الأربعاء، 31 مايو 2017

كتاب الزكاة الجزء الأول عمرو العدوي أبو حبيبة



(كِتَاب الزَّكَاةِ )
 هِيَ فِي اللُّغَةِ النَّمَاءُ وَالتَّطْهِيرُ فَالْمَالُ يُنْمَى بِهَا مِنْ حَيْثُ لَا يُرَى وَهِيَ مَطْهَرَةٌ لِمُؤَدِّيهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَقِيلَ يُنْمَى أَجْرُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَسُمِّيَتْ فِي الشَّرْعِ زَكَاةٌ لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيهَا وَقِيلَ لِأَنَّهَا تُزَكِّي صَاحِبَهَا وَتَشْهَدُ بِصِحَّةِ إِيمَانِهِ كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ قَالُوا وَسُمِّيَتْ صَدَقَةٌ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ لِتَصْدِيقِ صَاحِبِهَا وَصِحَّةِ إِيمَانِهِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِه انظر شرح مسلم (7/48)
وفي الشرع حَقٌّ يَجِبُ فِي الْمَالِ، فَعِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِهَا فِي مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ يَنْصَرِفُ إلَى ذَلِك انظر المغني (2/427)
( حكمها )
وَالزَّكَاةُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَإِجْمَاعِ أُمَّتِهِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] . وَأَمَّا السُّنَّةُ، «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فِي آيٍ وَأَخْبَارٍ سِوَى هَذَيْنِ كَثِيرَةٍ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى وُجُوبهَا انظر المغني (2/427)
( الترغيب في أداء الزكاة )
قال تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103] قال الطبري في تفسيره (11/659) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ خُذْ مِنْ أَمْوَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ فَتَابُوا مِنْهَا صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] يَقُولُ: وَتُنَمِيهِمْ وَتَرْفَعُهُمْ عَنْ خَسِيسِ مَنَازِلِ أَهْلِ النِّفَاقِ بِهَا، إِلَى مَنَازِلِ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ. {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] يَقُولُ: وَادْعُ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لِذُنُوبِهِمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ مِنْهَا. {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] يَقُولُ: إِنَّ دُعَاءَكَ وَاسْتِغْفَارَكَ طُمَأْنِينَةٌ لَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْهُمْ وَقَبِلَ تَوْبَتَهُمْ {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمُُ} [البقرة: 224] يًقُولُ: وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِدُعَائِكَ إِذَا دَعَوْتَ لَهُمْ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ خَلْقِهِ، عَلِيمٌ بِمَا تَطْلُبُ بِهِمْ بِدُعَائِكَ رَبَّكَ لَهُمْ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ عِبَادِهِ اهـ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ رواه البخاري (660) ومسلم (1031) عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ: جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ قُضَاعَةَ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَصُمْتُ الشَّهْرَ، وَقُمْتُ رَمَضَانَ، وَآتَيْتُ الزَّكَاةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ رواه ابن خزيمة (2212) حديث صحيح على شرط الشيخين وصححه الألباني وعن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ» قَالَ: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ  اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا رواه الترمذي (2325) وصححه الترمذي والألباني
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا رواه البخاري (1442) ومسلم (1010)
( الترهيب من منع الزكاة )
قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) التَّوْبَةِ (34 : 35)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ - يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ " ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: (وَلَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ، سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه البخاري (4565) وعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَةً: آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَالْحَالَّ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ رواه أحمد (635) حسنه الألباني والأرنؤوط 0
( حكم تارك الزكاة )
1 - فإن كان تركها جحدا لوجوبها مع توافر شروط وجوبها عليه كفر بذلك إجماعا، ولو زكى ما دام جاحدا لوجوبها انظر مجموع فتاوى لابن باز (14/227)
2- وأما من أقَرَّ بوجوبها، وامتنع من أدائها:
 تنازع العلماء في لك على قولين 0
القول الأول : إنه يكفر، وهو إحدى روايتين عن الإمام أحمد،ودليله :   قوله تعالى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} سورة التوبة: 11 انظر معنى هذه الآية عند باب تارك الصلاة
القول الثاني : بينما ذهب جمهور العلماء ورجحه ابن باز وابن عثيمين إلى أن من منع الزكاة بخلاً من غير جحود لفرضيتها، فهو مرتكب لكبيرة من الكبائر، وإثم عظيم، وواقع تحت الوعيد الشديد بالعذاب الأليم يوم القيامة، ولكنه لا يخرج بهذا من الملة ما دام مقرًّا بوجوبها قلت : وهو الراجح لحديث أبي هريرة من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر مانع زكاة الذهب والفضة، وذكر عقوبته، قال بعد ذلك: « حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ»  رواه مسلم (987) وهذا دليل على أنه ليس بكافر ، إذ لو كان كافر لكان سبيله إلى النار فحسب وهو تحت مشيئة الله إن مات على ذلك؛ لقول الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}  قال ابن عثيمين في مجموع فتاوى (18/14) الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَحَجِّ بيت الله الحرام» - رواه البخاري (8) ومسلم (16) - وهي فرض بإجماع المسلمين، فمن أنكر وجوبها فقد كفر، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو ناشىء في بادية بعيدة عن العلم وأهله فيعذر، ولكنه يُعلّم، وإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتدًّا، وأما من منعها بخلاً وتهاوناً ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يكفر، وهو إحدى روايتين عن الإمام أحمد، ومنهم من قال: إنه لا يكفر، وهذا هو الصحيح، ولكنه قد أتى كبيرة عظيمة، والدليل على أنه لا يكفر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة، ثم قال: « حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» - رواه مسلم (987) - . وإذا كان يمكن أن يرى له سبيلاً إلى الجنة فإنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة، ولكن على مانعها بخلاً وتهاوناً من الإثم العظيم ما ذكره الله تعالى في قوله: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآءَاتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} . وفي قوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} . فعلى المرء المسلم أن يشكر الله على نعمته بالمال، وأن يؤدي زكاته حتى يزيد الله له في ماله بركة ونماء. وأما قول السائل: متى فرضت الزكاة؟
فجوابه: أن الزكاة فرضت في أصح أقوال أهل العلم بمكة، ولكن تقدير الأنصبة والأموال الزكوية وأهل الزكاة كان بالمدينة اهـ
( على من تجب الزكاة )
1- شرط الحرية والإسلام :
قال ابن قدامة في المغني (2/464)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالصَّدَقَةُ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: " إلَّا عَلَى الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ ". وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ تَامِّ الْمِلْكِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا: عَلَى الْعَبْدِ زَكَاةُ مَالِهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِتَامِّ الْمِلْكِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ زَكَاةٌ، كَالْمُكَاتَبِ.فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ اهـ
قال ابن عثيمين في مجموع فتاوى (18/16)
فأما الإسلام فإن الكافر لا تجب عليه الزكاة، ولا تقبل منه لو دفعها باسم الزكاة، لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ" أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} .
ولكن ليس معنى قولنا: إنها لا تجب على الكافر ولا تصح منه أنه معفي عنها في الآخرة بل إنه يعاقب عليها لقوله تعالى: {إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِى جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} وهذا يدل على أن الكفار يعذبون على إخلالهم بفروع الإسلام، وهو كذلك.
وأما الحرية فلأن المملوك لا مال له، إذ أن ماله لسيده، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من باع عبداً له مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المبتاع» - رواه البخاري (2379) ومسلم (1543) -. فهو إذن غير مالك للمال حتى تجب عليه الزكاة، وإذا قدر أن العبد ملك بالتمليك فإن ملكه في النهاية يعود لسيده؛ لأن سيده له أن يأخذ ما بيده، وعلى هذا ففي ملكه نقص ليس بمستقر استقرار أموال الأحرار، فعلى هذا تكون الزكاة على مالك المال، وليس على المملوك منها شيء، ولا يمكن أن تسقط الزكاة عن هذا المال اهـ
2- شرط أن يبلغ المال النصاب :
والمقصود بالمال كل مال ، سواء خرج من الأرض أو غيره 0
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ رواه البخاري (1484) ومسلم (979) وهذا مذهب أهل العلم لما يقتضيه القياس على الأموال الأخرى 0 جاء في شرح مسلم (7/48) قَالَ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَفْهَمَ الشَّرْعُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ لِلْمُوَاسَاةِ وَأَنَّ الْمُوَاسَاةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي مَالٍ لَهُ بَالٌ وَهُوَ النِّصَابُ ثُمَّ جَعَلَهَا فِي الْأَمْوَالِ الثَّابِتَةِ وَهِيَ الْعَيْنُ وَالزَّرْعُ وَالْمَاشِيَةُ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا كَالْعُرُوضِ فَالْجُمْهُورُ يُوجِبُونَ زَكَاةَ الْعُرُوضِ وَدَاوُدُ يَمْنَعُهَا اهـ
3- شرط أن يحول الحول على المال :
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ رواه ابن ماجه (1792) وصححه الألباني والأرنؤوط
قال ابن المنذر في الإجماع (47)
وأجمعوا على أن المال إذا حال عليه الحول أن الزكاة تجب فيه اهـ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ في الأم (2/18) : كُلُّ مَالٍ لِرَجُلٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ فِي يَدِ مَالِكِهِ حَوْلٌ إلَّا مَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَصْلُحُ وَكَذَلِكَ مَا خَرَجَ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَادِنِ وَمَا وُجِدَ فِي الْأَرْضِ مِنْ الرِّكَازِ اهـ
 ( هل في مال الصغير والمجنون زكاة )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصبي الصغير والمجنون ، وهو مذهب الأئمة مالك والشافعي
وأحمد  انظر المغني (2/465) وهو الراجح والدليل :
1- قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103]
2- قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن: (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ،) رواه البخاري (1395) ومسلم (19) فأوجب الزكاة في المال على الغني، وهذا بعمومه يشمل الصبي الصغير والمجنون إن كان لهما مال 0قال ابن حزم في المحلى (4/3) وَالزَّكَاةُ فَرْضٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْأَحْرَارِ مِنْهُمْ وَالْحَرَائِرُ وَالْعَبِيدُ، وَالْإِمَاءُ، وَالْكِبَارُ وَالصِّغَارِ، وَالْعُقَلَاءُ، وَالْمَجَانِينُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ كَافِرٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]
فَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُ تَعَالَى لِكُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ، مِنْ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى: لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا.
وَقَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَعَاقِلٍ وَمَجْنُونٍ، وَحُرٍّ وَعَبْدٍ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى طُهْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَتَزْكِيَتِهِ إيَّاهُمْ، وَكُلُّهُمْ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا: ثم ذكر حديث معاذ فقال -
فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ غَنِيٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ اهـ
القول الثاني : ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الزكاة لا تجب في ماله، كما لا تجب عليه سائر العبادات؛ كالصلاة والصيام، غير أنه أوجب عليه زكاة الزروع وزكاة الفطر انظر المغني (2/ 465) واستدل أيضا عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَام، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ رواه أبو داود (4403) وصححه الألباني
وأجاب الجمهور عن هذا بأن عدم وجوب الصلاة والصيام على الصبي فلأنهما عبادات بدنية، وبدن الصبي لا يتحملها، أما الزكاة فهي حق مالي، والحقوق المالية تجب على الصبي، كما لو أتلف مال إنسان، فإنه يجب عليه ضمانه من ماله، وكنفقة الأقارب، يجب عليه النفقة عليهم إذا توفرت شروط وجوب ذلك.
وقالوا أيضا: ليس هناك فرق بين وجوب زكاة الزروع وزكاة الفطر على الصبي، وبين زكاة سائر الأموال كالذهب والفضة والنقود، فكما وجبت الزكاة عليه في الزروع تجب عليه في سائر الأموال، ولا فرق.
ويتولى ولي الصغير والمجنون إخراج الزكاة عنهما من مالهما، كلما حال عليه الحول، ولا ينتظر بلوغ الصبي 0
قال ابن حزم في المحلى (4/10) فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ» ؟ قُلْنَا: فَأَسْقَطُوا عَنْهُمَا بِهَذِهِ الْحُجَّةِ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ، الَّتِي هِيَ سَاقِطَةٌ بِهَا بِلَا شَكٍّ، وَلَيْسَ فِي سُقُوطِ الْقَلَمِ سُقُوطُ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا فِيهِ سُقُوطُ الْمَلَامَةِ، وَسُقُوطُ فَرَائِضِ الْأَبْدَانِ فَقَطْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قَالُوا لَا نِيَّةَ لِمَجْنُونٍ، وَلَا لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَالْفَرَائِضُ لَا تُجْزِئُ إلَّا بِنِيَّةٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِأَخْذِهَا الْإِمَامُ وَالْمُسْلِمُونَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] فَإِذَا أَخَذَهَا مَنْ أُمِرَ بِأَخْذِهَا بِنِيَّةِ أَنَّهَا الصَّدَقَةُ أَجْزَأَتْ عَنْ الْغَائِبِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ، وَمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ اهـ
قال ابن قدامة في المغني (2/465) إذَا تَقَرَّرَ هَذَا،يعني وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون -  فَإِنَّ الْوَلِيَّ يُخْرِجُهَا عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ وَاجِبَةٌ، فَوَجَبَ إخْرَاجُهَا، كَزَكَاةِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَالْوَلِيُّ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَكَانَ عَلَى الْوَلِيِّ أَدَاؤُهُ عَنْهُمَا، كَنَفَقَةِ أَقَارِبِهِ اهـ
من مات وعليه زكاة ، هل تسقط عنه ؟
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، وَالْمُثَنَّى، وَالثَّوْرِيُّ: لَا تُخْرَجُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْصَى بِهَا.
وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَجَعَلُوهَا إذَا أَوْصَى بِهَا وَصِيَّةً تُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ انظر المغني (2/509)
القول الثاني : لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ، وَتُخْرَجُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا. هَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ انظر المغني (2/509) وهو مذهب أحمد بن حنبل وابن حزم وهو الراجح قال ابن حزم في المحلى (4/201) فَلَوْ مَاتَ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، أَقَرَّ بِهَا أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَرِثَهُ وَلَدُهُ أَوْ كَلَالَةً، لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ وَلَا لِلْوَصِيَّةِ وَلَا لِلْوَرَثَةِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ كُلُّهَا؛ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ.00 وَبَيْنَ صِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلَانِ قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فِي الْمَوَارِيثِ) {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَعَمَّ - عَزَّ وَجَلَّ - الدُّيُونَ كُلَّهَا، وَالزَّكَاةُ دَيْنٌ قَائِمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَسَاكِينِ، وَالْفُقَرَاءِ وَالْغَارِمِينَ وَسَائِرِ مَنْ فَرَضَهَا تَعَالَى لَهُمْ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ 00 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» - رواه البخاري (1953) ومسلم (1148) – اهـ
( وقت أدائها )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول :
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ التَّأْخِيرُ مَا لَمْ يُطَالَبْ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقٌ، فَلَا يَتَعَيَّنْ الزَّمَنُ الْأَوَّلُ لِأَدَائِهَا دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا لَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ مَكَانٌ دُونَ مَكَان انظر المغني (2/510)
القول الثاني : تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْفَوْرِ، فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ إخْرَاجِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُ، إذَا لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا. وهو مذهب جمهور العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد وابن حزم انظر المغني (2/510) والمجموع (5/ 335) وهو الراجح والدليل : 1- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ القَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ، فَقَالَ: «ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ تِبْرًا عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ - أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا - فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ رواه البخاري (1221) قال الشوكاني  : قَوْلُهُ: (فَقَسَمْتُهُ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ " وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُبَادَرَةِ بِإِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ أَنَّ الْخَيْرَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَادَرَ بِهِ، فَإِنَّ الْآفَاتِ تَعْرِضُ وَالْمَوَانِعَ تَمْنَعُ، وَالْمَوْتَ لَا يُؤْمَنُ، وَالتَّسْوِيفَ غَيْرُ مَحْمُودٍ زَادَ غَيْرُهُ: وَهُوَ أَخْلَصُ لِلذِّمَّةِ وَأَنْفَى لِلْحَاجَةِ وَأَبْعَدُ مِنْ الْمَطْلِ الْمَذْمُومِ وَأَرْضَى لِلرَّبِّ تَعَالَى وَأَمْحَى لِلذَّنْبِ انظر نيل الأوطار (4/177)
2- قوله تعالي (وَآتُوا الزَّكَاةَ) سورة البقرة (43) الْأَمْر عِنْدَهُمْ عَلَى الْفَوْرِ 0 قال ابن قدامة في المغني (2/510)
وَلَنَا، أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي الْفَوْرَ، عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ، وَلِذَلِكَ يَسْتَحِقُّ الْمُؤَخِّرُ لِلِامْتِثَالِ الْعِقَابَ، وَلِذَلِكَ أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى إبْلِيسَ، وَسَخِطَ عَلَيْهِ وَوَبَّخَهُ، بِامْتِنَاعِهِ عَنْ السُّجُودِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ، فَأَخَّرَ ذَلِكَ، اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ، وَلِأَنَّ جَوَازَ التَّأْخِيرِ يُنَافِي الْوُجُوبَ، لِكَوْنِ الْوَاجِبِ مَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ اهـ
( هل يجوز التعجيل بأدائها قبل أن يحول الحول ؟
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : قَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَسُفْيَانُ وَالثَّوْرِيُّ وَدَاوُد وَأَبُو عُبَيْدِ بْنُ الْحَارِثِ،: إنَّهُ لَا يُجْزِئُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ انظر نيل الأوطار(4/179)  وهو مذهب ابن حزم  قال ابن حزم في المحلى (4/211) : وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَلَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ، وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَيَرُدُّ إلَيْهِ مَا أَخْرَجَ قَبْلَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ اهـ
القول الثاني : يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَوْ لِعَامَيْنِ ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ قَالَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ: وَهُوَ أَفْضَلُ انظر نيل الأوطار (4/179) قلت : وهو الراجح والدليل : 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا رواه البخاري (1468) ومسلم (983)  
2- عَنْ عَلِيٍّ، «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ» رواه أبو داود (1624) حديث حسن لغيره قال الألباني في صحيح أبي داود (1436) (قلت: حديث حسن، وصححه ابن الجارود والحاكم والذهبي) اهـ  قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/179) وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَوْ لِعَامَيْنِ اهـ
( هلاك النصاب بعد وجوب الزكاة وقبل الأداء )
قال ابن قدامة في المغني (2/508) أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ، فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ. هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ،- وابن حزم - وَحَكَى عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ النِّصَابُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ، سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهُ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَهُ، لَمْ تَسْقُطْ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ، وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، إلَّا فِي الْمَاشِيَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى يَجِيءَ الْمُصَدِّقُ، فَإِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ مَجِيئِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِتَلَفِ النِّصَابِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَدْ طَالَبَهُ بِهَا فَمَنَعَهَا؛ لِأَنَّهُ تَلَفٌ قَبْلَ مَحَلِّ الِاسْتِحْقَاقِ، فَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ، كَمَا لَوْ تَلْفِت الثَّمَرَةُ قَبْلَ الْجِذَاذِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، فَسَقَطَ بِتَلَفِهَا، كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي. وَمَنْ اشْتَرَطَ التَّمَكُّنَ قَالَ: هَذِهِ عِبَادَةٌ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِالْمَالِ، فَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِتَلَفِهِ قَبْلَ إمْكَانِ أَدَائِهَا، كَالْحَجِّ.
وَمَنْ نَصَرَ الْأَوَّلَ قَالَ: مَالٌ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِتَلَفِ النِّصَابِ، كَالدَّيْنِ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي ضَمَانِهِ إمْكَانُ الْأَدَاءِ، كَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّمَرَةُ لَا تَجِبُ زَكَاتُهَا فِي الذِّمَّةِ حَتَّى تُحْرَزَ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ، وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ كَانَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ. وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ، فَلَيْسَ هُوَ بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَالْحَجُّ لَا يَجِبُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ، فَإِذَا وَجَبَ لَمْ يَسْقُطْ بِتَلَفِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّ التَّمَكُّنَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِهَا، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ، إذَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يَجِبُ أَدَاؤُهَا مَعَ عَدَمِ الْمَالِ وَفَقْرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى التَّفْرِيطِ، أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إخْرَاجِهَا فَلَا يُخْرِجُهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهَا، فَلَيْسَ بِمُفْرِطٍ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ لِبُعْدِ الْمَالِ عَنْهُ، أَوْ لِكَوْنِ الْفَرْضِ لَا يُوجَدُ فِي الْمَالِ، وَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ، فَلَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيه، أَوْ كَانَ فِي طَلَبِ الشِّرَاءِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا بَعْدَ تَلَفِ الْمَالِ، فَأَمْكَنَ الْمَالِكَ أَدَاؤُهَا أَدَّاهَا، وَإِلَّا أُنْظِرَ بِهَا إلَى مَيْسَرَتِهِ، وَتَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَ إنْظَارُهُ بِدَيْنِ الْآدَمِيِّ الْمُتَعَيِّنِ فَبِالزَّكَاةِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى اهـ
( إذا أخرج الزكاة فضاعت )
قال ابن قدامة في المغني (2/511)
فَإِنْ أَخَّرَ الزَّكَاةَ، فَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْفَقِيرِ حَتَّى ضَاعَتْ، لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ. كَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ فَرَّطَ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ، وَفِي حِفْظِ ذَلِكَ الْمُخْرَجِ، رُجِعَ إلَى مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ زَكَاةٌ أَخْرَجَهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُزَكِّي مَا بَقِيَ، إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ النِّصَابِ فَتَسْقُطَ الزَّكَاةُ، فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ. وَقَالَ مَالِكٌ: أَرَاهَا تُجْزِئُهُ إذَا أَخْرَجَهَا فِي مَحَلِّهَا، وَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُزَكِّي مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ بَقِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَيِّنٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، تَلِفَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِذَلِكَ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ. اهـ
( زكاة الدين )
تنازع العلماء فيمن له ديون على الناس هل يجب إخراج زكاتها أم لا يجب على النحو الآتي :
أولا إذا كان الدين على مقر به يستطيع أداؤه فقد تنازعوا على قولين : القول الأول : أن فيه الزكاة ، ثم اختلفوا في كيفية أدائها على النحو الآتي : (أ) يخرجها عندما يقبض الدين فيؤدي ما مضى من سنوات ، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة 0
(ب) يخرجها في الحال كل حول وإن لم يقبضها ، وهذا مذهب الشافعي
(ج) يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة وهذا مذهب سعيد بن المسيب وعطاء ومذهب مالك انظر تمام المنة لشيخنا العزازي ( 2/228)
القول الثاني : لا زكاة فيه لأنه غير تام الملك ، فلا تجب في الزكاة وهو مذهب عكرمة ، ويروى عن عائشة ، وابن عمر ، والظاهرية ، وقول الشافعي في القديم انظر المجموع (6/21)  وهو الراجح قال ابن حزم في المحلى (4/221) وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَيْنٌ فَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا عِنْدَ مَلِيءٍ مُقِرٍّ يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ أَوْ مُنْكِرٍ، أَوْ عِنْدَ عَدِيمٍ مُقِرٍّ أَوْ مُنْكِرٍ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَقَامَ عَنْهُ سِنِينَ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ حَوْلًا كَسَائِرِ الْفَوَائِدِ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لَا حِينَئِذٍ وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ - الْمَاشِيَةُ، وَالذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَأَمَّا النَّخْلُ، وَالزَّرْعُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ زَرْعِهِ وَلَا مِنْ ثِمَارِهِ 000إنَّمَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عِنْدَ غَرِيمِهِ عَدَدٌ فِي الذِّمَّةِ وَصِفَةٌ فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالٍ أَصْلًا، وَلَعَلَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ اللَّذَيْنِ لَهُ عِنْدَهُ فِي الْمَعْدِنِ بَعْدُ، وَالْفِضَّةُ تُرَابٌ بَعْدُ، وَلَعَلَّ الْمَوَاشِيَ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ، فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ؟ فَصَحَّ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
ثانيا : أن يكون الدين على معسر أو جاحد أو مماطل :
الراجح لا يجب عليه إخراجه للزكاة كما تقدم
فوائد 1- الصداق والمهر المؤجل فشأنه كشأن الدين كما تقدم 
2- ذهب أكثر أهل العلم إلى وجوب الزكاة على من كان في يده مال تجب فيه الزكاة وعليه دين ، ولا يسقط من أجل الدين الذي عليه شيء من زكاة المال الذي يملكه ، وهذا مذهب الشافعي وابن حزم وقال أحمد وأبو حنيفة يقضي دينه من المال الذي يمكله إذا حال عليه الحول ، ثم يذكي ما بقى معه من المال انظر الأم ( 2/67) والمغني (3/33) قال ابن حزم في المحلى (4/219) وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ - كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، مِنْ جِنْسِهِ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ -: فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا عِنْدَهُ، وَلَا يَسْقُطُ مِنْ أَجْلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ -: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْعَلُ الدَّيْنُ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي عِنْدَهُ الَّتِي لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَيُزَكِّي مَا عِنْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عُرُوضٌ جَعَلَ دَيْنَهُ فِيمَا بِيَدِهِ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَأَسْقَطَ بِذَلِكَ الزَّكَاةَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ يَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدَهُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَطْ.
وَأَمَّا الْمَوَاشِي وَالزَّرْعُ وَالثِّمَارُ فَلَا؛ وَلَكِنْ يُزَكِّي كُلَّ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلَ مَا مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ؟ وَقَالَ آخَرُونَ: يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْعَيْنِ وَالْمَوَاشِي، وَلَا يُسْقِطُ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يُجْعَلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْمَوَاشِي، وَالْحَرْثُ، وَالثِّمَارُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ،وَيَسْقُطُ بِهِ زَكَاةُ كُلِّ ذَلِكَ. وَلَا يُجْعَلُ دَيْنُهُ فِي عُرُوضِ الْقِنْيَةِ مَا دَامَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، أَوْ مَا دَامَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ؛ وَهُوَ قَوْل اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْعَلُ دَيْنُ الزَّرْعِ إلَّا فِي الزَّرْعِ، وَلَا يُجْعَلُ دَيْنُ الْمَاشِيَةِ إلَّا فِي الْمَاشِيَةِ، وَلَا يُجْعَلُ دَيْنُ الْعَيْنِ إلَّا فِي الْعَيْنِ، فَيَسْقُطُ بِذَلِكَ مَا عِنْدَهُ مِمَّا عَلَيْهِ دَيْنُ مِثْلِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: حَرْثٌ لِرَجُلٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ، أَيُؤَدِّي حَقَّهُ؟ قَالَ: مَا نَرَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةً، لَا فِي مَاشِيَةٍ وَلَا فِي أَصْلٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ، سَمِعْت طَاوُسًا يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إسْقَاطُ الدَّيْنِ زَكَاةُ مَا بِيَدِ الْمَدِينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ؛ بَلْ قَدْ جَاءَتْ السُّنَنُ الصِّحَاحُ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْمَوَاشِي، وَالْحَبِّ، وَالتَّمْرِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، بِغَيْرِ تَخْصِيصِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِمَّنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ مَا بِيَدِهِ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَبْتَاعَ مِنْهُ جَارِيَةً يَطَؤُهَا وَيَأْكُلَ مِنْهُ وَيُنْفِقَ مِنْهُ؛ وَلَوْ لَمْ يَكْفِي لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا؛ فَإِذَا هُوَ لَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَيَدِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَزَكَاةُ مَالِهِ عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ.
ووَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ: فَفِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ، وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَالْمَالِكِيُّونَ: يُنْكِرُونَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي إيجَابِهِ لِلزَّكَاةِ فِي زَرْعِ الْيَتِيمِ وَثِمَارِهِ دُونَ مَاشِيَتِهِ وَذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ، فَإِنْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَبْضَ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالزَّرْعِ إلَى الْمُصَدِّقِ.
قِيلَ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَبْضُ زَكَاةِ الْعَيْنِ إلَى السُّلْطَانِ إذَا طَلَبَهَا وَلَا فَرْقَ اهـ
قال ابن باز في مجموع فتاوى (14/51)
يجب على من لديه مال زكوي أن يؤدي زكاته إذا حال عليه الحول ولو كان عليه دين في أصح قولي العلماء؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من لديه مال تجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول ولو كان عليه دين؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر عماله بأخذ الزكاة ممن عليه زكاة، ولم يأمرهم أن يسألوهم هل عليهم دين أم لا؟ ولو كان الدين يمنع لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عماله أن يستفسروا من أهل الزكاة هل عليهم دين. والله ولي التوفيق.
3- هل يجوز إسقاط الدين عن المدين واعتباره من الزكاة ؟
إذا كان له عند فقير دين فهل يجوز أن يسقط دينه عنه باعتباره من الزكاة قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى مُعْسِرٍ دَيْنٌ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ زَكَاتِهِ وَقَالَ لَهُ جَعَلْتُهُ عَنْ زَكَاتِي لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي ذِمَّتِهِ فلا يبرأ الا بإِقباضها انظر المجموع (6/210) واختيار ابن تيمية وابن عثيمين رحمهم الله
سئل ابن عثيمين رحمه الله في مجموع فتاوى (18/377)
هل يجوز إسقاط الدين عن المدين، ويكون ذلك من الزكاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا يجوز؛ لأن الله تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} والأخذ لابد أن يكون ببذل من المأخوذ منه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد» فقال: «تؤخذ من أغنيائهم فترد» ، فلابد من أخذ ورد، والإسقاط لا يوجد فيه ذلك؛ ولأن الإنسان إذا أسقط الدين عن زكاة العين التي في يده، فكأنما أخرج الرديء عن الطيب، لأن قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين، فإن العين ملكه وفي يده، والدين في ذمة الآخرين قد يأتي وقد لا يأتي، فصار الدين دون العين، وإذا كان دونها فلا يصح أن يخرج زكاة عنها لنقصه، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاّ" أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُو"اْ أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} ومثال ما سألت عنه لو كان على الإنسان عشرة آلاف ريال زكاة وهو يطلب رجلاً فقيراً عشرة آلاف ريال، فذهب إلى الرجل الفقير وقال: قد أسقطت عنك عشرة آلاف ريال، وهي زكاتي لهذا العام. قلنا: هذا لا يصح، لأنه لا يصح إسقاط الدين وجعله عن زكاة عين لما أشرنا إليه آنفاً، وهذه مسألة يخطىء فيها بعض الناس ويتجاوزها جهلاً منه، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: أنه لا يجزىء إسقاط الدين عن زكاة العين بلا نزاع اهـ
القول الثاني : تجزئه وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَّاءٍ انظر المجموع (6/210) وابن حزم وهو الراجح 0
لأنه مأمور بالصدقة الواجبة ، ولأن إبراءه من الدين يسمى صدقة لقوله تعالى : {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280]  فهي مواساة للفقير ، وهو غارم أي : مدين 0
وفي المجموع (6/210) لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ جَازَ فَكَذَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ له عِنْدَهُ دَرَاهِمُ وَدِيعَةً وَدَفَعَهَا عَنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ سَوَاءٌ قَبَضَهَا أَمْ لَا اهـ
قال ابن حزم في المحلى (4/224) وَمِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ - وَكَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ بُرًّا، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً، أَوْ مَاشِيَةً - فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ قِبَلَهُ، وَنَوَى بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ زَكَاتِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ عِنْدَهُ وَنَوَى بِذَلِكَ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ، وَبِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ مِنْ زَكَاتِهِ الْوَاجِبَةِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ إبْرَاؤُهُ مِنْ الدَّيْنِ يُسَمَّى صَدَقَةً فَقَدْ أَجْزَأَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «أُصِيبَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.- رواه مسلم (1556) - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ.اهـ
( النية في الزكاة )
لَا يَصِحُّ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ – وبهذا - قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَشَذَّ عَنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ لَا تَجِبُ وَيَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِلَا نِيَّةٍ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ انظر المجموع (6/180)
قال ابن حزم في المحلى (4/205)
وَلَا يُجْزِئُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إذَا أَخْرَجَهَا الْمُسْلِمُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ بِأَمْرِهِ إلَّا بِنِيَّةِ أَنَّهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَخَذَهَا الْإِمَامُ، أَوْ سَاعِيهِ، أَوْ أَمِيرُهُ، أَوْ سَاعِيهِ فَبِنِيَّةِ كَذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.» - متفق عليه - اهـ
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/203)
قوله: «ولا يجوز إخراجها إلا بنية» أي: ولا يجزئ إخراج الزكاة إلا بنية ممن تجب عليه.
والدليل على ذلك أثري ونظري.
أما الأثر فقوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: 39] ، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» رواه البخاري (1) ومسلم (1907).
وأما النظر؛ فلأن إخراج المال يكون للزكاة الواجبة، والصدقة المستحبة، ويكون هدية، ويكون ضماناً لمتلف، ولا يحدد نوع الإخراج إلا النية؛ فلا بد من النية عند إخراج الزكاة، فينوي إخراجها من ماله المعين، فإذا كانت عروض تجارة نواها عروض تجارة، وإن كانت نقدية نواها نقدية، وهكذا. وبناء على هذا لو أخرج رجل الزكاة عن آخر بدون توكيل فإنها لا تجزئ؛ لعدم وجود النية ممن تجب عليه اهـ
( الأموال التي تجب فيها الزكاة )
الأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة أصناف :
الذهب والفضة وبهيمة الأنعام والزرع والثمار واختلف العلماء في عروض التجارة وفي العسل وفي الركاز هل الواجب فيهم الزكاة أم لا وسيأتي تفصيل كل مسألة بإذن الله تعالى 0
( زكاة الذهب والفضة )
زكاة الذهب والفضة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع :
قال تعالى :{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» رواه مسلم (987) قال النووي في شرح مسلم (7/64) هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ اهـ
( نصاب الذهب والفضة )
أولا : نصاب الذهب (20) دينارًا = (20) مثقالاً
= (85) جرامًا من الذهب عيار (24)
= (97) جرامًا من الذهب عيار (21)
= (113) جرامًا من الذهب عيار (18)
 ، فإذا بلغ الذهب هذا المقدار وحال عليه الحول ففيه ربع العشر – يعني نصف دينار – وما زاد على ذلك فبحسابه أي أنه يأخذ من هذه الزيادة أيضا ربع العشر والدليل : عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ قَالَ: «فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ - يَعْنِي - فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ» رواه أبو داود (1573) صححه الألباني وحسنه الأرنؤوط قال صاحب بداية المجتهد لابن رشد (2/16) أَكْثَر الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا وَزْنًا، كَمَا تَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَأَحْمَدَ وَجَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ: لَيْسَ فِي الذَّهَبِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَفِيهَا رُبُعُ عُشْرِهَا دِينَارٌ وَاحِدٌ اهـ
( ثانيا : نصاب الفضة )
وأما نصاب الفضة فهو مائتا درهم أي (595) جرامًا من الفضة ، وقيمة الزكاة فيها ربع العشر أيضا يعني خمسة دراهم والزيادة بحسابها كذلك وذلك بعد أن يحول عليها الحول كالذهب تماما 0
والدليل : حديث على السابق وعن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ رواه البخاري (1459) ومسلم (980)والأواق : جمع أوقية وهي أربعون درهما والوسق ستون صاعا والذود ما بين الثلاث والعشرة من الإبل
قال النووي في شرح مسلم (7/48) فَنِصَابُ الْفِضَّةِ خَمْسُ أَوَاقٍ وَهِيَ مِائَتَا دِرْهَمٍ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالْإِجْمَاعِ اهـ
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/97) وقد حررت نصاب الذهب فبلغ خمسة وثمانين جراما من الذهب الخالص فإن كان فيه خلط يسير فهو تبع لا يضر؛ لأن الذهب لا بد أن يجعل معه شيء من المعادن لأجل أن يقويه ويصلبه، وإلا لكان ليناً.
وهذه الإضافة يقول العلماء: إنها يسيرة تابعة، فهي كالملح في الطعام لا تضر.
وقوله: «يجب في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالاً وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم ربع العشر منهما» .
المؤلف ـ رحمه الله ـ اعتبر الذهب بالوزن، واعتبر الفضة بالعدد، والمذهب أن المعتبر فيهما الوزن، وأن الإنسان إذا ملك مائة وأربعين مثقالاً من الفضة ـ وتبلغ خمسمائة وخمسة وتسعين جراماً ـ فإن فيها الزكاة، سواء بلغت مائتي درهم أم لم تبلغ، واستدلوا بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» فاعتبر الفضة بالوزن.
وقال شيخ الإسلام: العبرة بالعدد؛ لحديث أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كتب فيما كتب في الصدقات: «وفي الرقة إذا بلغت مائتي درهم ربع العشر، فإن لم يكن إلا تسعون ومائة، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها».
ووجه الاستدلال بالحديث عنده أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدرها بالعدد، وفي عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليست الدراهم متفقة في الوزن، بل بعض الدراهم أزيد من البعض الآخر، فدل ذلك على أن العدد هو المعتبر؛ لأن الدراهم لم تُوحَّد إلا في زمن عبد الملك بن مروان، فوحدها على هذا المقدار، وجعل كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل.
وبناءً على قول الشيخ ـ رحمه الله ـ لو كانت مائتا الدرهم مائة مثقال فقط ففيها الزكاة، وعلى قول من اعتبر الوزن ليس فيها زكاة، وإذا كانت مائةً وثلاثين مثقالاً، ولكنها مئتان من الدراهم عدداً، ففيها زكاة عند الشيخ، وليس فيها زكاة عند الجمهور.
وعلى هذا، هل الأحوط أن نعتبر العدد، أو الأحوط أن نعتبر الوزن؟
الجواب: إن كانت الدراهم ثقيلة فاعتبار الوزن أحوط، فخمسون درهماً قد تبلغ خمس أواق إذا كانت ثقيلة، فيكون اعتبار الوزن أحوط، وإن كانت الدراهم خفيفة فاعتبار العدد أحوط، فإذا كان الدرهم لا يبلغ إلا نصف مثقال، فلا شك أن العدد أحوط.
والأحاديث متعارضة، فحديث: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» ظاهرُهُ سواء بلغت في العدد مائتي درهم أم لم تبلغ، وحديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ الذي كتبه في الصدقات: «في الرقة إذا بلغت مائتي درهم» منطوق، والمنطوق مقدم على المفهوم كما هو معروف في أصول الفقه.
ولو ذهب ذاهب إلى أن المعتبر الأحوط، فإن كان اعتبار العدد أحوط وجبت الزكاة، وإن كان الوزن أحوط وجبت الزكاة. لم يكن بعيداً من الصواب.
والعدد لا حَظَّ فيه للفقراء منذ زمن بعيد؛ لأن زنة النصاب ستة وخمسون ريالاً سعودياً من الفضة، ولو اعتبرنا العدد في الفضة لم تجب الزكاة في ستة وخمسين؛ لأنها لا تساوي مائتي درهم من حيث العدد، ولو اعتبرنا العدد في الذهب لقلنا: لا زكاة إلا في عشرين جنيهاً، ولو اعتبرنا الوزن لقلنا: تجب الزكاة في عشرة جنيهات، وخمسة أثمان الجنيه؛ لأنها تبلغ خمسةً وثمانين جراماً مسألة: هل نقول: إذا ملك ستة وخمسين ريالاً من الورق ملك نصاباً من الفضة، أو نقول: إن المعتبر قيمة ستة وخمسين ريالاً من الفضة؟
الجواب: كان الريال السعودي من الورق في أول ظهوره يساوي ريالاً من الفضة، ثم تغيرت الحال فزادت قيمة الريال من الفضة.
فالواجب الأخذ بالأحوط، وهو اعتبار قيمة ستة وخمسين ريالاً من الفضة، وأما إيجاب الزكاة في ستة وخمسين ريالاً من الورق، وهي قد لا تساوي إلا شيئاً قليلاً من ريالات الفضة، فهذا فيه إجحاف بصاحب المال كما أنه لا يعتبر غنياً.اهـ
( هل يضم أحد النقدين إلى الآخر )
تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْل الثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ) إِلَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الآْخَرِ فِي تَكْمِيل النِّصَابِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالاً مِنَ الذَّهَبِ، وَمِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِمَا، وَكَذَا إِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصَابٌ، وَمِنَ الآْخَرِ مَالاً يَبْلُغُ النِّصَابَ يُزَكَّيَانِ جَمِيعًا، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ نَفْعَهُمَا مُتَّحِدٌ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمَا ثَمَنَانِ، فَمِنْهُمَا الْقِيَمُ وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ، وَيُتَّخَذَانِ لِلتَّحَلِّي انظر الموسوعة الفقهية (23/ 267)
القول الثاني : ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْل أَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي ثَوْرٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ فِي أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَكْمُل وَحْدَهُ نِصَابًا، انظر الموسوعة الفقهية (23/ 267) وهو مذهب ابن حزم ورجحه الألباني وابن عثيمين وهو الراجح والدليل :
1- لِعُمُومِ حَدِيثِ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقَةٌ، رواه البخاري (1459) ومسلم (980) قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (4/194) وَحُجَّتُنَا فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» فَكَانَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ قَدْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ وَهَذَا خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ اهـ
2- قوله صلّى الله عليه وسلّم في الدنانير: إِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، » رواه أبو داود (1573) صححه الألباني وهذا يشمل ما إذا كان عنده دون عشرين، وما إذا كان عنده عشرون، فإذا كان عنده دون العشرين فلا زكاة عليه، سواء كان عنده من الفضة ما يكمل به النصاب، أو لا.
3 ـ ومن القياس أن الشعير لا يضم إلى البر في تكميل النصاب، فلو كان عند الإنسان من الشعير نصف نصاب، ومن البر نصف نصاب لم يضم أحدهما إلى الآخر، مع أن المقصود منهما واحد ولا سيما في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو أنهما قوت، ومع ذلك لا يضم أحدهما إلى الآخر حتى على رأي من قال بضم الذهب إلى الفضة، وكذلك لو كان عند الإنسان نصف نصاب من الضأن ونصف نصاب من البقر، فلا يكمل أحدهما بالآخر مع أن المقصود واحد وهو التنمية، وبهذا ينتقض تعليل القول الأول، فالجنس لا يضم إلى جنس آخر، والنوع يضم إلى نوع آخر كأنواع النخيل.
وعليه فإذا كان عنده عشرة دنانير ومائة درهم، فلا زكاة عليه؛ لأن الذهب جنس والفضة جنس آخر انظر الشرح الممتع (6/ 102)
( زكاة الأوراق البنكية ( أوراق البنكنوت والسندات )
هذه الأوراق هي وثائق لقيمتها ، لذا فإنه يجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول ، وذلك بأن يخرج عن كل ألف خمسا وعشرين ولكن هل الأفضل أن تقدر زكاة هذه الأوراق بنصاب الذهب أو بنصاب الفضة ؟ الأولى أن تقدر بنصاب الفضة وذلك لما يلي : أولا : أن ذلك أبرأ للذمة 0
ثانيا : أن هذا أرفق بالفقير انظر تمام المنة لشيخنا عادل (2/226)
( زكاة الحلي )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ انظر سبل السلام (1/533) وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – انظر المغني (3/41)
 ودليلهم : 1- عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ من الْحُلِيِّ زَكَاةٌ رواه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 42) حديث ضعيف قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَاَلَّذِي يَرْوِيه فُقَهَاؤُنَا عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ لَا أَصْلَ لَهُ إنَّمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ انظر المجموع (6/35) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4906)
2- لِآثَارٍ وَرَدَتْ عَنْ السَّلَفِ قَاضِيَةٍ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا فِي الْحِلْيَةِ منها عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ» رواه عبد الرزاق (7047) في مصنفه وصححه شيخنا مصطفى العدوي وعَنْ أَسْمَاءَ، أَنَّهَا كَانَتْ «لَا تُزَكِّي الْحُلِيَّ» رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (10178) صححه شيخنا مصطفى العدوي وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ» قُلْتُ: إِنَّهُ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ قَالَ: «يُعَارُ، وَيُلْبَسُ» رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (10177) صححه الألباني 0
قال الصنعاني وَلَكِنْ بَعْدَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ – سيأتي - لَا أَثَرَ لِلْآثَارِ
القول الثاني : فِيهِ الزَّكَاةُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ َابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ و رواية عَنْ أَحْمَدَ انظر المغني (3/42) والصحيح من قول عائشة وهو مذهب ابن حزم وهو الراجح والدليل : 1- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: «أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟»، قَالَتْ: لَا، قَالَ: «أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟»، قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِه رواه أبو داود (1563) حديث صحيح بشواهده وقال الألباني : (قلت: إسناده حسن، وصححه ابن القَطَّان) اهـ وحسنه النووي والأرنؤوط 0
 قال الصنعاني في سبل السلام (1/533) وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحِلْيَةِ اهـ
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟»، فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟»، قُلْتُ: لَا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: «هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ» رواه أبو داود (1565) بسند حسن ويشهد له ما قبله وقال الألباني في صحيح أبي داود (1398) (قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال الحاكم والذهبي والعسقلاني) اهـ
ضعف بعض العلماء هذا الحديث فقالوا : الثابت عن عائشة رضي الله عنها خلافه فعن مَالِك، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ تَلِي بَنَاتِ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا. لَهُنَّ الْحُلِيُّ. فَلاَ تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ رواه مالك في "الموطأ": (1/250) صححه الألباني قالوا : فلم تكن عائشة تخالف ما روت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا أن تكون رأت أن الأمر بإخراج الزكاة عن الحلي منسوخ 0
وأجيب هذا القول متعقب من وجوه :
أولا : العبرة بما روى لا بما رأى ولا بما عمل، وإنما العبرة بالنص نفسه
ثانيا : أنه من المحتمل أن يكون هذا الحلي – الذي لم تر عائشة – رضي الله عنها ليس ذهبا محضا ، فقد يكون لؤلؤا ، أو غيره قال تعالى : {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14] وَهُوَ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ، كَمَا قال : قَتَادَة ويؤيد هذا الأحتمال أنه ورد عن عائشة القول بإخراج زكاة الحلي 0
ثالثا : أنه من المحتمل ألا يكون هذا الحلي في حالة كونه ذهبا بلغ النصاب ومن ثم لا تجب الزكاة فيه ويتأيد ذلك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ، «كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتِ أَخِيهَا بِالذَّهَبِ وَاللُّؤْلِؤِ فَلَا تُزَكِّيهِ وَكَانَ حُلِيُّهُمْ يَوْمَئِذٍ يَسِيرًا» رواه عبد الرزاق في مصنفه (7052) بسند صحيح
 3- قال ابن حزم في المحلى (4/191) قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ عُمُومًا، وَلَمْ يَخُصَّ الْحُلِيَّ مِنْهُ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ فِيهِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِجْمَاعٍ، فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِالنَّصِّ فِي كُلِّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَخَصَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بَعْضَ الْأَعْدَادِ مِنْهُمَا وَبَعْضَ الْأَزْمَانِ، فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهِمَا إلَّا فِي عَدَدٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ وَفِي زَمَانٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْهُمَا؛ إذْ قَدْ عَمَّهُمَا النَّصُّ؛ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، وَصَحَّ يَقِينًا - بِلَا خِلَافٍ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلَّ عَامٍ، وَالْحُلِيِّ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ " إلَّا الْحُلِيَّ " بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ وَلَا إجْمَاعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ اهـ
( زكاة الحلي المحرم )
قال النووي في روضة الطالبين (2/260)
أَمَّا الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ. وَهُوَ نَوْعَانِ: مُحَرِّمٌ لِعَيْنِهِ كَالْأَوَانِي وَالْمَلَاعِقِ وَالْمَجَامِرِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمُحَرَّمٌ بِالْقَصْدِ، بِأَنْ يَقْصِدَ الرَّجُلُ بِحُلِيِّ النِّسَاءِ الَّذِي يَمْلِكُهُ - كَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ - أَنْ يَلْبَسَهُ غِلْمَانُهُ، أَوْ قَصَدَتِ الْمَرْأَةُ بِحُلِيِّ الرَّجُلِ - كَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ - أَنْ تَلْبَسَهُ هِيَ أَوْ تَلْبَسَهُ جَوَارِيهَا أَوْ غَيْرُهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، أَوْ أَعَدَّ الرَّجُلُ حُلِيَّ الرِّجَالِ لِنِسَائِهِ وَجَوَارِيهِ، أَوْ أَعَدَّتِ الْمَرْأَةُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِزَوْجِهَا وَغِلْمَانِهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ. وَلَوِ اتَّخَذَ حُلِيًّا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ اسْتِعْمَالًا مُبَاحًا وَلَا مُحَرَّمًا، بَلْ قَصَدَ كَنْزَهُ - فَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: فِيهِ خِلَافٌ. وَهَلْ يَجُوزُ إِلْبَاسُ حُلِيِّ الذَّهَبِ الْأَطْفَالَ الذُّكُورَ، فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي إِلْبَاسِهِمُ الْحَرِيرَ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: جَوَازُهُ مَا لَمْ يَبْلُغُوا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
( زكاة عروض التجارة )
عروض التجارة هي الأشياء التي يتاجر فيها الناس عموما ، فتاجر السيارات يطلق على السيارات التي يتاجر فيها عرض تجارة وكذا الأرز والمكرونة والملح والملابس والأحذية ، وعموم ما يتاجر فيه فالشيء المُعدُّ للتجارة يسمى عرضا وجمعه عروض 0
( هل تجب الزكاة في عروض التجارة )
تنازع العلماء في ذلك على قولين وأخطأ من نقل الإجماع على ذلك كما سيأتي ؟
القول الأول : وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَدَاوُد، أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ انظر المغني (3/ 58) واختيار ابن حزم والشوكاني وصديق خان والألباني كما سيأتي ودليلهم : 1- عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: كُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلْفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» رواه أبو داود (3326) وصححه الألباني (فَشُوبُوهُ) أَيِ اخْلِطُوا مَا ذُكِرَ مِنَ اللَّغْوِ وَالْحَلِفِ 0وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ مِمَّنْ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَقَالَ إِنَّهُ لَوْ كَانَ يَجِبُ فِيهَا صَدَقَةً كَمَا يَجِبُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ لَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الصَّدَقَةِ قال الخطابي : وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرُوهُ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّدَقَةِ غَيْرِ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ فِي تَضَاعِيفِ الْأَيَّامِ مِنَ الْأَوْقَاتِ لِيَكُونَ كَفَّارَةً عَنِ اللَّغْوِ وَالْحَلِفِ فَأَمَّا الصَّدَقَةُ الَّتِي هِيَ رُبُعُ الْعُشْرِ الْوَاجِبُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَقَدْ وَقَعَ الْبَيَانُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ انظر عون المعبود (9/125)
2- قال ابن حزم في المحلى (4/ 44) وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» .
وَأَنَّهُ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ، وَعَمَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ وَالْحَبِّ؛ فَمَنْ أَوْجَبَ زَكَاةً فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي كُلِّ مَا نُفِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الزَّكَاةُ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي: عَبْدِهِ، وَلَا فَرَسِهِ، صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ» .
وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَكَرَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي: الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْكَنْزِ «فَسُئِلَ عَنْ الْخَيْلِ، فَقَالَ: الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ» .
«فَسُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] »
فَمَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي الْخَيْلِ، وَالْحَمِيرِ، وَالْعَبِيدِ، وَقَدْ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ؛ فَلَوْ كَانَتْ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَكَاةٌ إذَا كَانَ لِتِجَارَةٍ -: لَبَيَّنَ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ؛ فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا زَكَاةَ فِيهَا أَصْلًا  وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرْضٍ كَحُكْمِ الْخَيْلِ، وَالْحَمِيرِ، وَالرَّقِيقِ، وَمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ، وَالْعَيْنِ.ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فَمِنْ مُوجِبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَمِنْ مَسْقَطٍ لِلزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِتِجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ.وَصَحَّ بِالنَّصِّ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ، وَلَا فِي الرَّقِيقِ، وَلَا فِي الْحَمِيرِ، وَلَا فِيمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ؛ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرَضٍ فِي التِّجَارَةِ كَحُكْمِ هَذِهِ. فَصَحَّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ.اهـ
3- قال الألباني في تمام المنة (1/363) والحق أن القول بوجوب الزكاة على عروض التجارة مما لا دليل عليه في الكتاب والسنة الصحيحة مع منافاته لقاعدة "البراءة الأصلية" التي يؤيدها هنا قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:
«فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، وَأَبْشَارَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ» قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ،... ". الحديث.رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في "الإرواء" 1458.
00وقد صح شيء مما ذكرته عن بعض السلف فقال ابن جريج: قال لي عَطَاءٌ: «لَا صَدَقَةَ فِي اللُّؤْلُؤِ، وَلَا زَبَرْجَدٍ، وَلَا يَاقُوتٍ، وَلَا فُصُوصٍ، وَلَا عَرَضٍ لَا يُدَارُ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَارُ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ فِي ثَمَنِهِ حِينَ يُبَاعُ» أخرجه عبد الرزاق – (7061) - وسنده صحيح جدا.
والشاهد منه قوله: "ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع".
فإنه لم يذكر تقويما ولا نصابا ولا حولا ففيه إبطال لادعاء البغوي في "شرح السنة 6 / 53 الإجماع على وجوب الزكاة في قيمة عروض التجارة إذا كانت نصابا عند تمام الحول كما زعم أنه لم يخالف في ذلك إلا داود الظاهري!
وإن مما يبطل هذا الزعم أن أبا عبيد رحمه الله قد حكى في كتابه "الأموال" 427 / 1193 عن بعض الفقهاء أنه لا زكاة في أموال التجارة. ومن المستبعد جدا أن يكون عنى بهذا البعض داود نفسه لأن عمره كان عند وفاة الأمام أبي عبيد أربعا وعشرين سنة أو أقل ومن كان في هذا السن يبعد عادة أن يكون له شهرة علمية بحيث يحكي مثل الإمام أبي عبيد خلافه وقد توفي سنة 224 وولد داود سنة 200 أو 202 فتأمل.
ولعل أبا عبيد أراد بذاك البعض عطاء بن أبي رباح فقد قال إبراهيم الصائغ: " سُئِلَ عَطَاءٌ: " تَاجِرٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فِي أَصْنَافٍ شَتَّى , حَضَرَ زَكَاتُهُ، أَعَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ مَتَاعَهُ عَلَى نَحْوِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ثَمَنَهُ , فَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ؟ قَالَ: لَا , وَلَكِنْ مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ , أَخْرَجَ مِنْهُ زَكَاتَهُ , وَمَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَخْرَجَ مِنْهُ إِذَا بَاعَهُ "أخرجه ابن زَنْجُوَيْهِ في كتابه "الأموال" 3 / 946 / 1703 بسند حسن كما قال المعلق عليه الدكتور شاكر ذيب فياض وهو شاهد قوي لرواية ابن جريج المتقدمة.
وجملة القول أن المسألة لا يصح ادعاء الإجماع فيها لهذه الآثار وغيرها مما ذكره ابن حزم في "المحلى" الأمر الذي يذكرنا بقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى:"من ادعى الإجماع فهو كاذب وما يدريه لعلهم اختلفوا".
وصدق - جزاه الله خيرا - فكم من مسالة ادعي فيها الإجماع ثم تبين أنها من مسائل الخلاف وقد ذكرنا أمثلة منها في بعض مؤلفاتنا مثل "أحكام الجنائز" و "آداب الزفاف" وغيرها.
00فائدة هامة: قد يدعي بعضهم أن القول بعدم وجوب زكاة عروض التجارة فيه إضاعة لحق الفقراء والمساكين في أموال الأغنياء والمثرين.
والجواب من وجهين:الأول: أن الأمر كله بيد الله تعالى فليس لأحد أن يشرع شيئا من عنده بغير إذن من الله عز وجل {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ألا ترى أنهم أجمعوا على أنه لا زكاة على الخضروات على اختلاف كثير بينهم مذكور عند المصنف وغيره واتفقوا على أنه لا زكاة على القصب والحشيش والحطب مهما بلغت قيمتها فما كان جوابهم عن هذا كان الجواب عن تلك الدعوى على أن المؤلف قد جزم أنه لم تكن تؤخذ الزكاة من الخضروات ولا من غيرها من الفواكه إلا العنب والرطب.
فأقول: فهذا هو الحق وبه تبطل الدعوى من أصلها.
والآخر: أن تلك الدعوى قائمة على قصر النظر في حكمة فرض الزكاة أنها لفائدة الفقراء فقط والأمر على خلافه كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ... } الآية.فإذا كان الأمر كذلك ووسعنا النظر في الحكمة قليلا وجدنا أن الدعوى المذكورة باطلة لأن طرح الأغنياء أموالهم ومتاجرتهم بها أنفع للمجتمع - وفيه الفقراء - من كنزها ولو أخرجوا زكاته ولعل هذا يدركه المتخصصون في علم الاقتصاد أكثر من غيرهم والله ولي التوفيق.اهـ
القول الثاني : تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا التِّجَارَةُ الزَّكَاةَ، إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَالْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ انظر المغني (3/ 58) وهو الراجح والدليل : 1- قال تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ( التوبة 103)
2- قال تعالى {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمُنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأرْضِ} (البقرة: 267) قال الجصاص :  وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ فِي قَوْله تَعَالَى أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ أَنَّهُ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعُمُومُ هَذِهِ الْآيَةِ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ لأن قوله تعالى ما كَسَبْتُمْ يَنْتَظِمُهَا انظر أحكام القرآن (2/175)
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا رواه البخاري (1468) ومسلم (983) قَالُوا: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ طُلِبَتْ مِنْهُ فِي دُرُوعِهِ، وَأَعْبُدِهِ؛ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ. قَالَ ابن حزم رحمه الله : وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ لَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ وَلَا إشَارَةٌ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ادَّعَوْهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ ظَلَمُوا خَالِدًا إذْ نَسَبُوا إلَيْهِ مَنْعَ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَطْ، صَدَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إذْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ عَاقِلٌ ذُو دِينٍ يُنْفِقُ النَّفَقَةَ الْعَظِيمَةَ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ يَمْنَعُ الْيَسِيرَ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ هَذَا حُكْمُ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا إعْمَالُ الظَّنِّ الْكَاذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَبَاطِلٌ انظر المحلى (4/44) وقال صديق خان في الروضة الندية (193) فلا تقوم به الحجة إلا إذا كانت المطالبة بزكاة ذلك الذي حبسه مع كونه للتجارة فعرّفهم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنها قد صارت محبسة وأنه لا زكاة فيها بعد التحبيس وليس الأمر كذلك بل الظاهر أنهم لما أخبروا النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بأن خالدا امتنع من الزكاة رد عليهم بذلك, والمراد أن من بلغ في التقرب إلى الله إلى هذا الحد وهو تحبيس أدراعه وأعتده يبعد كل البعد أن يمتنع من تأدية ما أوجبه الله عليه من زكاة التجارة اهـ
4- عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ رواه أبو داود (1562) حديث ضعيف وضعفه الذهبي وابن حجر والألباني انظر ضعيف أبي داود (275)
5- عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَلَى عُنُقِي آدِمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ عُمَرُ: " أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا حِمَاسُ؟ " فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي غَيْرُ هَذِهِ الَّتِي عَلَى ظَهْرِي وَآهَبَةٌ فِي الْقَرَظِ، فَقَالَ: " ذَاكَ مَالٌ فَضَعْ " , قَالَ: فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسَبَهَا فَوَجَدْتُ قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ رواه الشافعي في مسنده (633) قلت : آثر عمر ضعيف فيه : أبو عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ ووالده مجهولان كما قال ابن حزم وضعف هذا الحديث  ابن حزم وابن حجر والألباني انظر تمام المنة (1/368)  قال ابن قدامة في المغني (3/58) وَهَذِهِ قِصَّةٌ يَشْتَهِرُ مِثْلُهَا وَلَمْ تُنْكَرْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا اهـ قال الألباني رحمه الله في تمام المنة (368) وأما ما نقله المؤلف - سيد سابق - عقب ذلك عن "المغني" قال:"وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فيكون إجماعا"!فيقال: أثبت العرش ثم انقش على أنه لو ثبتت القصة فليس فيها ما يدل على الإجماع البتة يوضحه قول ابن رشد بعد أن أشار إلى هذه القصة وقول ابن عمر المتقدم:"ولا مخالف لهم من الصحابة وبعضهم يرى أن مثل هذا إجماع من الصحابة أعني إذا نقل عن واحد منهم قول ولم ينقل عن غيره خلافه وفيه ضعف".قلت: وفيه الخلاف الذي شرحته آنفا – سيأتي كلام الشيخ الألباني - اهـ
فائدة : قال صديق خان في الروضة الندية (1/193) وقد نقل ابن المنذر الإجماع على زكاة التجارة وهذا النقل ليس بصحيح فأول من يخالف في ذلك الظاهرية وهم فرقة من فرق الإسلام اهـ
قلت : الراجح وجوب زكاة عروض التجارة والدليل : قال تعالى {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمُنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأرْضِ} (البقرة: 267) قال شيخنا مصطفى العدوي فقد قال كثيرون من أهل العلم إنها في التجارة ، قال الجصاص :  وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ فِي قَوْله تَعَالَى أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ أَنَّهُ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعُمُومُ هَذِهِ الْآيَةِ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ لأن قوله تعالى ما كَسَبْتُمْ يَنْتَظِمُهَا انظر أحكام القرآن (2/175) قال ابن العربي في أحكام القرآن (1/ 313) قَالَ عُلَمَاؤُنَا: قَوْله تَعَالَى: {مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] يَعْنِي: التِّجَارَةَ {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] يَعْنِي النَّبَاتَ اهـ قلت : هناك أموال لا تجب فيها الزكاة كالخيل والرقيق والحمير ونحو ذلك فهذه الأموال لا تجب فيها الزكاة ولا دليل على إسقاط الزكاة عن عروض التجارة بهذه الأحاديث نقولوا لهم إذا كانت هذه الأحاديث قد أسقطت به الزكاة عن الفرس والعبد والحمير ، فما الدليل على إسقاطها عن التجارات 0 وذلك لأن القائلين بإخراج الزكاة في عروض التجارة يستدلون بهذه الأحاديث ، يقولون لا زكاة على الفرس التي يقتنيها الرجل إذا كان يستخدمها لركوبه وجهاده وكذا على عبيدة الذين يخدمونه لا زكاة عليهم وكذلك الحمير أما إذا كان ذلك مُعدا للتجارة ففيه الزكاة لعموم النص على ذلك ومن الأدلة أيضا ما ثبت عن عمر وابنه عبد الله وابن عباس رضي الله عنهم فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، وَكَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فِي زَمَنِ عُمَرَ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ فَإِذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ «جَمَعَ عُمَرُ أَمْوَالَ التِّجَارَةِ فَحَسَبَ عَاجِلَهَا وَآجِلَهَا، ثُمَّ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنَ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ» رواه ابن أبي شيبة (10466) وصححه ابن حزم وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:  «لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ» رواه البيهقي في الصغير (1210) وصححه ابن حزم وشيخنا مصطفى العدوي وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالتَّرَبُّصِ حَتَّى يَبِيعَ، وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ رواه ابن حزم في المحلى (4/40) وصححه الألباني قلت : وقول الصحابي حجة إذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كما هو مذهب أكثر أهل العلم : والأدلة على ذلك كثيرة منها : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً»، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»: رواه الترمذي (2641) قلت : حديث حسن بشواهده وحسنه الترمذي وابن كثير والألباني قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (7/334) فَتَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ لِاعْتِضَادِهِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ اهـ قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (1/283) وَمَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ " إنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ " فَإِنَّمَا قَالَهُ إذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا عُرِفَ نَصٌّ يُخَالِفُهُ ثُمَّ إذَا اشْتَهَرَ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ كَانَ إقْرَارًا عَلَى الْقَوْلِ فَقَدْ يُقَالُ " هَذَا إجْمَاعٌ إقراري " إذَا عُرِفَ أَنَّهُمْ أَقَرُّوهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَهُمْ لَا يُقِرُّونَ عَلَى بَاطِلٍ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ فَهَذَا إنْ عُرِفَ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ فَقَدْ يُقَالُ " هُوَ حُجَّةٌ "وَأَمَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ خَالَفَهُ فَلَيْسَ بِحُجَّةِ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ هَلْ وَافَقَهُ غَيْرُهُ أَوْ خَالَفَهُ لَمْ يَجْزِمْ بِأَحَدِهِمَا وَمَتَى كانت السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ كَانَتْ الْحُجَّةُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فِيمَا يُخَالِفُهَا بِلَا رَيْبٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ اهـ من أراد الزياده في هذا البحث فليرجع إلى كتابي أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة مع شرحها فقد ذكرت ان قول الصحابي حجة بالتفصيل
( شروط الزكاة في مال التجارة )
يشترط في المال المعد للكسب والتجارة لتجب الزكاة فيه شروط:
1 - أن لا تكون العروض مما يجب الزكاة فيه أصلاً، كالماشية والذهب والفضة ونحوها.
لأنه لا تجتمع زكاتان إجماعًا، بل يكون فيها زكاة العين -على الراجح- لأن زكاة العين أقوى ثبوتًا من زكاة التجارة لانعقاد الإجماع عليها ومن كان يتاجر فيما دون نصاب العين فإنه يخرج زكاة التجارة انظر صحيح فقه السنة (2/56)
 2 - أن يبلغ النصاب: قال ابن قدامة في المغني (3/60) إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْعُرُوضِ وَقِيمَتُهَا بِالْفِضَّةِ نِصَابٌ، وَلَا تَبْلُغُ نِصَابًا بِالذَّهَبِ قَوَّمْنَاهَا بِالْفِضَّةِ؛ لِيَحْصُلَ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهَا حَظٌّ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا بِالْفِضَّةِ دُونَ النِّصَابِ وَبِالذَّهَبِ تَبْلُغُ نِصَابًا، قَوَّمْنَاهَا بِالذَّهَبِ؛ لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا اهـ
3- أن يحول عليها الحول كما سبق من الأدلة 0
كيف يزكي التاجر ثورته التجارية؟
إذا حلَّ موعد الزكاة فإن على التاجر أن يضم ماله بعضه إلى بعض، وهذا المال يشمل:
1 - رأس المال والأرباح والمدَّخرات وقيمة بضائعه.
2 - الديون المرجوة الأداء.
فيقوِّم قيمة البضائع ويضيفها إلى ما لديه من نقود، وإلى ما له من ديون مرجوة الأداء، ويطرح منها ما عليه من ديون.
ثم يخرج عن هذا كله ربع العُشر (2.5%) بحسب سعرها وقت إخراج الزكاة، لا بحسب سعر شرائها.
هذا هو رأي جمهور الفقهاء، ووافقهم مالك فيه في التاجر المدير الذي يبيع ويشتري.
لكن قال في التاجر «المحتكر» الذي يشتري السلعة أو العقار ثم يتربص مدة من الزمن، ويرصد السوق، حتى ترتفع الأسعار، فيبيع، قال: لا يزكي إلا إذا باع السلعة فيزكيها لسنة واحدة وإن بقيت أعوامًا.
هل تخرج الزكاة من عين البضائع أم من قيمتها؟
ذهب الجمهور إلى وجوب إخراج القيمة، وأنه لا يجوز الإخراج من عين العروض، لأن النصاب معتبر بالقيمة، فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال.
وعند أبي حنيفة والشافعي -في أحد أقواله- أن التاجر مخيَّر بين إخراج السلعة أو القيمة.واختار شيخ الإسلام التفصيل بحسب مصلحة الآخذ للزكاة انظر صحيح فقه السنة (2/57)
( زكاة الزروع والثمار )
دليل وجوبها :
أولا : من القرآن : قال تعالى : {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمُنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأرْضِ} (البقرة: 267) ثانيا : من السنة : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ» رواه البخاري (1483)  (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ) الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَطَرُ أَوْ الثَّلْجُ أَوْ الْبَرَدُ أَوْ الطَّلُّ، وَالْمُرَادُ بِالْعُيُونِ: الْأَنْهَارُ الْجَارِيَةُ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا دُونَ اغْتِرَافٍ بِآلَةٍ بَلْ تُسَاحُ إسَاحَةً. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ عَثْرِيًّا) .قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ انظر نيل الأوطار (4/167) قَوْلُهُ بِالنَّضْحِ أَيْ بِالسَّانِيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا وَذَكَرَ الْإِبِلَ كَالْمِثَالِ وَإِلَّا فَالْبَقْرُ وَغَيْرُهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ انظر فتح الباري (3/349)
ثالثا : الإجماع : أجمعت الأمة على وجوب العشر أو نصف العشر فيما أخرجته الأرض ، واختلفوا في التفاصيل لهذه الأصناف انظر «بدائع الصنائع» (2/ 54) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ.قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ انظر المغني (3/3) ثم حصل بينهم خلاف فيما عدا المنصوص عليه، فنجمل أقوالهم فيما يأتي:
القول الأول :  أن الزكاة في كل ما يقتات ويُدَّخر: (وهو مذهب مالك والشافعي).
والمقتات هو: ما يتخذه الناس قوتًا يعيشون به في حال الاختيار، لا في الضرورة، كالقمح والشعير والذرة والأرز ونحوها، ولا تجب في الجوز واللوز والفستق ونحوها، فهي وإن كانت مما يدخر، فليست مما يقتات الناس به انظر صحيح فقه السنة (2/41)
ودليلهم : حديث معاذ بن جبل وفيه: « فَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَضْبُ فَقَدْ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » رواه البيهقي في الكبرى (7477) حديث ضعيف ضعفه ابن حجر كما في التلخيص (2/ 364)
القول الثاني : أن الزكاة في كل ما ييبس ويبقى ويُكال: (وهو أشهر الروايات عن أحمد) وهذا يدخل فيه الحبوب والثمار المكيلة المدخرة والقطاني (الفول والحمص والعدس ...) والتمر والزبيب واللوز والفستق وغيرها لاجتماع هذه الأوصاف فيها.
ولا زكاة في سائر الفواكه كالجوز والتفاح ونحوهما ولا في الخضروات واحتج القائلون بهذا القول:
1 - بقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ رواه البخاري (1447) ومسلم (979) قالوا: فيه اعتبار التوسيق، فدل على أن الزكاة إنما تكون فيما يُوسق ويكال. قلت : هذا الحديث مخصوص بالحديث الوارد بصيغة الحصر في الأقوات الأربعة كما سيأتي
2 - وبقوله صلى الله عليه وسلم: « «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ، حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، ...» رواه مسلم (979)
قالوا: وهذا يدل على وجوب الزكاة في الحب والتمر وانتفائها عن غيرهما. انظر صحيح فقه السنة (2/41)
قال ابن حزم في المحلى (4/24) ثُمَّ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ " حَبٍّ " فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَوَجَدْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {حَبًّا} [عبس: 27] {وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس: 28] {وَزَيْتُونًا وَنَخْلا} [عبس: 29] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَبُّ: الْبُرُّ، وَالْقَضْبُ: الْفِصْفِصَةُ، فَاقْتَصَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَهُوَ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ - بِالْحَبِّ عَلَى الْبُرِّ. وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد الدِّينَوَرِيُّ اللُّغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي النَّبَاتِ فِي بَابِ تَرْجَمَتِهِ " بَابُ الزَّرْعِ وَالْحَرْثِ وَأَسْمَاءِ الْحَبِّ وَالْقَطَانِيِّ وَأَوْصَافِهَا " فَقَالَ -: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَهُوَ الشَّيْبَانِيُّ - جَمِيعُ بُزُورِ النَّبَاتِ يُقَالُ لَهَا " الْحِبَّةُ " بِكَسْرِ الْحَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ: «فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ» : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: وَاحِدُ الْحَبَّةِ: حَبَّةُ،بِفَتْحِ الْحَاءِ؛ فَأَمَّا الْحَبُّ فَلَيْسَ إلَّا الْحِنْطَةَ، وَالشَّعِيرَ، وَاحِدُهَا حَبَّةٌ، بِفَتْحِ الْحَاءِ؛ وَإِنَّمَا افْتَرَقَتَا فِي الْجَمْعِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ - إثْرَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ لِأَبِي نَصْرٍ صَاحِبِ الْأَصْمَعِيِّ كَلَامًا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْحُبُوبِ كَالْأُرْزِ، وَالدَّخَنِ، قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ جُمُوعٍ -: الْحَبُّ لِلْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ خَاصَّةً، وَالْحِبَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَزِيَادَةِ الْهَاءِ فِي آخِرِهَا - لِكُلِّ مَا عَدَاهُمَا مِنْ الْبُزُورِ خَاصَّةً، وَالْحُبُوبُ لِلْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الْبُزُورِ. وَالْكِسَائِيُّ إمَامٌ فِي اللُّغَةِ، وَفِي الدِّينِ، وَالْعَدَالَةِ. فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْحَبَّ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصًّا بِنَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ التَّمْرِ -: فَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّبَاتِ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ التَّمْرِ اهـ
القول الثالث : أن الزكاة في كل ما أخرجت الأرض مما يزرعه الآدمي
وهو قول عمر بن عبد العزيز وهو مذهب أبي حنيفة وداود الظاهري، ورجحه ابن العربي وأطال في تأييده، واختاره القرضاوي انظر صحيح فقه السنة (2/41)
واحتجوا لمذهبهم بما يأتي:
1 - عموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ ...} [البقرة: 267]
قالوا: فلم يفرق بين مخرج ومخرج.
2 - قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]. بعد ذكر أنواع المأكولات من الجنات والنخل والزرع والزيتون والرمان.
3 - قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ» رواه البخاري (1483) قالوا: فلم يفرق بين مقتات وغير مقتات، ومأكول وغير مأكول، وما يبقى وما لا يبقى، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَقْوَى الْمَذَاهِبِ وَأَحْوَطُهَا لِلْمَسَاكِينِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ انظر نيل الأوطار (4/169)
قلت : عموم الآية والحديث فهو مخصوص بالحديث الوارد بصيغة الحصر في الأقوات الأربعة كما سيأتي وضعف هؤلاء حديث حصرالزكاة في الأصناف الأربعة سيأتي تخريج الحديث !
القول الرابع : أنه لا زكاة إلا في الأصناف الأربعة، ولا شيء فيما عداها وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وهو رواية عن أحمد انظر المغني (3/4)  وهو مذهب ابن حزم غير أنه لم يصح عنده في الزبيب حديث فلم يقل به، وهو اختيار الشوكاني والصنعاني والألباني وهو الراجح والدليل : عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ رواه أحمد في المسند (21989) قلت : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه الذهبي  وتمام كلام الحاكم:«وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ لَمْ يُنْكَرْ لَهُ أَنَّهُ يُدْرِكُ أَيَّامَ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَفِي تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ لِهَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، وَمُعَاذٌ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَرِوَايَةُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْهُ أَوْلَى بِالْإِرْسَالِ 0 وقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَفِي الِاتِّصَالِ بَيْنَ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَمُعَاذٍ نَظَرٌ انظر نصب الراية (2/ 386) ورجح الإرسال أيضا شيخنا مصطفى العدوي قلت : مُوسى بْن طَلْحَة وإن لم يلق معاذاً كما قال أَبُو زُرْعَةَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كما في تلخيص الحبير (2/365) إلا أنه نقله عن كتابه، وهي وجادة صحيحة مقبولة عند أهل العلم كما في أصول الحديث فلا وجه لمن أعل هذا الحديث بالإرسال ، قال الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (3/ 277) لا وجه عندى لإعلال هذا السند بالإرسال , لأن موسى إنما يرويه عن كتاب معاذ , ويصرح بأنه كان عنده فهى رواية من طريق الوجادة وهى حجة على الراجح من أقوال علماء أصول الحديث , ولا قائل باشتراط اللقاء مع صاحب الكتاب.وإنما يشترط الثقة بالكتاب وأنه غير مدخول. فإذا كان موسى ثقة ويقول: " عندنا كتاب معاذ " بذلك , فهى وجادة من أقوى الوجادات لقرب العهد بصاحب الكتاب. والله أعلم اهـ قلت: له شاهدا بإسناد حسن بلفظ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، حِينَ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ «لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، الشَّعِيرِ، وَالْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ» رواه الحاكم (1/401) صحح هذا الحديث الحاكم ووافقه الذهبي وأقره الزيلعى فى " نصب الراية " (2/389) وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ مُتَّصِلٌ وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح،وصححه الألباني والأرنؤوط 0
مفردات الحديث:
- الشعير: نبات عشبي حبي من الفصيلة النجلية، وهو دون البر في الغذاء، فيقال: "فلان كالشعير يؤكل ويذم".
الحنطة : القمح، جمعه: "حنط".
-     الزبيب: جمع: "زبيبة"، وهو ما جفِّف من العنب.
قال ابن قدامة : وَلِأَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لَا نَصَّ فِيهَا وَلَا إجْمَاعَ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا فِي غَلَبَةِ الِاقْتِيَاتِ بِهَا، وَكَثْرَةِ نَفْعِهَا، وَوُجُودِهَا، فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَيْهَا، وَلَا إلْحَاقُهُ بِهَا، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ انظر المغني (3/5)
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين خصَّ هذه الأصناف الأربعة للصدقة، وأعرض عما سواها، قد كان يعلم أن للناس أقواتًا وأموالاً، مما تخرج الأرض سواها، فكان تركه ذلك وإعراضه عنه عفوًا منه كعفوه عن صدقة الخيل والرقيق.
قال الصنعاني في سبل السلام (1/ 530) قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ أَيْ حَدِيثُ مُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى وَارِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَالظَّاهِرُ مَعَ مَنْ قَالَ بِهِ (قُلْت) :؛ لِأَنَّهُ حَصْرٌ لَا يُقَاوِمُهُ الْعُمُومُ وَلَا الْقِيَاسُ وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّهُ لَا يُقَاوِمُهُ حَدِيثُ «خُذْ الْحَبَّ مِنْ الْحَبِّ» الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (1599) – ضعفه الألباني - ؛ لِأَنَّهُ عُمُومٌ فَالْأَوْضَحُ دَلِيلًا مَعَ الْحَاصِرِينَ لِلْوُجُوبِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَقَالَ فِي الْمَنَارِ: إنَّ مَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ مَحَلُّ احْتِيَاطٍ أَخْذًا وَتَرْكًا وَاَلَّذِي يُقَوِّي أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِهَا (قُلْت) : الْأَصْلُ الْمَقْطُوعُ بِهِ حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَلَا يُخْرَجُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ لَا يَرْفَعُ ذَلِكَ الْأَصْلَ وَأَيْضًا فَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ لَمْ يَرْفَعْهُمَا دَلِيلٌ يُقَاوِمُهُمَا فَلَيْسَ مَحَلُّ الِاحْتِيَاطِ إلَّا تَرْكَ الْأَخْذِ مِنْ الذُّرَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يَأْتِ بِهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْعُمُومِ الَّذِي قَدْ ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ اهـ
فائدة : حديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " إِنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ: فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالذُّرَةِ رواه ابن ماجه (1815) قال الألباني ضعيف جدا  وصح نحوه بلفظ الأربعة فذكرها دون الذرة فهي منكرة اهـ لها شواهد ضعيف جدا انظر تخريجها في تمام المنة (369)
( هل في الخضروات والفاكهة زكاة )
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : أن الخضروات عليها زكاة وهو مذهب أبي حنيفة ورجحه شيخنا مصطفى العدوي انظر فتاوى مهمة (3/131) واستدلوا : عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] ، وَقَوْلِهِ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَبِعُمُومِ حَدِيثِ «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ » رواه البخاري (1483) وضعفوا حديث عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الخَضْرَاوَاتِ وَهِيَ البُقُولُ؟ فَقَالَ: «لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ»  رواه الترمذي (638)  قالوا لَا يَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ لضعفه قلت : هذا الحديث ذكر لها صاحب نصب الراية (2/389) شواهد وقال قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا اهـ وصححه الألباني ، فَيَنْتَهِضُ لِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ وَيُقَوِّي ذَلِكَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ سبق تخريجه
القول الثاني : ذهب جمهور العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله إلى أن الخضراوات ليس فيها زكاة وهو مذهب ابن حزم انظر فتاوى مهمة لشيخنا مصطفى العدوي (3/132) والدليل : 1- عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الخَضْرَاوَاتِ وَهِيَ البُقُولُ؟ فَقَالَ: «لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ» رواه الترمذي (638)  وصححه الألباني وذكر لها صاحب نصب الراية (2/389) شواهد وقال قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا اهـ
2- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ رواه البخاري (1405) ومسلم (979) قالوا فدل على أن ما لا يدخله التوسيق ليس مرادا من عموم الآية  قال ابن القيم في زاد المعاد (2/11) وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنَ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، وَلَا الْبِغَالِ وَلَا الْحَمِيرِ، وَلَا الْخَضْرَاوَاتِ، وَلَا الْمَبَاطِخِ وَالْمَقَاثِي وَالْفَوَاكِهِ الَّتِي لَا تُكَالُ وَلَا تُدَّخَرُ إِلَّا الْعِنَبُ وَالرُّطَبُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْهُ جُمْلَةً وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يَبِسَ مِنْهُ وَمَا لَمْ يَيْبَسْ اهـ
( نصاب زكاة الزروع والثمار )
تقدم فيما سبق الأصناف التي تجب فيها الزكاة من الزروع والثمار ، وتحقق القول فيها أنها أربعة أصناف ، لكن ما النصاب الذي يجب أن يخرج منه الزكاة ؟
الصحيح من ذلك أن نصاب الزروع والثمار خمسة أوسق ، وهو قول جمهور أهل العلم لحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ رواه البخاري (1405) ومسلم (979) قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/70) والمعروف أن الوسق ستون صاعاً بصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهي بأصواعنا حسب ما ذكره لنا مشايخنا مائتان وثلاثون صاعاً وزيادة صاع نبوي، وعلى حسب ما اعتبرناه في الوزن ـ إذا جعلنا الصاع كيلوين وأربعين جراماً ـ، فثلاثمائة صاع تعدل ستمائة واثني عشر كيلو بالبر الرزين الجيد، فيتخذ إناء يسع مثل هذا في الوزن، أو عدة أوانٍ، ثم يقاس عليها اهـ
 قال ابن قدامة في المغني (3/7) أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَمَكْحُولٌ، وَالْحَكَمُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ، إلَّا مُجَاهِدًا، وَأَبَا حَنِيفَةَ، وَمَنْ تَابَعَهُ، قَالُوا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» . وَلِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ حَوْلٌ فَلَا يُعْتَبَرُ لَهُ نِصَابٌ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا خَاصٌّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَتَخْصِيصُ عُمُومِ مَا رَوَوْهُ بِهِ، كَمَا خَصَّصْنَا قَوْلَهُ: «فِي سَائِمَةِ الْإِبِلِ الزَّكَاةُ» بِقَوْلِهِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» . وَقَوْلَهُ: «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» بِقَوْلِهِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» . وَلِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، فَلَمْ تَجِبْ فِي يَسِيرِهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الزَّكَائِيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهُ يَكْمُلُ نَمَاؤُهُ بِاسْتِحْصَادِهِ لَا بِبَقَائِهِ، وَاعْتُبِرَ الْحَوْلُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِكَمَالِ النَّمَاءِ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَالنِّصَابُ اُعْتُبِرَ لِيَبْلُغَ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ مِنْهُ، فَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، بِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَحْصُلُ الْغِنَى بِدُونِ النِّصَابِ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الزَّكَائِيَّةِ. اهـ.
ويلاحظ أن النصاب يقدر بعد تصفية الحبوب من قشورها ، وجفاف الثمار 0 قال ابن قدامة في المغني (3/7) وَتُعْتَبَرُ خَمْسَةُ الْأَوْسُقِ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ، وَالْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ عِنَبًا،لَا يَجِيءُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَبِيبًا، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ اهـ لكن إن أراد ادخاره بقشره ، فالأرجح أن يقدر من أهل الخبرة ما يخرج منه بعد تصفيته راجع تفاصيل هذه المسألة في المغني (2/696) والمجموع ( 5/458) وانظر تمام المنة لشيخنا عادل العزازي (2/247)
( قيمة زكاة الزروع )
يجب العشر فيما سقي بغير مؤنة كالنبات الذي يشرب من السماء والأنهار ، وما يشرب بعروقه فيستغنى عن سقي 0
ويجب نصف العشر فيما سقي بالمؤن كالدوالي والنواضح وهذا متفق عليه والدليل : عن ابن عمر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ» رواه البخاري (1483) (عثريا) ما يشرب من غير سقي إما بعروقه أو بواسطة المطر والسيول والأنهار وهو ما يسمى بالبعل سمي بذلك من العاثوراء وهي الحفرة لتعثر الماء بها. (العشر) عشرة من المائة. (بالنضح) بنضح الماء والتكلف في استخراجه. وعن جَابِر بْن عَبْد الله، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:«فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ، وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ»رواه مسلم (981)
قال النووي في شرح مسلم (7/54) وَأَمَّا الْغَيْمُ هُنَا فَبِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْمَطَرُ وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ الْغَيْلُ بِاللَّامِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ مَا جَرَى مِنَ الْمِيَاهِ فِي الْأَنْهَارِ وَهُوَ سيل دون السيل الكبير وقال بن السِّكِّيتِ هُوَ الْمَاءُ الْجَارِي عَلَى الْأَرْضِ وَأَمَّا السَّانِيَةُ فَهُوَ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْقَى بِهِ الْمَاءُ مِنَ الْبِئْرِ وَيُقَالُ لَهُ النَّاضِحُ يُقَالُ مِنْهُ سَنَا يَسْنُو إِذَا أُسْقِيَ بِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وُجُوبُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مُؤْنَةٌ كَثِيرَةٌ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِالنَّوَاضِحِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ مُؤْنَةٌ كَثِيرَةٌ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ اهـ
( خرص النخل والأعناب )
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ القُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «اخْرُصُوا»، وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، فَقَالَ لَهَا: «أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ: «أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلاَ يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ» فَعَقَلْنَاهَا، وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّءٍ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ، فَلَمَّا أَتَى وَادِيَ القُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ: «كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ» قَالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى المَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي، فَلْيَتَعَجَّلْ» رواه البخاري (1481) ومسلم (1392) مختصرا (خرص رسول) حسب تقديره
قال ابن حجر في فتح الباري (3/344)
(قَوْلُهُ بَابُ خَرْصِ التَّمْرِ)
أَيْ مَشْرُوعِيَّتُهُ وَالْخَرْصُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَبِسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ هُوَ حَزْرُ مَا عَلَى النَّخْلِ مِنَ الرُّطَبِ تَمْرًا حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ تَفْسِيرَهُ أَنَّ الثِّمَارَ إِذَا أُدْرِكَتْ مِنَ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بَعَثَ السُّلْطَانُ خَارِصًا يَنْظُرُ فَيَقُولُ يُخْرَجُ مِنْ هَذَا كَذَا وَكَذَا زَبِيبًا وَكَذَا وَكَذَا تَمْرًا فَيُحْصِيهِ وَيَنْظُرُ مَبْلَغَ الْعُشْرِ فَيُثْبِتُهُ عَلَيْهِمْ وَيُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الثِّمَارِ فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْجِذَاذِ أُخِذَ مِنْهُمُ الْعُشْرُ انْتَهَى وَفَائِدَةُ الْخَرْصِ التَّوْسِعَةُ عَلَى أَرْبَابِ الثِّمَارِ فِي التَّنَاوُلِ مِنْهَا وَالْبَيْعِ مِنْ زَهْوِهَا وَإِيثَارِ الْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ وَالْفُقَرَاءِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِمْ مِنْهَا تَضْيِيقًا لَا يَخْفَى وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَنْكَرَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْخَرْصَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ تَخْوِيفًا لِلْمُزَارِعِينَ لِئَلَّا يَخُونُوا لَا لِيُلْزَمَ بِهِ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ تَخْمِينٌ وَغُرُورٌ أَوْ كَانَ يَجُوزُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَالْقِمَارِ وَتَعَقَّبَهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا وَالْمَيْسِرِ مُتَقَدِّمٌ وَالْخَرْصُ عُمِلَ بِهِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ تَرْكُهُ إِلَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ تَخْمِينٌ وَغُرُورٌ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ التَّمْرِ وَإِدْرَاكِهِ بِالْخَرْصِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمَقَادِيرِ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ قَوْمٍ مِنْهُمْ أَنَّ الْخَرْصَ كَانَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ يُوَفَّقُ مِنَ الصَّوَابِ مَا لَا يُوَفَّقُ لَهُ غَيْرُهُ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ غَيْرِهِ لَا يُسَدَّدُ لِمَا كَانَ يُسَدَّدُ لَهُ سَوَاءٌ أَنْ تَثْبُتَ بِذَلِكَ الْخُصُوصِيَّةُ وَلَوْ كَانَ الْمَرْءُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاتِّبَاعُ إِلَّا فِيمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُسَدَّدُ فِيهِ كَتَسْدِيدِ الْأَنْبِيَاءِ لَسَقَطَ الِاتِّبَاعُ وَتَرِدُ هَذِهِ الْحُجَّةُ أَيْضًا بِإِرْسَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَرَّاصَ فِي زَمَانِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْتَلَّ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلثَّمَرَةِ آفَةٌ فَتُتْلِفُهَا فَيَكُونَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِهَا مَأْخُوذًا بَدَلًا مِمَّا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يُضَمِّنُونَ أَرْبَابَ الْأَمْوَال مَا تلف بعد الْخرص قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ أَنَّ الْمَخْرُوصَ إِذَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ قَبْلَ الْجِذَاذِ فَلَا ضَمَانَ اهـ
فائدة : فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْخَارِصَ ظَلَمَهُ أَوْ أَخْطَأَ؟ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ كَانَ الْخَارِصُ عَدْلًا عَالِمًا، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ جَائِرًا فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ؟ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ جَائِرًا فَهُوَ فَاسِقٌ فَخَبَرُهُ مَرْدُودٌ.
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] .
وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَتَعَرُّضُ الْجَاهِلِ لِلْحُكْمِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ بِمَا لَا يَدْرِي جُرْحَةٌ؛ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَوْلِيَتُهُ؛ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَوْلِيَتُهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» انظر المحلى (4/ 64)
( متى تجب الزكاة في الحبوب والثمار )
بين أهل العلم نزاع في وقت وجوب زكاة الزروع والثمار ، فذهب فريق إلى أن وقت الوجوب في الحب إذا اشتد لأن اشتداده حال صلاحه للأخذ والتوسيق والادخار وفي الثمار إذا بدا صلاحها ، وحجتهم عن ابْن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلاَحِهَا قَالَ: «حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ رواه البخاري (1486) ومسلم (1534) (الْعَاهَةَ) هِيَ الْآفَةُ تُصِيبُ الزَّرْعَ أَوِ الثَّمَرَ وَنَحْوَهُ فَتُفْسِدُهُ انظر شرح مسلم (10/179)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ» قَالَ: حَتَّى تَحْمَارّ رواه البخاري (1488) ومسلم (1555) وهذا مذهب أحمد والشافعي
واختلفت الرواية عن مالك والمشهور عنه أنها تجب إذا استغنى الزرع عن الماء وقال فريق إن وقت الوجوب هو وقت خروج الزرع وظهور الثمر ، وهذا مذهب أبي حنيفة وحجته قول الله تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ] سورة البقرة (267) انظر الفقه الميسر (2/318) قال ابن قدامة في المغني (3/ 12) وَوَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَبِّ إذَا اشْتَدَّ، وَفِي الثَّمَرَةِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَجِبُ زَكَاةُ الْحَبِّ يَوْمَ حَصَادِهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِي الثَّمَرَةِ أَوْ الْحَبِّ قَبْلَ الْوُجُوبِ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَلَ السَّائِمَةَ أَوْ بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّائِمَةِ، وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ حَتَّى تَصِيرَ الثَّمَرَةُ فِي الْجَرِيبِ وَالزَّرْعُ فِي الْبَيْدَرِ وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إتْلَافِهِ أَوْ تَفْرِيطٍ مِنْهُ فِيهِ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.اهـ
وقال ابن حزم في المحلى (4/ 61)
وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ أَزْهَى التَّمْرُ فِي مِلْكِهِ - وَالْإِزْهَاءُ: هُوَ احْمِرَارُهُ فِي ثِمَارِهِ - وَعَلَى مَنْ مَلَكَ الْبُرَّ، وَالشَّعِيرَ قَبْلَ دِرَاسِهِمَا، وَإِمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا مِنْ التِّبْنِ وَكَيْلِهِمَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَ ذَلِكَ، مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ ابْتِيَاعٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إصْدَاقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ عَنْ التَّمْرِ قَبْلَ الْإِزْهَاءِ، وَلَا عَلَى مَنْ مَلَكَهَا بَعْدَ الْإِزْهَاءِ، وَلَا عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ عَنْ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، قَبْلَ دِرَاسِهِمَا وَإِمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا وَكَيْلِهِمَا؛ وَلَا عَلَى مَنْ مَلَكَهُمَا بَعْدَ إمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا وَكَيْلِهِمَا؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ» فَلَمْ يُوجِبْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَبِّ صَدَقَةٌ إلَّا بَعْدَ إمْكَانِ تَوْسِيقِهِ؛ فَإِنَّ صَاحِبَهُ حِينَئِذٍ مَأْمُورٌ بِكَيْلِهِ وَإِخْرَاجِ صَدَقَتِهِ؛ فَلَيْسَ تَأْخِيرُهُ الْكَيْلَ - وَهُوَ لَهُ مُمْكِنٌ - بِمُسْقِطٍ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ؛ وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّوْسِيقِ الَّذِي بِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَبْلَ الدِّرَاسِ أَصْلًا؛ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَبْلَ الدِّرَاسِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْهَا وَلَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَمَنْ سَقَطَ مُلْكُهُ عَنْهُ قَبْلَ الدِّرَاسِ - بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ إصْدَاقٍ: أَوْ مَوْتٍ، أَوْ جَائِحَةٍ، أَوْ نَارٍ، أَوْ غَرَقٍ، أَوْ غَصْبٍ - فَلَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَلَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ.
وَمَنْ أَمْكَنَهُ الْكَيْلُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ الَّذِي خُوطِبَ بِزَكَاتِهِ؛ فَمَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا مَلَكَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى غَيْرِهِ؟ وَلَيْسَ التَّمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهِ إذَا بَدَا طِيبُهُ، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا وَرَأَى الزَّكَاةَ فِي الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ إذَا يَبِسَا وَاسْتَغْنَيَا عَنْ الْمَاءِ.
سَأَلْنَاهُ عَنْ الدَّلِيلِ عَلَى دَعْوَاهُ هَذِهِ؟ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ وَعَارَضْنَاهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَرَى عَلَى مَنْ بَاعَ زَرْعًا أَخْضَرَ قَصِيلًا فَفَصَلَهُ الْمُشْتَرِي وَأَطْعَمَهُ دَابَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَبِّ -: أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ، عُشْرُ الثَّمَنِ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ، وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدِهِمَا إلَى تَرْجِيحِ قَوْلٍ عَلَى الْآخَرِ؟ وَلَوْ صَحَّ قَوْلُ مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ قَبْلَ دِرَاسِهِ -: لَكَانَ وَاجِبًا إذَا أَدَّى الْعُشْرَ مِنْهُ كَمَا هُوَ فِي سُنْبُلِهِ أَنْ يُجْزِئَهُ؛ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ اهـ
( زكاة العسل )
تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ قَالَ الْأَثْرَمُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَنْتَ تَذْهَبُ إلَى أَنَّ فِي الْعَسَلِ زَكَاةً؟ قَالَ: نَعَمْ. أَذْهَبُ إلَى أَنَّ فِي الْعَسَلِ زَكَاةً، الْعُشْرُ، قَدْ أَخَذَ عُمَرُ مِنْهُمْ الزَّكَاةَ. قُلْت: ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ تَطَوَّعُوا بِهِ؟ قَالَ لَا. بَلْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ.
وَيَرْوِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ انظر المغني (3/20) ودليلهم : عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ، وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ: سَلَبَةُ، فَحَمَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْوَادِي، فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ، إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ، فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ، وَإِلَّا، فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَأْكُلُهُ مَنْ يَشَاءُ رواه أبو داود (1600) حديث حسن وحسنه الألباني والأرنؤوط 0
القول الثاني :  قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ خَارِجٌ مِنْ حَيَوَانٍ، أَشْبَهَ اللَّبَنَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ فِي وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِي الْعَسَلِ خَبَرٌ يَثْبُتُ وَلَا إجْمَاعٌ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ انظر المغني (3/20) وهو مذهب ابن حزم قلت : وهو القول الراجح أما حديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّه قال الخطابي رحمه الله في معالم السنن (2/ 43) قلت في هذا دليل على أن الصدقة غير واجبة في العسل وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخذ العشر من هلال المُتعي إذ كان قد جاء بها متطوعا وحمى له الوادي إرفاقا ومعونة له بدل ما أخذ منه وعقل عمر بن الخطاب المعنى في ذلك فكتب إلى عامله يأمره بأن يحمي له الوادي إن أدى إليه العشر وإلا فلا ولو كان سبيله سبيل الصدقات الواجبة في الأموال لم يخيره في ذلك وكيف يجوز عليه ذلك مع قتاله في كافة الصحابة مع أبي بكر ما نعي الزكاة اهـ
قال ابن حزم في المحلى (4/ 39)
قَدْ قُلْنَا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» - رواه مسلم (1218) - .
فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ فَرْضِ زَكَاةٍ فِي مَالٍ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ إيجَابُهَا. فَإِنْ احْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] .
قِيلَ لَهُمْ: فَأَوْجِبُوهَا فِيمَا خَرَجَ مِنْ مَعَادِن الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَفِي الْقَصَبِ، وَفِي ذُكُورِ الْخَيْلِ، فَكُلُّ ذَلِكَ أَمْوَالٌ لِلْمُسْلَمِينَ، بَلْ أَوْجَبُوهَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَسْقَطُوهَا مِمَّا خَرَجَ مِنْ النَّخْلِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ، وَفِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ اهـ
قال الألباني رحمه الله في تمام المنة (1/374) : قوله تحت عنوان: زكاة العسل: "قال البخاري: ليس في زكاة العسل شيء يصح".
أقول: ليس هذا على إطلاقه فقد روي فيه أحاديث أحسنها حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده وأصح طرقه إليه طريق عمرو بن الحارث المصري عن عمرو بن شعيب ... بلفظ:
"جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل  00الحديث قلت: وهذا إسناد جيد وهو مخرج في "الإرواء" رقم 810 وقواه الحافظ في "الفتح" فإنه قال عقبه 3 / 348:
وَإِسْنَادُهُ صَحِيح إِلَى عَمْرو وَتَرْجَمَةُ عَمْرٍو قَوِيَّةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ لَكِنْ حَيْثُ لَا تَعَارُضَ إِلَّا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْحِمَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ".
وسبقه إلى هذا الحمل ابن زنجويه في "الأموال" 1095 - 1096 ثم الخطابي في "معالم السنن" 1 / 208 وهو الظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولدقة المسألة حديثيا وفقهيا اضطرب فيه رأي الشوكاني فذهب في "نيل الأوطار" 4 / 125 إلى عدم وجوب الزكاة على العسل وأعل أحاديثه كلها وأما في "الدرر البهية" فصرح بالوجوب وتبعه شارحه صديق خان في "الروضة الندية" 1 / 200 وأيد ذلك الشوكاني في "السيل الجرار" 2 / 46 - 48 وقال:"وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضا".فلم يتنبه إلى الفرق واختلاف دلالة بعضها عن بعض فهذه الطريق الصحيحة دلالتها مقيدة بالحمى كما رأيت والأخرى مطلقة ولكنها ضعيفة لا تنهض للاحتجاج بها كما قال هو نفسه في "النعل" ثم تبنى العمل بها في المصدرين المشار إليهما ونسي قاعدة "حمل المطلق على المقيد" التي يكررها في كثير من المسائل التي تتعارض فيها الأدلة فيجمع بينها بها.
إذا تبين هذا فنستطيع أن نستنبط مما سبق أن المناحل التي تتخذ اليوم في بعض المزارع والبساتين لا زكاة عليها اللهم إلا الزكاة المطلقة بما تجود به نفسه على النحو الذي سبق ذكره في عروض التجارة. والله أعلم اهـ
 ( زكاة بهيمة الأنعام )
بهيمة الأنعام هي : الإبل والبقر والغنم ، أما البقر فيشمل البقر المعتاد والجواميس ، والغنم يشمل الماعز والضأن ، فلا زكاة في حيوان غيرها فلا زكاة في الطيور والدواجن ونحوها مهما بلغت أعدادها  ، قال ابن المنذر في الإجماع (45) وأجمعوا على وجوب الصدقة في: الإبل، والبقر، والغنم 00وأجمعوا على أن حكم الجواميس حكم البقر وأجمعوا على أن الضان والمعز يجمعان في الصدقة اهـ
وذلك مشروط بشروط :
(1) أن تبلغ النصاب سيأتي تفصيل ذلك قال النووي في المجموع (5/ 360) وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَوَاشِي لَا تَجِبُ؟ فِيمَا دُونَ نِصَابٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِيهِ اهـ
(2) أن يحول عليها الحول ( بالعام الهجري لا الميلادي ) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ رواه ابن ماجه (1792) وصححه الألباني والأرنؤوط قال ابن قدامة في المغني (2/467) فَإِنَّ الْأَمْوَالَ الزَّكَاتِيَّةَ خَمْسَةٌ: السَّائِمَةُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْأَثْمَانُ؛ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ 00، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْحَوْلُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهَا. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، سِوَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْمُسْتَفَادِ اهـ
(3) أن تكون سائمة _ يعني غير معلوفة فهي لا تكلف صاحبها علفا بل تأكل مما أنبت الله أكثر السنة – فإن كانت معلوفة فالصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم لا زكاة فيها خلافا لمالك فقال تجب في المعلوفة انظر الروض النضير (4/399) قال ابن عثيمين رحمه الله : المعلوفة المتخذة للدر والنسل، وهي التي يشتري لها صاحبها العلف، أويحصده، أو يحشه لها، فهذه ليس فيها زكاة إطلاقاً، ولو بلغت ما بلغت؛ لأنها ليست من عروض التجارة، ولا من السوائم 00 العوامل، وهي: الإبل التي عند شخص يؤجرها للحمل فهذه ليس فيها زكاة، وهذا القسم كان موجوداً قبل أن تنتشر السيارات، فتجد الرجل عنده مائة بعير أو مائتان يؤجرها فينقل بها البضائع من بلد إلى بلد، وإنما الزكاة فيما يحصل من أجرتها إذا تم عليها الحول اهـ وقال ابن عثيمين في اللقاء الشهري (41/9) يوجد بعض الناس عندهم بساتين والحمد لله، وبعض أهل البادية عندهم غنم، لكنهم يعلفونها الشعير والعلف وهم يريدون بها التنمية ولا يريدون التجارة، هل عليهم زكاة أو لا؟
الجواب لا، ليس عليهم زكاة حتى لو بلغت مائة بعير فليس فيها زكاة، أو ألف شاة ليس فيها زكاة؛ لأنها معلوفة والمعلوفة ليس فيها زكاة، فلا بد أن تكون سائمة، أي: ترعى الحول أو أكثره، فما تقولون: في رجل عنده بستان وعنده مائة شاة للتنمية تتوالد، يأخذ لبنها يبيع ما فضل عن حاجته من أولادها هل فيها زكاة؟ ليس فيها زكاة؛ لأنها معلوفة.
مثال: رجل عنده مائة شاة للتنمية لكنها ترعى، ولا ينفق عليها ولا فلساً هل فيها زكاة؟ الجواب: فيها زكاة اهـ
 والدليل على وجوب الزكاة في سائمة الغنم عن أبي بكر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ رواه البخاري (1454) وسيأتي بتمامه
وأما سائمة الإبل عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ رواه أبوداود (1575) قلت حديث حسن قال الألباني في صحيح أبي داود (1407)(قلت: إسناده حسن، وصححه الحاكم والذهبي وابن الجارود) اهـ وأما البقر فلم يأت في سائمتها أحاديث وإنما فيها آثار عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مُثِيرِ الْأَرْضِ زَكَاةٌ» رواه في السنن والآثار (8094) قال الألباني في الضعيفة (9/ 369) وإسناده موقوف صحيح؛ كما قال البيهقي اهـ
( زكاة الإبل )
حدد الشرع مقدار الزكاة للإبل إذا بلغت نصابا ، والدليل : عن أنس أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَتَبَ لَهُ هَذَا الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى البَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، «فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا، فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ، فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ، فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ، فَفِيهَا شَاةٌ رواه البخاري (1454)  وبناء على هذا الحديث ، تؤخذ الزكاة من الإبل (1) 1-4 لا زكاة فيها إلا أن يشاء صاحبها (2) 5-9 شاة (3) 10- 14 شاتان (4) 15- 19 ثلاث شياة (5) 20-24 أربع شياه (6) 25-35 بنت مخاض أنثى فإذا لم يوجد فابن لبون ذكر فعن أنس أيضا في كتاب أبي بكر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة وفيه : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ رواه البخاري (1448)
 قال ابن حجر في فتح الباري (3/319) وَبِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا حَوْلٌ وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِي وَحَمَلَتْ أُمُّهَا وَالْمَاخِضُ الْحَامِلُ أَيْ دَخْلَ وَقْتُ حملهَا وَإِن لم تحمل وبن اللَّبُونِ الَّذِي دَخَلَ فِي ثَالِثِ سَنَةٍ فَصَارَتْ أُمُّهُ لَبُونًا بِوَضْعِ الْحَمْلِ (7) 36-45 بنت لبون أنثى (8) 46-60 حقه والحقة : قال في فتح الباري وَالْمُرَادُ أَنَّهَا بَلَغَتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ وَهِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ (9) 61-75 جذعة  الجذعة : وَهِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا أَرْبَعٌ وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ انظر فتح الباري (3/320)  (10) 76-90 بنتا لبون (11) 91-120 حقتان وما زاد على ذلك ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقه
 قال ابن حزم في مراتب الإجماع (35) وَاتَّفَقُوا على أَن فِي خمس من الأبل مشان راعية غير معلوفة وَلَا عوامل لَيست فِيهَا عمياء ذُكُورا كَانَت أَو اناثا أَو مختلطة إذا أتمت عَاما شمسيا عِنْد مَالِكهَا كَمَا ذكرنَا فِي الذَّهَب زَكَاة شَاة وَاتَّفَقُوا على أَن فِي عشر من الإبل شَاتين وَفِي خَمْسَة عشر كَذَلِك ثَلَاث شِيَاه وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون وَفِي سِتّ وأربعين حقة وَفِي إحدى وَسِتِّينَ جَذَعَة وَفِي سِتّ وَسبعين بِنْتا لبون وَفِي إحدى وَتِسْعين حقتان إلى مائَة وَعشْرين اهـ قال النووي في المجموع (5/400)وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بنت مخاض الا ماروى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " فِيهَا خَمْسُ شِيَاهٍ فَإِذَا صَارَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ "* وَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثٍ جَاءَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عن علي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسُ شِيَاهٍ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ " وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ فَمُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ ووهائه وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا على أن في خمس وعشرين بنت مخاض وَلَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهَا قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ فِيهَا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ اهـ
قال ابن قدامة في المغني (2/ 435) قال الخرقي : فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا إذَا زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَتَعَدَّى الْفَرْضُ إلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، فَيَكُونُ فِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَلِمَالِكٍ رِوَايَتَانِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ الْوَاحِدَةِ؛ بِدَلِيلِ سَائِرِ الْفُرُوضِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» اهـ
( زكاة البقر )
والبقر سميت بقراً؛ لأنها تبقر الأرض بالحراثة أي: تشقها.
وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا السُّنَّةُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ، وَأَسْمَنَهُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا، عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ رواه مسلم (990) قال ابن قدامة في المغني (2/ 442) وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلَا أَعْلَمْ اخْتِلَافًا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا أَعْلَمُ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ الْيَوْمَ. وَلِأَنَّهَا أَحَدُ أَصْنَافِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي سَائِمَتِهَا، كَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ اهـ
 قال ابن المنذر في الإجماع (45) وأجمعوا على أن حكم الجواميس حكم البقر اهـ
قلت : لا زكاة في البقر والجواميس حتى تبلغ ثلاثين سائمة ، فإذا بلغت ثلاثين سائمة وحال عليها الحول ففيها تبيع أو تبيعة – وهو ما له سنة – ولا زيادة حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة - المسنة: أنثى لها سنتان – وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم والدليل : عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اليَمَنِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، رواه الترمذي (623)  حديث صحيح قال الألباني في صحيح أبي داود (1408)(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيحين، وكذلك قال الحاكم والذهبي،وقال الترمذي: " حديث حسن"، وابن عبد البر: " ثنا متصل "، وصححه ابن حبان أيضا وابن الجارود) اهـ
 قال ابن  قدامة في المغني (2/ 442) (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ سَائِمَةٍ صَدَقَةٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ. وَلِأَنَّهَا عَدَلَتْ بِالْإِبِلِ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ، فَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ. وَلَنَا، مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ نُصُبَ الزَّكَاةِ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ وَالتَّوْقِيفِ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَاهُ نَصٌّ وَلَا تَوْقِيفٌ، فَلَا يَثْبُتُ، وَقِيَاسُهُمْ فَاسِدٌ، فَإِنَّ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ مِنْ الْغَنَمِ تَعْدِلُ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فِي الْهَدْيِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْ الْبَقَرِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ فِي الْعَوَامِلِ وَالْمَعْلُوفَةِ صَدَقَةٌ، كَقَوْلِهِ فِي الْإِبِلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ الرَّاوِي: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ، قَالَ: " وَلَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ شَيْءٌ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد – صححه الألباني -- العوامل: التي يحرث ويستسقى وينقل عليها -. وَهَذَا مُقَيَّدٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَجَابِرٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا صَدَقَةَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ. وَلِأَنَّ صِفَةَ النَّمَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الزَّكَاةِ، وَلَا يُوجَدُ إلَّا فِي السَّائِمَةِ اهـ
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 189)
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْفِقْهِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْحَدِيثِ إِلَى أَنْ لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مِنَ الْبَقَرِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ إِلَى سَبْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ إِلَى ثَمَانِينَ فَيَكُونُ فِيهَا مُسِنَّتَانِ إِلَى تِسْعِينَ فَيَكُونُ فِيهَا ثَلَاثُ تَبَائِعَ إِلَى مِائَةٍ فَيَكُونُ فِيهَا تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ ثُمَّ هكذا أبدا في ثلاثين تبيعا وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَبِهَذَا أَيْضًا كُلِّهُ قال بن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ اهـ
فائدة : في المغني (2/ 444) وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ، فَرُوِيَ أَنَّ فِيهَا الزَّكَاةَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ يَشْمَلُهَا، فَيَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْخَبَرِ. وَعَنْهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا.
وَهِيَ أَصَحُّ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ، إذَا كَانَتْ لَا تُسَمَّى بَقَرًا بِدُونِ الْإِضَافَةِ، فَيُقَالُ: بَقَرُ الْوَحْشِ. وَلِأَنَّ وُجُودَ نِصَابٍ مِنْهَا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّوْمِ حَوْلًا لَا وُجُودَ لَهُ، وَلِأَنَّهَا حَيَوَانٌ لَا يُجْزِئُ نَوْعُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَالظِّبَاءِ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَلَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، كَسَائِرِ الْوُحُوشِ، وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا، لِكَثْرَةِ النَّمَاءِ فِيهَا مِنْ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا، وَكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، لِكَثْرَتِهَا وَخِفَّةِ مَئُونَتِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهَا، فَاخْتَصَّتْ الزَّكَاةُ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الظِّبَاءِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ اسْمِ الْغَنَمِ لَهَا اهـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق