الأحد، 3 سبتمبر 2017

خطبة العيد، هل يشرع فيها خطبة واحدة أم خطبتان عمرو العدوي أبو حبيبة



 خطبة العيد، هل يشرع فيها خطبة واحدة أم خطبتان 
عمرو العدوي أبو حبيبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن مسألة خطبة العيد، هل يشرع فيها خطبة واحدة أم خطبتان؟ مسألة من المسائل التي كثر حولها الكلام في هذه الأيام، حتى عدَّ بعض الناس مخالفيهم بالبدع ولا ريب أن هذا من الغلو وعلى هذا جمعت في هذه المسائل : أقوال العلماء ، مع بيان أدلة كل فريق في المسألة وذكرت القول الصحيح من أَقوالهم ، من غير تعصب  لمذهب من المذاهب ، ولا نلتفت إِلَى قول : يخالف الدليل من كتاب الله  أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، مهما علا قدر قائله ، فلا عبرة بقول أحد مع قول الله ورسوله فما وافق الكتاب والسُّنَّة أخذناه، وما خالفهما تركناه، وقلنا: غفر الله لقائله قال الله عز وجل : {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قليلا ما تذكرون} [الأعراف: 3]   قَالَ الشَّافِعِي وغيره إذَا صَح الْحَدِيث فَهُوَ مذْهبي  إذ لا حجة إلا في كلام لله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن يرحمني يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.
خطبة العيد هل يشرع فيها خطبة واحدة أم خطبتان
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين
القول الأول : ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه يخطب في العيد بخطبتين، يفصل بينهما بجلوس، كما يفعل ذلك في خطبة صلاة الجمعة
وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد انظر الأم" (1/272) وبدائع الصنائع (1/276) ، والمغني (2/121) والمدونة (1/231) وهو مذهب ابن حزم ورجحه ابن باز انظر فتاوى نور على الدرب [13/363]
ودليلهم : أولا : استدلال ابن خزيمة
قال بَابُ عَدَدِ الْخُطَبِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْفَصْلِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِجُلُوسٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ الْخُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ، وَكَانَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» قالوا : هذا الحديث على العموم أن صلاة الجمعة فيها خطبتين وكذلك العيد لعموم حديث ابن عمر قلت : قد جاء الحديث عند مسلم [861] في بعض رواياته مقيدا بيوم الجمعة وقد أشار إليها البخاري في صحيحه [2/ 11] بالترجمة للحديث بقوله بابُ القَعْدَةِ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قال الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة [1/ 701] (قلت: هذا الحديث في خطبتَيْ الجمعة بدليل رواية خالد بن الحارث، حدثنا عبيد الله به ولفظه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة قائمًا ... الحديث. أخرجه مسلم فقوله في الكتاب "الخطبتين" اللام فيه للعهد، وليس للاستغراق فتنبه اهـ  
ثانيا : عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: «السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ، فِي الْعِيدَيْنِ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» رواه الشافعي [1/77] إسناده ضعيف جدا فيه إبراهيم بن محمد بن  أبى يحيى قال ابن حجر في التقريب : متروك اهـ وهو مرسل  وضعفه جدا الألباني كما في الضعيفة [12/636]
ثالثا : عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً ثُمَّ قَامَ» رواه ابن ماجه [1289] إسناده ضعيف جدا فيه 1- عنعنة محمد بن مسلم أبي الزبير وهو مدلس فهو في المرتبة الثالثة كما في طبقات المدلسين [101] وهي من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع وهو هنا لم يصرح بالسماع
2- إِسْمَاعِيل بن مُسلم وَقد أَجمعُوا على ضعفه انظر مصباح الزجاجة [1/ 152]
3- أَبُو بَحر واسمه عبد الرحمن بن عثمان البكراوي -؛ وهو ضعيف؛ كما في (التقريب) وقال الألباني عن هذا الحديث في الضعيفة[5789]منكر اهـ
رابعا : عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلَّى الْعِيدَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَكَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ رواه البزار في مسنده البحر الزخار [1116] إسناده ضعيف جدا فيه 1- محمد بن عبد العزيز - وهو القاضي المدني -؛ قال البخاري: منكر الحديث وقال النَّسَائي: متروك انظر لسان الميزان [7/ 305] 2- ابنه أحمد بن محمد بن عبد العزيز لم أعرفه
3- عبد الله بن شبيب - وهو الربعي الأخباري قال الذهبي : وكان غير ثقة وقَالَ فَضْلك الرّازيّ: يحلّ ضربُ عُنُقه وقال أَبُو أَحْمَد الحاكم: ذاهب الحديث انظر تاريخ الإسلام [6/ 103]  
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [3239]رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُ اهـ وضعفه جدا الألباني في الضعيفة [12/638]
خامسا : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْعُدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْفِطْرِ وَالْأَضْحَى عَلَى الْمِنْبَرِ , فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , قَامَ فَخَطَبَ ثُمَّ جَلَسَ , ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ , ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي رواه البيهقي في الكبرى [6212] إٍسناده ضعيف فيه حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال البخارى : يقال إنه كان يتهم بالزندقة قال ابن حجر في التقريب ضعيف اهـ وقال النووي : كما سيأتي وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَكْرِيرِ الْخُطْبَةِ شَيْءٌ اهـ فإن قيل هذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة؛ فهي - إذا ضم بعضها إلى بعض؛ أخذت قوة. قلت : شرط التقوية غير متوفر فيها - وهو: سلامتها من الضعف الشديد لأن شرط تقوي الحديث بكثرة الشواهد وهو خلوها من متروك أو متهم لم يتحقق في هذه الأحاديث
سادسا : دليلهم : الإجماع قال ابن حزم في المحلى [3/293] فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً، فَإِذَا أَتَمَّهُمَا افْتَرَقَ النَّاسُ.
فَإِنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ خُطْبَةً، وَلَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهُ، كُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ اهـ ثم لم يذكر خلافاً في الخطبتين فعلم أنه أمر لا خلاف فيه عنده قلت أولا : أن الخلاف مثبت وهو قول عطاء بن أبي رباح كما سيأتي وثانيا : ابن حزم انفرد بنقل الإجماع وهو متساهل جدا في نقل الإجماع كما هو معلوم وأيضا في فرق بين (عدم الخلاف) ونقل (الإجماع) فابن حزم رحمه الله نفى الخلاف ولم يثبت الإجماع في هذه المسألة، قال ابن حزم رحمه الله واعلموا أن الذي يدعي ويقطع بدعوى الإجماع في مثل هذا فإنه من أجهل الناس بأقوال الناس واختلافهم وحسبنا الله ونعم الوكيل فظهر كذب من ادعى أن ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبالله تعالى التوفيق انظر الأحكام [4/190] وقال في مراتب الإجماع [1/ 9]وَقد أَدخل قوم فِي الإجماع مَا لَيْسَ فِيهِ:- فقوم عدوا قَول الأكثر إجماعا- وَقوم عدوا مَا لَا يعْرفُونَ فِيهِ خلافًا إجماعا وان لم يقطعوا على أَنه لَا خلاف فِيهِ اهـ 

وثالثا : الشيخ ابن باز رغم انه رجح أنها خطبتين ولكنه لا يُثبت الإجماع فقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (خطبة العيد خطبتان وأثر عبيد الله مرسل فهو ضعيف؛ لكن يتأيد عند الجمهور بأنها مثل الجمعة فألحقوها بها، وتتابع العلماء على ذلك انظر فتاوى يسألونك [10/ 303] والشيخ ابن عثيمين أيضا نقل الخلاف في هذه  المسألة فقال في مجموع الفتاوى [16/246]اختلف العلماء رحمهم الله فيها.فمنهم من قال: إن العيد له خطبتان يجلس بينهما.ومنهم من قال: ليس له إلا خطبة واحدة،اهـ
سابعا: القياس على الجمعة
قال الشافعي في الأم [1/270] وَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جُلُوسٌ كَمَا يَصْنَعُ فِي الْجُمُعَةِ اهـ فائدة : استدلال الشافعي بالقياس يرجح عدم وقوع الإجماع لو هذه المسألة فيها إجماع كان استدل بالإجماع وكذلك النووي وغيرهما فالاستدلال بالإجماع أقوى من الاستدلال بالقياس كما هو معلوم هذه فائدة هامة يجب الانتباه لها
وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي خُلَاصَةِ الأحكام [2/838] وَمَا رُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْعِيدِ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَكْرِيرِ الْخُطْبَةِ شَيْءٌ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ اهـ وأجاب أصحاب القول الثاني :
الوجه الأول: أنه قياس في أمر تعبدي محض، فإننا لو سألنا عن وجه القياس لما تمكن القائسون من ذكر علة معقولة يجرى بها القياس اللهم إلا التشبيه، وليس كل أمرين اشتبها اشتركا في الأحكام.
الوجه الثاني: أنه يلزم من قاس خطبة العيد على الجمعة أن يجعلها قبل الصلاة أيضا، وأن يصليها بعد الزوال، وأن يوجب حضورها على الناس، وإن قال قد فرق النص والإجماع بينهما في هذه الأمور، قيل كثرة الفروق تمنع القياس والله أعلم.
الوجه الثالث: أنه إن صح القياس فإننا نقيسها على خطبة الاستسقاء والكسوف، وهو خلاف ما رآه الشافعي حيث جعل خطبة الاستسقاء والكسوف كخطبة الجمعة، والواقع أن هذه أصول بنفسها لا تقاس على غيرها، ولعله لم يثبت لديه أنها خطبة واحدة لذلك قاسها على الجمعة والله أعلم
القول الثاني : أنها خطبة واحدة لا يشرع الجلوس في وسطها
وهو قول عطاء انظر مصنف عبد الرزاق [5650]  ورجحه الألباني انظر تمام المنة (349)، وابن عثيمين ويفهم من كلام الصنعاني كما في سبل السلام [1/432] قال في شرحه لحديث أبي سعيد رضي الله عنه:   «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلَى الْمُصَلَّى وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ): قال : وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهَا خُطْبَتَانِ كَالْجُمُعَةِ، وَأَنَّهُ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا وَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا صَنَعَهُ النَّاسُ قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ اهـ 
ودليلهم : أولا : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ، فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ، فَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ، وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً» رواه البخاري [961] ومسلم (885) فذكر في هذا الحديث خطبة واحدة، ولا يمكن أن تعد موعظة النساء خطبة ثانية؛ لأنه إنما نزل إليهن ليسمعهن موعظته؛ إذ المتصور كثرة الجمع في العيد مما يجعل النساء في بُعد عنه لا يسمعن خطبته.
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع [5/146]ومن نظر في السنّة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يخطب إلا خطبة واحدة  ، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهنّ، فإن جعلنا هذا أصلاً في مشروعية الخطبتين فمحتمل، مع أنه بعيد؛ لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهنّ لعدم وصول الخطبة إليهن وهذا احتمال.
ويحتمل أن يكون الكلام وصلهن ولكن أراد أن يخصهنّ بخصيصة، ولهذا ذكرهنّ ووعظهنّ بأشياء خاصة بهنّ اهـ
ثانيا : مشروعية الخطبة على الراحلة
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ عِيدٍ عَلَى رَاحِلَتِهِ» رواه ابن خزيمة في صحيحه [1445] وابن حبان [2825] بسند صحيح وصححه الألباني في «الصحيحة» (2968) وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم
قالوا : ومقتضى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه خطب على الراحلة دليل واضح على كونه خطب خطبة واحدة، لأنه خطب جالسا، فكيف يقال إنه كان يفصل بين الخطبتين بجلوس
وما قيل من أنه يحتمل أنه خطب قائما على الراحلة فاحتمال بعيد، وأبعد منه القول بأنه خطب على الأرض، بل هذا إن كان محتملا في بعض الروايات فهو غير مقبول في روايات أخرى، والقول بأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك أحيانا لا يقدح في المطلوب
ومن يزعم أن هذا الفعل رخصة وأن الأصل هو إلقاء خطبتين يحتاج إلى دليل نقلي مثبت وهو معدوم.
ثالثا : أن الخطبة على الراحلة ثابتة من فعل الصحابة
1- عن علي ، فعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: «صَلَّى بِنَا عَلِيٌّ الْعِيدَ، ثُمَّ خَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ» رواه ابن أبي شيبة [5856] وسنده ضعيف يتقوى بأثر ميسره الآتي
2- عن عثمان ، فعَنْ مَيْسَرَةَ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْعِيدَ، فَلَمَّا صَلَّى خَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ»، قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ، يَفْعَلُهُ رواه ابن أبي شيبة [5855] إسناده حسن رجاله ثقات كما قال ابن حجر في التقريب إلا ميسرة وهو ابن يعقوب روى عنه جماعة , وذكره ابن حبان فى " الثقات وحسن له حديث الألباني كما في إرواء الغليل [7/ 360] وشعيب الأنؤوط في تحقيقة سنن ابن ماجه [3/ 292]
3- عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ: «رَأَيْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْعِيدِ عَلَى بَعِيرٍ» رواه ابن أبي شيبة في مصنفه [5863] إسناده صحيح
 قالوا : وجه الدلالة من هذه الآثار كدلاله الفعل النبوي، وإذا كان هذا ثابتا عنهم من غير نكير يؤثر، فهو كالإجماع على أنه لا جلوس ولا فصل ولا تعدد في خطبة العيد.
رابعا : عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَتَى كَانَ مَنْ مَضَى يَخْرُجُ أَحَدُهُمْ مِنْ بَيْتِهِ يَوْمَ الْفِطْرِ لِلصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «كَانُوا يَخْرُجُونَ حَتَّى يَمْتَدَّ الضُّحَى فَيُصَلُّونَ، ثُمَّ يَخْطُبُونَ قَلِيلًا سُوَيْعَةً»، يُقَلِّلُ خُطْبَتَهُمْ؟ قَالَ: «لَا يَحْبِسُونَ النَّاسَ شَيْئًا» قَالَ: ثُمَّ يَنْزِلُونَ فَيَخْرُجُ النَّاسُ؟ قَالَ: «مَا جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِنْبَرٍ حَتَّى مَاتَ، مَا كَانَ يَخْطُبُ إِلَّا قَائِمًا»، فَكَيْفَ يُخْشَى أَنْ يَحْبِسُوا النَّاسَ؟ وَإِنَّمَا كَانُوا يَخْطُبُونَ قِيَامًا لَا يَجْلِسُونَ إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ  وَعُثْمَانُ يَرْتَقِي أَحَدُهُمْ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيَقُومُ كَمَا هُوَ قَائِمًا لَا يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى يَرْتَقِيَ عَلَيْهِ «، وَلَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا يَنْزِلُ؟» وَإِنَّمَا خُطْبَتُهُ جَمِيعًا وَهُوَ قَائِمٌ، إِنَّمَا كَانُوا يَتَشَهَّدُونَ مَرَّةً وَاحِدَةً الْأُولَى " قَالَ: «لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ إِلَّا مِنْبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَاءَ مُعَاوِيَةُ حِينَ حَجَّ بِالْمِنْبَرِ فَتَرَكَهُ» قَالَ: «فَلَا يَزَالُونَ يَخْطُبُونَ عَلَى الْمَنَابِرِ بَعْدُ» رواه عبد الرزاق في مصنفه [5650قالوا : عطاء بن أبي رباح من كبار التابعين وأئمة الفقه والدين، وقد التقى بمائتين من الصحابة، لكن لم يثبت سماعه من عثمان رضي الله عنه فضلاً عن أبي بكر وعمر، فهو مرسل، ومراسيل كبار التابعين وإنْ كان لها قوة عند بعض العلماء، إلا أنَّ عطاء كان يُرسل عن كل أحد!.
ويكفينا من هذا الأثر: أن يكون مذهباً لعطاء رحمه الله نفسه، فهو يرى رحمه الله أنَّ خطبة العيد تكون قياماً من أول ما يرتقي الإمام المنبر حتى ينزل، وليس في خطبة العيد جلوس على المنبر؛ وتكون خطبته جميعاً وهو قائم، ويتشهد مرة واحدة، وهذا كله يدل على أنها خطبة واحدة لا خطبتان

وفي هذا التقرير حجة قوية لمن قال بأن الخطبة خطبة واحدة ليس فيها جلوس فإن قيل كيف يصف شيئا لم يدرك زمانه يجاب بأنه يصفه باعتباره أمرا متواترا يستغنى في نقله عن الرواية بالإسناد، ورواية الأخبار المتواترة بالإسناد تكلف كما يقول الشافعي (36)، بل هي أقوى مما ينقل بالإسناد، قال ابن تيمية: «بل بعض ما يشتهر عند أهل المغازي ويستفيض أقوى مما يروى بالإسناد الواحد» (37). فلقائل أن يقول: صلاة العيدين من الأمور الظاهرة المتكررة التي لا يمكن أن يخفى مثلها على عطاء فقيه أهل مكة.
وإن سلمنا عدم اعتماده في النقل -لعلة الإرسال -، فهو معتمد قطعا في إثبات الخلاف في أصل المسألة.
خامسا : قالوا : أن الأصل صلاتها في المصلى من غير منبر
ما علم من السنة من أداء الصلاة في المصلى وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج منبرا، فهذا يقضي بأنه إما كان يخطب على الراحلة أو على الأرض وفي كلتا الحالتين لا يتصور جلوس، وإنما يكون الجلوس على المنبر واحتمال جلوسه على شيء مرتفع وإن كان واردا فليس ثمة ما يسنده من جهة النقل.
أخيرا قلت : لم يصح حديث يبين تكرار الخطبة يوم العيد كما سبق ، والأمر في هذا واسع، وليس في سنة النبي صلى الله عليه وسلم نص فاصل في المسألة، وإن كان ظاهرها أنها خطبة واحدة، فليفعل الإمام ما يراه أقرب إلى السنة في نظره ؟
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يخطب الإمام في العيد خطبة واحدة أو خطبتين؟ فأجاب:" المشهور عند الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان، لحديث ضعيف ورد في هذا، لكن في الحديث المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، وأرجو أن الأمر في هذا واسع انظر"مجموع فتاوى(16/246)
وقال أيضاً (16/248) :
" السنة أن تكون للعيد خطبة واحدة، وإن جعلها خطبتين فلا حرج؛ لأنه قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا ينبغي أن يهمل عظة النساء الخاصة بهن. لأن النبي عليه الصلاة والسلام وعظهن.
فإن كان يتكلم من مكبر تسمعه النساء فليخصص آخر الخطبة بموعظة خاصة للنساء، وإن كان لا يخطب بمكبر وكان النساء لا يسمعن فإنه يذهب إليهن، ومعه رجل أو رجلان يتكلم معهن بما تيسر اهـ وسئل الألباني رحمه الله  إن الأحاديث التي وردت في ذكر خطبة العيد ليس فيها ذكر الخطبة أو الخطبتين ، فتلحق بأصل خطبة الجمعة ، فيكون لها خطبتان ، فهل هذا القول صحيح وما هو الحق في الباب ؟
قال الألباني : هذا الإلحاق ذكره بعض العلماء قديما وهو من باب القياس ، والقياس في الأحكام الشرعية لا نراه مشروعا ، إلاّ في حدود الضرورة ، وهذا ما نصّ عليه الإمام الشافعي ، أنّ القياس في الشريعة ضرورة ، فإن وجدت الضّرورة التي تضطرّ الإنسان إلى أن يقيس حكما غير منصوص عليه على حكم منصوص عليه فعل ، وإلا فلا حاجة له بذلك ، وخطبة العيد قد جاءت أحاديث كثيرة تتحدّث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خطب ...النص أو عند دلالة النصوص التي تحدّثت عن خطب الرّسول صلى الله عليه وسلّم يوم الجمعة ، وأن لا نلجأ إلى القياس ، لأنّنا لا نشعر بضرورة ما إلى قياس خطبة العيد ، على خطبة الجمعة ، ومن مشاكل القياس ، أنه لا يوقف به عند حد فمن قال إننا نقيس خطبة العيدين على خطبة الجمعة فلقائل أن يقول لا نحن نقيس خطبة العيد على غير خطبة الجمعة ، كخطبة الاستسقاء مثلا أو خطبة صلاة الكسوف أو الخسوف مثلا ، وعلى العكس من ذلك ، إذا فتح باب القياس المذكور ، فسنخالف كل الخطب التي جاءت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ممّا أشرت إليه آنفا ، كخطبة الكسوف أو الخسوف وخطبة الاستسقاء ونحو ذلك ، أيضا تقاس هذه الخطب على خطبة الجمعة ، فهل من قائل بذلك انظر شريط سلسلة الهدى والنور شريط رقم [319]
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله :
الأحاديث المتكاثرة في صلاة العيد الصحيحة ليس فيها إلا خطبة وخطب خطبة العيد وهي أحاديث جماعة من الصحابة فإن قال قائل كما قال الشوكاني : تقاس على الجمعة ، فالجواب أن الشرع توقيفي ، والجمعة ورد فيها دليل عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال : خطب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - اي الجمعة ، خطبة وهو قائم ثم جلس ثم قام وخطب الثانية رواه مسلم وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما نحوه رواه البخاري
وأما حديث وهو عند ابن ماجة أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - خطب خطبتين فإنه من طريق إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف .
فالصحيح أنها خطبة واحدة ، ما جاء إلا خطبة واحدة ( خطبة ) لكن في اللغة العربية أن الخطبة تصدق على الخطبة والواحدة ، ومسألة القياس على الجمعة لماذا لا يقيسونها على الكسوف ما هي إلا خطبة واحدة ولماذا لايقيسونها على غيرها من الذي ورد فيه خطبة واحدة
فالمهم الصحيح أنها خطبة واحدة لعدم ورود الدليل ، فإذا قال لك شخص : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أيفهم منه أنها خطبتان ، أم يفهم منه أنها خطبة واحدة ؟ هذا أمر ، أمر آخر أيضاً إذا قال : وخطب خطبة العيد ، ثم قال : أنه لم يسمع النساء وذهب فوعظهن وقال لهم : " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار " قيل : ومما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " يكفرن العشير ، ويكثرن اللعن ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ورأت منك سوءاً قالت ما رأيت منك خيراً قط " .
فالمهم نتحدى من يقول : أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه خطب خطبتين للعيد .فإن قال قائل : أنه قد ذكرها ابن خزيمة وذكر الإمام الشافعي كما في ( مختصر المزني ) وذكر غير واحد من المألفين خصوصاً الفقهاء أنها خطبتان حتى أبو محمد ابن حزم ما أدري لماذا لم يتمسك بظاهريته ؟!! فقال في ( المحلى ) : ويخطب خطبتين ، لأنه يذكر الباب ثم يذكر ما يشتمل عليه من الفقه ثم يذكر الأدلة ،: ويخطب خطبتين .السائل : هل يصل الذي يخطب خطبتين إلى حد البدعة ؟ 
الشيخ : لا ، لا نستطيع أن نقول أنه مبتدع ، أنا لو خيرت بين أخطب خطبتين وبين أن يخطب غيري أقول : يخطب غيري وأنا أستمع ، لأن الذي ورد هي خطبة ، وأرجعوا أيضاً إلى كتب اللغة إذا قالوا : خطبة أو ضربة ضربته ضربة هل يفهم أنه ضربه ضربتين ّ!! ما يُفهم هذا . السائل : لو قال قائل لو سمع خطبة الجمعة سيقول : سمعت اليوم خطبة الجمعة لا يقول خطبتين ؟
الشيخ : لو لم يرد إلا هذا لقلنا أن الجمعة لقلنا أن الجمعة يخطب لها خطبة واحدة ، لكنه ورد في حديث جابر بن سمره عند مسلم ، وفي حديث عبدالله بن عمر عند البخاري أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - خطب خطبتين .من شريط : " أسئلة شباب العدين "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق