الاثنين، 16 أكتوبر 2017

البيوع على المذاهب الأربعة عمرو العدوي أبو حبيبة الجزء الثااني



مسائل عامة متعلقة بعقد البيع
الأولى : حكم الإشهاد على البيع :
تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : أنه للوجوب، ودليلهم : قوله تعالى :{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]قَالَ ذَلِكَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيِّ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ وَالطَّبَرِيُّ انظر نيل الأوطار وهو مذهب ابن حزم
 القول الثاني : يستحب وبه قال أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقَ وَأَبِي أَيُّوبَ انظر المغني (4/ 205) والآية السابقة فهي بصيغة الأمر الذي يفيد الوجوب إلا أنه قد صرف للاستحباب لما يلي : 1- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282] حَتَّى بَلَغَ {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: 283] ، فَقَالَ: هَذِهِ نَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا  رواه ابن ماجه (2365) إسناده حسن وحسنه الألباني والأرنؤوط 0
2- عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، أَنَّ عَمَّهُ، حَدَّثَهُ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ، فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ، فَأَسْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشْيَ وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ، فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الْأَعْرَابِيَّ، فَيُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعَهُ، فَنَادَى الْأَعْرَابِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسِ وَإِلَّا بِعْتُهُ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الْأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: «أَوْ لَيْسَ قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟» فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَا، وَاللَّهِ مَا بِعْتُكَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلَى، قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ» فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ، يَقُولُ هَلُمَّ شَهِيدًا، فَقَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ: «بِمَ تَشْهَدُ؟»، فَقَالَ: بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ
رواه أبو داود (3607) وصححه الألباني والأرنؤوط
3- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» رواه البخاري (2200) ومسلم  (1603) ولم ينقل أنه أشهد على ذلك
قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/203) وَالْحَدِيثُ – أي حديث عُمَارَة بْنِ خُزَيْمَة - اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ إشْهَادٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ حَتْمًا لَمْ يُبَايِعْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي: الْأَعْرَابِيَّ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ شَهَادَةٍ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ، بَلْ هُوَ عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ لِلْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: 283] وَقِيلَ: مُحْكَمَةٌ، وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، قَالَ ذَلِكَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيِّ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ وَالطَّبَرِيُّ قَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ عَزِيمَةٌ مِنْ اللَّهِ وَلَوْ عَلَى بَاقَةِ بَقْلٍ قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَنْ يَتْرُكَ الْإِشْهَادَ وَإِلَّا كَانَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً: إنَّهُ عَلَى النَّدْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ تَرْجَمَ أَبُو دَاوُد عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابَ إذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ. الْوَاحِدِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمُ بِهِ، وَبِهِ يَقُولُ شُرَيْحٌ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ مَرْوَانَ قَضَى بِشَهَادَةِ ابْنِ عُمَرَ وَحْدَهُ، وَأَجَابَ عَنْهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ شَهَادَةَ ابْنِ عُمَرَ كَانَتْ عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ وَيُجَابُ أَيْضًا عَنْ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَعَلَهَا بِمَثَابَةِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَذَكَرَ ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِخُزَيْمَةَ لَمَّا جَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَتَيْنِ: " لَا تَعُدْ " أَيْ تَشْهَدُ عَلَى مَا لَمْ تُشَاهِدْهُ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ عَلَى الْأَعْرَابِيِّ بِعِلْمِهِ وَجَرَتْ شَهَادَةُ خُزَيْمَةَ فِي ذَلِكَ مَجْرَى التَّوْكِيدِ. وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَاسْتَحَلُّوا الشَّهَادَةَ لِمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ادَّعَاهُ، وَهُوَ تَمَسُّكٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْزِلَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لِغَيْرِهِ بِمُقَارَبَتِهَا فَضْلًا عَنْ مُسَاوَاتِهَا حَتَّى يَصِحَّ الْإِلْحَاقُ اهـ
فائدة : أَمَّا الْأَشْيَاءُ الْقَلِيلَةُ الْخَطَرِ، كَحَوَائِجِ الْبَقَّالِ، وَالْعَطَّارِ، وَشَبَهِهِمَا، فَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ فِيهَا تَكْثُرُ، فَيَشُقُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا، وَتَقْبُحُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا، وَالتَّرَافُعُ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ أَجْلِهَا، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ انظر المغني (4/205)

الثانية : إذا اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن والسلعة قائمة 


صورة المسألة:
أن يشتري سلعة بثمن معين والسلعة موجودة لا تالفة ثم يختلفان في قدر الثمن فيقول البائع بعشرة، ويقول المشتري: بل بثمانية ولا بينة لأحدهما، فمن يقبل قوله منهما؟. محل خلاف بين العلماء

. ودليلهم : عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا
 قال الألباني في إرواء الغليل (5/171) (تنبيه) : قد ذكر المؤلف رحمه الله فى ألفاظ الحديث: " تحالفا " ولم أره فى شىء من هذه الطرق , والظاهر أنه مما لا أصل له , فقد ذكره الرافعى فى جملة روايات للحديث , بلفظ " إذا اختلف المتبايعان تحالفا " فقال الحافظ فى " تخريجه ": " وأما رواية التحالف , فاعترف الرافعى فى " التذنيب " أنه لا ذكر لها فى شىء من كتب الحديث , وإنما توجد فى كتب الفقه , وكأنه عنى الغزالى , فإنه ذكرها فى " الوسيط " , وهو تبع إمامه فى (الأساليب) اهـ وقال الخطابي في معالم السنن (3/150) قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ لَا تَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ النقد وإنما جاء بها بن أَبِي لَيْلَى وَقِيلَ إِنَّهَا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ قِيَامِ السِّلْعَةِ بِمَعْنَى التَّغْلِيبِ لَا مِنْ أَجْلِ التَّفْرِيقِ انْتَهَى
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رواه البخاري (4552) ومسلم (1711) واللفظ له
يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بَائِعًا وَالْآخَرُ مُشْتَرِيًا أَوْ لَا وأجيب : بأن هذا الحديث عام مخصوص بحديث ابن مسعود كما سيأتي 
 القول الثاني : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَزُفَرُ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَشَرَةً زَائِدَةً، يُنْكِرُهَا الْمُشْتَرِي، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ انظر المغني (4/144)
 أن هذا قياس في مقابلة النص فهو مردود، والنص المراد حديث ابن مسعود الآتي.
القول الثالث : وَقَالَ الشَّعْبِيُّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إمَامِنَا، - رَحِمَهُ اللَّهُ – انظر المغني (4/144) وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله وهو الراجح والدليل : عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: اشْتَرَى الْأَشْعَثُ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمْسِ، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا فَأَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِ فِي ثَمَنِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَخَذْتُهُمْ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاخْتَرْ رَجُلًا يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، قَالَ الْأَشْعَثُ: أَنْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِكَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ، أَوْ يَتَتَارَكَانِ»رواه أبو داود (3511) صححه الألباني وحسنه الأرنؤوط الثالثة : ( التسعير )
 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ رواه أبو داود (3451) وصححه الترمذي (1314) والألباني ومعنى التسعير قَالَ فِي النِّهَايَةِ (2/368) أَيْ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُرَخِّصُ الْأَشْيَاءَ وَيُغْلِيهَا فَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ ولِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّسْعِيرُ انْتَهَى
قال صاحب تحفة الأحوذي (4/452)
وقَدْ اسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ وَأَنَّهُ مَظْلِمَةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ والتَّسْعِيرُ حَجْرٌ عَلَيْهِمْ
والْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَظَرُهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي بِرُخْصِ الثَّمَنِ أَوْلَى مِنْ نَظَرِهِ فِي مَصْلَحَةِ الْبَائِعِ بِتَوفِيرِ الثَّمَنِ وَإِذَا تَقَابَلَ الْأَمْرَانِ وَجَبَ تَمْكِينُ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الِاجْتِهَادِ لِأَنْفُسِهِمْ وَإِلْزَامِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَرْضَى بِهِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَّا أن تكون تجارة عن تراض) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
ورُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ التَّسْعِيرُ وأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ الْغَلَاءِ وَلَا حَالَةِ الرُّخْصِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْجُمْهُورُ وفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ التَّسْعِيرِ فِي حَالَةِ الْغَلَاءِ وظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا كَانَ قُوتًا لِلْآدَمِيِّ وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَبَيْنَ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِدَامَاتِ وَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ اهـ
الحكمة من منع التسعير : أن يجتهد الناس في أموالهم زيادة ونقصانا ، وهذا يدعو إلى المصلحة العامة ، لأن التجار يتنافسون في عرض بضائعهم وتحسينها ، وأما التسعير ، فإنه يؤدي إلى إهمال التجار إحضار السلع الجيدة للناس ، كما يؤدي إلى خفاء السلع لبيعها سرا بغير التسعير ، ويظهر ما يعرف الآن بالسوق السوداء ، انظر تمام المنة لشيخنا العزازي ( 3/ 332)
الرابعة : حكم السمسرة :
المقصود بالسمسار هو الذي يتوسط بين البائع والمشتري نظير أجر معين : فهذا جائز مباح والدليل : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثَّوْبَ، فَيَقُولَ: بِعْهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَمَا ازْدَدْتَ فَلَكَ رواه البخاري معلقا (3/92) ووصله ابن أبي شيبة في مصنفه (20397) وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: " إِذَا قَالَ: بِعْهُ بِكَذَا، فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ لَكَ، أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَلاَ بَأْسَ بِه انظر صحيح البخاري (3/92) وقال بجوازها: البخاري
قال ابن قدامة رحمه الله : إذَا قَالَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةٍ، فَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ لَك. صَحَّ، وَاسْتَحَقَّ الزِّيَادَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ. وَلَنَا، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، وَلِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِإِذْنِهِ، فَصَحَّ شَرْطُ الرِّبْحِ لَهُ فِي الثَّانِي، كَالْمُضَارِبِ وَالْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ.
انظر المغني (5/108) وسئل الشيخ ابن باز عن حكم البحث لمستأجر عن محلٍ أو شقةٍ مقابل أجرة يدفعها لمن حقق له طلبه  فأجاب:
" لا حرج في ذلك، فهذه أجرة وتسمى السعي، وعليك أن تجتهد في التماس المحل المناسب الذي يريد الشخص أن يستأجره، فإذا ساعدته في ذلك والتمست له المكان المناسب، وساعدته في الاتفاق مع المالك على الأجرة، فكل هذا لا بأس به إن شاء الله بشرط ألا يكون هناك خيانة ولا خديعة، بل على سبيل الأمانة والصدق، فإذا صدقت وأديت الأمانة في التماس المطلوب من غير خداع ولا ظلم لا له ولا لصاحب العقار فأنت على خير إن شاء الله "فتاوى الشيخ ابن باز" (19/358)
الخامسة : فَأَمَّا بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ، بِالذَّوْقِ إنْ كَانَ مَطْعُومًا، أَوْ بِالشَّمِّ إنْ كَانَ مَشْمُومًا، صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، جَازَ بَيْعُهُ، كَالْبَصِيرِ، وَلَهُ خِيَارُ الْخَلْفِ فِي الصِّفَةِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَثْبَتَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِيَارَ، إلَى مَعْرِفَتِهِ بِالْمَبِيعِ، إمَّا بِحِسِّهِ أَوْ ذَوْقِهِ أَوْ وَصْفِهِ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ شِرَاؤُهُ جَائِزٌ، وَإِذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، لَزِمَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ بَيْعُ الْمَجْهُولِ، أَوْ يَكُونُ قَدْ رَآهُ بَصِيرًا، ثُمَّ اشْتَرَاهُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَغَيَّرُ الْمَبِيعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الْبَيْضِ فِي الدَّجَاجِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْمَقْصُودِ وَمَعْرِفَتُهُ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْبَصِيرِ، وَلِأَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ تَقُومُ مَقَامَ نُطْقِهِ، فَكَذَلِكَ شَمُّ الْأَعْمَى وَذَوْقُهُ، وَأَمَّا الْبَيْضُ وَالنَّوَى، فَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَلَا وَصْفُهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
انظر المغني (4/158)
 


-- طرق تحديد الثمن بين البائع والمشتري :
يتفق الطرفان – البائع والمشتري – على ثمن السلعة حتى يتم بينهما التراضي وينفذ عقد البيع ، وهذا التحديد يتم بأحد أمرين 0
الأول : أن يحدد الثمن بينهما من دون أن يذكر البائع أنه اشتراه بكذا ، أو أنه يربح كذا ، أو أنه يخسر فيه كذا 0
الثاني : أن يحدد الثمن بينهما بمعرفة ربح البائع أو خسارته ، ويسمى هذا البيع بيع الأمانة ؛ لأن المشتري ائتمن البائع فيما يذكره من ثمن البيع الذي اشتراه به ، والزيادة التي يضيفها أو يخصمها 0
 وبيان هذه الأقسام فيما يلي : الطريقة الأولى : تحديد الثمن من دون ذكر الربح ، وهذه تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
(أ) بيع المساومة : بأن يحاول كل من البائع والمشتري أن يصل إلى الثمن الذي يرتضيه ، ومعلوم أن البائع يحاول أن يصل إلى أعلى سعر ممكن ، ويحاول المشتري أن يصل إلى أقل سعر ممكن ، فإذا تراضيا على سعر ، تم التعاقد ، ويسمى هذا البيع أيضا ( بيع المماكسة ) انظر تمام المنة لشيخنا عادل العزازي (3/334) (ب) بيع المزايدة : حيث يعرض البائع السلعة ، ويذكر ثمنا ، ويطلب الزيادة ، فيزيد المتزايدون حتى ينتهي السعر فيتحدد به ويتم البيع ، قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (2/30) : وَأَمَّا بَيْعُ الْمُزَايَدَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ مِمَّنْ يَزِيدُ فَلَيْسَ مِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ بَابَ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ صَرِيحًا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ – (12134) - وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ – (1218) - وَقَالَ حَسَنٌ – وضعفه الألباني - عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْحِلْسَ وَالْقَدَحَ فَقَالَ رَجُلٌ: آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ فَقَالَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فَبَاعَهُمَا مِنْهُ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ مِمَّنْ يَزِيدُ اتِّفَاقًا وَقِيلَ إنَّهُ يُكْرَهُ وَاسْتَدَلَّ لِقَائِلِهِ بِحَدِيثٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ» وَلَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ – قلت : وضعفه الألباني في الضعيفة (3981) - اهـ قال ابن حجر في فتح الباري (4/ 354) : (قَوْلُهُ بَابُ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ لَمَّا أَنْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ النَّهْيُ عَنِ السَّوْمِ) أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعَ التَّحْرِيمِ مِنْهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَوَرَدَ فِي الْبَيْعِ فِيمَنْ يَزِيدُ حَدِيثِ أَنَسٍ  --- وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى تَضْعِيفِ مَا أخرجه البزارمن حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ فَإِن فِي إِسْنَاده بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ وَقَالَ عَطَاءٌ أَدْرَكْتُ النَّاسَ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ فِيمَنْ يزِيد وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ وَنَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَرَوَى هُوَ وَسَعِيد بن مَنْصُور عَن بن عُيَيْنَة عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ وَكَذَلِكَ كَانَتْ تُبَاعُ الْأَخْمَاسُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِبَ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ والمواريث قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَا مَعْنَى لِاخْتِصَاصِ الْجَوَازِ بِالْغَنِيمَةِ وَالْمِيرَاثِ فَإِنَّ الْبَابَ وَاحِدٌ وَالْمَعْنَى مُشْتَرَكٌ اه وَكَأَنَّ التِّرْمِذِيّ يُقيد بِمَا ورد فِي حَدِيث بن عمر الَّذِي أخرجه بن خُزَيْمَة وبن الْجَارُودِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَن بن عُمَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَحَدٍ حَتَّى يَذَرَ إِلَّا الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ اه وَكَأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ فِيمَا يُعْتَادُ فِيهِ الْبَيْعُ مُزَايَدَةً وَهِيَ الْغَنَائِمُ وَالْمَوَارِيثُ وَيَلْتَحِقُ بِهِمَا غَيْرُهُمَا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ فَخَصَّا الْجَوَازَ بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ اهـ
(ج) بيع المناقصة : وهو أن يطلب المشتري سلعة بأوصاف معينة ، وتعرض على البائعين لمن يدفع سعرا أقل ، وهذه الصورة – وإن لم تكن موجودة قديما – صحيحة قياسا على بيع المزايدة ، فالمزايدة تأتي لغرض البائع ، والمناقصة تأتي لغرض المشتري انظر تمام المنة لشيخنا عادل (3/335)
ملاحظات : (1) قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (4/343) : (مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ إِلَخْ) فِيهِ جَوَازُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ إِذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِمَا عَيَّنَ الطَّالِبُ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا لَيْسَ بِسَوْمٍ لِأَنَّ السَّوْمَ هُوَ أَنْ يَقِفَ الرَّاغِبُ وَالْبَائِعُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْقِدَاهُ فَيَقُولُ الْآخَرُ لِلْبَائِعِ أَنَا أَشْتَرِيهِ وهَذَا حَرَامٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ وأَمَّا السَّوْمُ بِالسِّلْعَةِ الَّتِي تُبَاعُ لِمَنْ يَزِيدُ فَلَيْسَ بحرام اهـ  (2) الْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْمُزَايَدَةِ وَالنَّجْشِ أَنَّ النَّاجِشَ لاَ يَرْغَبُ فِي شِرَاءِ الشَّيْءِ وَالْمُزَايِدَ يَرْغَبُ فِي الشِّرَاءِ.
الطريقة الثانية : بيوع الأمانة :
وهي التي يذكر فيها البائع الربح والخسارة على ثمن الشراء الذي اشترى به ، وهي أيضا أقسام :
(أ) بيع المرابحة : قال ابن قدامة في المغني (4/136) : هُوَ الْبَيْعُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحٍ مَعْلُومٍ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيَقُولُ: رَأْسُ مَالِي فِيهِ أَوْ هُوَ عَلَيَّ بِمِائَةٍ بِعْتُك بِهَا، وَرِبْحُ عَشَرَةٍ، فَهَذَا جَائِزٌ لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ اهـ (ب) التولية : وَبَيْعُ التَّوْلِيَةِ هُوَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ مِنْ غَيْر نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَحُكْمُهُ فِي الْإِخْبَارِ بِثَمَنِهِ وَتَبْيِينُ مَا يَلْزَمُهُ تَبْيِينُهُ حُكْمُ الْمُرَابَحَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَلَفْظِ التَّوْلِيَةِ انظر المغني (4/141) كأن يقول : اشتريت هذه السلعة بألف ، وسأبيعها لك بنفس الثمن الذي اشترينها به 0
(ج) الوضعية وهو أن يخبر برأس المال ، ويقول : بعتك هذا وأضع عنك كذا ( أي : أنه يخسر في الثمن انظر تمام المنة لشيخنا العزازي (3/336)
فائدة : سميت هذه العقود بيوع أمانة ؛ لأن المشتري ائتمن البائع في إخباره عن الثمن من غير بينة ولا استحلاف 0

السادس : ( بيع العربون )
وَالْعُرْبُونُ فِي الْبَيْعِ هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ فَيَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ دِرْهَمًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَخَذَ السِّلْعَةَ احْتَسَبَ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فَذَلِكَ لِلْبَائِعِ انظر المغني (4/175)
حكمه : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم جواز بيع العربون لما فيه من الغرر وأكل أموال الناس بالباطل وهذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة انظر معالم السنن (3/139) واختيار الشوكاني ودليلهم : 1 - قال الله تعالى :{لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } [النساء: 29] قال القرطبي في تفسيره (5/ 150) وَمِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ بَيْعُ الْعُرْبَانِ، 00 فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْقِمَارِ وَالْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ، وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا هِبَةٍ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ اهـ   2- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ» رواه أبو داود (3502) ضعفه أحمد والألباني
القول الثاني : وهذا مذهب عمر رضي الله عنه صح عنه ذلك، وصح عن ابنه أيضًا ابن عمر وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل أن بيع العربون جائز ولا بأس به، انظر فتح ذي الجلا والإكرام لابن عثيمين (3/560) والدليل  :  وَاشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةِ دِينَارٍ وَسَجَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّة رواه البخاري معلقا (3/123) ووصله ابن أبي شيبة في المصنف (23201) من طريق عَنْ عَمْرٍو – بن دينار - ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ: أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ،به قال الألباني في مختصر البخاري ( 2 / 137 ) :إن عبد الرحمن هذا أشار الذهبي إلى أنه مجهول، لم يرو عنه غير عمرو بن دينار.قلت : أحتج بهذا الأثر الإمام أحمد بن حنبل قَالَ الْأَثْرَمُ قُلْت لِأَحْمَدَ تَذْهَبُ إلَيْهِ؟ قَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَقُلْ؟ هَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – انظر المغني (4/176) قال ابن عثيمين رحمه الله : والجهالة – في بيع العربون - التي فيه ليس جهالة ميسر؛ لأن الجهالة- جهالة الميسر-يكون فيها المتعاملان بين الغنم والغرم، أما هذه فإن البائع ليس بغارم بل البائع غانم، وغاية ما هناك أن ترد إليه سلعة، ومن المعلوم أن المشتري لو شرط الخيار لنفسه لمدة يوم أو يومين كان ذلك جائزًا، وبيع العُربون يشبه شرط الخيار إلا أن المشتري يقول: بدل من أني رددت عليه السلعة وربما تنقص قيمتها إذا علم الناس اشتريت ثم رُدت بدلًا من ذلك أنا أعطيه عُشر الثمن أو أكثر أو أقل حسب ما يتفقان عليه، ففيه جبر لما قد يحصل من نقص قيمة السلعة، ولو على سبيل التقدير، ففيه مصلحة، وفيه أيضًا مصلحة للبائع من وجه آخر، لأن المشتري إذا سلم العربون وعلم أنه إن لم تتم البيعة أخذ منه العربون فسوف يتمم البيعة، ولهذا البائع يشترط العربون في الغالب لأجل أن يتمسك ويمسك المشتري ولا يتهاون، ففيه مصلحة للبائع وفيه أيضًا مصلحة للمشتري، لأن المشتري ربما إذا أخذ السلعة وذهب ونظر وفكر وقدر علم أنها لا تناسبه، فإذا كان لم يشترط الخيار فهي لازمة له، وإذا اشترط الخيار بالعربون صار غير لازم، وهذا يقع كثيرًا، تجد الإنسان يشتري الشيء راغبًا فيه جدًا ثم يتغير نظره فيه أو يأتيه من جهة أخرى نفس الشيء الذي اشتراه يهب له إنسان فتطيب نفسه عن الشراء ويرغب في ردّه، فإذا كان اشتراه عن طريق العربون انتفع.
فالقول الراجح في هذه المسألة - وعليه عمل الناس اليوم-: أن بيع العربون لا بأس به، لأنه مصلحة للطرفين، وليس من باب الميسر؛ لأن الميسر يكون فيه أحد الطرفين إما غانمًا وإما غارمًا، أما هذا فليس فيه غُرم، البائع رابح، لأنه يقول: إن تم البيع فلك، وإن لم يتم فأنا قد ربحت العربون.
فإذا قال قائل: هل العربون مقدر، أي: أنه يكون بنسبة شيء معين إلى الثمن أو على حسب ما يتفقان عليه؟
الجواب: هو الثاني، قد يعطيه من العربون عشرة ريالات والثمن منه مائة ألف، وقد يعطيه خمسين ألفًا والثمن مائة ألف، المهم: أن هذا شيء يرجع إليهم، لكن من المعلوم أنه إذا أعطاه عربون خمسين ألف من مائة ألف الغالب أنه لا يترك المبيع؛ لأن الخسارة كبيرة والبائع إذا كان يخشى سوف يطلب عربونًا كبيرًا حتى يستمسك من المشتري اهـ
لكن هل يجوز للبائع بناء على ذلك أن يأخذ العربون إذا نكل المشتري
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (4/176) وَالْأَئِمَّةِ الْقَائِلِينَ بِفَسَادِ الْعُرْبُونِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ السِّلْعَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْبَائِعُ الدِّرْهَمَ – العربون - لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلِصَاحِبِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ اهـ
القول الثاني : يجوز أن يأخذ العربون وهو مذهب الحنابلة ورجحه ابن باز وابن عثيمين قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (8/254) بيع العَرَبون وهو معروف عندنا ويسمى العُربون، وهو أن يعطي المشتري البائع شيئاً من الثمن، ويقول: إن تم البيع فهذا أول الثمن، وإن لم يتم فالعربون لك.
فإن قيل: كيف تصححون هذا، والبائع أخذ شيئاً بغير مقابل؟
فالجواب: أولاً: أن نقول: إنه أخذ هذا باختيار المشتري.
ثانياً: أن فيه مقابلاً؛ لأن السلعة إذا ردت نقصت قيمتها في أعين الناس، فمثلاً إذا قيل: هذا الرجل اشترى هذه السيارة بخمسين ألفاً وأعطاه خمسمائة ريال عربوناً، ثم جاء للبائع وقال: أنا لا أريدها، فإن الناس سيقولون: لولا أن فيها عيباً ما ردها فتنقص القيمة، وقد روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ اهـ قلت : القول الثاني هو الراجح لأثر عمر السابق 0
 سئل ابن باز رحمه الله كما في مجموع فتاوى (19/63) ما حكم أخذ البائع للعربون إذا لم يتم البيع، وصورته أن يتبايع شخصان، فإن تم البيع أكمل له القيمة وإن لم يتم البيع أخذ البائع العربون ولا يرده للمشتري؟ .
ج: لا حرج في أخذ العربون في أصح قولي العلماء إذا اتفق البائع والمشتري على ذلك، ولم يتم البيع اهـ وفي اللجنة الدائمة (13/133) بيع العربون جائز، وهو أن يدفع المشتري للبائع أو وكيله مبلغا من المال أقل من ثمن المبيع بعد تمام عقد البيع، لضمان المبيع؛ لئلا يأخذه غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فللبائع أخذه وتملكه، وبيع العربون صحيح، سواء حدد وقتا لدفع باقي الثمن أو لم يحدد وقتا، وللبائع مطالبة المشتري شرعا بتسليم الثمن بعد تمام البيع وقبض المبيع، ويدل لجواز العربون فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال الإمام أحمد في بيع العربون: لا بأس به، وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه أجازه، وقال سعيد بن المسيب، وابن سيرين: لا بأس به إذا كره السلعة أن يردها، ويرد معها شيئا، أما الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «نهى عن بيع العربون  » فهو حديث ضعيف، ضعفه الإمام أحمد وغيره، فلا يحتج به.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
 ( قسم من البيوع يحرم لجريان الربا فيه )
الرِّبَا فِي اللُّغَةِ: هُوَ الزِّيَادَةُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] . وَقَالَ: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92] . أَيْ أَكْثَرُ عَدَدًا، يُقَالُ: أَرْبَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ، إذَا زَادَ عَلَيْهِ. وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: الزِّيَادَةُ فِي أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ انظر المغني (4/3)
حكمه : وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْآيَاتِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ» رواه البخاري (2766) ومسلم (89) فِي أَخْبَارٍ سِوَى - هَذه - كَثِيرَةٍ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الرِّبَا مُحَرَّمٌ انظر المغني (4/3)
الربا قسمان : ربا النسيئة وربا الفضل :
أولا : ربا النسئة ، معنى النسيئة : التأخير ، وهذا النوع من الربا معناه أن يزيد الدائن على المَدين نظير التأجيل ، كأن يقرضه ألف جنيه ، ليردها له بعد زمن ويرد معها زيادة يتفقون عليها ، وهذا محرم بالكتاب والسنة سواء كانت هذه الزيادة قليلة أم كثيرة أما الكتاب : فلعموم الأدلة الدالة على تحريم الربا كما تقدم وأما السنة فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» رواه البخاري (2178) ومسلم (1596) ثانيا : ربا الفضل ، وهو أن يبيعه مثلا ذهبا بذهب أو طعام بطعام مثله بزاد من أحدهما - أي في المطعومات التي يكون فيها الربا كما سيأتي تفصيله – كأن يبيعه عشر جرامات ذهبا مثلا بإحدى عشرة ، أو يبيعه صاعا من تمر بصاعين من تمر رديء ، فهذا أيضا محرم ؛ لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ، أَوِ اسْتَزَادَ، فَقَدْ أَرْبَى، الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ» رواه مسلم (1584)
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، بِيعُوا الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا البُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ رواه مسلم (1587) والترمذي (1240) واللفظ له قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (5/ 227) قَوْلُهُ: (فَمَنْ زَادَ) . . . إلَخْ، فِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ لِلْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهَا قَاضِيَةٌ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ رِبَا الْفَضْلِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتُلِفَ فِي رُجُوعِهِ فَرَوَى الْحَاكِمُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ حَدِيثَهُ الَّذِي فِي الْبَابِ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ، وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِهِمَا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ رِبَا الْفَضْلِ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِلَفْظِ: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ عَنْ الصَّرْفِ قَالَا: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا» ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ " قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ: إلَّا يَدًا بِيَدٍ، قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا بَأْسَ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ: أَوَقَالَ ذَلِكَ؟ إنَّا سَنَكْتُبُ إلَيْهِ فَلَا يُفْتِيكُمُوهُ "، وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا وَإِنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ الصَّرْفِ. فَقَالَ: مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا، فَذَكَرْتُ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ فَكَرِهَهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ أُسَامَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. فَقِيلَ: إنَّ حَدِيثَ أُسَامَةَ مَنْسُوخٌ لَكِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ
، وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ (لَا رِبَا) الرِّبَا الْأَغْلَظُ الشَّدِيدُ التَّحْرِيمُ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ الشَّدِيدِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: لَا عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إلَّا زَيْدٌ مَعَ أَنَّ فِيهَا عُلَمَاءَ غَيْرَهُ.
وَإِنَّمَا الْقَصْدُ نَفْيُ الْأَكْمَلِ لَا نَفْيُ الْأَصْلِ، وَأَيْضًا نَفْيُ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ إنَّمَا هُوَ بِالْمَفْهُومِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ بِالْمَنْطُوقِ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أُسَامَةَ عَلَى الرِّبَا الْأَكْبَرِ اهـ.
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ: مَفْهُومُ حَدِيثِ أُسَامَةَ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ أَمْ لَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا فَيُخَصَّصُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِمَنْطُوقِهَا. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَيْسَ ذَلِكَ مَرْوِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ مَنْطُوقَةً، وَلَوْ كَانَ مَرْفُوعًا لَمَا رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاسْتَغْفَرَ لَمَّا حَدَّثَهُ أَبُو سَعِيدٍ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ رَوَى الْحَازِمِيُّ رُجُوعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاسْتِغْفَارَهُ عِنْدَمَا سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابَ وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ يُحَدِّثَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ وَقَالَ: حَفِظْتُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ أَحْفَظْ وَرَوَى عَنْهُ الْحَازِمِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ بِرَأْيِي وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يُحَدِّثُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرَكْتُ رَأْيِي إلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعٌ، فَهُوَ عَامٌّ مُخَصَّصٌ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ؛ لِأَنَّهَا أَخَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا.
وَأَيْضًا الْأَحَادِيثُ الْقَاضِيَةُ بِتَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ ثَابِتَةٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهِشَامِ بْنِ عَامِرٍ وَالْبَرَاءِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَبِلَالٍ اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ هَذَا، وَخَرَّجَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْضَهَا، فَلَوْ فُرِضَ مُعَارَضَةُ حَدِيثِ أُسَامَةَ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَعَدَمُ إمْكَانِ الْجَمْعِ أَوْ التَّرْجِيحِ بِمَا سَلَفَ لَكَانَ الثَّابِتُ عَنْ الْجَمَاعَةِ أَرْجَحَ مِنْ الثَّابِتِ عَنْ الْوَاحِدِ اهـ
ومعنى هذه الأحاديث أن هذه الأصناف يلاحظ في بيعها ما يلي :
1-         لا يجوز بيع ربوي بربوي أي إذا اتحدا في الجنس إلا يدا بيد ومثلا بمثل ؛ على سبيل المثال ، لا يجوز بيع الذهب بالذهب أو استبدال ذهب بذهب إلا أن يكونا متساويين في الوزن ويتم التقابض في المجلس ، والفضة والذهب في ذلك سواء عن أبي سعيد الخدري قال : قال رَسُول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا شَيْئًا غَائِبًا مِنْهُ بِنَاجِزٍ، إِلَّا يَدًا بِيَدٍ» رواه البخاري (2177) ومسلم  (1584) وبناء على هذا ، فمن أراد أن يبدل ذهبا بذهب أو فضة بفضة ، فيجب أن يبيع ما يملك من ذهب أو فقة ويقبض الثمن كاملا ثم يشتري ما يريد من ذهب أو فضة ويدفع ثمنه كاملا في الحال قال النووي في شرح مسلم (11/9) وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ وَأَحَدُهُمَا مُؤَجَّلٌ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ إِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ حَالًّا كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ إِذَا بَاعَهُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ انظر الفقه الميسر (3/124)  قال الصنعاني وَلَا تُشِفُّوا» أَيْ لَا تُفَضِّلُوا «بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» بِالْجِيمِ وَالزَّايِ أَيْ حَاضِرٍ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لِقَوْلِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَبِيعُوا ذَلِكَ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَيْ مُتَسَاوِيَيْنِ قَدْرًا وَزَادَهُ تَأْكِيدًا بِقَوْلِهِ وَلَا تُشِفُّوا أَيْ لَا تُفَاضِلُوا وَهُوَ مِنْ الشِّفِّ بِكَسْرِ الشِّينِ وَهِيَ الزِّيَادَةُ هُنَا. وَإِلَى مَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ ذَهَبَتْ الْجُلَّةُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعِتْرَةِ وَالْفُقَهَاءِ فَقَالُوا: يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيمَا ذَكَرَ غَائِبًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا انظر سبل السلام (2/ 51)
2- لا يجوز بيع الذهب والفضة بالتقسيط لأن المال اليوم يحل محل النقدين ( الذهب والفضة ) لا خلاف بين أهل العلم في أن الربا يَجري في الأثمان : الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية كالجنية والريال والدينار ؛ لأنهما قيمة المُشتَريَات  ولا يجوز أن يشتري ذهبا أو فضة ويؤخر المال حتى يأتيه به بعد زمن قليلا كان أو كثيرا ؛ لحديث : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ  قال النووي رحمه الله : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْفِضَّةِ مُؤَجَّلًا انظر شرح مسلم (11/10) وقالت اللجنة الدائمة (11/97) لا يجوز بيع الذهب بالنقود، وإن كانت ليست من جنسه إلا بشرط التقابض في المجلس؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر الأجناس التي يدخلها الربا ثم قال: «فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد اهـ ويجوز أن يشتري الذهب بالشيك ، لا حرج في ذلك؛ لأن قبض البائع للشيك في حكم قبضه للثمن، إذا كان الشيك مصدقا من المصرف انظر اللجنة الدائمة (13/494)
3- إذا اختلفت الأصناف المذكورة في الحديث في الجنس ، جاز التفاضل وحُرِمت النسيئة ؛ أي لا يشترط التساوي في الكم ، وتشترط الفورية في القبض 0
كأن يبيع ذهبا بفضة ، أو تمرا ببر أو غير ذلك من الأصناف المذكورة في الحديث ، فيشترط في هذه الحالة اتحاد مجلس القبض ( يدا بيد ) ،لكن يجوز أن يختلف الوزن أو الكيل ، بأن تكون الفضة أكثر من الذهب ، أو البر أكثر من التمر ، ولكن الشرط المعتبر في هذه الحالة فقط هو أن يتقابضا في نفس المجلس  قال النووي في شرح مسلم (11/9) يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ كَصَاعِ حِنْطَةٍ بِصَاعَيْ شَعِيرٍ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا اهـ
4- إذا اختلفت الأشياء في الجنس – يعني الأصناف الربوية- جاز بيع بعضها ببعض متفاضلا وتأخير الثمن – فيجوز بيع الكتاب بالكتابين والطعام بالذهب وبيع ثوب بثوبين وبيع سيارة بالفضة أو بسيارتين ، كل ذلك وما أشبه جائز فيه التفاضل – أي عدم التساوي في الكم والثمن وجاز فيه النسيئة – التأخير - أي عدم القبض على الفورية ) ومن أدلة ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين : عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِعْنِيهِ»، فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ، رواه مسلم (1602)
 قال النووي في شرح مسلم (11/ 39) فِيهِ جَوَازُ بَيْعِ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْقِيمَةُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِذَا بِيعَ نَقْدًا وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَإِنْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أَوْ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إِلَى أَجَلٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ جَوَازُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يَجُوزُ وَفِيهِ مَذَاهِبُ لِغَيْرِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
 5- يجوز استبدال الأوراق المالية بعضها ببعض على أن يتم التقابض في المجلس 0
فيجوز استبدال ألف ريال سعودي بألف وخمسمائة جنيه مصري ، أو مائة دينار كويتي بألف ريال سعودي وهكذا ، لأن الأوراق المالية المتعامل بها الآن تحل محل النقدين ( الذهب والفضة ) وقد تقدم نقل الإجماع على جواز بيع الذهب بالفضة تفاضلا شرط التقابض في المجلس لحديث أبي سعيد الخدري المتقدم قال في المغني (4/41) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَتَى انْصَرَفَ الْمُتَصَارِفَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ، فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا)
الصَّرْفُ: بَيْعُ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ.» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا، أَنَّ الصَّرْفَ فَاسِدٌ اهـ  سئل ابن باز كما في مجموع فتاوى (19/173) معلوم أن المغترب العربي يعود إلى بلده وقد اشترى من العملات العالمية، مثل الدولار وجنيهات الذهب، أو حتى أي عملة غير عملة بلده ثم يعود لبلده ليبيعها، فيسعى وراء أعلى سعر يبيعه به، ومن أماكن البيع ما هو رسمي لدى الدولة، ومنها ما يسمى السوق السوداء، والسؤال هو: متى يكون هذا ربا فضل، وماذا ينبغي عندئذ؟
ج: العمل تختلف فإذا باع عملة بعملة أخرى يدا بيد فهذا ليس فيه ربا؛ كأن يبيع الدولار بالجنيه المصري أو بالعملة اليمنية يدا بيد فلا بأس، وهكذا إذا باع أي عملة بعملة أخرى يدا بيد فإنه ليس في هذا ربا، أما إذا باع العملة بعملة أخرى إلى أجل؛ كأن يبيع الدولار بالعملة اليمنية إلى أجل، أو بالجنيه المصري أو الاسترليني أو الدينار الأردني أو العراقي إلى أجل، هذا يكون ربا لأنها منزلة منزلة الذهب والفضة فلا يجوز بيعها بعضها ببعض مؤجلا، بل لا بد من القبض في المجلس، أما ربا الفضل فإنه يقع بالعملة بنفسها إذا باع العملة بالعملة نفسها متفاضلا كأن يبيع الجنيه الاسترليني بجنيه استرليني وزيادة، كجنيه استرليني بجنيهين هذا ربا ولو كان يدا بيد، أو يبيع العملة السعودية عشرة ريالات بأحد عشر ريالا، هذا ربا فضل، وإذا كان بأجل كان ربا فضل ونسيئة جميعا، فيها نوعا الربا. وهكذا ما أشبه ذلك كالدولار بدولارين أو بثلاثة إلى أجل أو حالا يدا بيد هو ربا فضل، فإن كان إلى أجل كان ربا فضل ونسيئة. اجتمع فيه الأمران هذه أوجه الربا اهـ
6- اعلم أن الأحكام السابقة ثابتة سواء كان الصنف جَيِّدا أورَدِيئا، وسواء كان من التِّبْر وَالْمَضْرُوب، وَالصَّحِيح وَالْمَكْسُور، سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ التَّمَاثُلِ، وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ انظر المغني (4/8)
7- وكذلك الحكم في إبدال ذهب بذهب ، فإنه يشترط فيه التماثل والتقابض ، فإذا أراد هذه المبادلة دون حرج ، فالصحيح أن يبيع الذهب القديم ويقبض الثمن ، ثم يشتري الذهب الجديد وذلك من دون مواطأة بينه وبين التاجر ، والدليل : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟»، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» رواه البخاري (2201) ومسلم (1593) (جنيب) نوع جيد من أنواع التمر. (الجمع) الرديء
سئل ابن عثيمين رحمه الله ك هل يجوز استبدال الذهب القديم الذي عندي بذهب جديد وأدفع للصائغ فرق الثمن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله لا يجوز أن تبدل ذهبا رديئاً بذهب طيب وتعطي الفرق. هذا محرم لا يجوز ويدل لذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بلال رضي الله عنه (جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جيد فقال له من أين هذا؟ قال بلال: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «أَوَّهْ أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِهِ») فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن زيادة ما يجب فيه التساوي من أجل اختلاف الوصف أنها عين الربا وأنه لا يجوز للمرء أن يفعله، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كعادته أرشده إلى الطريق المباح فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يبيع الرديء بدراهم ثم يشتري بالدراهم تمرا جيدا وعلى هذا فنقول إذا كان لدى المرأة ذهب رديء أو ذهب ترك الناس لبسه فإنها تبيعه بالسوق ثم تأخذ الدراهم وتشتري بها ذهبا طيبا تختار هذه الطريقة التي أرشد إليها نبينا صلى الله عليه وسلم.
 (فقه وفتاوى البيوع / جمع وترتيب أشرف عبد المقصود ص386) .
في اللجنة الدائمة (13/500) ما الحكم إذا كان يشتري الذهب الصافي بالأجل ويشتري بالنقد كذلك؟
ج1: قاعدة الربا: 1- أن الربوي إذا اتحدت علته وجنسه حرم فيه التفاضل والنسأ، كالذهب بالذهب والفضة بالفضة، ولو كان أحدهما جيدا والآخر رديئا. 2- وأنه لا يجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه بأكثر من وزنه مقابل الصنعة. 3- وأن الربوي إذا اتحدت علته واختلف جنسه جاز فيه التفاضل، وحرم النسأ، كالذهب بالفضة، فإنه يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا، ولكن يشترط التقابض في مجلس العقد قبل التفرق. 4 - وإذا اختلفت علته وجنسه جاز فيه التفاضل والنسأ، كالذهب بالحنطة والفضة بالشعير. 5- وأنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما شيء من غير جنسهما، كمد عجوة ودرهم بمثلهما أو بمدين ودرهمين، أو دينار ودرهم بدينار. 6- وأن فروع الأجناس أجناس باختلاف أصولها، فدقيق الشعير جنس، وخبزه جنس وهكذا. 7- وأنه لا يجوز بيع الربوي إلا بمعياره الشرعي، فاعتبار المساواة في الموزونات بالوزن، وفي المكيلات بالكيل. 8- وأن المماثلة لا بد من تحققها فيما اشترطت فيه، والشك فيها كتحقق المفاضلة. 9- وأن الربا المحرم يجري في غير الأعيان الستة المنصوص عليها، وأنه متعد منها إلى كل ملحق بشيء منها.
والأدلة على هذا كثيرة منها: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم؛ إذا كان يدا بيد رواه مسلم وأحمد.
وما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الذهب بالذهب وزنا بوزن، والفضة بالفضة وزنا بوزن، والبر بالبر كيلا بكيل، والشعير بالشعير كيلا بكيل (1) » رواه الأثرم والطحاوي وما رواه مسلم وغيره من حديث فضالة بن عبيد قال: «اشتريت قلادة يوم خيبر باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: "لا تباع حتى تفصل (2) » . وما رواه مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها بالكيل المسمى من التمر (3) » .
وبناء على ما ذكر فلا يجوز فعل ما ذكرته في السؤال؛ لأن الذهب إذا بيع بجنسه -ذهب بذهب- متفاضلا مؤجلا دخله ربا الفضل والنسيئة، وإذا بيع متماثلا مؤجلا دخله ربا النسيئة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
وفي فتاوى يسألونك (13/138)فقد اتفق أهل العلم على أن بيع الأصناف الربوية بعضها ببعض يكون على النحو الآتي: 1. إذا بيع الشيء بجنسه كتمر بتمر، فيشترط لذلك شرطان: التماثل والتقابض، أي تماثل الوزنين أو الكيلين مع التقابض في مجلس العقد. ولا يصح في هذه الحالة اختلافهما في القدر -الوزن أو الكيل- ولا يصح التأجيل، لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: (مثلًا بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى) رواه البخاري ومسلم.
2. إذا بيع الشيء بغير جنسه مع اتحاد العلة كذهب بفضة، فيشترط لذلك التقابض دون التماثل. فيصح أن يبيع مئة غرام ذهب بخمسمئة غرام فضة بشرط القبض في المجلس.
3. إذا بيع الشيء بغير جنسه مع عدم الاتحاد في العلة، كبيع القمح بالذهب، أو الملح بالفضة، فلا يشترط لذلك لا تقابض ولا تماثل. ويلحق بذلك بيع أحد الأصناف الأربعة وهي البر والشعير والتمر والملح وما يجري مجراها بالنقود الورقية المعروفة اليوم، فيصح أن تبيع القمح إلى أجل، أي كما يسميه الناس اليوم البيع بالدين، قال الإمام النووي: [وأجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلاً ومؤجلاً، وذلك كبيع الذهب بالحنطة، وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل] شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 9.
وقال الشيخ ابن حزم: [وجائز بيع القمح والشعير والتمر والملح بالذهب أو بالفضة يداً بيد ونسيئةً وجائز تسليم الذهب أو الفضة بالأصناف التي ذكرنا لأن النص جاء بإباحة كل ذلك وبالله تعالى التوفيق] المحلى 7/ 438.
 ( الأصناف التي يحرم فيها التفاضل )
اختلف العلماء في تحديد هذه الأصناف التي يحرم فيها التفاضل
القول الأول : أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُ مَوْزُونَ جِنْسٍ، وَعِلَّةُ الْأَعْيَانِ الْأَرْبَعَةِ مَكِيلُ جِنْسٍ. وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي وهو المشهور من مذهب أحمد انظر المغني (4/5) ودليلهم : 1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ " - وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا - فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَبِيعُ الْفَرَسَ بِالْأَفْرَاسِ، وَالنَّجِيبَةَ بِالْإِبِلِ؟ قَالَ: " لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ رواه أحمد في المسند (5885) حديث ضعيف وضعفه الأرنؤوط  2-عن أبي بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ , عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ , عَنِ الْحَسَنِ ,عَنْ عُبَادَةَ , وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ:  «مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إِذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا , وَمَا كَيْلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ , فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ» رواه الدارقطني (2853) حديث ضعيف قال الدارقطني : لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ , عَنِ الرَّبِيعِ هَكَذَا. وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فَرَوَوْهُ عَنِ الرَّبِيعِ , عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , عَنْ عُبَادَةَ , وَأَنَسٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظٍ غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ اهـ
قال ابن حجر في الدراية (2/147) اسناده ضعيف اهـ قال الأرنؤوط وغيره في تحقيق مسند أحمد (37/ 358) إسناده ضعيف، فيه من لا يعرف.
3- وقالوا : وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْبَيْعِ الْمُسَاوَاةُ، وَالْمُؤَثِّرُ فِي تَحْقِيقِهَا الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ، وَالْجِنْسُ، فَإِنَّ الْوَزْنَ أَوْ الْكَيْلَ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا صُورَةً، وَالْجِنْسُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا مَعْنًى، فَكَانَا عِلَّةً،
القول الثاني : يجري الربا في كل مطعوم قول الشافعي ورواية عن أحمد انظر المغني (4/5) ودليلهم : عنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ»، قَالَ: «وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ»، قِيلَ لَهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ، قَالَ: «إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ رواه مسلم (159) وأجيب :  استدلالهم على عموم تحريم الربا في كل مطعوم ببعض الألفاظ الواردة في بعض الأحاديث استدلال ضعيف لأسباب منها:
(1) إن هذه ألفاظ مجملة بينتها روايات أخرى.
(2) أو هي اختصار من بعض الرواة فصلتها الروايات الأخرى.
(3) وعلى فرض ثبوتها عن الشارع فإن العرف المقارن للخطاب وهو إطلاقهم اسم الطعام على البر أو الشعير من مخصصات العموم انظر أصول الفقه للشنقيطي ص221.
 قال ابن حزم في المحلى (7/409) وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ " الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ عَنْهُ مِثْلًا بِأَكْثَرَ، وَلَا إبَاحَتُهُ، إنَّمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ ".
وَأَيْضًا - فَإِنَّ لَفْظَةَ " الطَّعَامِ " لَا تُطْلَقُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إلَّا عَلَى الْبُرِّ وَحْدَهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ – رواه البخاري (1506) ومسلم (985) - فَلَمْ يَقَعْ اسْمُ الطَّعَامِ إلَّا عَلَى الْبُرِّ وَحْدَهُ» .وَأَيْضًا - فَإِذَا كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» مُوجِبًا عِنْدَكُمْ لِلْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلٍ بِمِثْلٍ، فَاجْعَلُوا - وَلَا بُدَّ - اقْتِصَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى ذِكْرِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الرِّبَا فِيمَا عَدَاهَا، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ.
فَإِنْ قَالُوا: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ؟ قُلْنَا: أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ إنْ كُنْتُمْ تَتَّعِدُونَ بِاسْمِ الطَّعَامِ إلَى كُلِّ مَا يُؤْكَلُ، فَإِنَّ فِيهِ إبْطَالَ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ: لَا يَجُوزُ تُفَّاحَةٌ بِتُفَّاحَةٍ إلَّا حِينَ يُوقَنُ أَيُّهُمَا أَكْبَرُ، وَلَا الْخُضَرُ بِالْخُضَرِ إلَّا حِينَ يُوقَنُ أَيُّهَا أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَدَّى بِلَفْظَةِ الطَّعَامِ الْبُرُّ، فَفِيهِ إبَاحَةُ بَيْعِ بُرٍّ فَاضِلٍ بِأَدْنَى، وَفَاضِلٍ وَأَدْنَى بِمُتَوَسِّطٍ إذَا تَمَاثَلَتْ فِي الْكَيْلِ -.
وَأَيْضًا: فَلَا يُطْلِقُ عَرَبِيٌّ وَلَا مُسْتَعْرِبٌ عَلَى السَّقَمُونْيَا اسْمَ طَعَامٍ لَا بِإِطْلَاقٍ وَلَا بِإِضَافَةٍ.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تُؤْكَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ؟ قُلْنَا: وَالصَّنْدَلُ قَدْ يُؤْكَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ، وَالطِّينُ الْأَرْمِينِيُّ، وَالْأَحْمَرُ، وَالطَّفْلُ كَذَلِكَ، وَالسَّبَدُ، وَاللُّؤْلُؤُ، وَحَجَرُ الْيَهُودِ كَذَلِكَ، فَأَوْقَعُوا الرِّبَا فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ هَذَا، نَعَمْ، وَفِي النَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ أَظْفَارَهُ، وَشَعْرَ لِحْيَتِهِ، وَالرَّقَّ، أَكْلًا ذَرِيعًا، فَأَوْقَعُوهَا فِي الطَّعَامِ، وَأَدْخَلُوا الرِّبَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُؤْكَلَانِ أَيْضًا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا 00عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا مُخْتَلِفًا فَتَبَايَعْنَاهُ بَيْنَنَا بِزِيَادَةٍ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَأْخُذَهُ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ» - رواه أحمد (11771) وسنده حسن وحسنه الأرنؤوط -
وَبِمَا رُوِّينَاهُ – عن - جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُبَاعُ الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ، وَلَا الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالْكَيْلِ مِنْ الطَّعَامِ الْمُسَمَّى» - رواه النسائي (4548) وصححه الألباني - فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ إلَّا أَنَّهُمَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ اسْمَ " الطَّعَامِ " لَا يَقَعُ كَمَا قُلْنَا عِنْدَ الْعَرَبِ مُطْلَقًا إلَّا عَلَى الْبُرِّ فَقَطْ، كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ آنِفًا فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] فَأَرَادَ تَعَالَى ذَبَائِحَنَا وَذَبَائِحَهُمْ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ»
قُلْنَا: لَا نَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ اسْمِ " الطَّعَامِ " عَلَى غَيْرِ الْبُرِّ بِإِضَافَةٍ أَوْ بِدَلِيلٍ مِنْ النَّصِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِاحْتِجَاجَ هُوَ عَلَى الشَّافِعِيِّينَ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ: إنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحَنَا جَائِزٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا، وَفِي قَوْلِهِمْ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ أَصْلًا حَتَّى يَيْبَسَ.
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُخَالِفَانِ لِاحْتِجَاجِهِمْ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الطَّعَامِ عَلَى اللُّحُومِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ مُخَالِفَانِ لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، جُمْلَةً إنْ حَمَلَاهُمَا عَلَى أَنَّ " الطَّعَامَ " وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا يُؤْكَلُ مُبْطِلَانِ لِقَوْلِهِمَا فِي الرِّبَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَكَمَا قُلْنَا، وَيَبْطُلُ أَيْضًا احْتِجَاجُهُمْ بِهِ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ مَنْ هُوَ أَضْبَطُ وَأَحْفَظُ مِنْ ابْنِ فُضَيْلٍ: قُتَيْبَةُ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " قَالَ: «قَسَمَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا مِنْ التَّمْرِ مُخْتَلِفًا بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، فَذَهَبْنَا نَتَزَايَدُ فِيهِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ» فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِذَلِكَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ الَّذِي فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ إنَّمَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا: إمَّا تَمْرًا، أَوْ بُرًّا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَهْيَهُمْ عَنْ أَنْ يَبِيعُوهُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِزِيَادَةٍ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ.
فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَسْمِيَتُهُ بِالطَّعَامِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُمْكِنُ لَهُمْ أَنْ يُنَازِعُونَا فِي مَعْنَاهُ، ثُمَّ يَحْمِلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ، إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ أُخْبِرْنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ اسْمَ " الطَّعَامِ " إلَّا عَلَى الْبُرِّ.
ثُمَّ لَا يُمَارُونَنَا فِي أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْخَبَرِ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ الْمَقْسُومِ - هَذَا نَصُّ مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ يَقِينًا ضَرُورَةً وَلَا بُدَّ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ فِي جَمِيعِ أَصْنَافِ مَا يُرِيدُونَ أَنْ يُسَمُّوهُ طَعَامًا، إلَّا بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ يُنَازِعُونَ فِيهِ، وَهُمْ لَا يَدْعُونَ مَعْرِفَةَ مَا كَانَ مِنْ صِنْفِ ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَيُمْكِنُهُمْ عِنْدَنَا أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِهِ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بُرًّا، وَلَا تَمْرًا، وَلَا شَعِيرًا، وَيَبْطُلُ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ إنْ كَانَ بُرًّا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ قَوْلُنَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ بِيَقِينٍ لَا إمْكَانَ فِي سِوَاهُ -.وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
وَاسْتَدْرَكْنَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ» - رواه النسائي (4547) وصححه الألباني - 00وَقَدْ رُوِّينَاهُ مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ» 00فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جُمْلَةً اهـ
القول الثالث : يجري الربا في كل مكيل أو موزون مَطعوم وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ قَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ورواية عن أحمد وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ انظر المغني (4/6/7) ودليلهم : عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  «لَا رِبًا إِلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَيُؤْكَلُ وَيَشْرَبُ» رواه الدَّارَقُطْنِيّ (2834) وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدٍ، وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ وَهِمَ.وضعفه الألباني في إرواء الغليل (1343)
القول الرابع : لا يجري الربا إلا في الأصناف الستة فَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَصَرَا الرِّبَا عَلَيْهَا، وَقَالَا: لَا يَجْرِي فِي غَيْرِهَا. وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَقَالُوا: مَا عَدَاهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]  انظر المغني (4/4) وهو قول : عُثْمَان الْبَتِّيّ، وأبي سُلَيْمَانَ، وابن حزم وهو الراجح
قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (7/403) فَإِذَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَوَاجِبٌ طَلَبُ مَعْرِفَتِهِ لِيُجْتَنَبَ، وَقَالَ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] .
فَصَحَّ أَنَّ مَا فَصَّلَ لَنَا بَيَانَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الرِّبَا، أَوْ مِنْ الْحَرَامِ، فَهُوَ رِبًا وَحَرَامٌ، وَمَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلَالٌ، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَمْ يُفَصِّلْهُ لَنَا، وَلَا بَيَّنَهُ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَكَانَ تَعَالَى كَاذِبًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] وَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ مِمَّنْ قَالَ بِهِ، وَلَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاصِيًا لِرَبِّهِ تَعَالَى إذْ أَمَرَهُ بِالْبَيَانِ فَلَمْ يُبَيِّنْ فَهَذَا كُفْرٌ مُتَيَقَّنٌ مِمَّنْ أَجَازَهُ.
وَمِمَّنْ قَالَ: لَا رِبَا إلَّا فِي الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ: طَاوُسٌ، وَقَتَادَةُ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا اهـ
قال الصنعاني رحمه الله : وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهَا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى ثُبُوتِهِ فِيمَا عَدَاهَا مِمَّا شَارَكَهَا فِي الْعِلَّةِ وَلَكِنْ لَمْ يَجِدُوا عِلَّةً مَنْصُوصَةً اخْتَلَفُوا فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا يَقْوَى لِلنَّاظِرِ الْعَارِفِ أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الظَّاهِرِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجْرِي الرِّبَا إلَّا فِي السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا انظر سبل السلام (2/51) وقال المقبلي: (وقد تكررت النصوص على الستة تكراراً يعلم معه أنه لو كان النظر إلى أمر اشتركت فيه هي وغيرها لجاء ولو في بعض الروايات بيان ذلك كما جاءت النصوص على تحريم الخمر وجاءت روايات ببيان أن العلة السكر... وكذلك سائر الأحكام المعللة والشارع أعلم وكلامه أفصح وأشرح وهو العصمة  انظر  المنار ج2 ص28.
فائدة : استثنى أهل العلم من هذه الأموال الرِبَوِيَة بيع العَرَايا 0
والعرايا هي أن يكون عند إنسان تمر من العام الماضي وجاء الرطب هذا العام، وأراد أن يتفكه بالرطب، لكنه ليس عنده دراهم، وليس عنده إلا تمر يابس من العام الماضي، فهنا رخص الشرع بجواز شراء الرطب بالتمر، وسميت عرايا لعروها عن الثمن، فيأتي هذا الرجل الفقير الذي عنده تمر من العام الماضي إلى صاحب البستان، ويقول: بعني تمر هذه النخلة الذي هو الآن رطب بالتمر فهذا جائز؛ لدعاء الحاجة إليه، فإن هذا الفقير يريد أن يتفكه كما يتفكه الناس، وليس عنده دراهم فيشتري الرطب على رؤوس النخل بالتمر انظر الشرح الممتع (8/418) حكمها : الأصل أن بيع التمر بالرُطَب لا بُد فيه من شَرطَين : المماثلة والقَبض ، والأدلة على كثيرة منها 0
عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟» قَالُوا نَعَمْ، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ رواه أبو داود (3359) وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ والألباني قال الصنعاني في سبل السلام (2/61) وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِعَدَمِ التَّسَاوِي كَمَا تَقَدَّمَ اهـ
لكن النبي صلى الله عليه وسلم رَخَص في بيع العَرَايا والدليل : عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي العَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا» رواه البخاري (2192) ومسلم(1539) قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (2/62) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْعَرَايَا مُخَرَّجٌ مِنْ بَيْنِ الْمُحَرَّمَاتِ مَخْصُوصٌ بِالْحُكْمِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إلَّا الْعَرَايَا» اهـ
 قال ابن قدامة في المغني (4/45) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي إبَاحَةِ بَيْعِ الْعَرَايَا فِي الْجُمْلَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَهْلُ الشَّامِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ، بَيْعُ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ يَبِيعُ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ فِي أَحَدِهِمَا، فَلَمْ يَحُزْ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، أَوْ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، وَغَيْرُهُمَا. وَخَرَّجَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِهِمْ. وَحَدِيثُهُمْ فِي سِيَاقِهِ: (إلَّا الْعَرَايَا كَذَلِكَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا. وَلَوْ قُدِّرَ تَعَارُضُ الْحَدِيثَيْنِ، وَجَبَ تَقْدِيمُ حَدِيثِنَا لِخُصُوصِهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَعَمَلًا بِكِلَا النَّصَّيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الَّذِي نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ هُوَ الَّذِي أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا، وَطَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى. وَالْقِيَاسُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ النَّصِّ مَعَ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ، أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا. وَالرُّخْصَةُ اسْتِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ، مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ الْحَاظِرِ، فَلَوْ مَنَعَ وُجُودُ السَّبَبِ مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ، لَمْ يَبْقَ لَنَا رُخْصَةٌ بِحَالٍ. اهـ
ولكِن أهلَ العلم أجازوا بيعَ العَرَايا اشترَطُوا لصحة البيع شروطا :
الأول : أن لا تزيد على خمسة أَوسُق ثلاثمائة صاع.
والدليل : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ العَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؟» قَالَ: نَعَم رواه البخاري (2190) ومسلم  (1541) قال ابن قدامة في المغني (4/45) لَا تَجُوزُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ اهـ
الثاني : يجوز بيعها بِخَرصها من التمر كَيلا ، فلا تَصِحُ جُزَافا 0
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي العَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا» رواه البخاري (2192) ومسلم(1539) قال ابن قدامة في المغني (4/ 47) أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ، لَا أَقَلَّ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ الَّذِي يَشْتَرِي بِهِ مَعْلُومًا بِالْكَيْلِ، وَلَا يَجُوزُ جُزَافًا. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا عِنْدَ مَنْ أَبَاحَ بَيْعَ الْعَرَايَا اخْتِلَافًا اهـ
الثالث : قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (4/49) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا لِمُحْتَاجٍ إلَى أَكْلِهَا رُطَبًا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِغَنِيٍّ. اهـ قلت : تنازع العلماء في العرايا هل تجوز للأغنياء على قولين ؟
القول الأول : لا يجوز، وهو اختيار المزني، وبه قال أحمد؛ قال ابن قدامة في المغني : وَلَنَا حَدِيثُ «زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، حِينَ سَأَلَهُ، مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؟ فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ، شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ، وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يَأْكُلُونَهُ رُطَبًا.» وأجيب قال النووي رحمه الله في المجموع (11/3) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْعَرَايَا ثَابِتٌ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا وَأَلْفَاظٌ أُخَرُ غَيْرُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ رِوَايَةِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَلَمْ أَرَهَا إلَّا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا فِيمَا ذَكَرَ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ (سَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عن عراهم هَذِهِ الَّتِي يُحِلُّونَهَا فَقَالَ فُلَانٌ وَأَصْحَابُهُ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَحْضُرُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ ذَهَبٌ وَلَا وَرِقٌ يَشْتَرُونَ بِهَا وَعِنْدَهُمْ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ سَنَتِهِمْ فَأَرْخَصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَشْتَرُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا)
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
أَيْضًا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأُمِّ قِيلَ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَوْ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَإِمَّا غَيْرُهُ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَذَكَرَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَذَلِكَ معلقا لم يَذْكُرْ لَهُ إسْنَادًا يَتَّصِلُ بِهِ وَأَشَارَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى تَضْعِيفِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ فيه حديثا لا يدرى أحد منشأه ولامبدأه وَلَا طَرِيقَهُ وَذَكَرَهُ أَيْضًا بِغَيْرِ إسْنَادٍ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حُجَّةٌ يَعْنِي فِي اخْتِصَاصِهَا بِالْفُقَرَاءِ اهـ
القول الثاني : يجوز، وهو رواية عن الشافعي ومذهب ابن حزم وهو الراجح ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ جَازَ لِلْمُحْتَاجِ، جَازَ لِلْغَنِيِّ، كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ ، وَلِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَهْلٍ مُطْلَقَانِ لم يفرق بين الأغنياء والفقراء،  
الرابع : أن يكون الرطب على رؤوس النخل، فإن كان في أوانٍ بمعنى أن صاحب البستان خرف النخل، وجعله في أوانٍ وعرضه للبيع، فجاء إنسان فقير، فقال: ليس معي دراهم، لكن عندي تمر فاخرص هذا الإناء من الرطب وأعطيك بمثل خرصه تمراً، فهذا لا يجوز؛ لأنه يفوت التفكه؛ لأن كونه على رؤوس النخل يتفكه به الإنسان شيئاً فشيئاً.
انظر الشرح الممتع (8/419)
الخامس : ألاّ يجد ما يشتري به سوى هذا التمر، فإن وجد ما يشتري به سوى هذا التمر، كالدراهم والثياب والحيوان وما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن يشتري رطباً بتمر. انظر الشرح الممتع (8/ 418)
( العرايا في غير الرطب والتمر )
اتفق الجمهور على جوازه في التمر يباع برطب على رؤوس النخل،كما سبق واختلفوا فيما عداه على ثلاثة أقوال .  
القول الأول : يَجُوزَ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ دُونَ غَيْرِهِمَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ ودليله :1- ِأَنَّ الْعِنَبَ كَالرُّطَبِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِمَا، وَجَوَازِ خَرْصِهِمَا، وَتَوْسِيقِهِمَا، وَكَثْرَةِ تَيْبِيسِهِمَا، وَاقْتِيَاتِهِمَا فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ وَالْحَاجَةِ إلَى أَكْلِ رَطْبِهِمَا، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الشَّيْءِ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي مِثْلِهِ. وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا؛ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ خَرْصُهَا؛ لِتَفَرُّقِهَا فِي الْأَغْصَانِ، وَاسْتِتَارِهَا بِالْأَوْرَاقِ، وَلَا يُقْتَاتُ يَابِسَهَا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشِّرَاءِ بِهِ.اهـ قلت : أنه قياس في مقابلة النص فلا يقبل
2- قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ جَازَتْ فِي الْكَرْمِ نَصًّا وَرَوَيْنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا وَالْعَرَايَا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ قال في المجموع : لَمْ أَقِفْ على النص الذى ذكروه في شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ انظر المجموع (11/72)
القول الثاني : يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ ورواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قِيَاسًا عَلَى ثَمَرَةِ النَّخِيلِ. وَلَنَا، مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ، وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَكُلِّ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِهَا.» وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَرِيَّةِ بِالتَّمْرِ.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ» ، وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا، وَعَنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِهِ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بَيْعِ الْعَرِيَّةِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ فِي ثَمَرَةِ النَّخِيلِ رُخْصَةً، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهَا عَلَيْهَا لِوَجْهَيْنِ؛
القول الثالث : لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ فِي غَيْرِ النَّخِيلِ، وهوالمشهور عن أحمد  وَقَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ انظر المغني (4/50) وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ
وهو الراجح والدليل : 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ العَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» رواه البخاري (2382) ومسلم (1541)
2- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي العَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا» رواه البخاري (2192) ومسلم (1539) وفي رواية «أَنَّهُ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ، أَوْ بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ»
3- رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ، حَدَّثَاهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ المُزَابَنَةِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، إِلَّا لِأَصْحَابِ العَرَايَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ، وَعَنْ بَيْعِ العِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ» رواه الترمذي (1303) وصححه الترمذي والألباني وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَرِيَّةِ بِالتَّمْرِ.
قال ابن قدامة في المغني (4/50) وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بَيْعِ الْعَرِيَّةِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ فِي ثَمَرَةِ النَّخِيلِ رُخْصَةً، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهَا عَلَيْهَا لِوَجْهَيْنِ؛أَحَدِهِمَا، أَنَّ غَيْرَهَا لَا يُسَاوِيهَا فِي كَثْرَةِ الِاقْتِيَاتِ بِهَا، وَسُهُولَةِ خَرْصِهَا، وَكَوْنِ الرُّخْصَةِ فِي الْأَصْلِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ حَاجَتُهُمْ إلَى الرُّطَبِ دُونَ غَيْرِهِ.
الثَّانِي، أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُعْمَلُ بِهِ إذَا خَالَفَ نَصًّا، وَقِيَاسُهُمْ يُخَالِفُ نُصُوصًا غَيْرَ مَخْصُوصَةٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَحِلِّ الْمَخْصُوصِ، «وَنَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ» لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الثِّمَارِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
( ربا القرض )
صفته : هو أن يقرضه شيئا ويشترط عليه نفعا ما ، كأن يشترط عليه أن يسكنه داره ، أو يزيده شيئا من المال عند السداد ، أو أن يهدي له هدية ، أو أي شيء آخر يمكن أن ينتفع به المقرض سواء كان ماديا أو معنويا ، قال ابن قدامة في المغني (4/240) : كُلُّ قَرْضٍ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَزِيدَهُ، فَهُوَ حَرَامٌ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَلِّفَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَسْلِفِ زِيَادَةً أَوْ هَدِيَّةً، فَأَسْلَفَ عَلَى ذَلِكَ، أَنَّ أَخْذَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ رَبًّا. اهـ وقد ورد النهي عن قبول هدية المقترض فيما رواه رواه ابن ماجه (2432) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْهُنَائِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي لَهُ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا، فَأَهْدَى لَهُ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» حسنه ابن تيمية و السيوطي وقال العزيزي: "وهو حديث صحيح وضعفه الألباني انظر الضعيفة (1162) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَاضَاهُ، فَأَغْلَظَ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا»، ثُمَّ قَالَ: «أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: «أَعْطُوهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً» رواه البخاري (2306) ومسلم (1601) وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ لِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ، فَقَضَانِي وَزَادَنِي، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ لِي: «صَلِّ رَكْعَتَيْنِ» رواه البخاري (443) ومسلم (715)
 قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (5/ 275) : وَفِيهِ جَوَازُ رَدِّ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمِثْلِ الْمُقْتَرَضِ إذَا لَمْ تَقَعْ شَرْطِيَّةُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَعَنْ الْمَالِكِيَّةِ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِالْعَدَدِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْوَصْفِ جَازَتْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ فِي الْعَدَدِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ قِيرَاطًا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ فَتَحْرُمُ اتِّفَاقًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ جَوَازُ الْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّشْوَةِ فَلَا تَحِلُّ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثَا أَنَسٍ الْمَذْكُورَانِ فِي الْبَابِ وَأَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ وَالْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهُمَا إذَا كَانَتْ لِأَجْلِ التَّنْفِيسِ فِي أَجَلِ الدَّيْنِ، أَوْ لِأَجْلِ رِشْوَةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ، أَوْ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَنْفَعَةٌ فِي مُقَابِلِ دَيْنِهِ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرِّبَا أَوْ رِشْوَةٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ عَادَةٍ جَارِيَةٍ بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ التَّدَايُنِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِغَرَضٍ أَصْلًا فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْقَضَاءِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَا إضْمَارٍ فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي رَافِعٍ وَالْعِرْبَاضِ وَجَابِرٍ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ
قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ، يَعْنِي: قَوْلَهُ: «إنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حِلِّ الْقَرْضِ الَّذِي يَجُرُّ إلَى الْمُقْرِضِ نَفْعًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ مَوْقُوفًا بِلَفْظِ: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الرِّبَا» - قال الألباني في الإرواء قلت: وإدريس هذا لم أجد له ترجمة , ومن فوقه ثقات انظر إرواء الغليل (5/ 235) - وَرَوَاهُ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ – قال الألباني في إرواء الغليل (1397) صحيح - وَرَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَفْظِ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً» وَفِي رِوَايَةٍ: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» وَفِي إسْنَادِهِ سُوَارُ بْنُ مُصْعَبٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ قَالَ عُمَرُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْمُغْنِي: لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ وَوَهِمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فَقَالَا: إنَّهُ صَحَّ، وَلَا خِبْرَةَ لَهُمَا بِهَذَا الْفَنِّ، وَأَمَّا إذَا قَضَى الْمُقْتَرِضُ الْمُقْرِضَ دُونَ حَقِّهِ وَحَلَّلَهُ مِنْ الْبَقِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي دَيْنِ أَبِيهِ، وَفِيهِ: " فَسَأَلْتُهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَةَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ لَهُ غَرِيمَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ دُونَ الْحَقِّ بِغَيْرِ مُحَالَلَةٍ، وَلَوْ حَلَّلَهُ مِنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ جَازَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، فَكَذَلِكَ إذَا حَلَّلَهُ مِنْ بَعْضِهِ اهـ اهـ
( مسائل متعلقة بباب الربا )
( بيع العينة )
وبيع العينة : أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها ممن باعها منه بثمن حال أقل مما باعها به 0
مثاله : أن يقول له : بعت لك هذه السلعة بمائة وعشرين جنيها بالقسط ، ويتم البيع بينهما على ذلك ، ثم يقول : اشتريتها منك بمائة جنيه حالا كاش فيأخذ السلعة ويدفع مائة جنية ، فكأنه في الحقيقة أقرضه مائة جنيه على أن تسدد على أقساط مائة وعشرين جنيها وهذا البيع حرام والعلة في ذلك أنه تحايل على الربا انظر تمام المنة لشيخنا عادل العزازي ( 3/358 ) تنازع العلماء في بيع العينة على قولين ؟
القول الأول : أَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ انظر المغني (4/132) ودليله : عموم حديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا»، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ: «لاَ تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» رواه البخاري (4244) ومسلم (1593) قلت : أنَّ حديث النَّهي عن بيع العينة سيأتي مخصِّص لهذا العموم قال الشوكاني رحمه الله : وَقَدْ اُسْتُدِلَّ أَيْضًا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِ الْجَمْعِ جَنِيبًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَائِعُ الْجَنِيبِ مِنْهُ هُوَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْجَمْعَ، فَيَكُونَ قَدْ عَادَتْ إلَيْهِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي هِيَ عَيْنُ مَالِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْجَنِيبَ مِنْ غَيْرِ مَنْ بَاعَ مِنْهُ الْجَمْعَ، وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ يُنْزَلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ لَا يَشْمَلُ، فَإِذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ تِلْكَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا انظر نيل الأوطار (5/ 232)
القول الثاني : لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ، وَرَبِيعَةُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ انظر المغني (4/132) ودليلهم : 1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» رواه أبو داود (3462) حديث صحيح بطرقه وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ  وصححه الطبري ، وابن تيمية) قال الشوكاني: له طرق يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا اهـ وقال الألباني حديث صحيح لمجموع طرقه انظر كتابي الأحاديث الصحيحة المرفوعة (5)
هذا الحديث - فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا الْبَيْعِ. وَذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ قَالُوا: وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَقْصَدِ الشَّارِعِ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ الرِّبَا، وَسَدُّ الذَّرَائِعِ مَقْصُودٌ انظر سبل السلام (2/57)
2- عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السُّبَيْعِيِّ ، عَنِ امْرَأَتِهِ،- العالية - أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فِي نِسْوَةٍ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ، فَبِعْتُهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِ مِائَةٍ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ بِسِتِّ مِائَةٍ، فَنَقَدْتُهُ السِتَّمِائَةٍ، وَكَتَبْتُ عَلَيْهِ ثَمَانِ مِائَةٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: " بِئْسَ وَاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتِ، وَبِئْسَ وَاللَّهِ مَا اشْتَرَيْ، أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ "، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِعَائِشَةَ: أَرَأَيْتِ إِنْ أَخَذْتُ رَأْسَ مَالِي وَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْفَضْلَ؟ قَالَتْ: " {مَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى} الْآيَةُ، أَوْ قَالَتْ: {إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَموَالِكُمْ} الْآيَةُ "رواه عبد الرزاق في مصنفه (14812) والدارقطني (3003)  قال ابن عبد الهادي في "تنقيح التعليق" (2/558) : عن هذا الأثر إسناد جيد. وصححه الزيلعي في "نصب الراية" (4/16) قال ابن التركماني في الجوهر النقي (5/ 330): "العالية معروفة، روى عنها ابنها وزوجها، وهما إمامان وذكرها ابن حبان في الثقات من التابعين اهـ قال ابن الجوزي في التحقيق (2/ 184): قَالُوا الْعَالِيَة امْرَأَة مَجْهُولَةٌ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهَا قُلْنَا بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ جَلِيلَةُ الْقَدْرِ مَعْرُوفَةٌ ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ فَقَالَ الْعَالِيَةُ بنت أَيفع بْنِ شَرَاحِيلَ امْرَأَةُ أَبِِي إِسْحَاقَ السُّبَيْعِيِّ سَمِعَتُ مِنْ عَائِشَةَ اهـ قلت : بل هي مجهوله حديثها ضعيف  ضعفه الشافعي والدارقطني وابن حزم وابن عبد البر قال الدارقطني في سننه : العالية: "مجهولة، لا يُحتَجُّ بها اهـ قال ابن حزم في المحلى (7/ 550) امْرَأَة أَبِي إِسْحَاقَ مَجْهُولَةُ الْحَالِ، لَمْ يَرْوِ عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُ زَوْجِهَا، وَوَلَدُهَا يُونُسُ، اهـ
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (6/272) وَهُوَ خَبَرٌ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَلَا هُوَ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَهُمْ وَامْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ غَيْرُ – مَعْرُوفه - بِحَمْلِ الْعِلْمِ وَفِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبِي هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ الرِّوَايَةَ عَنِ النِّسَاءِ إِلَّا عَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَدِيثُ مُنْكَرُ اللَّفْظِ لَا أَصْلَ لَهُ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لَا يُحْبِطُهَا الِاجْتِهَادُ وَإِنَّمَا يُحْبِطُهَا الِارْتِدَادُ وَمُحَالٌ أَنْ تُلْزِمَ عَائِشَةُ زَيْدًا التَّوْبَةَ بِرَأْيِهَا وَيُكَفِّرُهُ اجْتِهَادُهَا فهذا ما لا ينبغي أن يظن بها وَلَا يُقْبَلَ عَلَيْهَا اهـ قلت : فعلى هذا القول الراجح أن هذا الحديث ضعيف فيه العالية وهي مجهولة الحال لم يوثقها معتبر، ولم يرو عنها إلا زوجها وولدها. وأن جهالة الحال لم ترتفع عن امرأة أبي إسحاق بكون ابن سعد ذكرها في طبقاته، أو أن ابن حبان ذكرها في ثقاته، والله أعلم.)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (8/223) :
" مثال بيع العينة: أنا بعت على زيد سيارة بعشرين ألفاً إلى سنة، ثم إني اشتريتها من هذا الرجل بثمانية عشر ألفاً، فهذا حرام لا يجوز؛ لأنه يتخذ حيلة إلى أن أبيع السيارة بيعاً صورياً بعشرين ألفاً، ثم أعود فأشتريها بثمانية عشر ألفاً نقداً، فيكون قد أخذ مني ثمانية عشر ألفاً وسيوفيني عشرين ألفاً وهذا ربا، فهذا لا يجوز؛ لأنه حيلة واضحة، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: (دراهم بدراهم وبينهما حريرة) ، وهذه تسمى مسألة العِينة؛ لأن الرجل أعطى عيناً وأخذ عيناً، والعين: النقد؛ الذهب والفضة.
واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثاً، فالمحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عزّ وجل، والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، وإنما الأعمال بالنيات " انتهى باختصار.
فائدة : فَأَمَّا بَيْعُهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَرِيعَةً. وَهَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تَنْقُصْ عَنْ حَالَةِ الْبَيْعِ، فَإِنْ نَقَصَتْ، مِثْلُ إنْ هَزَلَ الْعَبْدُ، أَوْ نَسِيَ صِنَاعَةً، أَوْ تَخَرَّقَ الثَّوْبُ، أَوْ بَلِيَ جَازَ لَهُ شِرَاؤُهَا بِمَا شَاءَ لِأَنَّ نَقْصَ الثَّمَنِ لِنَقْصِ الْمَبِيعِ لَا لِلتَّوَسُّلِ إلَى الرِّبَا انظر المغني (4/132)
( بيع التورق )
وصورته: أن يقوم المشتري بشراء السلعة مؤجلة بمبلغ مائة جنيهٍ مثلًا من البائع ثم يبيعها بأقل من غير بائعها الأول وليكن بمبلغ ثمانين جنيهًا ويقبض ثمنها. ، قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (8/219) مثاله: إنسان يريد أن يتزوج وليس عنده أموال فاشترى ما يساوي مائة بأكثر، أي: اشترى سيارة تساوي مائة بأكثر مؤجلة ليتوسع بثمنه، بأن يبيعها نقداً لغير من باعها عليه بأقل مما اشتراها به مؤجلاً فلا بأس وتسمى مسألة التورق، اهـ 
وقد اختلف آراء العلماء في حكم التورق على قولين :
القول الأول : رواية عن أحمد وهي التي اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو قول عمر بن عبد العزيز أن ذلك محرم،
ووجه ذلك: أن مقصود الذي اشترى السيارة هو الدراهم، فكأنه أخذ دراهم قدرها ثمانون بدراهم قدرها مائة إلى أجل، فيكون حيلة، وقد نص الإمام أحمد أن مسألة التورق من مسائل العينة.انظر  الشرح الممتع (8/219)
القول الثاني : وهو قول الجمهور منهم إِيَاس بْن مُعَاوِيَة والشافعي ورواية أخرى عن أحمد ورجحه عبد الرحمن السعدي أن ذلك جائز، قالوا: لأن الأصل في المعاملات الحل، لقول الله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، فهذا بيع والأصل فيه الحل وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا»، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ: «لاَ تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» رواه البخاري (4244) ومسلم (1593) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: إنَّ الْجَنِيبَ تَمْرٌ جَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (بِعْ الْجَمْعَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: هُوَ التَّمْرُ الْمُخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ انظر نيل الأوطار (5/232) وَلأَِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ قَصْدُ الرِّبَا وَلاَ صُورَتُهُ
قال العلامة البسام في توضيح الأحكام (4/398) الحديث يدل على جواز مسألة التورق التي صورتها: أن يشتري السلعة إلى أجل؛ لبيعها على غير البائع وينتفع بثمنها، فإنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- "أمر الجابي أن يبيع التمر الرديء؛ ليشتري بثمنه تمرًا جيدًا" [رواه البخاري (4/ 399)، ومسلم (1593)] فهو لم يقصد ببيعه إلاَّ الحصول على ثمن الرديء؛ ليستفيد منه فيما أراد وقصد، ومذهب الإمامين الشافعي وأحمد جوازها.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فيرى أنَّها لا تجوز ويمنع منها، ويرى أنَّ المعنى الذي حرم لأجله الربا موجود فيها بعينه، مع زيادة الكلفة بالشراء والبيع، والخسارة فيها.
أما شيخنا عبد الرحمن بن سعدي فيرى جواز مسألة التورق.
قال في أحد كتبه: "لأنَّ المشتري لم يبعها على البائع عليه، وعموم النصوص تدل على جوازها، وكذلك المعنى؛ لأنَّه لا فرق بين أن يشتريها ليستعملها في أكلٍ أو شربٍ أو استعمالٍ، أو يشتريها لينتفع بثمنها، وليس فيها تحيل على الربا بوجه من الوجوه، مع دعاء الحاجة إليها.
وما دعت إليه الحاجة وليس فيه محظور شرعي لم يحرمه الشارع على العباد".
وكذلك الشيخ عبد العزيز بن باز يجيزها فيقول: مسألة التورق اختلف العلماء فيها على قولين:
أحدهما: أنَّها ممنوعة.
الثاني: جوازها؛ لدخولها في عموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ} [البقرة: 275].
ولأنَّ الأصل في الشرع حِل جميع المعاملات، إلاَّ ما قام الدليل على منعه، ولا نعلم حجة شرعية تمنع هذه المعاملة. لْتُ: ينبغي على من يريد التعامل بها مع المستدينين أن تكون عنده السلع المناسبة، ومن جاءه مريدًا الشراء أخبره بالقيمة إذا كان الثمن نقدًا حاضرًا، وأخبره بالقيمة إذا كان مؤجلًا، وأن لا يعيدها بالشراء من المشتري بل يسلمه إيَّاها ليتصرف فيها حسب حاجته.
فإن أعادها من المشتري بالشراء، فهذه مسألة العينة الآتية إن شاء الله تعالى.
* قرار المجمع الفقهي الإسلامي بشأن حكم بيع التورق:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمَّد، صلى الله عليه وآله وصحبه.
أما بعد:
فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، التي بدأت يوم السبت 11 رجب 1419 هـ، الموافق 31/ 10/ 1998 م قد نظر في موضوع حكم بيع التورق.
وبعد التداول والمناقشة والرجوع إلى الأدلة والقواعد الشرعية وكلام العلماء في هذه المسألة، قرَّر المجلس ما يأتي:
أولًا: أنَّ بيع التورق هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع للحصول على النقد "الورق".
ثانيًا: أنَّ بيع التورق هذا جائز شرعًا، وبه قال جمهور العلماء؛ لأنَّ الأصل في البيوع الإباحة، لقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ولم يظهر في هذا البيع ربًا لا قصدًا، ولا صورة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين، أو زواج، أو غيرهما.
ثالثًا: جواز هذا البيع مشروط بأن لا يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول لا مباشرة ولا بالواسطة، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة المحرَّم شرعًا؛ لاشتماله على حيلة الربا، فصار عقدًا محرَّمًا.
رابعًا: إنَّ المجلس وهو يقرر ذلك يوصي المسلمين بالعمل بما شرعه الله سبحانه لعباده من القرض الحسن من طيب أموالهم طيبة به نفوسهم ابتغاء مرضاة الله، لا يتبعه منًّا ولا أذًى، وهو من أجلِّ أنواع الإنفاق في سبيل الله تعالى لِما فيه من التعاون، والتعاطف، والتراحم بين المسلمين، وتفريج كرباتهم، وسد حاجتهم، وإنقاذهم من الإثقال بالديون، والوقوع في المعاملات المحرَّمة، وإنَّ النصوص الشرعية في ثواب القرض الحسن والحث عليه كثيرة لا تخفى، كما يتعيَّن على المستقرض التحلي بالوفاء وحسن القضاء، وعدم المماطلة.
وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله ربِّ العالمين اهـ
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (8/219)
لكن أنا أرى أنها حلال بشروط هي:
الشرط الأول: أن يتعذر القرض أو السلم، أي: أن يتعذر
الحصول على المال بطريق مباح، والقرض في وقتنا الحاضر، الغالب أنه متعذر، ولا سيما عند التجار إلا من شاء الله، والسلم ـ أيضاً ـ قليل، ولا يعرفه الناس كثيراً، والسلم هو تعجيل الثمن وتأخير المبيع، أي: آتي للشخص وأقول: أنا محتاج عشرين ألف ريال، اعطني عشرين ألف ريال أعطيك بدلها بعد سنة سيارة صفتها كذا وكذا، أو أعطيك بدلها برّاً أو أرزاً، ويصفه فهذا يسمى السلم، ويسمى السلف، وهو جائز فقد كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يفعلون ذلك السنة والسنتين في الثمار، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: « مَنْ أَسْلَفَ فِي شيء فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» - رواه البخاري (2240) ومسلم (1604) -.
الشرط الثاني: أن يكون محتاجاً لذلك حاجة بيِّنة.
الشرط الثالث: أن تكون السلعة عند البائع، فإن لم تكن عند البائع فقد باع ما لم يدخل في ضمانه، وإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيع السلع في مكان شرائها حتى ينقلها التاجر إلى رحله ، فهذا من باب أولى؛ لأنها ليست عنده، فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة، فأرجو ألا يكون بها بأس، لأن الإنسان قد يضطر أحياناً إلى هذه المعاملات اهـ
( حكم بيع الحيوان بالحيوان نَسِئة )
القول الأول : لا يجوز بيع الحيوان بحيوان نسيئة يُرْوَى فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. انظر شرح السنة للبغوي (8/ 74) ودليلهم :
1-         عَنْ سَمُرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً » رواه أبو داود (3356) وصححه الألباني
2-         عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً: اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ، وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ رواه أحمد (14331)
القول الثاني : رَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، سَوَاءً كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا، مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَسَوَاءً بَاعَ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ، أَوْ بِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ انظر شرح السنة (8/ 74) وهو الراجح والدليل :1- عَنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ: «أَعْطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» رواه مسلم (1600) أَمَّا الْبَكْرُ مِنَ الْإِبِلِ وَهُوَ الصَّغِيرُ كَالْغُلَامِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَالْأُنْثَى بَكْرَةٌ وَقَلُوصٌ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ كَالْجَارِيَةِ فَإِذَا اسْتَكْمَلَ سِتَّ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّابِعَةِ وَأَلْقَى رَبَاعِيَةً بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ فَهُوَ رَبَاعٌ وَالْأُنْثَى رَبَاعِيَةٌ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَأَعْطَاهُ رَبَاعِيًا بِتَخْفِيفِهَا انظر شرح مسلم (11/ 37)
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتْ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي قِلَاصِ الصَّدَقَةِ»، فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ رواه أبو داود (3357) صححه الحاكم والبيهقي والذهبي وقواه ابن حجر وحسنه الألباني انظر إرواء الغليل (1358) وحسنه الأرنؤوط
قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (2/56) :
- عن حديث سمره وغيره - وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً إلَّا أَنَّهُ قَدْ عَارَضَهُ رِوَايَةُ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ بَعِيرًا بِكْرًا وَقَضَى رُبَاعِيًّا» وَسَيَأْتِي فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ سَمُرَةَ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ أَنْ يَكُونَ نَسِيئَةً مِنْ الطَّرَفَيْنِ مَعًا – أي كلاهما لم يسلم ما عنده - فَيَكُونُ مِنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (أي الدَّين بالدَّين) وَهُوَ لَا يَصِحُّ وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ هَذَا نَاسِخٌ لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْهُ وَقَدْ أَمْكَنَ بِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ قَالَ اشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوفِيهَا صَاحِبُهَا بِالرَّبَذَةِ، وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ وَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا وَقَالَ آتِيكَ بِالْآخِرِ غَدًا وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لَا رِبَا فِي الْبَعِيرِ بِالْبَعِيرَيْنِ وَالشَّاةِ بِالشَّاتَيْنِ إلَى أَجْلٍ وَاعْلَمْ أَنَّ الْهَادَوِيَّةَ يُعَلِّلُونَ مَنْعَ بَيْعِ الْحَيَوَانِ الْمَوْجُودِ بِالْحَيَوَانِ الْمَفْقُودِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ الْقِيَمِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ لَهُ، وَالْحَيَوَانُ قِيَمِيُّ مَبِيعٌ مُطْلَقًا فَيَجِبُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا مَجْلِسَ الْعَقْدِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَمَيِّزًا عِنْدَ الْبَائِعِ إمَّا بِإِشَارَةٍ أَوْ لَقَبٍ أَوْ وَصْفٍ، وَكَذَلِكَ عَلَّلُوا مَنْعَ قَرْضِ الْحَيَوَانِ بِعَدَمِ إمْكَانِ ضَبْطِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ يَزْعُمُونَ نَسْخَهُ اهـ
في اللجنة الدائمة (13/277)
س: اشتريت (30) ثلاثين رأسا من الغنم، الرأس برأس ومائة ريال، المائة حاصلة، والغنم بعد مهلة سبع سنوات، وأصابني الشك من ذلك. فأرجو من الله ثم من فضيلتكم إفتائي، والله يحفظكم.
ج: مذهب جمهور العلماء أن ما لا كيل فيه ولا وزن، كالثياب والحيوان ونحوهما يجوز بيعه بجنسه أو بغيره متساويا أو متفاضلا مع نسيئة، أي تأجيل أحد العوضين أو بعضه، وقبض العوض المقدم؛ لئلا يكون بيع دين بدين المنهي عنه شرعا، لكن يشترط أن يبين جنس العوض المؤخر، وبيان عدده وصفته التي ينضبط بها، وتحديد مدة معلومة لتسليمه حتى لا يحصل غرر بسبب عدم ذلك، ويدل لمشروعية ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: «جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا على إبل من إبل الصدقة حتى نفدت، وبقي ناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشتر لنا إبلا من قلائص الصدقة إذا جاءت، حتى نؤديها إليهم" فاشتريت البعير بالاثنين، والثلاث قلائص، حتى فرغت، فأدى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من إبل الصدقة  » رواه الإمام أحمد في مسنده، وهذا لفظه ج2 ص171، ورواه أبو داود، والدارقطني وصححه وقال الحافظ ابن حجر: إسناده ثقات، ويدل لذلك أيضا ما ذكره البخاري في صحيحه ج3 ص41 في باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة، واشترى ابن عمر رضي الله عنهما راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه، يوفيها صاحبها بالربذة، وقال ابن عباس: قد يكون البعير خيرا من البعيرين، واشترى رافع بن خديج رضي الله عنه بعيرا ببعيرين، فأعطاه أحدهما، وقال: آتيك بالآخر غدا رهوا إن شاء الله.
وأما أحاديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة كالحديث الذي رواه الترمذي في جامعه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن سمرة رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة » - فقد علل الإمام أحمد أحاديث المنع، وقال: ليس فيها حديث يعتمد عليه، وقال أبو داود: إذا اختلفت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا إلى ما عمل به أصحابه من بعده، وقد تواتر عن الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم جوازه متفاضلا ونسيئة، وأمر به صلى الله عليه وسلم كما سبق، فدل ذلك على أنه الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تقوى أحاديث النهي عن ذلك على المعارضة، وعلى ذلك فإنه يجوز بيع ثلاثين رأسا من الغنم بمثلها، كل رأس برأس، أو أكثر وزيادة مائة ريال أو أقل أو أكثر، عن كل رأس سواء اشترط قبض المائة في مجلس العقد أو اشترط تسليمها مع الثلاثين رأسا من الأغنام المؤجلة، بشرط بيان جنس الأغنام المؤجلة، وأوصافها، وعددها، وتحديد مدة معلومة لتسليمها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
( بيع الثمر قبل بُدُوِ صَلَاحِهِ )
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى البَائِعَ وَالمُبْتَاعَ» رواه البخاري (2194) ومسلم (1534)
قال ابن المنذر في الإجماع (129) وأجمع أهل العلم على أنه لا يجوز بَيْعُ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى البَائِعَ وَالمشتري اهـ
قال العيني : قَوْله: (نهى عَن بيع الثِّمَار) ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُؤمن أَن تصيبها آفَة فتتلف فيضيع مَال صَاحبه. قَوْله: (نهى البَائِع) ، لِأَنَّهُ يُرِيد أكل المَال بِالْبَاطِلِ، وَنهى الْمُبْتَاع أَي: المُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُوَافقهُ على حرَام، وَلِأَنَّهُ بصدد تَضْييع لمَاله. وَفِيه أَيْضا: قطع النزاع والتخاصم. وَمُقْتَضى الحَدِيث جَوَاز بيعهَا بعد بَدو الصّلاح مُطلقًا، سَوَاء شَرط الْإِبْقَاء أَو لم يشْتَرط، لِأَن مَا بعد الْغَايَة مُخَالف لما قبلهَا، وَقد جعل النَّهْي ممتدا إِلَى غَايَة بَدو الصّلاح، وَالْمعْنَى فِيهِ: أَن يُؤمن فِيهَا العاهة وتغلب السَّلامَة فيثق المُشْتَرِي بحصولها بِخِلَاف مَا قبل بَدو الصّلاح، فَإِنَّهُ بصدد الْغرَر.
00قَالَ الْقُرْطُبِيّ: هَل حَدِيث الْبَاب وَغَيره يدل على التَّحْرِيم أَو الْكَرَاهَة؟ فبالأول قَالَ الْجُمْهُور، وَإِلَى الثَّانِي صَار أَبُو حنيفَة.
انظر عمدة القاري (12/5) والصحيح التحريم كما قال الجمهور 0
وفي سؤال وجواب : ومن باب أولى: لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها، وهذا أيضاً أجمع العلماء على تحريمه.
وحكمة النّهي عن بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه هي خوف تلف الثّمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، فإنه يكثر تعرض الثمرة للآفات قبل بدو صلاحها، وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَرَأَيتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثّمَرَةَ، بِمَ يَأخُذُ أَحَدُكُم مَالَ أَخِيهِ؟) رواه البخاري (1488) ومسلم (1555) .
والمراد ببدو الصلاح أول ظهوره وبدايته، بحيث تكون الثمرة صالحة للأكل، وليس المراد كمال النضج، ولذلك جاء في الحديث: (حتى يبدو صلاحها) ولم يقل: (حتى يتم صلاحها) .
وروى مسلم (1536) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطعَمَ) وفي رواية: (حَتَّى تَطِيبَ) .
قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (11/150) :
بُدُوَّ الصَّلَاحِ يَرْجِعُ إلَى تَغَيُّرِ صِفَةٍ فِي الثَّمَرَةِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ وَهُوَ عَلَى اختلافه راجع إلى شئ وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ طِيبُ الْأَكْلِ انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/33) :
" الضابط يدور على إمكان أكلها واستساغته؛ لأنه إذا وصل إلى هذا الحد أمكن الانتفاع به، وقبل ذلك لا يمكن الانتفاع به إلا على كره، وهو أيضا إذا وصل هذه الحال من النضج قَلَّت فيه الآفات والعاهات " انتهى.
ثانياً: لكن هذا الحكم - وهو تحريم بيع الثمار قبل بدو صلاحها - قد استُثني منه عدة صور، يجوز فيها بيع الثمار ولو لم يبدُ صلاحها.
الأولى: أن يبيع الثّمرة مع الشّجر، فهذا جائز، سواء كان الثمر قد بدا صلاحه أم لا، ولا يختلف في ذلك الفقهاء، لأنّ بيع الثّمر هنا تابع للشّجر، والقاعدة عند العلماء: " أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الشيء المستقل ".
الثانية: أن يبيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها بشرط أن يقطعها المشتري في الحال، ولا ينتظر نضجها، فهذا البيع صحيح بالإجماع، وعلّله العلماء بأنّ المنع من البيع قبل بدوّ الصّلاح، إنّما كان خوفاً من تلف الثّمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، وهذا مأمون فيما يقطع في الحال.
ويتصور اشتراط القطع في الحال في بعض الثمار التي يستفاد منها قبل النضج، كما لو كانت صالحة لتكون علفاً للبهائم مثلاً، ونحو ذلك من أوجه الانتفاع بها.
ثالثاً: إذا كان البستان واحدا، فلا يشترط أن يبدو الصلاح في كل شجرة من شجر البستان، بل يعتبر كل نوع على حدة، فيكفي أن يبدو الصلاح في شجرة واحدة من كل نوع.
فمثلاً: إذا كان البستان فيه أنواع من التمر كالبرحي والسكري مثلا، فلا يعتبر بدو الصلاح في البرحي كافياً لبيع السكري، ولكن لا بد من بدو الصلاح في كل نوع، ولو في نخلة واحدة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/31) :
" صلاح بعض الشجرة صلاح لها كلها ولسائر النوع الذي في البستان " انتهى.انظر: "الموسوعة الفقهية" (9/190-194) وسؤال وجواب (5/5054)
 ( تحريم بيع الزرع بالطعام كيلا )
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا، أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رواه البخاري (2205) ومسلم (1542) قَالَ بن بَطَّالٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ بِالطَّعَامِ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ انظر فتح الباري (4/403

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق