الخميس، 20 أكتوبر 2016

هل الدم نجس عمرو العدوي أبو حبيبة



 ما حكم دم الانسان هل هو نجس أم لا ؟---
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟:
القول الأول ذهبوا على نجاسة الدم وهو مذهب الجمهور ينظر المجموع (1\234) ورجحه شيخنا مصطفى العدوي
واستدلوا: أولا قال الله عز وجل {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} سورة الأنعام (145) فاستلزموا من التحريم النجاسة - كما فعلوا في الخمر – قلت : واجيب عن ذلك قال صديق خان في الدرر البهية (1\115) ولو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله - تعالى -: {فإنه رجس} إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة - من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير -؛ لكان ذلك مفيداً لنجاسة الدم المسفوح والميتة، ولكنه لم يرد ما يفيد ذلك، بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب؟ ! والظاهر رجوعه إلى الأقرب - وهو لحم الخنزير؛ - لإفراد الضمير، ولهذا جزمنا ههنا بنجاسة لحم الخنزير دون الميتة، والدم الذي ليس بدم حيض، ولا سيما وقد ورد في الميتة ما يفيد أنه لا يحرم منها إلا أكلها، كما ثبت في " الصحيح " بلفظ: " إنما حُرِّم من الميتة أكلها ".ومن رام تحقيق الكلام في الخلاف الواقع في مثل هذا الضمير المذكور في الآية؛ فليرجع إلى ما ذكره أهل الأصول في الكلام على القيد الواقع بعد جملة مشتملة على أمور متعددة.انتهى
قلت : حتى على رجوع الضمير في قوله - تعالى -: {فإنه رجس} إلى الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير فإن الآية تفيد التحريم  والتحريم لا يلزم النجاسة فإن المخدرات محرمه وهي طاهرة  قال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار (1\ 26) ويجاب عنه بما قدمنا من أن المراد بالرجس هنا الحرام كما يفيده سياق الآية والمقصود منها فإنها وردت فيما يحرم أكله لا فيما هو نجس فإن الله سبحانه قال: {قُلْ لا أجد فِي مَا أوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أو دَماً مَسْفُوحاً أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] . أي حرام. ولا تلازم بين التحريم والنجاسة فقد يكون الشيء حرأما وهو طاهر كما في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] ، ونحو ذلك
ثانيا : استدلوا بالإجماع وقالوا : نقل الإجماع ابن عبد البر في التمهيد (22/ 230):وابن العربي في أحكام القرآن (1/ 79):والنووي في المجموع (2/ 576): وقد نقل ابن حزم في مراتب الإجماع: اتفاق العلماء على نجاسة الدم.وكذا نقل -هذا الاتفاق - الحافظ في «الفتح» (1/ 420). قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 240):سئل أحمد: الدم والقيح عندك سواء؟ قال: لا، الدم لم يختلف الناس فيه.وقال مرة: القيح والصديد والمدة عندي أسهل من الدم. اهـ.
قلت : هذا الإجماع فيه نظر من عدة وجوه ؟
1-            أثرعمر بن الخطاب صَلَّى عُمَرُ، وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَماً.سيأتي تخريجه من المستحيل أن عمر رضي الله عنه يفعل شيء لا يجوز شرعا ثم يسكت عنه أصحاب النبي صل الله عليه وسلم أو التابعين في عهد عمرمن غير نكير فيعتبر هذا مذهب عمر رضي الله عنه على طهارة الدم 
2- قال الألباني رحمه الله في تعليقه على الدرر البهية (1\115) وفيه نظر فقد صح أن ابن مسعود نحر جزورا فأصابه من دمه فقام وصلى وعليه الدم أخرجه الطبراني اهـ
3- وقَالَ الْحَسَنُ: مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِى جِرَاحَاتِهِم - ذكره البخاري معلقا بغير إسناد وقد وصله ابن أبي شيبة قال الألباني في تمام المنة (1\50) بإسناد صحيح كما في "الفتح ": 1 / 281.والحسن هذا هو الحسن البصري وهو تابعي، وهذا القول منه أنه يشمل الصحابة رضوان الله عليهم فهذا نصاً في طهارة الدم وعدم ثبوت الإجماع وسيأتي كلام ابن عثيمين رحمه الله
.4 - وقد ذكر الخلاف الإمام النووي نفسه في المجموع قال :وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ نَجَاسَةُ الدَّمِ وَالْفَضَلَاتِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَخَالَفَهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ الْأَصَحُّ طَهَارَةُ الْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انظر المجموع (1\234) فعلى هذا فهذه المسألة ليس فيها إجماع قال الألباني في السلسلة الصحيحة (1/610) وجملة القول: أنه لم يرد دليل فيما نعلم على نجاسة الدم على اختلاف أنواعه،إلا دم الحيض، ودعوى الاتفاق على نجاسته منقوضة بما سبق من النقول، والأصل الطهارة، فلا يترك إلا بنص صحيح يجوز به ترك الأصل، وإذ لم يرد شيء من ذلك فالبقاء على الأصل هو الواجب. والله أعلم.
القول الثاني : ذهب الْقَاضِي حُسَيْن والشوكاني وصديق خان والألباني وابن عثيمين -رحمهم الله- إلى القول بطهارته لعدم ثبوت الإجماع كما سبق  وهو الراجح؟
ودليلهم أولا : بحديث الصحابي الْأَنْصَارِيّ الذي قام يصلي في اليل فَرَمَاهُ المشرك بِسَهْمٍ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، وَثَبَتَ قَائِمًا، ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، وَثَبَتَ قَائِمًا، ثُمَّ عَادَ لَهُ بِثَالِثٍ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ،ومضى في صلاته وهو يموج دمًا» رواه أحمد (14704) قلت : هذا حديث حسن وقال الألباني إسناده حسن، وكذا قال النووي، وصححه ابن خريمة وابن حبان والحاكم، ووافقه الذهبي ينظر صحيح أبي داود (1\357)
وقال الأعظمي: إسناده حسن وحسنه الارنؤوط رحمهم الله
قال الألباني  -رحمه الله – في تمام المنة (51): وهو في حكم المرفوع، لأنه يُستبعد عادة أن لا يطَّلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فلو كان الدم الكثير ناقضًا لبينه صلى الله عليه وسلم، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم من علم الأصول، وعلى فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم خفى ذلك عليه، فما هو بخاف على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فلو كان ناقضًا أو نجسًا لأوحى بذلك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر لا يخفى على أحد. اهـ.
ثانيا : عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ»، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ،رواه البخاري (309)
ثالثا : عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ، «فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ، لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمْ يَرُعْهُمْ» وَفِي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ فِيهَا رواه البخاري (463) ومسلم (1769)
 ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصب الماء عليه لا سيما وهو في المسجد كما أمر بالصب على بول الأعرابي.
رابعا : أثرعمر بن الخطاب صَلَّى عُمَرُ، وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَماً.- أي يتفجر-أخرجه مالك (1/39/51) وصححه الألباني في الإرواء (209)
قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع (1\441)
والقول بأن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السَّبيلَين قول قويٌّ، والدَّليل على ذلك ما يلي.
1- أنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة، ولا نعلم أنَّه صلّى الله عليه وسلّم أمَر بغسل الدَّمِ إِلا دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الإِنسان من جروح، ورعاف، وحجامة، وغير ذلك، فلو كان نجساً لبيَّنه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى ذلك.
2- أنَّ المسلمين ما زالوا يُصلُّون في جراحاتهم في القتال، وقد يسيل منهم الدَّمُ الكثير، الذي ليس محلاًّ للعفو، ولم يرد عنه صلّى الله عليه وسلّم الأمرُ بغسله، ولم يَرِدْ أنهم كانوا يتحرَّزون عنه تحرُّزاً شديداً؛ بحيث يحاولون التخلِّي عن ثيابهم التي أصابها الدَّم متى وجدوا غيرها.
ولا يُقال: إِن الصَّحابة رضي الله عنهم كان أكثرهم فقيراً، وقد لا يكون له من الثياب إِلا ما كان عليه، ولا سيَّما أنهم في الحروب يخرجون عن بلادهم فيكون بقاء الثِّياب عليهم للضَّرورة.
فيُقال: لو كان كذلك لعلمنا منهم المبادرة إِلى غسله متى وجدوا إِلى ذلك سبيلاً بالوصول إِلى الماء، أو البلد، وما أشبه ذلك.
3- أنَّ أجزاء الآدميِّ طاهرة، فلو قُطِعَت يده لكانت طاهرة مع أنَّها تحمل دماً؛ ورُبَّما يكون كثيراً، فإِذا كان الجزء من الآدمي الذي يُعتبر رُكناً في بُنْيَة البَدَن طاهراً، فالدَّم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى. 4- أنَّ الآدمي ميْتَته طاهرة، والسَّمك ميْتته طاهرة، وعُلّل ذلك بأن دم السَّمك طاهر؛ لأن ميتته طاهرة، فكذا يُقال: إِن دم الآدمي طاهر، لأن ميتته طاهرة.
فإِن قيل: هذا القياس يُقابل بقياس آخر، وهو أنَّ الخارجَ من الإِنسان من بولٍ وغائطٍ نجسٌ، فليكن الدَّم نجساً.........
فيُجاب: بأن هناك فرقاً بين البول والغائط وبين الدَّمِ؛ لأنَّ البول والغائط نجس خبيث ذو رائحة منتنة تنفر منه الطِّباع، وأنتم لا تقولون بقياس الدَّم عليه، إِذ الدَّم يُعْفَى عن يسيره بخلاف البول والغائط فلا يُعْفَى عن يسيرهما، فلا يُلحق أحدُهما بالآخر.
فإِن قيل: ألا يُقاس على دَمِ الحيض، ودم الحيض نجس، بدليل أنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ المرأة أن تَحُتَّه، ثم تقرُصَه بالماء، ثم تَنْضِحَه، ثم تُصلِّي فيه  ؟.
فالجواب: أن بينهما فرقاً:
أ- أن دم الحيض دم طبيعة وجِبِلَّة للنساء، قال صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّ هذا شيءٌ كتبه اللَّهُ على بنات آدم» ، فَبَيَّنَ أنه مكتوب كتابة قَدريَّة كونيَّة، وقال صلّى الله عليه وسلّم في الاستحاضة: «إِنَّه دَمُ عِرْقٍ»  ففرَّق بينهما.
ب- أنَّ الحيضَ دم غليظ منتنٌ له رائحة مستكرهة، فيُشبه البول والغائط، فلا يصحُّ قياس الدَّم الخارج من غير السَبيلَين على الدَّم الخارج من السَّبيلَين، وهو دم الحيض والنِّفاس والاستحاضة.
فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قويٌّ جداً؛ لأنَّ النَّصَّ والقياس يدُلاّن عليه.
والذين قالوا بالنَّجاسة مع العفو عن يسيره حكموا بحكمين:
أ- النَّجاسة.
ب- العفو عن اليسير.
وكُلٌّ من هذين الحُكْمَين يحتاج إِلى دليل، فنقول: أثبتوا أولاً نجاسة الدَّمِ، ثم أثبتوا أنَّ اليسير معفوٌّ عنه، لأنَّ الأصل أنَّ النَّجس لا يُعْفَى عن شيء منه، لكن من قال بالطَّهارة، لا يحتاج إِلا إِلى دليل واحد فقط، وهو طهارة الدَّم وقد سبق .فإِن قيل: إِنَّ فاطمة رضي الله عنها كانت تغسل الدَّمَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة أُحُد  ، - رواه البخاري (2911) ومسلم (1790) - وهذا يدلُّ على النَّجاسة.أُجيب من وجهين:أحدهما: أنَّه مجرَّد فِعْل، والفعل المجرَّد لا يدلُّ على الوجوب.الثاني: أنه يُحتَمَل أنَّه من أجل النَّظافة؛ لإِزالة الدَّم عن الوجه، لأنَّ الإِنسان لا يرضى أن يكون في وجهه دم، ولو كان يسيراً، فهذا الاحتمال يبطل الاستدلال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق