صفة صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التكبير إلى
التسليم
عمرو العدوي
أبو حبيبة
والأحاديث مخرجة على كتب
ابن حجر والألباني والأرنؤوط وغيرهم رحمهم الله
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا
, من يهده الله فلا مضل له , ومن يُضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه؛ والذين
اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين , وسلم تسليما كثيرا.
أما
بعد هذه رسالة موجزة فيما تدعو
الحاجة إليه من بيان صفة صلاة النبي صل الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم
وعلى
هذا جمعت في هذه المسائل : أقوال العلماء ، مع بيان أدلة كل فريق في المسألة ، من
غير تعصب لمذهب من
المذاهب ، ولا نلتفت إِلَى قول
: يخالف الدليل من كتاب الله أو سنة النبي
صل الله عليه وسلم الصحيحة ، مهما علا قدر قائله ، فلا عبرة بقول أحد مع قول الله
ورسوله
فما وافق الكتاب والسُّنَّة أخذناه، وما خالفهما تركناه، وقلنا: غفر الله لقائله
قال الله عز وجل : {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قليلا ما تذكرون} [الأعراف: 3] قَالَ الشَّافِعِي وغيره إذَا صَح الْحَدِيث فَهُوَ مذْهبي إذ لا حجة إلا في كلام لله تعالى وكلام رسوله
صلى الله عليه وسلم ، هذا وقد قمت بتخريج الْأَحادِيث
مع بيان درجة الحديث – صحة وضعفا – فَإِنْ كان الحديث في الصحيحين اكتفيت بعزوه إلَيْهَا أَو أحدهما وإِن كان في الكتب الستة أو غيرها فاكتفي بذكر واحد منها ؛ إذ
المقصود أن تعلم صحة الحديث أو ضعفه أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصا
لوجهه الكريم، وأن يرحمني يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت،
وما توفيقي إلا بالله.
قلت : صفة صلاة النبي صلى
الله عليه وسلم مدارها على حديثين :
الأول : عن مَالِك بْن الحُوَيْرِثِ
قال النبي صل الله عليه وسلم صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي رواه البخاري (7246) فهذا الحديث يبين أن كل أقوال وأفعال النبي صلى
الله عليه وسلم واجبة كما هو مذهب ابن حزم وغيره حتى تأتي قرينة تصرفه إلى
الاستحباب قلت : نعم أقول بذلك إن لم يوجد حديث المسيء في صلاته كما سيأتي فإن
أكثر أهل العلم جعلوا العمدة في صفة صلاة النبي صل الله عليه وسلم هو حديث المسيء
في صلاته في بيان الأركان والواجبات والمستحبات لأنه جاء في وقت بيان وتعليم
والقاعدة لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إذن فما لم يذكر في هذا الحديث أي
حديث المسيء في صلاته فهو من المستحبات لأنه لو كان واجب لعلمه النبي صل الله عليه
وسلم للمسيء في صلاته قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: تَكَرَّرَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ مَا ذُكِرَ فِيهِ
وَعَدَمِ وُجُوبِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ فَأَمَّا وُجُوبُ مَا ذُكِرَ فِيهِ فَلِتَعَلُّقِ
الْأَمْرِ بِهِ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ
الْأَصْلِ عَدَمَ الْوُجُوبِ بَلْ لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمَوْضِعَ
مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ وَبَيَانٍ لِلْجَاهِلِ وَتَعْرِيفٍ لِوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ
يَقْتَضِي انْحِصَارَ الْوَاجِبَاتِ فِيمَا ذَكَرَ، وَيُقَوِّي مَرْتَبَةَ الْحَصْرِ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِسَاءَةُ
مِنْ هَذَا الْمُصَلِّي وَمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ إسَاءَتُهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاة
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصُرْ الْمَقْصُودَ عَلَى مَا وَقَعَتْ بِهِ
الْإِسَاءَةُ فَقَطْ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَكُلُّ مَوْضِعٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
فِي وُجُوبِهِ وَكَانَ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ بِهِ
فِي وُجُوبِهِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ اخْتَلَفُوا فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا
فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ بِهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ لِكَوْنِهِ
غَيْرَ مَذْكُورٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ مَوْضِعَ تَعْلِيمٍ انظر نيل
الأوطار (2/ 308)
فإن قال قائل قال الشوكاني رحمه الله : مَا وَقَعَ
فِي مَبَادِئِ التَّعْلِيمِ لَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ فِي صَرْفِ مَا وَرَدَ بَعْدَهُ اهـ
قلت : إن ثبت أن هذا الوجوب كان بعد حديث المسيء في صلاته قلنا بالوجوب 2- وإن ثبت
أن الأمر كان قبل حديث المسيء في صلاته فهو للاستحباب لأنه كما قلت : لو كان واجب
لذكره صل الله عليه وسلم 3- وإن لم نعرف هل الأمر كان قبل حديث المسيء صلاته أم
بعده فعلينا أن نرجع إذن إلى أصلين : الأول : براءة الذمة من التكلف الثاني : أن
الواجبات لا تثبت بالإحتمال لا بد لها من يقين فإذا تردد الأمر بين احتمالين فلا
يصح القطع بأحدهما وإذا ثبت شيئا لم يكن في حديث المسيء صلاته وثبت أنه بعده فهو
منسوخ يقينا وحديث المسيء في صلاته هو عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَسَلَّمَ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ وَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ،
فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ،
فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ،
فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثَلاَثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ
مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ
اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا،
ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ
قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ
جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا» رواه البخاري (757) ومسلم (397) هذا الحديث أي حديث أبي هريرة
يسمى حديث المسيء صلاته ، وهو أصل في بيان أركان الصلاة ، وله ألفاظ كثيرة نذكرها
في مواطنها 0
قال النووي رحمه الله : هَذَا
الْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ وَلْيُعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّهُ مَحْمُولٌ
عَلَى بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ دُونَ السُّنَنَ فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كُلَّ
الْوَاجِبَاتِ فَقَدْ بَقِيَ وَاجِبَاتٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا فَمِنَ
الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ النِّيَّةُ وَالْقُعُودُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَتَرْتِيبُ
أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَمِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَالصَّلَاةُ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَالسَّلَامُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ
وَاجِبَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ بِوُجُوبِ السَّلَامِ
الْجُمْهُورُ وَأَوْجَبَ التَّشَهُّدَ كَثِيرُونَ وَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الشَّافِعِيِّ الشَّعْبِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُمَا وَأَوْجَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ نِيَّةَ
الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَوْجَبَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّشَهُّدَ)
الْأَوَّلَ وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحَ وَتَكْبِيرَاتَ الِانْتِقَالَاتِ فَالْجَوَابُ
أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الثَّلَاثَةِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَ
السَّائِلِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى بَيَانِهَا وَكَذَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عِنْدَ مَنْ
يُوجِبُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَفِيهِ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ
وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَفِيهِ أَنَّ
التَّعَوُّذَ وَدُعَاءَ الِافْتِتَاحِ وَرَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ
وَوَضْعَ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَتَسْبِيحَاتِ
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهَيْئَاتِ الْجُلُوسِ وَوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَخِذِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِلَّا مَا
ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ انظر شرح مسلم (4/ 107)
قبل ان اتكلم عن صفة
الصلاة أقول أن للصلاة أركانا وواجبات وسننا كما سيأتي 0
أولا : الركن مثل السجود
والركوع وغيرهما إذا تركه المصلي عامدا بطلت صلاته ، وعليه الإعادة وهذا مجمع عليه
من العلماء ، إذا تركه سهوًا أو جهلاً: فإن أمكن تداركه والإتيان به وجب بالاتفاق،
فإن لم يمكن تداركه فسدت صلاته عند الحنفية، وعند أكثر أهل العلم : تُلغى الركعة التي
ترك منها الركن فقط، إلا أن يكون نسي تكبيرة الإحرام، فإنه يستأنف من جديد لأنه لم
يدخل في الصلاة أصلاً.
ثانيا : الواجب : يسقط بالسهو
ويجبره سجود السهو ومن تركه عمدًا بطلت صلاته إذا كان عالمًا بوجوبه.وهذا عند الحنفية
والحنابلة، إلا أن الحنفية لا يرون تارك الواجب متعمدًا تبطل صلاته، وإنما هو آثم فاسق يستحق العقاب!!وأما
المالكية والشافعية وابن حزم فليس عندهم إلا أركان وسنن من حيث الجملة قلت :
الصحيح إذا نسيه المصلي أو جهلا لإجزأ عنه سجود السهو 0
ثالثا : السنن : فإن ترك
المصلي سنة من السننن متعمدا أو ناسيا فصلاته صحيحه ولا يسجد على القول الراجح
ولكن بتركه السنة فاته فضل قال ابن عثيمين رحمه الله : قوله: «واجباتها» ، أي: واجبات
الصلاة، وهل يعني أن الأركان غير واجبة؟ الجواب: لا يعني أن الأركان غير واجبة، بل
الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان
لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛
ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به، ومن نسيَ واجباً أجزأَ عنه سُجودُ السَّهْوِ،
فإنْ تَرَكَه جهلاً فلا شيء عليه فلو قام عن التشهُّدِ الأول لا يدري أنه واجب فصلاتُه
صحيحة، وليس عليه سُجود السَّهْوِ؛ وذلك لأنه لم يكن تَرْكه إيَّاه عن نسيان.وقيل:
عليه سُجود السَّهْوِ بترك الواجب جهلاً؛ قياساً على النسيان؛ لعدم المؤاخذة في كُلٍّ
منهما.انظر الشرح الممتع (3/315) ما هي صفة صلاة النبي صل الله عليه وسلم
أولا : القيام للصلاة ؟
هو ركن من أركان الصلاة لا تصح صلاة الفرض إلا به وذلك للقادر على
القيام عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ،
فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ:
«صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ
تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» رواه البخاري (1117)
قال النووي في المجموع
(3/258) فَالْقِيَامُ
فِي الْفَرَائِضِ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مِنْ الْقَادِرِ عَلَيْهِ
إلَّا بِهِ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ مُسْلِمٌ أَنَا أَسْتَحِلُّ الْقُعُودَ
فِي الْفَرِيضَةِ بِلَا عُذْرٍ أَوْ قَالَ الْقِيَامُ فِي الْفَرِيضَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ كَفَرَ إلَّا أَنْ
يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ اهـ
فوائد :
1- أما المعذور كمرض
ورَبط وحبس وغير ذلك ، فإنه يأخذ الأجر كاملا لحديث أبي موسى الأشعري قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ
مُقِيمًا صَحِيحًا رواه البخاري (2996)
2- أما النافلة فيجوز أن يُصلِّيها جالسا قال النووي يجُوزُ فِعْلُ النَّافِلَةِ قَاعِدًا
مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْإِجْمَاعِ انظر المجموع (3/ 275) لَكِنْ ثَوَابُهَا يَكُونُ نِصْفَ ثَوَابِ الْقَائِمِ أو مضجعا مع القدرة لكنها بنصف أجر التي قبلها
والدليل : عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا، فَقَالَ: «إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى
قَاعِدًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا، فَلَهُ نِصْفُ
أَجْرِ القَاعِدِ» رواه
البخاري (1115) قال النووي في المجموع وَالْمُرَادُ بِالنَّائِمِ
الْمُضْطَجِعِ
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حُدِّثْتُ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ»،
قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ،
فَقَالَ: «مَا
لَكَ؟ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قلت: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قُلْتَ:
«صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ»، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا،
قَالَ: «أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ رواه مسلم (735)
في عون المعبود (3/
161) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَ الْقَاعِدِ فِيهَا نِصْفُ ثَوَابِ الْقَائِمِ
فَيَتَضَمَّنُ صِحَّتَهَا وَنُقْصَانَ أَجْرِهَا قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ
عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَهَذَا لَهُ
نِصْفُ ثَوَابِ الْقَائِمِ وَأَمَّا إِذَا صَلَّى النَّفْلَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنِ
الْقِيَامِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ بَلْ يَكُونُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا وَأَمَّا الْفَرْضُ
فَإِنَّ الصَّلَاةَ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ يَصِحَّ فَلَا
يَكُونُ فِيهِ ثَوَابٌ بَلْ يَأْثَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنِ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ
وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ كَمَا لَوِ اسْتَحَلَّ الرِّبَا وَالزِّنَا
أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الشَّائِعَةِ التَّحْرِيمِ وَإِنْ صَلَّى الْفَرْضَ
قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ أَوْ مُضْطَجِعًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ
وَالْقُعُودِ فَثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا لَا يَنْقُصُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا
فَيَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْحَدِيثِ فِي تَنْصِيفِ الثَّوَابِ عَلَى مَنْ صَلَّى النَّفْلَ
قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ
الْجُمْهُورُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ
منهم الثوري وبن الْمَاجِشُونِ وَحُكِيَ عَنِ الْبَاجِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ
أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْمُصَلِّي فَرِيضَةً لِعُذْرٍ أَوْ نَافِلَةً لِعُذْرٍ أَوْ
لِغَيْرِ عُذْرٍ قَالَ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَنْ لَهُ عُذْرٌ يُرَخِّصُ فِي
الْقُعُودِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَيُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَشَقَّةٍ انْتَهَى
3- يجوز أن يستفتح القراءة في النافلة قاعدًا ثم يقوم: عَنْ عَائِشَةَ
أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ
مِنْ ثَلاَثِينَ - أَوْ أَرْبَعِينَ - آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ
فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ رواه البخاري (1119) ومسلم (731) قال ابن عثيمين رحمه الله : وأما التكبير مع الإمام جالساً
فإذا قارب الركوع قام فركع، فلا بأس به؛ لأن التراويح نافلة، وقد كان النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين كبر وثقل يفعله، فيبدؤها جالساً، ويقرأ، فإذا قارب
الركوع، قام وقرأ ما تيسر من القرآن ثم ركع
.
انظر مجموع فتاوى (13/9)
4- قال النووي رحمه الله : لَوْ قَامَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ
فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فَلَا كَرَاهَةَ وَيُكْرَهُ أَنْ يُلْصِقَ الْقَدَمَيْنِ بَلْ
يُسْتَحَبُّ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ إحْدَاهُمَا عَلَى
الْأُخْرَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَجِّهَ أَصَابِعَهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ انظر
المجموع (3/266)
5- الراجح أنه لو اعتمد
من به عذر على عصا أو حائط صحت صلاته ، سواء سقط هو بزوال العصا أم لم يسقط ،
والدليل : عن أُمّ قَيْسٍ بِنْت مِحْصَنٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمَّا
أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ، اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ
رواه أبو داود (948) حديث صحيح وصححه الألباني قال الشوكاني رحمه الله :
وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ
– يقصد حديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: - أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ،
وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ
الرَّجُلُ ، وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ»وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، «نَهَى أَنْ
يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ» رواه أبو داود (992) وقال الألباني صحيح إلا بلفظ ابْن عَبْدِ الْمَلِكِ فإنه منكر – قال
الشوكاني وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ بِجَمِيعِ أَلْفَاظِهِ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاعْتِمَادِ
عَلَى الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْجُلُوسِ وَعِنْدَ النُّهُوضِ وَفِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ.
وَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ، وَإِذَا كَانَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْيَدِ وَكَذَلِكَ
فَعَلَى غَيْرِهَا بِالْأَوْلَى. وَحَدِيثُ أُمِّ قَيْسٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ
عَلَى الْعَمُودِ وَالْعَصَا وَنَحْوِهِمَا، لَكِنْ مُقَيَّدًا بِالْعُذْرِ الْمَذْكُورِ
وَهُوَ الْكِبَرُ وَكَثْرَةُ اللَّحْمِ. وَيَلْحَقُ بِهِمَا الضَّعْفُ وَالْمَرَضُ
وَنَحْوُهُمَا فَيَكُونُ النَّهْيُ مَحْمُولًا
عَلَى عَدَمِ الْعُذْرِ وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ احْتَاجَ
فِي قِيَامِهِ إلَى أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى عَصًا أَوْ عُكَّازٍ أَوْ يَسْتَنِدَ إلَى
حَائِطٍ أَوْ يَمِيلَ عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ انظر نيل
الأوطار (2/390)
6- الأرجح في صفة القعود
من مرض وغيره أن يجلس متربعا
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» رواه النسائي في الكبرى (1367) صحيح وصححه الألباني وابن خزيمة في صحيحه (978) قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَصِفَةُ التَّرَبُّعِ أَنْ
يَجْعَلَ بَاطِنَ قَدَمِهِ الْيُمْنَى تَحْتَ الْفَخِذِ الْيُسْرَى، مُطْمَئِنَّةً،
وَكَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، مُفَرِّقًا أَنَامِلَهُ كَالرَّاكِعِ انظر سبل
السلام (1/ 274)
قال الشوكاني رحمه الله وَالْحَدِيثُ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ صَلَّى قَاعِدًا أَنْ يَتَرَبَّعَ، وَإِلَى
ذَلِكَ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ
لِلشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا
كَالْجُلُوسِ بَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ – قلت : ودليله عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا جَلَسَ، فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ
السِّنِّ، فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: «إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ اليُمْنَى وَتَثْنِيَ اليُسْرَى»، فَقُلْتُ: إِنَّكَ
تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَيَّ لاَ تَحْمِلاَنِي
رواه البخاري (827) - وحكى صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ
أَنَّهُ يَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ:
إنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى كَجِلْسَةِ
الْقَارِئِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُقْرِئِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ،
وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَيِّ
صِفَةٍ شَاءَ مِنْ الْقُعُودِ لِمَا فِي حَدِيثَيْ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مِنْ
الْإِطْلَاقِ وَمَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ الْعُمُومِ
انظر نيل الأوطار (3/101) ولا شك أن المريض إذا لم يقو على هذه الجلسة التربع جلس
على أي صفة يستطيعها لعموم الحديث : فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، ولقوله تعالى : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وانظر كلام الشوكاني السابق
7- قال الشيخ ابن عثيمين
رحمه الله : قوله: «ويومئ» أي: المريض المصلِّي جالساً راكعاً وساجداً، أي: في حالِ
الرُّكوعِ والسُّجودِ ويخفضه، أي: السجود عن الركوع، أي: يجعل السُّجودَ أخفضَ، وهذا
فيما إذا عَجَزَ عن السُّجُودِ، أما إذا قَدِرَ عليه فيومئ بالرُّكوعِ ويسجد؛ لقوله
تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فإن لم يستطعْ أومأ بالسُّجودِ،
مثل: أن يكون المرضُ في عينه، وقال الطبيب له: لا تسجدْ، أويكون في رأسه، وإذا نَزَلَ
رأسُه اشتدَّ الوجعُ وقَلِقَ به، فنقول: هنا تومئ بالسُّجودِ، وتجعل السُّجودَ أخفضَ
مِن الركوع؛ ليتميّز السجودُ عن الركوعِ، ولأن هذا هو الحال فيمن كان قادراً، فإنَّ
الساجدَ يكون على الأرضِ والراكعَ فوق، هذا إذا كان جالساً.
فإن كان مضطجعاً على الجنبِ
فإنَّه يومئ بالرُّكوعِ والسُّجودِ، ولكن كيف الإِيماءُ؟ هل إيماءٌ بالرأسِ إلى الأرضِ
بحيث يكون كالملتفت، أو إيماء بالرأس إلى الصدر؟ الجواب: أنه إيماءٌ بالرأسِ إلى الصدرِ؛
لأنَّ الإِيماءَ إلى الأرضِ فيه نوعُ التفاتٍ عن القِبلةِ، بخلاف الإِيماءِ إلى الصدرِ،
فإن الاتجاه باقٍ إلى القِبْلة، فيومئُ في حال الاضطجاعِ إلى صَدْرِه قليلاً في الركوع،
ويومئُ أكثرَ في السُّجودِ.قوله: « عَجَزَ أَوْمَأَ بِعَيْنِهِ» يعني: إذا صار لا يستطيعُ أنْ يومئَ بالرأسِ فيومئُ
بالعينِ، فإذا أرادَ أنْ يركعَ أغمضَ عينيه يسيراً، ثم إذا قال: «سَمِعَ اللهُ لمَن
حمِده» فتح عينيه، فإذا سَجَدَ أغمضهما أكثر، وفيه حديثٌ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه
وسلّم: «فإنْ لم يستطعْ أومأ بطَرْفِهِ» لكن
هذا الحديثُ ضعيفٌ، ولهذا لم يذهب إليه كثيرٌ مِن العلماءِ، وقالوا: إذا عَجَزَ عن
الإِيماءِ بالرَّأسِ سقطت عنه الأفعالُ.وقال بعض العلماء: إذا عَجَزَ عن الإِيماءِ
بالرَّأسِ سقطت عنه الصَّلاةُ، فهنا ثلاثةُ أقوال: القول الأول: إذا عَجَزَ عن الإِيماءِ
بالرَّأسِ يومئُ بعينِه.القول الثاني: تسقطُ عنه الأفعالُ، من دونِ الأقوالِ.القول
الثالث: تسقط عنه الأقوالُ والأفعالُ، يعني: لا تجبُ عليه الصَّلاةُ أصلاً، وهذا القولُ
اختيارُ شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله.والرَّاجحُ مِن هذه الأقوال الثلاثة: أنه
تسقطُ عنه الأفعالُ فقط؛ لأنها هي التي كان عاجزاً عنها، وأما الأقوالُ فإنَّها لا
تسقطُ عنه، لأنه قادرٌ عليها، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
[التغابن: 16] فنقول: كَبِّرْ، واقرأْ، وانْوِ الرُّكوعَ، فكبِّرْ وسبِّحْ تسبيحَ الرُّكوعِ،
ثم انْوِ القيامَ وقُلْ: «سَمِعَ الله لمن حمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ» إلى آخرِه، ثم
انْوِ السُّجودَ فكبِّرْ وسبِّحْ تسبيحَ السُّجودِ؛ لأن هذا مقتضى القواعد الشرعيَّةِ
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فإن عَجَزَ عن القولِ والفعلِ
بحيث يكون الرَّجُلُ مشلولاً ولا يتكلَّم، فماذا يصنع؟
الجواب: تسقط عنه الأقوالُ
والأفعالُ، وتبقى النِّيةُ، فينوي أنَّه في صلاةٍ، وينوي القراءةَ، وينوي الركوعَ والسجودَ
والقيامَ والقعودَ. هذا هو الرَّاجحُ؛ لأن الصَّلاةَ أقوالٌ وأفعالٌ بنيَّةٍ، فإذا
سقطت أقوالُها وأفعالُها بالعجزِ عنها بقيت النِّيةُ، ولأن قولنا لهذا المريض: لا صلاةَ
عليك قد يكون سبباً لنسيانه الله، لأنه إذا مرَّ عليه يومٌ وليلةٌ وهو لم يُصلِّ فربَّما
ينسى اللهَ عزّ وجل، فكوننا نشعرُه بأن عليه صلاةً لا بُدَّ أن يقومَ بها ولو بنيَّةٍ
خيرٌ مِن أن نقول: إنَّه لا صلاةَ عليه. والمذهب في هذه المسألة أصحُّ مِن كلامِ شيخِ الإِسلامِ ابن تيمية
رحمه الله، حيث قالوا: لا تسقطُ الصَّلاةُ ما دام العقلُ ثابتاً، فما دام العقلُ ثابتاً
فيجبُ عليه مِن الصَّلاةِ ما يقدِرُ عليه منها.تنبيه: بعض العامة يقولون: إذا عَجَزَ
عن الإِيماءِ بالرَّأسِ أومأَ بالإِصبعِ، فينصب الأصبعَ حالَ القيام ويحنيه قليلاً
حالَ الركوعِ ويضمُّه حالَ السُّجودِ لأنه لما عَجَزَ بالكلِّ لزمه بالبعض، والإصبع
بعضٌ مِن الإِنسانِ، فإذا عَجَزَ جسمُه كلُّه فليكن المصلِّي الإِصبع، والسَّبَّابةُ
أَولى؛ لأنها التي يُشار بها إلى ذِكْرِ الله ودُعائِه، فلو أومأ بالوسطى فقياس قاعدتهم
أنَّ الصلاةَ لا تصِحُّ؛ لأن السَّبَّابةَ هي المكلَّفة بأن تصلِّي، وهذا لا أصلَ له،
ولم تأتِ به السُّنَّةُ، ولم يقلْه أهلُ العِلمِ، ولكن ـ سبحان الله ـ مع كونِه لم
يقلْه أحدٌ مِن أهلِ العِلم فيما نعلمُ فمشهورٌ عندَ العامةِ، فيجب على طلبةِ العلمِ
أن يبيِّنوا للعامة بأن هذا لا أصلَ له، فالعين وهي محلُّ خِلافٍ بين العلماء سبق لنا
أن الصَّحيح أنه لا يصلِّي بها فكيف بالإصبع الذي لم تردْ به السُّنَّةُ لا في حديثٍ
ضعيفٍ ولا صحيحٍ؟ ولم يقلْ به أحدٌ مِن أهلِ العِلم فيما نعلم انظر الشرح الممتع
(4/330)
8- القيام في الفريضة في
الطائرة والسفينة : عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ، فَقَالَ: كَيْفَ أُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ؟ قَالَ: «صَلِّ فِيهَا قَائِمًا إِلَّا أَنْ تَخَافَ
الْغَرَقَ» رواه الحاكم (275)
وصححه الحاكم والذهبي والألباني الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ مِنْ
قِيَامٍ فِي السَّفِينَةِ وَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ إلَّا لِعُذْرِ مَخَافَةِ غَرَقٍ
أَوْ غَيْرِهِ قال الشوكاني رحمه الله : الْوَاجِبَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ الْقِيَامُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ
الْقُعُودُ إلَّا عِنْدَ خَشْيَةِ الْغَرَقِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ
الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْقِيَامِ فِي مُطْلَقِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فَلَا يُصَارُ
إلَى جَوَازِ الْقُعُودِ فِي السَّفِينَةِ وَلَا غَيْرِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ،
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْخِيصِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ عَلَى
الرَّاحِلَةِ عِنْدَ الْعُذْرِ، وَالرُّخَصُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ رَاكِبُ
السَّفِينَةِ كَرَاكِبِ الدَّابَّةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ. وَيُقَاسُ
عَلَى مَخَافَةِ الْغَرَقِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ مَا سِوَاهَا مِنْ الْأَعْذَارِ
انظر نيل الأوطار (3/238) قال الألباني (فائدة) : وحكم الصلاة في الطائرة كالصلاة في السفينة:
أن يصلي قائماً إن استطاع، وإلا؛ صلى جالساً إيماءً بركوع وسجود} انظر صفة صلاة
النبي (1/102)
9- تجوز صلاة النافلة
على الراحلة عن عَبْد اللَّهِ بْن دِينَارٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ» وَذَكَرَ عَبْدُ
اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُه رواه البخاري (1096) ومسلم (700) قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْحَدِيثُ
يَدُلُّ عَلَى
الْإِيمَاءِ مُطْلَقًا
فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعًا وَالْفُقَهَاءُ قَالُوا يَكُونُ الْإِيمَاءُ فِي
السُّجُودِ أَخَفْضَ مِنَ الرُّكُوعِ لِيَكُونَ الْبَدَلُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْل
انظر فتح الباري (2/574)
في نيل الأوطار (2/168) وَالْحَدِيث
يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ قِبَلَ جِهَةِ
مَقْصِدِهِ وَهُوَ إجْمَاعٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْعِرَاقِيُّ وَالْحَافِظُ
وَغَيْرُهُمْ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ فَجَوَّزَهُ
أَبُو يُوسُفَ. وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَهْلِ
الظَّاهِرِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ
عَلَى رِحَالِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ قَالَ: هَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عُمُومًا فِي الْحَضَرِ
وَالسَّفَرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ انْتَهَى
10- ما حكم الصلاة
بالنعال 0
سئل ابن عثيمين رحمه
الله : يحصل عند بعض الناس إشكال
في الصلاة بالنعال ويحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك فما قولكم؟
فأجاب قائلاً: لا ريب أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في نعليه كما في صحيح البخاري أن أنس بن مالك رضى الله عنه
سئل: أكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في نعليه؟ فقال: نعم .
وقد اختلف العلماء رحمهم
الله تعالى سلفاً وخلفاً هل الصلاة فيهما من باب المشروعات فيكون مستحباً، أو من باب
الرخص فيكون مباحاً، والظاهر أن ذلك من باب المشروعات فيكون مستحباً، ودليل ذلك من
الأثر والنظر:أما الأثر: فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ
فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ» أخرجه أبو داود – (652) وصححه الألباني- وابن حبان في صحيحه، قال الشوكاني
في شرح المنتقي: ولا مطعن في إسناده.ومخالفة اليهود أمر مطلوب شرعاً.وأما النظر: فإن
النعال والخفاف زينة الأقدام، وقد قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) سورة الأعراف، الآية: 31. . ولا يعارض هذا المصلحة إلا أن القدمين في النعال
ترتفع أطرافها عن الأرض، وأطراف القدمين مما أمرنا بالسجود عليه، لكن يجاب عن ذلك،
بأن النعلين متصلان بالقدم وهما لباسه، فاتصالهما بالأرض اتصال لأطراف القدمين، ألا
ترى أن الركبتين مما أمرنا بالسجود عليا وهما مستوران بالثياب، ولو لبس المصلي قفازين
في يديه وسجد فيهما أجزأه السجود مع أن اليدين مستوران بالقفازين.ولكن الصلاة بالنعلين
غير واجبة لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:. رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي حَافِيًا وَمُنْتَعِلًا» أخرجه
أبو داود – (653) وقال الألباني حسن صحيح-. ولحديث أبي هريرة رضى
الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَلَا
يُؤْذِ بِهِمَا أَحَدًا، لِيَجْعَلْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَوْ لِيُصَلِّ فِيهِمَا» أخرجه أبو داود – (655) وصححه الألباني- قال العراقي: صحيح الإسناد. وعن
أبي هريرة رضى الله عنه أيضاً أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَضَعْ نَعْلَيْهِ
عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا عَنْ يَسَارِهِ، فَتَكُونَ عَنْ يَمِينِ غَيْرِهِ، إِلَّا أَنْ
لَا يَكُونَ عَنْ
يَسَارِهِ أَحَدٌ، وَلْيَضَعْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ»
. رواه أبو داود – (654) وقال الألباني حسن صحيح- 00 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي يَوْمَ الْفَتْحِ وَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عَنْ يَسَارِهِ – رواه أبو داود (648) وصححه الألباني - وبهذا علم أن الصلاة بالنعال مشروعة كالصلاة في
الخفين، إلا أن يكون في ذلك أذية لمن بجوارك من المصلين، مثل أن تكون النعال قاسية
ففي هذه الحال يتجنب المصلي ما فيه أذية لإخوانه، لأن كف الأذى عن المسلمين واجب، لاسيما
إذا كان ذلك الأذى يشغلهم عن كمال صلاتهم، لأن المفسدة في هذه الحال تتضاعف حيث تحصل
الأذية والإشغال عن الخشوع في الصلاة.وأما من قال: إن الصلاة في النعال حيث لا يكون
المسجد مفروشاً فليس قوله بسديد، لأن الحكمة في الصلاة في النعل مخالفة اليهود، وكون
النعلين من لباس القدمين، وهذه الحكمة لا تختلف باختلاف المكان، نعم لو كانت الحكمة
وقاية الرجل من الأرض لكان قوله متجهاً. وأما قول من قال: إنك إذا صليت في نعليك أمامي
فقد أهنتني أشد الإهانة.فلا أدرى كيف كان ذلك إهانة له، ولقد كان رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في نعليه وأصحابه خلفه، أفيقال إن ذلك إهانة لهم ؟ قد يقول قائل: إن ذلك كان معروفاً عندهم فكان مألوفاً بينهم لا يتأثرون
به، ولا يتأذون به.فيقال له: وليكن ذلك معروفاً عندنا ومألوفاً بيننا حتى لا نتأثر
به ولا نتأذى به.وأما قول من قال لمن صلى بنعليه: أأنت خير من الناس جميعاً، أو من
فلان وفلان، لو كان خيراً لسبقوك إليه.فيقال له: إن الشرع لا يوزن بما كان الناس عليه
عموماً أو خصوصاً، وإنما الميزان كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وكم من عمل قولي، أو فعلي عمله الناس وليس له أصل في الشرع، وكم من عمل
قولي أو فعلي تركه الناس وهو ثابت في السنة، كما يعلم ذلك من استقرأ أحوال الناس، ومن
ترك الصلاة بالنعلين من أهل العلم فإنما ذلك لقيام شبهة أو مراعاة مصلحة.ومن المصالح
التي يراعيها بعض أهل العلم ما يحصل من العامة من امتهان المساجد، حيث يدخلون المساجد
دون نظر في نعالهم وخفافهم اقتداء بمن دخل المسجد في نعليه ممن هو محل قدوه عندهم،
فيقتدون به في دخول المسجد بالنعلين دون النظر فيهما والصلاة فيهما فتجد العامي يدخل
المسجد بنعليه الملوثتين بالأذى والقذر حتى يصل إلى الصف ثم يخلعهما ويصلي حافياً فلا
هو الذي احترم المسجد، ولا هو الذي أتى بالسنة.فمن ثم رأي بعض أهل العلم درء هذه المفسدة
بترك هذه السنة، والأمر في هذا واسع - إن شاء الله - فإن لمثل هذه المراعاة أصلاً في
كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أما في كتاب الله تعالى
فقد نهى الله تعالى عن سبحانه وتعالى آلهة المشركين مع كونه مصلحة، لئلا يترتب عليه
مفسده وهي سبهم لإلهنا جل وعلا فقال تعالى (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ). سورة الأنعام، الآية: 108.وأما في سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فشواهده كثيرة:منها: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة
رضى الله عنه وهو يتحدث عن شأن الكعبة: ((لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف
أن تنكر قلوبهم أن
أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه في الأرض)).ومنها: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ترك قتل قوم من المنافقين مع علمه بهم، مراعاة للمصلحة، وتشريعاً للأمة أن
يحكموا بالظواهر، ويدعوا السرائر إلى عالمها جل وعلا. ومنها: ترك الصيام في السفر.ومنها:
إيثار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤلفة قلوبهم مع استحقاق جميع المقاتلين
لها مراعاة للمصالح.فعلى المرء أن يتأمل سيرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهديه، ومراعاة للمصالح ويتبعه في ذلك ويعمل بسنته ما استطاع، التزاماً بالواجب، واغتناماً
بالتطوع، حتى يكون بذلك عالماً ربانياً وداعياً مصلحاً.انظر مجموع فتاوى
(12/ 388)
ثانيا : ثم ينوي للصلاة
:
قال تعالى : {وَمَا أُمِرُوا
إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} وعن عُمَر بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى
المِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، رواه
البخاري (1) ومسلم (1907) قال ابن المنذر : وأجمعوا على أن
الصلاة لا تجزيء إلا بنية انظر الإجماع (8)
قال ابن تيمية رحمه الله
:
لَمْ يَنْقُلْ مُسْلِمٌ لَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَدْ تَلَفَّظَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ
بِلَفْظِ النِّيَّةِ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَلَا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ. وَمِنْ
الْمَعْلُومِ أَنَّ الْهِمَمَ وَالدَّوَاعِيَ مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى نَقْلِ ذَلِكَ لَوْ
كَانَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى أَهْلِ التَّوَاتُرِ عَادَةً وَشَرْعًا كِتْمَانُ
نَقْلِ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ.
وَلِهَذَا يَتَنَازَعُ الْفُقَهَاءُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي اللَّفْظِ بِالنِّيَّةِ:
هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ مَعَ النِّيَّةِ الَّتِي فِي الْقَلْبِ؟ فَاسْتَحَبَّهُ طَائِفَةٌ
مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. قَالُوا لِأَنَّهُ أَوْكَدُ
وَأَتَمُّ تَحْقِيقًا لِلنِّيَّةِ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ
وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد وَغَيْرِهِ بَلْ رَأَوْا
أَنَّهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ. قَالُوا: لَوْ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَأَمَرَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ كُلَّ مَا يُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ
لَا سِيَّمَا الصَّلَاةُ الَّتِي لَا تُؤْخَذُ صِفَتُهَا إلَّا عَنْهُ وَقَدْ ثَبَتَ
عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: {صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي} . قَالَ
هَؤُلَاءِ فَزِيَادَةُ هَذَا وَأَمْثَالِهِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ
الزِّيَادَاتِ الْمُحْدَثَةِ فِي الْعِبَادَاتِ كَمَنْ زَادَ فِي الْعِيدَيْنِ الْأَذَانَ
وَالْإِقَامَةَ وَمَنْ زَادَ فِي السَّعْيِ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْمَرْوَةِ
وَأَمْثَالِ ذَلِكَ
انظر مجموع الفتاوى (22/237)
قال ابن القيم في زاد
المعاد (1/194)
كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَبْلَهَا، وَلَا تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ الْبَتَّةَ،
وَلَا قَالَ أُصَلِّي لِلَّهِ صَلَاةَ كَذَا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، وَلَا قَالَ أَدَاءً وَلَا قَضَاءً وَلَا فَرْضَ الْوَقْتِ،
وَهَذِهِ عَشْرُ بِدَعٍ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ قَطُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا
ضَعِيفٍ، وَلَا مُسْنَدٍ وَلَا مُرْسَلٍ لَفْظَةً وَاحِدَةً مِنْهَا الْبَتَّةَ، بَلْ
وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا اسْتَحْسَنَهُ أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ
وَلَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنَّمَا غَرَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ: إِنَّهَا لَيْسَتْ كَالصِّيَامِ،
وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا بِذِكْرٍ، فَظَنَّ أَنَّ الذِّكْرَ تَلَفُّظُ
الْمُصَلِّي بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالذِّكْرِ
تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَيْسَ إِلَّا، وَكَيْفَ يَسْتَحِبُّ الشَّافِعِيُّ أَمْرًا
لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ،
وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَهَذَا هَدْيُهُمْ وَسِيرَتُهُمْ، فَإِنْ
أَوْجَدَنَا أَحَدٌ حَرْفًا وَاحِدًا عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ قَبِلْنَاهُ وَقَابَلْنَاهُ
بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبُولِ، وَلَا هَدْيَ أَكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِمْ، وَلَا سُنَّةَ
إِلَّا مَا تَلَقَّوْهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.وَكَانَ
دَأْبُهُ فِي إِحْرَامِهِ لَفْظَةَ (اللَّهُ أَكْبَرُ) لَا غَيْرَهَا، وَلَمْ يَنْقُلْ
أَحَدٌ عَنْهُ سِوَاهَا اهـ
فوائد :
1- قال ابن عثيمين رحمه
الله : إذا قطع المصلي
النية في أثناء الصلاة بطلت الصلاة
لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل
امرئ ما نوى)) وهذا قد نوى القطع فانقطعت انظر مجموع فتاوى (12\ 450)
2- سئل ابن عثيمين رحمه
الله : عن رجل دخل مع الإمام
بنية صلاة الوتر ثم تذكر وهو يصلي أنه لم يصل العشاء فقلب النية
عشاء فهل يصح؟فأجاب
فضيلته بقوله: لا يصح، لأن من القواعد: ((إن الانتقال من معين إلى معين لا يصح)) مثل
أن يدخل إنسان في صلاة العصر ثم ذكر أنه صلى الظهر بلا وضوء،ففي أثناء الصلاة قلب العصر
إلى ظهر فلا يصح، لأن العبادة المعينة لابد أن ينويها من أولها قبل أن يدخل فيها، لأنه
لو نوى من أثنائها لزم أن يكون الجزء السابق على النية الجديدة خالياً من نية الصلاة
التي انتقل إليها، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنما الأعمال
بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) . ففي المثال السابق لا تصح لا الظهر ولا العصر، العصر
لا تصح، لأنه أبطلها بانتقاله إلى الظهر، ولا تصح الظهر لأنه لم ينوها من أولها.
وهناك انتقال من مطلق إلى
معين، ولا يصح أيضاً مثل: رجل قام يصل تطوعاً، ثم ذكر أنه لم يصل الفجر فنواها عند
صلاة الفجر فلا يصح تطوعاً، لأنه انتقل من مطلق إلى معين، والمعين لابد أن ينويه من
أوله.
وهناك انتقال من معين إلى
مطلق فيصح مثل: رجل دخل يصلي بنية الفجر ثم بدا له أن يجعلها سنة مطلقة - ليست السنة
الراتبة لأن الراتبة معينة - فيصح لأن نية الصلاة المعينة تتضمن في الواقع نيتين: نية
مطلق الصلاة، ونية التعيين، فإذا ألغي نية التعيين بقي مطلق الصلاة، فهذا الرجل الذي
حول نيته الفريضة التي هي الفجر إلى نفل مطلق عمله صحصح، لأن نية الصلاة المفروضة تشتمل
على تعيين وإطلاق فإذا ألفي التعيين بقي الإطلاق، وبناء على ذلك ننظر إلى المسألة التي
سأل عنها السائل، فالسائل دخل مع الإمام بنية الوتر ثم ذكر أنه لم يصل العشاء فحول
النية إلى صلاة العشاء فلا تصح، وعلى السائل أن يعيد صلاة العشاء وكذلك الوتر إن أحب
إعادته لكن يعيده شفعاً.انظر مجموع فتاوى (12/443)
3- قال ابن عثيمين رحمه
الله : يجوز أن يصلي الإنسان فرضاً خلف من يصلي نافلة، ويدل لذلك حديث معاذ بن جبل
رضى الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء ثم يرجع
إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة أخرجه البخاري ، فتكون له نافلة فريضة، وهذا وقع في عهد النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.فإن قال قائل: لعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لم يعلم به.فالجواب على ذلك من وجهين:الأول: أن نقول يبعد أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلم به، لسيما وأنه قد شكى إليه في الإطالة حين صلى
بهم ذات ليلة فأطال، ثم دعاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووعظه والقصة
معروفه، فيبعد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلم بحال معاذ رضى الله
عنه.الوجه الثاني: إنه على فرض أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم
يعلم بصنيع معاذ هذا، فإن الله سبحانه وتعالى قد علم به ولم ينزل وحي من الله تعالى
بإنكار هذا العمل، ولهذا نقول: كل ما يجرى في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فإنه حجة بإقرار الله له، والله سبحانه وتعالى لا يقر أحداً على باطل، وإن خفي على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدليل قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ
وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى
مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً 108) سورة النساء، الآية: 105 فلما كان هؤلاء القوم يبيتون ما لا يرضى الله عز
وجل، والناس لا يعلمون به، بينه الله عز وجل ولم يقرهم عليه، فدل هذا على أن ما وقع
في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فهو حجة، وإن لم نعلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ علم به فهو حجة بإقرار الله له، ولهذا استدل جابر رضى الله عنه على جواز
العزل بإقرار الله له حيث قال رضى الله عنه: ((كنا نعزل والقرآن ينزل)) أخرجه مسلم: ، فالمهم أن فعل هذا حجة بكل تقدير، وهو يصلي نافلة
وأصحابه يصلون وراءه فريضة، إذن فإذا صلى شخص وراء رجل يصلي نافلة وهو يصلي فريضة فلا حرج في ذلك، ولهذا نص الإمام
احمد رحمه الله على أن الرجل إذا دخل المسجد في رمضان وهم يصلون التراويح فإنه يصلي
خلف الإمام بنية العشاء، فإذا سلم الإمام من الصلاة التي هي التراويح أتي بما عليه
من صلات العشاء وهذا فرض خلف نافلة.انظر مجموع فتاوى (12/443)
ثالثا : ويبدأ بتكبيرة الإحرام
تكبيرة الأحرام ركن لا
تصح الصلاة إلا بها قال النبي صل الله عليه وسلم للمسيء في صلاته «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ رواه البخاري (757) ومسلم (397) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا
التَّسْلِيمُ رواه أبو داود (61) صحيح
صححه ابن حجر والألباني قال ابن قدامة : وَالتَّكْبِيرُ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ، لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ
عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَهَذَا قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ،
وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ،
وَالْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَكَمُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: مَنْ نَسِيَ
تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ، أَجْزَأَتْهُ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ. وَلَنَا، قَوْلُ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» .
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِدُونِهِ انظر المغني (1/334)
فوائد:
1- لا يجزئ للدخول في الصلاة
غير قوله (الله أكبر)، وهذا مذهب الثوري ومالك وأحمد والشافعي [إلا
أنه أجاز قوله:
الله الأكبر] وهو
مروي عن ابن مسعود، وخالف أبو حنيفة فقال: تنعقد الصلاة بكل اسم لله تعالى على وجه
التعظيم مثل: الله العظيم أو الكبير أو الجليل، أو سبحان الله، أو الحمد لله ونحو ذلك
قال: فالجميع ذكر قلت : قول الإمام مالك وغيره هو الراجح للأحاديث السابقة وأيضا قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى
يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ رواه الطبراني في الكبير (4526) وصححه الألباني وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ،
فَهُوَ رَدٌّ» رواه البخاري (2697) ومسلم (1718)
فالواجب أن يقول: «اللَّهُ
أكبرُ» .
قال الشوكاني : في نيل
الأوطار (2/202) قَوْلُهُ: (وَتَحْرِيمُهَا
التَّكْبِيرُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا
بِالتَّكْبِيرِ دُونِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِكُلِّ لَفْظٍ قُصِدَ بِهِ التَّعْظِيمُ،
وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِ تَحْرِيمُهَا تَقْتَضِي
الْحُرْمَةَ فَكَأَنَّهُ قَالَ جَمِيعُ تَحْرِيمِهَا التَّكْبِيرُ أَيْ انْحَصَرَتْ
صِحَّةُ تَحْرِيمِهَا فِي التَّكْبِيرِ لَا تَحْرِيمَ لَهَا غَيْرُهُ كَقَوْلِهِمْ
مَالُ فُلَانٍ الْإِبِلُ وَعِلْمُ فُلَانٍ النَّحْوُ اهـ
2- قال النووي : يَجِبُ أَنْ
يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا حَيْثُ يَجِبُ الْقِيَامُ وَكَذَا الْمَسْبُوقُ الَّذِي
يُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا يَجِبُ أَنْ تَقَعَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بِجَمِيعِ
حُرُوفِهَا فِي حَالِ قِيَامِهِ فَإِنْ أَتَى بِحَرْفٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ حَالِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ
فَرْضًا بِلَا خِلَافٍ انظر المجموع(3/296) قلت : والدليل عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ،
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا رواه الترمذي (304) وحسنه الترمذي وصححه الألباني
3- قال ابن قدامة : وَلَا
يُجْزِئُهُ التَّكْبِيرُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا. وَبِهَذَا
قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ؛
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] . وَهَذَا
قَدْ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ. وَلَنَا، مَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّصُوصِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا، وَهَذَا يَخُصُّ مَا
ذَكَرُوا. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ، لَزِمَهُ تَعَلُّمُ التَّكْبِيرِ بِهَا،
فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي
" الْمُجَرَّدِ ". وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي
" الْجَامِعِ ": لَا يُكَبِّرُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ
حُكْمَ الْأَخْرَسِ، كَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ لَا يُعَبِّرُ
عَنْهَا بِغَيْرِهَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ ذِكْرُ اللَّهِ،
وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ
عَرَبِيٌّ، فَإِذَا عَبَّرَ عَنْهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا،
وَالذِّكْرُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ ذِكْرًا انظر المغني (1/335)
4- فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ
أَوْ عَاجِزًا عَنْ التَّكْبِيرِ بِكُلِّ لِسَانٍ، سَقَطَ عَنْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي:
عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ يَلْزَمُهُ النُّطْقُ بِتَحْرِيكِ
لِسَانِهِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ الْآخَرُ. وَلَا يَصِحُّ هَذَا؛
لِأَنَّهُ قَوْلٌ عَجَزَ عَنْهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ فِي مَوْضِعِهِ
كَالْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ بِالتَّكْبِيرِ مَعَ الْقُدْرَةِ
عَلَيْهِ ضَرُورَةً يُوقَفُ التَّكْبِيرُ عَلَيْهَا، فَإِذَا سَقَطَ التَّكْبِيرُ سَقَطَ
مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ، كَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْقِيَامُ، سَقَطَ عَنْهُ النُّهُوضُ
إلَيْهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ
عَبَثٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ، كَالْعَبَثِ بِسَائِرِ
جَوَارِحِهِ انظر المغني
5- ولا يكبر المأموم حتى
ينتهي الإمام من تكبيره 0
قال ابن قدامة : وَلَا يُكَبِّرُ
الْمَأْمُومُ حَتَّى يَفْرُغَ إمَامُهُ مِنْ التَّكْبِيرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
يُكَبِّرُ مَعَهُ، كَمَا يَرْكَعُ مَعَهُ وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا
كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالرُّكُوعُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ
إنَّمَا يَرْكَعُ بَعْدَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ،
لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ. فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَ
إمَامِهِ، لَمْ يَنْعَقِدْ تَكْبِيرُهُ، وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ التَّكْبِيرِ بَعْدَ
تَكْبِيرِ الْإِمَامِ.
.انظر المغني (1/335)
6- النَّظَرُ
إلى مَوْضع السُّجُودِ،
تنازع العلماء في الجهة
التي ينبغي للمصلي أن يتوجه بنظره إليها قال مَالِك فِي أَنَّ نَظَرَ الْمُصَلِّي يَكُونُ
إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وترجم له البخاري في صحيحه بَابُ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ انظر فتح الباري (2/232) وذكر عدة أحاديث منها عَنْ أَبِي
مَعْمَرٍ، قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقْرَأُ
فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟
قَالَ: «بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ رواه البخاري (746) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ يُسْتَحَبُّ
لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْخُشُوعِ انظر
فتح الباري واستدلوا : عن عائشة رضي الله
عنها قالت : «دَخَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ مَا خَلَفَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا»
رواه ابن خزيمه (3012) وصححه وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين
". ووافقه الذهبى قال الألباني وهو كما قالا انظر الإرواء (2\73) الراجح هو قول : ابن حجر رحمه الله قال : وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ
الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ النَّظَرُ إِلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ وَكَذَا لِلْمَأْمُومِ إِلَّا حَيْثُ يَحْتَاجُ
إِلَى مُرَاقَبَةِ إِمَامِهِ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْإِمَامِ
وَاللَّهُ أَعْلَم انظر فتح الباري (2/232) قال الألباني رحمه الله وبهذا يجمع بين الأحاديث التي ساقها البخاري
وبين أحاديث النظر إلى موضع السجود ، وهو جمع حسن
قال ابن عثيمين رحمه
الله : قوله: « وَيَنْظُرُ مَسْجِدَهُ » أي: موضع سجوده، والضَّميرُ يعودُ على المُصلِّي، وهو شاملٌ للإِمام
والمأموم والمنفرد؛ أنه ينظر موضعَ سجودِه، وعلى هذا كثير مِن أهلِ العلمِ ، واستدلُّوا
بحديث رُويَ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا: «أنه كان ينظر إلى موضع سجودِه
في حال صلاتهِ»، وكذلك قالوا في تفسير قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ *} [المؤمنون] الخشوع: أن ينظر إلى موضع
سجوده.وقال بعضُ العلماءِ: ينظرُ تلقاء وجهِهِ، إلا إذا كان جالساً، فإنَّه ينظر إلى
يدِه حيث يُشير عند الدُّعاء وفصل بعض العلماء بين الإِمام والمنفرد وبين المأموم فقال:
إن المأموم ينظر إلى إمامه ليتحقق من متابعته ؛ ولهذا قال البراء بن عازب: «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ
يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ، حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَاجِدًا، ثُمَّ
نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ » - رواه البخاري (690) ومسلم (474)- قالوا: فهذا دليل على أنهم ينظرون إليه.واستدلُّوا
أيضاً: بما جرى في صلاةِ الكسوفِ، حيث أخبرَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الصحابةَ
أنه عُرضت عليه الجنَّةُ، وعُرضت عليه النَّارُ ، وقال فيما عُرضت عليه الجنَّةُ: «حيث
رأيتموني تقدَّمت» ، وفيما عُرضت عليه النَّارُ قال: «فيما تأخَّرت» - رواه
البخاري (1052) ومسلم (904)- وهذا يدلُّ على أنَّ المأمومَ ينظر إلى إمامه.والأمر
في هذا واسع، ينظر الإِنسان إلى ما هو أخشع له؛ إلا في الجلوس، فإنه يرمي ببصره إلى
أصبعه حيث تكون الإِشارة كما وَرَدَ ذلك انظر الشرح الممتع (3/38)
7- يجوز الْإِشَارَة فِي الصَّلَاةِ لِرَدِّ السَّلَامِ
أَوْ حَاجَةٍ تَعْرِضُ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قُلْتُ لِبِلَالٍ: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ
عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ» رواه الترمذي (368) وقال : «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه الألباني وعن أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قالت: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا، ثُمَّ
رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ
مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ، فَقُلْتُ:
قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ، وَأَرَاكَ
تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ،
فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ
عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، فَشَغَلُونِي
عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ رواه البخاري
(1233) ومسلم (834)
قال الشوكاني رحمه الله
: وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّمَ
غَيْرُ الْمُصَلِّي عَلَى الْمُصَلِّي لِتَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ وَجَوَازِ تَكَلُّمِ الْمُصَلِّي بِالْغَرَضِ
الَّذِي يَعْرِضُ لِذَلِكَ وَجَوَازِ الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ. قَدْ قَدَّمْنَا فِي
بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ذِكْرَ الْقَائِلِينَ:
إنَّهُ يُسْتَحَبُّ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ وَالْمَانِعِينَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ اسْتَدَلَّ
الْقَائِلُونَ: بِالِاسْتِحْبَابِ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ لِقَوْلِهِ فِيهِ:
" فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا "- قلت : الحديث هو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ
سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، وَقَالَ: «إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلًا» رواه البخاري (1199) ومسلم (538) - وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الرَّدُّ
الْمَنْفِيُّ هَهُنَا عَلَى الرَّدِّ بِالْكَلَامِ لَا الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّ
ابْنَ مَسْعُودٍ نَفْسَهُ قَدْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ وَلَوْ لَمْ تَرِدْ عَنْهُ هَذِهِ
الرِّوَايَةُ لَكَانَ الْوَاجِبُ هُوَ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ انظر
نيل الأوطار (2/383) وقد ثبت عن جماعة من الصحابة
قال ابن حزم في المحلى (2/ 125) عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ: أَنَّ عَائِشَةَ
أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَأْمُرُ خَادِمَهَا أَنْ تُقَسِّمَ الْمَرَقَةَ، فَتَمُرُّ
بِهَا، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَتُشِيرُ إلَيْهَا: أَنْ زِيدِي؛ وَتَأْمُرُ بِالشَّيْءِ
لِلْمِسْكِينِ تُومِئُ بِهِ، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ؟ . عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يُشِيرُ إلَى أَوَّلِ رَجُلٍ فِي الصَّفِّ
- وَرَأَى خَلَلًا: أَنْ تَقَدَّمَ؟ .عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ
أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا قَامَتْ إلَى الصَّلَاةِ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، فَأَشَارَتْ
إلَى الْمِلْحَفَةِ فَنَاوَلْتهَا، وَكَانَ عِنْدَهَا نِسْوَةٌ فَأَوْمَأَتْ إلَيْهِنَّ
بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ بِيَدِهَا - تَعْنِي وَهِيَ تُصَلِّي.عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ:
«كَانَ يَجِيءُ الرَّجُلَانِ إلَى الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيُشْهِدَانِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ،
فَيُصْغِي لَهَا سَمْعَهُ، فَإِذَا فَرَغَا يُومِئُ بِرَأْسِهِ أَيْ: نَعَمْ؟» اهـ
قال شيخنا عادل العزازي هذه الآثار أسانيدا صحيحة قال ابن حزم : فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ
قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمَ»- رواه
أبو داود (928) وصححه الألباني - .قِيلَ: لَيْسَ هَذَا نَهْيًا
عَنْ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ؛ وَلَا يُفْهَمُ هَذَا مِنْ هَذَا
اللَّفْظِ، وَالدَّعْوَى مَرْدُودَةٌ إلَّا بِبُرْهَانٍ؟
رابعا : ويرفع يديه مع
التكبير
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ:
لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ انظر المغني (1/339)
فوائد :
1- وأما صفة الرفع : قال
ابن قدامة : وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يَمُدَّ أَصَابِعَهُ وَقْتَ الرَّفْعِ، وَيَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ؛ -
قلت عمرو : وهو مذهب جمهور العلماء انظر تحفة الأحوذي (2/38) والدليل : عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا»رواه أبوداود (753) وقال الألباني في صحيح أبي داود (735) (قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي،
وحسنه الترمذي) قال ابن قدامة وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:
السُّنَّةُ أَنْ يُفَرِّقَ أَصَابِعَهُ؛- قلت : ودليله : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ نَشَرَ أَصَابِعَهُ» رواه الترمذي (239) وضعفه الترمذي والألباني قال ابن قدامة وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ، وَحَدِيثُهُمْ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَيْنَاهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ
كَانَ مَعْنَاهُ مَدَّ أَصَابِعِهِ.قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا:
هَذَا الضَّمُّ. وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. وَهَذَا النَّشْرُ. وَمَدَّ أَصَابِعَهُ. وَهَذَا
التَّفْرِيقُ. وَفَرَّقَ أَصَابِعَهُ. وَلِأَنَّ النَّشْرَ لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ
كَنَشْرِ الثَّوْبِ، وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَلَا تَفْرِيقَ
فِيهِ انظر المغني (1/340)
2- ويكون رفع اليدين حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ.–
وهما الكتفان- والدليل : عن ابن عمر قال : أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ
يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رواه البخاري (735) ومسلم (390) أو حِيَالَ الْأُذُنَيْنِ والدليل
: عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ
بِهِمَا أُذُنَيْهِ
رواه مسلم (391) قلت : ذهب الشافعي ومالك وأحمد في
رواية أن يكون رفع اليدين حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ.وذهب أبو حنيفة أن يكون رفع اليدين حِيَالَ الْأُذُنَيْنِ وعن أحمد رواية أخرى أنه يتخير بينهما ورجحه الألباني انظر أصل
صفة صلاة النبي صل الله عليه وسلم للألباني
(1/ 202) وهو الراجح
3- وقت رفع اليدين : له
أكثر من صفة كما وردت بذلك الأحاديث كالآتي : أ- يجوز رفعهما مع التكبير والدليل :
عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ افْتَتَحَ
التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاَةِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ رواه
البخاري (738)
ب- ويجوز أن يرفع يديه
أولا ، ثم يكبر وهما مرفوعتان قبل أن ينزلهما والدليل : عن ابن عمر قال : «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى
تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ رواه مسلم (390) وفي رواية لأبي داود (722) ثُمَّ كَبَّرَ وَهُمَا كَذَلِكَ صححه الألباني ج- ويجوز أن يكبر أولا ثم يرفع يديه
: والدليل : عَنْ
أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ، «إِذَا صَلَّى كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَحَدَّثَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ هَكَذَا»
رواه مسلم (391) قال ابن عثيمين رحمه الله : الأحاديث الواردة في ابتداءِ رَفْعِ اليدين وَرَدَتْ
أيضاً على وجوهٍ متعدِّدة؛ فبعضُها يدلُّ على أنه يرفع ثم يكبِّر ، وبعضها على أنه يكبِّر ثم يرفع ، وبعضها على
أنه يرفع حين يكبِّر يعني يكون ابتداء التَّكبير
مع ابتداء الرَّفْعِ، وانتهاؤه مع انتهاء الرَّفْعِ، ثم يضع يديه. ونحن نقول: إن الأمرَ
أيضاً في هذا واسع، يعني سواء رَفعتَ ثم كبَّرت، أو كبَّرت ثم رفعتَ، أو رَفعتَ مع
التَّكبيرِ، فإنْ فعلتَ أيَّ صفة مِن هذه الصِّفات فأنت مصيبٌ للسُّنَّة انظر
الشرح الممتع (3/31)
قال الألباني رحمه الله :
والحق:أن كلاً من هذه الصفات
الثلاث سنة ثابتة عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فعلى المسلم أن يأخذ بها في صلواته فلا يدع واحدة منها للأخرى بل يفعل هذه تارة وهذه
تارة وتلك أخرى انظر
أصل صفة النبي صل الله عليه وسلم (1/198)
4- ما تقدم من استحباب
رفع اليدين يستوي فيه - الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ فِي هَذَا سَوَاءٌ،
وَكَذَلِكَ الْفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ لَا تَفْرِيقَ فِيهَا.
فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ إحْدَاهُمَا،
تَرْفَعُ؛لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَحَفْصَةَ
بِنْتِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَتَا تَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ،
وَلِأَنَّ مَنْ شُرِعَ فِي حَقِّهِ التَّكْبِيرُ شُرِعَ فِي حَقِّهِ الرَّفْعُ كَالرَّجُلِ
انظر المغني (1/340)
5- وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ
فِي ثَوْبِهِ – بسبب برد ونحوه - رَفَعَهُمَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ عَنْ وَائِلِ بْنِ
حُجْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِيَالَ أُذُنَيْهِ»، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُهُمْ يَرْفَعُونَ
أَيْدِيَهُمْ إِلَى صُدُورِهِمْ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِمْ بَرَانِسُ وَأَكْسِيَة
رواه أبو داود (728) وفي رواية (727) ثُمَّ جِئْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ فِيهِ بَرْدٌ شَدِيدٌ فَرَأَيْتُ النَّاسَ عَلَيْهِمْ
جُلُّ الثِّيَابِ تَحَرَّكُ أَيْدِيهِمْ تَحْتَ الثِّيَاب صححه الألباني
6- هل يرفع يديه في صلاة
الجنازة في أول تكبيرة فقط أم في كل تكبيرة
: تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟ قلت :
القول الأول :
وَقَالَ مَالِكٌ،
وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي الْأُولَى؛
لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مَقَامُ رَكْعَةٍ، وَلَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي
جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ.ينظر المغني (2\366) وهو مذهب ابن حزم واختاره الألباني
ودليلهم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، وَوَضَعَ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى.رواه الترمذي (1077) حسنه الألباني وقال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ
قلت:/ يعني ضعيف، وهو حديث ضعيف فيه يزيد بن سنان، أبو فروة ضعفه أحمد وغيره قال الحافظ ابن حجر ولا يصح فيه شىء انظرنيل الأطار
4/77 وضعف هذا الحديث الدارقطني والْعُقَيْلِيّ وابن القطان والنووي والشوكاني وابن حجر والمباركفوري وقال الألباني حديث أبي هريرة له
شاهد عن ابن عباس وهو ثانيا : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «كَانَ
يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ» رواه الدارقطني (1832) قلت :هذا الشاهد منكر فيه الْفَضْل بْن السَّكَن ضعفه الدارقطني وغيره
وخالفه إبراهيم بن موسى الفراء فرواه عن ابن عباس موقوفا عليه رواه عبد الرزاق في مصنفه، (6362).بسند منقطع
وإبراهيم بن موسى الفراء الذي خالف الفضل في هذا الحديث ثقة حافظ، كما في تهذيب
التهذيب (1/ 148).وأيضا الدليل على أن هذا الشاهد منكر: قد صح عن ابن عباس موقوفا
عليه مخالف لهذا الحديث قال الحافظ ابن حجر وَلَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الجنازة رواه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. ينظر التلخيص
(2\333) قلت
: أي في كل تكبيرة فهذا الشاهد لا يقوي حديث أبي هريرة السابق والله أعلم فإذن هذا
القول استدل بحديث ضعيف
القول الثاني
: يرفع يديه في جميع التكبيرات وبه قال أكثر أهل العلم منهم ابْنُ عُمَرَ وعمر بن عبد العزيز وعطاء وسالم
والزهرى وقيس ابن أبى حازم والاوزاعي – وابن المبارك - والشافعي وأحمد واسحق – وروايه
عن مالك - وداود واختاره بن الْمُنْذِرِ ينظر المجموع (5\ 232)
وسنن الترمذي . (1077) ورجحه ابن باز وهو الراجح والدليل :أولا : عموم حديث عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ
الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ رواه أحمد في المسند (18849) وحسنه الألباني في الإرواء (2\ 36)
وصححه شعيب الأرنؤوط في مسند أحمد
قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا
أَنَا فَأَرَى أَنَّ هَذَا
الْحَدِيثَ يَدْخُلُ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ.انظر المغني (2\ 283)
ثانيا : عن
ابن عمر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَإِذَا انْصَرَفَ سَلَّمَ رواه الدارقطني في علله (2776) قلت : هذا الحديث حسن كما قال ابن
باز وضعفه ابن حجر والألباني في الضعيفة
(1045 ) وشيخنا مصطفى العدوي ورجحوا وقفه وأيضا رجح الدارقطني في العلل وقفه، عن ابن عمر لأنه لم يرفعه سوى عُمَر بْنِ شَيْبَة. والأظهر
عدم الالتفات إلى هذه العلة، لأن عمر المذكور ثقة وثقه الدارقطني وابن حبان
والخطيب وغيرهم انظر التهذيب وقال ابن حجر
في التقريب صدوق وقال الذهبي في أعلام النبلاء ثقه فيقبل رفعه، لأن ذلك زيادة من ثقة، وهي مقبولة
على الراجح عند علماء الحديث، كما في أصول الحديث فالقول الصحيح هو القول الثاني يرفع يديه في جميع
التكبيرات والله أعلم)
قال العلامة ابن عثيمين
في مجموع فتاوى (17\ 112)
وأما رفع اليدين في تكبيرة صلاة الجنازة فالصحيح أنه يكون في كل
التكبيرات، لأنه صح عن ابن عمر موقوفاً، وروي أيضاً مرفوعاً، وقد صحح رفعه جماعة
من أهل العلم، فالصواب أن اليدين ترفعان في كل تكبيرة.انتهى
وقال ابن باز رحمه الله في مجموع
فتاوى (13\ 148)
السنة رفع اليدين مع التكبيرات الأربع كلها؛ لما ثبت عن ابن عمر وابن عباس
أنهما كانا يرفعان مع التكبيرات كلها، ورواه الدارقطني مرفوعا من حديث ابن عمر
بسند جيد.انتهى
خامسا : ثم يضع يده اليمنى
على اليسرى على صدره
الدليل : على وضع يده
اليمنى على اليسرى عن وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: أَنَّهُ " رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى
الْيُسْرَى رواه مسلم (401) قال ابن قدامة أَمَّا وَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، فَمِنْ سُنَّتِهَا فِي قَوْلِ كَثِيرٍ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالنَّخَعِيِّ،
وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ
الرَّأْيِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ.وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ الَّذِي
عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ إرْسَالُ الْيَدَيْنِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ،
وَالْحَسَنِ. وَلَنَا: مَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَؤُمُّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ
بِيَمِينِهِ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ
عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ. ،- صححه الألباني- وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،
قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى
ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ انظر المغني (1/341)
وأما موضع اليدين حال القيام :قلت : تنازع : العلماء في ذلك على خمسة
أقوال ؟
القول الأول : قالوا :الْوَضْعَ يَكُونُ تَحْتَ السُّرَّةِ وَهُوَ مذهب أَبي
حَنِيفَةَ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ انظر نيل الأوطار
(2\ 219) ودليلهم : عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مِنَ
السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَضْعُ الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ
رواه أبو داود (756) ضعفه الألباني وقال النووي في شرح مسلم (4\115) ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ القول
الثاني : قَالَ الْجُمْهُورُ منهم الشافعية ورواية عن أحمد إلَى أَنَّ الْوَضْعَ يَكُونُ تَحْتَ صَدْرِهِ
فَوْقَ سُرَّتِهِ. ينظر نيل الأوطار ودليلهم : عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: «رَأَيْتُ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُمْسِكُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ عَلَى
الرُّسْغِ فَوْقَ
السُّرَّةِ»،
رواه أبو داود (757) الشيخ الألباني مره يضعفه ومره يحسنه قلت :
الأثر حسن كما قال البيهقي قلت : فهو من
فعل علي رضي الله عنه وليس بمرفوع إلى النبي صل الله عليه وسلم في تحفة الأحوذي
(2\79) ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فَوْقَ السُّرَّةِ عَلَى
مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ مِنَ السُّرَّةِ أَيْ عَلَى الصَّدْرِ أَوْ عِنْدَ الصَّدْرِ
كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍوَفِي حديث هُلْب الطائي ومرسل طاؤس
القول الثالث : رواية عن أحمد أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَا
تَرْجِيحَ وَبِالتَّخْيِيرِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ ينظر نيل
الأوطار ورجحه شيخنا مصطفى العدوي
القول الرابع : وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: الْإِرْسَالُ، وَصَارَ إلَيْهِ أَكْثَرُ
أَصْحَابِهِ انظر سبل السلام (1\252)
القول الخامس
: بِأَنَّ الْوَضْعَ
عَلَى الصَّدْرِ وهوقول ابن عباس واختاره ابن القيم والشوكاني ينظر إعلام الموقعين (2\289)
ونيل الأوطار (2\ 220)
والمباركفوري ورجحه ابن عثيمين والألباني وهو الراجح والدليل : عنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ» رواه ابن خزيمه في صحيحه (479) سألت
: شيخنا طارق بن عوض الله عن هذا الحديث
فقال لي ضعيف قلت : بل هو حديث حسن له شواهد وصححه ابن خزيمة والشوكاني والمباركفوري والألباني والأعظمي
قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي (2\80)
فَالظَّاهِرُ مِنْ
كَلَامِ الْحَافِظِ – ابن حجر - هَذَا أَنَّ حَدِيثَ وَائِلٍ عِنْدَهُ صحيح أو حسن ثم قال رحمه الله فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ
وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ صَحِيحٌ
قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى
الصَّدْرِ فِي الصَّلَاةِ تَامٌّ صَحِيحٌ انتهى
قال الشيخ ابن عثيمين:
وذهب بعضُ العلماء: إلى
أنه يضعها فوق السُّرة، ونصَّ الإِمام أحمد على ذلك.وذهب آخرون مِن أهل العِلم:
إلى أنه يضعهما على الصَّدرِ، وهذا هو أقرب الأقوال، والوارد في ذلك فيه مقال، لكن
حديث سهل بن سعد الذي في البخاري ظاهرُه يؤيِّد أنَّ الوَضْعَ يكون على الصَّدرِ،
وأمثل الأحاديث الواردة على ما فيها من مقال حديث وائل بن حُجْر أن النبي صلى الله
عليه وسلم: (كان يضعُهما على صدرِه) .
"الشرح
الممتع" (3/36، 37)
صفة وضع اليدين على الصدر
في الصلاة
[كيف يضع المصلي يده اليمنى على اليسرى في الصلاة؟.]ـ
لوضع اليد اليمنى على اليسرى
في الصلاة صفتان:
الأولى: الوضع وذلك أن يضع
كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد. روى أبو داود (726) والنسائي (889) عن وَائِل
بْن حُجْرٍ أنه قال: قُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَيْفَ يُصَلِّي؟ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ قَامَ فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ
يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ
كَفِّهِ الْيُسْرَى،
وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ
رواه أحمد (18870) وقال
الألباني في صحيح أبي داود (717) (قلت: إسناده صحيح، وكذاقال النووي، وقال ابن القيم: " حديث صحيح
". وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما اهـ
قال السندي في حاشية النسائي:
(ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى
عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ)
" (الرُّسْغ) هُوَ مَفْصِل
بَيْن الْكَفّ وَالسَّاعِد، وَالْمُرَاد أَنَّهُ وَضَعَ بِحَيْثُ صَارَ وَسَط كَفّه
الْيُمْنَى عَلَى الرُّسْغ، وَيَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَكُون بَعْضهَا عَلَى الْكَفّ الْيُسْرَى،
وَالْبَعْض عَلَى السَّاعِد " انتهى.
أو وضعها على ذارعه
اليسرى فقط كما في سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اليَدَ اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ
اليُسْرَى فِي الصَّلاَةِ» رواه البخاري (740)
الثانية: أن يقبض بيده اليمنى
على اليسرى
فعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ
رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
كَانَ قَائِمًا فِي الصَّلاةِ قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ. رواه النسائي (887) وصححه الألباني.
قال الألباني رحمه الله في
"صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 68) :وكان يضع اليمنى على ظهر كفه
اليسرى والرسغ والساعد، وأمر بذلك أصحابه، وكان أحياناً يقبض باليمنى على اليسرى، وكان
يضعهما على الصدر " انتهى.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن
الاختصار في الصلاة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا رواه البخاري (1220) ومسلم (545)
قال الشوكاني رحمه الله
: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
تَحْرِيمِ الِاخْتِصَارِ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ أَهْل الظَّاهِرِ وَذَهَبَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو
مِجْلَزٍ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَآخَرُونَ
إلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ لِعَدَمِ قِيَامِ
قَرِينَةٍ تَصْرِفُ النَّهْيَ عَنْ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ
كَمَا هُوَ الْحَقُّ انظر نيل الأوطار (2/389) وبالغ ابن حزم فقال في المحلى (2/333)
وَمَنْ تَعَمَّدَ فِي الصَّلَاةِ وَضْعَ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اهـ معنى الاختصار قال الشوكاني رحمه الله : قَوْلُهُ: (عَنْ التَّخَصُّرِ فِي الصَّلَاةِ) وَهُوَ وَضْعُ
الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ، فَسَّرَهُ بِذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو
دَاوُد فِي سُنَنِهِ أَيْضًا وَفَسَّرَهُ بِذَلِكَ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ،
وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ
هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ: وَرَوَى
سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعْنَى
هَذَا التَّفْسِيرِ.وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا آخَرَ فِي تَفْسِيرِ
الِاخْتِصَارِ فَقَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى الِاخْتِصَارِ هُوَ أَنْ
يُمْسِكَ بِيَدَيْهِ مِخْصَرَةً أَيْ عَصًا يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ:
وَمَنْ قَالَ إنَّهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْصِرِ لَا مَعْنَى لَهُ.وَفِيهِ قَوْلٌ
ثَالِثٌ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ
وَهُوَ أَنْ يَخْتَصِرَ السُّورَةَ فَيَقْرَأَ مِنْ آخِرِهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ.وَفِيهِ
قَوْلٌ رَابِعٌ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَحْذِفَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا
يَمُدَّ قِيَامَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ
هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ
وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ.انظر نيل الأوطار (2/ 389)
قلت : الراجح هو القول الأول : والدليل : على هذا الكلام عَنْ زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ
الْحَنَفِيِّ قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي، فَضَرَبَ يَدَيَّ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ:
" هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ رواه أحمد (5836) وصححه العراقي والألباني أنظر الإرواء 2/94
الحكمة من النهي عن
الاختصار :
1- لأن فيه تشبها
باليهود : عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، " كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ فِي
خَاصِرَتِهِ وَتَقُولُ: إِنَّ اليَهُودَ تَفْعَلُهُ
رواه البخاري (3458) 2- ولأنه راحة أهل النار قَالَ أَبُو حَاتِمٍ يَعْنِي فِعْلَ الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى وهم أهل النار عن عِيسَى بْن يُونُس، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «الِاخْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ» رواه ابن خزيمه (909) حديث حسن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وقَالَ الْعِرَاقِيُّ:
وَظَاهِرُ إسْنَادِهِ الصِّحَّةُ وصححه الأعظمي وضعف هذا الحديث الألباني
والأرنؤوط قالوا : وفي سند هذا الحديث علة قادحة، وهي سقوط راو من إسناده بين عيس بن يونس
وهشام، هو عَبْد اللَّهِ بْن الْأَزْوَرِ ، فقد أخرجه الطبراني في "الأوسط"
1/45/1 من طريق مُحَمَّد
بْن سَلَّامٍ الْمَنْبِجِيّ، ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَزْوَرِ، عَنْ هِشَامِ
الْقُرْدُوسِيُّ، -وهو
ابن حسان- به. وقال: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ إِلَّا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْأَزْوَرِ،
تَفَرَّدَ بِهِ: عِيسَى بْنُ يُونُسَ "
. وقال الإمام الذهبي في
"الميزان" 2/391: عبد الله بن الأزور، عن هشام بن حسان بخبر منكر. قال الأزدي:
ضعيف جداً، له عن هشام عن محمد عن أبي هريرة مرفوعاً "الاختصار في الصلاة استراحة
أهل النار"، قلت : سند الطبراني ضعيف فإن فيه محمد بن سلام المنبجي قال ابن مندة: له غرائب.فإن صح سند الطبراني فهو ليس بعيداً أن يكون عيسى بن يونس سمع هذه الرواية
من عبد الله بن الأزور ثم سمعه من شيخه هشام
فحدث به على الوجهين لأن إسقاط عبد الله بن الأزور- تدليساً- لا يمكن أن يكون من قبل
عيسى بن يونس وهو ثقة مأمون
كما قال ابن حجر في
التقريب ولم يوصفه أحد بالتدليس، وأيضا أبو صالح الحراني فهو ثقة ولم يوصفه أحد
بالتدليس ، وأيضا علي بن عبد الرحمن ابن محمد بن المغيرة قال ابن حجر عنه في
التقريب صدوق ولم يوصفه أحد بالتدليس فالراجح أن هذا الحديث حسن
سادسا : ثم يستفتح
والمراد بذلك : أن يدعو
دعاء الاستفتاح وذلك قبل القراءة ، وقد
ورد في ذلك أحاديث نذكر منها 0
1-
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ، سَكَتَ هُنَيَّةً
قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ
سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ " أَقُولُ: اللهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللهُمَّ
اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ رواه البخاري (744) ومسلم (598)
2-
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي
مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ:
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنَ الْقَائِلُ
كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟» قَالَ رَجُلٌ مَنِ الْقَوْمِ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ:
«عَجِبْتُ
لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «فَمَا تَرَكْتُهُنَّ
مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ» رواه مسلم (601)
3-
3- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا
قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي،
وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي،
وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي
جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ
لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ
عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي
يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ،
أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» رواه مسلم (771) وقد صح عن النبي صل الله عليه
وسلم في أدعية الاستفتاح غير ذلك ، فليراجعها من شاء انظر صفة صلاة النبي للألباني
(91)
قال ابن عثيمين رحمه الله
: الاستفتاح سنة وليس بواجب،
لا في الفريضة ولا في النافلة.والذي ينبغي أن يأتي الإنسان في الاستفتاح بكل ما ورد
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي بهذا أحياناً، وبهذا أحياناً، ليحصل
له بذلك فعل السنة على جميع الوجوه، وإن كان لا يعرف إلا وجهاً واحداً من السنة واقتصر
عليه فلا حرج؛ لأن الظاهر أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينوع هذه الوجوه في الاستفتاح،
وفي التشهد من أجل التيسير على العباد، وكذلك في الذكر بعد الصلاة كان الرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينوعها لفائدتين:
الفائدة الأولى: أن لا يستمر
الإنسان على نوع واحد، فإن الإنسان إذا استمر على نوع واحد صار إتيانه بهذا النوع كأنه
أمر عادي، ولذلك لو غفل وجد نفسه يقول هذا الذكر، وإن كان من غير قصد؛ لأنه صار أمراً
عادياً فإذا كانت الأذكار متنوعة وصار الإنسان يأتي أحياناً بهذا، وأحياناً بهذا صار
ذلك أحضر لقلبه، وأدعى لفهم ما يقوله.
الفائدة الثانية: التيسير
على الأمة، بحيث يأتي الإنسان تارة بهذا، وتارة بهذا، على حسب ما يناسبه.فمن أجل هاتين
الفائدتين صارت بعض العبادات تأتي على وجوه متنوعة مثل دعاء الاستفتاح، والتشهد، والأذكار
بعد الصلاة. انظر مجموع فتاوى (13/110)
فوائد :
1- ما حكم دعاء
الاستفتاح :
قلت : تنازع العلماء في
ذلك على ثلاثة أقوال ؟
القول الأول : ذهب الإمام أحمد في رواية
واختارها ابن بطال بالوجوب انظر الفروع 1/413 ودليلهم : قول النبي صل الله عليه وسلم في حديث
رِفَاعَة بْن رَافِع للمسيء صلاته : إِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى
يَتَوَضَّأَ 000 ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ
000 فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ رواه أبو داود (857) وصححه الألباني
قالوا : فظاهر قوله : وَيَحْمَدُ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ أنه دعاء الاستفتاح قال الصنعاني رحمه الله فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُ مُطْلَقِ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ
الْإِحْرَام انظر سبل السلام (1/ 240) قلت : هذا الوجوب انصرف لاستحباب
بحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِ {الحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ العَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] رواه البخاري (743) ومسلم(399) فلم يذكر الاستفتاح قلت : قوله : وَيَحْمَدُ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ، وَيُثْنِي عَلَيْه قال : بعض العلماء النبي صل الله عليه
وسلم يقصد سورة الفاتحة ورجحه شيخنا محمد عبد المقصود فك الله أسره فبطل الاستدلال
به على وجوب دعاء الاستفتاح
القول الثاني : الِاسْتِفْتَاح مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وهو قَوْل أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، انظر المغني (1/341) وهو الراجح
القول الثالث : وَكَانَ مَالِكٌ
لَا يَرَاهُ، بَلْ يُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ؛ انظر المغني قلت : ويرد عليه بالأحاديث السابقة (1/341) قال ابن تيمية رحمه الله : الِاسْتِفْتَاحُ
عَقِبَ التَّكْبِيرِ مَسْنُونٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ
وَأَحْمَد. كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: مِثْلِ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. قَالَ: {قُلْت: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ:
أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي} وَذَكَرَ الدُّعَاءَ. فَبَيَّنَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ
سُكُوتًا يَدْعُو فِيهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَتِهِ أَنْوَاعٌ وَغَالِبُهَا فِي قِيَامِ
اللَّيْلِ فَمَنْ اسْتَفْتَحَ بِقَوْلِهِ: {سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ
اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك} فَقَدْ أَحْسَنَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِذَلِكَ
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَمَنْ اسْتَفْتَحَ بِقَوْلِهِ: {وَجَّهْت وَجْهِي} إلَخْ فَقَدْ أَحْسَنَ
فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِهِ وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْفَرْضِ. وَرُوِيَ
أَنَّهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَاسْتَفْتَحَ: بـ {سُبْحَانَك
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك} إلَى آخِرِهِ. و {وَجَّهْت وَجْهِي} فَقَدْ أَحْسَنَ. وَقَدْ
رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ. وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد.
وَالثَّانِي: اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّالِثُ: اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد. وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ بِمَنْزِلَةِ أَنْوَاعِ
التَّشَهُّدَاتِ وَبِمَنْزِلَةِ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ الَّتِي يَقْرَأُ الْإِنْسَانُ
مِنْهَا بِمَا اخْتَارَ. وَأَمَّا كَوْنُهُ وَاجِبًا: فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ
مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ
الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد وَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلٌ آخَرُ يَذْكُرُهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً
عَنْهُ أَنَّ الِاسْتِفْتَاحَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.انظر مجموع
الفتاوى (22/403)
2- قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالِافْتِتَاحِ.
وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْهَرْ بِهِ، وَإِنَّمَا جَهَرَ بِهِ عُمَرُ، لِيُعَلِّمَ النَّاسَ.
وَإِذَا نَسِيَ الِاسْتِفْتَاحَ، أَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا حَتَّى شَرَعَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ،
لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا. وَكَذَلِكَ إنْ نَسِيَ التَّعَوُّذَ
حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ لِذَلِكَ. انظر
المغني (1/343)
3- وَلَا يُسَنُّ الِاسْتِفْتَاحُ
في صلاة الجنازة وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.عَنْ طَلْحَةَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ قَالَ: «لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ رواه البخاري (1335) وفي رواية
عند النسائي (1987) فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ وَجَهَرَ حَتَّى أَسْمَعَنَا، فَلَمَّا فَرَغَ أَخَذْتُ
بِيَدِهِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: «سُنَّةٌ وَحَقٌّ»
صححه النووي والألباني فيه دليل : إلى عدم مشروعية دعاء
الاستفتاح في صلاة الجنازة، إذ لم يجهر به ليعلمهم إياه كما جهر بالفاتحة.
قال ابن
قدامة رحمه الله : قَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعْت أَحْمَدَ يُسْأَلُ عَنْ الرَّجُلِ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِسُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك؟ قَالَ: مَا سَمِعْت قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ الثَّوْرِيُّ
يَسْتَحِبُّ أَنْ يُسْتَفْتَحَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، 000 وَلَنَا، أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ
شُرِعَ فِيهَا التَّخْفِيفُ، وَلِهَذَا لَا يُقْرَأُ فِيهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِشَيْءٍ،
وَلَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ انظر المغني (2/362)
سابعا : ثم يستعيذ
ما حكم الاستعاذة في
الصلاة
قال ابن قدامة : أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ.
وَبِذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، 00وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ
وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَسْتَعِيذُ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَلَنَا
قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]انظر المغني (1/ 343)
وقال سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَدَاود وابن حزم وهو رواية عن أحمد انظر صحيح فقه
السنة (1/ 331) قالو : الاستعاذة واجبه واستدلوا
: بقوله تعالى
: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] قالوا : وفي
الآية أمر بالاستعاذة ، والقاعدة أن الأمر يفيد الوجوب قلت : هذه الآية فعل أمر
انصرفت للاستحباب بحديث المسىء في صلاته قال له النبي صل
الله عليه وسلم «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، أخرجه البخاري(
757 ) ومسلم (397) ولم يأمره بالاستعاذة فلو كانت الاستعاذة واجبه لأمره النبي صل الله عليه وسلم بها ، ولا يجوز تأخير البيان عن
وقت الحاجة فالصحيح : أن الاستعاذة سنه 0
قال الشافعي في الأم (1\ 129)
وَإِنْ تَرَكَهُ نَاسِيًا،
أَوْ جَاهِلًا، أَوْ
عَامِدًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَلَا سُجُودُ سَهْوٍ وَأَكْرَهُ لَهُ تَرْكَهُ
عَامِدًا 00 وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ آمُرَهُ أَنْ يُعِيدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ رَجُلًا مَا يَكْفِيهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ
كَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ» (قَالَ) : وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِتَعَوُّذٍ
وَلَا افْتِتَاحٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ افْتِتَاحَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتِيَارٌ وَأَنَّ التَّعَوُّذَ مِمَّا لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ
إنْ تَرَكَهُ
فوائد : 1- وَأَمَّا مَحَلُّهُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ- وَبِذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ
وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ،
وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.- هُوَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ
وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ
يَتَعَوَّذُ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ
مَعْنَاهَا إذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ فَاسْتَعِذْ وَهُوَ اللَّائِقُ السَّابِقُ إلَى
الْفَهْمِ انظر المجموع (3\ 325)
والمغني (1\ 343)
قلت : الصحيح هو
مذهب الجمهور والدليل : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَفْتَحَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ،
مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ» رواه الترمذي (242) وصححه الألباني
2- هل
الاستعاذة تكون سرا أم جهرا ؟
قلت : الصحيح لا يسن الجهر بالاستعاذة لحديث أَنَسٍ، قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ
يَقْرَأُ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] أخرجه البخاري ( 743 ) ومسلم ( 399 ) قال النووي في المجموع (3/326) وَأَمَّا الْجَهْرُ بِالتَّعَوُّذِ
فِي الْجَهْرِيَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ
وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْهَرُ وَقَالَ
ابْنُ لَيْلَى الْإِسْرَارُ وَالْجَهْرُ سَوَاءانتهى
3- هل الاستعاذة في كل
ركعه :
قلت : للعلماء في هذه المسألة قولان ؟
القول
الأول : قالوا يستعيذ في الركعة الأولى فقط وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد
انظر الشرح الممتع (3/195) ورجحه ابن القيم والشوكاني وغيرهم وأما باقي الركعات فيبدأها بقراءة الفاتحة
مباشرة دون استعاذة واستدلوا : عن أَبَي هُرَيْرَةَ، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ
بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَمْ يَسْكُتْ» رواه مسلم (599)
قال الشوكاني
في نيل الأوطار (2\313)
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ السَّكْتَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّعَوُّذِ فِيهَا وَحُكْمُ مَا
بَعْدَهَا مِنْ الرَّكَعَاتِ حُكْمُهَا، فَتَكُونُ السَّكْتَةُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ مُخْتَصَّةً
بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ التَّعَوُّذُ قَبْلَهَا
انتهى
القول الثاني : قالوا يستعيذ في كل ركعة وهو مذهب ابن
حزم المحلى 2/287 ورجحه ابن حجر والألباني وحجتهم في ذلك قول الله تعالى : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]
قلت : القول الأول هو الصحيح لحديث أبي هريرة رضي الله
عنه
سئل الشيخ ابن عثيمين هل
الاستعاذة في كل ركعة أو في الأولى فقط؟
فأجاب: الاستعاذة بالله من
الشيطان الرجيم في الصلاة سنة.
واختلف العلماء - رحمهم الله
- هل يستعيد في كل ركعة، أم في الركعة الأولى فقط بناء على القراءة في الصلاة هل هي
قراءة واحدة أم لكل ركعة قراءة منفردة والجواب: الذي يظهر لي: أن قراءة الصلاة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة، إلا إذا حدث
ما يوجب الاستعاذة، كما لو انفتح عليه باب الوساوس، فإن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ
بالله من الشيطان الرجيم. فقد روى مسلم أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي
يلبسها عليَّ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذاك شيطان
يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً انظر مجموع
فتاوى (13\110)
4- ما هي صفة الاستعاذه :
1- (أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ
انظر المجموع 3/325 قلت : ورد في ذلك حديث ولكنه ضعيف ضعفه الألباني في الإرواء
(2\53) ولكن استدلوا بقوله تعالى : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]
قال ابن قدامة في المغني (1\ 343) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيّ
2- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْثِهِ، وَنَفْخِهِ
رواه أحمد (3828)
مرفوعا وصححه الألباني في الإرواء (2/57) والأرنؤوط
3- «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ
الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ» رواه أبو داود (775) مرفوعا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وصححه الألباني
4 - (أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وهو عن الْحَسَنِ
بْنِ صَالِحٍ وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ واحتج
بقول الله تعالى : {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
[فصلت: 36] انظر المجموع 3/325
قال ابن قدامة في المغني (1\ 343) وَهَذَا كُلُّهُ وَاسِعٌ، وَكَيْفَمَا اسْتَعَاذَ فَهُوَ حَسَنٌ،
ثامنا : البسملة
[مَسْأَلَة قِرَاءَةَ بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاة]
(وَيَبْتَدِئُهَا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . مَشْرُوعَةٌ
فِي الصَّلَاةِ، فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَأَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ
أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَقْرَؤُهَا فِي أَوَّلِ
الْفَاتِحَةِ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ 00
وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ
نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَقَالَ:
وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ.- حديث صحيح سيأتي تخريجه
- انظر المغني (1/ 344)
فوائد :
1- الْبَسْمَلَة هَلْ هِيَ
آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَة يَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا
قلت تنازع العلماء في
ذلك على قولين ؟
القول الأول : أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ. وَذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ،
وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ ودليلهم : أولا - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَرَأْتُمُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاقْرَءُوا {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]، إِنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ، وَأُمُّ الْكِتَابِ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، وَ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ: ثُمَّ لَقِيتُ نُوحًا فَحَدَّثَنِي
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ،
وَلَمْ يَرْفَعْهُ رواه البيهقي في الكبرى (2390) صححه الألباني في الصحيحة (1183) قلت : حديث
ضعيف مرفوعا قال ابن قدامة رحمه الله وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ،
فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ،
عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ، قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَاجَعْتُ فِيهِ نُوحًا
فَوَقَفَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَفْعَهُ كَانَ وَهْمًا مِنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ.:.انظر المغني (1/ 347) قلت : عبد
الحميد بن جعفر قال ابن حجر في التقريب صدوق رمى
بالقدر و ربما وهم فيرجح كلام ابن قدامة رحمه الله أنه موقوف وأن رفعه كان وهما من
عبد الحميد
ثانيا : عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،
أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَوْ كَلِمَةً غَيْرَهَا " قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ
آيَةً آيَةً رواه أبوداود(4001) صححه الألباني قلت : بل هو حديث صحيح دون البسملة فضعيف وضعفه الطحاوي وغيره قلت : فيه ابن جريج وهو مدلس قال الألباني حديث صحيح لولا
عنعنة ابن جريج , لكنه قد توبع كما يأتى ثم ذكر المتابعة عند أحمد ((6/288)) قلت : عمرو هذه
المتابعة يتقوى بها الحديث دون ذكر
البسملة لأنها لم ترد في المتابعة قلت : حتى ولو صح قال ابن قدامة : فَأَمَّا قَوْلُ
أُمِّ سَلَمَةَ فَمِنْ رَأْيِهَا، وَلَا يُنْكَرُ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ. عَلَى
أَنَّنَا نَقُولُ: هِيَ آيَةٌ مُفْرَدَةٌ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ اهـ
ثالثا : وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَثْبَتُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ بِخَطِّهَا، وَلَمْ يُثْبِتُوا
بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ سِوَى الْقُرْآنِ. انظر المغني (1/346) وأجيب : قال ابن
قدامة وَأَمَّا إثْبَاتُهَا بَيْنَ السُّوَرِ فِي الْمُصْحَفِ، فَلِلْفَصْلِ بَيْنَهَا،
وَلِذَلِكَ أُفْرِدَتْ سَطْرًا عَلَى حِدَتِهَا اهـ
القول الثاني وَرُوِيَ عَنْ
أَحْمَدَ، أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَلَا آيَةً مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا
يَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ. وَهِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، وَقَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ. انظر المغني (1/ 347) ورجحه ابن عثيمين
قال ابن قدامة رحمه الله
: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ،
قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي
مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ
اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. قَالَ
اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
قَالَ اللَّهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ:
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي
مَا سَأَلَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.فَلَوْ كَانَتْ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
آيَةً لَعَدَّهَا، وَبَدَأَ بِهَا، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّنْصِيفُ، لِأَنَّ آيَاتِ
الثَّنَاءِ تَكُونُ أَرْبَعًا وَنِصْفًا، وَآيَاتِ الدُّعَاءِ اثْنَتَيْنِ وَنِصْفًا.
وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يَتَحَقَّقُ التَّنْصِيفُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ: «يَقُولُ عَبْدِي إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَيَذْكُرُنِي عَبْدِي» . قُلْنَا: ابْنُ سَمْعَانَ
مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ. قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَاتِّفَاقُ
الرُّوَاةِ عَلَى خِلَافِ رِوَايَتِهِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «سُورَةٌ هِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً
شَفَعَتْ لِقَارِئِهَا، أَلَا وَهِيَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ» -
حسنه الألباني في المشكاة (1/ 662) -. وَهِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً سِوَى " بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ سُورَةَ الْكَوْثَرِ
ثَلَاثُ آيَاتٍ، بِدُونِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَلَوْ كَانَتْ مِنْهَا
لَكَانَتْ أَرْبَعًا، وَلِأَنَّ مَوَاضِعَ الْآيِ تَجْرِي مَجْرَى الْآيِ أَنْفُسِهَا، فِي أَنَّهَا
لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ، وَلَمْ يُنْقَلْ فِي ذَلِكَ تَوَاتُرٌ انظر
المغني (1/ 347)
2- قال النووي رحمه الله : وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ
عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مَنْ أَثْبَتَهَا وَلَا مَنْ نَفَاهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ
فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَفَى حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ أَثْبَتَ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ
يَكْفُرُ بِالْإِجْمَاعِ انظر المجموع (3/334)
3- حكم جهر الإمام بالبسملة
في الجهرية ؟
تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال ؟
القول الأول :
قال ابن قدامة : وَلَا
تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْجَهْرَ بِهَا غَيْرُ مَسْنُونٍ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمَّارٍ. وَبِهِ يَقُولُ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ،وَالْأَوْزَاعِيُّ،
وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.انتهى ورجحه الألباني انظر المغني (1\345) تمام المنة (
1/196)
واستدلوا:
1- عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ {بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] أخرجه البخاري ( 743 ) ومسلم ( 399 )
2- عَنْ ابْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ، أَقُولُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ إِيَّاكَ وَالحَدَثَ، قَالَ: وَلَمْ
أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
أَبْغَضَ إِلَيْهِ الحَدَثُ فِي الإِسْلَامِ - يَعْنِي مِنْهُ - قَالَ: " وَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ أَبِي
بَكْرٍ، وَمَعَ عُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا، فَلَا تَقُلْهَا، إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ فَقُلْ: {الحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ العَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] رواه الترمذي (244) ضعفه الألباني
القول الثاني : يسن الجهر
بها وهو قول عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، الْجَهْرُ
بِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ انظر المغني (1\ 345)
واستدلوا : عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]، ثُمَّ قَرَأَ
بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقَالَ: «آمِينَ».
فَقَالَ النَّاسُ: آمِينَ وَيَقُولُ: كُلَّمَا سَجَدَ «اللَّهِ أَكْبَرُ»، وَإِذَا
قَامَ مِنَ الْجُلُوسِ فِي الِاثْنَتَيْنِ قَالَ: «اللَّهِ أَكْبَرُ»، وَإِذَا سَلَّمَ
قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه النسائي (905) وضعفه الألباني قلت : الصحيح أنه حديث
صحيح صححه ابن خزيمة والحاكم ووافقه الذهبي وصححه ابن حبان وقال الدارقطني حديث صحيح، وقال
: البيهقي رُوَاته ثِقَات مجمع عَلَى عدالتهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح "..وقال
: الخطيب صَحِيح وصححه النووي انظر خلاصة الأحكام (1\370) وقال
شعيب الأرنؤوط في صحيح ابن حبان إسناد صحيح على شرط مسلم 5/100 وقال الشيخ مقبل
الوادعي حسن 0
ثانيا : عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: «كَانَتْ مَدًّا»، ثُمَّ
قَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ،
وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ
البخاري (5046) ويجاب عنه: بأنه غير صريح بأنه سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في
الصلاة، بل الثابت عنه عدم الجهر كما تقدم.
القول الثالث : وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ
عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَكَمِ أَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِسْرَارَ سَوَاءٌ انظر
المجموع (3\342) واختاره
ابن القيم ورجحه شيخنا مصطفى العدوي وهو الصحيح
قال ابن القيم : وَكَانَ - أي النبي صل الله عليه وسلم - يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَارَةً، وَيُخْفِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَجْهَرُ بِهَا) انظر زاد المعاد
(1\ 199)
قلت : وهو الصحيح 0قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى
(22\274) وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ: فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ
مَنْ يَجْهَرُ بِهَا وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ لَا يَجْهَرُ بِهَا بَلْ يَقْرَؤُهَا سِرًّا أَوْ لَا يَقْرَؤُهَا
وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِهَا أَكْثَرُهُمْ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا تَارَةً وَيُخَافِتُ بِهَا أُخْرَى وَهَذَا
لِأَنَّ الذِّكْرَ قَدْ يَكُونُ السُّنَّةُ الْمُخَافَتَةَ بِهِ وَيُجْهَرُ بِهِ لِمَصْلَحَةِ
رَاجِحَةٍ مِثْلِ تَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ
أَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ جَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ لِيُعَلِّمَهُمْ
أَنَّهَا سُنَّةٌ.
4- قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22\ 405)
وَأَمَّا التَّعَصُّبُ لِهَذِهِ
الْمَسَائِلِ وَنَحْوِهَا فَمِنْ شَعَائِرِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي نُهِينَا
عَنْهَا؛ إذْ الدَّاعِي لِذَلِكَ هُوَ تَرْجِيحُ الشَّعَائِرِ الْمُفْتَرِقَةِ بَيْنَ
الْأُمَّةِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ أَخَفِّ مَسَائِلِ الْخِلَافِ جَدًّا لَوْلَا مَا يَدْعُو إلَيْهِ الشَّيْطَانُ
مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الْفُرْقَةِ انتهى
تاسعا : ثم يقرأ
الفاتحة ؟
(ثُمَّ يَقْرَأُ: الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ
فِي الصَّلَاةِ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا، لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا فِي الْمَشْهُورِ
عَنْ أَحْمَدَ. نَقَلَهُ عَنْهُ الْجَمَاعَةُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ،
وَالشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ
وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ انظر المغني(1\344) والدليل :
على أنها ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها كما في حديث المسيء في صلاته
في رواية عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، - قَالَ: قال رسول الله صل الله عليه وسلم «إِذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ،
ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ رواه أبو
داود (859) قلت : إسناده قوي وصححه ابن حبان وحسنه الألباني وقال شعيب الأرنؤوط إسناده قوي
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ رواه البخاري (756) ومسلم (394) قال ابن قدامة
رحمه الله : وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ،
وَتُجْزِئُ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. وَهَذَا قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسِيءِ
فِي صَلَاتِهِ: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ»وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَقَوْلِهِ {فَاقْرَءُوا
مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] . وَلِأَنَّ الْفَاتِحَةَ وَسَائِرَ الْقُرْآنِ
سَوَاءٌ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، فَكَذَا فِي الصَّلَاةِ.وَلَنَا مَا رَوَى عُبَادَةُ
بْنُ الصَّامِتِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:
«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ
الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ، فَكَانَتْ مُعَيَّنَةً كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
وَأَمَّا خَبَرُهُمْ، فَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ
رَافِعٍ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ:
ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ» ثُمَّ نَحْمِلُهُ
عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَمَا تَيَسَّرَ مَعَهَا، مِمَّا زَادَ عَلَيْهَا، وَيَحْتَمِلُ
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ. وَأَمَّا الْآيَةُ، فَتَحْتَمِلُ أَنَّهُ
أَرَادَ الْفَاتِحَةَ وَمَا تَيَسَّرَ مَعَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ
نُزُولِ الْفَاتِحَةِ، لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورٌ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَنَسَخَهُ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ بِهَا، وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنَّ
مَنْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ كَانَ مُسِيئًا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ السُّوَرِ انظر
المغني(1\344)
فوائد 1- هل
يقرأ المأموم فاتحة الكتاب خلف الإمام في الصلاة الجهرية
قلت : تنازع
العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال ؟
القول الأول: أَنْ لَا يُقْرَأَ
خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ فَيَقُولُونَ إِنَّ الْقِرَاءَةَ
خلف الامام مكروهة كراهة تحريم انظر تحفة الأحوذي (2/
204) وحجتهم: 1 - عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ، فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ
"رواه أحمد (14643) سيأتي تخريجه والرد عليهم
2 - أن قراءة الفاتحة ليست بواجبة أصلاً -عندهم- فلم
تجب على المأموم!! وهو مردود كما لا يخفى.
القول الثاني: يقرأ في السرية دون الجهرية، وهو مذهب الجمهور: قال
ابن قدامة وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا كَانَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ،
وَلَا تُسْتَحَبُّ عِنْدَ إمَامِنَا –أحمد-، وَالزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ،
وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.وَهَذَا
أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَنَحْوُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
وَجَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. انظر المغني (1/403) واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. وحجة هذا القول: 1 - قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وأجيب : فهذا عام مخصوص بغير
الفاتحة ، بمعنى أنه يجب الإنصات لقراءة الإمام القرآن في الصلاة إلا إذا كان
المأموم يقرأ الفاتحة فقط ، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لَا
تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ
يَقْرَأْ بِهَا ) وكان ذلك في صلاة الفجر ، وهي صلاة جهرية كما هو معلوم . فيكون المأموم مأمور
بالإنصات إلا عن قراءة الفاتحة
في تحفة الأحوذي (2/206) أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا يُوجِبُ سُكُوتَ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قِرَاءَةِ
الْإِمَامِ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَوْلَهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَخَصُّ
مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَثَبَتَ أَنَّ تَخْصِيصَ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ
لَازِمٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى تَخْصِيصِ هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهَذَا
السُّؤَالُ حَسَنٌ اهـ
2 - حديث: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا [وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا]» رواه مسلم (404)
قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي
فَتْحِ الْبَارِي وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَالْمَالِكِيَّةِ
بِحَدِيثِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ
بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَيُنْصِتُ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةَ أَوْ يُنْصِتُ إِذَا قَرَأَ
الْإِمَامُ وَيَقْرَأُ إِذَا سَكَتَ وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ
وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ يَحْتَمِلُ سِوَى الْفَاتِحَةِ وَإِنْ قَرَأَ فِيمَا سَكَتَ الْإِمَامُ
وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُفْتِي بَعْدَ
وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ
الْكِتَابِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ جَهْرِيَّةً كَانَتْ أَوْ سِرِّيَّةً
وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا أَيْضًا انظر تحفة الأحوذي (2/210)
3- عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ، فَقِرَاءَتُهُ
لَهُ قِرَاءَةٌ "رواه أحمد (14643) ضعف هذا الحديث ابن حجر قلت : بل هو حديث حسن
بشواهده وحسنه الألباني وشعيب الأرنؤوط وأجيب عن هذا الحديث :
قال الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ
فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ فَلَوْ ثَبَتَ الخبر أن كِلَاهُمَا لَكَانَ هَذَا مسْتَثْنًى
مِنَ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ لَا يَقْرَأَنَّ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ
مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ جُمْلَةً وَقَوْلُهُ
إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُسْتَثْنًى مِنَ الْجُمْلَةِ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ثُمَّ قَالَ
فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ إِلَّا الْمَقْبُرَةَ وَمَا اسْتَثْنَاهُ مِنَ الْأَرْضِ وَالْمُسْتَثْنَى
خَارِجٌ مِنَ الْجُمْلَةِ وَكَذَلِكَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ خَارِجٌ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ
كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ مَعَ انْقِطَاعِهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَحَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ
هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا عَدَا الْفَاتِحَةِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ قال لعلكم
تقرأون خَلْفَ إِمَامِكُمْ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَبِهَذَا يَجْمَعُ
الْأَدِلَّةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْقِرَاءَةِ وَالنَّافِيَةَ انْتَهَى انظر تحفة الأحوذي (2/210)
4 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ
فَقَالَ: «هَلْ قَرَأَ مَعِيَ أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟»، فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ، يَا
رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنِّي أَقُولُ مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟»، قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ
عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ مِنَ الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه أبو داود (826) وصححه الألباني قلت : قول فَانْتَهَى النَّاسُ إلى أخر الحديث من قول أبي
هريرة وليست مدرجة كما رجح ذلك ابن القيم ، والعلامة أحمد شاكر والألباني انظر صحيح أبي داود (3/ 416)
وَالْحَدِيثُ قَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ لْإِمَامِ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وأجيب قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ
بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَهُوَ
خَارِجٌ عَنْ مَحِلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي قِرَاءَةِ الْمُؤْتَمِّ خَلْفَ
الْإِمَامِ سِرًّا وَالْمُنَازَعَةُ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ جَهْرِ الْمُؤْتَمِّ لَا
مَعَ إسْرَارِهِ. وَأَيْضًا لَوْ سَلِمَ دُخُولُ ذَلِكَ فِي الْمُنَازَعَةِ كَانَ هَذَا
الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي لِلْإِنْكَارِ عَامًّا لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ أَوْ مُطْلَقًا
فِي جَمِيعِهِ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ خَاصًّا وَمُقَيَّدًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ
عَنْ ذَلِكَ انظر نيل الأوطار (2/ 252)
القول الثالث: يقرأ في السرية
والجهرية ولابد، وهو مذهب الشافعي -في الجديد- واللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ
عَوْنٍ وَمَكْحُولٍ،وَأَبِي ثَوْرٍ انظر المغني (1/403) وابن حزم، واختاره
الشوكاني وابن عثيمين
وهو الراجح، لما يلي:
1 - عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ
بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ رواه البخاري (756) ومسلم (394)
2- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: صَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ القِرَاءَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:
«إِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ»، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِي وَاللَّهِ،
قَالَ: «لَا
تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ
بِهَا» رواه الترمذي (311) قلت : هذا الحديث ضعفه الألباني في سنن أبي داود وصححه في أصل صفة
صلاة النبي صل الله عليه وسلم وهو الراجح أنه حديث صحيح صححه البخاري وابن حبان وحسنه الترمذي والدَّارَقُطْنِيّ انظر المحرر في الحديث (1/ 188)
وصححه البيهقي والخطابي انظرخلاصة الأحكام (1/ 375) وحسنه النووي وابن حجر وصححه شعيب الأرنؤوط
ويشهد له الحديث الأتي
3- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
عَائِشَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ
خَلْفَ الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ "، قَالُوا:
إِنَّا لَنَفْعَلُ ذَلِكَ، قَالَ: " فَلَا تَفْعَلُوا، إِلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُكُمْ
بِأُمِّ الْكِتَاب رواه أحمد (20600) وصححه الألباني وحسنه ابن حجر قلت : هذا
الحديث وما قبله نص في
وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية. سئل ابن عثيمين رحمه
الله : ما حكم قراءة الفاتحة
في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله:
اختلف العلماء في قراءة الفاتحة على أقوال متعددة:القول الأول: أن الفاتحة لا تجب لا على الإمام، ولا المأموم، ولا المنفرد، لا
في الصلاة السرية، ولا الجهرية، وأن الواجب قراءة ما تيسر من القرآن ويستدلون بقول
الله تعالى في سورة المزمل: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) . وبقول
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل: "اقرأ ما تيسر معك من
القرآن" القول الثاني: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام، والمأموم،
والمنفرد، في الصلاة السرية والجهرية، وعلى المسبوق وعلى الداخل في جماعة من أول
الصلاة.
القول الثالث: أن قراءة
الفاتحة ركن في حق الإمام والمنفرد، وليست واجبة على المأموم مطلقاً لا في السرية،
ولا في الجهرية.
القول الرابع: أن قراءة الفاتحة
ركن في حق الإمام والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، وركن في حق المأموم في
الصلاة السرية دون الجهرية. والراجح عندي: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام،
والمأموم، والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، إلا المسبوق إذا أدرك الإمام
راكعاً فإن قراءة الفاتحة تسقط عنه في هذه الحال، ويدل لذلك عموم قول النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ». وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرأْ فِيهَا بأم القرآن ، فَهِيَ خِدَاجٌ» -
بمعنى فاسدة - وهذا عام، ويدل لذلك أيضاً حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ من صلاة الصبح فقال لأصحابه: لعلكم تَقْرَءُونَ خلف إِمَامِكُمْ»، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ
لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» ، وهذا نص في الصلاة الجهرية.
وأما سقوطها عن المسبوق
فدليله: حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ راكعاً، فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف، ثم دخل في الصف، فلما انصرف
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته سأل عمن فعل ذلك، فقال أبو
بكرة: أنا يا رسول الله، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ»
، فلم يأمره النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإعادة الركعة التي أسرع من أجل ألا تفوته، ولو
كان ذلك واجباً عليه لأمره به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما أمر
الذي يصلي بلا طمأنينة أن يعيد صلاته، هذا من جهة الدليل الأثري. أما من جهة
الدليل النظري فنقول:
إن هذا الرجل المسبوق لم
يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة، فلما لم يدرك المحل سقط ما يجب فيه، بدليل
أن الأقطع الذي تقطع يده لا يجب عليه أن يغسل العضد بدل الذراع، بل يسقط عنه الفرض
لفوات محله، كذلك تسقط قراءة الفاتحة على من أدرك الإمام راكعاً؛ لأنه لم يدرك
القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة، وإنما سقط عنه القيام هنا من أجل متابعة الإمام
فهذا القول عندي هو الصحيح، ولولا حديث عبادة بن الصامت الذي أشرت إليه قبل قليل -
وهو أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انصرف من صلاة الصبح - لولا هذا
لكان القول بأن قراءة الفاتحة لا تجب على المأموم في الصلاة الجهرية هو القول
الراجح؛ لأن المستمع كالقارئ في حصول الأجر، ولهذا قال الله تعالى لموسى: (قَدْ
أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) ، مع أن الداعي موسى وحده، قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى
رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ
عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا
الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) . فهل ذكر الله لنا أن هارون دعا؟ فالجواب لا، ومع ذلك
قال: (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) . قال العلماء في توجيه التثنية بعد الإفراد:
إن موسى كان يدعو وهارون كان يؤمن. وأما حديث أبي هريرة الذي فيه: «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» فلا
يصح؛ لأنه مرسل كما قاله ابن كثير في مقدمة تفسيره، ثم إن هذا الحديث على إطلاقه
لا يقول به من استدل به، فإن الذين استدلوا به بعضهم يقول: إن المأموم تجب عليه
القراءة في الصلاة السرية فلا يأخذون به على الإطلاق. ...فإن قيل: إذا كان الإمام لا يسكت فمتى يقرأ
المأموم الفاتحة؟فنقول: يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ؛ لأن الصحابة كانوا يقرءون مع
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقرأ، فقال: "لا تفعلوا إلا
بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" انظر مجموع فتاوى (13/ 119)
2- قال ابن قدامة رحمه
الله : وَيَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ،
وَالشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ
الصَّلَاةِ. وَنَحْوُهُ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِمَا
رُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ،
وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَوْ وَجَبَتْ فِي بَقِيَّةِ
الرَّكَعَاتِ، لَسُنَّ الْجَهْرُ بِهَا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، كَالْأُولَيَيْنِ.
وَعَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ إنْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَجْزَأَهُ؛ لِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] .
وَعَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ
إنْ قَرَأَ فِي ثَلَاثٍ، أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهَا مُعْظَمُ الصَّلَاةِ. وَلَنَا، مَا
رَوَى أَبُو قَتَادَةَ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ،
وَيُطَوِّلُ الْأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا،
وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ «.
وَقَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. 00وَلِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ
كَيْفَ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الْأُولَى، ثُمَّ قَالَ: (وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك
كُلِّهَا) .
فَيَتَنَاوَلُ الْأَمْرَ
بِالْقِرَاءَةِ. 00 وَحَدِيثُ عَلِيٍّ يَرْوِيهِ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ، قَالَ الشَّعْبِيُّ:
كَانَ كَذَّابًا. ثُمَّ هُوَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ. وَقَدْ خَالَفَهُ عُمَرُ، وَجَابِرٌ،
وَالْإِسْرَارُ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ؛ بِدَلِيلِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
انظر المغني (1/350)
3- وَلَا تُجْزِئُهُ الْقِرَاءَةُ
بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا إبْدَالُ لَفْظِهَا بِلَفْظٍ عَرَبِيٍّ، سَوَاءٌ أَحْسَنَ
قِرَاءَتَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ لَمْ يُحْسِنْ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ:
أَنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:
19] . وَلَا يُنْذَرُ كُلُّ قَوْمٍ إلَّا بِلِسَانِهِمْ وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] .
وقَوْله تَعَالَى: {بِلِسَانٍ
عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195]
انظر المغني (1/350)
4- يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ عَقِيبَ قِرَاءَةِ
الْفَاتِحَةِ سَكْتَةً يَسْتَرِيحُ فِيهَا، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَنْ خَلْفَهُ الْفَاتِحَةَ،
كَيْ لَا يُنَازِعُوهُ فِيهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ،
وَإِسْحَاقَ. وَكَرِهَهُ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. –. انظر المغني (1/ 354)
قلت : قول الشافعي هو الراجح والدليل : عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ " كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَتَيْنِ: إِذَا اسْتَفْتَحَ
وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا رواه أبو داود (778) قلت : ضعفه الألباني ولكن الصحيح أنه حديث
صحيح صححه ابن خزيمة (1578) وابن حبان (1807) وصححه
الحاكم 1/215، ووافقه الذهبي وابن القيم وحسنه ابن حجر وقال الترمذي في سننه (251)حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ قَوْلُ
غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: يَسْتَحِبُّونَ لِلإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَمَا
يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ وَبَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ القِرَاءَةِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ،
وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُنَا
قال الألباني في ضعيف أبي داود (1/ 299)
إسناده ضعيف؛ لأن الحسن- وهو البصري- على جلالة قدره مدلس، ولم يصرح بسماعه لهذا الحديث
من سمرة قلت : أما تدليسه فعده ابن حجر في الطبقات
في المرتبة الثانية، وذكر ابن حجر أن هذه الطبقة احتمل الأئمة تدليسها، وأخرجوا
لها في الصحيح لإمامتها لكون بعضها قليل التدليس، وكون بعضها لا يدلس إلا عن ثقة قلت :أما سماعه من سمرة فقد سمع الحسن البصري
رحمه الله من سمرة فالمثبت ارجح من النافي
قَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْكَبِير»
: قَالَ لي عَلّي - يَعْنِي ابْن الْمَدِينِيّ - سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح وَأخذ
بحَديثه: «من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ» . وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : احْتج
البُخَارِيّ بالْحسنِ عَن سَمُرَة، وَقَالَ فِيهِ فِي كتاب الصَّلَاة: لَا يتَوَهَّم
متوهم أَن الْحسن لم يسمع من سَمُرَة، فقد سمع مِنْهُ، وَصحح أَحَادِيثه مِنْهَا حَدِيثه
فِي الْبَسْمَلَة الْمَشْهُور (أَنه ضبط عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم
- سكتتين: سكتة إِذا كبر، وسكتة إِذا فرغ من قِرَاءَته عِنْد رُكُوعه» . وَقَالَ فِيهِ:
إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي (الاستذكار) لِابْنِ عبد الْبر: قَالَ
التِّرْمِذِيّ: قلت للْبُخَارِيّ فِي قَوْلهم: لم يسمع الْحسن من سَمُرَة إِلَّا حَدِيث
الْعَقِيقَة، قَالَ: سمع مِنْهُ أَحَادِيث كَثِيرَة، وَجعل رِوَايَته عَنهُ سَمَاعا
وصححها، وَفِيه أَيْضا قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت البُخَارِيّ عَن حَدِيث «من قتل
(عَبده) قَتَلْنَاهُ» . فَقَالَ: كَانَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول بِهِ، وَأَنا
أذهب إِلَيْهِ، وَسَمَاع الْحسن من سَمُرَة عِنْدِي صَحِيح.وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي
(بَاب) مَا جَاءَ فِي صَلَاة الْوُسْطَى من «جَامعه» : قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ:
سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح.00 قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» وَقَول
عَلّي بن الْمَدِينِيّ: إِن أَحَادِيث سَمُرَة صِحَاح (يَعْنِي) أَنه قد سَمعهَا (مِنْهُ
مقدم) عَلَى قَول يَحْيَى بن سعيد: إِن أَحَادِيثه عَنهُ كتاب، وَعَلَى قَول ابْن حبَان:
إِنَّه لم يشافه سَمُرَة. قلت: وَصحح التِّرْمِذِيّ حَدِيثه فِي غير مَا مَوضِع:
انظرالبدر المنير (4/ 69) وقال مسلم: ((سمع أبا بكرة وأنس بن مالك وسمرة))
((الكنى))، 1/ 357 (1293). وكذا صحح غير واحد من الأئمة سماعه منه، منهم: ابن خزيمة،
وابن الجارود، ، والطحاوي.وقال ابن حجر :
" لقد سمع الحسن من سمرة في الجملة " تهذيب التهذيب 2\270
فإن قيل إذ كان الإمام لا
يسكت فمتى يقرأ المأموم الفاتحة فنقول: يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ، فقال: ((لا تفعلوا
إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)) انظر فتاوى أركان الإسلام لابن عثيمين (1/322)
5- وَأَقَلُّ
مَا يُجْزِئُ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ، يُسْمِعُهَا نَفْسَهُ، أَوْ يَكُونُ بِحَيْثُ
يَسْمَعُهَا لَوْ كَانَ سَمِيعًا، كَمَا قُلْنَا فِي التَّكْبِيرِ، فَإِنَّ مَا دُونَ
ذَلِكَ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُرَتَّلَةً مُعْرَبَةً،
يَقِفُ فِيهَا عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ، وَيُمَكِّنُ حُرُوفَ الْمَدِّ وَاللِّينِ، مَا لَمْ
يُخْرِجْهُ ذَلِكَ إلَى التَّمْطِيطِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلا} [المزمل: 4] . وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، «أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ
آيَةً آيَةً: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي
(مُسْنَدِهِ) وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَدًّا ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ.» أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ. فَإِنْ انْتَهَى ذَلِكَ إلَى التَّمْطِيطِ وَالتَّلْحِينِ كَانَ مَكْرُوهًا؛
لِأَنَّهُ رُبَّمَا جَعَلَ الْحَرَكَاتِ حُرُوفًا. قَالَ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي مِنْ
قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ السَّهْلَةُ.وَقَالَ: قَوْلُهُ: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ»
قَالَ: يُحَسِّنُهُ بِصَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ. وَقَدْ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ:
" أَحْسَنُ النَّاسِ قِرَاءَةً، مَنْ إذَا سَمِعْتَ قِرَاءَتَهُ رَأَيْتَ أَنَّهُ
يَخْشَى اللَّهَ "- صححه الألباني في الصحيحة (1583) - وَرُوِيَ: (إنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ، فَاقْرَءُوهُ بِحُزْنٍ) – ضعفه الألباني في
الضعيفة (6511) - انظر المغني (1/349)
6- يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مُرَتَّبَةً مُشَدَّدَةً، غَيْرَ مَلْحُونٍ فِيهَا لَحْنًا
يُحِيلُ الْمَعْنَى، فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا، أَوْ شَدَّةً مِنْهَا، أَوْ لَحَنَ
لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى، مِثْلُ أَنْ يَكْسِرَ كَافَ (إيَّاكَ) ، أَوْ يَضُمَّ
تَاءَ (أَنْعَمْتَ) ، أَوْ يَفْتَحَ أَلِفَ الْوَصْلِ فِي (اهْدِنَا) ، لَمْ يَعْتَدَّ
بِقِرَاءَتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ غَيْرِ هَذَا. ذَكَرَ الْقَاضِي نَحْوَ
هَذَا فِي (الْمُجَرَّدِ) ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي
(الْجَامِعِ) : لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ شَدَّةٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي خَطِّ
الْمُصْحَفِ، هِيَ صِفَةٌ لِلْحَرْفِ، وَيُسَمَّى تَارِكُهَا قَارِئًا.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛
لِأَنَّ الْحَرْفَ الْمُشَدَّدَ أُقِيمَ مَقَامَ حَرْفَيْنِ، بِدَلِيلِ أَنَّ شَدَّةَ
رَاءِ (الرَّحْمَنِ) أُقِيمَتْ مَقَامَ اللَّازِمِ، وَشَدَّةَ لَامِ (الَّذِينَ) أُقِيمَتْ
مَقَامَ اللَّازِمِ أَيْضًا، فَإِذَا أَخَلَّ بِهَا أَخَلَّ بِالْحَرْفِ وَمَا يَقُومُ
مَقَامَهُ، وَغَيَّرَ الْمَعْنَى، إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ أَظْهَرَ الْمُدْغَمَ،
مِثْلُ مَنْ يَقُولُ " الرَّحْمَنِ " مُظْهِرًا لِلَّامِ، فَهَذَا تَصِحُّ
صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْإِدْغَامَ، وَهُوَ مَعْدُودٌ لَحْنًا لَا يُغَيِّرُ
الْمَعْنَى.قَالَ: وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ، أَنَّهُ إذَا لَيَّنَهَا، وَلَمْ
يُحَقِّقْهَا عَلَى الْكَمَالِ، أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا
يُحِيلُ الْمَعْنَى، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. وَلَعَلَّهُ إنَّمَا أَرَادَ
فِي (الْجَامِعِ) هَذَا الْمَعْنَى، فَيَكُونُ قَوْلُهُ مُتَّفِقًا. وَلَا يُسْتَحَبُّ
الْمُبَالَغَةُ فِي التَّشْدِيدِ، بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ حَرْفٍ سَاكِنٍ؛ لِأَنَّهَا
فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أُقِيمَتْ مَقَامَ حَرْفٍ سَاكِنٍ؛ فَإِذَا زَادَهَا عَلَى ذَلِكَ
زَادَهَا عَمَّا أُقِيمَتْ مَقَامَهُ، فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. وَفِي (بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ثَلَاثُ شَدَّاتٍ، وَفِيمَا عَدَاهَا إحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً،
بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ
انظر المغني (1/348)
وقال ابن تيمية رحمه
الله : أَمَّا اللَّحْنُ فِي الْفَاتِحَةِ الَّذِي لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى فَتَصِحُّ
صَلَاةُ صَاحِبِهِ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وَالضَّالِّينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا قُرِئَ بِهِ مَثَلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبَّ وَرَبِّ وَرَبُّ. وَمِثْلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالْحَمْدِ لِلَّهِ بِضَمِّ الْدَّالِ
أَوْ بِكَسْرِ الدَّالِ. وَمِثْلُ عَلَيْهِمُ وعليهم وعليهُمُ. وَأَمْثَالُ ذَلِكَ
فَهَذَا لَا يُعَدُّ لَحْنًا. وَأَمَّا اللَّحْنُ الَّذِي يُحِيلُ الْمَعْنَى: إذَا
عَلِمَ صَاحِبُهُ مَعْنَاهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}
وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ
لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُحِيلُ الْمَعْنَى وَاعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ
فَفِيهِ نِزَاعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انظر مجموع الفتاوى (22/443)
7- سئل ابن تيمية رحمه الله : عَنْ رَجُلٍ يُصَلِّي بِقَوْمِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِقِرَاءَةِ الشَّيْخِ
أَبِي عَمْرٍو فَهَلْ إذَا قَرَأَ لِوَرْشِ أَوْ لِنَافِعِ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ.
مَعَ حَمْلِهِ قِرَاءَتَهُ لِأَبِي عَمْرٍو يَأْثَمُ أَوْ تَنْقُصُ صَلَاتُهُ أَوْ
تُرَدُّ؟
فَأَجَابَ:يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ
بَعْضَ الْقُرْآنِ بِحَرْفِ أَبِي عَمْرٍو وَبَعْضَهُ بِحَرْفِ نَافِعٍ وَسَوَاءٌ كَانَ
ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَوْ دَاخِلَهَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انظر مجموع الفتاوى (22/445)
8- إذا لم يحسن قراءة
الفاتحة :
عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - علم رجلا الصلاة فقال- فَإِنْ كَانَ
مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ»
رواه أبو داود (861) قال الألباني في صحيح أبي داود (4/11) (قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري،
وقال الترمذي: " حديث حسن ، وقال ابن عبد البر: هذا حديث ثابت "، وصححه ابن
خزيمة) وثبت بيان صفة ذلك الذكر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: جَاءَ
رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ
أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ، قَالَ:
" قُلْ: سُبْحَانَ
اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا
حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ رواه أبو داود (832) وصححه الدارقطني والحاكم والذهبي وحسنه
الألباني انظر صحيح أبي داود(3/421)
قَالَ الخطابي الأصل أن بالصلاة
لا تجزىء إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَعْقُولٌ أَنَّ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ
الْكِتَابِ عَلَى مَنْ أَحْسَنَهَا دُونَ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا فَإِذَا كَانَ الْمُصَلِّي
لَا يُحْسِنُهَا وَيُحْسِنُ غَيْرَهَا مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ
مِنْهَا قَدْرَ سَبْعِ آيَاتٍ لِأَنَّ أَوْلَى الذِّكْرِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَا كَانَ
مِثْلًا لَهَا مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ رَجُلًا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ
شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ لِعَجْزٍ فِي طَبْعِهِ أَوْ سُوءِ حِفْظٍ أَوْ عُجْمَةِ لِسَانٍ
أَوْ آفَةٍ تَعْرِضُ لَهُ كَانَ أَوْلَى الذِّكْرِ بَعْدَ الْقُرْآنِ مَا عَلَّمَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ
وَالتَّهْلِيلِ انظر معالم السنن (1/207)
عاشرا : ثم يقول آمين ؟
وَمَعْنَى " آمِينَ
" اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِي. قَالَهُ الْحَسَنُ.
وَلَا يَجُوزُ التَّشْدِيدُ
فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يُحِيلُ مَعْنَاهَا، فَيَجْعَلُهُ بِمَعْنَى قَاصِدِينَ، كَمَا قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] .انظر المغني
(1/353)
فوائد :
1- ما حكم التأمين
قلت : تنازع العلماء في
ذلك على أربعة أقوال ؟
القول الأول : أَنَّ التَّأْمِينَ عِنْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ سُنَّةٌ لِلْإِمَامِ
وَالْمَأْمُومِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ
الثَّوْرِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو
خَيْثَمَةَ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. انظر المغني (1/352)
القول الثاني : ذَهَبَ مَالِكٌ
إلَى أَنْ يَقُولَ الْمَأْمُومُ " آمِينَ " وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ
انظر المحلى (2/ 295) ودليله : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا:
آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ رواه البخاري (782) ومسلم (410) قالوا : وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقُولُهَا.
القول الثالث :التأمين
واجب على الإمام والمأموم والمنفرد مطلقا ، جهرا في الجهرية وسرا في السرية
القول الرابع : وقال ابن
حزم رحمه الله : وَقَوْلُ الْمَأْمُومِ " آمِينَ " إذَا قَالَ الْإِمَامُ
{وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَرْضٌ؛ وَإِنْ قَالَهُ الْإِمَامُ فَهُوَ حَسَنٌ
وَسُنَّةٌ انظر المحلى (2/ 286) ودليلهم : ظاهر هذا الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ، فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ
المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رواه البخاري (780) ومسلم (410)
قلت : هذا الأمر صرف
للاستحباب بحديث المسيء في صلاته لم يذكر
فيه التأمين فالقول الراجح أن التأمين سنه للإمام والمأموم والمنفرد
والله أعلم
في اللجنة الدائمة (6/ 424)
قالوا : حكم قول: آمين، بعد قول الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} أنه سنة للإمام والمأموم والمنفرد، روي ذلك عن ابن
عمر وابن الزبير، وبه قال الثوري وعطاء والشافعي ويحيى ابن يحيى وإسحاق وأبو خيثمة
وابن أبي شيبة وسليمان بن داود وأصحاب الرأي، والأصل في ذلك ما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قال: رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ، فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ
المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ متفق عليه.
وروى وائل بن حجر «أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا قال: قال: «آمِينَ»، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» ، رواه أبو داود – (932) وصححه الحافظ، وقال الترمذي: " حديث حسن
"، وصححه الدارقطني والألباني -ورواه الترمذي وقال: « وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ » -صححه الألباني- وقال فيه: حديث حسن.وروى الإمام
أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] ، فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ : آمِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ،
فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ » -
صححه الألباني - الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز
تنبيه : في نيل الأوطار
(2/259) قال الشوكاني : وحَكَى الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ جَمِيعًا
أَنَّ التَّأْمِينَ بِدْعَةٌ وَقَدْ عَرَفْت ثُبُوتَهُ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- مِنْ فِعْلِهِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فِي كُتُبِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَكَى السَّيِّدُ الْعَلَامَةُ
الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ عَنْ الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُطَهَّرِ وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّتِهِمْ الْمَشَاهِيرِ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ
الرِّيَاضُ النَّدِيَّةُ أَنَّ رُوَاةَ التَّأْمِينِ جَمٌّ غَفِيرٌ. قَالَ: وَمَذْهَبُ
زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَحْمَدَ بْنِ عِيسَى انْتَهَى
وَقَدْ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ
الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ التَّأْمِينَ بِدْعَةٌ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ
السُّلَمِيُّ «أَنَّ هَذِهِ صَلَاتُنَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ»
- رواه مسلم 33 -
(537)- وَلَا يُشَكُّ أَنَّ
أَحَادِيثَ التَّأْمِينِ خَاصَّةٌ وَهَذَا عَامٌّ فَإِنْ كَانَتْ أَحَادِيثُهُ الْوَارِدَةُ
عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا عَلَى تَخْصِيصِ حَدِيثِ
وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّهَا مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ الْقَاضِيَةِ
بِمَشْرُوعِيَّةِ مُطْلَقِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ التَّأْمِينَ دُعَاءٌ
فَلَيْسَ فِي الصَّلَاةِ تَشَهُّدٌ، وَقَدْ أَثْبَتَتْهُ الْعِتْرَةُ فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ
فِي إثْبَاتِهِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِكَلَامِ
النَّاس فِي الْحَدِيثِ هُوَ تَكْلِيمُهُمْ لِأَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرِ كَلَّمَ لَا تَكَلَّمَ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ. وَأَمَّا الْقَدْحُ
فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّأْمِينِ بِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَهُوَ
ثَابِتٌ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ
مَرْوِيٌّ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ فِي الْجَامِعِ
الْكَافِي عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ آمِينَ لَيْسَتْ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ
فَهَذِهِ كُتُبُ اللُّغَةِ بِأَجْمَعِهَا عَلَى ظَهْرِ الْبَسِيطَةِ اهـ
2- وَيُسَنُّ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ
فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ، وَإِخْفَاؤُهَا فِيمَا يُخْفِي فِيهِ. وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: يُسَنُّ إخْفَاؤُهَا؛
لِأَنَّهُ دُعَاءٌ. فَاسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ كَالتَّشَهُّدِ.
وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: آمِينَ. وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» -
رواه أبو داود وقال الألباني في صحيح أبي داود (863) (قلت: وإسناده صحيح، وكذا قال الحافظ، وقال الترمذي:
" حديث
حسن "، وصححه الدارقطني)
- قال ابن قدامة : وَلِأَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالتَّأْمِينِ عِنْدَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ،
فَلَوْ لَمْ يَجْهَرْ بِهِ لَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ، كَحَالَةِ الْإِخْفَاءِ. وَمَا
ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِآخِرِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ دُعَاءٌ وَيُجْهَرُ بِهِ، وَدُعَاءُ
التَّشَهُّدِ تَابِعٌ لَهُ. فَيَتْبَعُهُ فِي الْإِخْفَاءِ، وَهَذَا تَابِعٌ لِلْقِرَاءَةِ
فَيَتْبَعُهَا فِي الْجَهْرِ. انظر المغني (1\ 353)
قال ابن القيم رحمه الله
:
السُّنَّةِ الْمُحْكَمَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْجَهْرِ بِآمِينَ فِي الصَّلَاةِ
كَقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ
وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»
وَلَوْلَا جَهْرُهُ بِالتَّأْمِينِ لَمَا أَمْكَنَ الْمَأْمُومُ أَنْ يُؤَمِّنَ مَعَهُ
وَيُوَافِقَهُ فِي التَّأْمِينِ، وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا 00عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ
قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ وَلَا
الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» وَفِي لَفْظٍ: «وَطَوَّلَ بِهَا»
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ثم قال قَالَ الرَّبِيعُ:
سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ: هَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِآمِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ،
وَيَرْفَعُ بِهَا مَنْ خَلْفَهُ أَصْوَاتَهُمْ، فَقُلْت: وَمَا الْحُجَّةُ؟ فَقَالَ:
أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهِ،
ثُمَّ قَالَ: فَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ الْإِمَامَ
أَنْ يَجْهَرَ بِآمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْ خَلْفَهُ لَا يَعْرِفُونَ وَقْتَ تَأْمِينِهِ
إلَّا بِأَنْ يَسْمَعَ تَأْمِينَهُ انظر إعلام الموقعين (2/ 285)
سئلت اللجنة الدائمة (6/ 423)
س إن الإسلام بني على أربعة مذاهب، وأهل نجران لا يؤمنون إذا انتهى الإمام من قراءة
الفاتحة في الصلاة؛ بدعوى أنهم يعملون بمذهب الحنفية وأن المكرمي منهم لا يصلي جماعة
إلا بإذن من زعيمهم علي المكرمي؟
ج: أولا: إن الدين عند الله
الإسلام، وإن أحكامه مبنية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما تفرع عنهما
من الأدلة، وأما أئمة المذاهب الأربعة المشهورة وغيرهم من مجتهدي العلماء المسلمين
فإنهم يأخذون الأحكام من هذه الأدلة بقدر ما آتاهم الله من علم وفهم في الدين، وكل
منهم يؤخذ من قوله ما أصاب فيه ويرد عليه ما أخطأ فيه من الأحكام، والذي يفصل في ذلك
ويبين الخطأ من الصواب هو الكتاب والسنة وما يرجع إليهما من الأدلة الصحيحة.
ثانيا: شرع رسول الله صلى
الله عليه وسلم التأمين بعد قراءة الفاتحة في الصلاة بقوله وفعله، وذلك فيما رواه
البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « " إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ، فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ
تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »- متفق عليه - وفيما رواه أبو داود والترمذي عن وائل بن حجر
رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قال: «آمِينَ»، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» ، -رواه أبو داود (932) وصححه الحافظ، وقال الترمذي: " حديث حسن وصححه
الألباني -
وعمل بذلك جمهور العلماء ومنهم الحنفية، إلا أن الحنفية
لا يجهرون بالتأمين والحديث حجة عليهم في الجهر في القراءة الجهرية.
ثالثا: أداء الصلوات الخمس
المكتوبة مع الجماعة واجب على الصحيح من أقوال العلماء ولا يتوقف أداؤها في الجماعة
على إذن من أحد من البشر لا علي المكرمي ولا غيره.وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا
محمد وآله وصحبه وسلم.
3- فَصْلٌ: فَإِنْ نَسِيَ
الْإِمَامُ التَّأْمِينَ أَمَّنَ الْمَأْمُومُ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ؛ لِيُذَكِّرَ الْإِمَامَ،
فَيَأْتِيَ بِهِ، لِأَنَّهُ سُنَّةٌ قَوْلِيَّةٌ إذَا تَرَكَهَا الْإِمَامُ أَتَى بِهَا
الْمَأْمُومُ، كَالِاسْتِعَاذَةِ، وَإِنْ أَخْفَاهَا الْإِمَامُ جَهَرَ بِهَا الْمَأْمُومُ؛
لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ تَرَكَ التَّأْمِينَ نِسْيَانًا، أَوْ عَمْدًا، حَتَّى شَرَعَ
فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ، لَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا
انظر المغني (1\ 353)
4- سئل ابن باز : هل يجوز
ترك الجهر بالتأمين في الصلاة، وعدم رفع اليدين؟ ج: نعم، إذا كان بين أناس لا
يرفعون، ولا يجهرون بالتأمين، فالأولى أن لا يفعل تأليفا لقلوبهم، حتى يدعوهم إلى الخير،
وحتى يعلمهم ويرشدهم، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا؛
لأنهم يرون أن هذا هو الدين، يرون أن عدم رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام يرون
أنه هو الدين وعاشوا عليه مع علمائهم، وهكذا عدم الجهر بالتأمين، وهو خلاف مشهور بين
أهل العلم، منهم من قال يجهر، ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين، وقد جاء في الحديث أنه
صلى الله عليه وسلم رفع صوته، وفي بعضها أنه خفض صوته، وإن كان الصواب أنه يستحب الجهر
بالتأمين، وهو شيء مستحب، ويكون ترك أمرا مستحبا، فلا يفعل مؤمن مستحبا يفضي إلى انشقاق
وخلاف وفتنة، بل يترك المؤمن المستحب، والداعي إلى الله عز وجل، إذا كان يترتب على
تركه مصالح أعظم، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة، وبناءها على
قواعد إبراهيم، قال: لأن قريشا حديثو عهد بكفر، ولهذا تركها على حالهاولم يغير عليه
الصلاة والسلام للمصلحة العامة انظر مجموع فتاوى (29/
274)
5- قال النووي رحمه الله
: فِي هَذِه الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّأْمِينِ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ لِلْإِمَامِ
وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ
مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لقوله صلى الله عليه وسلم وإذا
قال وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ وَأَمَّا رِوَايَةُ إِذَا أَمَّنَ فَأَمِّنُوا
فَمَعْنَاهَا إِذَا أَرَادَ التَّأْمِينَ انظر شرح مسلم ((4/130) في اللجنة
الدائمة (5\350) ذهب جمهور أهل العلم إلى أن المأموم يوافق الإمام في التأمين مفسرين قوله في الحديث: «إذا أمن الإمام
فأمنوا » أي: إذا أراد التأمين، ويؤيد ذلك ما ثبت في (الصحيحين) أيضا من حديث أبى هريرة
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام فقولوا: آمين،
فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه اهـ
6- قال ابن كثير رحمه الله
: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهَا: آمِينَ 000قَالَ
أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ خَارِجُ الصَّلَاةِ،
وَيَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ الْمُصَلِّي، وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إِمَامًا أَوْ
مَأْمُومًا، وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَال انظر تفسير ابن كثير (1/144) قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" قول (آمين) بعد الفاتحة ليست من آيات الفاتحة وإنما هي دعاء بمعنى: استجب يا ربنا، فهي سنة وليست واجبة، سنة بعد الفاتحة، يقولها القارئ في الصلاة وغيرها، يقول آمين إذا قرأ الفاتحة، يقولها الإمام، يقولها المأموم، يقولها المنفرد، في الصلاة وخارجها " انتهى
" قول (آمين) بعد الفاتحة ليست من آيات الفاتحة وإنما هي دعاء بمعنى: استجب يا ربنا، فهي سنة وليست واجبة، سنة بعد الفاتحة، يقولها القارئ في الصلاة وغيرها، يقول آمين إذا قرأ الفاتحة، يقولها الإمام، يقولها المأموم، يقولها المنفرد، في الصلاة وخارجها " انتهى
الحادي عشر : ثم يقرأ
سورة بعدها :
الراجح أن قراءة سورة
بعد الفاتحة سنة عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَسُورَتَيْنِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنَ الظُّهْرِ وَيُقَصِّرُ
الثَّانِيَةَ وَكَذَلِكَ فِي الصُّبْحِ رواه البخاري (759) ومسلم (451) قال الشوكاني رحمه الله : وَلَا
خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ مَعَ
الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ
وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ
عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ
وُجُوبَ السُّورَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ انظر نيل الأوطار
(2/ 248)
قال ابن قدامة رحمه الله : لَا نَعْلَمُ بَيْنَ
أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّهُ يُسَنُّ قِرَاءَةُ سُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ
مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ، وَيَجْهَرُ بِهَا فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْفَاتِحَةِ، وَيُسِرُّ
فِيمَا يُسِرُّ بِهَا فِيهِ. انظر المغني (1/354) قلت : أما حديث المسيء في صلاته
قال له النبي صل الله عليه وسلم ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ
اللَّهُ أَنْ تَقْرَأ حسنه الألباني سبق تخريجه فقد انصرف للاستحباب بحديث عَنْ جَابِرٍ - ذَكَرَ قِصَّةَ
مُعَاذٍ - قَالَ: وَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَتَى:
«كَيْفَ
تَصْنَعُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا صَلَّيْتَ؟» قَالَ: أَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
رواه أبو داود (793) وصححه الألباني فأقره النبي بقراءة الفاتحة فقط َ)
.
فوائد :
1- ويجوز الاختصار على
الفاتحة فقط والدليل : عَنْ جَابِرٍ - ذَكَرَ قِصَّةَ مُعَاذٍ - قَالَ: وَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَتَى: «كَيْفَ تَصْنَعُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا صَلَّيْتَ؟»
قَالَ: أَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ رواه أبو داود (793) وصححه الألباني
2- يجوز قِرَاءَة السُّورَة بَعْد الْفَاتِحَةِ فِي
الْأُولَيَيْنِ كما سبق من حديث أَبِي قَتَادَةَ وَهَلْ تُسَنُّ قِرَاءَتُهَا
فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَمْ لَا؟ يجوز أحيانا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ
يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ
- وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ
خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ رواه مسلم (452) الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ
التَّطْوِيلِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْهُ، لِأَنَّ
الْوُقُوفَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْهُ بِمِقْدَارِ خَمْسَ عَشْرَةَ
آيَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ
بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا سَبْعَ آيَاتٍ انظر نيل
الأوطار (2/263) قال في نيل الأوطار أيضا (2/ 248) وَأَمَّا السُّورَةُ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ
فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ اهـ
سئل ابن باز رحمه الله : إذا قرأت سورة بعد الفاتحة، في الركعتين الأخيرتين في الرباعية،
أو في الركعة الأخيرة من المغرب فهل علي سجود سهو؟ وماذا أقول فيه؟ جزاكم الله خيرا.
ج: ليس عليك سجود سهو، ولكن
ترك ذلك أفضل؛ ترك القراءة، ومن قرأها فلا حرج، قد ثبت حديث أبي سعيد رضي الله عنه
مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الثالثة والرابعة زيادة على الفاتحة،
وثبت عن الصديق رضي الله عنه «قرأ في الثالثة من المغرب بعد الفاتحة:» فالأمر في هذا
واسع، ولكن ترك القراءة أفضل إلا في الظهر، فلا بأس من القراءة في الثالثة والرابعة
بعض الشيء زيادة على الفاتحة، في بعض الأحيان لحديث أبي سعيد.انظر نور على الدرب
(8/ 212)
3- الثابت من هديه صل
الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الفرائض السورة كاملة فقد روى
البخاري (762) ومسلم (451) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ - يعني: يقرأ سورة في كل ركعة-) لكنه ثبت أنه صل
الله عليه وسلم قرأ في سنة الفجر بعض آيات من السور ، فهل يجوز ذلك في الفرض قياسا
على النفل ؟ فقد روى مسلم (727) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (قُولُوا آمَنَّا
بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ... ) البقرة/136. وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ (تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) آل عمران/64. قال الشوكاني فهذا الحديث
يدل على جواز قراءة بعض سورة في الركعة. نيل الأوطار 2/255.
قال ابن عثيمين رحمه
الله يجوز أن يقرأ آية أو آيتين أو أكثر مِن أثناء السُّورة. هذا؛ وإن كان الأفضل عدمه
حتى إن ابنَ القيم ذَكَرَ في «زاد المعاد» : أنه لم يُحفظ عن النبيِّ صلّى الله عليه
وسلّم أنه قرأ مِن أثناء السُّورة. ولكن يُقال: إنه قد ثَبَتَ عنه أنه كان يقرأ في
سُنَّةِ الفجر في الرَّكعةِ الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} ... } [البقرة: 136] ، وفي الثانية {قُلْ يَاأَهْلَ
الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} ... } [آل
عمران: 64] .والأصلُ أن ما ثَبَتَ في النَّفل ثَبَتَ في الفرض إلا بدليل، فالصَّحيح
أنه يجوز أن يقرأ الإنسانُ الآية أو الآيتين أو أكثر من أثناء السُّورة، ولا بأس في
ذلك في الفرض والنَّفل. انظر الشرح الممتع (3/ 241) وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا رحمه الله: لا
بأس أن يقرأ الإنسان آيةً من سورةٍ في الفريضة وفي النافلة. وربما يُستدل له أيضاً
بعموم قوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر منه) المزمل/20. لكن السنة والأفضل أن يقرأ سورة،
والأكمل أن تكون في كل ركعة، فإن شق فلا حرج أن يقسم السورة بين الركعتين اهـ الشرح
الممتع (3/104) .
4- الجمع بين السورتين في الركعة
فأكثر :
اختلف العلماء فى جمع السورتين
فى كل ركعة، فأجاز ذلك ابن عمر، وكان يقرأ بثلاث سور فى ركعة، وقرأ عثمان بن عفان،
وتميم الدارى القرآن كله فى ركعة. وكان عطاء يقرأ سورتين فى ركعة أو سورة فى ركعتين
فى المكتوبة، وقال مالك فى المختصر: لا بأس بأن يقرأ السورتين وثلاث فى ركعة، وسورة
أحب إلينا ولا يقرأ بسورة فى ركعتين، فإن فعل أجزأه، وقال مالك فى المجموعة: لا بأس
به وما هو من الشأن، وأجاز ذلك كله الكوفيون. وممن كره الجمع بين سورتين فى ركعة زيد
بن خالد الجهنى، وأبو العالية، وأبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث، وأبو عبد الرحمن
السلمى انظر شرح البخاري لابن بطال (2/ 390) قلت : الصحيح يجوز للمصلي أن يقرأ بعد فاتحة الكتاب بسورتين أو أكثر في
الركعة الواحدة عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: قَرَأْتُ المُفَصَّلَ
اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ: «هَذًّا كَهَذِّ
الشِّعْرِ، لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ، فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ المُفَصَّلِ، سُورَتَيْنِ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ»رواه البخاري (775) ومسلم (822) والهذّ
: سرعة القراءة .
قال ابن عثيمين رحمه الله : يجوز للإنسان أن يقرأ بعد الفاتحة
سورتين، أو ثلاثاً، وله أن يقتصر على سورة واحدة،
أو يقسم السورة إلى نصفين وكل ذلك جائز لعموم قوله تعالى: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ
مِنَ الْقُرْآنِ) (المزمل، الآية: 20) ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن"
.والأولى أن يقرا الإنسان في صلاته ما ورد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لأن المحافظة على ما كان يقرؤه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أفضل، وأما مسألة الجواز فالأمر في هذا واسع والله الموفق.
ويجوز للمصلي أن يقرأ في
الركعة الأولى من أواسط السور، وفي الركعة الثانية سورة قصيرة.وأما أن يقرأ في الركعة
الأولى سورة قصيرة وفي الركعة الثانية سورة أطول فهذا خلاف الأفضل؛ لأن هدي النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تكون القراءة في الركعة الأولى أطول منها في الركعة
الثانية، إلا أن أهل العلم استثنوا ما إذا كان الفرق يسيراً، كما في سورة سبح والغاشية
فإنه لا بأس به، فإن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ بسبح والغاشية
في الجمعة والعيدين.انظر مجموع فتاوى (13/ 156)
5- لا يقرأ البسملة إذا قرأ من خلال
السورة ، وأما إذا قرأ من أولها ففيه خلاف بناء على ما تقدم ، والصحيح أنه لا
يستحب كذلك ، لما تقدم من أن القول الراجح أنها ليست آية من السورة انظر تمام
المنة (1/239)
6- قال ابن عثيمين القراءة لابد أن تكون باللسان فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة
فإن ذلك لا يجزئه، وكذلك أيضاً سائر الأذكار، لا تجزئ بالقلب، بل لابد أن يحرك الإنسان
بها لسانه وشفتيه؛ لأنها أقوال، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين. انظر مجموع
فتاوى (13/ 156) قلت : والدليل على ذلك عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ،
قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ؟، قَالَ: نَعَمْ،
قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالَ: «بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ رواه البخاري (746)
7- حكم الجهر
والإسرار في القراءة للإمام والمأموم
في فتاوى الشبكة
الإسلاميه (11/6886) فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه يسن للإمام الجهر في الصلاة الجهرية
كالفجر والمغرب والعشاء، والإسرار في السرية كالظهر والعصر، وذهبت الحنفية إلى وجوب جهر الإمام في الصلاة الجهرية وإسراره في الصلاة
السرية، ومن خالف ذلك لزمه سجود السهو، ووافقهم المالكية في إلزامه بسجود السهو ولم
يوافقوهم على تسمية السر والجهر واجباً. ولا سجود عليه للسهو عند الشافعية والحنابلة.وأما
المنفرد، فيسن له الجهر في الصلاة الجهرية عند المالكية والشافعية وهو رواية عن أحمد
وذهبت الحنفية وهو المعتمد عند الحنابلة إلى أنه يخير بين الجهر والإسرار.وأما المأموم،
فيكره له الجهر عند من أجاز له القراءة خلف إمامه، سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية،
ودليل الكراهة ما رواه مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم صلى الظهر، فجعل رجل يقرأ خلفه بـ: (سبح اسم ربك الأعلى) فلما انصرف - سلم
- قال: "أيكم قرأ أو أيكم القارئ؟، فقال رجل: أنا. فقال: قد ظننت أن بعضكم خالجنيها".والله
أعلم.
سئل ابن عثيمين رحمه
الله : هل يجب الجهر في صلاة الفجر، والمغرب، والعشاء؟ وإذا تعمد الإمام ترك الجهر في الصلاة
الجهرية؟ وإذا صلى الإنسان منفرداً فهل يجهر؟ وإذ ترك الجهر فهل يسجد للسهو؟ وهل يشرع
للمرأة رفع يديها في مواضع الرفع؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجهر
بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان
قرأ سراً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" ولم يقيد هذه القراءة بكونها
جهراً أو سراً، فإذا قرأ الإنسان ما يجب قراءته سراً أو جهراً فقد أتى بالواجب، لكن
الأفضل الجهر فيما يسن فيه الجهر مما هو معروف كصلاة الفجر والجمعة.ولو تعمد الإنسان
وهو إمام ألا يجهر فصلاته صحيحة لكنها ناقصة.أما المنفرد إذا صلى الصلاة الجهرية فإنه
يخير بين الجهر والإسرار وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقدم به. ...أما لو ترك القراءة في الصلاة الجهرية سهواً فإنه
يسجد للسهو، ولكن لا على سبيل الوجوب؛ لأنه لا يبطل الصلاة عمده، وكل قول أو فعل لا
يبطل الصلاة عمده لا تركاً ولا فعلاً فإنه لا يوجب سجود السهو.وأما رفع اليدين فإنه
مشروع في حق النساء كما هو مشروع في حق الرجال لأن الأصل أن ما ثبت في حق الرجال ثبت
في حق النساء، وما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل يدل على خلاف ذلك
انظر مجموع فتاوى (13/73)
8- هل تجهر المرأة في
صلاتها أم تُسر
قال ابن حزم في المحلى
(2/99) وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي قِرَاءَةِ التَّطَوُّعِ لَيْلًا وَنَهَارًا:
مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؟ إذْ لَمْ يَأْتِ مَنْعٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ،
وَلَا إيجَابٌ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: تَخْفِضُ
النِّسَاءُ؟ قُلْنَا: وَلِمَ؟ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ سَمَاعَ النَّاسِ
كَلَامَ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ،
وَلَا جَاءَ نَصٌّ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ النِّسَاءِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ؟
9- يجوز أحيانا الجهر ببعض الآيات في الظهر والعصر عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَسُورَتَيْنِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنَ الظُّهْرِ وَيُقَصِّرُ
الثَّانِيَةَ وَكَذَلِكَ فِي الصُّبْحِ رواه البخاري (759) ومسلم (451)
سُئل ابن باز رحمه الله : هل يجوز الجهر في الصلاة السرية؟ جزاكم الله خيرا.ج:
يجوز الجهر بالقراءة في الصلاة السرية مع الكراهة، والسنة أن يقرأ فيها سرا؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يسر القراءة في الصلاة السرية، ويجهر بها في الجهرية، ويستحب
أن يجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية بعض الأحيان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. متفق عليه من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله
عنه.انظر مجموع فتاوى (11/ 123)
10- إمام يصلي في رمضان
صلاة التراويح ويقرأ من المصحف هل يجوز له ذلك ؟ نعم يجوز له ذلك عند أكثر أهل العلم منهم ابن سيرين والزهري والحكم
ويحيى ابن سعيد الأنصاري ومالك وأحمد ورجحه شيخنا مصطفى العدوي انظر فتاوى الأمة
لشيخنا العدوي (1/40) ودليلهم : 1- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ
الأَنْصَارِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَبِي العَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» 2- وَكَانَتْ
عَائِشَةُ: «يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ المُصْحَفِ» رواه البخاري معلقا (1\ 140)
قال النووي في خلاصة الأحكام (1/500) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح.
قال الشيخ عبد الكريم الخضير :
وأخذ من هذا الحديث جواز
القراءة من المصحف في الصلاة؛ لأن حمل المصحف ووضع المصحف ليس بأشد من حمل هذه البنت
ووضعها، إضافة إلى أن عائشة -رضي الله عنها- اتخذت إمام يقرأ من المصحف، الحنفية يمنعون
القراءة من المصحف، لكن الحديث دليل ظاهر لهذه المسألة، إذا لم يوجد حافظ، وأمكنت القراءة
من المصحف لا بأس حينئذٍ، وليس المصحف بأشد من حمل هذه البنت." شرح بلوغ المرام
"كتاب الصلاة - (1/ 34) وَكَرِهَهُ النَّخعِيّ
وَسَعِيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ، وَهُوَ رِوَايَة عَن الْحسن. وَقَالَ: هَكَذَا يفعل
النَّصَارَى، وَفِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة وَسليمَان بن حَنْظَلَة وَمُجاهد بن جُبَير
وَحَمَّاد وَقَتَادَة،وَقَالَ ابْن حزم: لَا تجوز الْقِرَاءَة من الْمُصحف وَلَا من غَيره لمصل إِمَامًا كَانَ أَو غَيره،
فَإِن تعمد ذَلِك بطلت صلَاته، وَبِه قَالَ ابْن الْمسيب وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَأَبُو
عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ،قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح)
: وَهُوَ غَرِيب لم أره عَنهُ. انظر عمدة القاري (5/225) ودليلهم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،
قَالَ: كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
فِي الصَّلاَةِ فَيَرُدُّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعْنَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ
عَلَيَّ وَقَالَ: «إِنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلًا»
رواه البخاري (1216) ومسلم (2/71) وأجيب : أن معناه ليس بواضح في
هذا المعني فهنالك أعمال تجوز في الصلاة كالحركة للأمام مثل خلع النبي صلى الله عليه
وسلم نعليه في الصلاة لما أخبره جبريل بأن فيهما خبثًا والتصفيق للنساء ، والتنحنح والالتفات للحاجه وقتل
الحية والعقرب وغير ذلك كما في الأحاديث الصحيحة سئل ابن باز رحمه الله : ماذا عن القراءة من المصحف في التراويح سماحة الشيخ ؟ ج: لا حرج في ذلك، الصواب أنه لا
حرج في ذلك، فإذا احتاج إلى أن يقرأ من المصحف لأنه لم يحفظ القرآن فلا بأس، يقرأ من المصحف، وقد ثبت «أن عائشة رضي الله عنها كان يصلي بها
مولاها ذكوان من المصحف » كما ذكره البخاري رحمه الله تعليقا، والأصل أنه
لا بأس بهذا، فمن منع فعليه الدليل، فالأصل جواز القراءة حفظا أو القراءة من المصحف، هذا هو الأصل، فمن قال بمنع القراءة من المصحف
فعليه الدليل، والأصل أنه لا دليل، فمعنا الأصل وهو جواز القراءة من المصحف، وقد فعلتها
أم المؤمنين وهي من أفقه الناس رضي الله عنها انظر نور على الدرب (9\434)
11- هل تجوز إمامة الرجل القوم من المصحف في
صلاة الفريضة سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز للإمام في أثناء الصلوات الخمس
أن يقرأ من المصحف، وخاصة صلاة الفجر لأن تطويل القراءة فيها مطلوب
وذلك مخافة الغلط أو النسيان؟
فأجاب:" يجوز ذلك إذا
دعت إليه الحاجة، كما تجوز القراءة من المصحف في التراويح لمن لا يحفظ القرآن، وقد كان ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها يصلي بها في رمضان من
مصحف، ذكره البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به، وتطويل القراءة في صلاة الفجر سنة،
فإذا كان الإمام لا يحفظ المفصل ولا غيره من بقية القرآن الكريم جاز له أن يقرأ من المصحف، ويشرع له أن يشتغل بحفظ القرآن، وأن يجتهد في
ذلك، أو يحفظ المفصل على الأقل حتى لا يحتاج إلى القراءة من المصحف، وأول المفصل سورة ق إلى آخر القرآن، ومن اجتهد
في الحفظ يسر الله أمره، لقوله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)
وقوله عز وجل: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
. والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/117) .
وقال شيخنا مصطفى العدوي
الأولى في صلاة الفريضة أن يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله كما جاءت بذلك الأحاديث عن
رسول الله صل الله عليه وسلم أما عن جواز القراءة من المصحف للإمام في الفريضة
فحديث حمل النبي صل الله عليه وسلم لأمامة – سبق تخريجه- عام في الفريضة والنافلة فلا تبطل
الصلاة بذلك وإن الأولى ما قدمناه والله أعلم
12- فصل فيما كان يقرأه النبي صل
الله عليه وسلم في الصلوات
أذكر في هذا الفصل ما ثبت من قراءته
صل الله عليه وسلم في الصلوات مجموعة دون ذكر لفظ الروايات 0 ولا أذكر إلا ما صح
عنه صل الله عليه وسلم 0
أولا : صلاة الفجر : كان يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مَا لاَ يُطَوِّلُ فِي
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ رواه البخاري (776) ومسلم (451)
كان َيَقْرَأُ
فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ رواه أحمد (7991) وصححه ابن حجروالألباني وصلاها: بالواقعة رواه أحمد (5/104)
وصححه الألباني وقرأ من سورة الطور (: 52: 49) وذلك في حجة
الوداع رواه البخاري (1619) ومسلم (1276)
وصلاها : بِ ق وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ رواه (مسلم (458) وكان يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ
– سورة التكوير (17) - رواه
(مسلم) (456) و (قرأ مرة في السفر قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ رواه أبو داود (1462) وصححه الألباني وكان يَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى المِائَةِ، رواه البخاري (541) ومسلم (461)) و (كان يقرأ بسورة الروم رواه النسائي
(2/156) قال الألباني بسند جيد وصلاها ب يس رواه أحمد (4/34) وصححه الألباني ومرة صلى
- الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ
سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى، وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى
– شك بعض الرواة - أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ رواه مسلم (455) وصلاها
ب الصفات رواه أحمد (4989) وصححه الألباني «وكَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الجُمُعَةِ
فِي صَلاَةِ الفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ
رواه البخاري (891)
ومسلم (879) و «يَقْرَأُ
فِي الصُّبْحِ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ » حتى قال الراوي: فَلَا أَدْرِي
أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا رواه أبو داود (816) وصححه النووي وحسنه الألباني قال ابن عثيمين رحمه الله : وهنا
سؤال: هل يجوز أن يقرأَ الإِنسانُ بالسُّورةِ في الرَّكعتينِ بمعنى أنْ يكرِّرها مرَّتين؟
الجواب: نعم، ولا بأس بذلك، والدَّليلُ فِعْلُ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه
قرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الرَّكعتين جميعاً كرَّرها لكن؛ قد يقول قائل: لعلَّ النبيَّ
صلّى الله عليه وسلّم نَسِيَ؛ لأنَّ مِن عادته أنه لا يُكرِّر السُّورة.والجواب عن
هذا: أن يُقال: احتمالُ النسيانِ وارد، ولكن احتمال التشريع ـ أي: أن النبيَّ صلّى
الله عليه وسلّم كرَّرها تشريعاً للأمة ليبيِّن أن ذلك جائز ـ يُرجَّح على احتمالِ
النسيان؛ لأنَّ الأصلَ في فِعْلِ الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ التشريعُ، وأنه
لو كان ناسياً لَنُبِّهَ عليه، وهذا الأخيرُ ـ أي: أنَّ ذلك مِن باب التشريع ـ أحوطُ
وأقربُ إلى الصَّوابِ انظر الشرح الممتع (3/ 77)
قلت : أما معنى طِوال المُفصَّلِ قال ابن عثيمين رحمه الله : قوله: «تكون في الصبح من طِوال المفصل» أي: تكون السُّورة في صلاة
الصُّبح من طِوال المُفصَّلِ بكسر الطاء، ولا يقال: طُوال؛ لأن طُوال صفة للرَّجُل
الطويل، وأما طِوال بالكسر فهي جمع طويلة، أي: سُورة من السُّور الطِوال مِن المفصل.والمُفصَّل
ثلاثة أقسام، كما يدلُّ عليه كلام المؤلِّف: منه طِوال، ومنه قِصار، ومنه وسط.فمِن
{ق} إلى {عَمَّ} هذا هو الطِوال. ومِن {عَمَّ} إلى {الضُّحَى} أوساط.ومُن {الضُّحَى}
إلى آخره قِصار. وسُمِّيَ مُفصَّلاً لكثرة فواصله؛ لأن سُورَهُ قصيرةٌ.
فمن {ق} إلى {قُلْ أَعُوذُ
بِرَبِّ النَّاسِ *} أربعة أجزاء وشيء، يساوي البقرة وآل عمران، ورُبعاً مِن النساء،
ويزيد شيئاً قليلاً، وإنما شُرع أن تكون في الصُّبح مِن طِوال المُفصَّل؛ لأن الله
عزَّ وجلَّ نصَّ على القرآن في صلاة الفجر فقال: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ
إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا
*} [الإسراء] فَعبَّرَ عن الصَّلاةِ بالقرآن إشارةً إلى أنَّه ينبغي أن يكون القرآن
مستوعِباً لأكثرها، وهو كذلك ، ولهذا بقيت صلاةُ الصُّبح على ركعتين لم تُزَدْ، بينما
الظُّهر والعصر والعشاء زِيدت.انظر
الشرح الممتع (3\74)
سنة
الفجر :
وهما ركعتان قبل الفرض
كان النبي صل الله عليه وسلم يداوم عليهما ولم يكن يدعهما لا في سفر ولا في حضر 0
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العِشَاءَ، ثُمَّ صَلَّى
ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ يَدَعْهُمَا أَبَدًا رواه البخاري (1159)
استحباب تخفيفهما :
وأما قراءته في ركعتي سنة
الفجر فكانت خفيفة جدا عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةِ عُمَرَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ فِي بَيْتِي يُخَفِّفُهُمَا جِدًّا رواه أحمد (26438) قال الألباني هذا إسناد جيد وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ
الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الكِتَابِ؟ رواه البخاري
(1171) ومسلم (2/161)
(القراءة في سنة الفجر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ
اللهُ أَحَدٌ
رواه مسلم(726)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، أَنَّ رَجُلًا قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ
الْأُولَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} حَتَّى انْقَضَتِ السُّورَةُ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا عَبْدٌ عَرَفَ رَبَّهُ» ، وَقَرَأَ فِي الْآخِرَةِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ} حتى انقضتِ السُّورَةُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا عَبْدٌ آمَنَ بِرَبِّهِ»
فَقَالَ طَلْحَةُ: «فَأَنَا أَسْتَحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ
فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ رواه ابن حبان في صحيحه (2451) وصححه الألباني وقال الأرنؤوط إسناده قوي
عن ابن عباس رضي الله
عنه قال : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فِي الْأُولَى
مِنْهُمَا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الْآيَةَ
الَّتِي فِي
الْبَقَرَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْهُمَا: {آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
[آل عمران: 52] رواه مسلم (727) وفي رواية عند مسلم (727) كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ
إِلَيْنَا} [البقرة: 136]، وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}
[آل عمران: 64]
الاضطجاع على الجنب الأيمن بعدهما:
عن عَائِشَة، قَالَتْ: «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ المُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاَةِ
الفَجْرِ قَامَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ، بَعْدَ
أَنْ يَسْتَبِينَ الفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ المُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ
رواه البخاري (626) ومسلم122 - (736)
وقد اختلف أهل العلم في حكم
الاضطجاع بعد ركعتي سنة الفجر على أربعة أقوال :
القول الأول : يستحب مطلقًا: وهو مذهب الشافعي قَالَ الْعِرَاقِيُّ:
فَمِمَّنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوْ يُفْتِي بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَبُو مُوسَى
الْأَشْعَرِيُّ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ ابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ
السَّبْعَةِ انظر نيل
الأوطار (3/28) وهو الراجح كما سيأتي 0
القول الثاني - إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَبِدْعَةٌ، وَمِمَّنْ قَالَ
بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ 00
وَمِمَّنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيّ وَقَالَ: هِيَ ضِجْعَةُ الشَّيْطَانِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ مَالِكٌ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ
الْعُلَمَاءِ.انظر نيل الأوطار وحجتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف عنه أنه
عمل في المسجد إذا لو عمل به لتواتر نقله!!
القول الثالث : التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ يَقُومُ بِاللَّيْلِ
فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ،
وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ – وابن تيمية - وَقَالَ: لَا يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ
الْفَجْر لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَامَ اللَّيْلَ فَيَضْطَجِعُ
اسْتِجْمَامًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا بَأْسَ. وَيَشْهَد لِهَذَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: «إنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَضْطَجِعْ لِسُنَّةٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ
يَدْأَبُ لَيْلَهُ فَيَسْتَرِيحُ» وَهَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، أَمَّا أَوَّلًا؛
فَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ رَاوِيًا لَمْ يُسَمَّ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ،
وَقَدْ رَوَتْ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ وَالْحُجَّةُ فِي فِعْلِهِ وَقَدْ ثَبَتَ أَمْرُهُ
بِهِ فَتَأَكَّدَتْ بِذَلِكَ مَشْرُوعِيَّتُهُ.انظر نيل الأوطار
القول الرابع : - أن الاضطجاع واجب: وهو مذهب ابن حزم بل أغرب -رحمه
الله- فجعله شرطًا لصحة صلاة الفجر!! قال ابن حزم رحمه الله كُلُّ مَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ تُجْزِهِ
صَلَاةُ الصُّبْحِ إلَّا بِأَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ بَيْنَ سَلَامِهِ مِنْ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ، وَبَيْنَ تَكْبِيرِهِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ.وَسَوَاءٌ - عِنْدَنَا - تَرْكُ
الضَّجْعَةِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا؛ وَسَوَاءٌ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا أَوْ صَلَّاهَا
قَاضِيًا لَهَا مِنْ نِسْيَانٍ، أَوْ عَمْدِ نَوْمٍ.فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَضْطَجِعَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الضَّجْعَةِ عَلَى الْيَمِينِ لِخَوْفٍ، أَوْ مَرَضٍ،
أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ حَسْبَ طَاقَتِهِ فَقَطْ؟ انظر المحلى (2/ 227)
واستدل : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الصُّبْحِ، فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ» رواه أبوداود (1261) قال الألباني في صحيح أبي داود (1146)(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال النووي،
وقال
الترمذي: " حسن صحيح
"، وصححه ابن حبان أيضا (2459) ، وعبد الحق، واحتح به ابن حزم) اهـ
قلت : القول الأول : هو
الراجح وأما عن كلام ابن حزم فأجيب 1- قال
ابن تيمية:هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْأُمَّةِ» انظر زاد المعاد (1/ 309) 2- على فرض صحته، فالأمر فيه مصروف إلى الاستحباب
بحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى، فَإِنْ
كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ
بِالصَّلاَةِ رواه البخاري (1167) ومسلم (743) وَظَاهِرُهُ
أَنَّهُ كَانَ لَا يَضْطَجِعُ مَعَ اسْتِيقَاظِهَا، فَكَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً لِصَرْفِ
الْأَمْرِ إلَى الاستحباب
3- أيضا ما يصرفه إلى الاستحباب
حديث أبي قتادة في قصة نومهم عن صلاة الفجر قال: " ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ،
فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى
الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ رواه مسلم (681) فهنا لم يضطجع بعد ركعتي الفجر ففعله هذا صرف الأمر إلى االاستحباب،
فنقول: الاضطجاع على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر سنة والله أعلم 0
ثانيا : صلاة الظهر :
كان صل الله عليه وسلم
يطيل الركعة الأولى «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ،
وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ رواه البخاري (759) ومسلم (451)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «لَقَدْ كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ
إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ. ثُمَّ يَتَوَضَّأُ. ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطَوِّلُهَا رواه مسلم (454)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً رواه مسلم وفي رواية قَدْرَ قِرَاءَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ رواه
مسلم (452) وأحيانا (كان يقرأ بِالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ السُّوَرِ رواه
أبو داود (805) وصححه الألباني وكَانَ صل الله عليه وسلم «يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِـ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَنَحْوِهَا» رواه ابن خزيمة في صحيحه (511) وصححه الألباني كان يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى رواه مسلم (459) وبِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} رواه مسلم (460) و (كانوا يعرفون قراءته في الظهر والعصر «بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ رواه البخاري (746)
قراءته صلى الله عليه وسلم آيات بعد الفاتحة في الأخيرتين
و (كان يجعل الركعتين الأخيرتين
أقصر من الأوليين) قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ رواه مسلم (452)
وَأحيانا يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» رواه البخاري (776) ومسلم (451)
ثالثا : صلاة العصر :
كان يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ
الأُولَى مَا لاَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ رواه البخاري (776) ومسلم (451) وكان يقرأ فِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ
قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ رواه مسلم (452) وقرأ فيهما بالسور التي قرأ بها في
الظهر
رابعا : المغرب ؟
و (كان صلى الله عليه وسلم
يقرأ فيها - أحيانا - بِقِصَارالمفصل) رواه البخاري (764) وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ:
" صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ،
فَقَرَأَ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ رواه أحمد (18528) وصححه الألباني وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أُمَّ الفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالمُرْسَلاَتِ
عُرْفًا} [المرسلات: 1] فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ
«هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي المَغْرِبِ رواه البخاري (763) ومسلم (463) وكان يَقْرَأُ فِيهَا بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ
" قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَمَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قَالَ: "الْأَعْرَافُ رواه أحمد (21641) واللفظ له والبخاري (764) وتارة بِالطُّورِ رواه البخاري (765) ومسلم (463)
القراءة في سنة المغرب
وأما سنة المغرب البعدية
ف (كان يقرأ فيها: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ رواه النسائي (992) وحسنه الألباني
خامسا : صلاة
العشاء
(كان صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْعِشَاء
بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ رواه النسائي (982) وصححه الألباني وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقْرَأُ فِي العِشَاءِ الآخِرَةِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَنَحْوِهَا
مِنَ السُّوَرِ» رواه الترمذي (309) وحسنه وصححه الألباني وقَرَأَ: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، فَسَجَدَ رواه البخاري (766) ومسلم (465)
وكَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي العِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ:
بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ رواه البخاري (767) ومسلم (464)
ونهى عن إطالة القراءة فيها
عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيُّ لِأَصْحَابِهِ
الْعِشَاءَ. فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا. فَصَلَّى فَأُخْبِرَ
مُعَاذٌ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ دَخَلَ
عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ مَا قَالَ مُعَاذٌ
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَأْ بِالشَّمْسِ
وَضُحَاهَا، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى» وفي روايه فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الحَاجَةِ» رواه
البخاري (705) ومسلم (465)
سادسا : صلاة
الوتر:
يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ رواه النسائي (1701) وصححه الألباني وله أن يزيد مع قراءة ِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} [الفلق: 1]و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] رواه الترمذي (463) وحسنه الترمذي وابن حجر وصححه الحاكم و الذهبي
والألباني واستحب ذلك المالكية والشافعية (النسائي وأحمد بسند صحيح) ومرة: (قرأ في
ركعة الوتر بِمِائَةِ
آيَةٍ مِنَ النِّسَاءِ رواه النسائي (1728) وصححه الألباني
وأما الركعتان بعد الوتر
فكان يقرأ فيهما إذا زلزلت الأرض
وقل يا أيها الكافرون
رواه أحمد (22313) وحسنه الألباني
سابعا - صلاة الجمعة:
(كان صلى الله عليه وسلم يقرأ - أحيانا - في الركعة
الأولى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وفي الأخرى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ رواه مسلم (877) وأحيانا (يقرأ في الأولى: بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» رواه مسلم (878)
ثامنا - صلاة العيدين:
(كان صلى الله عليه وسلم يقرأ - أحيانا - في الأولى
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الأخرى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) رواه مسلم ((878))
و- أحيانا (يقرأ فيهما ب
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
رواه مسلم (891)
تاسعا - صلاة الجنازة:
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ قَالَ: «لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ رواه البخاري (1335) وفي رواية
عند النسائي (1987) فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ وَجَهَرَ حَتَّى أَسْمَعَنَا، فَلَمَّا فَرَغَ أَخَذْتُ
بِيَدِهِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: «سُنَّةٌ وَحَقٌّ» صححه النووي والألباني
13- قال النووي رحمه الله : قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَتْ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
تَخْتَلِفُ فِي الْإِطَالَةِ وَالتَّخْفِيفِ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَإِذَا كَانَ
الْمَأْمُومُونَ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ وَلَا شُغْلَ هُنَاكَ لَهُ وَلَا لَهُمْ
طُولُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ خَفَّفَ وَقَدْ يُرِيدُ الْإِطَالَةَ ثُمَّ يَعْرِضُ
مَا يَقْتَضِي التَّخْفِيفَ كَبُكَاءِ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ وَيَنْضَمُّ إِلَى هَذَا
أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ فَيُخَفِّفُ وَقِيلَ
إِنَّمَا طَوَّلَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ الْأَقَلُّ وَخَفَّفَ فِي مُعْظَمِهَا
فَالْإِطَالَةُ لِبَيَانِ جَوَازِهَا وَالتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ وَقَدْ
أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَالَ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ
فَأَيُّكُمْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ
وَذَا الْحَاجَةِ وَقِيلَ طَوَّلَ فِي وَقْتٍ وَخَفَّفَ فِي وَقْتٍ لِيُبَيِّنَ أَنَّ
الْقِرَاءَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ لَا تَقْدِيرَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الِاشْتِرَاطِ
بَلْ يَجُوزُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَإِنَّمَا الْمُشْتَرَطُ الْفَاتِحَةُ وَلِهَذَا
اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَيْهَا وَاخْتُلِفَ فِيمَا زَادَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ
السُّنَّةُ التَّخْفِيفُ كَمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلْعِلَّةِ الَّتِي بَيَّنَهَا وَإِنَّمَا طَوَّلَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِتَحَقُّقِهِ
انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَحَدٌ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ انظر شرح
مسلم (4/174)
سئل ابن باز رحمه الله :
هل ينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح؟ج: هذا أمر
مطلوب في جميع الصلوات، في التراويح وفي الفرائض لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أيكم أم الناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة » فالإمام يراعي المأمومين ويرفق بهم في قيام رمضان،
وفي العشر الأخيرة، وليس الناس سواء، فالناس يختلفون فينبغي له أن يراعي أحوالهم ويشجعهم
على المجيء وعلى الحضور؛ فإنه متى أطال عليهم شق عليهم ونفرهم من الحضور، فينبغي له
أن يراعي ما يشجعهم على الحضور ويرغبهم في الصلاة ولو بالاختصار وعدم التطويل، فصلاة
يخشع فيها الناس ويطمئنون فيها ولو قليلا خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع ويحصل فيها
الملل والكسل.انظر مجموع
فتاوى (11/336)
14- قال ابن عثيمين رحمه الله : تتمة: في تنكيس السُّور، والآيات، والكلمات، والحروف.أما تنكيس
الحروف؛ بمعنى: أن تكون الكلمة مشتملة على ثلاثة أحرف؛ فيبدؤها الإِنسان مِن آخرها
مثلاً، فهذا لا شكَّ في تحريمه، وأنَّ الصَّلاةَ تبطلُ به؛ لأنه أخرج القرآنَ عن الوجه
الذي تكلَّم الله به، كما أن الغالب أنَّ المعنى يختلفُ اختلافاً كبيراً.وأما تنكيس
الكلمات؛ أي: يبدأ بكلمة قبل الأُخرى، مثل: أن يقول: الحمد لربِّ العالمين، الله الرحمن
الرحيم. فهذا أيضاً محرَّم بلا شكٍّ؛ لأنه إخراجٌ لكلامِ الله عن الوجه الذي تكلَّم
اللَّهُ به. وتبطلُ به الصَّلاةُ.
وأما تنكيس الآيات أيضاً؛
فمحرَّم على القول الرَّاجح؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي، ومعنى توقيفي: أنه يُتوقَّفُ
فيه على ما وَرَدَ به الشَّرعُ. ولهذا تَجِدُ أحياناً بعضَ الآيات بين آيات لا يَظهرُ
لك تَعَلُّقُها بها، أو مقدَّماً على ما سَبَقَه في النُّزول مما يدلُّ على أن الأمر
توقيفي مثل: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وقوله:
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَِزْوَاجِهِمْ
مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} الآية [البقرة: 240] .الأولى: سابقة بالقراءة.والثانية:
أسبق نزولاً، ولو كان التَّرتيبُ غيرَ توقيفي؛ لكان على حسب النُّزولِ.ومثال الأول:
قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ *فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا
اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ *} [البقرة] الآية فإنَّ
هاتين الآيتين كانتا بين آيات المعتدات، وهذا دليلٌ على أنَّ ترتيب الآيات توقيفي.وأما
تنكيس السُّور؛ فيُكره، وقيل: يجوز.أما الذين قالوا بالجواز فاستدلُّوا: بحديث حذيفة
بن اليمان الذي في «صحيح مسلم» أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قامَ مِن اللَّيلِ
فقرأَ بسورةِ البقرةِ، ثم بالنِّساءِ، ثم آل عمران ، وهذا على غير التَّرتيبِ المعروف،
قالوا: وفِعْلُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم دليلٌ على الجواز.وأما الذين قالوا بالكراهة،
فقالوا: إنَّ الصَّحابةَ رضي الله عنهم وَضَعُوا المُصحفَ الإِمام ـ الذي يكادون يجمعون
عليه ـ في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وَضَعوه على هذا التَّرتيب ، فلا ينبغي
الخروجُ عن إجماعهم، أو عمَّا يكون كالإِجماع منهم؛ لأنَّهم سلفُنا وقدوتُنا، وهو من
سُنَّة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد أُمِرْنَا باتِّباعِه. ولأنه
قد يكون فيه تشويشٌ على العامة، وتَنَقُّصٌ لكلام الله عزّ وجل إذا رأوا أنَّ النَّاسَ
يقدِّمون، ويؤخِّرون فيه.ولكن؛ القول بالكراهة قولٌ وسطٌ، فيقال: إنَّ الصحابةَ لم
يجمعوا على هذا الترتيب، فإن في مصاحف بعضِهم ما يخالف هذا التَّرتيب كمصحف ابن مسعود
رضي الله عنه، وأما قراءة النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حديث حذيفة «النساء»
قبل «آل عمران» فهذا ـ لعلَّه ـ قبل العرضة الأخيرة؛ لأنَّ جبريلَ كان يُعارِضُ النَّبيَّ
صلّى الله عليه وسلّم القرآن في كُلِّ رمضان
، فيكون ما اتَّفق عليه الصحابةُ أو ما كادوا يتَّفقون عليه هو الذي استقرَّ
عليه الأمر، ولا سيما وأنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرُنُ بين البقرة
وآل عمران ، مما يدلُّ
على أنهما قرينتان، فيكون
تقديمه للنساء في حديث حذيفة قبل الترتيب الأخير.والحق: أن الترتيب بين السُّور منه
توقيفي، ومنه اجتهادي، فما وَرَدَتْ به السُّنَّةُ كالترتيب بين الجُمعة و المنافقين
، وبين سَبِّحِ و الغاشية فهو على سبيل التوقيف فالنبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
قرأَ الجمعة قبل المنافقين وقرأ سَبِّح قبل الغاشية فهذا على سبيل الترتيب التوقيفي،وما
لم تَرِدْ به السُّنَّةُ فهو اجتهادٌ من الصَّحابةِ،والغالب أنَّ الاجتهادَ إذا كان
معه الأكثر أقربُ للصَّوابِ. انظر الشرح الممتع (3/ 77)
15- ما حكم القنوت في صلاة الفجر
اختلف
أهل العلم في ذلك على أربعة أقوال
القول الأول : قالوا : سنة راتبه قال النووي في المجموع
(3/504)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ
فِيهَا سواء نزلت نازلة أو لم تنزل وبها قَالَ أَكْثَرُ السَّلَفِ
وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ
وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَقَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ
خَلَائِقُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي ليلي والحسن ابن صَالِحٍ وَمَالِكٍ
وَدَاوُد – والشافعي - انتهى
استدلوا أَوَلا : عن الْبَرَاء بْن
عَازِبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ،
وَالْمَغْرِبِ»رواه مسلم (678) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ القُنُوتُ فِي المَغْرِبِ وَالفَجْرِ»
رواه البخاري (798) في نيل الأوطار (2/403)وَلَهُ:
(كَانَ الْقُنُوتُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَغْرِبِ
وَالْفَجْرِ) تَمَسَّكَ بِهَذَا الطَّحَاوِيُّ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ فِي
الْفَجْرِ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى نَسْخِهِ فِي الْمَغْرِبِ
فَيَكُونُ فِي الصُّبْحِ كَذَلِكَ وَقَدْ عَارَضَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:أَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ فِي الصُّبْحِ ثُمَّ
اخْتَلَفُوا هَلْ تَرَكَ أَمْ لَا؟ فَيُتَمَسَّكُ بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ
حَتَّى يَثْبُتَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ اهـ
ثانيا : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَقَنَتَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَوَقَنَتَ
قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ: «بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا
رواه البخاري (1001) ومسلم
(677)
ثالثا : عَنْ ابن عمر ،
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ العَنْ
فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا» بَعْدَ مَا يَقُولُ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ
الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]- إِلَى قَوْلِهِ - {فَإِنَّهُمْ
ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128البخاري (4069 )
رابعا : عن أَبَي هُرَيْرَةَ،
يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ حِينَ
يَفْرُغُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ
رَأْسَهُ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ
الْحَمْدُ»، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: «اللهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ
الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي
رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ
عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ، اللهُمَّ الْعَنْ
لِحْيَانَ، وَرِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ»، ثُمَّ
بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا أُنْزِلَ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ
شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] رواه البخاري 804
ومسلم 675
قال
النووي رحمه الله : وأما الحواب عَنْ حَدِيثِ
َأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ
فَالْمُرَادُ تَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ وَلَعْنَتَهُمْ
فَقَطْ لَا تَرَكَ جَمِيعَ الْقُنُوتِ أَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ
الصُّبْحِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ-سيأتي - فِي قَوْلِهِ " لَمْ يَزَلْ يَقْنُتْ فِي الصُّبْحِ
حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا"
صَحِيحٌ صَرِيحٌ فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
مُتَعَيَّنُ لِلْجَمْعِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا تَرَكَ اللَّعْنَ
وَيُوَضِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَةُ وَهِيَ
قَوْلُهُ ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ انظر المجموع(3\/505
خامسا : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «مَا زَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى
فَارَقَ الدُّنْيَا» رواه أَحْمَد
(12657) حسن لغيره وصححه الحاكم والْحَازِمِي
والْبَلْخِي والْبَيْهَقِيّ
وَالنَّوَوِيّ وابْن الصّلاح والْقُرْطُبِي
وغيرهم انظر البدر المنير ( 3/623/624 ) وصححه الدَّارَقُطْنِيّ وقال : البغوي وَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَنٌ وقال
الهيثمي في المجمع (2/139) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِنَحْوِهِ،
وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ.وحسنه ابن حجر في (نتائج الأفكار 129/2).وضعفه الألباني وقد أجاب المانعون للقنوت في الصبح - - عن حديث أنس رضي الله
عنه: بأن فَفِيهِ
مَقَالٌ، وَيُحْتَمَلُ: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ: طُولَ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ
يُسَمَّى قُنُوتًا.
وأجيب أن هذا المعنى مردود بسياق الرواية التي
تبين أن المراد بالقنوت هو الدعاء، ففيها: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ
يَزَلْ يَقْنُتْ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا»
القول الثاني : أن القنوت -في الفجر وغيره-بدعة: وهو مذهب
أبي حنيفة انظر المبسوط (1/165)
استدل : بحديث
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَةِ، «إِنَّكَ
قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي
بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، هَاهُنَا
بِالكُوفَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ؟»، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ
مُحْدَثٌ – بدعة-؟،: رواه الترمذي (402)
وصححه الألباني
وأُجيب
عنه: بأن والد أبي مالك -طارق بن أشيم رضي الله عنه- مقل من الرواية عن النبي صلى
الله عليه وسلم ولم يعرف بملازمته صلى الله عليه وسلم، ولا يبعد أن يخفى عليه
قنوته صلى الله عليه وسلم، فقد خفيت أشياء على أكابر الصحابة وأكثرهم ملازمة للنبي
صلى الله عليه وسلم وقد أثبت القنوت غير
طارق، ومن علم حجة على من لم يعلم. قلت: ثم قد ثبت القنوت عن الخلفاء الأربعة
كذلك!!
قال النووي في المجموع
3/505
وَعَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ
" سَأَلْتُ أَبَا عُثْمَانَ عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ قَالَ بَعْدَ
الرُّكُوعِ قُلْتُ عَمَّنْ قَالَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ 433
وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
عَنْ عُمَرَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ - بِفَتْحِ
الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ - التَّابِعِيِّ
قَالَ " قَنَتَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْفَجْرِ " رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ3115 وَقَالَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ
000 وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ أَنَّ رواية الذين اثبتوا
القنوت معهم زِيَادَةُ عِلْمٍ وَهُمْ أَكْثَرُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُمْ انتهى
ثانيا
: ما
رُوى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ «نُهِيَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ» رواه ابن ماجه
1242 وقال الألباني موضوع
القول الثالث : لا يقنت إلا في
النازلة: أَي عند الحاجه
وهو مذهب أحمد انظر المغني
2/587 وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه
ابن باز في مجموع فتاوى 29/317
ومن أدلة هذا
القول : عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلًا،
وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ»
رواه البخاري (4094) ومسلم
(677)
ثانيا : عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «لَا يَقْنُتُ إِلَّا
إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ» رواه ابن خزيمة في صحيحه (620) وصححه الألباني في الصحيحة
(2/240)
القول الرابع : قالوا : يجوز فعله
وتركه: وهو قول الثوري وابن جرير الطبري وابن حزم انظر تهذيب الْآثَار 1/337 والمحلى 4/143
قالوا:
ثبت من مجموع الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله أحيانًا ويتركه أحيانًا
معلمًا بذلك أمته أنهم مُخيًّرون في العمل به والترك يعني ان فعله حسن وتركه حسن
قلت : هذا القول هو الصحيح جمعا بين الأحاديث
قال ابن القيم في زاد
المعاد (1/ 266)
فَأَهْلُ الْحَدِيثِ مُتَوَسِّطُونَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ
وَبَيْنَ مَنِ اسْتَحَبَّهُ عِنْدَ النَّوَازِلِ وَغَيْرِهَا، وَهُمْ أَسْعَدُ
بِالْحَدِيثِ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ يَقْنُتُونَ حَيْثُ قَنَتَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَتْرُكُونَهُ حَيْثُ تَرَكَهُ،
فَيَقْتَدُونَ بِهِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَيَقُولُونَ: فِعْلُهُ سُنَّةٌ
وَتَرْكُهُ سُنَّةٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَا يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ دَاوَمَ عَلَيْهِ،
وَلَا يَكْرَهُونَ فِعْلَهُ، وَلَا يَرَوْنَهُ بِدْعَةً، وَلَا فَاعِلَهُ
مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ، كَمَا لَا يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ عِنْدَ
النَّوَازِلِ، وَلَا يَرَوْنَ تَرْكَهُ بِدْعَةً، وَلَا تَارِكَهُ مُخَالِفًا
لِلسُّنَّةِ، بَلْ مَنْ قَنَتَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ أَحْسَنَ
انتهى
تنبيهات
1 - قَال عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ بِوُجُوبِ
الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ، فَمَنْ تَرَكَهُ فَسَدَتْ صَلاَتُه ينظر مواهب الجليل
(1\539).وهذا قول لا دليل عليه
2 - هذه المسألة القنوت في صلاة الفجر من مسائل الاجتهاد
التي لا ينبغي التشديد فيها. فإذا صلى خلف إمام يرى مشروعية القنوت في صلاة الفجر
بصفة دائمة، فإنه يتابعه في الصلاة والقنوت، ويؤمِّن على دعائه، وإن كان المصلي لا
يرى مشروعية هذا الأمر؛ لأن مصلحة اجتماع الناس والتفاف بعضهم ببعض خير من التفرق
من أجل أمرٍ مختلف فيه،
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله في الفتاوى :( 23/ 115)
وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ
يَتْبَعَ إمَامَهُ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَإِذَا قَنَتَ قَنَتَ مَعَهُ
وَإِنْ تَرَكَ الْقُنُوتَ لَمْ يَقْنُتْ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: {إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ}- رواه البخاري (378)
ومسلم (411) - وَقَالَ: {لَا تَخْتَلِفُوا عَلَى
أَئِمَّتِكُمْ} - رواه البخاري (722) ومسلم (414) من حديث أبي
هريرة -. وَثَبَتَ عَنْهُ فِي
الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: {يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ
وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ} - رواه البخاري (694) من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه-.000فَإِذَا قَنَتَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَابِقَهُ:
فَلَا بُدَّ مِنْ مُتَابَعَتِهِ وَلِهَذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
قَدْ أَنْكَرَ عَلَى عُثْمَانَ التَّرْبِيعَ بِمِنَى ثُمَّ إنَّهُ صَلَّى خَلْفَهُ
أَرْبَعًا. فَقِيلَ لَهُ: فِي ذَلِكَ فَقَالَ: الْخِلَافُ شَرٌّ. وَكَذَلِكَ
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ وَقْتِ الرَّمْيِ فَأَخْبَرَهُ
ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ إمَامُك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وقال
شيخنا مصطفى العدوي بعد أن ذكر أقوال
العلماء 0
فالشاهد:
أنك لا تشتد مع المخالفين في هذه الجزئية، حتى لو واظب عليه بعض الأئمة كالشافعية
فإنه لا يدخل في الابتداع، وهذه من المسائل التي لا تحتاج إلى تشنجات زائدة، مسألة
فيها وجهان للعلماء، اختر رأياً؛ لأن كل رأي مدعم بالدليل، وإذا كان عندك استعداد
للمناظرة فلتناظر حتى نخرج حكماً. اختر أي رأي، قلت لك: الإمام الشافعي استدل
بحديث البراء، ولكل قول جملة من الأدلة، لكن أذكر لك نموذجاً لكل احتجاج، احتج
بحديث البراء: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح). فأثبت
الإمام الشافعي مشروعية القنوت في صلاة الصبح، بل وبالغ وفسر الصلاة الوسطى بأنها
صلاة الصبح؛ لأن فيها القنوت. وغيره من العلماء استدلوا في المقابل بحديث: (أي
بني! محدث) قال سعد بن طارق: سألت أبي عن القنوت في الفجر. فقال: (أي بني!
محدث) فأجيب على هذا بأن المثبت مقدم على النافي، وأجيب بإجابات أخر منها: أن
طارقاً الذي هو والد سعد بن طارق كان وافداً على الرسول وانصرف، فمجالس الرسول
نقله أوقع في القلب من وافد وفد على الرسول ثم انصرف. قال الرسول صلى الله عليه
وسلم: (إن من البيان لسحراً)، فأنت يمكن أن تقرأ لكاتب يسحبك سحباً إلى مراده فتقع
في رأيه وأنت لا تشعر، وبعد ذلك يرسخ هذا الرأي في ذهنك وتنافح وتكافح من أجله أشد
الكفاح، فتصبح المسألة عندك منتهية، فإخواننا الجالسون أغلبهم يتجهون للقراءة
-مثلاً- في كتاب زاد المعاد، وهو كتاب موفق في الغالب، لكن رأي مؤلفه ابن القيم
رحمه الله في مسألة القنوت رأي محدد وهو: أنه يقنت عند النوازل فقط، لكن
إذا تحولت لقراءة كتب الشافعية لتغير رأيك شيئاً ما، أو على الأقل إذا ما تغير
فإنك ستلتمس عذراً لمن خالفك في هذا الرأي، فالشاهد: التنويع في القراءة مطلوب
أيضاً، والبحث عن الدليل في كل مكان.
3
- موضع القنوت (قبل الركوع أم بعده):
اختلف
العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه بعد
الركوع، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَرِوَايَةٌ عَنْ
مَالِكٍ انظر طرح التثريب 2/ 291
ودليلهم
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَقَنَتَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ:
أَوَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ: «بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا» رواه البخاري1001 ومسلم 677
حديث
أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم السابق
القول
الثاني: أنه قبل الركوع، وبهذا قال المالكية.
[الاستذكار
(1/ 294)].
عن
عاصم قال: "سألت أنس بن مالك عَنِ القُنُوتِ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ القُنُوتُ
قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ، قَالَ: فَإِنَّ
فُلاَنًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: «كَذَبَ
إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا".رواه البخاري ( 1002). ومسلم
عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
«كَانَ
يُوتِرُ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ رواه ابن ماجه (1182 ) وصححه الألباني
القول
الثالث: أنه مخير بينهما، وهو عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وهو قول الحنابلة
في رواية. انظر طرح التثريب 2/ 291والإنصاف (2/ 122).عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ
الصُّبْحِ، فَقَالَ: «كُنَّا نَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ رواه ابن ماجه (1183) وصححه الألباني 0
قال ابن حزم في المحلى 3/ 54
وَالْقُنُوتُ
فِعْلٌ حَسَنٌ، بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ
صَلَاةِ فَرْضٍ - الصُّبْحِ وَغَيْرِ الصُّبْحِ، وَفِي الْوِتْرِ،
فَمَنْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ 0000وَيَدْعُو لِمَنْ شَاءَ،
وَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ إنْ أَحَبَّ - فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ
الرُّكُوعِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ،انتهى
4-
هل تُرفع الأيدي في القنوت؟
اختلف
العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة على قولين:
القول
الأول: أنه يشرع رفعهما، وبهذا قال الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة). [بدائع
الصنائع (1/ 201)، المجموع (3/ 500)، الإنصاف (2/ 123)]. وهو الراجح والدليل : عن
أنس: فَلَقَدْ رَأَيْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ
فَدَعَا عَلَيْهِمْ.... الحديث رواه أحمد (12402) وصححه الألباني في أصل صفة صلاة
النبي صل الله عليه وسلم (3\957) والأرنؤوط
وكان يزيد ابن أَبِي
مَرْيَمَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ انظر المجموع (3/507) ودليلهم على هذا: أنه
لم يرد دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك، والعبادات مبناها على
التوقيف، عليه فلا يشرع والراجح ما ذهب إليه الجمهور للحديث الصحيح والله أعلم.
قال
الألباني رحمه الله : ورفع اليدين فى قنوت النازلة ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دعائه على المشركين
الذين قتلوا السبعين قارئاً.أخرجه الإمام أحمد (3/137) من حديث أنس بسند صحيح. وثبت
مثله عن عمر , وغيره فى قنوت الوتر انظر إرواء الغليل (2/181)
5-دعاء
القنوت هل يجهر به أم يسر؟:
اختلف
العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة على قولين:
القول
الأول: أنه يشرع الجهر به، وبهذا قال الشافعية والحنابلة.
[المجموع
(4/ 16)، الإقناع (1/ 145)].وهو الراجح والدليل : أنه قد ورد عن النبي صلى الله
عليه وسلم في أحاديث كثيرة منها ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو قائم: «اللهم أنج الوليد بن الوليد، ...». ولو لم يكن جهرا
لما سمعه أبو هريرة رضي الله عنه، بل جاء في البخاري 4560 بلفظ: يجهر بذلك.
القول
الثاني: أنه يشرع الإسرار به، وبهذا قال الحنفية والمالكية.
[البحر
الرائق (2/ 46)، مواهب الجليل (2/ 243)].
ودليلهم
على هذا: قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] قالوا فهذا مطلق يصدق على كل دعاء. وما أخرجه
وكيع (رقم 116) وغيره من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: «خير
الذكر الخفي».. ضعفه الألباني في ((التعليق الرغيب))
(3/ 9)،وهو عام يشمل الدعاء في القنوت.
وأجيب
عن هذا: بالنسبة للآية فهي مطلقة تقيد بلأحاديث الواردة بشرعية الجهر به.أما حديث
سعد رضي الله عنه فضعيف وعلى فرض ثبوته فهو عام مخصوص بالأحاديث الواردة في الجهر
بالقنوت.فالصحيح الجهر بالقنوت
6-ما
يقال في دعاء القنوت:
لا يتعين في القنوت دعاء معين، فللمصلي أن
يدعو بما شاء على وفق ضابط محدد وهو أن يدعو للمستضعفين من المؤمنين أو غير ذلك
7-
عَنْ ثَوْبَانَ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « لَا يَؤُمَّ قَوْمًا فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ، رواه الترمذي (357) قلت : ضعفه الألباني قلت : بل هو حديث حسن
حسنه البزار وشعبة يَسْتَحْسِنُ هَذَا الْحَدِيثَ انظر مسند البزار (10/116) وحسنه
ابن حجر وقال البُخَارِي: هذا أصح شىء فى هذا الباب انظر النتائج (2 / 156) قال الإمام
النووى فى " الأذكار " 1 / 50: قال الترمذى: حديث حسن وأقره وحسنه
المباركفوري قال المباركفوري : فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ إِمَامٌ بِالْإِفْرَادِ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ
بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قُلْتُ ذَكَرُوا فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا
وُجُوهًا قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَالْمَحْفُوظُ فِي
أَدْعِيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا بِلَفْظِ
الْإِفْرَادِ كَقَوْلِهِ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَسَائِرُ الْأَدْعِيَةِ
الْمَحْفُوظَةِ عَنْهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ اللَّهُمَّ
اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ اللَّهُمَّ
بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
الْحَدِيثَ وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « لَا يَؤُمَّ قَوْمًا فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ،قال بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ ذَكَرَ
حَدِيثَ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ الْحَدِيثَ قَالَ فِي هَذَا
دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ لَا يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ
نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ
بن تَيْمِيَةَ يَقُولُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي فِي الدُّعَاءِ الَّذِي يَدْعُو بِهِ
الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَأْمُومِينَ وَيَشْتَرِكُونَ فيه كدعاء القنوت ونحوه
انتهى كلام بن الْقَيِّمِ قُلْتُ الْحُكْمُ عَلَى حَدِيثِ ثَوْبَانَ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ
مَوْضُوعٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ حَسَنٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
الْعَزِيزِيُّ هَذَا فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ خَاصَّةً بِخِلَافِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ
وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالتَّشَهُّدِ وَقَالَ
فِي التَّوَسُّطِ مَعْنَاهُ تَخْصِيصُ نَفْسِهِ بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَالسُّكُوتِ
عَنِ الْمُقْتَدِينَ وَقِيلَ نَفْيُهُ عَنْهُمْ كَارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ
مَعَنَا أَحَدًا وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ أَوِ الثَّانِي حَرَامٌ فَقَطْ لِمَا رُوِيَ
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ الْحَدِيثَ
انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ
أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِجَمْعِ الضَّمِيرِ فِيهِ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَأْثُورِ وَالْمَأْثُورُ
إِنَّمَا هُوَ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ بِإِفْرَادِ
الضَّمِيرِ كَمَا ثَبَتَ لَكِنْ لَا يَنْوِي بِهِ خَاصَّةَ نَفْسِهِ بَلْ يَنْوِي بِهِ
الْعُمُومَ وَالشُّمُولَ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ خَلْفَهُ مِنَ الْمَأْمُومِينَ هَذَا
مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انظر تحفة الأحوذي (2/287)
الثاني عشر : ثم يكبر رافعا يديه ؟
أ- تكبيرات الانتقال : ما
المقصود بتكبيرات الانتقال؟
تكبيرات الانتقال: هي التكبيرات التي ننتقل بها من حركة إلى أخرى أثناء الصلاة مثل تكبيرة النزول للركوع وتكبيرة النزول للسجود وغير ذلك. الثابت من فعله صل الله عليه وسلم التكبير في كل خفض ورفع ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ» رواه الترمذي (253) وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 0 وصححه الألباني وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ إلَّا فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ انظر نيل الأوطار (2/278)
تكبيرات الانتقال: هي التكبيرات التي ننتقل بها من حركة إلى أخرى أثناء الصلاة مثل تكبيرة النزول للركوع وتكبيرة النزول للسجود وغير ذلك. الثابت من فعله صل الله عليه وسلم التكبير في كل خفض ورفع ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ» رواه الترمذي (253) وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 0 وصححه الألباني وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ إلَّا فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ انظر نيل الأوطار (2/278)
حكم هذه التكبيرات قلت :
الصحيح يجب: قال الشوكاني رحمه الله : اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ،
فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إلَى أَنَّهُ مَنْدُوبٌ
فِيمَا عَدَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَبَعْضُ
أَهْلِ الظَّاهِرِ: إنَّهُ يَجِبُ كُلُّهُ. وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى النَّدْبِيَّةِ
بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ
صَلَاتَهُ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَعَلَّمَهُ وَأَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ أَبْزَى
يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ تَرْكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لَهُ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَالْإِشْعَارِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ،-
قلت : عمرو حديث ابْنِ أَبْزَى هو عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ
أَبِيهِ، أَنَّهُ «صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «مَعْنَاهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ لَمْ
يُكَبِّرْ وَإِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ لَمْ يُكَبِّرْ رواه أبو داود (837) وقال الألباني في ضعيف
أبي داود (150) (قلت:
إسناده ضعيف مضطرب. وقال البخاري: " هذا عندنا باطل) – قال الشوكاني : وَأَمَّا
الْجَوَابُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ
فَمَمْنُوعٌ، بَلْ قَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُسِيءِ بِلَفْظِ «ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَرْكَعُ
حَتَّى يَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حَتَّى
يَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ
مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ
قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ،
ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ»
- رواه أبو داود (857) وصححه الألباني - انظر نيل الأوطار (2/278)
ومتى يبدأ التكبير ؟ المشروع لكل مصلٍّ (
الإمام والمأموم والمنفرد ) أن يكون تكبيره للركوع مقارنا لحركته ، فيبدأ التكبير
حال انحنائه ، ويختمه قبل أن يصل إلى حد الركوع ؛ فيقع تكبيره بين الركنين ،
القيام والركوع .وقد دلت السنة على أن التكبير يقارن الحركة المقصودة من ركوع ،
وسجود ، وقيام منه ، كما في حديث أبي هريرة قال : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا
قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ
قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ:
«وَلَكَ الحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ
رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ،
ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ
يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الجُلُوسِ رواه البخاري (789) ومسلم (392)
قال النووي رحمه الله في
شرح مسلم (4/ 99) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مُقَارَنَةِ التَّكْبِيرِ لِهَذِهِ الْحَرَكَاتِ وَبَسْطِهِ عَلَيْهَا فَيَبْدَأُ
بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَشْرَعُ فِي الِانْتِقَالِ إِلَى الرُّكُوعِ وَيَمُدُّهُ حَتَّى
يَصِلَ حَدَّ الرَّاكِعِينَ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ
حِينَ يَشْرَعُ فِي الْهُوِيِّ إِلَى السُّجُودِ وَيَمُدُّهُ حَتَّى يَضَعَ جَبْهَتَهُ
عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي تَسْبِيحِ السُّجُودِ وَيَبْدَأُ فِي قَوْلِهِ
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَشْرَعُ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَمُدُّهُ
حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا ثُمَّ يَشْرَعُ فِي ذكر الاعتدال وهو ربنا لك الحمد الى
آخِرِهِ وَيَشْرَعُ فِي التَّكْبِيرِ لِلْقِيَامِ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ حِينَ
يَشْرَعُ فِي الِانْتِقَالِ وَيَمُدُّهُ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا هَذَا مَذْهَبُنَا
وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ انه لايكبر لِلْقِيَامِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ
حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ ظَاهِرُ الْحَدِيث اهـ قال
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : التكبير للانتقال في الصلاة من ركن إلى آخر، يكون فيما بين الركنين، فإذا أراد السجود
فليكبر ما بين القيام والسجود، وإذا أراد القيام من السجود فليكبر ما بين السجود والقيام،
هذا هو الأفضل.وإن قدر أنه ابتدأ التكبير قبل أن يهوي إلى السجود وكمله في حال الهبوط
فلا بأس، وكذلك لو ابتدأ في حال الهبوط ولم يكمله إلا وهو ساجد فلا بأس انظر مجموع
فتاوى (13/ 170) وقال في الشرح الممتع (3/87) وقوله: «مكبِّراً»
حال من فاعل «يركع» حال مقارنة، يعني: في حال هويه إلى الرُّكوعِ يكبِّرُ فلا يبدأ
قبل، ولا يؤخِّره حتى يَصِل إلى الرُّكوعِ، أي: يجب أن يكون التَّكبيرُ فيما بين الانتقالِ
والانتهاءِ، حتى قال الفقهاءُ رحمهم الله: «لو بدأ بالتَّكبير قبل أن يهويَ، أو أتمَّهُ
بعد أن يَصِلَ إلى الرُّكوع؛ فإنه لا يجزئه» . لأنهم يقولون: إنَّ هذا تكبيرٌ في الانتقال
فمحلُّه ما بين الرُّكنين، فإنْ أدخلَه في الرُّكن الأول لم يصحَّ، وإن أدخله في الرُّكن
الثاني لم يصحَّ؛ لأنه مكان لا يُشرع فيه هذا الذِّكرُ، فالقيامُ لا يُشرع فيه التَّكبيرُ،
والرُّكوع لا يُشرع فيه التكبيرُ، إنما التكبيرُ بين القيام وبين الرُّكوعِ.ولا شَكَّ
أن هذا القولَ له وجهة مِن النَّظر؛ لأن التَّكبيرَ علامةٌ على الانتقالِ؛ فينبغي أن
يكون في حالِ الانتقال.ولكن؛ القول بأنه إن كمَّلَه بعد وصول الرُّكوع، أو بدأ به قبل
الانحناء يُبطلُ الصَّلاةَ فيه مشقَّةٌ على النَّاس، لأنك لو تأملت أحوال الناس اليوم
لوجدت كثيراً مِن النَّاسِ لا يعملون بهذا، فمنهم من يكبِّرُ قبل أن يتحرَّك بالهوي،
ومنهم مَن يَصِلُ إلى الرُّكوعِ قبل أن يُكمل.والغريب أن بعض الأئمة الجُهَّالِ اجتهد اجتهاداً خاطئاً وقال: لا أكبِّرُ حتى أصل
إلى الرُّكوع، قال: لأنني لو كبَّرت قبل أن أَصِلَ إلى الرُّكوع لسابقني المأمومون، فيهوُون قبل أن أَصِلَ إلى
الرُّكوع، وربما وصلوا إلى الرُّكوع قبل أنْ أَصِلَ إليه، وهذا مِن غرائب الاجتهاد؛
أن تُفسد عبادتك على قول بعض العلماء؛ لتصحيح عبادة غيرك؛ الذي ليس مأموراً بأن يسابقك،
بل أُمر بمتابعتك.ولهذا نقول: هذا اجتهادٌ في غير محلِّه، ونُسمِّي المجتهدَ هذا الاجتهاد:
«جاهلاً جهلاً مركَّباً» ؛ لأنه جَهِلَ، وجَهِلَ أنه جاهلٌ.إذاً؛ نقول: كَبِّرْ مِن
حين أن تهويَ، واحرصْ على أن ينتهي قبل أن تَصِلَ إلى الرُّكوع، ولكن لو وصلت إلى الرُّكوع
قبل أن تنتهي فلا حرجَ عليك، والقولُ بأن الصَّلاةَ تفسدُ بذلك حَرَج، ولا يمكن أن
يُعملَ به إلا بمشقَّةٍ.فالصوابُ: أنه إذا ابتدأ التَّكبيرَ قبل الهوي إِلى الرُّكوعِ،
وأتمَّه بعدَه فلا حرج، ولو ابتدأه حين الهوي، وأتمَّه بعد وصولِهِ إلى الرُّكوعِ فلا
حَرَجَ، لكن الأفضل أن يكون فيما بين الرُّكنين بحسب الإمكان. وهكذا يُقال في: «سمعَ
الله لمن حمده» وجميعِ تكبيرات الانتقال. أمَّا لو لم يبتدئ إلا بعد الوصول إلى الرُّكن
الذي يليه، فإنه لا يعتدُّ به اهـ
هل يمده حتى ينتهي إلى آخر الركن أم لا يمده ؟
الصحيح لا يمده ؛ قال الصنعاني رحمه الله : وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: يُكَبِّرُ حَتَّى كَذَا
وَحِينَ كَذَا- يقصد حديث أبي هريرة السابق - أَنَّ التَّكْبِيرَ يُقَارِنُ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ، فَيَشْرَعُ
فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ لِلرُّكْنِ؛ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمُدُّ
التَّكْبِيرَ حَتَّى يَمُدَّ الْحَرَكَةَ، كَمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ فَلَا وَجْهَ
لَهُ، بَلْ يَأْتِي بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى أَدَائِهِ، وَلَا نُقْصَانٍ
مِنْهُ انظر سبل السلام (1/268).
قال ابن حزم في المحلى
(3/64) وَنَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ فِي التَّكْبِيرِ مَعَ
ابْتِدَائِهِ لِلِانْحِدَارِ لِلرُّكُوعِ، وَمَعَ ابْتِدَائِهِ لِلِانْحِدَارِ لِلسُّجُودِ، وَمَعَ ابْتِدَائِهِ لِلرَّفْعِ
مِنْ السُّجُودِ، وَمَعَ ابْتِدَائِهِ لِلْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيَكُونَ
ابْتِدَاؤُهُ لِقَوْلِ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " مَعَ ابْتِدَائِهِ
فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُطِيلَ
التَّكْبِيرَ، بَلْ يُسْرِعَ فِيهِ، فَلَا يَرْكَعُ وَلَا يَسْجُدُ وَلَا يَقُومُ وَلَا
يَقْعُدُ إلَّا وَقَدْ أَتَمَّ التَّكْبِيرَ 00وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ،
وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابُهُمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ بِذَلِكَ،
إلَّا فِي التَّكْبِيرِ لِلْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَرَاهُ إلَّا
إذَا اسْتَوَى قَائِمًا - وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا
إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ طَائِفَةً
مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُنَا بِإِيجَابِ
تَعْجِيلِ التَّكْبِيرِ لِلْإِمَامِ فَرْضًا: فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا
كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» فَأَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّكْبِيرَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ
فَرْضًا إثْرَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ وَلَا بُدَّ، فَإِذَا مَدَّ الْإِمَامُ
التَّكْبِيرَ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ فَكَبَّرُوا مَعَهُ وَقَبْلَ تَمَامِ
تَكْبِيرِهِ، فَلَمْ يُكَبِّرُوا كَمَا أُمِرُوا، وَمَنْ لَمْ يُكَبِّرْ فَلَا صَلَاةَ
لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ صَلَاتَهُمْ،
وَأَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعَدُوَّانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وقال الأمام أحمد كما في طبقات الحنابلة (1/351) وربما طول الإمام فِي
التكبير إذا لم يكن له فقه والذي يكبر معه ربما جزم التكبير ففرغ من التكبير قبل أن
يفرغ الإمام فقد صار هذا مكبرا قبل الإمام ومن كبر قبل الإمام فليست له صلاة لأنه دخل
فِي الصلاة قبل الإمام وكبر قبل الإمام فلا صلاة له اهـ فتبين بذلك : أن مد التكبير في
الصلاة ليس من السنة ، بل قد يؤدي إلى مفسدة ، وهي تعريض المأمومين لمسابقة الإمام
أو موافقته ، وبذلك تختل المتابعة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :
(إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا) رواه
البخاري (378) ومسلم (411) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق