ما حكم النعي
عمرو العدوي
أبو حبيبة
وَالْأَحَادِيث مخرجه على كتب العلامة الألباني رحمه الله
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً
عبده ورسوله.
أما
بعد:
فهذه بعض الأسطر نوضّح من خلالها القول الصحيح
- إن شاء الله- في مسألة ما حكم النعي
فذكرت أقوال العلماء ودليل كل
فريق وذكرت القول الصحيح من أَقوالهم
وأخيرا أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا
خالصا لوجهه الكريم، وأن يرحمني يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن أريد إلا الإصلاح ما
استطعت، وما توفيقي إلا بالله
أولا : ما معنى النعي هو أن يبعث من ينادي في
الناس ومساجدهم ونواديهم ألا أن فلانا قد مات فاشهدوا جنازته ومن ذلك أيضا ما يحصل
في الصحف والفضائيات وغير ذلك
ثانيا : ما حكم النعي
قلت : فيه خلاف بين أهل العلم
القول الاول : ذهب
جماعة من أهل العلم إلى عدم الإخبار بموت الميت خشية أن يكون ذلك من النعي الذي نهى
عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقي وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ
- يَعْنِي النَّهْيَ عن النعي - عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ , وَأَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ عَنْ
عَلْقَمَةَ , وَابْنِ
الْمُسَيِّبِ وَالرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ , وَإِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ 4/ 123
واستدلوا أولا : عن عَبْدِ اللَّهِ ابن
مسعود ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ،
فَإِنَّ النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الجَاهِلِيَّةِ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَالنَّعْيُ:
أَذَانٌ بِالمَيِّتِ، رواه الترمذي 984 وأجيب بأنه حديث ضعيف ضعفه الألباني
ثانيا : عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ
قَالَ: «إِذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ» رواه الترمذي 986 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وحسنه الألباني
وأجيب
عن هذا الحديث بأنه محمول على النعي الذي كانت
الجاهلية تفعله. جَمْعًا بَيْنَ الأَحَادِيثِ.الآتية
قال
النووي في "شرح مسلم" )7/21)
"
فِيهِ: اِسْتِحْبَاب الإِعْلام بِالْمَيِّتِ لا عَلَى صُورَة نَعْي الْجَاهِلِيَّة
, بَلْ مُجَرَّد إِعْلَام للصَّلَاة عَلَيْهِ وَتَشْيِيعه وَقَضَاء حَقّه فِي ذَلِكَ
, وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ النَّعْي لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ
هَذَا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد نَعْي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْر الْمَفَاخِر
وَغَيْرهَا " انتهى.
القول الثاني قالوا : أَنَّهُ لَا بَأْسَ
بِالنَّعِيِّ وهوعَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد
انظر المجموع 5/216 وَمِمَّنْ
رَخَّصَ فِي هَذَا؛ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ سِيرِينَ.انظر المغني 2/425
واستدلوا أولا : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي
مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا»
رواه البخاري( 1245 )ومسلم(951)
وهذا
الحديث ظاهر في إباحة الإعلام بالموت لأجل الصلاة، بل هو دال على الاستحباب، ولأن ذلك
وسيلة لأداء حقه من الصلاة عليه واتباع جنازته.
ثانيا : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ فَمَاتَ،
فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ:
«أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ - أَوْ قَالَ قَبْرِهَا
-
فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا» البخاري 458 ومسلم956
ثالثا عَنْ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
نَعَى زَيْدًا، وَجَعْفَرًا، وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ
خَبَرُهُمْ، فَقَالَ «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ
جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ
حَتَّى أَخَذَ
سَيْفٌ
مِنْ
سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ»"رواه البخاري (3757).
ففي
هذا الحديث نعى النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم، ولم يكن ذلك
النعي لأجل الصلاة عليهم إنما لأجل إخبار المسلمين بخبر إخوانهم وما جرى لهم في تلك
الوقعة. وعليه فيجوز الإعلام بالموت لكل غرض صحيح كالدعاء له وتحليله وما أشبه ذلك
نهاية المحتاج (3/ 20).
قال
النووي في المجموع (5/216)
(وَالصَّحِيحُ)
الذى تقتضيه الاحاديث الصحيحة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرِهَا أَنَّ الْإِعْلَامَ
بِمَوْتِهِ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بَلْ إنْ قُصِدَ بِهِ الْإِخْبَارُ
لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذِكْرُ الْمَآثِرِ
وَالْمَفَاخِرِ وَالتَّطْوَافِ بَيْنَ النَّاسِ يذكره بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهَذَا
نَعِيُّ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِالْإِعْلَامِ
فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا وَبِهَذَا الْجَوَابِ أَجَابَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ
وَالْحَدِيثِ المحققين والله اعلم
قَالَ بن الْعَرَبِيِّ
:
يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ
الْأَحَادِيثِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ الْأُولَى إِعْلَامُ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَأَهْلِ
الصَّلَاحِ فَهَذَا سُنَّةٌ الثَّانِيَةُ دَعْوَةُ الْحَفْلِ لِلْمُفَاخَرَةِ فَهَذِهِ
تُكْرَهُ الثَّالِثَةُ الْإِعْلَامُ بِنَوْعٍ آخَرَ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
فَهَذَا يَحْرُمُ انظر فتح الباري 3/117 قلت وهو الصحيح
ثالثا : هل يجوز إعلان وفاة شخص
باستخدام مكبرات الصوت في المساجد، وهل يعتبر هذا من النعي المحرم، ؟
قال شيخنا مصطفى العدوي في فتاوى مهمة 3/96
أَمَّا عن النعي في المساجد فلا أرى مانعا منه ثم إنه تعاون على البر والتقوى وأيضا فهنالك من الْأَخْبار ما يشهد لذلك منها
أثر
إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ
لِي: «مِمَّنْ أَنْتَ؟» قُلْتُ: مِنْ مُزَيْنَةَ قَالَ: «إِنِّي لَأَذْكُرُ يَوْمَ
نَعْيِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ النُّعْمَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ» أَخرجه ابن أبي شيبة 33909 في المصنف بسند صحيح إِلي
سعيد بن المسيب ومن أهل العلم
من يتكلم في سماع سعيد بن المسيب من عمر ، ولكن مثل هذا الأثر ينبغي أن يستثنى من الخلاف
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ
فَأُصِيبَ،-يعني قتل - ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ،
00 فذكر الحديث البخاري( 2798)
ومسلم( 1878)
والغالب أن الخطبة تكون في المسجد وقد وردت رواية فيها التصريح بأن
ذلك كان على المنبر لكن في سندها مقال وإن كان
أصل الحديث يشهد لها
وفي قصة موت
رسول الله صل الله عليه وسلم أن أبا
بكر نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها 000 الحديث
وفيه ثم خرج على الناس فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ وهذا يغلب على الظن أنه كان في المسجد البخاري 1241 وخاصة مع وجود رواية في
سندها مقال عند ابن ماجه ولفظها فقام أبو بكر فصعد المنبر عند ابن ماجة 1718 بسند ضعيف
وعند الْإِمام أحمد من حديث أبي قتادة رضي الله قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ
الْأُمَرَاءِ فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ، فجَعْفَرٌ. بن أبي طالب فذكر
الحديث وفيه ثم إِن رسول الله
صل الله عليه وسلم صعد المنبر وأَمر أن ينادي الصلاة جامعة فقال
رسول الله صل الله عليه وسلم ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا الْغَازِي
إِنَّهُمْ انْطَلَقُوا حَتَّى لَقُوا الْعَدُوَّ، فَأُصِيبَ زَيْدٌ شَهِيدًا، فَاسْتَغْفِرُوا
لَهُ» فذكر الحديث أحمد في مسنده 5/299 من طريق الاسود بن شيبان عن خالد بن سمير وفي النفس شىء
من تفرد خالد بن سمير /قلت عمرو صححه الألبانيفي فقه السيرة 365 /368 - قال شيخنا فعلى ذلك فلا مانع من الإعلان عن موت شخص ما في المسجد كي يشهد الناس الصلاة عليه
وحتى ترد الحقوق إِلَي أَهْلِه أو
من كانت له حقوق أخذها
انتهى
وفي فتاوى يسألونك (13/ 99)
وينبغي أن يعلم أن استعمال مكبرات الصوت في المساجد
للإعلان عن وفاة الميت، إنما هو استخدام لوسيلة حديثة لإخبار الناس عن وفاة الشخص،
وهذا أمر جائز لا بأس به ما دام الهدف منه هو مجرد الإخبار فقط، وهذا من النعي الجائز
شرعاً، والنعي ليس كله محرم، وإنما المحرم نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المآثر والمفاخر،
وعلى هذا يحمل النهي الوارد عن النعي كما في الحديث عن حذيفة رضي الله عنه قال: (إذا
متُّ فلا تؤذنوا بي، إني أخاف أن يكون نعياً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهى عن النعي)
انتهى،
والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا
ويرضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد،
كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما
باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق