الاثنين، 14 نوفمبر 2016

هل الأموات يسمعون عمرو الأثري أبو حبيبة



هل الأموات يسمعون
عمرو الأثري
أبو حبيبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذا بحث فيه تحقيق مسألة سماع الأموات لكلام الأحياء ، عرضت فيه الأدلة ، وأقوال العلماء في المسألة ، فإن المسائل المتعلقة بالميت وأحواله في قبره ، وهل يسمع ما يدور من حديث حوله ، ونحو ذلك ، تعتبر من الغيب الذي لا يجوز الخوض فيه إلا عند وجود الدليل الصريح من الكتاب أو صحيح السنة
وقد تنازع العلماء في ذلك على أربعة مذاهب ؟
المذهب الأول : إثبات السماع مطلقاً للأموات وهو مذهب الجمهور من العلماء وهو اختيار جمع من المحققين، كابن حزم، والقاضي عياض، والنووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والحافظ ابن كثير.انظر الأحاديث المشكلة (1/353) ودليلهم : 1- عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ اليَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: «يَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ، وَيَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟» قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»، قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ، قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا رواه البخاري (3976) ومسلم (2874) قالوا: فهذا دليل على أن الأموات يسمعون، فإذا كان المشركون يسمعون فالمؤمنون من باب أولى قال الشنقيطي في أضواء البيان (6/129) فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَقْسَمَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْأَحْيَاءَ الْحَاضِرِينَ لَيْسُوا بِأَسْمَعَ لِمَا يَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أُولَئِكَ الْمَوْتَى بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي سَمَاعِ الْمَوْتَى، وَلَمْ يَذْكُرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ تَخْصِيصًا، وَكَلَامُ قَتَادَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ اجْتِهَادٌ مِنْهُ، فِيمَا يَظْهَرُ.اهـ
 . واعتُرِضَ : بأن عائشة رضي الله عنها روت الحديث بلفظ : قَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الآنَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ» وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ المَوْتَى} [النمل: 80]رواه البخاري (1371 ) ومسلم (932)
 ، وهذا يدل على أن الرواية التي فيها التصريح بالسماع غير محفوظة
.
وأجاب المخالف : بأن تأول عائشة رضي الله عنها بعض آيات القرآن ، لا تُرد به روايات الصحابة العدول الصحيحة الصريحة عنه صلى الله عليه وسلم ، ويتأكد ذلك بثلاثة أمور :
الأول : أن رواية العدل لا ترد بالتأويل .
الثاني :أن عائشة رضي الله عنها لما أنكرت رواية ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم :« إنهم ليسمعون الآن ما أقول » قالت: إن الذي قاله صلى الله عليه وسلم :« إنهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم هو الحق » فأنكرت السماع ونَفَتْهُ عنهم ، وأثبتت لهم العلم ، ومعلومٌ أنَّ من ثبت له العلم صح منه السماع . 
الثالث : هو ما جاء عنها مما يقتضي رجوعها عن تأويلها إلى الروايات الصحيحة ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/ 303) « وَمِنَ الْغَرِيبِ أَنَّ فِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ رِوَايَةَ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ وَفِيهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَكَأَنَّهَا رَجَعَتْ عَنِ الْإِنْكَارِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهَا مِنْ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهَا لَمْ تَشْهَدِ الْقِصَّةَ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ مِنَ الْفَهْمِ وَالذَّكَاءِ وَكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَالْغَوْصِ عَلَى غَوَامِضِ الْعِلْمِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا سَبِيلَ إِلَى رَدِّ رِوَايَةِ الثِّقَةِ إِلَّا بِنَصٍّ مِثْلِهِ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ أَوْ تَخْصِيصِهِ أَوِ اسْتِحَالَتِهِ اهـ وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/297) وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ: اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ مَا رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ وَإِنْ كَانَا لَمْ يَشْهَدَا بَدْرًا فَإِنَّ أَنَسًا رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبُو طَلْحَةَ شَهِدَ بَدْرًا اهـ
2- عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ رواه البخاري (1338) ومسلم (2870) قالوا وَقَدْ رَأَيْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ تَصْرِيحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي قَبْرِهِ، يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِ مَنْ دَفَنُوهُ إِذَا رَجَعُوا، وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي سَمَاعِ الْمَوْتَى، وَلَمْ يَذْكُرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ تَخْصِيصًا انظر أضواء البيان (6/130)
. واعتُرِضَ : بأن ما ورد في هذا الحديث مخصوص بأول الدفن ، عند سؤال الملكين ، وهو غير دائم ، فلا يفيد عموم سماع الأموات في كل الأحوال والأوقات . وأيضاً : فإن الروح تعاد للبدن عند المساءلة - كما ثبت بذلك الحديث– لذا فإن سماع الميت قرع النعال، إنما هو بسبب اتصال الروح بالبدن ، وهذا الاتصال غير دائم ، بل هو مخصوص بوقت السؤال وعليه فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث ، على عموم سماع الأموات في كل وقت وحين
وقال المناوي في فيض القدير (2/398)وعورض بقوله تعالى {وما أنت بمسمع من في القبور} وأجيب بأن السماع في حديثنا مخصوص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال فيه اهـ
وقال ابن عثيمين عن هذا الحديث فهو وارد في وقت خاص، وهو انصراف المشيعين بعد الدفن انظر مجموع فتاوى (9/281)
3- واستدلوا - أيضا - بمشروعية السلام على أهل القبور بصيغة الخطاب للحاضر، وهذا ثابت في أحاديث كثيرة، كحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ  قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/ 363) فَهَذَا خِطَابٌ لَهُمْ وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ مَنْ يَسْمَعُ اهـوقال الشنقيطي في أضواء البيان (6/ 132) وَخِطَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْقُبُورِ بِقَوْلِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» ، وَقَوْلُهُ: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ» ، وَنَحْوُ ذَلِكَ يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ سَلَامَهُ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ سَلَامَهُ وَكَلَامَهُ لَكَانَ خِطَابُهُ لَهُمْ مِنْ جِنْسِ خِطَابِ الْمَعْدُومِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعُقَلَاءِ، فَمِنَ الْبَعِيدِ جَدًّا صُدُورُهُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهـ واعتُرِضَ : بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم في تشهد الصلاة بقولهم :« السلام عليك أيها النبي ... » وهم خلفه ، وقريباً منه ، وبعيداً عنه ، في مسجده ، وفي غير مسجده ، وكذا جمهور المسلمين اليوم ، وقبل اليوم ، الذين يخاطبونه بذلك ، أفيقال : إنه يسمعهم ، أو أنه من المحال السلام عليه ، وهو لا يشعر بهم ولا يعلم؟ انظر:  "الآيات البينات في عدم سماع الأموات" تحقيق الألباني  ص (39)
قال ابن عطية وهذا كله غير معارض للآية لأن السلام على القبور إنما هو عبادة وعند الله الثواب عليها وهو تذكير للنفس بحالة الموت وبحالة الموتى في حياتهم انظر المحرر (4/270)
4- قالوا : ما جرى عليه عمل الناس - قديماً وإلى الآن - من تلقين الميت في قبره ، ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة ، وكان عبثاً ، فعن أبى أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، فَسَوَّيْتُمِ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلَا يُجِيبُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنَا رَحِمَكَ اللهُ، وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ. فَلْيَقُلْ: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمْا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ: انْطَلِقْ بِنَا مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ قَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ، فَيَكُونُ اللهُ حَجِيجَهُ دُونَهُمَا ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ؟ قَالَ: «فَيَنْسُبُهُ إِلَى حَوَّاءَ، يَا فُلَانَ بْنَ حَوَّاءَ»».أخرجه الطبراني في الكبير (7979 ). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 45): "رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده جماعة لم أعرفهم"اهـ وضعفه الألباني 
قالوا : فهذا الحديث وإن لم يثبت إلا أن اتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار ، من غير إنكار، كافٍ في العمل به ، ولولا أن المخاطب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم ، وهذا وإن استحسنه واحد ، فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه ، قالوا : وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال :« اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ »(55 ) ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يُسأل حينئذ ، وإذا كان يُسأل فإنه يسمع التلقين. الروح، لابن القيم، ص (70 - 71)، وانظر: أضواء البيان، للشنقيطي (6/ 437)
واعتُرِضَ : بأن حديث تلقين الميت لا يصح ،
5- أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال - في وصيته عند موته -: فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي
رواه مسلم (121) وهذا يدل على أن الميت ترد عليه روحه ويسمع حس من هو على قبره وكلامهم ، وهذا الحديث إنما قاله عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن مثله لا يدرك إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم
6- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ أُحُدٍ مَرَّ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ مَقْتُولٌ عَلَى طَرِيقِهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23] ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشْهَدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا رُدُّوا عَلَيْهِ» رواه الحاكم (2/ 248) وأجاب المانعون أن الحديث ضعيف ضعفه الألباني في الضعيفة (5221) وغيره وأنا إن سلمنا صحته نلتزم القول بأن الموتى الذين لا يسمعون هم من عدا الشهداء لأن الشهداء يسمعون في الجملة لامتيازهم على سائر الموتى بما أخبر عنهم من أنهم أحياء عند الله عز وجل
7-  عَنْ بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا مِنْ أَحَدٍ مَرَّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) رواه ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 185) صحيح سيأتي تخريجه
8َ- عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ رواه أبوداود (2041) وقال الألباني في صحيح أبي داود (6/ 281) (قلت: إسناده حسن، وقال العراقي: " جيد "، وقال الحافظ: " رجاله ثقات ") . واعتُرِضَ : بأن الحديث ليس صريحاً في سماعه صلى الله عليه وسلم سلام من سلم عليه عند قبره . قاله الألباني في تعليقه على كتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات"، ص (80).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/ 363) فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَأَمْثَالُهَا تُبَيِّنُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ فِي الْجُمْلَةِ كَلَامَ الْحَيِّ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّمْعُ لَهُ دَائِمًا بَلْ قَدْ يَسْمَعُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ كَمَا قَدْ يَعْرِضُ لِلْحَيِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْمَعُ أَحْيَانًا خِطَابَ مَنْ يُخَاطِبُهُ وَقَدْ لَا يَسْمَعُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ وَهَذَا السَّمْعُ سَمْعُ إدْرَاكٍ لَيْسَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَلَا هُوَ السَّمْعُ الْمَنْفِيُّ بِقَوْلِهِ: {إنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ سَمْعُ الْقَبُولِ وَالِامْتِثَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْكَافِرَ كَالْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَسْتَجِيبُ لِمَنْ دَعَاهُ وَكَالْبَهَائِمِ الَّتِي تَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلَا تَفْقَهُ الْمَعْنَى، فَالْمَيِّتُ وَإِنْ سَمِعَ الْكَلَامَ وَفَقِهَ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إجَابَةُ الدَّاعِي وَلَا امْتِثَالُ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ فَلَا يَنْتَفِعُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَإِنْ سَمِعَ الْخِطَابَ وَفَهِمَ الْمَعْنَى، كَمَا
قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ.} . وَأَمَّا رُؤْيَةُ الْمَيِّتِ: فَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا اهـ
المذهب الثاني : نفوا سماع الأموات مطلقا وهو قول عائشة والأحناف ورجحه الألباني انظر الآيات البينات في عدم سماع الأموات تحقيق الألباني ودليلهم :  الدليل الأول : إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِين ) [النمل:80] قالوا: هذا دليل قاطع على أن الموتى لا يسمعون، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع الموتى فغيره من باب أولى قال الألباني في تحقيق الآيات (23)   فقد شبههم الله تعالى - أعني موتى الأحياء من الكفار بالصم أيضا فهل هذا يقتضي في المشبه بهم (الصم) أنهم يسمعون أيضا ولكن سماعا لا انتفاع فيه أيضا أم أنه يقتضي أنهم لا يسمعون مطلقا كما هو الحق الظاهر الذي لا خفاء فيه. وفي التفسير المأثور ما يؤيد هذا الذي نقول فقال ابن جرير في " تفسيره " (21 / 36) لهذه الآية:هذا مثل معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين سلبهم الله أسماعهم بأن تجعل لهم أسماعا وقوله: {ولا تسمع الصم الدعاء} يقول: كما لا تقدر أن تسمع الصم الذين قد سلبوا السمع إذا ولوا عنك مدبرين كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فهم آيات كتابه لسماع ذلك وفهمه ثم روى بإسناد الصحيح عن قتادة قال: هذا مثل ضربه الله للكافر فكما لا يسمع الميت الدعاء كذلك لا يسمع الكافر {ولا تسمع الصم الدعاء. .} يقول: لو أن أصم ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما سمع وعزاه في " الدرر " (5 / 114) لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم دون ابن جرير وقد فسر القرطبي (13 / 232) هذه الآية بنحو ما سبق عن ابن جرير وكأنه اختصره منه فثبت من هذه النقول عن كتب التفسير المعتمدة أن الموتى في قبورهم لا يسمعون كالصم إذا ولوا مدبرين وهذا هو الذي فهمته السيدة عائشة رضي الله عنها واشتهر ذلك عنها في كتب السنة وغيرها ونقله المؤلف عنها في عدة مواضع من رسالته فانظر (ص 54، 56، 58، 68، 69، 71) وفاته هو وغيره أنه هو الذي فهمه عمر رضي الله عنهـ وغيره من الصحابة لما نادى النبي صلى الله عليه وسلم أهل القليب على ما يأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى اهـ 
واعترض أَنّهُ إنّمَا نَفَى عَنْ نَبِيّهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمِسْمَعَ لَهُمْ وَصَدَقَ اللهُ فَإِنّهُ لَا يَسْمَعُهُمْ إذَا شَاءَ إلّا هُوَ وَيَفْعَلُ مَا شَاءَ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.انظر الروض الأنف (5/106)
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/298) فَإِنَّ قَوْلَهُ: {إنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} إنَّمَا أَرَادَ بِهِ السَّمَاعَ الْمُعْتَادَ الَّذِي يَنْفَعُ صَاحِبَهُ فَإِنَّ هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْكُفَّارِ وَالْكُفَّارُ تَسْمَعُ الصَّوْتَ لَكِنْ لَا تَسْمَعُ سَمَاعَ قَبُولٍ بِفِقْهِ وَاتِّبَاعٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} . فَهَكَذَا الْمَوْتَى الَّذِينَ ضَرَبَ لَهُمْ الْمَثَلَ لَا يَجِبُ أَنْ يُنْفَى عَنْهُمْ جَمِيعُ السَّمَاعِ الْمُعْتَادِ أَنْوَاعَ السَّمَاعِ كَمَا لَمْ يُنْفَ ذَلِكَ عَنْ الْكُفَّارِ؛ بَلْ قَدْ انْتَفَى عَنْهُمْ السَّمَاعُ الْمُعْتَادُ الَّذِي يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَأَمَّا سَمَاعٌ آخَرُ فَلَا يُنْفَى عَنْهُمْ اهـ
 وقال الشنقيطي كما في أضواء البيان (6/ 124)  اعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ الْقُرْآنِيَّةُ وَاسْتِقْرَاءُ الْقُرْآنِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى، 00 أَيْ: لَا تُسْمِعُ الْكُفَّارَ الَّذِينَ أَمَاتَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَكَتَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ إِسْمَاعَ هُدًى وَانْتِفَاعٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءَ، فَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَعَلَى سَمْعِهِمْ، وَجَعَلَ عَلَى قُلُوبِهِمُ الْأَكِنَّةَ، وَفِي آذَانِهِمُ الْوَقْرَ، وَعَلَى أَبْصَارِهِمُ الْغِشَاوَةَ، فَلَا يَسْمَعُونَ الْحَقَّ سَمَاعَ اهْتِدَاءٍ وَانْتِفَاعٍ. وَمِنَ الْقَرَائِنِ الْقُرْآنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَالَ بَعْدَهُ: وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ [27 \ 81] .فَاتَّضَحَ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ أَنَّ الْمَعْنَى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى، أَيِ: الْكُفَّارَ الَّذِينَ هُمْ أَشْقِيَاءُ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِسْمَاعَ هُدًى وَقَبُولٍ لِلْحَقِّ، مَا تُسْمِعُ ذَلِكَ الْإِسْمَاعَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ، فَمُقَابَلَتُهُ جَلَّ وَعَلَا بِالْإِسْمَاعِ الْمَنْفِيِّ فِي الْآيَةِ عَنِ الْمَوْتَى بِالْإِسْمَاعِ الْمُثْبَتِ فِيهَا لِمَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِهِ، فَهُوَ مُسَلَّمٌ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْتِ فِي الْآيَةِ مَوْتُ الْكُفْرِ وَالشَّقَاءِ، لَا مَوْتُ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ،
وقال الشنقيطي أيضا في أضواء البيان (6/ 128)اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِي الدَّلِيلُ رُجْحَانَهُ هُوَ أَنَّ الْمَوْتَى فِي قُبُورِهِمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ مَنْ كَلَّمَهُمْ، وَأَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَمَنْ تَبِعَهَا: إِنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى، وَمَا جَاءَ بِمَعْنَاهَا مِنَ الْآيَاتِ غَلَطٌ مِنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَمِمَّنْ تَبِعَهَا.
وَإِيضَاحُ كَوْنِ الدَّلِيلِ يَقْتَضِي رُجْحَانَ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ:
الْأُولَى مِنْهُمَا: أَنَّ سَمَاعَ الْمَوْتَى ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ ثُبُوتًا لَا مَطْعَنَ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِإِنْسَانٍ وَلَا بِوَقْتٍ.
وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ أَنَّ النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَمَاعِ الْمَوْتَى لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ شَيْءٌ يُخَالِفُهَا، وَتَأْوِيلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْضَ الْآيَاتِ عَلَى مَعْنًى يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ، لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ غَيْرَهُ فِي مَعْنَى الْآيَاتِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْهُ، فَلَا تُرَدُّ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَأَوُّلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بَعْضَ الْآيَاتِ
الدليل الثاني : قال تعالى : {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} سُورَة فاطر: الْآيَة 22.
فالقول فيها كالقول في الآية المتقدمة.
قال ابن كثير في التفسير (6/ 480) أَيْ كَمَا لا يَنْتَفِعُ الْأَمْوَاتُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَصَيْرُورَتِهِمْ إِلَى قُبُورِهِمْ وَهُمْ كُفَّارٌ بِالْهِدَايَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاوَةُ لَا حِيلَةَ لَكَ فِيهِمْ وَلَا تَسْتَطِيعُ هِدَايَتَهُمْ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ أَيْ إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَالْإِنْذَارُ، وَاللَّهُ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً أَيْ بَشِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَنَذِيرًا لِلْكَافِرِينَ، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ أَيْ وَمَا مِنْ أُمَّةٍ خَلَتْ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا وَقَدْ بَعَثَ الله تعالى إِلَيْهِمُ النُّذُرَ، وَأَزَاحَ عَنْهُمُ الْعِلَلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرَّعْدِ: 7] وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل: 36] الآية، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
.قال ابن تيمية نَعَمْ يَسْمَعُ الْمَيِّتُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ} . وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عتبة بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُونَ وَأَنَّى يُجِيبُونَ وَقَدْ جُيِّفُوا فَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتَ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا} ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ وَقَالَ: إنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْآنَ مَا أَقُولُ} . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ. وَيَقُولُ: {قُولُوا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِين نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ} فَهَذَا خِطَابٌ لَهُمْ وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ مَنْ يَسْمَعُ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ.} . وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْك؟ وَقَدْ أَرَمْت - يَعْنِي صِرْت رَمِيمًا - فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ} وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَائِكَةً يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ.}
وقال ابن القيم في الروح (1/ 45) وَأما قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} فسياق الْآيَة يدل على أَن المُرَاد مِنْهَا أَن الْكَافِر الْمَيِّت الْقلب لَا تقدر على اسماعه اسماعا ينْتَفع بِهِ كَمَا أَن من فِي الْقُبُور لَا تقدر على إسماعهم إسماعا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَلم يرد سُبْحَانَهُ أَن أَصْحَاب الْقُبُور لَا يسمعُونَ شَيْئا الْبَتَّةَ كَيفَ وَقد أخبر النَّبِي أَنهم يسمعُونَ خَفق نعال المشيعين وَأخْبر أَن قَتْلَى بدر سمعُوا كَلَامه وخطابه وَشرع السَّلَام عَلَيْهِم بِصِيغَة الْخطاب للحاضر الَّذِي يسمع وَأخْبر أَن من سلم على أَخِيه الْمُؤمن رد عَلَيْهِ السَّلَام هَذِه الْآيَة نَظِير قَوْله {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا ولوا مُدبرين} وَقد يُقَال نفي إسماع الصم مَعَ نفي إسماع الْمَوْتَى يدل على أَن المُرَاد عدم أَهْلِيَّة كل مِنْهُمَا للسماع وَأَن قُلُوب هَؤُلَاءِ لما كَانَت ميتَة صماء كَانَ اسماعها مُمْتَنعا خطاب الْمَيِّت والأصم وَهَذَا حق وَلَكِن لَا يَنْفِي إسماع الْأَرْوَاح بعد الْمَوْت إسماع توبيخ وتقريع بِوَاسِطَة تعلقهَا بالأبدان فِي وَقت مَا فَهَذَا غير الاسماع الْمَنْفِيّ وَالله أعلم وَحَقِيقَة الْمَعْنى أَنَّك لَا تَسْتَطِيع أَن تسمع من لم يَشَأْ الله أَن يسمعهُ ان أَنْت إِلَّا نَذِير أى إِنَّمَا جعل الله لَك الِاسْتِطَاعَة على الانذار الَّذِي كلفك إِيَّاه لَا على إسماع من لم يَشَأْ الله إسماعه اهـ
الدليل الثالث : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ»رواه النسائي (1282) وصححه الألباني
ووجه الاستدلال من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع سلام المُسَلِّمِين عليه ، إذ لو كان يسمعه بنفسه ، لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه ، وإذ الأمر كذلك فبالأولى أنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع غير السلام من الكلام ، وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيرُه من الموتى أولى وأحرى
المذهب الثالث : التوقف .وهذا مذهب ابن عبد البر ، حيث أورد الآيات والأحاديث ثم قال : وَهَذِهِ أُمُورٌ لَا يُسْتَطَاعُ عَلَى تَكْيِيفِهَا وَإِنَّمَا فِيهَا الِاتِّبَاعُ وَالتَّسْلِيمُ انظر التمهيد (20/ 240)
المذهب الرابع : أنَّ الأصل عدم سماع الأموات؛ لعموم وظاهر الآيات، لكن يستثنى من ذلك ما صح به الدليل ولا يُتجاوزُ به إلى غيره، ومما ورد به الدليل: مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلى بدر، وسماع الميت خفق نعال المشيعين له إذا انصرفوا وهذا رأي: الشوكاني، والآلوسي وذكره أبو العباس القرطبي احتمالاً آخر في الجمع، واختاره أبو عبد الله القرطبي انظر الأحاديث المشكلة (376) وهو الراجح ان الأصل عدم سماع الأموات لكن يستثنى من ذلك ما صح به الدليل بمثل سماع الميت لقرع النعال المشيعين له أي يسمع في الحالة دي فقط ومثل يسمع في قبره الملك إذا سأله من ربك من دينك وأيضا رد السلام فيرد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام كما جاء في الحديث عَنْ بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا مِنْ أَحَدٍ مَرَّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) رواه ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 185) وضعف هذا الحديث الألباني فقال في الضعيفة (9/475) قلت: وهذا إسناد غريب؛ الربيع بن سليمان فمن فوقه؛ ثقات معروفون من رجال "التهذيب"، وأما من دونه فلم أعرفهما، لا شيخ ابن عبد البر، ولا المملية فاطمة بنت الريان،
وأجيب عن كلام الألباني قال الشيخ محمد صالح المنجد في سؤال وجواب (4/ 216) وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات معروفون، إلا شيخ ابن عبد البر، وفاطمة بنت الريان، لم أقف لهما على ترجمة، غير أن توثيقهما مستفاد من تصحيح ابن عبد البر نفسه لهذا الحديث، إذ لا يمكن أن يصحح حديثا وهو لا يعرف من حدثه بها بالتوثيق، وما زال علماء الحديث يوثقون الرواة إذا رأوا من يصحح الأسانيد التي ورد ذكرهم فيها. كما نقل ابن تيمية عن عبد الله بن المبارك ثبوت هذا الحديث، فقال: " قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/331) - قلت عمرو : وللحديث شاهد من حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رواه أبو بكر الشافعي في "مجلسان" (6/ 1) وغيره
قال الألباني في الضعيفة (9/474) قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عبد الرحمن بن زيد؛ متروك كما تقدم مراراً، اهـ قلت : بل هو ضعيف يستشهد به كما قال ابن حجر في التقريب وقال أبو أحمد بن عدى : له أحاديث حسان ، و هو ممن احتمله الناس ، و صدقه بعضهم ، و هو ممن يكتب حديثه اهـ قلت :  فمثله يستشهد به
-  صحح هذا الحديث: الحافظ عبد الحق الإشبيلي، والقرطبي في "المفهم" (1/500) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/173) ، والعراقي في تخريج "إحياء علوم الدين" (4/491) ، والزبيدي في "شرح الإحياء" (10/365) ، والسيوطي في "الحاوي" (2/302) ، والعظيم أبادي في "عون المعبود" (3/261) ، والشوكاني في "نيل الأوطار" (3/304) وغيرهم. وصححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم اهـ وقال السيوطي في جامع الأحاديث (19/228) وسنده جيد وقال ابن باز في نور على الدرب (14/ 477)إسناد جيد
قال السفيري في شرح البخاري (2/77) فقد روى ابن عبد البر بإسناد حسن وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (3/ 305):
وقال  العيني في عمدة القاري (8/69) وَعند ابْن عبد الْبر، بِسَنَد صَحِيح
وسئل ابن عثيمين رحمه الله: هل المسلم إذا ألقى السلام على الميت في قبره يرد الله عليه روحه ويرد السلام؟
فأجاب -حفظه الله- بقوله: هذا الذي ذكره السائل جاء فيه حديث مرفوع صححه ابن عبد البر وهو أنه «ما من مسلم يمر بقبر رجل مسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد عليه روحه فرد عليه السلام» انظر مجموع فتاوى (2/244)
فالحاصل أن سماع الموتى محصور فيما ورد به النص، وما عداه يحتاج إلى دليل، وهذا أمر غيبي لا دليل فيه، ولا يقاس ما لم يرد بما ورد؛ لأن هذه أمور غيبية بحتة لا يصح فيها القياس، قال الشوكاني في فتح القدير (4/ 174)وَظَاهِرُ نَفْيِ إِسْمَاعِ الْمَوْتَى الْعُمُومُ، فَلَا يُخَصُّ مِنْهُ إِلَّا مَا وَرَدَ بِدَلِيلٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أنه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ خَاطَبَ الْقَتْلَى فِي قُلَيْبِ بَدْرٍ، فَقِيلَ له: يا رسول الله! إنما تكلم أجساد لَا أَرْوَاحَ لَهَا، وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِ الْمُشَيِّعِينَ لَهُ إِذَا انْصَرَفُوا اهـ
*
قال د/سعيد القحطاني سمعت شيخنا ابن باز_ رحمه الله تعالى_يقول :(الأقوال في سماع  ثلاثة:
القول الأول:يسمعون مطلقاً.
القول الثاني: لايسمعون مطلقاً.
القول الثالث:التفصيل :يسمعون فيما جاءت به النصوص ،ولايسمعون في غير ذلك ،وهذا القول هو الصواب ،وأنهم يسمعون فيما جاءت به النصوص فقط ،كسماع قرع النعال،وكقوله صلى الله عليه وسلم لصناديد قريش:ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لايجيبون ،وعند الزيارة والسلام عليهم وهذا القول جيد).أحكام الجنائز/صـ







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق