إيهما أفضل قراءة القرآن من المصحف أم
عن ظهر قلب ؟
عمرو العدوي
أبو حبيبة
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً
عبده ورسوله.
أما
بعد:
فهذه بعض الأسطر نوضّح
من خلالها القول الصحيح - إن شاء الله- في مسألة
إيهما أفضل قراءة القرآن من المصحف أم عن ظهر قلب ؟
– فذكرت أقوال العلماء ودليل كل
فريق وذكرت القول الصحيح من أَقوالهم
إيهما أفضل قراءة القرآن من المصحف أم
عن ظهر قلب ؟
قلت : تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال ؟
القول الأول : القراءة من المصحف أفضل وهذا قول أكثر أهل العلم انظر فتح
الباري (9/ 78) ودليلهم :
أولا : عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَلْيَقْرَأْ فِي الْمُصْحَفِ رواه البيهقي في شعب الإيمان
(2027) حديث حسن قال الهيثمى في مجمع الزوائد (7/165) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ اهـ وحسنه الألباني في
الصحيحة (5/453) وجه
الاستدلال:الفضل الكبير المترتب على القرأة من المصحف يدل على الأفضلية
ثم استدل بعضهم بأحاديث ضعيفة أذكرها للتنبيه على ضعفها :
ثانيا : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
بَعْضِ، أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ نَظَرًا عَلَى مَنْ يَقْرَؤُهُ ظَاهِرًا، كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ
عَلَى النَّافِلَةِ»
رواه ابن شاهين (195) في الترغيب في فضائل الأعمال
وضعفه ابن حجر في الفتح وضعفه جدا الألباني في ضعيف الجامع (3980)
ثالثا : عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ أَلْفُ دَرَجَةٍ، وَقِرَاءَتُهُ فِي الْمُصْحَفِ
تُضَعَّفُ عَلَى ذَلِكَ أَلْفَيْ دَرَجَةٍ رواه البيهقي في شعب الإيمان (2025) قال أبو حاتم في العلل هذا حديث منكر اهـ وضعفه الالباني في ضعيف الجامع (1/ 595)
رابعا : عَنْ
جَابِرٍ مَرْفُوعا النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ عِبَادَةٌ وَنَظَرُ الْوَلَدِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ عِبَادَةٌ
وَالنَّظَرُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عِبَادَةٌ أخرجه ابن الفراتي قال
الألباني في الضعيفة (356) موضوع
خامسا : عن ابن مسعود قال : أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ رواه الطبراني في الكبير (8687) سنده حسن وصححه ابن حجر في فتح الباري
(9/ 78)
قال صاحب مطالب أولي النهى (1/602)(وَتُسَنُّ) الْقِرَاءَةُ (بِمُصْحَفٍ) لِإِشْغَالِ
حَاسَّةِ الْبَصَرِ بِالْعِبَادَةِ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ – الإمام أحمد - لَا يَكَادُ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ اهـ
القول الثاني
: قالوا قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل
وهذا قول : بعض الشافعية ومنهم العز بن عبد السلام
دليلهم : أولا
: {كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ
مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا
آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو
الألْبَابِ} [سورة ص: 29]
وجه الاستدلال: العادة تشهد بأن النظر فى المصحف يخل بالتدبر والتفكر فكانت القرأة
عن ظهر قلب أفضل لأنها أقرب للتدبر
ثانيا : قال النبي صلى
الله عليه وسلم للصحابي الذي زوجه المرأة بما معه من القرآن «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ
رواه البخاري (5030) ومسلم (1425) وأجيب : قال ابن حجر في فتح الباري (9/ 78) : فَدَلَّ عَلَى فَضْلِ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ
الْقَلْبِ لِأَنَّهَا أَمْكَنُ فِي التَّوَصُّل إِلَى التَّعْلِيم وَقَالَ بن كَثِيرٍ إِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ أَرَادَ
بِهَذَا الْحَدِيثِ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ
أَفْضَلُ مِنْ تِلَاوَتِهِ نَظَرًا مِنَ الْمُصْحَفِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا قَضِيَّةُ
عَيْنٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَعَلِمَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ
التِّلَاوَةَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يُحْسِنُ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ
وَأَيْضًا فَإِنَّ سِيَاقَ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِاسْتِثْبَاتِ أَنَّهُ
يَحْفَظُ تِلْكَ السُّوَرَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَعْلِيمِهِ لِزَوْجَتِهِ
وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ مِنَ التِّلَاوَةِ نَظَرًا وَلَا عَدَمَهَ
قُلْتُ وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمُرَادَ
بِقَوْلِهِ بَابُ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ مَشْرُوعِيَّتُهَا أَوِ اسْتِحْبَابُهَا
وَالْحَدِيثُ مُطَابِقٌ لِمَا تَرْجَمَ بِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهَا أَفْضَلَ
مِنَ الْقِرَاءَةِ نَظَرًا وَقَدْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ
مِنَ الْمُصْحَفِ نَظَرًا أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْب اهـ
ثاالثا : عَنْ أَبِي أُمَامَةَ اقرأوا الْقُرْآنَ وَلَا تَغُرَّنَّكُمْ
هَذِهِ الْمَصَاحِفُ الْمُعَلَّقَةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآن
قال ابن حجر في فتح الباري (9/ 79) أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ 0
القول الثالث : وهو اختيار النووي قال إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكّر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف،
فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا، فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف انظر
الأذكار (107)
قال النووي رحمه الله في
المجموع (2/ 166)
الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ
أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِي
الْمُصْحَفِ وَهُوَ
عِبَادَةٌ أُخْرَى كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا
وَنَصَّ عَلَيْهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا وَلَعَلَّهُمْ
أَرَادُوا بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَوِي خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْحَالَيْنِ
فَأَمَّا مَنْ يَزِيدُ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ وَتَدَبُّرُهُ فِي الْقِرَاءَةِ
عن ظهر القلب وهى أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ اهـ
سئل ابن عثيمين رحمه
الله كما في نور على الدرب (5/2)
هل القراءة من المصحف أفضل
من القراءة عن ظهر قلب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة قراءة القرآن في غير الصلاة فالقراءة
من المصحف أولى لأنه أقرب إلى الضبط وإلى الحفظ إلا إذا كانت قراءته عن ظهر قلب أحضر
إلى القلب وأخشع له فليقرأ عن ظهر قلب وأما في الصلاة فإن الأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب
وذلك لأنه إذا قرأ من المصحف فإنه يحصل له عمل متكرر في حمل المصحف وإلقائه وفي تقليب
الورق وفي النظر إلى حروفه وكذلك يفوته وضع اليد اليمنى على اليسرى في حال القيام وربما
يفوته التجافي في الركوع والسجود إذا جعل المصحف في إبطه ومن ثم رجحنا قراءة المصلى
عن ظهر قلب على قراءته من المصحف وإذا كنا نرجح هذا للإمام وهو أن الأفضل أن يقرأ عن
ظهر قلب لئلا يحصل له ما ذكرناه فإننا كذلك نقول بالنسبة لبعض المأمومين الذين نشاهدهم
خلف الإمام يحملون المصحف يتابعون قراءة الإمام فإن هذا أمر لا ينبغي لما فيه من الأمور
التي ذكرناها آنفاًً ولأنه لا حاجة بهم إلى أن يتابعوا الإمام نعم لو فرض أن الإمام
ليس بجيد الحفظ وقال لأحد من المأمومين صلِّ ورائي وتابعني في المصحف إذا أخطأت ورد علي فهذا لا بأس به للحاجة اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق