( زكاة الغنم )
وَهِيَ وَاجِبَةٌ
بِالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا السُّنَّةُ فحديث أنس سيأتي قال ابن قدامة :
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا انظر المغني (2/ 447)
أول نصاب الغنم أربعون
شاة تشمل الضأن والمعز ، الذكر والأنثى قال ابن حزم في المحلى (4/75) الْغَنَمُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الضَّأْنِ
وَالْمَاعِزِ، فَهِيَ مَجْمُوعٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ.
وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ الْمَاعِزِ
وَالضَّأْنِ، كَضَأْنِ بِلَادِ السُّودَانِ وَمَاعِزِ الْبَصْرَةِ وَالنَّفَدِ وَبَنَاتِ
حَذَفٍ وَغَيْرِهَا.
وَكَذَلِكَ الْمَقْرُونُ
الَّذِي نِصْفُهُ خِلْقَةُ مَاعِزٍ، وَنِصْفُهُ ضَأْنٍ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ
الْغَنَمِ، وَالذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ سَوَاءٌ.
وَاسْمُ الشَّاءِ أَيْضًا
-: وَاقِعٌ عَلَى الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي اللُّغَةِ.
وَلَا وَاحِدَ لِلْغَنَمِ
مِنْ لَفْظِهِ، إنَّمَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ: شَاةٌ، أَوْ مَاعِزَةٌ، أَوْ ضَانِيَةٌ،
أَوْ كَبْشٌ، أَوْ تَيْسٌ: هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ -
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ اهـ ويكون الزكاة على النحو الآتي : (1) 1- 39 لا
زكاة فيها إلا أن يشاء صاحبها (2) 40- 120 شاة (3) 121- 200 شاتان (4) 201 -300
ثلاث شياه ما زاد عن ذلك في كل مائة شاه : شاة فتجب الزكاة في الأنصبة السابقة
سواء كانت كلها ماعزا ، أوكان كلها ضانا ، أو كان بعضها ماعزا وبعضها ضانا 0 فعن أنس أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
كَتَبَ لَهُ هَذَا الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى البَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، 000 وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا
كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاَثِ مِائَةٍ، فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِ
مِائَةٍ، فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً
مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا
رواه البخاري (1454)
قال ابن المنذر في
الإجماع (45)
وأجمعوا على أن في أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائه،
فإذا زادت على عشرين ومائه، ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين 0
وأجمعوا على أن الضان والمعز يجمعان في الصدقة اهـ
قال النووي في روضة
الطالبين (2/153)
لَا زَكَاةَ فِي الْغَنَمِ،
حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ. فَإِذَا
بَلَغَتْهَا، فَفِيهَا شَاةٌ، ثُمَّ لَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَإِحْدَى
وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا شَاتَانِ، ثُمَّ لَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ
وَوَاحِدَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، ثُمَّ لَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَ
مِائَةٍ، فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْحِسَابُ فِي كُلِّ مِائَةٍ
شَاةٌ اهـ
الشاة التي تجب في الغنم
الجذعة من الضأن قيل مَا لَهُ سَنَةٌ تَامَّةٌ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَهْلِ
اللُّغَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ. والثنية من المعز ، هي التي أتمت سنة ودخلت في
الثانية اهـ
( الأوقاص )
حُكْم الأوقاص:
الأوقاص: جمع وَقَص -بالتحريك-: ما بين الفريضتين؛ من الإِبل
والغنم ، واحد في الصدقة
ولا شيء في الأوقاص، وقد صحّ الدليل لذلك؛ كما في كتاب أبي بكر إِلى
أنس المتقدِّم: "فإِذا كانت سائمة الرجل ناقصةً من أربعين شاة واحدة؛ فليس فيها
صدقة إلاَّ أن يشاء ربُّها".
قال في المجموع (5/393)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي
مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ الْوَقْسُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَرِيضَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ
عَنْ الْمَسْعُودِيِّ قال الاوقاس مَا دُونَ الثَّلَاثِينَ يَعْنِي مِنْ الْبَقَرِ
وَمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالسِّتِّينَ فَحَصَلَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ
يُقَالُ وَقَصٌ وَوَقْصٌ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا - وَشَنَقَ وَوَقْسٌ
- بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مالازكاة فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ
بَيْنَ نِصَابَيْنِ أَوْ دُونَ النِّصَابِ الْأَوَّلِ لَكِنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالِهِ
فِيمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - قال النووي - قد ذكرنا
ان الاصح مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ
مَالِكٍ وَعَنْ مَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ وَقَالَ ابن
المنذر قال أكثر العلماء لا شئ في الاوقاص اهـ
( ما لا يؤخذ في الزكاة )
يجب مراعاة حق أرباب الاموال
عند أخذ الزكاة من أموالهم، فلا يؤخذ من كرائمها وخيارها، إلا إذا سمحت أنفسهم بذلك.
كما يجب مراعاة حق الفقير.
فلا يجوز أخذ الحيوان المعيب،
عيبا يعتبر نقصا عند ذي الخبرة بالحيوان، إلا إذا كانت كلها معيبة وإنما تخرج الزكاة
من وسط المال.
1 - أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَتَبَ لَهُ الصَّدَقَةَ الَّتِي أَمَرَ
اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلاَ يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ، وَلاَ تَيْسٌ إِلَّا مَا
شَاءَ المُصَدِّقُ رواه البخاري (1455)
2 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ،
مِنْ غَاضِرَةِ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ
طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،
وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ، وَلَا
يُعْطِي الْهَرِمَةَ، وَلَا الدَّرِنَةَ وَلَا الْمَرِيضَةَ، وَلَا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ،
وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ،
وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ رواه أبو داود (1582) وصححه الألباني في الصحيحة (1064) قوله:
"رافدة عليه" من (الرِّفْد)، وهو الإعانة، ومعناه: أنَّه يُعطي الزكاة ونفسه
تعينه على أدائِها بطيبها، وعدم حديثها له بالمنع."والشَّرَط" بفتح الشين
المعجمة والراء: هي الرذيلة من المال، كالمُسِنَّة والعجفاء ونحوهما. الهرمة"
الكبيرة في السن "والدَّرِنَة": الجرباء. وأصل الدرن الوسخ قوله: "
اللئيمة " نصب على أنها صفة "للشرط" ومعناها الدنيئة.
قال النووي في شرح مسلم
(1/ 197) يَحْرُمُ عَلَى السَّاعِي أَخْذَ كَرَائِمِ الْمَالِ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ بَلْ
يَأْخُذُ الْوَسَطَ وَيَحْرُمُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ إِخْرَاجُ شَرِّ الْمَالِ اهـ
زكاة غير الأنعام:
لا زكاة في شئ من الحيوانات
غير الانعام.
فلا زكاة في الخيل والبغال
والحمير، والطيور والأرانب أو غير ذلك عند
أكثر أهل العلم إلا أنهم قالوا إلا إذا كانت للتجارة وقد سبقت المسألة في باب زكاة
عروض التجارة
فعن عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ
السَّلَام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ رواه أبو داود (1574) وصححه الألباني
وعن أبي هريرة: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سئل عن الحمر، فيها زكاة؟ فقال: «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ
شَيْءٌ، إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ»: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:
8) رواه البخاري ((2371)) ومسلم (987)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلاَ
فِي فَرَسِهِ رواه البخاري (1464) ومسلم (982)
قال ابن حزم في المحلى (4/ 31)
وَأَمَّا الْخَيْلُ، وَالرَّقِيقُ
– فَقَدْ ذكر ابن حزم آثار عن عمر وعثمان وغيرهما ثم قال رحمه الله : فَذَهَبَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ إلَى أَنَّ فِي الْخَيْلِ الزَّكَاةَ - وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ
الْآثَارِ، وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:
103] .
وَقَالُوا: وَالْخَيْلُ أَمْوَالٌ؛
فَالصَّدَقَةُ فِيهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتِ عَنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ
سِتْرٌ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا،
وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا، وَلَا ظُهُورِهَا، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ»
-رواه البخاري (2371) - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مَا مَوَّهَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ
الِاحْتِجَاجِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلِ الصَّحَابَة؛ وَهُمْ مُخَالِفُونَ
لِكُلِّ ذَلِكَ -: أَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ
الْأَمْوَالِ صَدَقَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهَا {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة:
103] فَلَوْ لَمْ يَرِدْ إلَّا هَذَا النَّصُّ وَحْدَهُ لَأَجْزَأَ فَلْسٌ وَاحِدٌ
عَنْ جَمِيعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ أُخِذَتْ مِنْ أَمْوَالِهِ.
ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الْآيَةِ أَنَّ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ
صَدَقَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهَا لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ
فِيهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مِقْدَارُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ، وَلَا مِقْدَارُ
الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَلَا مَتَى تُؤْخَذُ تِلْكَ الصَّدَقَةُ.
وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ
الْعَمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ، قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا
نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَيْسَ
فِيهِ إلَّا أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حَقًّا فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا، غَيْرَ مُعَيَّنٍ
وَلَا مُبَيَّنَ الْمِقْدَارِ؛ وَلَا مَدْخَلَ لِلزَّكَاةِ فِي ظُهُورِ الْخَيْلِ بِإِجْمَاعٍ
مِنَّا وَمِنْهُمْ.
فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ
إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ حُمِلَ عَلَى مَا طَابَتْ نَفْسُهُ
مِنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَارِيَّةُ ظُهُورِهَا لِلْمُضْطَرِّ.
وَأَمَّا فِعْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَدْ خَالَفُوهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ:
إنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ الذُّكُورِ وَلَوْ كَثُرَتْ وَبَلَغَتْ أَلْفَ فَرَسٍ
فَإِنْ كَانَتْ إنَاثًا، أَوْ إنَاثًا وَذُكُورًا، سَائِمَةً غَيْرَ مَعْلُوفَةٍ فَحِينَئِذٍ
تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَصِفَةُ تِلْكَ الزَّكَاةِ أَنَّ صَاحِبَ الْخَيْل مُخَيَّرٌ،
إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ مِنْهَا دِينَارًا أَوْ عَشَرَة دَرَاهِمَ؛ وَإِنْ
شَاءَ قَوَّمَهَا فَأَعْطَى مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا
خِلَافُ فِعْلِ عُمَرَ. وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفُوا فِعْلَ عُمَرَ فِي أَخْذِهِ الزَّكَاةَ
مِنْ الرَّقِيقِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِذِي عَقْلٍ
وَدِينٍ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ فِعْلِ عُمَرَ حُجَّةً وَبَعْضَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَخَالَفُوا عَلِيًّا فِي
إسْقَاطِ زَكَاةِ الْخَيْلِ جُمْلَةً، وَأَتَوْا بِقَوْلٍ فِي صِفَةِ زَكَاتِهَا لَا
نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ؛ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ النَّاسِ
إلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ أَصْلًا. عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْ
صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ
إنَّمَا أَخَذَهَا عَلَى أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ مِنْهُمْ لَا وَاجِبَةٌ. حَدَّثَنَا
حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا
عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ شُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ
وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ
بِالصَّدَقَةِ؛ فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، خَيْلٌ لَنَا وَرَقِيقٌ
افْرِضْ عَلَيْنَا عَشَرَةً عَشَرَةً. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَفْرِضُ
ذَلِكَ عَلَيْكُمْ. - عَنْ حَارِثَةَ هُوَ ابْنُ مُضَرِّبٍ - قَالَ: «حَجَجْتُ مَعَ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَتَاهُ أَشْرَافُ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، إنَّا أَصَبْنَا رَقِيقًا وَدَوَابَّا فَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا صَدَقَةً
تُطَهِّرُنَا وَتَكُونُ لَنَا زَكَاةً. فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَفْعَلْهُ اللَّذَانِ
كَانَا قَبْلِي» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ،
وَالْإِسْنَادُ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْخَيْلِ صَدَقَةً؛ وَلَا أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ؛ وَأَنَّ عُمَرَ
لَمْ يَفْرِضْ ذَلِكَ. وَأَنَّ عَلِيًّا بَعْدَهُ لَمْ يَأْخُذْهَا.
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ
عَفَوْتُ عَنْ الْخَيْلِ، فَأَدُّوا صَدَقَةَ أَمْوَالِكُمْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ
خَمْسَةٌ» .
وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ
وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» .
وَالْفَرَسُ وَالْعَبْدُ
اسْمٌ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةٌ لَمَا أَغْفَلَ
- عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانَ مِقْدَارِهَا وَمِقْدَارِ مَا تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَالشَّعْبِيِّ،
وَالْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَهُوَ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ،
وَعَلِيٍّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا.
وَأَمَّا الْحَمِيرُ فَمَا
نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ فِيهَا الزَّكَاةَ، إلَّا شَيْئًا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ
00 عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ مَنْصُورٌ: سَأَلْته عَنْ الْحَمِيرِ أَفِيهَا
زَكَاةٌ. فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: أَمَّا أَنَا فَأُشَبِّهُهَا بِالْبَقَرِ؛ وَلَا نَعْلَمُ
فِيهَا شَيْئًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِزَكَاةٍ مَحْدُودَةٍ مَوْصُوفَةٍ فَلَا زَكَاةَ
فِيهِ.
وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ عَلَى
مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْحَمِيرِ، لِأَنَّهَا
أَمْوَالٌ، وَكَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَاسَ الصَّدَاقَ عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ
أَنْ يَقِيسَهَا عَلَى الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، لِأَنَّهَا ذَاتُ أَرْبَعٍ مِثْلُهَا،
وَإِنْ افْتَرَقَتْ
فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ
الصَّدَاقُ يُخَالِفُ السَّرِقَةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ.اهـ
( حكم الخلطة )
عن ثُمَامَة، أَنَّ أَنَسًا
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ
لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ
بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ
بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» رواه البخاري (1450) (1451)
في فتح الباري (3/314) قَالَ
الشَّافِعِيُّ هُوَ خِطَابٌ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ جِهَةٍ وَلِلسَّاعِي مِنْ جِهَةٍ فَأُمِرَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ لَا يُحْدِثَ شَيْئًا مِنَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ خَشْيَةَ
الصَّدَقَةِ فَرَبُّ الْمَالِ يَخْشَى أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعَ أَوْ يُفَرِّقَ
لِتَقِلَّ وَالسَّاعِي يَخْشَى أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعَ أَوْ يُفَرِّقَ
لِتَكْثُرَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ
أَوْ خَشْيَةَ أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَلَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ
لَمْ يَكُنِ الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَحُمِلَ عَلَيْهِمَا
مَعًا لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْمَالِكِ أَظْهَرُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ اهـ
قال شيخنا عادل العزازي
في تمام المنة (2/242)
وقد اختلف العلماء في
شرح الحديث ، وفي حكم تأثير الخلطة على وجوب الزكاة : والراجح من هذه الأقوال قول
الإمام الشافعي رحمه الله في شرح الحديث - فذكر كلام الشافعي ثم قال – قلت مثال
الأول ( بالنسبة لرب المال ) : أن يكون ثلاثة لكل واحد أربعون شاة فيجمعون ليكون
المجموع مائة وعشرين فيخرجون شاة واحدة ، وإنما الواجب عليهم ثلاث شياه 0
أو يكون رجلان لهما
أربعون شاة مجتمعة ، فيفرقون لكل منهما – عشرون – فلا يجب عليهم أمام المصدق زكاة
، وفي الحقيقة أن عليهم شاة ، وهذا احتيال محرم 0
مثال الثاني ( بالنسبة
للساعي ) عكس الأول أن يجمع لهم الساعي العشرين لكل منهما ليأخذ منهم الزكاة ، وهم
في الحقيقة ليس عليهم زكاة 0
أو يفرق المائة والعشرين
المجتمعة لثلاثة ليأخذ من كل واحد شاة فيأخذ ثلاث شياه ، والمفروض شاة واحدة 0
وعلى هذا فللخلطة تأثير
وهو أرجح الأقوال ، فالخلطاء مالهم كالمال الواحد ، ثم قد يكون للخلطة تأثير في
وجوب الزكاة أو في تكثير الواجب أو تقليله 0
واشترطوا لتحقيق الخلطة
:
(1)
أن يكون الشركاء من أهل الزكاة 0
(2) أن يكون مجموع المال
المختلط نصابا 0
(3) أن يمضي عليه الحول
كاملا 0
(4) أن لا يتميز أحد
المالين من الآخر
قال الشيخ ابن عثيمين في
الشرح الممتع (6/62)
قوله: «والخُلطة تصير المالين
كالواحد» الخلطة: بضم الخاء أي: الاختلاط يصير المالين كالواحد.
وظاهر كلام المؤلف: العموم
وليس كذلك، وإنما مراده الخلطة في بهيمة الأنعام فقط، هذا هو المشهور من المذهب، وهو
القول الأول في المسألة.
وذهب بعض أهل العلم: إلى
أن الخلطة في الأموال الظاهرة تصير المالين كالمال الواحد عموماً واستدلوا لذلك، بأن
الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يبعث السعاة لأخذ الزكاة من أهل الثمار، ولا يسألون؛
مع أن الاشتراك وارد فيها.
فعلى هذا القول الخلطة في
بهيمة الأنعام تجعل المالين كالواحد.
مثاله: عندي غنم، وأنت عندك
غنم، والثالث عنده غنم، والرابع عنده غنم، وخلطناها جميعاً، فتصير الأموال كالمال الواحد.
فإذا كان عندي عشرون شاة،
وعندك عشرون شاة، فعلينا شاة زكاة.
ولو كان عندي عشرون وحدها،
وعندك عشرون وحدها ولم تختلط فلا زكاة؛ لعدم الخلطة، فقد تجب الزكاة فيما لم يجب، وقد
تسقط الزكاة فيما وجب، وسيأتي تفصيل هذا.
قال العلماء: والخلطة تنقسم
إلى قسمين:
1 ـ خلطة أعيان.
2 ـ خلطة أوصاف.
أولاً: خلطة الأعيان: وهي
أن يكون المال مشتركاً بين اثنين في الملك.
مثال ذلك: رجل مات عن ابنين
وخلف ثمانين شاة فالثمانون مشتركة بين الاثنين شركة أعيان، فعين الغنم هذه لأحد الابنين
نصفها، وللثاني نصفها.
وشركة الأعيان تكون بالإرث،
وتكون بالشراء، وغير ذلك.
ثانياً: خلطة أوصاف: وهي
أن يتميز مال كل واحد عن الآخر، ولكنها تشترك في أمور نذكرها إن شاء الله.
مثاله: أن يكون لكل منا ماله
الخاص، فأنت لك عشرون من الغنم، وأنا لي عشرون من الغنم ثم نخلطها، فلو ماتت العشرون
التي لي فلا ضمان عليك؛ لأنها نصيبي.
وفي خلطة الأعيان لو مات
نصفها فهي علينا جميعاً؛ لأنه ملك مشترك.
وخلطة الأوصاف تشترك في أمور:
1 ـ الفحل: أي: يكون لهذه
الغنم فحل واحد مشترك.
والفحل بالنسبة للمعز يسمى
تيساً، وفي الضأن خروفاً، وفي الإبل جملاً، وفي البقر ثوراً.
2 ـ المسرح: أي: يسرحن جميعاً
ويرجعن جميعاً.
فلا يسرح أحد غنمه يوم الأحد،
والثاني يوم الاثنين.
3 ـ المرعى: أي: يكون المرعى
لها جميعاً فليس غنم هذا في شعبة الوادي الشرقية، والثاني في الشعبة الغربية.
4 ـ المحلب: أي: مكان الحلب
يكون واحداً، فلا تحلب غنمك هناك، وغنمي هنا.
5 ـ المُرَاح ـ وهو: مكان
المبيت، أي: يكون المراح جميعاً فلا تكون غنمي لها مراح وحدها، وغنمك لها مراح وحدها.
وقد جمعت هذه الأوصاف في
قول الناظم:
إن اتفاق فحلٍ مسرحٍ ومرعى
ومحلبٍ المراح خلط قطعا
فإذا اشتركت في هذه الأشياء
الخمسة، فهي خلطة أوصاف، تجعل المالين كالمال الواحد.
وهذه الأوصاف الخمسة أخذت
من عادة العرب؛ وأنها إذا اشتركت في هذه الأوصاف صارت كأنها لرجل واحد.
ويشترط في الخلطة أن تكون
كل الحول أو أكثره، كالسوم. واعلم أن الخلطة أعم من الشركة فيختلطان ولا يكونان شريكين.
إذا قال قائل: أما النوع
الأول من الخلطة فلا إشكال فيه؛ لأنه مال مشترك بين شخصين.
لكن الثاني: كيف يجعل المالين
كالمال الواحد مع أن مالي يخصني، ومالك يخصك؟
فالجواب: دل على ذلك حديث
أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وفيه: «ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة،
وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية».
والخلطة تؤثر في إيجاب الزكاة،
وفي سقوطها؛ ولهذا قال: «لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة» .
مثال قوله صلّى الله عليه
وسلّم: «لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة» أن يكون عندي أربعون شاة، والعامل سيأتي غداً،
فأجعل عشرين منها في مكان، وعشرين في مكان آخر، فإذا جاء العامل وجد هذه الغنم عشرين،
والغنم الأخرى عشرين فلا يأخذ عليها زكاة؛ لأنها لم تبلغ النصاب.
ومثال قوله صلّى الله عليه
وسلّم: «لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة»
أنا أملك أربعين، وأنت تملك
أربعين، والثالث يملك أربعين فالجميع مائة وعشرون، فلو اعتبرنا كل واحد وحده لوجب ثلاث
شياه، لكن إذا جمعنا الغنم كلها وعددها مائة وعشرون، فلا يكون فيها إلا شاة واحدة كما
سلف.
إذاً جمعنا بين متفرق، لئلا
يجب على هذا المجموع ثلاث شياه، بل شاة واحدة.
مسائل:
الأولى: الخلطة لا تؤثر في
غير بهيمة الأنعام.
مثاله: لو كان لدينا مزرعة
ونحن عشرة، لكل واحد منا
عُشرها، وهي خمسة أنصبة فقط
فلا زكاة فيها؛ لأن كل واحد منا ليس له إلا نصف نصاب.
مثال آخر: رجلان اشتركا في
تجارة، وكان مالهما نصاباً، فليس عليهما زكاة؛ لأن نصيب كل واحد منهما لا يبلغ النصاب،
فلا زكاة عليهما مع أنهما يتاجران في الدكان؛ لأنه لا خلطة إلا في بهيمة الأنعام وفي
غير بهيمة الأنعام لا تؤثر الخلطة.
الثانية: لو كان لرجل عشرون
من الشياه في الرياض وعشرون في القصيم، فالجمهور تجب عليه الزكاة لأن المالك واحد،
والمذهب لا زكاة عليه لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة،
ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة» ، فدل على أنه إذا تفرق ماله لا للحيلة فلا زكاة عليه،
والأحوط رأي الجمهور، ويحمل الحديث على خلطة الأوصاف.
الثالثة: لو اختلط مسلم ومن
ليس من أهل الزكاة كالكافر خلطة أوصاف، فالزكاة على المسلم في نصيبه إذا بلغ نصاباً؛
لأن مخالطة من ليس من أهل الزكاة كالمعدوم.
الرابعة: لو اختلط اثنان
في «ماشية» وأحدهما يريد بنصيبه التجارة، والآخر يريد الدر والنسل، فهذه خلطة غير مؤثرة؛
لاختلاف زكاة كل منهما؛ فأحدهما زكاته بالقيمة، والآخر زكاته من عين المال.
الخامسة: إذا اختلط اثنان
وكان لأحدهما الثلثان، وللآخر الثلث فالزكاة بينهما على حسب ملكهما؛ على أحدهما الثلثان
وعلى الآخر الثلث اهـ
تؤخذ الزكاة في أماكنها
بأن يذهب المصدق إليهم ولا يطالب صاحب المال بجلب مواشيه إلى المصدق ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا جَلَبَ، وَلَا جَنَبَ، وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ» رواه
أبو داود (1591) وقال الألباني حسن صحيح (قَالَ لَا جَلَبَ) أَيْ بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى
لَا يُقَرِّبُ الْعَامِلُ أَمْوَالَ النَّاسِ إِلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ
عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَنْزِلَ السَّاعِي مَحِلًّا بَعِيدًا عَنِ الْمَاشِيَةِ ثُمَّ يُحْضِرَهَا
وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى مِيَاهِهِمْ أَوْ أَمْكِنَةِ مَوَاشِيهِمْ
لِسُهُولَةِ الْأَخْذِ حِينَئِذٍ
وَيُطْلَقُ الْجَلَبُ أَيْضًا
عَلَى حَثِّ فَرَسِ السِّبَاقِ عَلَى قُوَّةِ الْجَرْيِ بِمَزِيدِ الصِّيَاحِ عَلَيْهِ
لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ إِضْرَارِ الْفَرَسِ (وَلَا جَنَبَ) بِفَتْحَتَيْنِ
أَيْ لَا يُبْعِدُ صَاحِبُ الْمَالِ الْمَالَ بِحَيْثُ تَكُونُ مَشَقَّةً عَلَى الْعَامِلِ
(وَلَا تُؤْخَذُ) بِالتَّأْنِيثِ وَتُذَكَّرُ (إِلَّا فِي دُورِهِمْ) أَيْ مَنَازِلِهِمْ
وَأَمَاكِنِهِمْ وَمِيَاهِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ لِأَنَّهُ
كَنَّى بِهَا عَنْهُ فَإِنَّ أَخْذَ الصَّدَقَةِ فِي دُورِهِمْ لَازِمٌ لِعَدَمِ بُعْدِ
السَّاعِي عَنْهَا فَيَجْلِبُ إِلَيْهِ وَلِعَدَمِ بُعْدِ الْمُزَكِّي فَإِنَّهُ إِذَا
بَعُدَ عَنْهَا لَمْ يُؤْخَذْ فِيهَا
وَحَاصِلُهُ أَنَّ آخِرَ
الْحَدِيثِ مُؤَكِّدٌ لِأَوَّلِهِ أَوْ إِجْمَالٌ لِتَفْصِيلِهِ كَذَا في المرقاة انظر عون المعبود (4/336)
( زكاة الركاز والمعادن)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ
جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ رواه البخاري (1499) ومسلم (1710) ويتعلق بذلك مسائل : أولا : معنى الحديث قَوْلُهُ (الْعَجْمَاءُ)
أَيِ الْبَهِيمَةُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ تَأْنِيثُ الْأَعْجَمِ وَهُوَ الَّذِي لَا
يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ (جُبَارٌ) أَيْ
هَدَرٌ أَيْ إِذَا أَتْلَفَتِ الْبَهِيمَةُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا قَائِدٌ
وَلَا سَائِقٌ وَكَانَ نَهَارًا فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا أَحَدٌ فَهُوَ
ضَامِنٌ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِتَقْصِيرِهِ وَكَذَا إِذَا كَانَ لَيْلًا لِأَنَّ
الْمَالِكَ قَصَّرَ فِي رَبْطِهَا إِذِ الْعَادَةُ أَنْ تُرْبَطَ الدَّوَابُّ لَيْلًا
وَتُسَرَّحَ نَهَارًا كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وبن الْمَلِكِ (وَالْمَعْدِنُ) مَكَانٌ
يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَادُ الْمَعْدِنِيَّةُ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَدَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ
بِهِ (وَالْبِئْرُ) بِهَمْزٍ وَيُبْدَلُ (جُبَارٌ) أَيْ إِذَا اسْتَأْجَرَ حَافِرًا
لِحَفْرِ الْبِئْرِ أَوِ اسْتِخْرَاجِ الْمَعْدِنِ فَانْهَارَ عَلَيْهِ لَا ضَمَانَ
وَكَذَا إِذَا وَقَعَ فِيهِ إِنْسَانٌ فَهَلَكَ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَفْرُ عُدْوَانًا
وَإِنْ كَانَ فَفِيهِ خِلَافٌ انظر تحفة الأحوذي (3/242)
ثانيا : وفي قوله : ( المعدن جبار ) قولان : قال ابن
القيم في إعلام الموقعين (4/279) وَفِي قَوْلِهِ: «الْمَعْدِنَ جُبَارٌ» قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ
مَنْ يَحْفِرُ لَهُ مَعْدِنًا فَسَقَطَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَهُوَ جُبَارٌ، وَيُؤَيِّدُ
هَذَا الْقَوْلَ اقْتِرَانُهُ بِقَوْلِهِ: «الْبِئْرَ جُبَارٌ وَالْعَجْمَاءَ جُبَارٌ»
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ اقْتِرَانُهُ
بِقَوْلِهِ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ،
فَأَوْجَبَ الْخُمُسَ فِي الرِّكَازِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَجْمُوعٌ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ
كُلْفَةٍ وَلَا تَعَبٍ، وَأَسْقَطَهَا عَنْ الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى
كُلْفَةٍ وَتَعَبٍ فِي اسْتِخْرَاجِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
ثالثا : نوع الركاز :
الجمهور على أنه يشمل كل مال دفن وركز في الأرض من دفن الجاهلية مِنْ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالْآنِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وهذا مذهب الآئمة الثلاثة وأحد قولي الشافعي 0
القول الثاني : رواية
للشافعي : خَصَّهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
انظر المغني (3/50) وفتح الباري (3/365) قلت : وقول الجمهور هو الراجح لعموم قوله
صلى الله عليه وسلم : ( وفي الركاز الخمس )
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ
مَنْ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ إِمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ
فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْحَدِيثِ وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يخْتَص وَاخْتَارَهُ بن الْمُنْذِرِ انظر فتح الباري (3/365)
قلت : أما حديث : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
" فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ " , قِيلَ: وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ فِي الْأَرْضِ
يَوْمَ خُلِقَتْ رواه البيهقي في الكبرى (7640) وضعفه جدا وقال ونقل تضعيفه عن الشافعي وضعفه
أيضا الزيلعي الحنفي في "نصب الراية" فراجعه (2 / 380) وضعفه الألباني
في ضعيف الجامع (3163)
رابعا : على من يجب
الخمس : قال صاحب شرح غاية المنتهي (2/80) الرِّكَازِ إذَا وُجِدَ.وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا أَوْ عَرْضًا الْخُمُسُ
عَلَى وَاجِدِهِ وَلَوْ كَانَ وَاجِدُهُ ذِمِّيًّا أَوْ مَدِينًا كَبِيرًا كَانَ أَوْ
صَغِيرًا، حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا، عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا، لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ اهـ قلت :
وهو مذهب الجمهور ويدل بمفهوم الحديث على أن باقيه ( أربعة أخماس ) لواجده 0 قال
ابن حجر في فتح الباري (3/365) وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَا إِذَا وَجَدَهُ ذِمِّيٌّ
فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يُخْرَجُ مِنْهُ الْخُمُسُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُؤْخَذُ
مِنْهُ شَيْءٌ اهـ
خامسا : هل للركاز نصاب ؟
قال الألباني في تمام
المنة (377) قوله تحت عنوان: الواجب في الركاز: "وعند الشافعي في الجديد: يعتبر
النصاب فيه". يعني الركاز.
قلت والظاهر من إطلاق الحديث:
"وفي الركاز الخمس عدم اشتراط النصاب وهو مذهب الجمهور واختاره ابن المنذر والصنعاني والشوكاني وغيرهم وقد
احتج الشافعي في قوله الجديد بحجة نقلية واهية أوردتها في الرسالة المذكورة وبينت ضعفها
اهـ
سادسا : مصرف الركاز : لم
يحدد الحديث مصرف الركاز ، لذا اختلف العلماء في مصرفه َقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَالْجُمْهُورُ مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ خُمُسِ الْفَيْءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ وَعَنْ
أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ انظر فتح الباري (3/365) قال الألباني رحمه الله في تمام
المنة (378) وليس في السنة ما يشهد صراحة لأحد القولين على الآخر ولذلك اخترت في
"أحكام الركاز" أن مصرفه يرجع إلى رأي إمام المسلمين يضعه حيثما تقتضيه مصلحة
الدولة وهو الذي اختاره أبو عبيد في "الأموال".
وكأن هذا هو مذهب الحنابلة
حيث قالوا في مصرف الركاز: "يصرف مصرف الفيء المطلق للمصالح كلها اهـ
سابعا : ظاهر الحديث أنه
لا يشترط الحول ، بل متى وجد الركاز فقد وجب في الخمس كما في الحديث ولا خلاف في
ذلك قال ابن حجر في فتح الباري (3/365) وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ
فِيهِ الْحَوْلُ بَلْ يَجِبُ إِخْرَاجُ الْخُمُسِ فِي الْحَال وَأغْرب بن الْعَرَبِيِّ
فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَحَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ الِاشْتِرَاطَ وَلَا يُعْرَفُ
ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ كتبه وَلَا من كتب أَصْحَابه اهـ
( أهل الزكاة )
هم ثمانية أصناف لا يحل
صرفها لغيرهم من نحو مساجد ومدارس ومستشفيات ومصاحف وغير ذلك من جهات الخير كما
سيأتي قال تعالى : {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ
فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60]
قال ابن قدامة في المغني
(6/469) الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ هَا هُنَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، دُونَ غَيْرِهَا
مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَالْوَصَايَا. وَلَا نَعْلَمُ
خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى
غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، أَنَّهُمَا
قَالَا: مَا أَعْطَيْت فِي الْجُسُورِ وَالطُّرُقِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مَاضِيَةٌ. وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة:
60] . وَ " إنَّمَا " لِلْحَصْرِ تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ، وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ؛
لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَرْفَيْ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ، فَجَرَى مَجْرَى قَوْله
تَعَالَى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171] أَيْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7] . أَيْ مَا أَنْتَ إلَّا
نَذِيرٌ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّمَا
الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ اهـ
( بيان الثمانية أصناف )
1-2 الفقراء والمساكين :
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ رواه أحمد في
المسند (6798) قال الألباني في صحيح أبي داود (5/336) (قلت:
حديث صحيح، وصححه ابن الجارود، وحسنه الترمذي) اهـ قَوْلُهُ (وَلَا لِذِي مِرَّةٍ) أَيْ قُوَّةٍ (سَوِيٍّ)
أَيْ مُسْتَوِي الْخَلْقِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ اسْتِوَاءُ الْأَعْضَاءِ
وَسَلَامَتُهَا 0قال الترمذي في سننه (652) : وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الحَدِيثِ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحِلُّ المَسْأَلَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» وَإِذَا كَانَ
الرَّجُلُ قَوِيًّا مُحْتَاجًا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ
أَجْزَأَ عَنِ المُتَصَدِّقِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ وَوَجْهُ هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ
بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى المَسْأَلَةِ اهـ
وقال ابن قدامة في
المغني (2/ 493) لَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
غَنِيٌّ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى جَعَلَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَالْغَنِيُّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِمْ،
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: «أَعْلِمْهُمْ
أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ.
وَقَالَ: لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ. وَقَالَ: لَا تَحِلُّ
الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَلِأَنَّ أَخْذَ الْغَنِيِّ
مِنْهَا يَمْنَعُ وُصُولَهَا إلَى أَهْلِهَا، وَيُخِلُّ بِحِكْمَةِ وُجُوبِهَا، وَهُوَ
إغْنَاءُ الْفُقَرَاءِ بِهَا اهـ
(قَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَقْوَالُ
فِي حَدِّ الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ قَبْضُ الصَّدَقَةِ عَلَى أَقْوَالٍ)
القول الأول : ذَهَبَتْ الْحَنَفِيَّةُ
إلَى أَنَّ الْغَنِيَّ مَنْ مَلَكَ النِّصَابَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخَذُ الزَّكَاةِ
انظر نيل الأوطار (4/190) ودليلهم :حَدِيثِ مُعَاذٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» رواه البخاري
(1395) ومسلم (19) قَالُوا: فَوَصَفَ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ
الزَّكَاةُ بِالْغَنِيِّ، وَقَدْ قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ سبق
تخريجه»
القول الثاني : قال
الترمذي في سننه (651) قال : الثَّوْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا
لَمْ تَحِلَّ لَهُ الصَّدَقَةُ اهـ ودليلهم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ
يَوْمَ القِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ، أَوْ كُدُوحٌ»،
قِيلَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: «خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ» رواه التِّرْمِذِيُّ، (650) قلت : حديث حسن لغيره كما قال الترمذي وصححه
أحمد شاكر والألباني 0
القول الثالث : قَالُوا:
إِذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ أَكْثَرُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ، فَلَهُ
أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ
الفِقْهِ وَالعِلْمِ انظر سنن الترمذي (651)
القول الرابع : قَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو عُبَيْدٍ:
الْغِنَى مِلْكُ أُوقِيَّةٍ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا انظر المغني (2/ 494)
ودليلهم : عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ» .
وَكَانَتْ الْأُوقِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (1628) وحسنه الألباني قوله (فَقَدْ أَلْحَفَ) قَالَ الْوَاحِدِيُّ الْإِلْحَافُ
فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِلْحَاحُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَالَ الزَّجَّاجُ مَعْنَى أَلْحَفَ
شَمِلَ بِالْمَسْأَلَةِ وَالْإِلْحَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى
وُجُوهِ الطَّلَبِ بِالْمَسْأَلَةِ كَاشْتِمَالِ اللِّحَافِ فِي التَّغْطِيَةِ وَقَالَ
غَيْرُهُ مَعْنَى الْإِلْحَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَلْحَفَ
الرَّجُلُ إِذَا مَشَى فِي لَحَفِ الْجَبَلِ وَهُوَ أَصْلُهُ كَأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ
الْخُشُونَةَ فِي الطَّلَبِ انظر عون المعبود (5/24) وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ
دِرْهَمًا، فَهُوَ الْمُلْحِفُ رواه النسائي (2594) وقال الألباني حسن صحيح
القول الخامس : وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
هُوَ مَنْ وَجَدَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ، حَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ انظر نيل
الأوطار (4/ 190) ودليلهم : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ، فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ»
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا تَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ؟ - قَالَ: «قَدْرُ مَا
يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» رواه أبو داود (1629) وقال الألباني في صحيح أبي داود (5/332) (قلت:
إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان) اهـ قال البغوي في شرح السنة (6/86) أَمَّا
قَوْلُهُ: «قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ»، فَهُوَ فِي تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ،
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ وَجَدَ غَدَاءَ يَوْمِهِ وَعَشَاءَهُ لَمْ تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ وَجَدَ غَدَاءَهُ وَعَشَاءَهُ عَلَى دَائِمِ
الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مَنْسُوخٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ
اهـ قلت : يعني حديث ابن مسعود وحديث
أبي سعيد الخدري السالف0 قال الحافظ المنذري في صحيح الترغيب (1/326):
ادِّعَاء النّسخ مُشْتَرك بَينهمَا
وَلَا أعلم مرجحا لأَحَدهمَا على الآخر
وَقد كَانَ الشَّافِعِي رَحمَه
الله يَقُول قد يكون الرجل بالدرهم غَنِيا مَعَ كَسبه وَلَا يُغْنِيه الْألف مَعَ ضعفه
فِي نَفسه وَكَثْرَة عِيَاله وَقد ذهب سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَالْحسن
بن صَالح وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه إِلَى أَن من لَهُ خَمْسُونَ
درهما أَو قيمتهَا من الذَّهَب لَا يدْفع إِلَيْهِ شَيْء من الزَّكَاة
وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ
وَأَبُو عُبَيْدَة يَقُولَانِ من لَهُ أَرْبَعُونَ درهما فَهُوَ غَنِي وَقَالَ أَصْحَاب
الرَّأْي يجوز دَفعهَا إِلَى من يملك دون النّصاب وَإِن كَانَ صَحِيحا مكتسبا مَعَ
قَوْلهم من كَانَ لَهُ قوت يَوْمه لَا يحل لَهُ السُّؤَال اسْتِدْلَالا بِهَذَا الحَدِيث
وَغَيره وَالله أعلم اهـ قال الألباني في صحيح الترغيب (493) في الهامش عن قول أصحاب الرأي قلت: وهذا أعدل الأقوال، وبه تجتمع الأحاديث، وإليه ذهب الصنعاني في
"سبل السلام" (2/ 305 - 306)، ومال إليه الشوكاني في "نيل الأوطار"
(4/ 134 - 137) قال الصنعاني في سبل السلام (1/549) قَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَقْوَالُ فِي حَدِّ الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ
بِهِ قَبْضُ الصَّدَقَةِ عَلَى أَقْوَالٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا مَا تَسْكُنُ لَهُ النَّفْسُ
مِنْ الِاسْتِدْلَالِ؛ لِأَنَّ الْمَبْحَثَ لَيْسَ لُغَوِيًّا حَتَّى يُرْجَعَ فِيهِ
إلَى تَفْسِيرِ لُغَةٍ وَلِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ لَا يَتَعَيَّنُ
فِي قَدْرٍ وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُعَيَّنَةٌ لِقَدْرِ الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ
بِهِ السُّؤَالُ كَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ
أُوقِيَّةٌ فَقَدْ أَلْحَفَ» وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد «مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ
أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا» وَأَخْرَجَ أَيْضًا «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا
يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ النَّارِ قَالُوا: وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ:
قَدْرُ مَا يُعَشِّيهِ وَيُغَدِّيهِ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فَهَذَا قَدْرُ الْغِنَى
الَّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ السُّؤَالُ.
وَأَمَّا الْغِنَى الَّذِي
يَحْرُمُ مَعَهُ قَبْضُ الزَّكَاةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ
مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «أُمِرْت أَنْ آخُذَهَا مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ» فَقَابَلَ
بَيْنَ الْغَنِيِّ وَأَفَادَ أَنَّهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَبَيْنَ الْفَقِيرِ
وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ تَرِدُ فِيهِ الصَّدَقَةُ هَذَا أَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِيهِ اهـ قال المباركفوري رحمه الله في مرعاة المفاتيح (6/231) قلت: وبه قال الحنفية كما تقدم وهو الراجح عندي والله تعالى أعلم
اهـ
اختلف العلماء في الفقير
والمسكين ، هل هما صنف واحد أم أنهما صنفان قلت الصحيح أن المسكين أحسن حالا من
الفقير والدليل : قوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ
فِي الْبَحْرِ) الْكَهْفِ (79) فَأَخْبَرَ أَنَّ لِلْمَسَاكِينِ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ
وَرُبَّمَا سَاوَتْ جُمْلَةً مِنَ الْمَالِ قال الأَصمعي: الْمِسْكِينُ أَحسن حَالًا مِنَ الفَقِيرِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَحمد
بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا لأَن اللَّهَ تَعَالَى
سَمَّى مَنْ لَهُ الفُلْك مِسْكِينًا، فَقَالَ: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ؛ وَهِيَ تُسَاوِي جُمْلة انظر لسان العرب (5/60) وقال
في الاستذكار (3/209) وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ
الْفَقِيرِ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو بَكْرِ
بْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ إِنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ
بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَإِنِ افْتَرَقَا فِي الِاسْمِ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بن
الْقَاسِمِ وَسَائِرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) التَّوْبَةِ (60)
وقال ابن حزم في المحلى
(4/272) فَإِنْ قِيلَ: لِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْمِسْكِينِ، وَالْفَقِيرِ؟ قُلْنَا:
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْئَيْنِ
فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا: إنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، إلَّا بِنَصٍّ أَوْ
إجْمَاعٍ أَوْ ضَرُورَةِ حِسٍّ؛ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] سَمَّاهُمْ
اللَّهُ تَعَالَى مَسَاكِينَ وَلَهُمْ سَفِينَةٌ؛ وَلَوْ كَانَتْ تَقُومُ بِهِمْ لَكَانُوا
أَغْنِيَاءَ بِلَا خِلَافٍ. فَصَحَّ اسْمُ الْمِسْكِينِ بِالنَّصِّ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ
اهـ
( المالك الذي لا يجد ما
يفي بكفايته )
ذهب أكثر أهل العلم منهم
الشافعية والمالكية وأحمد إلى أن الفقير الذي يملك دارا أو عقارا أو له راتب شهري
أو نحوه وكان دخله ينقص عن كفايته ، فهو فقير يعطى من مال الزكاة ، ولا يكلف بيع
ما يملك وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى من ملك مائتي درهم أنه تحرم عليه الصدقة
المفروضة 0
قال ابن حزم في المحلى
(4/276)
مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِمَّا
يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، كَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا أَوْ
خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ خَمْسِينَ بَقَرَةً، أَوْ أَصَابَ
خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ وَهُوَ لَا يَقُومُ مَا مَعَهُ
بِعَوْلَتِهِ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ أَوْ لِغَلَاءِ السِّعْرِ -: فَهُوَ مِسْكِينٌ، يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَتُؤْخَذُ مِنْهُ
فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ مِنْ مَالِهِ اهـ
قال ابن قدامة في المغني
(6/472)
وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ صَحِيحًا
جَلْدًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ، أُعْطِيَ مِنْهَا، وَقُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ
يَمِينٍ، إذَا لَمْ يُعْلَمْ يَقِينُ كَذِبِهِ، وَلَا يُحَلِّفُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ سَأَلَاهُ،
وَلَمْ يُحَلِّفْهُمَا.» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ، أَنَّهُ قَالَ: «أَتَيْنَا النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْنَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ
فِينَا الْبَصَرَ وَصَوَّبَهُ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا»
. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ اهـ
(القدر الذي يُعطاه الفقير والمسكين من الزكاة)
لم يحدد الشرع ما نعطيه ، لكن المعتبر في ذلك ما
يخرجه عن فقره بأن نسد حاجاته ، وينال كفايته بالمعروف دون تحديد لكثرة أو قلة 0
قال ابن حزم في المحلى
(4/280)
وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْكَثِيرُ جِدًّا وَالْقَلِيلُ، لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، إذْ
لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ اهـ عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ
قال: إذَا أَعْطَيْتُمْ فَأَغْنُوا - يَعْنِي مِنْ الصَّدَقَةِ،رواه ابن حزم في
المحلى(4/280) وقال وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ خِلَافًا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
اهـ
(3) (العاملون على
الزكاة )
قوله: «والعاملون عليها»
هنا قال: «العاملون
عليها» ولم يقل: العاملون فيها،
أو العاملون بها.
فالعامل مشتق يتعدى بالباء،
ويتعدى بعلى، ويتعدى بفي.
ولنضرب أمثلة يتضح بها الفرق:
فمثلاً: شخص قيل له: اتجر
بهذه الدراهم، ولك نصف الربح، فهذا عامل بها.
مثال ثانٍ: شخص استؤجر لتنظيف
البيت فهذا عامل فيه.
مثال ثالث: شخص وكلناه لتأجير
هذا البيت، والنظر فيه، وفعل ما يصلحه، فهذا عامل عليه.
فالعاملون عليها هم الذين
تولوا عليها، فالعمل هنا عمل ولاية، وليس عمل مصلحة أي: الذين لهم ولاية عليها، ينصبهم
ولي الأمر.
وهم الذين ترسلهم الحكومة
لجمع الزكاة من أهلها، وصرفها لمستحقيها، فهم ولاة وليسوا أجراء، وإنما قلت هذا لأجل
أن يفهم أن من أعطي زكاة ليوزعها فليس من العاملين عليها بل هو وكيل عليها أو بأجرة؛
ولهذا فإن الزكاة إذا تلفت عند العاملين عليها فإن ذمة المزكي بريئة منها، وأما إذا
تلفت عند الموكل في التوزيع فلا تبرأ ذمة الدافع.
والمؤلف ـ رحمه الله ـ أطلق،
فقال: «العاملون عليها» كما جاء في القرآن، فلا يشترط أن يكونوا فقراء، بل يعطون ولو
كانوا أغنياء؛ لأنهم يعملون لمصلحة الزكاة، فهم يعملون للحاجة إليهم، لا لحاجتهم، فإذا
انضم لذلك أنهم فقراء، ونصيبهم من العمالة لا يكفي لمؤونتهم ومؤونة عيالهم، فإنهم يأخذون
بالسببين، أي: يعطون للعمالة، ويعطون للفقر انظر الشرح الممتع (6/ 224)
قال ابن عبد البر في
التمهيد (5/101)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
أَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ
لِمَنْ عَمِلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي لَهَا بِمَالِهِ وَالَّذِي
تُهْدَى إِلَيْهِ عَلَى مَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ من ذكر
فيه والله أعلم اهـ
وقال ابن رشد في بداية
المجتهد (2/37)
فَأَمَّا الْغَنِيُّ الَّذِي
لَا تَجُوزُ لَهُ الصَّدَقَةُ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ
لِلْأَغْنِيَاءِ بِأَجْمَعِهِمْ إِلَّا لِلْخَمْسِ الَّذِينَ نَصَّ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- فِي قَوْلِهِ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ
مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ» -
رواه أبو داود (1636) وصححه الألباني - اهـ
مسألة: ما قدر ما يعطى العامل
عليها؟
قال أهل العلم: يعطى الأقل
من أجرته أو كفايته، والصحيح أنه يعطى قدر الأجرة مطلقاً؛ لأنه يعطى للحاجة إليه فيستحق
قدر الأجرة مطلقاً،
فإن كانت قدر كفايته فقد كفته وإن كانت أقل من كفايته أخذ للعمالة وأعطي لفقره انظر
الشرح الممتع (6/ 225)
(4) ( المؤلفة قلوبهم )
وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ
ضَرْبَانِ؛ كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ، وَهُمْ جَمِيعًا السَّادَةُ الْمُطَاعُونَ فِي
قَوْمِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ. فَالْكُفَّارُ ضَرْبَانِ؛ أَحَدُهُمَا، مَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ،
فَيُعْطَى لِتَقْوَى نِيَّتُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَمِيلَ نَفْسُهُ إلَيْهِ، فَيُسْلِمَ؛
- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ:
«وَاللهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَانِي،
وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ
النَّاسِ إِلَيَّ»
رواه مسلم (2313)-
وَالضَّرْبُ الثَّانِي، مَنْ
يُخْشَى شَرُّهُ، وَيُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ كَفُّ شَرِّهِ وَكَفُّ غَيْرِهِ مَعَهُ.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ
فَأَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ؛ قَوْمٌ مِنْ سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ نُظَرَاءُ مِنْ
الْكُفَّارِ، وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَهُمْ نِيَّةٌ حَسَنَةٌ فِي الْإِسْلَامِ،
فَإِذَا أُعْطُوا رُجِيَ إسْلَامُ نُظَرَائِهِمْ وَحُسْنُ نِيَّاتِهِمْ، فَيَجُوزُ
إعْطَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَعْطَى عَدِيَّ بْنَ
حَاتِمٍ، وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ، مَعَ حُسْنِ نِيَّاتِهِمَا وَإِسْلَامِهِمَا.
الضَّرْبُ الثَّانِي، سَادَاتٌ
مُطَاعُونَ فِي قَوْمِهِمْ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِمْ قُوَّةُ إيمَانِهِمْ، وَمُنَاصَحَتُهُمْ
فِي الْجِهَادِ، فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ؛- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ:
بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنَ الْيَمَنِ، بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا،
قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعِ
بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ،
وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأَتَأَلَّفَهُمْ» رواه البخاري (7432) ومسلم (1064)- الضَّرْبُ الثَّالِثُ، قَوْمٌ فِي
طَرَفِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، إذَا أُعْطُوا دَفَعُوا عَمَّنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
الضَّرْبُ الرَّابِعُ: قَوْمٌ إذَا أُعْطُوا أَجَبُّوا الزَّكَاةَ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا
إلَّا أَنْ يَخَافَ. وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ؛
لِأَنَّهُمْ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، فَيَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ
انظر المغني (6/ 477)
قال ابن عثيمين في الشرح
الممتع (6/226)
الرابع المُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُم، مِمَّنْ يُرْجَى إِسْلاَمُهُ، أَوْ كَفُّ شَرِّهِ،
أَوْ يُرجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إِيمَانِهِ........
قوله: «الرابع المؤلفة قلوبهم» «المؤلفة» اسم مفعول، و «قلوب» نائب فاعل؛ لأن
اسم المفعول بمنزلة الفعل المبني للمجهول، أي: الذين يعطون لتأليف قلوبهم.
قوله: «ممن يرجى إسلامه،
أو كف شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه» فهم الذين يطلب تأليف قلوبهم على هذه الأمور
المذكورة وهي:
الأول: الإسلام؛ بحيث يكون
كافراً، لكن يرجى إسلامه إذا أعطي من الزكاة، فيعطى من الزكاة؛ لأن هذا فيه حياة قلبه،
وحياته في الدنيا والآخرة، فإذا كان الفقير يعطى منها لإحياء بدنه، فإعطاء الكافر الذي
يرجى إسلامه من باب أولى، ولو كان غنياً.
وعلم من قوله: «يرجى إسلامه»
، أن من لا يرجى إسلامه من الكفار فإنه لا يعطى أملاً في إسلامه، بل لا بد أن تكون
هناك قرائن توجب لنا رجاء إسلامه، مثل أن نعرف أنه يميل إلى المسلمين، أو أنه يطلب
كتباً أو ما أشبه ذلك، والرجاء لا يكون إلا على أساس؛ لأن الراجي للشيء بلا أساس إنما
هو متخيل في نفسه.
الثاني: أن يرجى كف شره،
بأن يكون شريراً على المسلمين وعلى أموالهم، وأعراضهم، كقطع الطريق أو التحريض عليهم
أو إفساد ذات البين وما أشبه ذلك، فيعطى لكف شره، فإن استطعنا كف شره بالقوة فلا حاجة
إلى إعطائه.
الثالث: أن يرجى بعطيته قوة
إيمانه بحيث يكون رجلاً ضعيف الإيمان عنده تهاون في الصلاة، وفي الصدقة، وفي الزكاة،
وفي الحج، وفي الصيام، ونحو ذلك.
والعلة أنه إذا كان يعطى
لحفظ البدن وحياته، فإعطاؤه لحفظ الدين وحياته من باب أولى.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا
يشترط أن يكون سيداً مطاعاً في عشيرته، والمذهب أنه يشترط أن يكون سيداً مطاعاً في
عشيرته.
1 ـ لأن النبي صلّى الله
عليه وسلّم حينما أعطى المؤلفة قلوبهم إنما أعطى الكبراء والوجهاء في عشائرهم وقبائلهم
ولم يعط عامة الناس.
2 ـ ولأن الواحد من عامة
الناس لا يضر المسلمين عدم إيمانه أو ضعف إيمانه، ولا يضر المسلمين شره؛ لأنه من الممكن
أن نحبسه أو نضربه أو نقيم الحد عليه، بخلاف الكبراء والوجهاء فإنه قد يتعذر ذلك في
حقهم، فيعطون من الزكاة لتأليف قلوبهم.
وهذا ظاهر في بعض المسائل
التي عدها المؤلف؛ وهي كف الشر، فمثلاً كف الشر إذا كان من واحد غير ذي أهمية وليس
مطاعاً وليس سيداً فإننا لا نحتاج أن نعطيه من الزكاة.
أما قوة الإيمان ورجاء الإسلام،
فالقول بأنه يعطى من لم يكن سيداً مطاعاً في عشيرته لذلك، قول قوي ودليل ذلك أن الرسول
صلّى الله عليه وسلّم يعطي الذين أسلموا وأمن شرهم ليزداد إيمانهم، حتى
صرّح بأنه يعطي أقواماً،
وغيرهم أحب إليه مخافة أن يكبهم الله في النار أخرجه البخاري (1478) ؛ ومسلم (150) عن سعد بن أبي
وقاص رضي الله عنه.
والعلة فيه أن حفظ الدين
وإحياء القلب أولى من حفظ الصحة وإحياء البدن، ورأيت كلاماً لشيخ الإسلام في مختصر
الفتاوى المصرية ظاهره، أنه يجوز أن يعطى المؤلف ولو لمصلحته الخاصة، وعلل بأنه إذا
كان الفقير يعطى لقوت بدنه فضعيف الإيمان أحوج إلى الإعانة.
وقوله: «ممن يرجى إسلامه»
لو قال قائل: ماذا نعطيه؟ هل نعطيه كثيراً أو قليلاً؟
فالجواب: يقال: الحكم معلق
بوصف يثبت ما دام الوصف باقياً، فيعطى من الزكاة ما يتحقق تأليفه به، فإذا مال إلى
الإسلام مثلاً وعرفنا منه قوة الإيمان، أو كف شره إذا كان من السادة المطاعين في عشائرهم،
فإننا لا نعطيه؛ لأن ما علق بوصف يثبت بثبوته، ويزول بزواله.
وهل يُعطى هؤلاء لحاجتهم
أو للحاجة إليهم؟ الجواب: منهم من يعطى لحاجته، ومنهم من يعطى لحاجة المسلمين إليه.
فمن يعطى لكف شره هذا ليس لحاجته، بل لحاجتنا لدفع شره.ومن يعطى لقوة إيمانه أو رجاء
إسلامه، فهذا يعطى لحاجته لكن ليست لحاجة النفقة والمال، بل لحاجة أخرى، وهي قوة إيمانه،
ورجاء إسلامه اهـ
هل انقطع سهم المؤلفة قلوبهم بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم أم أنه لا يزال باقيًا:
اختلف العلماء في هذه المسألة
على قولين
القول الأول : أن سهم المؤلفة
قلوبهم باق كغيره من الأصناف المذكورة في كتاب الله:
وهو مذهب أحمد، والمعتمد
عند المالكية والشافعية، وهو قول الحسن، والزهري.
القول الثاني : أن سهمه قد انقطع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وهو مذهب مالك والشافعي وأبي
حنيفة، وحجتهم: أن الله قد أعزَّ الإسلام وأغناه عن أن يتألف عليه الرجال.
واستدلوا لهذا بأن عمر بن
الخطاب لم يُعطِ هذا السهم إلى من كانوا يُعطَونه، وقال: «هو شيء كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألفكم، والآن قد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم ...».
«والحقيقة أن عمر لم يسقط
هذا السهم مطلقًا، وإنما منعهم لزوال الوصف عنهم الذي بموجبه سموا (المؤلفة قلوبهم)،
وهذا من قبيل الاجتهاد في توافر شروط تطبيق النص، وليس من قبيل إبطال حكم النص وهذا
واضح. وعلى هذا فإذا ظهرت حاجة في إعطاء من يتحقق فيهم معاني وأوصاف (المؤلفة قلوبهم)
فإن الإمام يعطيهم من هذا السهم حسب مصلحة المسلمين» لا سيما وقد انقلبت عزة المسلمين
ذلاًّ وظهر عليهم أعداؤهم، والله أعلم انظر صحيح فقه السنة (2/70)
قال ابن قدامة في المغني
(2/497)
قَالَ الشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: انْقَطَعَ سَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ بَعْدَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ تَعَالَى الْإِسْلَامَ
وَأَغْنَاهُ عَنْ أَنْ يَتَأَلَّفَ عَلَيْهِ رِجَالٌ، فَلَا يُعْطَى مُشْرِكٌ تَالِفًا
بِحَالٍ.
قَالُوا: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا
عَنْ عُمَرَ. وَلَنَا، كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
سَمَّى الْمُؤَلَّفَةَ فِي الْأَصْنَافِ الَّذِينَ سَمَّى الصَّدَقَةَ لَهُمْ، وَالنَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ فِيهَا،
فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ. وَكَانَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ كَثِيرًا، فِي
أَخْبَارٍ مَشْهُورَةٍ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ» ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ
كِتَابِ اللَّهِ وَسَنَةِ رَسُولِهِ إلَّا بِنَسْخٍ، وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ.
ثُمَّ إنَّ النَّسْخَ إنَّمَا
يَكُونُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّ النَّسْخَ
إنَّمَا يَكُونُ بِنَصٍّ، وَلَا يَكُونُ النَّصُّ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْقِرَاضِ زَمَنِ الْوَحْيِ، ثُمَّ إنَّ الْقُرْآنَ
لَا يُنْسَخُ إلَّا بِقُرْآنٍ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَسْخٌ كَذَلِكَ وَلَا فِي
السُّنَّةِ، فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِمُجَرَّدِ الْآرَاءِ وَالتَّحَكُّمِ،
أَوْ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ
حُجَّةً يُتْرَكُ لَهَا قِيَاسٌ، فَكَيْفَ يَتْرُكُونَ بِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ،
قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا نَسَخَ حُكْمَ الْمُؤَلَّفَةِ.
عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ
مِنْ الْمَعْنَى لَا خِلَافَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ الْغِنَى
عَنْهُمْ لَا يُوجِبُ رَفْعَ حُكْمِهِمْ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ عَطِيَّتَهُمْ حَالَ
الْغِنَى عَنْهُمْ، فَمَتَى دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى إعْطَائِهِمْ أُعْطُوا، فَكَذَلِكَ
جَمِيعُ الْأَصْنَافِ، إذَا عُدِمَ مِنْهُمْ صِنْفٌ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ، سَقَطَ
حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ خَاصَّةً، فَإِذَا وُجِدَ عَادَ حُكْمُهُ، كَذَا هُنَا
اهـ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ
الطبري في تفسيره (11/523) : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الصَّدَقَةَ فِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا سَدُّ خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْآخَرُ
مَعُونَةُ الْإِسْلَامِ وَتَقْوِيَتُهُ، فَمَا كَانَ فِي مَعُونَةِ الْإِسْلَامِ وَتَقْوِيَةِ
أَسْبَابِهِ فَإِنَّهُ يُعْطَاهُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْطَاهُ
مَنْ يُعْطَاهُ بِالْحَاجَةِ مِنْهُ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يُعْطَاهُ مَعُونَةً لِلدِّينِ،
وَذَلِكَ كَمَا يُعْطَى الَّذِي يُعْطَاهُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ
يُعْطَى ذَلِكَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا لِلْغَزْوِ لَا لِسَدِّ خُلَّتِهِ. وَكَذَلِكَ
الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ يُعْطُونَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، اسْتِصْلَاحًا
بِإِعْطَائِهِمُوهُ أَمْرَ الْإِسْلَامِ وَطَلَبَ تَقْوِيَتِهِ وَتَأْيِيدِهِ. وَقَدْ
أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْطَى مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ، بَعْدَ أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ وَفَشَا الْإِسْلَامُ
وَعَزَّ أَهْلُهُ، فَلَا حُجَّةَ لِمُحْتَجٍّ بِأَنْ يَقُولَ: لَا يُتَأَلَّفُ الْيَوْمَ
عَلَى الْإِسْلَامِ أَحَدٌ لِامْتِنَاعِ أَهْلِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ مِمَّنْ أَرَادَهُمْ
وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْطَى مِنْهُمْ
فِي الْحَالِ الَّتِي وَصَفْتُ
اهـ
(5) ( وفي الرقاب )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ:
المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ رواه الترمذي (1655) حديث حسن حسنه الترمذي والبغوي والألباني 0
قال الشوكاني في نيل
الأوطار (4/199) :
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] ، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْعِتْرَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُكَاتَبُونَ يُعَانُونَ مِنْ الزَّكَاةِ عَلَى
الْكِتَابَةِ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي
عُبَيْدٍ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ
أَنَّهَا تُشْتَرَى رِقَابٌ لِتُعْتَقَ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا لَوْ اخْتَصَّتْ بِالْمُكَاتَبِ
لَدَخَلَ فِي حُكْمِ الْغَارِمِينَ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَبِأَنَّ شِرَاءَ الرَّقَبَةِ
لِتُعْتَقَ أَوْلَى مِنْ إعَانَةِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَانُ وَلَا يُعْتَقُ؛
لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ؛ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يَتَيَسَّرُ
فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إنَّهُ
يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الظَّاهِرُ
لِأَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ الْمَذْكُورُ فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَكَّ الرِّقَابِ غَيْرُ عِتْقِهَا، وَعَلَى أَنَّ الْعِتْقَ وَإِعَانَةَ
الْمُكَاتَبِينَ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُقَرِّبَةِ مِنْ الْجَنَّةِ
وَالْمُبْعِدَةِ مِنْ النَّارِ. قَوْلُهُ: (حَقٌّ عَلَى اللَّهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ اللَّهَ يَتَوَلَّى إعَانَةَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَيَتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ
بِأَنْ لَا يُحْوِجَهُمْ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْغَازِي غَازِيًا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ مُرِيدًا لِلْأَدَاءِ، وَالنَّاكِحُ مُتَعَفِّفًا. وَقَدْ
اُخْتُلِفَ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ فَاسِقًا هَلْ يُعَانُ عَلَى الْكِتَابَةِ
أَمْ لَا؟ فَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يُعَانُ، قَالُوا: لِأَنَّهُ
لَا قُرْبَةَ فِي إعَانَتِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ
يَحْيَى وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ: يُعَانُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ
(6) ( الغارمون )
وَالْغَارِمُونَ: هُمْ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ دُيُونٌ لَا تَفِي أَمْوَالُهُمْ بِهَا، أَوْ مَنْ تَحَمَّلَ
بِحَمَالَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ بِهَا؛ فَأَمَّا مَنْ لَهُ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ
فَلَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ غَارِمًا انظر المحلى (4/274)
والغارم نوعان :
الأول : الغارم لإصلاح
ذات البين :
وهو الذي يصلح بين
القبائل المتشاجرة ، ويلتزم في ذمته مالا عوضا عما بينهما فهؤلاء يعطون من مال
الزكاة ولو كانوا أغنياء
الثاني : الغارم لنفسه :
أي : الذي استدان لشيء
يخصه كأن يستدين لنفقة ، أو أثاث ، أو علاج ، أو كسوة ، أو زواج، أو نحو ذلك 0
ويدخل تحت هذا القسم أيضا من نزلت بهم كوارث اجتاحت مالهم كحريق أو سيل أو هدم
انظر تمام المنة لشيخنا عادل العزازي (2/293) عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: " الْغَارِمُونَ: مَنِ احْتَرَقَ بَيْتُهُ،
أَوْ يُصِيبُهُ السَّيْلُ فَيَذْهَبُ مَتَاعُهُ، وَيُدَانُ عَلَى عِيَالِهِ، فَهَذَا
مِنَ الْغَارِمِينَ رواه الطبري في التفسير (14/ 318)
عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ
الْهِلَالِيِّ، قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ
قَالَ: " يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ
رَجُلٍ، تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ
يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ
أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ
قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ
حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا
فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ
قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا
يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا رواه مسلم (1044)
قال النووي في شرح مسلم
(7/133)
قَوْلُهُ (تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهِيَ الْمَالُ الَّذِي
يَتَحَمَّلُهُ الْإِنْسَانُ أَيْ يَسْتَدِينُهُ وَيَدْفَعُهُ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ
كَالْإِصْلَاحٍ بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ
وَيُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَدِينَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ) أَوْ قَالَ
سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ الْقِوَامُ وَالسِّدَادُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالسِّينِ وَهُمَا
بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مَا يُغْنِي مِنَ الشَّيْءِ وَمَا تُسَدُّ بِهِ الْحَاجَةُ
وَكُلُّ شَيْءٍ سَدَدْتَ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ سِدَادٌ بِالْكَسْرِ وَمِنْهُ سِدَادُ
الثَّغْرِ وَالْقَارُورَةِ وَقَوْلُهُمْ سِدَادٌ مِنْ عَوَزٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحجى مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ
أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ يَقُومَ ثَلَاثَةٌ
وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْ يَقُومُونَ بِهَذَا الْأَمْرِ فَيَقُولُونَ لَقَدْ أصابته فاقة
والحجى مَقْصُورٌ وَهُوَ الْعَقْلُ وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ قَوْمِهِ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِبَاطِنِهِ وَالْمَالُ مِمَّا
يَخْفَى فِي الْعَادَةِ فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ كَانَ خَبِيرًا بِصَاحِبِهِ وانما
شرط الحجى تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ التَّيَقُّظُ فَلَا
تُقْبَلُ مِنْ مُغَفَّلٍ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الثَّلَاثَةِ فقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ شَرْطٌ
فِي بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ لِظَاهِرِ هَذَا
الْحَدِيثِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يُقْبَلُ مِنْ عَدْلَيْنِ كَسَائِرِ الشهادات غير
الزنى وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عُرِفَ
لَهُ مَالٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي تَلَفِهِ وَالْإِعْسَارِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْمَالِ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ
يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ سُحْتًا وَرِوَايَةُ غَيْرِ
مُسْلِمٍ سُحْتٌ وَهَذَا وَاضِحٌ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ صَحِيحَةٌ وَفِيهِ إِضْمَارُ
أَيْ أَعْتَقِدُهُ سُحْتًا أَوْ يؤكل سحتا اهـ
( 7) ( وفي سبيل
الله )
قال في المغني (6/482)(وَسَهْمٌ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُمْ الْغُزَاةُ يُعْطَوْنَ مَا يَشْتَرُونَ بِهِ الدَّوَابَّ
وَالسِّلَاحَ، وَمَا يُنْفِقُونَ بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ)
. هَذَا الصِّنْفُ السَّابِعُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ. وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ،
وَبَقَاءِ حُكْمِهِمْ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ الْغُزَاةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛
لِأَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْغَزْوُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 190] . وَقَالَ: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ} [المائدة: 54] . وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4] . وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ،
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ.
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: لَا تُدْفَعُ إلَّا إلَى فَقِيرٍ. وَكَذَلِكَ
قَالُوا فِي الْغَارِمِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ
الزَّكَاةُ لَا تَحِلُّ لَهُ، كَسَائِرِ أَصْحَابِ السَّهْمَانِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذٍ: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ
صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . فَظَاهِرُ
هَذَا أَنَّهَا كُلَّهَا تُرَدُّ فِي الْفُقَرَاءِ، وَالْفَقِيرُ عِنْدَهُمْ مَنْ لَا
يَمْلِكُ نِصَابًا. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ؛ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
أَوْ لِغَارِمٍ» . وَذَكَرَ بَقِيَّتَهُمْ – رواه أبو داود (1636) حديث صحيح وقال الألباني في صحيح أبي داود (1445) (قلت: إسناده صحيح مرسلاً ومسنداً، ورجح طائفة
من الأئمة المسند،وصححه جماعة؛ منهم ابن خزيمة وابن الجارود والحاكم والذهبي اهـ
وصححه الأرنؤوط والبزار 0
قال ابن عثيمين في الشرح
الممتع (6/241)
فأما تخصيصه بالجهاد في سبيل
الله فلا شك فيه، خلافاً لمن قال: إن المراد في سبيل الله كل عمل برٍ وخير، فهو على
هذا التفسير كل ما أريد به وجه الله، فيشمل بناء المساجد، وإصلاح الطرق، وبناء المدارس،
وطبع الكتب، وغير ذلك مما يقرب إلى الله ـ عزّ وجل ـ؛ لأن ما يوصل إلى الله من أعمال
البر لا حصر له.
ولكن هذا القول ضعيف؛ لأننا لو فسرنا الآية بهذا المعنى لم يكن للحصر فائدة إطلاقاً، والحصر
هو {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} ... } [التوبة: 60] الآية، وهذا وجه لفظي.
أما الوجه المعنوي فلو جعلنا
الآية عامة في كل ما يقرب إلى الله ـ عزّ وجل ـ لحرم من الزكاة من تيقن أنه من أهلها؛
لأن الناس إذا علموا أن زكاتهم إذا بني بها مسجد أجزأت بادروا إليه لبقاء نفعه إلى
يوم القيامة فالصواب: أنها خاصة بالجهاد في سبيل الله اهـ
( هل يعطي من أراد الحج من الزكاة )
قلت : تنازع العلماء في
ذلك على قولين :
القول الأول : قالوا : لَا
يَصْرِفُ مِنْهَا فِي الْحَجِّ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى، قال ابن قدامة : وَهَذَا أَصَحُّ؛ انظر المغني (6/483)
القول الثاني : َيُعْطَى
أَيْضًا فِي الْحَجِّ، وَهُوَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وَيُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، الْحَجُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ؛ انظر
المغني (6/483) وهو اختيار ابن تيمية 0
وهو القول الراجح والدليل : «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ
نَاقَةً لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرَادَتْ امْرَأَتُهُ الْحَجَّ، فَقَالَ لَهَا
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْكَبِيهَا، فَإِنَّ الْحَجَّ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رواه أبو داود (1989) قال الألباني في صحيح أبي داود (1737) (قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن
العربي وكذا ابن الجارود وابن حبان اهـ
قال الشوكاني في نيل
الأوطار (4/ 203) : وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّ مَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَازَ لَهُ صَرْفُهُ فِي تَجْهِيزِ الْحُجَّاجِ
وَالْمُعْتَمِرِينَ، وَإِذَا كَانَ شَيْئًا مَرْكُوبًا جَازَ حَمْلُ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ
عَلَيْهِ. وَتَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ
اللَّهِ مِنْ الزَّكَاةِ إلَى قَاصِدِينَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ اهـ وقال ابن
تيمية في مجموع الفتاوى (28/274) (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَهُمْ الْغُزَاةُ الَّذِينَ
لَا يُعْطُونَ مِنْ مَالِ اللَّهِ
مَا يَكْفِيهِمْ لِغَزْوِهِمْ
فَيُعْطُونَ مَا يَغْزُونَ بِهِ؛ أَوْ تَمَامَ مَا يَغْزُونَ بِهِ مِنْ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ
وَنَفَقَةٍ وَأُجْرَةٍ؛ وَالْحَجُّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهـ
فائدة : إذا تفرغ رجل لطلب العلم الشرعي، فهل يجوز أن يعطى من الزكاة ما يحتاج إليه من نفقات وشراء كتب
جاء في الموسوعة الفقهية:
" اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ , وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ , وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ ... , وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى جَوَازِ أَخْذِ طَالِبِ الْعِلْمِ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ , لِعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ --قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الأَصْنَافِ , لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَاجُهُ طَالِبُ الْعِلْمِ فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ وَخَصَّ الْفُقَهَاءُ جَوَازَ إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ فَقَطْ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِ نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِطَالِبِ الْعِلْمِ " اهـ. باختصار
قال السعدي في تفسيره (1/341) وقال كثير من الفقهاء: إن تفرغ القادر على الكسب لطلب العلم، أعطي من الزكاة، لأن العلم داخل في الجهاد في سبيل الله اهـ قال النووي في المجموع (6/ 190): وَلَوْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِتَحْصِيلِ بَعْضِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْكَسْبِ لَانْقَطَعَ عَنْ التَّحْصِيلِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَأَمَّا) من لا يتأنى مِنْهُ التَّحْصِيلُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَدْرَسَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ
جاء في الموسوعة الفقهية:
" اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ , وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ , وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ ... , وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى جَوَازِ أَخْذِ طَالِبِ الْعِلْمِ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ , لِعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ --قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الأَصْنَافِ , لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَاجُهُ طَالِبُ الْعِلْمِ فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ وَخَصَّ الْفُقَهَاءُ جَوَازَ إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ فَقَطْ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِ نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِطَالِبِ الْعِلْمِ " اهـ. باختصار
قال السعدي في تفسيره (1/341) وقال كثير من الفقهاء: إن تفرغ القادر على الكسب لطلب العلم، أعطي من الزكاة، لأن العلم داخل في الجهاد في سبيل الله اهـ قال النووي في المجموع (6/ 190): وَلَوْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِتَحْصِيلِ بَعْضِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْكَسْبِ لَانْقَطَعَ عَنْ التَّحْصِيلِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَأَمَّا) من لا يتأنى مِنْهُ التَّحْصِيلُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَدْرَسَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ
قال: " وَأَمَّا مَنْ
أَقْبَلَ عَلَى نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مِنْهَا أَوْ مِنْ
اسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ بِهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ
مَصْلَحَةَ عِبَادَتِهِ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَغِلِ بِالْعِلْمِ
اهـ
قال ابن عثيمين في الشرح
الممتع (6/222) وذكر في «الروض» مسألة مهمة وهي: رجل قادر على التكسب، لكن ليس عنده
مال، ويريد أن يتفرغ عن العمل لطلب العلم، فهذا يعطى من الزكاة لنفقته؛ لأن طلب العلم نوع من الجهاد في
سبيل الله، هكذا قال الفقهاء هنا، وقالوا: إذا تفرغ قادر على التكسب للعلم فإنه يعطى؛
لأن طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله.
وهذا يؤيد ما قاله شيخ الإسلام
ابن تيمية ـ رحمه الله ـ من جواز أخذ الرهان في العلم أي: تعايا رجلان في مسألة، فقال
أحدهما: سنجعل جعلاً للمصيب؛ فإن أصبت أنا أعطني مائة، وإن أصبت أنت أعطيتك مائة.
فالمشهور عند الفقهاء أنه
لا يجوز، وأنه لا يجوز السبق إلا في ثلاثة أشياء: الإبل، والخيل، والسهام، ولكن شيخ
الإسلام ـ رحمه الله ـ قال: ويجوز أيضاً في طلب العلم؛ لأن العلم من أنواع الجهاد،
وقد جعله الله قسيماً للجهاد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا
كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا
فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
*} [التوبة] : والصحيح ما قاله شيخ الإسلام.
مسألة: لو أن رجلاً يستطيع
العمل، ولكنه يحب العبادة يحب
أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأن يقوم ثلث الليل وأن يتعبد بالصلاة فهذا لا نعطيه؛ لأن
العبادة نفعها قاصر على المتعبد، بخلاف العلم، ولهذا يقال: إن موت عالم أحب إلى الشيطان
من موت ألف عابد، وذلك أنه يقال: إن جنود الشيطان قالوا له: لماذا تفرح بموت العالم،
ولا تفرح بموت العابد؟ قال: سأريكم، فأرسل إلى العابد وسأله هل يقدر الله أن يجعل السماوات
والأرضين في بيضة؟ فقال العابد: لا يقدر.
وأرسل إلى العالم وسأله نفس
السؤال، فقال العالم: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون اهـ
(8 - ابن السبيل )
هو المسافر الذي انقطعت
عنه نفقته ، بأن ضاعت أو نفدت واحتاج إلى نفقة ، فهذا يعطي من الزكاة بقدر ما
يوصله إلى حاجته ويعود لبلده ، حتى لو كان غنيا وله مال في بلده انظر تمام المنة
لشيخنا عادل العزازي (2/296) قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/245)
يعطى ما يوصله إلى غاية سفره، ثم رجوعه، فإذا قدرنا أن رجلاً يريد أن يحج
من القصيم عن طريق المدينة وفي المدينة ضاعت نفقته، فيعطى ما يوصله إلى غاية مقصوده،
ثم يرجعه، وليس ما يرجعه فقط؛ لأنه يفوت غرضه إذا قلنا: يرجع اهـ
فائدة : قال بعض العلماء:
إنه وإن كان سفره محرماً يعطى.
فالسفر تثبت به الرخص حتى
وإن كان محرماً، فله القصر، وله المسح على الخفين ثلاثة أيام والمذهب وهو أصح أنه لا
يعطى من الزكاة خصوصاً؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى
وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ولذا قال العلماء:
من سافر ليفطر حرم عليه السفر والفطر إلا إذا تاب، وهو سهل بأن نقول له: تب إلى الله
ونعطيك، فيستفيد بهذا فائدتين:
الأولى: التوبة.
الثانية: قضاء حاجته.
وأما من سافر في مكروه فلا
يعطى؛ لأنه إعانة على المكروه، أما من سافر في مباح كالنزهة أو واجب أو مستحب فيعطى.
انظر الشرح الممتع (6/244)
( هل يجب اسيعاب الدفع إلى جميع الأصناف
الثمانية )
مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُوُنَ إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُوضَعَ الصَّدَقَةُ فِي
صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ يَضَعُهَا الْإِمَامُ
فِيمَنْ شَاءَ مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ على حسب اجتهاده
وروي عن حذيفة وبن
عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا إِذَا وَضَعْتَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَكَ
وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ انظر الاستذكار (3/207)
قَالَ الشَّافِعِيُّ
هِيَ سُهْمَانٌ ثَمَانِيَةٌ لَا يُصَرَفُ مِنْهَا سَهْمٌ وَلَا شَيْءَ عَنْ
أَهْلِهِ مَا وُجِدَ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهُ
وَمِنْ حُجَّةِ
الشَّافِعِيِّ أَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) جَعَلَ الصَّدَقَاتِ فِي أَصْنَافٍ
ثَمَانِيَةٍ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُعْطَى مَا جَعَلَهُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ)
لِثَمَانِيَةٍ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَا جَعَلَهُ
اللَّهُ لِثَمَانِيَةٍ لِوَاحِدٍ
وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى
أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَوْصَى لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ
ذَلِكَ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ فَكَانَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِقَسْمِهِ عَلَى
ثَمَانِيَةٍ أحرى وأولى أن يُجْعَلَ فِي وَاحِدٍ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنْ
زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا رَضِيَ اللَّهُ بِقِسْمَةِ أَحَدٍ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى قَسَمَهَا عَلَى
الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ –
ابن عبد البر - انْفَرَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبَدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ
الْإِفْرِيقِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ وَأَمَّا أهل المغرب مصر
وَإِفْرِيقِيَّةَ فَيُثْنُونَ عَلَيْهِ بِالدِّينِ وَالْعَقْلِ وَالْفَضْلِ وَقَدْ
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَةِ مِنْهُمُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ
انظر الاستذكار (3/207)
قال ابن قدامة في المغني (2/499) وَلَنَا
«، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ:
أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ،
فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» .
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ
مَأْمُورٌ بِرَدِّ جُمْلَتِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَهُمْ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ
يَذْكُرْ سِوَاهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ، فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ
ثَانٍ سِوَى الْفُقَرَاءِ، وَهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ
وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ، وَزَيْدٌ الْخَيْرُ
قَسَّمَ فِيهِمْ الذَّهَبِيَّةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ عَلِيٌّ مِنْ
الْيَمَنِ. وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الصَّدَقَةُ. ثُمَّ أَتَاهُ
مَالٌ آخَرُ؛ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ آخَرَ؛ لِقَوْلِهِ لِقَبِيصَةَ بْنِ
الْمُخَارِقُ حِينَ تَحَمَّلَ حِمَالَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: «أَقِمْ يَا قَبِيصَةُ حَتَّى
تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَك بِهَا» . وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ
صَخْرٍ الْبَيَّاضِي، أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِصَدَقَةِ قَوْمِهِ.
وَلَوْ وَجَبَ صَرْفُهَا
إلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَى وَاحِدٍ، وَلِأَنَّهَا لَا
يَجِبُ صَرْفُهَا إلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ إذَا أَخَذَهَا السَّاعِي، فَلَمْ
يَجِبْ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ إذَا فَرَّقَهَا الْمَالِكُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ
إلَّا صِنْفًا وَاحِدًا، وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْمِيمُ أَهْلِ كُلِّ
صِنْفٍ بِهَا، فَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ وَصَّى
لِجَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ، وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ
الْخُمْسُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ تَفْرِيقُهُ عَلَى جَمِيعِ
مُسْتَحِقِّيهِ، وَاسْتِيعَابُ جَمِيعِهِمْ بِهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَالْآيَةُ
أُرِيدَ بِهَا بَيَانُ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ، دُونَ
غَيْرِهِمْ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ صَرْفُهَا إلَى جَمِيعِ
الْأَصْنَافِ، أَوْ إلَى مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِذَلِكَ
عَنْ الْخِلَافِ، وَيَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ يَقِينًا فَكَانَ أَوْلَى اهـ
( نقل الزكاة من بلد
المال إلى بلد آخر )
اختلف العلماء في نقل
الزكاة من بلد المال إلى بلد آخر
على ثلاثة أقوال :
القول الأول : قال
الشافعي في المشهور عنه ، يحرم نقل الزكاة ولا تسقط به الزكاة انظر عون المعبود
(5/21)
القول الثاني : كره أكثر
الفقهاء نقل الصدقة من البلد الذي به المال إلى بلد آخر إلاّ أنهم مع الكراهة له
قالوا إن فعل ذلك أجزأه، انظر معالم السنن (2/38) قال ابن قدامة : وَلَنَا،
«قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ:
أَخْبِرْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ
فِي فُقَرَائِهِمْ» . وَهَذَا يَخْتَصُّ بِفُقَرَاءِ بَلَدِهِمْ انظر المغني
(2/501) قلت : والدليل أيضا أَنَّ زِيَادًا - أَوْ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ - بَعَثَ
عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لِعِمْرَانَ:
أَيْنَ الْمَالُ؟ قَالَ: «وَلِلْمَالِ أَرْسَلْتَنِي، أَخَذْنَاهَا مِنْ حَيْثُ كُنَّا نَأْخُذُهَا
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَضَعْنَاهَا
حَيْثُ كُنَّا نَضَعُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ» رواه أبو داود (1625) وصححه الألباني قال في عون المعبود (5/21) : (أي الْمَالُ) أَيْ
مَالُ الصَّدَقَاتِ (أَخَذْنَاهَا) أَيِ الصَّدَقَاتِ (وَوَضَعْنَاهَا) أَيْ
صَرَفْنَاهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ صَرْفِ زَكَاةِ كُلِّ بَلَدٍ فِي فُقَرَاءِ أَهْلِهِ وَكَرَاهِيَةِ
صَرْفِهَا فِي غَيْرِهِمْ اهـ
القول الثالث : قَالَ بن
الْمُنِيرِ اخْتَارَ الْبُخَارِيُّ جَوَازَ نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدِ
الْمَالِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَيُّ فَقِيرٍ مِنْهُمْ رُدَّتْ فِيهِ
الصَّدَقَةُ فِي أَيِّ جِهَةٍ كَانَ فَقَدْ وَافَقَ عُمُومَ الْحَدِيثِ انْتَهَى
وَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُ النَّقْلِ
وَأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فَيَخْتَصُّ بذلك فقراؤهم لَكِن
رجح بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلَ وَقَالَ إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ
الْأَظْهَرَ إِلَّا أَنَّهُ يُقَوِّيهِ أَنَّ أَعْيَانَ الْأَشْخَاصِ
الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْكُلِّيَّةِ لَا تُعْتَبَرُ فَلَا
تُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَخْتَصُّ
بِهِمُ الْحُكْمُ وَإِنِ اخْتَصَّ بِهِمْ خِطَابُ الْمُوَاجَهَةِ انظر فتح الباري
(3/357)
قال ابن عثيمين في الشرح
الممتع (6/209)
قوله: «والأفضل إخراج زكاة كل مال في فقراء
بلده» وذلك لوجوه:
أولاً: أنه أيسر للمكلف؛
لأن في نقلها من بلد إلى آخر مشقة وكلفة.
ثانياً: أنه أكثر
أماناً؛ لأن في السفر عرضة لتلفها.
ثالثاً: أن أهل البلد
أقرب الناس إليك، والقريب له حق، الأقربون أولى بالمعروف.
رابعاً: أن فقراء بلدك
تتعلق أطماعهم بما عندك من المال، بخلاف الأبعدين، فربما لا يعرفون عنك شيئاً.
خامساً: أنك إذا أعطيت
أهل بلدك، يغرس بينك وبينهم بذرة المودة والمحبة، وهذا له أثر كبير للتعاون فيما
بين أهل البلد.
وقوله: «في فقراء بلده»
ليس على سبيل التعيين بل وغيرهم من المستحقين للزكاة.
وقوله: «الأفضل» يدل على
أنَّ إخراجها في غير فقراء بلده جائز، ولكنه مفضول.
وهنا يجب أن تعلم أنه
إذا كان الفقراء خارج بلدك أحوج، أو كانوا أقارب فهم أولى، لكن يجب أن تعلم أيضاً
أن هذا إذا كان البلد قريباً لا يسمى السَّيْرُ إليه سفراً، أما إذا كان بعيداً
فقد قال فيه المؤلف:
«ولا يجوز نقلها إلى ما تقصر فيه الصلاة» أي: لا يجوز أن تنقلها إلى بلد بينه وبينك
مسافة قصر، وهي على المذهب ثلاثة وثمانون كيلو متراً تقريباً، فالبلد الذي بينك
وبينه هذه المسافة لا يجوز أن تنقل زكاة مالك إليه، ولو كان الفقراء فيه أشد حاجة
ما دام في بلدك من يستحق الزكاة.
وظاهر كلام المؤلف أنه
لا يجوز ولو لمصلحة، أو شدة ضرورة، أو ما أشبه ذلك.
فتبين بذلك أن هناك
ثلاثة مواضع:
أولاً: بلدك، وهذا هو الأصل،
وهو الأفضل بالنسبة لإخراج الزكاة.
ثانياً: البلد القريب من
بلدك، وهذا جائز، لكنه مفضول ما لم يترجح لمصلحة أخرى.
ثالثاً: البلد البعيد
الذي فوق مسافة القصر، فهذا لا يجوز.
وهذا الأخير ليس فيه
دليل واضح فإنهم استدلوا بحديث معاذ ـ رضي الله عنه ـ حين بعثه النبي صلّى الله
عليه وسلّم إلى اليمن وقال له: «أعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم
وترد على فقرائهم» والإضافة تقتضي التخصيص؛ أي: فقراء أهل اليمن؛ ولأن الأطماع
تتعلق بهذا المال.
وقال بعض العلماء: يجوز
نقلها إلى البلد البعيد والقريب للحاجة أو للمصلحة.
فالحاجة مثل ما لو كان
البلد البعيد أهله أشدُّ فقراً.
والمصلحة مثل أن يكون
لصاحب الزكاة أقارب فقراء في بلد بعيد يساوون فقراء بلده في الحاجة، فإن دفعها إلى
أقاربه حصلت المصلحة وهي صدقة وصلة رحم.
أو يكون ـ مثلاً ـ في
بلد بعيد طلاب علم حاجتهم مساوية لحاجة فقراء بلده.
وهذا القول هو الصحيح
وهو الذي عليه العمل؛ لعموم الدليل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] أي: للفقراء والمساكين في كل مكان.
أما إضافة الضمير «هم»
في حديث معاذ فيحتمل أن تكون للجنس؛ أي: فقراء المسلمين، كما هي في قوله تعالى:
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ... } إلى أن قال: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور:
31] ، ويحتمل أن تكون للتعيين والتخصيص، لكن نظراً لأن نقل الزكاة من اليمن إلى
المدينة ـ مثلاً ـ فيه شيء من الصعوبة والمشقة فصار توزيعها في اليمن أرفق وأنفع،
وأيضاً ما الدليل على التفريق بين مسافة القصر وغيرها، ما دمت نقلتها عن بلد تتعلق
فيها الأطماع؟
فإن قالوا: إن ما دون
مسافة القصر في حكم الحاضر، فيقال: هذا في حكم الصلاة اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق