ذلك لو أصابها ناسياً في أيام الصوم، فإن الصحيح فيما نرى أن الصوم
لا يبطل ولو بالجماع ناسياً، وإذا لم يبطل الصوم صار التتابع مستمراً، أما لو أصابها
وهو صائم بدون عذر فإنه ينقطع التتابع؛ لأنه أفطر.انتهى
--- وإن أصاب غيرها ليلاً لم ينقطع 0
قال الشيخ ابن عثيمين في
الشرح الممتع (13\281)
قوله:- أي الإمام أحمد
رحمه الله - «وإن أصاب
غيرها ليلاً لم ينقطع» كزوجة أخرى
أو مملوكة، فإذا أصاب غيرها فإنه لا ينقطع التتابع إذا كان ليلاً، فإن كان نهاراً فإنه
ينقطع؛ لأنه أفطر، وإذا أفطر انقطع التتابع، والصحيح أنه إذا أصاب غيرها جاهلاً أو
ناسياً في النهار فإنه لا ينقطع بناء على أنه لا يفطر بذلك، مع أنه في «الروض» يقول: «وإن أصاب غيرها أي: غير المظاهَر منها ليلاً أو ناسياً أو مع عذر
يبيح الفطر لم ينقطع التتابع» فجعلوه هنا لا يقطع التتابع، والمراد أننا لا نفطره،
وقد سبق لنا أن المذهب في باب الصوم في رمضان أن الفطر بالجماع يثبت ولو كان ناسياً
انتهى
ثالثا : فإن لم يستطع
فإطعام ستين مسكينا 0
قال ابن قدامة رحمه الله
في المغني (8\29)
أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ إذَا
لَمْ يَجِدْ الرَّقَبَةَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ الصِّيَامَ، أَنَّ فَرْضَهُ
إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَجَاءَ
فِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى
قلت : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا فِي سِتِّينَ يَوْمًا،أَجْزَأَهُ قلت : الصحيح لا يجزيء
ذلك وهو قول أكثر أهل العلم ،منهم الشافعي ، ومالك ،وأحمد لظاهر الآية انظر
سبل السلام (2\276) قال شيخنا عادل العزازي حفظه الله
في تمام المنة (3\207)
إذا كان التكفير
بالإطعام ، فإنه لا بد أن يراعي العدد وذلك بأن يطعم ستين مسكينا ، كما ورد النص
في الآية ، فلو أطعم مسكينا واحدا ستين يوما لم يجزئه في قول أكثر أهل العلم
0انتهى
--- ولا يجب التتابع في
الطعام ؟
قال ابن قدامة رحمه الله
في المغني (8\32)
وَلَا يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي الْإِطْعَامِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ،
وَقِيلَ لَهُ: تَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَيُطْعِمُ الْيَوْمَ وَاحِدًا،
وَآخَرَ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَآخَرَ بَعْدُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ عَشْرَةً؟ فَلَمْ يَرَ
بِذَلِكَ بَأْسًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ
فِيهِ. وَلَوْ وَطِئَ فِي أَثْنَاءِ الْإِطْعَامِ، لَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَةُ مَا مَضَى مِنْهُ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّهُ
وَطِئَ فِي أَثْنَاءِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ، كَالصِّيَامِ.
وَلَنَا أَنَّهُ وَطِئَ فِي أَثْنَاءِ مَا لَا يُشْتَرَطُ التَّتَابُعُ فِيهِ، فَلَمْ
يُوجِبْ الِاسْتِئْنَافَ، كَوَطْءِ غَيْرِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا، أَوْ كَالْوَطْءِ
فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الصِّيَامَ.انتهى
---وأما مقدار
الإطعام
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي
قَدْرِ مَا يُعْطَى كُلُّ مِسْكِينٍ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
يُطْعِمُ مُدًّا مِنْ أَيِّ الْأَنْوَاعِ كَانَ.وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ،
وَالشَّافِعِيُّ – وأحمد في روايه- انظر المغني (8\30) وهذا القول هو الصحيح والدليل عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
صَخْرٍ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ
مِكْتَلًا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا فَقَالَ: «أَطْعِمْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» وَذَلِكَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ
مُدٌّ "رواه الترمذي 1200 وقال «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ» والبيهقي في الصغرى (2735) واللفظ له وصححه الحاكم (2/204) ووافقه الذهبي وصححه الألباني قال شيخنا مصطفى العدوي : والصاع أربعة أمداد
فيكون كل مسكين له مد من الطعام ، والله أعلم وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في
الشرح الممتع (13\275) ووجدنا صاع النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ألفين وأربعين جراماً، يعني كيلوين وأربعين
جراماً انتهى فإذا أطعم الإنسان ربع هذا القدر كفى والله أعلم 0
--- لا يجامع قبل
التكفير0
وجملة ذلك : أن الرجل
إذا ظاهر من زوجته ، فإنه لا يجوز له أن يجامعها قبل أن يكفر 0
قال ابن قدامة في المغني
(8\11)
أَنَّ الْمُظَاهِرَ يَحْرُمُ
عَلَيْهِ وَطْءُ امْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ
إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عِتْقًا أَوْ صَوْمًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] . وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
[المجادلة: 4] .انتهى
--- واختلفوا في الجماع
قبل التكفير بالإطعام
ذهب أحمد - في رواية-وأبو
ثور وابن حزم أنه لا حرج في وطئها قبل إخراج الكفارة بالإطعام، قالوا: لأن الله تعالى
اشترط في الآية تقديم الكفارة على المماسَّة في العتق والصيام ولم يشترطه في الكفارة
بالإطعام.انظر صحيح فقه السنة (3\376)
قلت : الصحيح أنه لا يجوز له جماع الزوجة قبل أن يكفر وهو مذهب
َأَكْثَر أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ
الرَّأْيِ -ورواية عن أحمد -.انظر المغني (8\12) والدليل عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، فَوَقَعَ
عَلَيْهَا - أي جامعها- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ ظَاهَرْتُ مِنْ
زَوْجَتِي، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، فَقَالَ: «وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟»، قَالَ: رَأَيْتُ
خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ القَمَرِ، قَالَ: «فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ
اللَّهُ بِهِ»: رواه الترمذي (1199) وقال «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ غَرِيبٌ وحسنه الألباني0قالوا: وما أمره الله به هو أداء الكفارة سواء كانت بالعتق أو بالصوم
أو بالإطعام، فلم يخُصَّ نوعًا معينًا من أنواع الكفارات، فعُلم أنه لا يجوز الوطء
قبل أي نوع منها.
--- قال تعالى {ثُمَّ يَعُودُونَ
لِمَا قالوا000} ما معنى العود الموجب للكفارة
؟ ذهب جمهور العلماء أن العود هو الرجوع إلى الحال الذي كان عليه قبل
الظهار وهو إباحة الوطء –أي الجماع – وهذا مذهب الأئمة الأربعة وابن القيم وغيرهم
وذهب أهل الظاهر إلى أن معنى العود أي إعادة لفظ الظهار فإن لم يعد لفظ الظهار فلا
ظهار ولا كفارة وهذا مذهب ابن حزم انظر الفقه الميسر (3\77)
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (13\250)
قوله: «وهو العود» أي: المذكور
في قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] وهو الوطء، وهذه المسألة
اختلف فيها أهل العلم اختلافاً كثيراً، فما ذهب إليه المؤلف هو القول الأول.
القول الثاني: أن معنى قوله:
{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} ، أي: ثم يقولون ذلك مرة ثانية، وتكون «ما» مصدرية،
أي: ثم يعودون لقولهم، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي، ولم يقله مرة ثانية فلا كفارة عليه؛
لأن الله قال: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} ، والذي قالوه صيغة الظهار وهذا رأي
الظاهرية، أن العود هو أن يعيد اللفظ مرة ثانية.
وهذا القول ليس بصحيح؛ لأنه
يقتضي أن يكون لفظ الظهار الأول لا حكم له إطلاقاً، ثم إنه لو كان المراد ما ذكروا
لقال: ثم يُعيدون ما قالوا؛ لأنه إذا جعلنا المراد بالعود أن يقول الظهار مرة ثانية
صار معناه الإعادة، فيكون التعبير الفصيح: ثم يُعيدون ما قالوا، والآية ليست كذلك.
القول الثالث: أن معنى الآية
أن يعودوا للزوجة، وذلك بأن يمسكها بعد الظهار مدة يمكنه أن يطلق فيها، فإذا قال: أنت
علي كظهر أمي، ثم سكت مدة يمكنه أن يقول فيها: أنت طالق، ولم يطلق صار عائداً لما قال،
فصورة العود على رأي هؤلاء أن يقول: أنت علي كظهر أمي ثم يسكت، فإذا سكت بعد هذه الكلمة
مدة يمكنه أن يقول فيها: أنت طالق، فحينئذٍ تجب عليه الكفارة؛ لأن إمساكها بعد الظهار
دليل على أنه رجع فيما قال؛ إذ
إن مقتضى قوله: أنت عليّ كظهر أمي أن تكون حراماً عليه،
لا تحل له، فإذا أمسك زمناً يمكنه أن يطلق فيه ولم يفعل علم أنه قد ارتضى هذه الزوجة،
وأنه قد عاد.
وهذا ـ أيضاً ـ ليس بصحيح؛
وذلك لأن عدم طلاقها في هذه الحال لا يدل على العود، وهذا يقتضي أن يكون لفظ الظهار
طلاقاً؛ لأن هذه البرهة ـ الزمن القصير ـ معناه أنه كالطلاق تماماً.
القول الرابع: أن العود هو
العزم على الوطء، يعني يعزم على أن يطأ زوجته، فقوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا
قَالُوا} أي: يعزمون على استحلال المرأة، بشرط أن يطأها؛ أما إذا عزم على استحلالها
ولكن ما وطئ ثم طلق مثلاً؛ فإنه ليس عليه كفارة؛ لأنها ما تجب إلا بالوطء.
وهذا القول هو الصحيح، وعلى
هذا فإذا قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، ثم عزم على استحلالها، نقول: هذا عود
إلى الحل بعد التحريم، لكن لا تجب الكفارة إلا بالوطء، أما المذهب فكما قال المؤلف:
إن العود هو نفس الوطء؛ لكن ظاهر الآية الكريمة خلاف ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: {مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا} فكيف نفسر العود بالمسيس، فإذا قلنا: إن العود هو الوطء صار
معنى الآية: ثم يمسوهن فتحرير رقبة من قبل أن يتماسَّا، وهذا لا يستقيم، ولكن العود
هو العزم على الوطء، واستحلالها استحلالاً لا يكون للأم، إلا أن الكفارة لا تثبت في
الذمة إلا بالوطء.
--- هل يحرمُ الاستمتاع دون الجماع كالمعانقة والتقبيل قبل الكفارة؟
قلت : فيه قولان 0
1 - فذهب أبو حنيفة ومالك ورواية في مذهب أحمد: إلى
أنه لا يجوز،وَذَلِكَ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْل
أَنْ يَتَمَاسَّا} فَإِنَّهُ أَمَرَ الْمُظَاهِرَ بِالْكَفَّارَةِ قَبْل " التَّمَاسِّ " وَالتَّمَاسُّ َيصْدُقُ عَلَى الْمَسِّ بِالْيَدِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْجِسْمِ،
كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْوَطْءِ، وَالْوَطْءُ قَبْل التَّكْفِيرِ حَرَامٌ بِالاِتِّفَاقِ،
فَالْمَسُّ بِالْيَدِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَكُونُ حَرَامًا مِثْلَهُ، وَلأَِنَّ الْمَسَّ
وَالتَّقْبِيل بِشَهْوَةٍ وَالْمُبَاشَرَةَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ تَدْعُو إِلَى الْوَطْءِ،
وَمَتَى كَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا كَانَتِ الدَّوَاعِي إِلَيْهِ حَرَامًا أَيْضًا،
بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ: " مَا أَدَّى إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ
". انظر الموسوعة الفقهية الكويتية (29\204)
2 -وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَبَعْضُ
الْمَالِكِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ - إلى أنه يجوز الاستمتاع بما دون الجماع قبل التفكير-
وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَسِّ فِي قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ
قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا} الْجِمَاعُ: وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:
{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} فَلاَ يَحْرُمُ مَا عَدَاهُ مِنَ التَّقْبِيل وَالْمَسِّ
بِشَهْوَةٍ وَالْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلأَِنَّ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ
بِالظِّهَارِ يُشْبِهُ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ بِالْحَيْضِ، مِنْ نَاحِيَةِ أَنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا وَطْءٌ مُحَرَّمٌ وَلاَ يُخِل بِالنِّكَاحِ، وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ
لاَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الدَّوَاعِي إِلَيْهِ، فَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ بِالظِّهَارِ
لاَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الدَّوَاعِي إِلَيْهِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ انظر
الموسوعة الفقهية الكويتية (29\204)
قال شيخنا عادل العزازي
في تمام المنة (3\205)
واختلفوا في غير الوطء
كالمعانقة والتقبيل 0 هل يجوز أم لا ؟ فذهب بعض أهل العلم إلى أن المحرم فقط هو
الجماع ، وأما مقدماته من معانقة وتقبيل ونحو ذلك فيرون جوازه 0 وهذا هو الراجح
لأن الآية أرادت الجماع انتهى وجاء في فتح القدير للشوكاني (5\258)
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) المراد بالتماس هنا : الجماع ، وبه قال
الجمهور ،
--- إذا جامعها قبل الكفارة:
فعليه أن يستغفر الله من
ذلك، وأن لا يقربها حتى يكفّر، وتلزمه كفارة واحدة وهو قول الجمهور وَهَذَا قَوْلُ
الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وهو الحق ، وقيل تجب عليه كفارتان وَصَحَّ ذلك عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، - وَهُوَ
قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ - وقيل ثلاث وهو عَنِ الحسن، وإبراهيم،
وقيل تسقط الكفارة وهو عَنِ الزُّهْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وأبي يوسف انظر
زاد المعاد (5\310)
قال ابن قدامة رحمه الله
في المغني (8\ 41)
وَمَنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ
يَأْتِيَ بِالْكَفَّارَةِ، كَانَ عَاصِيًا، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُظَاهِرَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ؛
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
[المجادلة: 3] . فَإِنْ وَطِئَ عَصَى رَبَّهُ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، وَتَسْتَقِرُّ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ
بِمَوْتٍ، وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَتَحْرِيمُ زَوْجَتِهِ عَلَيْهِ بَاقٍ بِحَالِهِ،
حَتَّى يُكَفِّرَ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ،
وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ،
وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ.وَرَوَى الْخَلَّالُ
عَنْ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَشَرَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ عَنْ الْمُظَاهِرِ
يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ؟ قَالُوا: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَبَكْرُ الْمُزَنِيّ، وَمُوَرِّقُ الْعِجْلِيّ، وَعَطَاءٌ،
وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ وَقَالَ وَكِيعٌ: وَأَظُنُّ الْعَاشِرَ
نَافِعًا. ثم قال وَلَنَا حَدِيثُ «سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ حِينَ ظَاهَرَ ثُمَّ وَطِئَ
قَبْلَ التَّكْفِيرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ»انتهى قلت: عمرو
رواه الترمذي (1198) بلفظ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ البَيَاضِيِّ، عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المُظَاهِرِ يُوَاقِعُ – يجامع -قَبْلَ أَنْ
يُكَفِّرَ قَالَ: «كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ»: وقال«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ» وصححه
الألباني –
قال ابن عثيمين رحمه
الله في الشرح الممتع (13\252)
قوله: «وتلزمه كفارة واحدة
بتكريره قبل التكفير من واحدة» إذا تكرر الظهار، فهل تتكرر الكفارة أو لا؟ يعني إذا
قال: أنت علي كظهر أمي، ثم عاد فقال: أنت علي كظهر أمي، ثم قال: أنت علي كظهر أمي،
فهل تتعدد الكفارة، أم يلزمه كفارة واحدة؟ فيه تفصيل، إن كفَّر عن الأول ثم أعاد الظهار
فإن الكفارة تتعدد؛ لأن هذا الظهار غير الأول، ولأنه صادفه وذمته قد برئت من الظهار
الأول، فيلزمه أن يعيد الكفارة.
وأما إذا لم يكفِّر عن الأول
فتجزئه كفارة واحدة؛ لأن المظاهَر منها واحدة، فالمحل واحد، كما لو حلف أيماناً على
شيء واحد، مثل أن يقول: والله لا أدخل دار فلان، ثم قال مرة ثانية: والله لا أدخل دار
فلان، ثم قال: والله لا أدخل دار فلان، ثم دخله فيجب عليه كفارة واحدة؛ لأن المحلوف
عليه واحد، فكذلك هنا المظاهَر منها واحدة، فلا يلزمه إلا كفارة واحدة.
--- إِنَّ لِلْمَرْأَةِ الْحَقَّ فِي مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَ
الزَّوْجَ مِنَ الْوَطْءِ حَتَّى يُكَفِّرَ، فَإِنِ امْتَنَعَ عَنِ التَّكْفِيرِ كَانَ
لَهَا أَنْ تَرْفَعَ الأَْمْرَ إِلَى الْقَاضِي، وَعَلَى الْقَاضِي أَنْيَ أْمُرَهُ
بِالتَّكْفِير انظر الموسوعة الفقهية
(29\205)
---قَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الرَّجُل إِذَا ظَاهَرَ
مِنْ زَوْجَتِهِ وَفَارَقَهَا بِطَلاَقٍ بَائِنٍ بَيْنُونَةً صُغْرَى، ثُمَّ عَادَتْ
إِلَيْهِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ لاَ يَحِل لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، سَوَاءٌ رَجَعَتْ
إِلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ أَوْ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا
وَتَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ، لاَ يَحِل لَهُ وَطْؤُهَا قَبْل
أَنْ يُكَفِّرَ ، وَعَلَّل ذَلِكَ الْكَاسَانِيُّ
فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الظِّهَارَ قَدِ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ
وَالأَْصْل أَنَّ التَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ إِذَا انْعَقَدَ مُفِيدًا لِحُكْمِهِ فَإِنَّهُ
يَبْقَى مَتَى كَانَ فِي بَقَائِهِ
فَائِدَةٌ مُحْتَمَلَةٌ، وَاحْتِمَال عَوْدَةِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الطَّلاَقِ إِلَى
زَوْجِهَا الأَْوَّل قَائِمٌ، فَيَبْقَى الظِّهَارُ، وَإِذَا بَقِيَ فَإِنَّهُ يَبْقَى
عَلَى مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ الَّتِي تَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَة
انظر الموسوعة الفقهية (29\210)
--- وَيَنْتَهِي
الظِّهَارُ أَيْضًا بِمَوْتِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَلَوْ ظَاهَرَ الرَّجُل
مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ انْتَهَى الظِّهَارُ وَانْتَهَى
حُكْمُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ جَمِيعًا؛ لأَِنَّ مُوجِبَ الظِّهَارِ الْحُرْمَةُ،
وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالرَّجُل وَالْمَرْأَةِ، فَالرَّجُل يَحْرُمُ عَلَيْهِ الاِسْتِمْتَاعُ
بِالْمَرْأَةِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا، وَالْمَرْأَةُ عَلَيْهَا أَلاَّ تُمَكِّنَهُ
مِنْ نَفْسِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلاَ يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْحُكْمِ بِدُونِ مَنْ
تَعَلَّقَ بِهِ.
انظر الموسوعة الفقهية
(29\210)
فائدة :
أما إذا ظاهر منها ثم عاد (أراد الوطء) أو وطئها قبل أن يكفِّر ومات: فعند
الحنفية والمالكية تسقط الكفارة عنه إلا إذا أوصى بها فتخرج من ثلث التركة. وقال الشافعية
والحنابلة: لا تسقط كفارة الظهار - التي لزمته - بالموت، بل يؤديها الوارث عن الميت
من التركة قلت: وهذا هو الأرجح، لأن الكفارة لزمته قبل الموت، فاستقر في ذمته، وقد
قال - صلى الله عليه وسلم -: «فدين الله أحق أن يُقضى» والله أعلم.انظر صحيح فقه السنة (3\380)
--- مَسْأَلَةٌ تظاهر مِنْ
أَرْبَعِ نِسَائِهِ بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ
قال ابن قدامة في المغني
(8\20) قَالَ: وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ
يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ كَفَّارَةٍ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: أَنْتُنَّ
عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ كَفَّارَةٍ. بِغَيْرِ خِلَافٍ
فِي الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ وَعُرْوَةَ، وَطَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ،
وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيِّ
فِي الْقَدِيمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ،
وَالْحَكَمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي الْجَدِيدِ:
عَلَيْهِ لِكُلِّ امْرَأَةٍ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ فِي
حَقِّ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ،
كَمَا لَوْ أَفْرَدَهَا بِهِ.
وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِ
عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَوَاهُ عَنْهُمَا الْأَثْرَمُ، وَلَا
نَعْرِفُ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ
كَلِمَةٌ تَجِبُ بِمُخَالَفَتِهَا الْكَفَّارَةُ، فَإِذَا وُجِدَتْ فِي جَمَاعَةٍ أَوْجَبَتْ
كَفَّارَةً وَاحِدَةً، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَفَارَقَ مَا إذَا ظَاهَرَ
بِكَلِمَاتٍ؛ فَإِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تَقْتَضِي كَفَّارَةً تَرْفَعُهَا، وَتُكَفِّرُ
إثْمَهَا. وَهَاهُنَا الْكَلِمَةُ وَاحِدَةٌ، فَالْكَفَّارَةُ الْوَاحِدَةُ تَرْفَعُ
حُكْمَهَا، وَتَمْحُوا إثْمَهَا، فَلَا يَبْقَى لَهَا حُكْمٌ.
--- ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَاتِ فَقَالَ لِكُلِّ
وَاحِدَةٍ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي
قال ابن قدامة رحمه الله
وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ
إذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَاتٍ، فَقَالَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ
أُمِّي. فَإِنَّ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةً. وَهَذَا قَوْلُ عُرْوَةَ، وَعَطَاءٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: الْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا.
قَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ عِنْدِي مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَاخْتَارَ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَرَبِيعَةَ، وَقَبِيصَةَ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّ
كَفَّارَةَ الظِّهَارِ حَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ تَتَكَرَّرْ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهَا،
كَالْحَدِّ، وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ الطَّلَاقُ.
وَلَنَا أَنَّهَا أَيْمَانٌ
مُتَكَرِّرَةٌ عَلَى أَعْيَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ،
كَمَا لَوْ كَفَّرَ ثُمَّ ظَاهَرَ، وَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ لَا يَحْنَثُ فِي إحْدَاهَا
بِالْحِنْثِ فِي الْأُخْرَى، فَلَا تُكَفِّرُهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، كَالْأَصْلِ،
وَلِأَنَّ الظِّهَارَ مَعْنًى يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، فَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ
بِتَعَدُّدِهِ فِي الْمَحَالِّ الْمُخْتَلِفَةِ، كَالْقَتْلِ، وَيُفَارِقُ الْحَدَّ،
فَإِنَّهُ عُقُوبَةٌ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. فَأَمَّا إنْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ
مِرَارًا وَلَمْ يُكَفِّرْ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ وَاحِدٌ، فَوَجَبَتْ
كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ وَاحِدَةً.
--- ويجوز للإمام أن يعينه
من صدقات المسلمين إذا كان فقيرا لا يقْدر على الصوم وله أن يصرف منها لنفسه وعياله
وإذا كان الظهار مؤقتا فلا يرفعه إلا انقضاء الوقت لتقريره صلى الله عليه وسلم سلمة
بن صخر لما قال له إنه ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان وهو في مسند أحمد وسنن أبي داود
والترمذي وحسنه والحاكم وصححه ابن خزيمة وابن الجارود كما تقدم انظر الرَّوْضَة النَّدِيَّة (2\6)
--- قال الصنعاني في سبل
السلام (2\276)
وَفِي الْحَدِيثِ – يقصد حديث عَنْ «سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ فَخِفْت أَنْ أُصِيبَ امْرَأَتِي، فَظَاهَرْت مِنْهَا فَانْكَشَفَ
لِي شَيْءٌ مِنْهَا لَيْلَةً فَوَقَعْت عَلَيْهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَرِّرْ رَقَبَةً فَقُلْت: مَا أَمْلِكُ إلَّا رَقَبَتِي.
قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قُلْت: وَهَلْ أَصَبْت الَّذِي أَصَبْت إلَّا
مِنْ الصِّيَامِ؟ قَالَ: أَطْعِمْ فَرَقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا» أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْجَارُودِ.- وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَسْقُطُ جَمِيعُ أَنْوَاعِهَا بِالْعَجْزِ، وَفِيهِ خِلَافٌ.فَذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ وَأَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ إلَى عَدَمِ سُقُوطِهَا بِالْعَجْزِ
لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ «خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ
ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ إلَى أَنْ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْتِقُ رَقَبَةً قَالَتْ لَا يَجِدُ قَالَ
يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ
قَالَ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَتْ مَا عِنْدَهُ شَيْءٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ
قَالَ فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ» الْحَدِيثَ فَلَوْ كَانَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْعَجْزِ
لَأَبَانَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُعِنْهُ مِنْ عِنْدِهِ.
وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَطَائِفَةٌ إلَى سُقُوطِهَا بِالْعَجْزِ كَمَا تَسْقُطُ
الْوَاجِبَاتُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا وَعَنْ إبْدَالِهَا. وَقِيلَ: إنَّهَا تَسْقُطُ
كَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ بِالْعَجْزِ عَنْهَا لَا غَيْرُهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ
قَالُوا: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْمُجَامِعَ
فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَأْكُلَ الْكَفَّارَةَ هُوَ وَعِيَالُهُ وَالرَّجُلُ لَا
يَكُونُ مَصْرِفًا لِكَفَّارَتِهِ، وَقَالَ الْأَوَّلُونَ إنَّمَا حَلَّتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ
إذَا عَجَزَ وَكَفَّرَ عَنْهُ الْغَيْرُ جَازَ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ
أَحْمَدَ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ وَلَهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ
قَوْلَانِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَتْهُ الْهَادَوِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ
إذَا قَبَضَ الزَّكَاةَ مِنْ شَخْصٍ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ.انتهى
--- اللعان
اللِّعَانُ وَالْمُلَاعَنَةُ وَالتَّلَاعُنُ مُلَاعَنَةُ
الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ يُقَالُ
تَلَاعَنَا وَالْتَعْنَا وَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسُمِّيَ لِعَانًا لِقَوْلِ
الزَّوْجِ عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ انظر شرح مسلم
للنووي (10\119)
سببه :
أن يقذف الرجل زوجته
بالزنا – والعياذ بالله – سواء قذفها بشخص معين ، أو غير معين ، أو نفي نسب ولدها
منه ، وليس لديه شهود على هذا القذف ، ولم تقر هي على ما قذفها به ، فشرع في حقه
اللعان 0 انظر تمام المنة لشيخنا العزازي (3\208)
مشروعيته :
ثبتت مشروعية اللعان
بالكتاب والسنة :
أما الكتاب : فقد قال
تعالى :( وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ
شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ
اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ
أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَة
َ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) سورة (النور 6-10)
وأما السنة :1- عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُوَيْمِرًا العَجْلاَنِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ
الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ
رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ
عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ
ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ
مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَجَعَ
عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ، جَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عَاصِمٌ: لَمْ تَأْتِنِي
بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَسْأَلَةَ
الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ
عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَسْطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ
مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا» قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاَعَنَا
وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَا، قَالَ
عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا
ثَلاَثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ المُتَلاَعِنَيْنِ رواه البخاري (5259) ومسلم (1492)
3-
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ، قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«البَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي
ظَهْرِكَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ
رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «البَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَقَالَ هِلاَلٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ
بِالحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الحَدِّ،
فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور:
6] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] فَانْصَرَفَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ هِلاَلٌ
فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا
كَانَتْ عِنْدَ الخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ:
لاَ أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ اليَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ، سَابِغَ
الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ»، فَجَاءَتْ
بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلاَ مَا
مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ رواه البخاري (4747)
قَوْلُهُ: (أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ) الْأَكْحَلُ: الَّذِي مَنَابِتُ أَجْفَانِهِ سُودٌ كَأَنَّ
فِيهَا كُحْلًا. قَوْلُهُ: (سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ) أَيْ عَظِيمَهُمَا.- أي
ضخم الأليتين وهي مقعدته- قَوْلُهُ: (خَدَلَّجَ
السَّاقَيْنِ) أَيْ مُمْتَلِئَ السَّاقَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ.انظر نيل الأوطار
(6\324)
--- الحكمة من مشروعية اللعان:
أن الرجل قد يبتلى بامرأة تفسد فراشه بالزنا فيعظم عليه إشهاد شهود عليها
وقتئذ حيث يلحقه العار بذلك، وإن قذفها وليس له بينة أقيم عليه الحد، وإن سكت قد يلحقه
من ذلك نسب غيره، فشرع له اللعان خروجًا من ذلك 0
--- ما هو سبب نزول آية اللعان :
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم
(10\119)
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نُزُولِ آيَةِ اللِّعَانِ هَلْ
هُوَ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ أَمْ بِسَبَبِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ
أَوَّلًا لِعُوَيْمِرٍ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ وَقَالَ جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ سَبَبُ نُزُولِهَا قِصَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ
الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي قصة هلال) قَالَ وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ
لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي
قَالَ الْأَكْثَرُونَ قِصَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَسْبَقُ مِنْ قِصَّةِ الْعَجْلَانِيِّ
قَالَ وَالنَّقْلُ فِيهِمَا مُشْتَبِهٌ ومختلف وقال بن الصَّبَّاغِ مِنْ أَصْحَابِنَا
فِي كِتَابِهِ الشَّامِلِ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ
أَوَّلًا قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُوَيْمِرٍ
إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَمَعْنَاهُ مَا نَزَلَ فِي قِصَّةِ
هِلَالٍ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا
نَزَلَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَعَلَّهُمَا سَأَلَا فِي وَقْتَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ
فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمَا وَسَبَقَ هِلَالٌ باللِّعَانِ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا نَزَلَتْ
فِي هَذَا وَفِي ذَاكَ وَأَنَّ هِلَالًا أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انتهى
--- شروط اللعان :
وجملة ذلك : أن الزوج
إذا قذف زوجته ولم يأت بالبينة ، فإنه يلاعنها ولكن لا تصح الملاعنة إلا إذا توافرت
هذه الشروط :
1- «أن يكون بين زوجين» يعني
بين زوج وزوجته، سواء كان ذلك قبل الدخول – قال ابن المنذر وأجمعوا على أن الرجل
إذا قذف زوجته قبل أن يدخل بها : أنه يلاعنها - أو بعد الدخول، فإن كان بين أجنبيين فلا لعان فيه،
إما حد القذف على القاذف، وإما حد الزنا على المقذوف إذا ثبت ذلك، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ
أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ} ... } الآية [النور: 6] . فإن كان بين أجنبيين ثم تزوج الرجل المرأة التي
قذفها فلا يجري اللعان؛ لأنه قذفها قبل أن يتزوجها، وعليه فإذا قذف امرأة قبل أن يتزوجها
إن أقرت أقيم عليها الحد، وإن لم تقرر وأتى ببينة أقيم عليها الحد، وإن لم يأتِ ببينة
أقيم عليه هو الحد.انظر الشرح الممتع (13\285)
2- أن يرميها بصريح الزنا ، بأن يقول: زنت، أو زنيت، أو ما
أشبه ذلك، فإن قال: أتيت
شبهةً، أو قَبَّلك فلان، أو استمتع بك بغير الوطء، فهل يثبت اللعان أو لا؟ لا يثبت؛
لأن هذه لا يثبت بها حد القذف، فلا يثبت بها اللعان.
قال ابن قدامة في المغني
رحمه الله (8\58)
وَأَمَّا إنْ قَذَفَهَا بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْفَوَاحِشِ
غَيْرِ الزِّنَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِمَا
لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ، كَمَا لَوْ
قَذَفَهَا بِضَرْبِ النَّاسِ وَأَذَاهُمْ.
3- أن تكذبه الزوجة؛ أي تقول:
إنه كاذب، فلو أقرَّت بما رماها به فإنه لا لعان ويقام عليها الحد، إن كانت محصنة رجمت
حتى تموت، وإن كانت غير محصنة فإنها تجلد مائة جلدة وتغرَّب عاماً، والدليل على أن
من شرطه أن تكذبه الزوجة قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ
أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ *} [النور] وهي إذا صدقته
وأقرت بالزنا ما يدرأ عنها العذاب؛ لأنها يثبت عليها الحد بإقرارها.انظر الشرح
الممتع (13\285)
4- أن يكون الزوج بالغا عاقلا مختارا غير مكره حين يرميها بالزنا
عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَام،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ
الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ " رواه أبو داود (4403) وصححه الألباني
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ،
وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رواه ابن ماجه (2045) وصححه الألباني
قال ابن قدامة رحمه الله
في المغني (8\50)0فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ
قَوْلٌ تَحْصُلُ بِهِ الْفُرْقَةُ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، كَالطَّلَاقِ،
أَوْ يَمِينٌ، فَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ
5- ، اسْتِكْمَالُ لَفْظَاتِ
اللِّعَانِ الْخَمْسَةِ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْهَا لَفْظَةً،
لَمْ يَصِحَّ.- كما نص عليه القرآن - انظر المغني سيأتي ذلك
6- أَنْ يَأْتِيَ بِصُورَتِهِ،- كما نص عليه
القرآن-( وهناك خلاف فيما إذا استبدل لفظا بمثلها في المعني ) قال ابن عثيمين قوله:
«أو أبدل لفظة أشهد بأقسم أو أحلف» هذا هو الشرط الثامن، فإذا أبدل أحدهما لفظة «أشهد»
بـ «أقسم» أو «أحلف» ما صح؛ لأن الله سماه شهادة فقال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ
شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} فإذا قال: أحلف بالله صارت يميناً فقط، ولو قال: أشهد أن زوجتي
زنت، أو قالت هي: أشهد أنه كاذب، ما يصح، فلا يبدل شيئاً من الألفاظ بغيره، ولو كان
مرادفاً له.
قوله: «أو لفظة اللعنة بالإبعاد»
فالزوج بدلاً من أن يقول: لعنة الله عليّ، قال: وأن طرد الله وإبعاده عن رحمته عليّ،
لم يصح، فلا بد أن يكون باللفظ الوارد؛ ولهذا قلنا: لا بد أن يكون بالعربية للقادر
عليه، ولو كان يجوز إبدال لفظ بلفظ لجاز بالعربية وغيرها.قوله: «أو الغضب بالسخط لم
يصح» فإذا أبدلت الزوجة لفظ الغضب بالسخط لم يصح، وكذلك يشترط التوالي بين الكلمات
والجمل.انظر الشرح الممتع (13\295)
7- التَّرْتِيبُ، أي في
لفظات اللعان وكذلك فَإِنْ قَدَّمَتْ الْمَرْأَةُ
لِعَانَهَا عَلَى لِعَانِ الرَّجُلِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.- كما في حديث هلال بن
أمية كما في البخاري ( 5307 ) سيأتي
8- قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (13\286)
قوله: «ومن عرف العربية لم
يصح لعانه بغيرها» هذا هو الشرط الثاني، أن يكون باللغة العربية، ولكن إذا كان يحسن العربية، فلو كان رجل يحسن اللغتين العربية وغيرها، وأراد أن يلاعن بغير
العربية قلنا: لا يصح، بل لا بد أن يكون باللغة العربية؛ لأنه يتضمن ألفاظاً نص عليها
القرآن، فلا بد أن يكون بتلك الألفاظ.
فإن قال قائل: لماذا، وهو
ليس من الألفاظ المتعبد بها؟ فالجواب: لأنه لفظ ورد به النص، وهو قادر عليه، فلا يخالفه
إلى غيره، وقد تكون الترجمة لا تؤدي المعنى المطلوب على وجه التمام، وهذه ألفاظ خطيرة
جداً؛ لأن فيها رفع حد وإثبات حد.
القول الثاني: أنه يصح بلغتهما
وإن عرفا العربية، وهذا هو المقطوع به؛ وذلك لأن ألفاظ اللعان ليست ألفاظاً تعبدية
حتى نحافظ عليها، إنما هي ألفاظ يعبر بها الإنسان عما في نفسه، فمتى علمت لغته أجزأ
اللعان.
قوله: «وإن جهلها فبلغته»
يعني إن جهل العربية فبلغته التي يعلم، فإن كان يعرف لغتين غير العربية، فهل نقول:
لا بد أن يكون بلغته؛ لأنها الأصل، أو نقول: لما تعذرت اللغة العربية يجوز بكل لغة؟
الظاهر الثاني، وأن الإنسان لا يُلزم بلغته إذا كان لا يعرف اللغة العربية.
وَإِنْ جَهِلَهَا فَبلُغَتِهِ،
فَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بالزِّنَا فَلَهُ إِسْقَاطُ الْحَدِّ باللِّعَانِ، فَيَقُولُ
قَبْلَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ زَنَتْ زَوْجَتِي هَذِهِ، وَيُشيرُ
إِلَيْهَا، وَمَعَ غَيْبَتِهَا يُسَمِّيهَا وَيَنْسِبُهَا،.....
وقوله: «وإن جهلها فبلغته»
بناء على الأغلب، وأن الإنسان إنما ينطق بلغة واحدة، إما بالعربية وإما بغيرها، ولأنه
إذا لم يعرف العربية لم يتمكن من الإتيان بها، فصارت بقية اللغات بالنسبة إليه على
حد سواء.
9- قال ابن عثيمين قوله:
«أو لم يحضرهما حاكم أو نائبه» هذا هو الشرط السابع، يعني لا بد من
حضور الحاكم أو نائبه، يعني القاضي أو من ينيبه في ذلك؛ لأن الرسول صلّى الله عليه
وسلّم لما أخبره هلال ـ رضي الله عنه ـ بما جرى لأمرأته أمره أن يحضرها، فتلاعنا بحضرة
النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولأن هذا كالشهادة في الأحكام، والشهادة ما تقبل إلا بحضور
الشهود عند الحاكم أو نائبه، فلو تلاعن الزوج وزوجته عند حضرة من الناس لم ينفع، بل
لا بد من حضور الحاكم أو نائبه.انظر الشرح الممتع (13\295)
قال ابن القيم في زاد
المعاد (5\338) وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ
بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا، فَتَلَاعَنَا بِحَضْرَتِهِ، فَكَانَ فِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ
اللِّعَانَ إِنَّمَا يَكُونُ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ
أَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِقَامَةُ الْحَدِّ، بَلْ هُوَ
لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ انتهى
فائدة : قال ابن عثيمين
رحمه الله (13\294)
ولكن الشأن كله في أن الزوج
هل يجب عليه إذا اتهم زوجته أن يلاعن، أو لا يجب، أو يجب عليه الفراق، أو ماذا يفعل؟
يقول العلماء: إن حملت من
هذا الرجل الفاجر وجب عليه أن يلاعن؛ من أجل نفي الولد، وإن لم تحمل فإنه لا يجب عليه
اللعان، وله أن يستر عليها، ثم إن كان قادراً على حفظها وحمايتها فليبقها عنده، وإلا
فليطلقها؛ لئلا يكون ديوثاً يقر أهله بالفاحشة، والظاهر أن الأفضل الستر، خصوصاً إذا
ظهر منها التوبة، وكانت ذات أولاد، ويخشى من تفرق العائلة.
--- كيف يتم اللعان ؟
1-
يحضر الزوج والزوجة أمام الحاكم أو نائبه ، لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر هلال بن أمية أن يستدعي زوجته إليه ، ثم لاعن بينهما
كما عند البخاري (4747) وهو شرط كما سبق 0
2-
يسن أن يكون بمحضر جماعة من الناس كما في حديث سَهْل
بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيّ في البخاري (5259) ومسلم (1492) قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاَعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
3- وأن يتلاعنا قياما لحديث ابن عباس السابق في المرأة الملاعنة 000
ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ
قال ابن قدامة في المغني (8\84)
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اللِّعَانُ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ
ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ حَضَرُوهُ مَعَ حَدَاثَةِ أَسْنَانِهِمْ،
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَضَرَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ إنَّمَا
يَحْضُرُونَ الْمَجَالِسَ تَبَعًا لِلرِّجَالِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيظِ، مُبَالَغَةً فِي الرَّدْعِ
بِهِ وَالزَّجْرِ، وَفِعْلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصُوا
عَنْ أَرْبَعَةٍ، لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزِّنَا الَّذِي شُرِعَ اللِّعَانُ مِنْ أَجْلِ الرَّمْيِ بِهِ أَرْبَعَةٌ، وَلَيْسَ
شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَاجِبًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَلَاعَنَا قِيَامًا، فَيَبْدَأُ
الزَّوْجُ فَيَلْتَعِنُ وَهُوَ قَائِمٌ، فَإِذَا فَرَغَ قَامَتْ الْمَرْأَةُ فَالْتَعَنَتْ
وَهِيَ قَائِمَةٌ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَنَّهُ قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «قُمْ فَاشْهَدْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ» وَلِأَنَّهُ
إذَا قَامَ شَاهَدَهُ النَّاسُ، فَكَانَ أَبْلَغَ فِي شُهْرَتِهِ، فَاسْتُحِبَّ كَثْرَةُ
الْجَمْعِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا. وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ
وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا.انتهى
4- ويستحب تذكير الإمام
المتلاعنين بالتوبة :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، فَجَاءَ فَشَهِدَ،
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟» ثُمَّ قَامَتْ
فَشَهِدَت رواه البخاري (5307) ومسلم (1493) عن ابن عمر
5- ويبدأ اللعان بالزوج
لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، فَجَاءَ فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟» ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَت
رواه البخاري (5307) في الحديث أن الرجل يبدأ قبل المرأة في التلاعن
وهو واجب عند الجمهور خلافا لأبي حنيفة
قال الصنعاني في سبل
السلام رحمه الله (2\279)
وَاخْتُلِفَ هَلْ تَجِبُ
الْبُدَاءَةُ بِهِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى وُجُوبِهَا لِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالٍ «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك»
فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهِ لِدَفْعِ الْحَدِّ عَنْ الرَّجُلِ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْأَةِ
كَانَ دَافِعًا لِأَمْرٍ لَمْ يَثْبُتْ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا تَصِحُّ
الْبُدَاءَةُ بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَدُلَّ عَلَى لُزُومِ الْبُدَاءَةِ
بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ فِيهَا بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهَا،
وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِ التَّرْتِيبَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَبْدَأُ إلَّا بِمَا هُوَ
الْأَحَقُّ فِي الْبُدَاءَةِ وَالْأَقْدَمُ فِي الْعِنَايَةِ وَبَيَّنَ فِعْلُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ نَبْدَأُ بِمَا
بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي وُجُوبِ الْبُدَاءَةِ بِالصَّفَاانتهى
6- فيقوم الزوج ويقول
: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ
فِيمَا رَمَيْت بِهِ زَوْجَتِي هَذِهِ مِنْ الزِّنَا. ويقول ذلك أربع مرات انظر
المغني (8\86) والدليل : قال الله تعالى :( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ
إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ
لَمِنَ الصَّادِقِين
7-وبعد الأربع شهادات
يوقفه الحاكم ويأمر الحاكم من يضع يده على فمه، حتى لا ينطق بالخامسة ثم يعظه
ويقول له: اتق الله فإنها موجبة، ، فإن عذاب
الدنيا أهون من عذاب الآخرة. انظر حديث ابن عباس عند أبي داود (2255) وصححه الألباني وحديث ابن عمر عند مسلم (1493) في عون المعبود
(6\245) (أَنْ يَضَعَ) أَيِ الرَّجُلُ (يَدَهُ) الضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ (عَلَى فِيهِ)
أَيْ عَلَى فَمِ
الرَّجُلِ الْمُلَاعِنِ (يَقُولُ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَضَعَ (إِنَّهَا) أَيِ الشَّهَادَةُ
الْخَامِسَةُ (مُوجِبَةٌ) أَيْ لِغَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ قال ابن القيم في زاد
المعاد (5\340) وَمِنْهَا: وَعْظُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ عِنْدَ إِرَادَةِ
الشُّرُوعِ فِي اللِّعَانِ، فَيُوعَظُ وَيُذَكَّرُ وَيُقَالُ لَهُ: عَذَابُ الدُّنْيَا
أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ أُعِيدَ ذَلِكَ
عَلَيْهِمَا كَمَا صَحَّتِ السُّنَّةُ بِهَذَا وَهَذَا انتهى
8- فإن رجع عما رماها به
حُدَّ حَدَّ القذف.
9- فإن أصرَّ الزوج، فإنه
يقول في الخامسة: (وعليَّ لعنة الله إن كنتَ من الكاذبين).ويسقط به حدُّ القذف.قال
القرطبي في الجامع لأحكام القران (12\195)
ثم يقول في الخامسة : علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين وإن شاء قال : إن
كنت كاذبا فيما ذكرت عنها ، فإذا قال ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد انتهى
10- ثم يأمر المرأة
بالقيام ويقول لها : قولي : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ زَوْجِي هَذَا لَمِنْ الْكَاذِبِينَ
فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا. وَتُشِيرُ إلَيْهِ، - تقول ذلك أربع مرات –
ثم يوقفها بع الرابعة – ويعظها كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ، وَيَأْمُرُ امْرَأَةً
فَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى فِيهَا، فَإِنْ رَآهَا تَمْضِي عَلَى ذَلِكَ، قَالَ لَهَا:
قُولِي: وَإِنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كَانَ زَوْجِي هَذَا مِنْ الصَّادِقِينَ
فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا.انظر المغني (8\86)
11- فائدة : وقد صح اللعان
أيضا بهذه الكيفية : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا
قَذَفَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ امْرَأَتَهُ، قِيلَ لَهُ: وَاللَّهِ لَيَجْلِدَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً. قَالَ: اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ
ذَلِكَ، أَنْ يَضْرِبَنِي ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي رَأَيْتُ حَتَّىَ
اسْتَيْقَنْتُ، وَسَمِعْتُ حَتَّىَ اسْتَثْبَتُّ، لَا وَاللَّهِ لَا يَضْرِبُنِي أَبَدًا.
فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ، فَدَعَا بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتِ الْآيَةُ، فَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» فَقَالَ هِلَالٌ: وَاللَّهِ
إِنِّي لَصَادِقٌ، فَقَالَ: «احْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّي لَصَادِقٌ»
يَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ كُنْتُ كَاذِبًا فَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قِفُوهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ،
فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ» فَحَلَفَتْ ثُمَّ قَالَتْ أَرْبَعًا: وَاللَّهِ
الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا
فَعَلَيْهَا غَضَبُ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قِفُوهَا عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ فَرَدَّدَتْ، وَهَمَّتْ بِالِاعْتِرَافِ» ثُمَّ
قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي. رواه الحاكم (2\202) وصححه الحاكم والذهبي 0
--- الآثار المترتبة على
اللعان :
إذا تم اللعان ترتب عليه
ما يلي :
1-
سقوط الحد أو التعزير فلا يقام على الزوج حد
القذف ولا يعزر ولا يقام على الزوجة حد الزنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهِلاَل
بْن أُمَيَّةَ «البَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» رواه البخاري فلما نزلت آيات اللعان وتلاعنا
فرق بينهما ولم يقم الحد عليهما
في سبل السلام (2\281)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ
مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ
تَلَاعَنَا، فَإِنَّ اللِّعَانَ يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدَّ فَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ
ذِكْرُهُ الْمَقْذُوفَ بِهِ تَبَعًا، وَلَا يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ «قَالَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ الْبَيِّنَةُ أَوْ
حَدٌّ فِي ظَهْرِك فَلَمَّا تَلَاعَنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهِلَالٍ بِالْحَدِّ» ، وَلَا
يُرْوَى فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَنَّ شَرِيكُ ابْنُ سَحْمَاءَ عَفَا عَنْهُ
فَعُلِمَ أَنَّ الْحَدَّ الَّذِي كَانَ يَلْزَمُهُ بِالْقَذْفِ سَقَطَ عَنْهُ بِاللِّعَانِ
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ذِكْرِ مَنْ يَقْذِفُهَا بِهِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ
عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يُحَمِّلْ نَفْسَهُ عَلَى الْقَصْدِ لَهُ بِالْقَذْفِ وَإِدْخَالِ
الضَّرَرِ عَلَيْهِ.انتهى
2- أن الملاعنة لا تُرمي بالزنا، ومن رماها حُدَّ وهذا مذهب الجمهور
لحديث ابن عباس 000 وَقَضَى– رسول الله صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ، وَلَا تُرْمَى، وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى
وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقَضَى أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ
غَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَا مُتَوَفَّى عَنْهَا، رواه أبو داود (2256) وضعفه الألباني وقد ذكر الحافظ في التلخيص
(3/ 227) لها شاهدًا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده،
3- متى يقع التفريق ؟ هل بمجرد قذف الرجل لامرأته
؟ أم بعد حلفه وشهادته أم بعد ملاعنتهما معا ؟
عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «سَأَلَ فُلَانٌ، فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ إِنْ تَكَلَّمَ
تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ؟ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ،
فَقَالَ: " إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ، وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ:
أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَ: لَا وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا،
وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ. قَالَتْ:
لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ
أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنِ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ
اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ
أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنِ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ
اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا،
رواه مسلم (1493)
قال الصنعاني في سبل
السلام (2\280)
قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا
لَا تَقَعُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ لَا بِنَفْسِ اللِّعَانِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
كَثِيرٌ مُسْتَدِلِّينَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ
بِأَنَّ الرَّجُلَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ تَمَامِ اللِّعَانِ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ تَقَعُ
بِنَفْسِ اللِّعَانِ لَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ طَلَاقَهُ
فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ.
، وَقَالَ الْجُمْهُورُ بَلْ
الْفُرْقَةُ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ تَحْصُلُ
الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ لِعَانِهِ، وَإِنْ لَمْ تَلْتَعِنْ هِيَ؟ فَقَالَ
الشَّافِعِيُّ تَحْصُلُ بِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ لِعَانِهِمَا،
وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَبِهِ قَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ وَاسْتَدَلُّوا
بِمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- ذَلِكُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ
أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ ذَلِكُمْ عَنْ قَوْلِهِ
لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا قَالَ وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ
الْفِرَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا بِحُكْمٍ، فَقَدْ نَفَذَ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ الْحَاكِمِ
الْأَعْظَمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: " ذَلِكُمْ التَّفْرِيقُ
بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ " قَالُوا: وَقَوْلُهُ: فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مَعْنَاهُ
إظْهَارُ ذَلِكَ وَبَيَانُ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ لَا أَنَّهُ أَنْشَأَ الْفُرْقَةَ
بَيْنَهُمَا قَالُوا، فَأَمَّا طَلَاقُهُ إيَّاهَا فَلَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ التَّحْرِيمَ الْوَاقِعَ بِاللِّعَانِ
إلَّا تَأْكِيدًا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْكَارِهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا فُرْقَةَ
إلَّا بِالطَّلَاقِ لَجَازَ لَهُ الزَّوَاجُ بِهَا بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ،
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد –(2256) ضعفه الألباني -عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ وَقَضَى رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا
قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَا مُتَوَفًّى
عَنْهَا وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي حَدِيثِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ
قَالَ مَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا
ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ فَرَّقَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، وَقَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ
أَبَدًا وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَا مَضَتْ السُّنَّةُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ
أَنْ لَا يَجْتَمِعَا أَبَدًا وَعَنْ عُمَرَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجْتَمِعَانِ
أَبَدًا.انتهى
قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام الطلاق (133) فمن الأحاديث المتقدمة
يتبين أن التفريق يقع بعد ملاعنتهما معا 0 وهذا هو قول أكثر أهل العلم 0
4- أن تحرَّم عليه زوجته المُلاعنة
أبدًا:
وهذا مذهب أكثر أهل
العلم وذهب أبو حنيفة كما نقل عنه النووي
(3\715) إلى أن اللعان طلاق قلت : الصحيح مذهب أكثر أهل العلم والدليل : عَنِ ابْنِ
عُمَرَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُتَلَاعِنَانِ إِذَا تَفَرَّقَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» رواه الدَّارَقُطْنِيّ (3706) وصححه الألباني في الصحيحة (2465)
قال ابن القيم في زاد المعاد (5\351)
أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ تُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا لَا يَجْتَمِعَانِ بَعْدَهَا
أَبَدًا. 000عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَقَالَ:
«فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ:
(لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» ) وَذَكَرَ البيهقي مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «الْمُتَلَاعِنَانِ
إِذَا تَفَرَّقَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» )
قَالَ: وَرُوِّينَا عَنْ
علي وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا: (مَضَتِ السُّنَّةُ
فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ لَا يَجْتَمِعَا أَبَدًا) قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا
يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أحمد وَالشَّافِعِيُّ ومالك وَالثَّوْرِيُّ
وأبو عبيد وأبو يوسف.
وفي اللجنة الدائمة (20\326)
إذا تمت الملاعنة بين الزوجين فرق بينهما أبدا، فلا تحل له، ويجوز لها الزواج من غيره
بعد انتهاء العدة إذا انتفت الموانع ووجدت الشروط لعموم الأدلة من الكتاب والسنة. وبالله
التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فائدة : قال شيخنا وحيد بن عبد
السلام بالي برغم أنهما أصبحَا محرَّمينِ تحريما مؤبدا إلا أنهما لا يأخُذَان حكمَ
المحرم المؤبدِ ؛ لأنه حرِّمَ بسبب غيرِ مشروع 0
5- استحقاق المرأة صداقها وليس للرجل أن يأخذ منه شيئًا:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ،
لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالِي، قَالَ: «لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ
مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا»
رواه البخاري (5312) ومسلم (1493)
قال ابن حجر في فتح
الباري (9\456)
وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَهُ وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ
الْمَدْخُولِ بِهَا فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ لَهَا النِّصْفَ كَغَيْرِهَا
مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقِيلَ بَلْ لَهَا جَمِيعُهُ قَالَهُ أَبُو
الزِّنَادِ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَقِيلَ لَا شَيْءَ لَهَا أَصْلًا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ
6- إلحاق الولد بأمه بعد
الملاعنة :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» رواه البخاري (5315) ومسلم (1494)
قال ابن حزم في مراتب الإجماع (81)
وَاتَّفَقُوا أَن الزَّوْجَة ان قَالَت بعد ذَلِك بِاللَّه الَّذِي لَا اله الا هُوَ
عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة ان فلَانا زَوجي هَذَا فِيمَا رماني
بِهِ من الزِّنَا لَكَاذِب وكررت ذَلِك أَربع مَرَّات ثمَّ قَالَت فِي الْخَامِسَة
وَعلي غضب الله ان كَانَ من الصَّادِقين أَنَّهَا قد التعنت وَلَا حد عَلَيْهَا وَأَن
الْوَلَد قد انتفي حِينَئِذٍ عَنهُ فِي الْفرْقَة فِيهَا ان التعنا انتهى
7- التَّعْرِيض
بِالْقَذْفِ لَيْسَ قَذْفًا:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ، فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «مَا أَلْوَانُهَا» قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ»
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ» قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ، قَالَ: «فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ
عِرْقٌ رواه البخاري (6847) ومسلم (1500)
وَجْهُ التَّعْرِيضِ أَنَّهُ قَالَ : غُلَامٌ أَسْوَدُ أَيْ وَأَنَا
أَبْيَضُ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنِّي؟ فِي هذا الحديث دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيض بِالْقَذْفِ لَيْسَ
قَذْفًا ،
قال ابن حجر في فتح الباري (9\443)
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ لَيْسَ قَذْفًا وَبِهِ
قَالَ الْجُمْهُورُ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِذَلِكَ انتهى
8- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ،
فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، احْتَجَبَ
اللَّهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ رواه أبو
داود (2263) وضعفه الألباني قال العلامة الألباني والشطر الثاني منه صحيح؛ له شاهد
قوي من حديث ابن عمر في "الصحيحة" (3480) .
9-
ما الحكم في المرأة إذا قذفها زوجها ولم
يترافعا إلى السلطان ؟ قال شيخنا مصطفى العدوي : إذا قذفها ولم يترافعا إلى
السلطان فهي امرأته 0 انظر أحكام النساء (5\503)
10- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ قَالَ: «غَرِّبْهَا» قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي،
قَالَ: «فَاسْتَمْتِعْ بِهَا رواه أبو داود (2049) وصححه الألباني
غَرِّبْهَا» قَالَ فِي النِّهَايَةِ
أَيْ أَبْعِدْهَا يُرِيدُ الطَّلَاق
قال الصنعاني في سبل السلام
(2\284)
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
تَفْسِيرِ قَوْلِهِ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ عَلَى قَوْلَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ
مَعْنَاهُ الْفُجُورُ، وَأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ مِنْهَا الْفَاحِشَةَ،
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْخَلَّالُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ
وَالْخَطَّابِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَطْلِيقُ
مَنْ فَسَقَتْ بِالزِّنَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَتِهَا.
(وَالثَّانِي) أَنَّهَا تُبَذِّرُ
بِمَالِ زَوْجِهَا، وَلَا تَمْنَعُ أَحَدًا طَلَبَ مِنْهَا شَيْئًا مِنْهُ، وَهَذَا
قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْأَصْمَعِيِّ وَنَقَلَهُ عَنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَأَنْكَرَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ
أَشْبَهَ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ يَشْكُلُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْله
تَعَالَى {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى
الْآيَةِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ.
(قُلْت) : الْوَجْهُ الْأَوَّلُ
فِي غَايَةٍ مِنْ الْبُعْدِ بَلْ لَا يَصِحُّ لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ دَيُّوثًا فَحَمْلُهُ عَلَى
هَذَا لَا يَصِحُّ وَالثَّانِي بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ إنْ كَانَ بِمَالِهَا
فَمَنْعُهَا مُمْكِنٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ فَكَذَلِكَ، وَلَا يُوجِبُ
أَمْرُهُ بِطَلَاقِهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُقَالَ
فُلَانٌ لَا يَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ كِنَايَةً عَنْ الْجُودِ فَالْأَقْرَبُ الْمُرَادُ
أَنَّهَا سَهْلَةُ الْأَخْلَاقِ لَيْسَ فِيهَا نُفُورٌ وَحِشْمَةٌ عَنْ الْأَجَانِبِ
لَا أَنَّهَا تَأْتِي الْفَاحِشَةَ وَكَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ بِهَذِهِ
الْمَثَابَةِ مَعَ الْبُعْدِ مِنْ الْفَاحِشَةِ، وَلَوْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَا
تَمْنَعُ نَفْسَهَا عَنْ الْوِقَاعِ مِنْ الْأَجَانِبِ لَكَانَ قَاذِفًا لَهَا.انتهى
11- الْوَلَد لِلْفِرَاشِ دُونَ الزَّانِي
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ
فِي غُلاَمٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنُ
أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ
بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ
وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَبَهِهِ،
فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي
مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ» فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطّ رواه البخاري (2218) ومسلم (1457)
قال الشوكاني في نيل
الأوطار (6\330)
قَوْلُهُ: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ)
اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفِرَاشِ، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَرْأَةِ.
وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ حَالَةِ الِافْتِرَاشِ. وَقِيلَ: إنَّهُ اسْمٌ لِلزَّوْجِ،
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ مُسْتَدِلًّا
عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَ جُرَيْجٍ. بَاتَتْ تُعَانِقُهُ وَبَاتَ فِرَاشَهَا وَفِي
الْقَامُوسِ: إنَّ الْفِرَاشَ: زَوْجَةُ الرَّجُلِ، قِيلَ: وَمِنْهُ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ.
وَالْجَارِيَةُ يَفْتَرِشُهَا الرَّجُلُ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ)
الْعَاهِرُ: الزَّانِي، يُقَالُ عَهَرَ: أَيْ زَنَى، قِيلَ: وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: عَهَرَ الْمَرْأَةَ كَمَنَعَ عَهْرًا وَيُكْسَرُ وَيُحَرَّكُ،
وَعَهَارَةً بِالْفَتْحِ وَعُهُورَةً، وَعَاهَرَهَا عِهَارًا: أَتَاهَا لَيْلًا لِلْفُجُورِ
أَوْ نَهَارًا انْتَهَى. وَمَعْنَى لَهُ الْحَجَرُ: الْخَيْبَةُ، أَيْ لَا شَيْءَ لَهُ
فِي الْوَلَدِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَهُ الْحَجَرُ وَبِفِيهِ التُّرَابُ، يُرِيدُونَ
لَيْسَ لَهُ إلَّا الْخَيْبَةُ
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَجَرِ
أَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ إذَا زَنَى، وَلَكِنَّهُ لَا يُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ
كُلُّ زَانٍ بَلْ الْمُحْصَنُ فَقَطْ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا
يُلْحَقُ بِالْأَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ إمْكَانِ
الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمَظِنَّةِ
كَافِيَةٌ، وَرُدَّ بِمَنْعِ حُصُولِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ
إمْكَانِ الْوَطْءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِبَارَ مُجَرَّدِ الْعَقْدِ فِي ثُبُوتِ
الْفِرَاشِ جُمُودٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ حَكَى ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ يَقُولُ: بِأَنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ
بِهَا بَلْ لَوْ طَلَّقَهَا عَقِبَهُ فِي الْمَجْلِسِ تَصِيرُ بِهِ الزَّوْجَةُ فِرَاشًا،
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُلَاحِظُ الْمَظِنَّةَ أَصْلًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ
أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي الْغَيْثِ أَنَّهُ يَقُولُ بِثُبُوتِ الْفِرَاشِ وَلُحُوقِ
الْوَلَدِ. وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مَا وَطِئَ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ مَسَافَةٌ طَوِيلَةٌ لَا يُمْكِنُ
وُصُولُهُ إلَيْهَا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إلَى
أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الدُّخُولِ الْمُحَقَّقِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَشَارَ
إلَيْهِ أَحْمَدُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَقَالَ: وَهَلْ يَعُدُّ أَهْلُ اللُّغَةِ
وَالْعُرْفِ الْمَرْأَةَ فِرَاشًا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا؟ كَيْفَ تَأْتِي الشَّرِيعَةُ
بِإِلْحَاقِ نَسَبِ مَنْ لَمْ يَبْنِ بِامْرَأَتِهِ وَلَا دَخَلَ بِهَا وَلَا اجْتَمَعَ
بِهَا بِمُجَرَّدِ إمْكَانِ ذَلِكَ؟ وَهَذَا الْإِمْكَانُ قَدْ قُطِعَ بِانْتِفَائِهِ
عَادَةً، فَلَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا إلَّا بِدُخُولٍ مُحَقَّقٍ انْتَهَى.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْوَطْءِ الْمُحَقَّقِ مُتَعَسِّرَةٌ، فَاعْتِبَارُهَا
يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَنْسَابِ وَهُوَ يُحْتَاطُ فِيهَا. وَاعْتِبَارُ
مُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ يُنَاسِبُ ذَلِكَ الِاحْتِيَاطَ، وَلَا بُدَّ فِي ثُبُوتِ نَسَبِ
الْوَلَدِ أَنْ تَأْتِيَ الْمَرْأَةُ بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ
مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْوَطْءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَوْ الْعَقْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
أَوْ مَعْرِفَةِ الْوَطْءِ الْمُحَقَّقِ عِنْدَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَهَذَا مُجْمَعٌ
عَلَيْهِ، فَلَوْ وُجِدَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا حَصَلَ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ
قَبْلُ فَلَا يُلْحَقُ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ فِرَاشَ الْأَمَةِ كَفِرَاشِ
الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ الْفِرَاشِ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ
نَصٌّ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ النِّزَاعَ بَيْنَ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَّاصٍ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ
وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ
إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ فِرَاشِ الْأَمَةِ الدَّعْوَةُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَالثَّوْرِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا يَثْبُتُ فِرَاشُهَا
إلَّا بِدَعْوَةِ الْوَلَدِ، وَلَا يَكْفِي الْإِقْرَارُ بِالْوَطْءِ فَإِنْ لَمْ يَدْعُهُ
كَانَ مِلْكًا لَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَلْحَقَ وَلَدَ زَمْعَةَ بِهِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ ادَّعَاهُ زَمْعَةُ أَمْ
لَا؟ بَلْ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي الْإِلْحَاقِ أَنَّهُ صَاحِبُ الْفِرَاشِ. وَأَمَّا
قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَمْ يُلْحِقْهُ بِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ عَلَى أَنَّهُ أَخٌ لَهُ.
وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مَمْلُوكًا لَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: " هُوَ لَك يَا عَبْدُ
بْنُ زَمْعَةَ " وَاللَّامُ لِلتَّمْلِيكِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي آخِرِ
الْحَدِيثِ مِنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَوْدَةِ بِالِاحْتِجَابِ
مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ أَخًا لَهَا لَمْ تُؤْمَرْ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ، وَمَا وَقَعَ
فِي رِوَايَةِ: " احْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَخٍ لَك " فَقَدْ
أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- " هُوَ لَكَ " لِلِاخْتِصَاصِ لَا التَّمْلِيكِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا
فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمَذْكُورَةِ بِلَفْظِ " هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ
" وَبِأَنَّ أَمْرَهُ لِسَوْدَةِ بِالِاحْتِجَابِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ
وَالْوَرَعِ وَالصِّيَانَةِ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا رَآهُ مِنْ الشَّبَهِ
بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ كَمَا فِي حَدِيثِ " كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ
" قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْجَوَابِ: أَوْ يَكُونُ مُرَاعَاةً
لِلشَّيْئَيْنِ وَإِعْمَالًا لِلدَّلِيلَيْنِ، فَإِنَّ الْفِرَاشَ دَلِيلُ لُحُوقِ
النَّسَبِ، وَالشَّبَهُ بِغَيْرِ صَاحِبِهِ دَلِيلُ نَفْيِهِ، فَأَعْمَلَ أَمْرَ الْفِرَاشِ
بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُدَّعِي، وَأَعْمَلَ الشَّبَهَ بِعُتْبَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى
ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَوْدَةَ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ
وَأَبْيَنِهَا وَأَوْضَحِهَا، وَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ
وَجْهٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا " احْتَجِبِي مِنْهُ
فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَخٍ لَكِ " فَقَدْ طَعَنَ الْبَيْهَقِيُّ فِي إسْنَادِهَا.
وَقَالَ فِيهَا جَرِيرٌ: وَقَدْ نُسِبَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ إلَى سُوءِ الْحِفْظِ، وَفِيهَا
يُوسُفُ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. قَوْلُهُ: (اخْتَصَمَ سَعْدٌ
وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
لَمْ يَذْكُرْ مَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِصَامُ، وَلَعَلَّ هَذَا اللَّفْظَ أَحَدُ الْأَلْفَاظِ
الَّتِي رُوِيَ بِهَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَفِي بَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَغَيْرِهِمَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الِاخْتِصَامَ وَقَعَ فِي غُلَامٍ قَوْلُهُ: (وَقَالَ
عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ
أَنْ يَسْتَلْحِقَ الْوَلَدَ مِثْلَ اسْتِلْحَاقِ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ لِلْأَخِ، وَكَذَلِكَ
لِلْوَصِيِّ الِاسْتِلْحَاقُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ
يُنْكِرْ سَعْدُ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةَ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ لِلْأَبِ
أَنْ يَسْتَلْحِقَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَدِّ. قَوْلُهُ: (فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا
بِعُتْبَةَ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْعَمَلِ بِالشَّبَهِ وَالْقَافَةِ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا) فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَذْهَبِ
الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي فِرَاشِ الْأَمَةِ الدَّعْوَةُ، بَلْ
يَكْفِي مُجَرَّدُ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ.انتهى
12- قال الشوكاني في نيل
الأوطار (6\319)
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ
رَجُلًا وَتَحَقَّقَ وُجُودُ الْفَاحِشَةِ مِنْهُمَا فَقَتَلَهُ هَلْ يُقْتَلُ بِهِ
أَمْ لَا؟ فَمَنَعَ الْجُمْهُورُ الْإِقْدَامَ وَقَالُوا: يُقْتَصُّ مِنْهُ إلَّا أَنْ
يَأْتِيَ بِبَيِّنَةِ الزِّنَى أَوْ يَعْتَرِفَ الْمَقْتُولُ بِذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ
يَكُونَ مُحْصَنًا. وَقِيلَ: بَلْ يُقْتَلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ
الْحَدَّ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا يُقْتَلُ أَصْلًا
وَيُعْذَرُ فِيمَا فَعَلَهُ إذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ صِدْقِهِ، وَشَرَطَ أَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وَمَنْ تَبِعَهُمَا أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَبَبِ
ذَلِكَ. وَوَافَقَهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ لَكِنْ
زَادَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ قَدْ أُحْصِنَ وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ
لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ وَجَدَهُ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَوَلَدِهِ حَالَ
الْفِعْلِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُقَادُ بِهِ إنْ كَانَ بِكْرًا. انتهى
13-أنَّ الأحكام الشرعية تبنى على ظاهر الأمر، وهي البيانات الشرعية، ولا
يكلف الحاكمُ الشرعيُّ أكثر من هذا. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا،
بِقَوْلِهِ: فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلاَ يَأْخُذْهَا رواه البخاري (2680) ومسلم (1713)
--- الخلع ؟
تعريف
الخلع : أَمَّا
حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ فَهُوَ فِرَاقُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ عَلَى عِوَضٍ يَحْصُلُ لَهُ 0
انظر تحفة الأحوذي (4\ 305)
--- مشروعيته :
الخلع ثابت بالكتاب والسنة ،
أما الكتاب : قال الله تعالى ( وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ
شَيْئًا إِلَّا
أَنْ يَخَافَا أَلَّا
يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) البفرة (229)
أما
السنة : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ
فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الكُفْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ
فَفَارَقَهَا رواه البخاري
(5276)
--- هل يشترط – لجواز الخلع – إذن الحاكم ؟
ذهب الجماهير من أهل العلم إلى جواز الخلع من غير إذن الحاكم، واحتجوا: بقوله تعالى: {فَلاَ
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}سورة البقرة (229) فيه إباحة الأخذ من الزوجة بتراضيهما
من غير سلطان.
قال ابن قدامة في المغني (7\ 324)
فَصْلٌ: وَلَا يُفْتَقَرُ
الْخُلْعُ إلَى حَاكِمٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، يَجُوزُ الْخُلْعُ دُونَ السُّلْطَانِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ،
وَإِسْحَاقُ، وَأَهْلُ الرَّأْيِ. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَابْن سِيرِينَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَلَنَا، قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلِأَنَّهُ
مُعَاوَضَةٌ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى السُّلْطَانِ، كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّهُ قَطْعُ
عَقْدٍ بِالتَّرَاضِي، أَشْبَهَ الْإِقَالَةَ.انتهى
--- الخلع بدون سبب فهو حرام
عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ»
رواه الترمذي (1186) وصححه الألباني 00
أما إذَا كَرِهَتْ زَوْجَهَا، لِخَلْقِهِ، أَوْ خُلُقِهِ، أَوْ دِينِهِ، أَوْ كِبَرِهِ،
أَوْ ضَعْفِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَخَشِيَتْ أَنْ لَا تُؤَدِّيَ حَقَّ اللَّهَ تَعَالَى
فِي طَاعَتِهِ، جَازَ لَهَا أَنْ تُخَالِعَهُ بِعِوَضٍ تَفْتَدِي بِهِ نَفْسَهَا مِنْهُ؛
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] انظر المغني (7\323)
---
هل يجوز الخلع في الحيض أم لا ؟
قلت : يجوز الخلع في الحيض لأنه ليس بطلاق
وهو مذهب أكثر أهل العلم منهم الحنفية والشافعية والحنابلة وذهب المالكية إلى منع
الخلع في الحيض انظر الموسوعة الفقهية (18\326) 0 قال ابن عثيمين رحمه الله : إذا كان
الطلاق على عوض، فإنه لا باس أن يطلقها وهي حائض. مثل أن يكون بين الزوجين نزاع وسوء
عشرة فيأخذ الزوج عوضًا ليطلقها، فيجوز ولو كانت حائضًا. لحديث ابن عباس (رضي الله
عنهما) «أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءتْ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت:
" يا رسول الله إني ما أعْتِبُ عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام
"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أتردِّين عليه حديقته؟ قالت: نعم.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقْبلْ الحديقة وطلّقها تطليقة» [رواه البخاري]
. ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كانت حائضًا أو طاهرًا؟ ، ولأن هذا الطلاق
افتداء من المرأة عن نفسها فجازَ عند الحاجة إليه على أي حال كان.قال في المغني معللا
جواز الخلع حال الحيض " لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل الضرر الذي يلحقُها
بطول العدة، والخلعُ لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرههُ ولَبغضُه،
وذلك أعظم من ضرر طول العدة، فجاز دفع أعلاهما بأدناهما، ولذلك لم يسأل النبي - صلى
الله عليه وسلم – المختلعة عن حالها ". اهـ .انظر الدماء الطبيعية (1/34 )
--- هل الخلع فسخ أم طلاق 0
قال
شيخنا مصطفى العدوي : وهذه المسألة من الأهمية بمكان فإن الذين اعتبروا الخلع فسخا
أجازوا لمن طلق امرأته مرتين واختلعت منه مرة ( أي : بعد التطليقتين أو قبلهما أو
مضافة إليهما على أي وجه ) أن يراجعها ما دامت لم تتزوج ، وليس هذا فحسب بل إن
اختلعت منه مائة مرة لم يبالوا بتلك المرات ولم يحسبوها تطليقات 0 انتهى
اختلف
أهل العلم في ذلك على قولين:
الأول:
َذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَن الْخلْع تَطْلِيقَة بَائِنَة ينتقِص
بِهِ عددُ الطَّلَاق، وَهُوَ قَول عُمَر، وَعُثْمَان، وَعلي، وَابْن مَسْعُود،-
قلت لا يثبت عن أحد من الصحابة ذلك سيأتي - وَبِهِ قَالَ الْحَسَن، وَالنَّخَعِيّ،
وَعَطَاء، وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَشُرَيْح، وَالشَّعْبِيّ، وَمُجاهد، وَمَكْحُول،
وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ
فِي أصح قوليه، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وابن حزم انظر شرح السنة للبغوي (9/196) والمحلى
(10/
238).
وحجة
هذا القول ما يلي:
1
-عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ
عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟»
قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلِ
الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ – البخاري -: «لاَ يُتَابَعُ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ» البخاري ( 5273)
يعني
البخاري يرى أن لفظة وطلقها تطليقة
شاذ قلت : الرواية المحفوظة برقم 5276 بلفظ وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا وليس فيه الْأَمْر بالتطليق
2
-عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " جَعَلَ الْخُلْعَ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً رواه البيهقي في الكبرى (14865)
وقال
تفَرَّدَ بِهِ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْبَصْرِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ بْنُ
الْحَجَّاجِ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ بِخِلَافِهِ
وضعفه شيخنا مصطفى العدوي ،
3
- عن عليِّ بن أبي طالب أن الخلع طلاق، وأجيب: بأنه
ضعيف ، قال ابن حزم: روينا من طريق لا يصح عن عليٍّ - رضي الله عنه -. اهـ.
قال شيخ الإسلام (32/ 289): وما علمتُ أحدًا من أهل
العلم صحح ما نُقل عن الصحابة من أنه طلاق بائن محسوب من الثلاث. اهـ.
قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ: ضَعَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ عُثْمَانَ، وَحَدِيثَ عَلِيٍّ،
وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي إِسْنَادِهِمْ مَقَالٌ،انظر السنن الصغير للبيهقي (2639)
القول
الثاني: الخُلع فسخ وليس بطلاق فلو خلعها مرات ومرات جاز له أن يتزوجها بعقد جديد
قبل أن تنكح زوجا غيره :
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
ورواية عن أحمد وإسْحَاقِ بْنِ رَاهَوَيْه
وَأَبِي ثَوْرٍ ودَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خُزَيْمَة. وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ: كطاوس وَعِكْرِمَةَ. وهو اختيار شيخ الإسلام-
ابن تيمية - انظر مجموع الفتاوى (32\ 289) وسبل السلام (2\246) وتلميذه ابن القيم ورجحه ابن
عثيمين وشيخنا مصطفى العدوي ،وهو الراجح 0
والدليل
على ذلك :
1
–واحتجوا : بِأَنَّ الْخُلْعَ
فَسْخٌ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ}
ثُمَّ قَال: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ثُمَّ قَال: {فَإِنْ
طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (1) ،
فَذَكَرَ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَالْخُلْعَ، وَتَطْلِيقَةً بَعْدَهَا، فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ
طَلاَقًا لَكَانَ أَرْبَعًا؛ وَلأَِنَّهَا فُرْقَةٌ خَلَتْ عَنْ صَرِيحِ الطَّلاَقِ
وَنِيَّتِهِ فَكَانَتْ فَسْخًا كَسَائِرِ الْفُسُوخِ.صح الأثر بذلك عن ابن
عباس رضي الله عنهما فيما أخرجه عبد الرزاق (6/487 سعيد بن منصور 1455)
2
–
عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ
عَفْرَاءَ، أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أُمِرَتْ
أَنْ تَعْتَدَّ
بِحَيْضَةٍ. رواه الترمذي ( 1185) وصححه الألباني
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي
هَذَا أَقْوَى دَلِيلٍ لِمَنْ قَالَ إنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ، وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ إذْ
لَوْ كَانَ طَلَاقًا لَمْ يَكْتَفِ بِحَيْضَةٍ لِلْعِدَّةِ، انظر سبل السلام (2\246)
3-
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا
عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ».رواه الترمذي (3/483) وصححه الألباني 0
قالوا
: فلو كان الخلع طلاقا ما أمرت أن تعتد بحيضة ، فمن ثم فهو فسخ
قال ابن القيم في زاد
المعاد (5\181)
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ لَيْسَ
بِطَلَاقٍ أَنَّ
اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَتَّبَ عَلَى الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ الَّذِي
لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَهُ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ كُلُّهَا مُنْتَفِيَةٌ عَنِ الْخُلْعِ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الزَّوْجَ
أَحَقُّ بِالرَّجْعَةِ فِيهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَحْسُوبٌ
مِنَ الثَّلَاثِ فَلَا تَحِلُّ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ
وَإِصَابَةٍ.
الثَّالِثُ أَنَّ الْعِدَّةَ
فِيهِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ.
وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ
وَالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ فِي الْخُلْعِ، وَثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ
الصَّحَابَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ فِيهِ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، وَثَبَتَ بِالنَّصِّ جَوَازُهُ
بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ، وَوُقُوعِ ثَالِثَةٍ بَعْدَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا فِي كَوْنِهِ
لَيْسَ بِطَلَاقٍ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا
آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ
بِهِ} [البقرة: 229] [الْبَقَرَةِ: 229] وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْمُطَلَّقَةِ
تَطْلِيقَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُهَا وَغَيْرَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ
الضَّمِيرُ إِلَى مَنْ لَمْ يُذْكَرْ، وَيُخْلَى مِنْهُ الْمَذْكُورُ، بَلْ إِمَّا
أَنْ يَخْتَصَّ بِالسَّابِقِ أَوْ يَتَنَاوَلَهُ وَغَيْرَهُ.
ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا
فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَنْ طُلِّقَتْ
بَعْدَ فِدْيَةٍ وَطَلْقَتَيْنِ قَطْعًا لِأَنَّهَا هِيَ الْمَذْكُورَةُ، فَلَا بُدَّ
مِنْ دُخُولِهَا تَحْتَ اللَّفْظِ، وَهَكَذَا فَهِمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ الَّذِي
دَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ
تَأْوِيلَ الْقُرْآنِ وَهِيَ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ بِلَا شَكٍّ.
وَإِذَا كَانَتْ أَحْكَامُ
الْفِدْيَةِ غَيْرَ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ
فَهَذَا مُقْتَضَى النَّصِّ وَالْقِيَاسِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ مَنْ نَظَرَ
إِلَى حَقَائِقِ الْعُقُودِ وَمَقَاصِدِهَا دُونَ أَلْفَاظِهَا يَعُدُّ الْخُلْعَ فَسْخًا
بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ حَتَّى بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ
أحمد وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا. قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أحمد وَكَلَامِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ
أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ مَا أَجَازَهُ الْمَالُ
فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ.قَالَ عبد الله بن أحمد رَأَيْتُ أَبِي كَانَ يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ
ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ عمرو عَنْ طَاوُوسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (الْخُلْعُ تَفْرِيقٌ
وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ) وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابن طاووس كَانَ أَبِي لَا يَرَى
الْفِدَاءَ طَلَاقًا وَيُخَيِّرُهُ.وَمَنِ اعْتَبَرَ الْأَلْفَاظَ وَوَقَفَ مَعَهَا
وَاعْتَبَرَهَا فِي أَحْكَامِ الْعُقُودِ جَعَلَهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ طَلَاقًا، وَقَوَاعِدُ
الْفِقْهِ وَأُصُولُهُ تَشْهَدُ أَنَّ الْمَرْعِيَّ فِي الْعُقُودِ حَقَائِقُهَا وَمَعَانِيهَا
لَا صُوَرُهَا وَأَلْفَاظُهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ أَنْ
يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْخُلْعِ تَطْلِيقَةً، وَمَعَ هَذَا أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ
بِحَيْضَةٍ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ فَسْخٌ، وَلَوْ وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ
انتهى
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ
عَلَّقَ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْفِدْيَةِ بِكَوْنِهِ فِدْيَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفِدْيَةَ
لَا تَخْتَصُّ بِلَفْظٍ، وَلَمْ يُعَيِّنِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهَا لَفْظًا مُعَيَّنًا،
وَطَلَاقُ الْفِدَاءِ طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ
الْمُطْلَقُ، كَمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهَا فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ وَالِاعْتِدَادِ
بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
--- هل يصح «خُلع» بدون عوَض؟
اختلف العلماء فيما إذا قالت المرأة لزوجها: (اخلعني) فقال لها: (قَد خلعتك) ولم يكن
هذا على عوض، هل يصح عقد الخلع؟ على قولين :
الأول: يصح الخلع بلا عوض:
وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية في مذهب أحمد، انظر صحيح فقه السنة (3\352)
وحجتهم:
1 - أن الخلع قطع للنكاح فصحَّ من غير عوض كالطلاق.
2 - ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن توجد من المرأة
رغبة عن زوجها وحاجة إلى فراقه، فتسأله فراقها، فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع،
فصحَّ كما لو كان بعوض.
القول الثاني: لا يصح إلا
بعوض: وهو مذهب الشافعي والرواية الأخرى عن أحمد، وهو الذي استقر عليه متأخرو فقهاء
الحنابلة، وهو اختيار شيخ الإسلام، والظاهر أنه مذهب ابن حزم، انظر صحيح فقه السنة (3\352)
وحجتهم ما يلي:1 - أن الله تعالى علَّق الخلع على مسمَّى الفدية،
فقال عز وجل: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} .
2 - أن امرأة ثابت بن قيس لما أرادت أن تخالع زوجها،
قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فتردِّي عليه حديقته؟» قالت: نعم، فردَّت عليه،
وأمره ففارقها قلت: وهو في معنى الشرط.
3 - أن حقيقة الخلع: إن كان فسخًا - على ما هو الأرجح
- فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا بعيبها.
4 - أنه لو قال: (فسخت النكاح) ولم ينو به الطلاق لم
يقع شيء، بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة، فلا يجتمع له العوض والمعوض.
وعلى القول بأن الخلع طلاق،
فهو كناية لا يقع إلا بالنية أو بذل المعوض، وههنا لم يوجد واحد منهما.
وعلى فرض أنه طلاق وليس فيه
عوض، لا يقتضي البينونة إلا أن تكمل الثلاث.
قال العلامة ابن عثيمين
رحمه الله في الشرح الممتع (12\476)
قوله: «وإن خالعها بغير عوض أو بمحرم لم يصح» لقوله تعالى: {فَلاَ
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ، فإذا خالعها على غير عوض
فأين الفداء؟! لا فداء، وهذا هو المذهب.
وقال شيخ الإسلام: يصح أن
يخالعها على غير عوض، وعلل ذلك بأمرين: أحدهما: أن العوض حق للزوج، فإذا أسقطه باختياره
فلا حرج، كغيره من الحقوق، فكما أنها لو خالعته على ألف ريال وتم الخلع ثم أبرأها منه،
فلا حرج، فكذلك إذا اتفقا من أول الأمر على أنه لا عوض.
الثاني: أنه إذا خالعها فإنه
يخالعها على عوض؛ لأنها تسقط حقها من الإنفاق؛ لأنه لو كان الطلاق رجعياً لكانت النفقة
مدة العدة على الزوج، فإذا خالعته فلا نفقة عليه، فكأنها بذلت له عوضاً، فهي قد أسقطت
الحق الذي لها من النفقة على الزوج، وهو قد أسقط الحق الذي له من الرجعة،
فالرجعة حق للزوج، والنفقة مدة العدة حق للزوجة، فإذا رضيا بإسقاطهما في الخلع فلا
مانع. ويجيب عن الاستدلال بالآية بأن الغالب أن الزوج لا يفارق زوجته إلا بعوض، ولهذا
قال الله ـ عزّ وجل ـ: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ، وما قاله
الشيخ ـ رحمه الله ـ جيد؛ لأنه في الحقيقة خلع على عوض، وهو إسقاط النفقة عنه،انتهى
--- هل يجوز للرجل أن يأخذ من زوجته أكثر مما
أعطاها ليخالعها ؟
اختلف
العلماء في مقدار العوض الذي يجوز بذله وأخذه، على ثلاثة أقوال
الأول:
لا يُستحب أن يكون أكثر مما أعطاه: وهو قول علي وسعيد بن المسيب وطاووس وعطاء والزهري
وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق.انظر فتح الباري (9\402) وهو الراجح 0
واحتجوا
: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ أَتَتْ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ
فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، لَا أُطِيقُهُ
بُغْضًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَتَرُدِّينَ
عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلَا يَزْدَادَ رواه ابن ماجه (2056) حديث حسن وصححه الدَّارَقُطْنِيّ والألباني 0
القول
الثاني: يجوز بما تراضيا عليه قلَّ أو كَثُر: وهو مذهب الجمهور، منهم مالك والشافعي،
وابن حزم، وبه يقول ابن عمر وابن عباس ومجاهد وعكرمة والنخعي وغيرهم، انظر صحيح
فقه السنة (3/353)
وحجتهم
ما يلي:
1
-
قوله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
سورة البقرة (229) فهذا
عموم يشمل ما افتدت به سواء كان بقدر ما أعطاه الزوج أو أكثر أو أقل قلت : خص هذا
العموم حديث ابن عباس .
2
-
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ
عَفْرَاءَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَمْلِكُهُ
فَخَاصَمَهُ فِي ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجَازَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ
يَأْخُذَ عِقَاصَ رَأْسِهَا فَمَا دُونَهُ رواه البخاري معلقا (9/ 306) ووصله ابن حزم في المحلى (10/ 240) قالوا: فدلَّ على أن للزوج
أن يأخذ من زوجته في الخلع كل ما تملك من قليل أو كثير، ولا يترك لها سوى عقاص شعرها
(وهو ما يربط به الشعر بعد جمعه) ولم ينكر أحد من الصحابة على عثمان فيما أفتى به المرأة
قلت: لو صح ذلك عن عثمان رضي الله عنه فإنه لا يدفع
به ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لان الحجة فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
القول
الثالث: َفَصَّل الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ النُّشُوزُ
مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ كُرِهَ لَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا، لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَال زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ
قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} النساء (20) . وَلأَِنَّهُ أَوْحَشَهَا
بِالْفِرَاقِ فَلاَ يَزِيدُ إِيحَاشَهَا بِأَخْذِ الْمَال، وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ
مِنْ قِبَل الْمَرْأَةِ لاَ يُكْرَهُ لَهُ الأَْخْذُ، وَهَذَا بِإِطْلاَقِهِ يَتَنَاوَل
الْقَلِيل وَالْكَثِيرَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ
فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا
افْتَدَتْ بِهِ} انظر الموسوعة الفقهية (19\243).
قلت:
القول الأول هو الصحيح والله أعلم 0
قال
ابن القيم في زاد المعاد (5\176)
وَدَلَّ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] عَلَى جَوَازِهِ
بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ عبد الرزاق،
عَنْ معمر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، أَنَّ الربيع بنت معوذ
بن عفراء حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَمْلِكُهُ
فَخُوصِمَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَأَجَازَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ
يَأْخُذَ عِقَاصَ رَأْسِهَا فَمَا دُونَهُ.وَذَكَرَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
موسى بن عقبة عن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَاءَتْهُ مَوْلَاةٌ لِامْرَأَتِهِ اخْتَلَعَتْ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا وَكُلِّ ثَوْبٍ لَهَا حَتَّى نُقْبَتِهَا.وَرُفِعَتْ إِلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ امْرَأَةٌ نَشَزَتْ عَنْ زَوْجِهَا فَقَالَ: (اخْلَعْهَا وَلَوْ
مِنْ قُرْطِهَا) ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أيوب عَنْ كثير بن أبي كثير
عَنْهُ. وَذَكَرَ عبد الرزاق عَنْ معمر عَنْ ليث عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( «لَا يَأْخُذُ مِنْهَا فَوْقَ
مَا أَعْطَاهَا» ) .وَقَالَ طَاوُوسٌ: لَا يَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ
مِمَّا أَعْطَاهَا، وَقَالَ عطاء: إِنْ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى صَدَاقِهَا، فَالزِّيَادَةُ
مَرْدُودَةٌ إِلَيْهَا.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا
يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا.
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ:
إِنْ أَخَذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا لَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ.وَقَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ: كَانَتِ الْقُضَاةُ لَا تُجِيزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا
مَا سَاقَ إِلَيْهَا.وَالَّذِينَ جَوَّزُوهُ احْتَجُّوا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَآثَارِ
الصَّحَابَةِ، وَالَّذِينَ مَنَعُوهُ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ أبي الزبير «أَنَّ ثَابِتَ
بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ لَمَّا أَرَادَ خُلْعَ امْرَأَتِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ "؟ قَالَتْ:
نَعَمْ وَزِيَادَةً. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا
الزِّيَادَةُ فَلَا) » . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ سَمِعَهُ أبو الزبير مِنْ غَيْرِ
وَاحِدٍ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
قَالُوا: وَالْآثَارُ مِنَ
الصَّحَابَةِ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ تَحْرِيمُ الزِّيَادَةِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ إِبَاحَتُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَتُهَا،
كَمَا رَوَى وَكِيعٌ عَنْ أبي حنيفة عَنْ عمار بن عمران الهمداني عَنْ أَبِيهِ عَنْ
علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا
أَعْطَاهَا، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ أَخَذَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَنَصَّ عَلَى الْكَرَاهَةِ،
وأبو بكر مِنْ أَصْحَابِهِ حَرَّمَ الزِّيَادَةَ وَقَالَ: تُرَدُّ عَلَيْهَا.وَقَدْ
ذَكَرَ عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عطاء «أَتَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أُبْغِضُ زَوْجِي وَأُحِبُّ فِرَاقَهُ قَالَ (فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ
الَّتِي أَصْدَقَكِ "؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَزِيَادَةً مِنْ مَالِي. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا الزِّيَادَةُ مِنْ مَالِكِ
فَلَا وَلَكِنِ الْحَدِيقَةُ " قَالَتْ: نَعَمْ» ) فَقَضَى بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَحَدِيثُ أبي الزبير مُقَوٍّ لَهُ وَقَدْ رَوَاهُ
ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْهُمَا.
في
فتاوى د حسام عفانة (15\89)
فلا
يأخذ الزوج أكثر مما دفع لها في المهر.
ويؤيد
ذلك ما ورد في إحدى الروايات لحديث ابن عباس المتقدم في قصة مخالعة ثابت بن قيس وزوجته:
(فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد) رواه ابن ماجة وهو
حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني وفي رواية أخرى (ففرق بينهما رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال: خذ ما أعطيتها ولا تزدد) رواه البيهقي وله شواهد تقويه.وفي رواية أخرى:
(أتردين عليه حديقته؟ ثم قالت: نعم وزيادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الزيادة
فلا) رواه الدارقطني وقال إسناده صحيح.وورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لا يأخذ
منها فوق ما أعطاها) رواه عبد الرزاق في المصنف ,
وقال
الزهري: [لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها].
وقال
ميمون بن مهران: [إن أخذ منها أكثر مما أعطاها لم يسرح بإحسان].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق