الثلاثاء، 8 نوفمبر 2016

باب الأذان والإقامة عمرو العدوي أبو حبيبة






( باب الأذان والإقامة )
الْأَذَانُ لُغَةً الْإِعْلَامُ وَشَرْعًا الْإِعْلَامُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ انظر تحفة الأحوذي (1/480)
حكمه : قلت:تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال ؟
القول الأول : قالوا فرض وهو قول عطاء ومجاهد وداود وابن حزم ينظر المحلى (2\ 166) ودليلهم : قوله - صلى الله عليه وسلم - لمَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ -رضي الله عنه-:  فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ رواه البخاري (628)
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهما في حال سفرهما بالأذان، والأمر يقتضي الوجوب واستدلوا بعدة أحاديث أخرى ولكن هذه الأحاديث صرفت إلى الاستحباب كما سيأتي
قال ابن حزم في المحلى (2\163) وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةُ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ - اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا - إلَّا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي وَقْتِهَا، أَوْ كَانَتْ مَقْضِيَّةً لِنَوْمٍ عَنْهَا أَوْ لِنِسْيَانٍ، مَتَى قُضِيَتْ، السَّفَرُ وَالْحَضَرُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَإِنْ صَلَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُمْ، حَاشَا الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ بِمُزْدَلِفَةَ؛ فَإِنَّهُمَا يُجْمَعَانِ بِأَذَانٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِقَامَةٍ لِلصَّلَاتَيْنِ مَعًا لِلْأَثَرِ فِي ذَلِكَ.- ثم ذكر حديث مَالِك بْن الْحُوَيْرِثِ وغيره
القول الثاني :  فرض كفاية: وهو مذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الألباني  ينظر الثمرالمستطاب (1\ 202) ورجحه ابن باز وابن عثيمين واستدلوا : بالحديث السابق قالوا : الحديث دليل على أن الأذان فرض على الكفاية لأن النبي صل الله عليه وسلم أمر أن يؤذن من الجماعة واحد فقط ، ولم يأمر الجماعة كلها بالأذان 
الأذان فرض كفاية للصلاة، يجب على الجماعة في الحضر وفي السفر أن يؤذن واحد منهم ويقيم الأذان هذا هو الصواب، إنهما فرض كفاية إذا قام به واحد من الجماعة في قرية أو في سفر كفى عن الباقين ولكن ليس شرطا للصلاة، بل هما فرض كفاية خارج الصلاة، فإن فعلهما البعض فقد أحسن ويؤجر وإن تركهما أثم وصلاته صحيحة، وصحتها لا تتوقف على الأذان والإقامة لكن تعتبر ناقصة بدون أذان وبدون إقامة عمدا تكون ناقصة بدون أذان أنقص من الصلاة بأذان وإقامة فهي أكمل وأفضل، ولا يجوز للمسلم تعمد ترك الأذان والإقامة، بل الواجب أداء الأذان والإقامة من أحد الجماعة الحاضرين من أهل المدارك ظاهر العدالة، ممن يقيم الأذان مؤذن واحد منهم إذا كان بهذه الصفة بألفاظه وظاهر العدالة فإنه يعتمد عليه في الأذان، وينبغي له أن يكون معروفا بعدالة ظاهرة، وأن يكون يقيم الأذان ليؤذن في الحضر أو في السفر، أما إذا كان فردا واحدا في السفر فله أن يؤذن أيضا أما الوجوب عليه ففيه خلاف ونظر والأفضل له الأذان والسنة في حقه أن يؤذن لما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع صوت المؤذن حجر ولا شجر إلا شهد له يوم القيامة رواه البخاري (609) فدل ذلك على الأكيد بحق الواحد أما الوجوب فلا يجب عليه وفيه خلاف ومحل نظر ولكن ينبغي ألا يدع الأذان، وإذا كانوا جماعة يجب عليهم أن يؤذنوا يؤذن واحد منهم، ويقيموا كذلك انتهى
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (28\4)وأما الفرق بين قولنا: إنه واجب وقولنا: إنه فرض كفاية فهو أن القول بالوجوب يجعل كل جماعة يلزمها التأذين إلا في المساجد العامة، وأما على القول بالفرضية على الكفاية فيسقط هذا الوجوب عند قيام بعض المصلين بهذا المأمور به، فهذا الفرق بين القول بالوجوب والقول بالكفاية انتهى
القول الثالث : قال النووي في المجموع (3\82) مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا – أي الأذان والإقامة- سُنَّةٌ لِكُلِّ الصَّلَوَاتِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِلْجَمَاعَةِ وَالْمُنْفَرِدِ لَا يَجِبَانِ بِحَالٍ فَإِنْ تَرَكَهُمَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ واصحابه واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ - أي أكثر أهل العلم – ورواية عن مالك- والشافعي انتهى وهو الراجح
والدليل : 1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المسيئ في صلاته قال له النبي صلى الله عليه وسلم «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ رواه البخاري (757) ومسلم (397) وفي رواية عند البخاري (6251) ومسلم (397) «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ قلت : أدلة إيجاب الأذان والإقامة مصروفة إلى الاستحباب بهذا الحديث لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء في صلاته بالوضوء ، واستقبال القبلة ، وأركان الصلاة ، وواجبتها ، ولم يذكر معها الأذان ، والإقامة
قال النووي في المجموع (3\81) وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ لِكَوْنِهِمَا سُنَّةً قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم للاعرابي المسيئ صَلَاتَهُ افْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْوُضُوءَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَأَرْكَانَ الصَّلَاةِ انتهى
قلت : أما رواية عند الترمذي وحسنها (302) وصححها الألباني في سنن الترمذي وضعفها في الثمر المستطاب كما سيأتي  وهي أن النبي صل الله عليه وسلم قال : إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ 000 الحديث قلت : هذه الرواية ضعيفه تفرد بها يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي ولم يوثقه غير ابن حبان وهو معروف بالتساهل وقال ابن القطان: مجهول وقال الحافظ ابن حجر في التقريب مقبول أي حديثه مقبول عند المتابعة ومردود غير مقبول عن الانفراد انتهى  وقد خالفه محمد بن عجلان ومحمد بن عمرو ومحمد بن إسحاق وداود بن قيس وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فرووه عن علي بن يحيى بن خلاد به دون قوله: " ثم تشهد فأقم " وأصْل الْحَدِيثِ فِي البخاري ومسلم عن أبي هريرة وغيره رَضِيَ اللَّهُ عَنهم كما سبق ولم يذكر الأذان والإقامة وعليه فهذه الرواية لا تصح وضعفها شيخنا مصطفى العدوي قال الألباني في الثمر المستطاب (1\ 204) ولكن في ثبوت ذلك في الحديث نظر ولو ثبت ذلك لكانت الإقامة واجبة في حق المنفرد لأمره صلى الله عليه وسلم له بها ولكنها لا تثبت لأنه تفرد بها يحيى بن علي بن يحيى وهو غير موثق بل هو مجهول فقد ذكر الذهبي في (الميزان) وساق له هذا الحديث ثم قال:(قال ابن القطان: لا يعرف إلا بهذا الخبر روى عنه إسماعيل بن جعفر وما علمت فيه ضعفا قلت: لكن فيه جهالة) هذا كلام الذهبي فالرجل إذن مجهول لا يعرف فمثله لا يثبت حديثه وقول الترمذي بعد أن ساقه: (حديث حسن) إنما يعني به أصل الحديث لا كل ما ورد فيه من الألفاظ ويدلك على ذلك أن الحديث رواه جمع من الثقات عن علي بن يحيى والد يحيى بن علي بن يحيى فلم يذكر أحد منهم الإقامة في الحديث وهم داود بن قيس ومحمد بن عجلان ومحمد بن عمرو وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق خمستهم عن علي بن يحيى لم يذكر أحد منهم الإقامة كما ذكرنا وسيأتي تخريج طرقهم هذه في كتاب الصلاة: استقبال القبلة
ثم وجدت حديث يحيى بن علي بن يحيى هذا في (مسند الطيالسي): ثنا إسماعيل بن جعفر المدني قال: ثني يحيى بن علي بن خلاد به إلا أنه لم يذكر الإقامة فاتفقت روايته مع رواية الثقات فدل ذلك كله على عدم ثبوت هذه الزيادة في الحديث فلا يغتر أحد بورودها في الحديث مع تحسين الترمذي له ولا بسكوت الحافظ ابن حجر عليها في (فتح الباري) وهذا تحقيق لا تراه - فيما أظن - في كتاب والله تعالى هو الملهم للصواب انتهى
 2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا رواه البخاري (615) ومسلم (437) ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالأذان وإنما اكتفى بالحث عليه والترغيب فيه ، كما حث على الصف الأول ورغَّب فيه ، فدل على أن الأذان سنة مؤكد  
3- عَنِ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، قَالَا: أَتَيْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ، فَقَالَ: أَصَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: فَقُومُوا فَصَلُّوا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ رواه مسلم (534)
فضله : وَرَدَ في فَضل الأَذَان أحاديثُ كَثيرةٌ ، منها :
عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري (609) عن مُعَاوِيَة ، قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه مسلم (387) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ رواه الترمذي (207) وصححه الألباني
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ، يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ رواه أبو داود (1203) وصححه الألباني  عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَذَّنَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَكُتِبَ لَهُ بِتَأْذِينِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِتُّونَ حَسَنَةً، وَلِكُلِّ إِقَامَةٍ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً رواه ابن ماجه (728) وصححه الحاكم وابن حجر والألباني
-- الأذان أفضل من الإمامة: للأحاديث المتقدمة في فضل الأذان، قال ابن قدامة في المغني (1/ 292) وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ، هَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، أَوْ لَا؟ فَرُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَةَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ، وَلَمْ يَتَوَلَّوْا الْأَذَانَ، وَلَا يَخْتَارُونَ إلَّا الْأَفْضَلَ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ يُخْتَارُ لَهَا مَنْ هُوَ أَكْمَلُ حَالًا وَأَفْضَلُ، وَاعْتِبَارُ فَضِيلَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ مَنْزِلَتِهِ. وَالثَّانِيَةُ: الْأَذَانُ أَفْضَلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ فِي فَضِيلَتِهِ، وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ، وَلَمْ يَتَوَلَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خُلَفَاؤُهُ؛ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْتُ ". وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ قلت : وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية
-- بدء مشروعية الأذان: شُرع الأذان بالمدينة في السنة الأولى من الهجرة، على الأصح، للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، ومن ذلك حديث ابن عمر:كان يقول: كَانَ يَقُولُ: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ رواه البخاري (604) ومسلم (377)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَذَكَرَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ من هذه الأحاديث وقد جزم بن الْمُنْذِرِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِغَيْرِ أَذَانٍ مُنْذُ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى أَنْ وَقَعَ التَّشَاوُرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثُمَّ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ انظر تحفة الأحوذي (1/480)
صفة الأذان :
الأولى : وَهُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ كِلْمَةً لَا تَرْجِيعَ فِيهِ فعن عَبْد اللَّهِ بْن زَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ، قَالَ: وَتَقُولُ: إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ: «إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» رواه أبو داود (499) قال البخاري وابن خزيمة: " حديث صحيح وقال الترمذي: حسن صحيح وقال النووي: " إسناده صحيح وصححه الألباني
وبهذه الكيفية أخذ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَإِسْحَاقُ ورواية عن أحمد انظر المغني (1/294)
الثانية : تسع عشرة جملة قَالَ 00الشَّافِعِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ: الْأَذَانُ الْمَسْنُونُ أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَهُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْنَا، إلَّا أَنَّهُ يُسَنُّ التَّرْجِيعُ، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، يَخْفِضُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ، ثُمَّ يُعِيدُهُمَا رَافِعًا بِهِمَا صَوْتَهُ،عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: " قُل: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ - قَالَ: ثُمَّ ارْجِعْ، فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "
رواه أبو داود (503) وصححه الترمذي والألباني
قال النووي في شرح مسلم (4/ 81) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ وَدَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ – قلت : ولكن الإمام مالك يرى أنها سَبْع عَشْرَة كَلِمَة ويسن الترجيع كما سيأتي - وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّرْجِيعَ فِي الْأَذَانِ ثَابِتٌ مَشْرُوعٌ وَهُوَ الْعَوْدُ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بَعْدَ قَوْلِهِمَا مَرَّتَيْنِ بِخَفْضِ الصَّوْتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يَشْرَعُ التَّرْجِيعُ عَمَلًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَالزِّيَادَةُ مُقَدَّمَةٌ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ هَذَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَإِنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ من الهجرة بعد حنين وحديث بن زَيْدٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَانْضَمَّ إِلَى هَذَا كُلِّهِ عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَسَائِرِ الْأَمْصَارِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي التَّرْجِيعِ هَلْ هو ركن لايصح الْأَذَانُ إِلَّا بِهِ أَمْ هُوَ سُنَّةٌ لَيْسَ رُكْنًا حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ صَحَّ الْأَذَانُ مَعَ فَوَاتِ كَمَالِ الْفَضِيلَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ فِعْلِ التَّرْجِيعِ وَتَرْكِهِ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
الثالثة : سَبْع عَشْرَة كَلِمَة، كالسابقة لكن التَّكْبِير فِي أَوَّلِهِ مَرَّتَانِ
عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ هَذَا الْأَذَانَ: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ»، ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ» «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رواه مسلم (379) وبهذه الكيفية أخذ مالك انظر المغني
قلت : الصحيح أن هذه الكيفيات كلها مباحة يخيَّر بين فعل أيٍّ منها، وهو قول أحمد وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه ابن عثيمين
 ولعلَّه أولى من الترجيح لأن القاعدة أن «العبادات الواردة على وجوه متنوعة فالأولى فعلها على هذه الوجوه» قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (2/ 56) ونقول: كلُّ ما جاءت به السُّنَّة من صفات الأذان فإنه جائز، بل الذي ينبغي: أنْ يؤذِّنَ بهذا تارة، وبهذا تارة إن لم يحصُل تشويش وفتنةٌ 00وكلُّ هذا مما جاءت به السُّنَّة، فإذا أذَّنت بهذا مرَّة وبهذا مرَّة كان أولى. والقاعدة: «أن العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة، ينبغي للإنسان أن يفعلها على هذه الوجوه» ، وتنويعها فيه فوائد: أولاً: حفظ السُّنَّة، ونشر أنواعها بين النَّاس.
ثانياً: التيسير على المكلَّف، فإن بعضها قد يكون أخفَّ من بعض فيحتاج للعمل.
ثالثاً: حضور القلب، وعدم مَلَله وسآمته.
رابعاً: العمل بالشَّريعة على جميع وجوهها اهـ
-- مَا جَاءَ فِي التَّرَسُّلِ فِي الْأَذَانِ
عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ: «يَا بِلَالُ، إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِكَ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ رواه الترمذي (195) وضعفه الألباني
قال صاحب تحفة الأحوذي (1/ 500) قَوْلُهُ (إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ) أَيْ تَأَنَّ وَلَا تَعْجَلْ وَالرِّسْلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ التُّؤَدَةُ وَالتَّرَسُّلُ طَلَبُهُ (وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ) أَيْ أَسْرِعْ وَعَجِّلْ فِي التَّلَفُّظِ بِكَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْحَدْرُ بِالْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْإِسْرَاعُ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ فَاحْدُرْ قال بن قُدَامَةَ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْذِمْ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَأَصْلُ الْحَذْمِ فِي الْمَشْيِ إِنَّمَا هُوَ الْإِسْرَاعُ وَأَنْ يَكُونَ مَعَ هَذَا كَأَنَّهُ يُهَوِّي بِيَدَيْهِ إِلَى خَلْفِهِ انْتَهَى 00 فَائِدَةٌ حَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعَ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ بأربعة أنفس ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ آخَرَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ آخَرَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ آخَرَ وَعَلَى هَذَا يَقُولُ كُلَّ كَلِمَةٍ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُولَ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ آخَرَ انْتَهَى وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً مِنْهَا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صُورَةَ تَثْنِيَةٍ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَذَانِ إِفْرَادٌ
وَتَعَقَّبَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ لَا فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي فِي آخِرِهِ وَعَلَى مَا قَالَ النَّوَوِيُّ يَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنَ اللَّتَيْنِ فِي آخِرِهِ بِنَفَسٍ انْتَهَى قُلْتُ مَا قَالَ الْحَافِظُ حَسَنٌ مُوَجَّهٌ لَكِنْ يُسْتَأْنَسُ لِمَا قَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَفِي آخِرِهِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ انْتَهَى فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَكَذَا فِي آخِرِهِ يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى مَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ
يُستحبُ التَّثويب في أذان الفجر 0
التثويب هو أن يقول المؤذن (الصلاة خير من النوم) مرتين بعد الحيعلتين أي: حي على الصلاة، حي على الفلاح في أذان الفجر
عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمه الأذان وفيه : حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فِي الْأُولَى مِنَ الصُّبْحِ» رواه النسائي (633) وصححه الألباني
قال النووي في المجموع (3/94) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّثْوِيبِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنُهُ وَأَنَسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَلَمْ يَقُلْ أَبُو حَنِيفَةَ بِالتَّثْوِيبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِيهِ اهـ
المشروع للفجر أذانان : الأول منهما قبل دخول الوقت ، والثاني هو الأذان للإعلام بدخول الوقت ولدعاء السامعين لحضور الصلاة ، فعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ»، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ رواه البخاري (617) ومسلم (1092
قال ابن حزم في المحلى (2/ 159) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا إلَّا صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي بِمِقْدَارِ مَا يُتِمُّ الْمُؤَذِّنُ أَذَانَهُ وَيَنْزِلُ مِنْ الْمَنَارِ أَوْ مِنْ الْعُلُوِّ وَيَصْعَدُ مُؤَذِّنٌ آخَرُ وَيَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ ابْتِدَاءِ الثَّانِي فِي الْأَذَانِ، وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَذَانٍ ثَانٍ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلَا يُجْزِئُ الْأَذَانُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ أَذَانُ سُحُورٍ، لَا أَذَانٌ لِلصَّلَاةِ.اهـ
قال ابن باز في مجموع فتاوى (10/ 341) الأذان الأول مستحب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم » قال الراوي: (وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت) ، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أقر بلالا على عمله، وبين صلى الله عليه وسلم الحكمة في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في إحدى الروايات: «إن بلالا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم » الحديث. وليس في ذلك حد محدود.والأفضل أن يكون الأذان الأول قريبا من الأذان الأخير؛ لقول الراوي في بعض الروايات: (وليس بينهما إلا أن يصعد هذا وينزل هذا) ، والمعنى: أنه ليس بينهما إلا وقت ليس بالطويل
تنبيه : اختلفوا في الأذان قبل الفجر هل هو في رمضان خاصة أم في رمضان وغير رمضان ؟ قلت : الصحيح هو مذهب مالك والشافعي وأحمد أن الأذان الأول الذي هو قبل دخول وقت الفجر سنة في رمضان وغيره ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ رواه البخاري (621) ومسلم  (1093) فذكر العلة من النداء بالليل وهذه العلة موجودة في رمضان وغيره
--- ويستحب في الأذان الأول التثويب كما في حديث أبي محذورة السابق قال الألباني رحمه الله في تمام المنة (1/ 146) قوله – أي سيد سابق - : "ويشرع للمؤذن التثويب وهو أن يقول في أذان الصبح بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم قال أبو محذورة: يا رسول الله علمني سنة الأذان فعلمه وقال: "فإن كان صلاة الصبح قلت  : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ... " رواه أحمد وأبو داود".قلت– أي الألباني -: إنما يشرع التثويب في الأذان الأول للصبح الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقريبا لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: " كَانَ فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَلَاحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مرتين"رواه البيهقي 1 / 423 وكذا الطحاوي في "شرح المعاني" 1 / 82 وإسناده حسن كما قال الحافظ. وحديث أبي محذورة مطلق وهو يشمل الأذانين لكن الأذان الثاني غير مراد لأنه جاء مقيدا في رواية أخرى بلفظ: "وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم. الصلاة خير من النوم". أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وغيرهم وهو مخرج في "صحيح أبي داود" 510 - 516 فاتفق حديثه مع حديث ابن عمر ولهذا قال الصنعاني في "سبل السلام" 1 / 167 - 168 عقب لفظ النسائي:" وَفِي هَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقَتْهُ الرِّوَايَاتِ. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ؛ وَصَحَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ابْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ: فَشَرْعِيَّةُ التَّثْوِيبِ إنَّمَا هِيَ فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لِإِيقَاظِ النَّائِمِ، وَأَمَّا الْأَذَانُ الثَّانِي فَإِنَّهُ إعْلَامٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَدُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ.
. اهـ مِنْ تَخْرِيجِ الزَّرْكَشِيّ لِأَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ الْكُبْرَى مِنْ حَدِيثِ «أَبِي مَحْذُورَةَ: أَنَّهُ كَانَ يُثَوِّبُ فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ مِنْ الصُّبْحِ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت: وَعَلَى هَذَا لَيْسَ: «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ» مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ الْمَشْرُوعِ لِلدُّعَاءِ إلَى الصَّلَاةِ، وَالْإِخْبَارِ بِدُخُولِ وَقْتِهَا، بَلْ هُوَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي شُرِعَتْ لِإِيقَاظِ النَّائِمِ، فَهُوَ كَأَلْفَاظِ التَّسْبِيحِ الْأَخِيرِ الَّذِي اعْتَادَهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ عِوَضًا عَنْ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ".قلت: وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لجريان العمل من أكثر المؤذنين في البلاد الإسلامية على خلاف السنة فيها أولا ولقلة من صرح بها من المؤلفين ثانيا فان جمهورهم - ومن ورائهم السيد سابق - يقتصرون على إجمال القول فيها ولا يبينون أنه في الأذان الأول من الفجر كما جاء ذلك صراحة في الأحاديث الصحيحة خلافا للبيان المتقدم من ابن رسلان والصنعافي جزاهما الله خيرا اهـ
فائدة: أجاز بعض الحنفية والشافعية التثويب في العشاء، قالوا: لأنها وقت غفلة ونوم كالفجر وأجاز بعض الشافعية التثويب في جميع الأوقات وهذه بدعة مخالفة للسنة، وقد أنكرها ابن عمر فعَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَثَوَّبَ رَجُلٌ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، قَالَ: «اخْرُجْ بِنَا فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ رواه أبو داود (538) وحسنه الألباني
صفة الإقامة :
الصيغة الأولى (إحدى عشرة كَلِمَة) والدليل : حديث عبد الله بن زيد السابق وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " إِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ، مَرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً، مَرَّةً غَيْرَ أَنَّهُ، يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ رواه أبو داود (510) وصححه النووي وحسنه الألباني واختار هذه الصيغة جمهور العلماء، منهم الأئمة الشافعي وأحمد رحمهم الله، انظر سؤال وجواب (5/ 1269)
الصيغة الثانية : وَقَالَ مَالِكٌ: الْإِقَامَةُ عَشْرُ كَلِمَاتٍ، تَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّةً وَاحِدَةً انظر المغني (1/ 294) ودليله : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ» رواه البخاري (607) ومسلم (378)
الصيغة الثالثة (سبع عشرة كَلِمَة) :
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِقَامَةُ مِثْلُ الْأَذَانِ، وَيَزِيدُ الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ انظر المغني (1/ 294) ودليله : عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً»  رواه الترمذي (192) وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وصححه الألباني
فهذه الصيغ ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن فعل واحدة منهم فقد أصاب السنة.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22/65) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَهُوَ تَسْوِيغُ كُلِّ مَا ثَبَتَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْرَهُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إذْ تَنَوُّعُ صِفَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ كَتَنَوُّعِ صِفَةِ الْقِرَاءَاتِ وَالتَّشَهُّدَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَكْرَهَ. مَا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ 00 وَمِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا: أَنْ يُفْعَلَ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً وَهَذَا فِي مَكَانٍ وَهَذَا فِي مَكَانٍ؛ لِأَنَّ هَجْرَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَمُلَازِمَةَ غَيْرِهِ قَدْ يُفْضِي إلَى أَنْ يَجْعَلَ السُّنَّةَ بِدْعَةً وَالْمُسْتَحَبَّ وَاجِبًا وَيُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ إذَا فَعَلَ آخَرُونَ الْوَجْهَ الْآخَرَ اهـ
أحكام وآداب تتعلق بالمؤذن :
(1)         [النَّهْي عَنْ أَخَذَ الْأُجْرَة عَلَى الْأَذَان]
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العَاصِ، قَالَ: إِنَّ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ «اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» رواه الترمذي (209) وحسنه وصححه الألباني قلت : تنازع العلماء في ذلك قال في معالم السنن (1/156) قلت أخذ المؤذن الأجر على أذانه مكروه في مذاهب أكثر العلماء وكان مالك بن أنس يقول لا بأس به ويرخص فيه وقال الأوزاعي الإجارة مكروهة ولا بأس بالجعل وكره ذلك أصحاب الرأي ومنع منه إسحاق بن راهويه وقال الحسن أخشى أن لا تكون صلاته خالصة لله وكرهه الشافعي وقال لا يرزق الإمام المؤذن إلاّ من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مرصد لمصالح الدين ولا يرزقه من غيره اهـ وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِهَذَا الْحَدِيثِ انظر سبل السلام (1/191)
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2/49) أما الجُعَالة؛ بأن يقول: من أذَّن في هذا المسجد فله كذا وكذا دُونَ عقدٍ وإلزام فهذه جائزة؛ لأنَّه لا إلزام فيها، فهي كالمكافأة لمن أذَّن، ولا بأس بالمكافأة لمن أذَّن، وكذلك الإقامة اهـ ورجح نحوه ابن حزم في المحلى (2/182) وقال صاحب تحفة الأحوذي (1/527) فِيهِ دلالة ظاهرة على أن يكره أخذ الأجرة وقد عقد بن حِبَّانَ تَرْجَمَةً عَلَى الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ قَالَ فَأَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ فَأَذَّنْتُ ثُمَّ أَعْطَانِي حِينَ قَضَيْتُ التَّأْذِينَ صُرَّةً فيها مِنْ فِضَّةٍ – صححه الألباني - وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ قَالَ الْيَعْمُرِيُّ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ قِصَّةَ أبي محذورة أول ما أسلم لأنه أعطاء حِينَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ وَذَلِكَ قَبْلَ إِسْلَامِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الرَّاوِي لِحَدِيثِ النَّهْيِ فَحَدِيثُ عُثْمَانَ مُتَأَخِّرٌ الثَّانِي أَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ وَأَقْرَبُ الِاحْتِمَالَاتِ فِيهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّأْلِيفِ لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ كَمَا أَعْطَى حِينَئِذٍ غَيْرَهُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَوَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إِذَا تَطَرَّقَ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَلَبَهَا الِاسْتِدْلَالَ لِمَا يَبْقَى فِيهَا مِنَ الْإِجْمَالِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بعد نقل كلام بن سَيِّدِ النَّاسِ هَذَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَرِدُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْأُجْرَةَ إِنَّمَا تَحْرُمُ إِذَا كَانَتْ مَشْرُوطَةً لَا إِذَا أُعْطِيهَا بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِمِثْلِ هَذَا حَسَنٌ قُلْتُ مَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ لَا شَكَّ في حسنة اهـ
(2) أن يكون مسلما:
فلا يصح أذان الكافر ، ولا يُعتَد به لأن الكافر ليس من أهل العِبَادات
لقوله تعالى : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزمر/65]
(3) أن يكون عاقلا : فلا يَصِحُّ من المجنون لأنه مرفوع عنه التكليف عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ رواه ابن ماجه (2041) وصححه الألباني
(4) أن يكون ذكرا : قال ابن قدامة في المغني (1/ 300) وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ ذَكَرٍ، فَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمَجْنُونُ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ. وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ يُشْرَعُ لَهُ الْأَذَانُ، فَأَشْبَهَتْ الْمَجْنُونَ، وَلَا الْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ رَجُلًا. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
وقال ابن حزم في المحلى (2/ 178) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ إلَّا رَجُلٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ مُؤَدٍّ لِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَسْبَ طَاقَتِهِ، وَلَا يُجْزِئُ أَذَانُ مَنْ لَا يَعْقِلُ حِينَ أَذَانِهِ لِسُكْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِذَا أَذَّنَ الْبَالِغُ لَمْ يُمْنَعْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الْأَذَانِ بَعْدَهُ؛ وَيُجْزِئُ أَذَانُ الْفَاسِقِ؛ وَالْعَدْلُ أَحَبُّ إلَيْنَا؛ وَالصَّيِّتُ أَفْضَلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يُخَاطَبْنَ بِالْأَذَانِ لِلرِّجَالِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ أَوْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا» فَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْأَذَانِ مَنْ أُلْزِمَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ وَهُمْ الرِّجَالُ فَقَطْ؛ لَا النِّسَاءُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؟ وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالذَّاهِبُ الْعَقْلَ بِسُكْرٍ: غَيْرُ مُخَاطَبِينَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ؛ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ، وَالنَّائِمَ -» وَالْأَذَانُ مَأْمُورٌ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَلَا يُجْزِئُ أَدَاؤُهُ إلَّا مِنْ مُخَاطَبٍ بِهِ بِنِيَّةِ أَدَائِهِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَغَيْرُ الْفَرْضِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تُجِيزُونَ لِمَنْ أَذَّنَ لِأَهْلِ مَسْجِدٍ أَنْ يُؤَذِّنَ لِأَهْلِ مَسْجِدٍ آخَرَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا؛ وَهَذَا تَطَوُّعٌ مِنْهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْهُ، فَهُوَ مِنْ أَحَدِهِمْ الْمَأْمُورِينَ بِإِقَامَةِ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَالْإِقَامَةِ لِمَنْ مَعَهُ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُؤَدِّي فَرْضٍ، وَإِذَا تَأَدَّى الْفَرْضُ؛ فَالْأَذَانُ: فِعْلُ خَيْرٍ لَا يُمْنَعُ الصِّبْيَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَطَوُّعٌ وَبِرٌّ؟ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ أَحَدَنَا وَلَا مُؤْمِنًا، وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَا أَنْ يُؤَذِّنَ لَنَا أَحَدُنَا وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ أَلْفَاظَ الْأَذَانِ مُتَعَمِّدًا فَلَمْ يُؤَذِّنْ كَمَا أُمِرَ، وَلَا أَتَى بِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا؛ فَهَذَا لَمْ يُؤَذِّنْ أَصْلًا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ لِلُثْغَةٍ أَوْ لُكْنَةٍ أَجْزَأَ أَذَانُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَهَذَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَّا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُنَالِكَ مَنْ يُؤَدِّي أَلْفَاظَ الْأَذَانِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَانَ أَفْضَلَ لَوْ أَذَّنَ الْمُحْسِنُ؟ .
وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ أَحَدُنَا بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» وَلَا خِلَافَ فِي اخْتِيَارِ الْعَدْلِ، وَأَمَّا الصَّيِّتُ؛ فَلِأَنَّ الْأَذَانَ أَمْرٌ بِالْمَجِيءِ إلَى الصَّلَاةِ؛ فَإِسْمَاعُ الْمَأْمُورِينَ أَوْلَى؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مَحْذُورَةَ «ارْجِعْ فَارْفَعْ صَوْتَكَ» اهـ
(5) يصح أذان الأعمى :
قال ابن قدامة في المغني (1/301)
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ بَصِيرًا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَعْرِفُ الْوَقْتَ، فَرُبَّمَا غَلِطَ، فَإِنْ أَذَّنَ الْأَعْمَى صَحَّ أَذَانُهُ فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ عَمْرٍو: كَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ " أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (617)– ومسلم (1092) - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ بَصِيرٌ يُعَرِّفُهُ الْوَقْتَ، أَوْ يُؤَذِّنَ بَعْدَ مُؤَذِّنٍ بَصِيرٍ، كَمَا كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بَعْدَ أَذَانِ بِلَالٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ؛ لِيَتَحَرَّاهَا، فَيُؤَذِّنَ فِي أَوَّلِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَرُبَّمَا غَلِطَ وَأَخْطَأَ. فَإِنْ أَذَّنَ الْجَاهِلُ صَحَّ أَذَانُهُ، فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ أَذَانُ الْأَعْمَى فَالْجَاهِلُ أَوْلَى اهـ
هل يصح أذان الصبي المميز ؟
اتفق الفقهاء على أنَّ أذان الطفل غير المميِّز ( غير العاقل ) لا يَصِحُّ ولا يجزئ ؛ لأنَّه لا يُدْرِك ما يفعله ، ومن شروط صِحَّة الأذان : الإسلام والعقل والذُّكورة
قال في بدائع الصنائع (1/150)
وَأَمَّا أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَا يُجْزِئُ وَيُعَادُ؛ لِأَنَّ مَا يَصْدُرُ لَا عَنْ عَقْلٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَصَوْتِ الطُّيُورِ اهـ قال ابن قدامة في المغني (1/300) وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا
ثم اختلفوا في صِحَّة أذان الصبي المميز المميز قيل : هو من بلغ سبع سنين ، وقيل : لا يتقيد بسن فمتى فهم الخطاب ورد الجواب كان مميزا انظر تمام المنة (1/186) القول الأول : قالوا : يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيِّ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي أَنْ أُؤَذِّنَ لَهُمْ وَأَنَا غُلَامٌ، وَلَمْ أَحْتَلِمْ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ شَاهِدٌ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ. وَهَذَا مِمَّا يَظْهَرُ وَلَا يَخْفَى، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ ذَكَرٌ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، فَاعْتُدَّ بِأَذَانِهِ القول الثاني : لَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ صَبِيٍّ وهو رواية عن الإمام أحمد انظر المغني (1/ 300)
(6) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ صَيِّتًا،- حسن الصوت- يُسْمِعُ النَّاسَ «وَاخْتَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا مَحْذُورَةَ لِلْأَذَانِ» لِكَوْنِهِ صَيِّتًا، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ؛ لِأَنَّهُ أَرَقُّ لِسَامِعِهِ انظر المغني (1/301)
(7) أن يلتفت برأسه وعنقه يمينا وشمالا في الحيعلتين :
قال ابن خزيمة رحمه الله : بَابُ الِانْحِرَافِ فِي الْأَذَانِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْحَرِفُ بِفِيهِ لَا بِبَدَنِهِ كُلِّهِ عن أَبِي جُحَيْفَةَ أنه رأى بلالا يؤذن فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا - يَقُولُ: يَمِينًا وَشِمَالًا - يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ رواه البخاري (634) ومسلم (503) واللفظ له زاد ابن خزيمة (387) : وَيُحَرِّفُ رَأْسَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، وعند الترمذي (197) يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ ، وعند أبي داود (520) وَلَمْ يَسْتَدِرْ ولكنها رواية ضعيفة ولذلك اختلف العلماء هل المقصود الاستدارة بالرأس فقط ، أم الاستدارة بالجسد كله ، والظاهر إدارة الرأس فقط كما هو في رواية ابن خزيمة السابقة قال الحافظ رحمه الله : وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الِاسْتِدَارَةَ عَنَى اسْتِدَارَةَ الرَّأْسِ وَمَنْ نَفَاهَا عَنَى اسْتِدَارَةَ الْجَسَدِ كُلِّهِ انظر فتح الباري (2/ 115) قلت : هذا على فرض ثبوت رواية أبي داود في نفي الاستدارة ، لكنها رواية ضعيفة ، وعليه فيرجح القول بالاستدارة انظر تمام المنة (1/187)
وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ يَسْتَدِيرُ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مَرَّةً وَفِي الثَّانِيَتَيْنِ مَرَّةً أي يقول : حي على الصلاة مرتين جهة اليمين ، ثم حي على الفلاح مرتين جهة الشمال وهو مذهب الجمهور انظر شرح مسلم (4/219) أو يقول حي على الصلاة جهة اليمين مرة وجهة الشمال مرة ثم حي على الفلاح جهة اليمين مرة وجهة الشمال أخرى ؟ أو يقول : حي على الصلاة ويلتفت يمينا وشمالا أثناء ترديدها ، ثم يقولها مرة ثانية كذلك ، ثم يقول : حي على الفلاح كذلك ، ثم يكررها كذلك وهو رواسة للشافعي ؟ قلت : والأرجح في ذلك الصفة الأخيرة ؛ لما ورد في إحدى رويات ابن خزيمة : فَجَعَلَ يَقُولُ فِي أَذَانِهِ هَكَذَا، وَيُحَرِّفُ رَأْسَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا بِحَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فتكون هذه الصفة أرجح الصفات لورودها في الخبر وذلك بأن يحرف رأسه يمينا وشمالا في كل واحدة
(8) يستحب وضع أصبعيه في أذنيه ؛ لحديث أَبِي جُحَيْفَةَ قال : رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ وَيُتْبِعُ فَاهُ هَاهُنَا، وَهَاهُنَا، وَإِصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ رواه الترمذي (197) وصححه الترمذي والألباني  قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 27) رُوِّينَا عَنْ بِلَالٍ، وَأَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْعَلَانِ أَصَابِعَهُمَا فِي آذَانِهِمَا، وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ الْمُؤَذِّنُ سَبَّابَتَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَالنُّعْمَانُ، وَابْنُ الْحَسَنِ، وَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ وَاسِعٌ إِنْ وَضَعَ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْ، وَسُئِلَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لِمَ أُمِرَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يَجْعَلَ أُصْبَعَيْهِ فِي أُذُنِهِ؟ قَالَ: لِشِدَّةِ الصَّوْتِ اهـ وقال الترمذي : وَعَلَيْهِ العَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُدْخِلَ المُؤَذِّنُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فِي الأَذَانِ " وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: وَفِي الإِقَامَةِ أَيْضًا يُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيّ اهـ قلت :قوله : وَفِي الإِقَامَةِ أَيْضًا يُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ ....  قال صاحب تحفة الأحوذي (1/504) لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْأَذَانِ فَقِيَاسٌ مع الفارق اهـ
 قال النووي في المجموع (3/ 108) وَلَا يُسْتَحَبُّ وَضْعُ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ فِي الْإِقَامَةِ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(9) أن يستقبل القبلة : وأجمعوا أن من السنة أن تستقبل القبلة بالأذان انظر الإقناع (1/118) قال ابن حزم في المحلى (2/180) وَيُجْزِئُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ قَاعِدًا وَرَاكِبًا وَعَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَجُنُبًا، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ -، وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُؤَذِّنَ إلَّا قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى طَهَارَةٍ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، فِي الْأَذَانِ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَغَيْرِهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا نَهْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يُفَصَّلْ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ، وَإِنَّمَا تَخَيَّرْنَا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى طَهَارَةٍ قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا اهـ وقال الألباني رحمه الله في الإرواء (1/250) لكِنَّ الحُكمَ صحيح , فقد ثبت استِقبَالُ القِبلَةِ فى الأَذَان من المَلَك الذى رآهُ عبدُ الله بن زيد الأنصارى فى المنام لما سيأتى بيانه برقم (246) .
وفيه جاء عبد الله بن زيد فقال: يا رسول الله إنى رأيت رجلا نزل من السماء فقام على جذم حائط , فاستقبل القبلة ... " فذكر الحديث قلت: ورجاله كلهم ثقات , لكنه مرسل وقد صح موصولا كما سيأتى فى المكان المشار إليه.
وروى السراج فى مسنده (1/23/1) عن مجمع بن يحيى قال: " كنت مع أبى أمامة بن سهل , وهو مستقبل المؤذن فكبر المؤذن وهو مستقبل القبلة الحديث وإسناده صحيح , وهو فى مسند أحمد (4/95) دون موضع الشاهد منه اهـ
(10) قال ابن قدامة في المغني (1/299) الْمُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْجَنَابَةِ جَمِيعًا اهـ لكنه إن أذن على غير طهارة فأذانه صحيح عند أكثر أهل العلم ؛ فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» رواه البخاري معلقا (1/129) ومسلم (373) قال ابن حزم في المحلى (1/99) وَكَذَلِكَ الْآذَانُ وَالْإِقَامَةُ يُجْزِئَانِ أَيْضًا بِلَا طَهَارَةٍ وَفِي حَالِ الْجَنَابَةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيُجْزِئُ إنْ وَقَعَ. وَقَالَ عَطَاءُ: لَا يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئًا. وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤَذِّنُ مَنْ لَيْسَ عَلَى وُضُوءٍ وَلَا يُقِيمُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا فَرْقٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ، فَإِنْ قَالُوا إنَّ الْإِقَامَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالصَّلَاةِ، قِيلَ لَهُمْ: وَقَدْ لَا تَتَّصِلُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ مِنْ حَدِيثٍ بَدَأَ فِيهِ الْإِمَامُ مَعَ إنْسَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ، وَقَدْ يَكُونُ الْآذَانُ مُتَّصِلًا بِالْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، كَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا وَلَا فَرْقَ وَإِذَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابٍ أَنْ لَا يَكُونَ الْآذَانُ وَالْإِقَامَةُ إلَّا بِطَهَارَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا، فَقَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ خَطَأٌ، لِأَنَّهُ إحْدَاثُ شَرْعٍ مِنْ غَيْرِ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَهَذَا بَاطِلٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» قِيلَ لَهُمْ: هَذِهِ كَرَاهَةٌ لَا مَنْعٌ، وَهُوَ عَلَيْكُمْ لَا لَكُمْ لِأَنَّكُمْ تُجِيزُونَ الْآذَانَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ فِي الْخَبَرِ وَأَنْتُمْ لَا تَكْرَهُونَهُ أَصْلًا، فَهَذَا الْخَبَرُ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ، وَأَمَّا نَحْنُ فَهُوَ قَوْلُنَا، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى طَهَارَةٍ أَفْضَلُ وَلَا نَكْرَهُهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مَنْسُوخَةٌ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ
(11) يستحب أن يؤذن قائما :
قال ابن قدامة قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا. وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ قُمْ فَأَذِّنْ» . وَكَانَ مُؤَذِّنُو رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَذِّنُونَ قِيَامًا. وَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ قَاعِدًا قَالَ الْحَسَنُ الْعَبْدِيُّ: رَأَيْت أَبَا زَيْدٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ رِجْلُهُ أُصِيبَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يُؤَذِّنُ قَاعِدًا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. فَإِنْ أَذَّنَ قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَيَصِحُّ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِآكَدَ مِنْ الْخُطْبَةِ، وَتَصِحُّ مِنْ الْقَاعِدِ. قَالَ الْأَثْرَمُ: وَسَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الْأَذَانِ عَلَى الرَّاحِلَةِ؟ فَسَهَّلَ فِيهِ، وَقَالَ: أَمْرُ الْأَذَانِ عِنْدِي سَهْلٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُقِيمُ. وَإِذَا أُبِيحَ التَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَالْأَذَانُ أَوْلَى انظر المغني (1/308)
(12) يستحب أن يؤذن على مكان مرتفع ؟
قال ابن قدامة في المغني (1/) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ؛ لِيَكُونَ أَبْلَغَ لِتَأْدِيَةِ صَوْتِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ، فَيَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعِينُك وَأَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ، أَنْ يُقِيمُوا دِينَكَ. قَالَتْ: ثُمَّ يُؤَذِّنُ – رواه أبو داود (519) وحسنه الألباني –
(13) الكلام أثناء الأذان :
اختلف أهل العلم العلم في حكم كلام المؤذن أثناء التأذين على ثلاثة أقوال القول الأول : رَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ انظر المغني (1/ 308) وهو الراجح ودليلهم : أن ابن عباس أمر مناديه يوم الجمعة في يوم مطير، لما بلغ: حي على الصلاة، أن يقول: « «الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ» ، فقيل: ما هذا، قال «إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رواه البخاري (616) ومسلم (699)
2 - عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، «أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، كَانَ يُؤَذِّنُ فِي الْعَسْكَرِ، وَكَانَ يَأْمُرُ غُلَامَهُ بِالْحَاجَةِ فِي أَذَانِهِ»
رواه ابن أبي شيبة (2198) قال ابن حزم في المحلى (2/ 182) الْكَلَامُ الْمُبَاحُ كُلُّهُ جَائِزٌ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ اهـ
القول الثاني : يكره الكلام أثناء الأذان والإقامة: وبه قال النخعي وابن سيرين والأوزاعي ومالك والثوري والشافعي وأبو حنيفة.
القول الثالث: إن تكلم في الإقامة أعادها: وهو قول الزهري.
(14) حكم أذان النساء وإقامتهن لا يجب على النساء أذان ولا إقامة، عند جماهير السلف والخلف، من الأئمة الأربعة وابن حزم ،.قال ابن حزم في المحلى (2/169) وَلَا أَذَانَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا إقَامَةَ؛ فَإِنْ أَذَّنَّ، وَأَقَمْنَ فَحَسَنٌ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَلَيْسَ النِّسَاءُ مِمَّنْ أُمِرْنَ بِذَلِكَ، فَإِذَا هُوَ قَدْ صَحَّ فَالْأَذَانُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِقَامَةُ كَذَلِكَ؛ فَهُمَا فِي وَقْتِهِمَا فِعْلٌ حَسَنٌ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: تُقِيمُ الْمَرْأَةُ لِنَفْسِهَا، وَقَالَ طَاوُسٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ اهـ
(15) لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مُرَتَّبًا قال ابن قدامة في المغني (1/309) وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مُرَتَّبًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ يَخْتَلُّ بِعَدَمِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُرَتَّبًا، لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ أَذَانٌ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ مُرَتَّبًا، وَعَلَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا مَحْذُورَةَ مُرَتَّبًا اهـ
(16) الفصل بين الأذان والإقامة ؟
قال شيخنا عادل العزازي : ويستحب أن يفصل بين الأذان والإقامة بقدر أن يفرغ الإنسان من طعامه وشرابه وقضاء حاجته وصلاة ركعتين على الأقل في كل الصلوات وذلك للأدلة الآتية :
1- عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ: «يَا بِلَالُ، وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالمُعْتَصِرُ إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، - رواه الترمذي (195) وحسنه الألباني في الصحيحة (887) - المعتصر هنا هو الذي يحتاج إلى الغائط ليتأهب للصلاة وهو من (العصر) . أو (العصر) وهو الملجأ والمستخفى -
2- قوله : صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ رواه البخاري (624) ومسلم (838) والمراد بالأذانين : الأذان والإقامة
3- ما ثبت من حديث أنس وغيره : «كَانَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المُؤَذِّنُ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ، وصلوا ركعتين رواه البخاري (625) ومسلم (837) والمقصود من ذلك تمكن الناس من إدراك الصلاة  قَالَ بن بَطَّالٍ لَا حَدَّ لِذَلِكَ غَيْرَ تَمَكُّنِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ – انظر فتح الباري (2/106) -
الأذان للفائتة عن نوم أو نسيان :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - في خبر نومهم عن الصلاة - قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ»، قَالَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى رواه أبو داود (436) وصححه الألباني قال الشوكاني في نيل الأوطار(2/71) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَقْضِيَّةِ اهـ
فائدة : قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/321)وَلَيْسَ الْأَذَانُ بِوَاجِبٍ لِلصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً وَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِنْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ يَقْضِي صَلَوَاتٍ فَأَذَّنَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَأَقَامَ لِبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ كَانَ حَسَنًا أَيْضًا اهـ
-- الفصل بين الإقامة والصلاة :
عن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ»
رواه البخاري (642) ومسلم (376)
قال ابن حزم في المحلى (2/196) وَالْكَلَامُ جَائِزٌ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ - طَالَ الْكَلَامُ أَوْ قَصُرَ - وَلَا تُعَادُ الْإِقَامَةُ لِذَلِكَ -: - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَامَ النَّاسُ» وَقَدْ ذَكَرْنَا إقَامَةَ الْمُسْلِمِينَ لِلصَّلَاةِ، وَتَذَكُّرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ جُنُبٌ، وَرُجُوعَهُ وَاغْتِسَالَهُ، ثُمَّ مَجِيئَهُ وَصَلَاتَهُ بِالنَّاسِ؟ .
وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُ إعَادَةَ الْإِقَامَةِ أَصْلًا؛ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ: فِي أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، أَوْ أَحْدَثَ؛ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَلَا تُعَادُ الْإِقَامَةُ لِذَلِكَ وَيُكَلَّفُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ، وَقَلِيلِ الْكَلَامِ وَكَثِيرِهِ -: أَنْ يَأْتِيَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ بِدَلِيلٍ، ثُمَّ عَلَى حَدِّ الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْكَثِيرِ؛ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ أَصْلًا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
-- من أذن فهو يقيم: يجوز أن يقيم المؤذن وغيره باتفاق العلماء، ولكن الاولى أن يتولى المؤذن الإقامة. قال الشافعي: وإِذَا أَذَّنَ الرَّجُلُ أَحْبَبْت أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ وقال الترمذي: وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ انظر فقه السنة (1/118)
قلت : أما حديث عَنْ زِيَادِ بْنِ الحَارِثِ الصُّدَائِيِّ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ قَدْ أَذَّنَ، وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» رواه الترمذي (199) وضعفه الترمذي والألباني قال ابن حزم في المحلى (2/ 184) مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُ الَّذِي أَذَّنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ ذَلِكَ نَهْيٌ يَصِحُّ، وَالْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ «إنَّمَا يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ» إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ، وَهُوَ هَالِكٌ؟ اهـ
متى يقوم الناس إلى الصلاة ؟
قال ابن حجر في فتح الباري (2/ 120) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَمْ أَسْمَعْ فِي قِيَامِ النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ بِحَدٍّ مَحْدُودٍ إِلَّا أَنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَى طَاقَةِ النَّاسِ فَإِنَّ مِنْهُمُ الثَّقِيلَ وَالْخَفِيفَ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُمْ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَقُومُوا حَتَّى تَفْرُغَ الْإِقَامَةُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ إِذَا قَالَ الْمُؤَذّن قد قَامَت الصَّلَاة اهـ
وقال الألباني في تمام المنة (1/ 151) ينبغي تقييد ذلك بما إذا كان الإمام في المسجد وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة «أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ، قَبْلَ أَنَّ يَقُومَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَهُ»رواه مسلم وغيره وهو مخرج في "صحيح أبي داود" وأما إذا لم يكن في المسجد فلا يقومون حتى يروه قد خرج لقوله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ " متفق عليه واللفظ لمسلم اهـ
الخروج من المسجد بعد الأذان :
عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رواه مسلم (655)
قال النووي في شرح مسلم (5/ 157) فِيهِ كَرَاهَةُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ حَتَّى يصلي المكتوبة إلا لعذر اهـ
قال الترمذي في سننه (1/ 397) وَعَلَى هَذَا العَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ: أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنَ المَسْجِدِ بَعْدَ الأَذَانِ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ: أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ اهـ قلت يجوز الخروج من المسجد في وقت الضرورة لحديث أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم تذكر أَنَّهُ جُنُبٌ بعد إقامة الصفوف فخرج ليغتسل رواه البخاري (639) ومسلم (605) قال ابن حجر في فتح الباري (2/121) فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ ضَرُورَةٌ فَيُلْحَقُ بِالْجُنُبِ الْمُحْدِثُ وَالرَّاعِفُ وَالْحَاقِنُ وَنَحْوُهُمْ وَكَذَا مَنْ يَكُونُ إِمَامًا لِمَسْجِدٍ آخَرَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ اهـ
الدعاء بين الأذان والإقامة :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ» رواه الترمذي (212) وحسنه الترمذي وصححه الألباني
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ كَمَا يَقُولُونَ فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ رواه أبو داود (524) وصححه الألباني
-- مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَ فِيهِ :
قال ابن قدامة في المغني (1/306) وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَإِنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّوْا فِيهِ، فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى بِهِمْ فِي جَمَاعَةٍ. وَإِنْ شَاءَ صَلَّى مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ؛ فَإِنَّ عُرْوَةَ قَالَ: إذَا انْتَهَيْت إلَى مَسْجِدٍ قَدْ صَلَّى فِيهِ نَاسٌ أَذَّنُوا وَأَقَامُوا، فَإِنَّ أَذَانَهُمْ وَإِقَامَتَهُمْ تُجْزِئُ عَمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، إلَّا أَنَّ الْحَسَنَ، قَالَ: كَانَ أَحَبُّ إلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمَ. وَإِذَا أَذَّنَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْفِيَ ذَلِكَ وَلَا يَجْهَرَ بِهِ؛ لِيَغُرَّ النَّاسَ بِالْأَذَانِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ اهـ
        --- قال شيخنا عادل العزازي في تمام المنة (1/195) يجوز أن يقيم في المكان الذي أذن فيه ، أو في مكان غيره ، لكن إن كان المؤذن يؤذن خارج المسجد فالسنة أن تكون الإقامة في غير موضع الأذان وذلك بأن تكون بالمسجد فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ الْأَذَانُ فِي الْمَنَارَةِ، وَالْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ، يَفْعَلُهُ» رواه ابن أبي شيبة (2331) وسنده صحيح ثم قال لا يقيم المؤذن حتى يأذن له الإمام ، لأن بلالا كان يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لا يؤذن ولا يقام من النوافل ولا للعيدين ولا للاستسقاء والكسوف ولا لصلاة الجنازة ، إلا أنه يقول في الكسوف : الصلاة جامعة وأما العيدان والتراويح ونحوهما فلم يرد فيها شيء من ذلك اهـ
n        --- في البرد الشديد أو المطر الشديد يقول المؤذن بعد حي على الفلاح : أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فعَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، فَقَالَ: «أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ»، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ، يَقُولُ: «أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» رواه البخاري (632) ومسلم (697)
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: " إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ "، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ، فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ»
رواه البخاري (901) ومسلم (699)
قال النووي في شرح مسلم (5/ 207) وفي حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ وَفِي حديث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ وَالْأَمْرَانِ جَائِزَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اهـ
-- الذكر عند الأذان وبعده :
يسن لمن يسمع الأذان هذه الأذكار :
(1) أن يقول مثل ما يقول المؤذن ، إلا في الحيعلتين فيقول : لا حول ولا قوة إلا بالله 0
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ رواه البخاري (611) ومسلم (383)
وعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ رواه مسلم (385)
قال شيخنا عادل العزازي في تمام المنة (1/198) ولا منافاة بين الحديثين - أعني في الحيعلتين - ففي الحديث الأول ظاهره أن نقول خلف المؤذن : (حي على الصلاة - حي على الفلاح ) مثله ، وفي الثاني نقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فيمكن أن يقال : يجوز هذا وذاك ، ويمكن أن يقال : يجوز الجمع بينهما فتقول أولا : حي على الصلاة ثم تقول : لا حول ولا قوة إلا بالله جمعا بين الأحاديث والله أعلم 0
(2) أن يدعو بهذا الدعاء :
 عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ» قَالَ ابْنُ رُمْحٍ فِي رِوَايَتِهِ " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: وَأَنَا أَشْهَدُ رواه مسلم (386)
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (2/86) وفي أثناء الأذان إذا قال المؤذِّن: «أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمداً رسولُ الله» وأجبته تقول بعد ذلك: «رضيت بالله رَبًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً» كما هو ظاهر رواية مسلم حيث قال: «من قال حين سمع النداء: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، رضيت بالله رَبًّا وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غُفِرَ له ذَنْبه» . في رواية ابن رُمْح ـ أحد رجال الإسناد ـ: «من قال: وأنا أشهد» وفي قوله: «وأنا أشهد» دليلٌ على أنه يقولها عقب قول المؤذِّن: «أشهد أنْ لا إله إلا الله» ، لأنَّ الواو حرف عطف، فيعطف قولَه على قولِ المؤذِّن. فإذاً؛ يوجد ذِكْرٌ مشروع أثناء الأذان اهـ
(3)  أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى الصيغ الواردة كما سيأتي ، ثم يسأل الله له الوسيلة فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» رواه مسلم (384) ومعنى سؤاله الوسيلة ما ثبت في الحديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ رواه البخاري (614) وزاد البيهقي بسند حسن كما قال ابن باز في السنن الصغير (296) إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
-- القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ، واجب أم مستحب ؟
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : عَلَى وُجُوبِ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ مِنَ السَّلَفِ وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وبن وهب انظر عون المعبود (2/ 158) ودليلهم : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ»
رواه البخاري (611) ومسلم (383)
القول الثاني : ذهب جمهور العلماء على أنه يستحب إجابة المؤذن وهو الراجح والدليل : 1- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى الْفِطْرَةِ» ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ» فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى رواه مسلم (382)
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2/82) واستدلَّ الجمهور بأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم سمع مؤذِّناً يؤذِّن فقال: «على الفِطرة» ، ولم يُنقل أنه أجابه أو تابعه، ولو كانت المُتابعة واجبة لفعلها الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام ولنُقِلَتْ إلينا
2- عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، قال قال النبي صلى الله عليه وسلم فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»
 قال ابن عثيمين رحمه الله  فهذا يدلُّ على أنَّ المتابعة لا تجب. ووجه الدلالة: أن المقام مقام تعليم؛ وتدعو الحاجةُ إلى بيان كلّ ما يُحتاج إليه، وهؤلاء وَفْدٌ قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في متابعة الأذان، فلمَّا ترك النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم التنبيه على ذلك مع دُعاءِ الحاجة إليه؛ وكون هؤلاء وفداً لَبِثُوا عنده عشرين يوماً؛ ثم غادروا؛ يدلُّ على أنَّ الإجابة ليست بواجبة، وهذا هو الأقرب والأرجح اهـ
3- عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ. فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ، وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ - قَالَ ثَعْلَبَةُ - جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ. «فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ، أَنْصَتْنَا، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ» رواه مالك في الموطأ (7) قال الألباني رحمه الله في تمام المنة (1/ 340) فائدة: في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان وسكوت عمر عليه وكثيرا ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب؟ فأجبت بهذا. والله أعلم
n        قال النووي في المجموع (3/118 )
قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ مُتَابَعَتُهُ لِكُلِّ سَامِعٍ مِنْ طَاهِرٍ وَمُحْدِثٍ وَجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الذِّكْرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْمُصَلِّي وَمَنْ هُوَ عَلَى الْخَلَاءِ وَالْجِمَاعِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْجِمَاعِ تَابَعَهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ فَإِذَا سَمِعَهُ وَهُوَ فِي قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دَرْسِ عِلْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَطَعَهُ وَتَابَعَ الْمُؤَذِّنَ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُتَابِعُهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَالَهُ اهـ
-- قال النووي في المجموع (3/120) مَنْ رَأَى الْمُؤَذِّنَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُشْرَعُ لَهُ الْمُتَابَعَةُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالسَّمَاعِ وَالْحَدِيثُ مُصَرِّحٌ بِاشْتِرَاطِهِ وَقِيَاسًا عَلَى تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فَإِنَّهُ لَا يشرع لِمَنْ يَسْمَعُ تَحْمِيدَهُ اهـ
-- قال النووي في المجموع (3/119) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُتَابِعُ الْمُؤَذِّنَ فِي جَمِيعِ الكلمات وعن مالك روايتان احداهما كَالْجُمْهُورِ وَالثَّانِيَةُ يُتَابِعُهُ إلَى آخِرِ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا بَعْدَهُ بَعْضُهُ لَيْسَ بِذِكْرٍ وَبَعْضُهُ تَكْرَارٌ لِمَا سَبَقَ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اهـ
-- قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (2/83) وقوله: «يُسَنُّ لسَامعه متابعتُه سِرًّا» ، ظاهره: أنه إذا رآه ولم يسمعه فلا تُسَنُّ المتابعة؛ لأن الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «إذا سمعتم» فعلَّق الحكمَ بالسَّماع؛ ولأنه لا يمكن أن يتابعَ ما لم يسمعه؛ لأنه قد يتقدَّم عليه.
وظاهر كلامه أيضاً: أنه لو سَمِعَه ولم يَرَهُ؛ تابعه للحديث وظاهر الحديث كما هو ظاهرُ كلام المؤلِّف أنه يتابعه على كلِّ حال؛ إلا أن أهل العلم استثنوا مَنْ كان على قضاء حاجته ؛ لأنَّ المقام ليس مقام ذِكْر، وكذا المصلِّي لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إن في الصَّلاةِ شُغْلاً» ، فهو مشغول بأذكار الصَّلاة وقال شيخ الإسلام: بل يتابع المصلّي المؤذِّنَ؛ لعموم الأمر بالمتابعة ، ولأنه ذِكْرٌ وُجِدَ سببُه في الصَّلاة، فكان مشروعاً، كما لو عَطَسَ المصلِّي فإنه يحمد الله كما جاءت به السُّنَّة لكن قد يقال: إن بينهما فَرْقاً، فإن حَمْدَ العاطس لا يُشْغِلُ كثيراً عن أذكار الصَّلاة، بخلاف متابعة المؤذِّن، وربما يكون ذلك أثناء قراءة الفاتحة فتفوت الموالاة بينها، فالرَّاجح أن المصلِّي لا يتابع المؤذِّن، وكذا قاضي الحاجة لكن هل يقضيان أم لا؟ المشهور من المذهب أنهما يقضيان ؛ لأن السبب وُجِدَ حال وجود المانع؛ فإذا زال المانع ارتفع وقضى ما فاته. وفي النَّفس من هذا شيء، خصوصاً إذا طال الفصلُ والله أعلم.
-- قال ابن قدامة في المغني (1/311) وَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَسَمِعَ الْمُؤَذِّنَ اُسْتُحِبَّ لَهُ انْتِظَارُهُ لِيَفْرُغَ، وَيَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ جَمْعًا بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَقَوْلِهِ وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ، فَلَا بَأْسَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ اهـ
--  عند قوله في الإقامة : قد قامت الصلاة أن يقول مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين فقط كما تقدم أما حديث عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا» رواه أبو داود (528) ضعفه ابن حجر والألباني

حكم الأذان بغير العربية :
جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (11/ 170) : لَوْ أَذَّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ بِلُغَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ أَذَانٌ. وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ؛ لأَِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ فِي الأَْذَانِ: أَنْ يَكُونَ بِالأَْلْفَاظِ الْمَشْرُوعَةِ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ فَصَّلُوا الْكَلاَمَ فِيهِ، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ، وَفِيهِمْ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، لَمْ يُجْزِئِ الأَْذَانُ بِغَيْرِهَا، وَيُجْزِئُ إِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُحْسِنُهَا. وَإِنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ لاَ يُجْزِئُهُ الأَْذَانُ بِغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُهَا أَجْزَأَه اهـ
ما أضيف إلى الاذان وليس منه: الاذان عبادة، ومدار الامر في العبادات على الاتباع. فلا يجوز لنا أن نزيد شيئا في ديننا أو ننقص منه وفي الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) : أي باطل.ونحن نشير هنا إلى أشياء غير مشروعة درج عليها الكثير، حتى خيل للبعض أنها من الدين، وهي ليست منه في شئ، من ذلك:
1 - قول المؤذن حين الاذان أو الاقامة: أشهد أن سيدنا محمدا رسول الله رأى الحافظ ابن حجر أنه لا يزاد ذلك في الكلمات المأثورة، ويجوز أن يزاد في غيرها.
2 - قال الشيخ اسماعيل العجلوني في كشف الخفاء مسح العينين بباطن أنملتي السبابتين بعد تقبيلهما عند سماع قول المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله، مع قوله: أشهد أن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رواه الديلمي عن أبي بكر، أنه لما سمع قول المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله، قاله وقبل باطن أنملتي السبابتين ومسح عينيه فقال صلى الله عليه وسلم: من فعل فعل خليلي فقد حلت له شفاعتي.
قال في المقاصد: لا يصح وكذا لا يصح ما رواه أبو العباس بن أبي بكز الرداد اليماني المتصوف في كتابه (موجبات الرحمة وعزائم المغفرة) بسند فيه مجاهيل مع انقطاعه، عن الخضر عليه السلام أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، مرحبا بحبيبي وقرة عيني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقبل إبهاميه ويجعلهما على عينيه لم يعم، ولم يرمد أبدا، ونقل غير ذلك.
ثم قال: ولم يصح في المرفوع من كل ذلك.
3 - التغني في الاذان واللحن فيه بزيادة حرف أو حركة أو مد، وهذا مكروه، فإن أدى إلى تغيير معنى أو إبهام محذور فهو محرم.
وعن يحيى البكاء: قال رأيت ابن عمر يقول لرجل إني لابغضك في الله، ثم قال لاصحابه: إنه يتغنى في أذانه، ويأخذ عليه أجرا.
4 - التسبيح قبل الفجر: قال في الاقناع وشرحه، من كتب الحنابلة: وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك في المآذن، فليس بمسنون، وما من أحد من العلماء قال إنه يستحب، بل هو من جملة البدع المكروهة لانه لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد أصحابه. وليس له أصل فيما كان على عهدهم يرد إليه، فليس لاحد أن يأمر به ولا ينكر على من تركه، ولا يعلق استحقاق الرزق به لانه إعانة على بدعة ولا يلزم فعله، ولو شرطه الواقف لمخالفته السنة.
وفي كتاب تلبيس إبليس لعبد الرحمن بن الجوزي: وقد رأيت من يقوم بليل كثير على المنارة فيعظ ويذكر ويقرأ سورة من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات، وقال الحافظ في الفتح: ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ليس من الاذان لا لغة ولا شرعا.
5 - الجهر بالصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم عقب الاذن غير مشروع، بل هو محدث مكروه، قال ابن حجر في الفتاوى الكبرى: قد استفتى مشايخنا وغيرهم في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم بعد الاذن على الكيفية التي يفعلها المؤذنون، فأفتوا بأن الاصل سنة، والكيفية بدعة، وسئل الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية عن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الاذان؟ فأجاب: (أما الاذان فقد جاء في (الخانية) أنه ليس لغير المكتوبات، وأنه خمس عشرة كلمة وآخره عندنا، لا إله إلا الله، وما يذكر بعده أو قبله كله من المستحدثات المبتدعة، ابتدعت للتلحين لا لشئ آخر ولا يقول أحد بجواز هذا التلحين، ولا عبرة بقول من قال: إن شيئا من ذلك بدعة حسنة، لان كل بدعة في
العبادات على هذا النحو فهي سيئة، ومن ادعى أن ذلك ليس فيه تلحين فهو كاذب انظر فقه السنة (1/121)
وأخيرا ما حكم استبدال الأذان بالإسطوانات:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: إنَّنا ننكر استبدالَ الأذان بالإسطوانات؛ فإنَّ ذلك يفتح على النَّاسِ بابَ التلاعُبِ بالدِّين.
ولا بأس باستعمال رافعِ الصوت في الأذان وخُطْبةِ الجمعة والعيدين ونحو ذلك؛ ليحصُلَ به إسماعُ الأذان في مسافاتٍ بعيدة.وليس هذا من البدع؛ فإنَّ البدعة هي الطريقة المحدثة في الدِّين، مضاهاةً للشريعة، والميكروفون لا يقصد باستعماله إلاَّ رَفْعُ الصوت فقطْ، فهو وسيلةُ تبليغٍ، وهي ترجعُ إلى العادات، انظر توضيح الأحكام (1/510)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق