والأحاديث مخرجة على كتب العلامة الألباني رحمه الله وغيره
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يُضلل فلا
هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه؛ والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين , وسلم تسليما
كثير
أما
بعد: هذا بحث في أحكام النكاح ، جمعت فيه هذه المسائل : وذكر أقوال العلماء من
الصحابة والتابعين ، والائمة الأربعة ، مع ترجيح ما يستند الى دليل صحيح، من أقوالهم
من غير تعصب لمذهب من
المذاهب ، هذا وقد قمت بتخريج الأحاديث مع بيان
درجة الحديث – صحة وضعفا – فإن كان الحديث في الصحيحين اكتفيت بعزوه إليْها أو أحدهما وإن كان في الكتب الستة أو غيرها فاكتفي بذكر واحد منها ؛ إذ
المقصود أن تعلم صحة الحديث أو ضعفه وما كان من صواب فمن الله وحده وما كان من
خطأ فمني والشيطان والله ورسوله بريئان والحمد لله أولا وآخرا ظاهرا وباطنا
عمرو العدوي أبو حبيبة
[ كتاب النكاح ]
قوله: «النكاح» النكاح في اللغة
يطلق على أمرين:
الأول: العقد.
الثاني: الجماع.
والأصل فيه الأول، وأنه للعقد،
فقول الله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
[النساء: 22] يعني لا تعقدوا عليهن، وأما قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا
غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، فهنا قال بعض العلماء: المراد بالنكاح الجماع، وأن الذي
حرَّفه عن المعنى الأول هو السُّنَّة، وقال آخرون: وأن الذي حرَّفه عن المعنى
الأول هو قوله: {زَوْجًا} لأن الزوج لا يكون زوجاً إلا بعقد، وحينئذٍ يتعين أن
يكون المراد بالنكاح في قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا} الوطء، ومعنى ذلك أن
الزوجية سابقة على النكاح، ولا تكون زوجية سابقة على النكاح إلا إذا كان النكاح هو
الوطء.
فإذا قيل: نكح بنت فلان، فالمراد
عقد عليها، وإذا قيل: نكح زوجته، فالمراد جامعها.
فهو إذاً مشترك بين المعنيين بحسب
ما يضاف إليه، إن أضيف إلى أجنبية فهو العقد، وإن أضيف إلى مباحة فهو الجماع.
أما في الشرع فهو أن يعقد على
امرأة بقصد الاستمتاع بها، وحصول الولد، وغير ذلك من مصالح النكاح انظر الشرح
الممتع (12/5)
وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ
النِّكَاحِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ
اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى
وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] .
00 وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ،
مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ،فَإِنَّهُ أَغَضُّ
لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ
الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فِي آيٍ وَأَخْبَارٍ سِوَى ذَلِكَ
كَثِيرَةٍ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مَشْرُوعٌ انظر
المغني (7/3)
[ تحريم
الاختصاء ]
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نَغْزُو
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ،
فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ
نَسْتَخْصِي؟ «فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ رواه البخاري (5071)
ومسلم (1404)وَالْخِصَاءِ هُوَ الشَّقُّ
عَلَى الْأُنْثَيَيْنِ وَانْتِزَاعُهُمَا انظر فتح
الباري (9/118)
قال ابن حجر في فتح الباري (9/119)
قَوْلُهُ أَلَا نَسْتَخْصِي أَيْ أَلَا نستدعي من يفعل بِنَا
الْخِصَاءَ أَوْ نُعَالِجُ ذَلِكَ بأَنْفُسِنَا وَقَوْلُهُ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ
هُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ بِلَا خِلَافٍ فِي بَنِي آدَمَ
لِمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ أَيْضًا مِنَ الْمَفَاسِدِ تَعْذِيبِ النَّفْسِ
وَالتَّشْوِيهِ مَعَ إِدْخَالِ الضَّرَرِ الَّذِي قَدْ يُفْضِي إِلَى الْهَلَاكِ
وَفِيهِ إِبْطَالُ مَعْنَى الرُّجُولِيَّةِ وَتَغْيِيرُ خَلْقِ اللَّهِ وَكُفْرُ
النِّعْمَةِ لِأَنَّ خَلْقَ الشَّخْصِ رَجُلًا مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ
فَإِذَا أَزَالَ ذَلِكَ فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمَرْأَةِ وَاخْتَارَ النَّقْصَ
عَلَى الْكَمَالِ اهـ
[ فتنة النساء ]
[ فتنة النساء ]
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ رواه البخاري (5096) ومسلم (2740)
قال
ابن حجر في فتح الباري (9/ 138)
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْفِتْنَةَ
بِالنِّسَاءِ أَشَدُّ مِنَ الْفِتْنَةِ بِغَيْرِهِنَّ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ فَجَعَلَهُنَّ مِنْ حُبِّ الشَّهَوَاتِ
وَبَدَأَ بِهِنَّ قَبْلَ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُنَّ الْأَصْلُ
فِي ذَلِك وَيَقَع فِي الْمُشَاهدَة حب الرجل ولد مِنِ امْرَأَتِهِ الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ
أَكْثَرُ مِنْ حُبِّهِ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قِصَّةُ النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ فِي الْهِبَةِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ النِّسَاءُ شَرٌّ كُلُّهُنَّ
وَأَشَرُّ مَا فِيهِنَّ عَدَمُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُنَّ وَمَعَ أَنَّهَا نَاقِصَةُ
الْعَقْلِ وَالدِّينِ تَحْمِلِ الرَّجُلِ عَلَى تَعَاطِي مَا فِيهِ نَقْصُ الْعَقْلِ
وَالدِّينِ كَشَغْلِهِ عَنْ طَلَبِ أُمُورِ الدِّينِ وَحَمْلِهِ عَلَى التَّهَالُكِ
عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَشَدُّ الْفَسَادِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ
فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيل كَانَت فِي النِّسَاء اهـ
[ الحث على النكاح ]
عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ
الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ
وِجَاءٌ» رواه البخاري (5066) ومسلم (1400)
قال النووي في شرح مسلم
(9/173) وَأَمَّا الْبَاءَةُ 00 وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْجِمَاعُ مُشْتَقَّةٌ
مِنَ الْمَبَاءَةِ وَهِيَ الْمَنْزِلُ وَمِنْهُ مَبَاءَةُ الْإِبِلِ وَهِيَ مَوَاطِنُهَا
ثُمَّ قِيلَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ بَاءَةٌ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَوَّأَهَا
مَنْزِلًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ
يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ
وَهُوَ الْجِمَاعُ فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ
عَلَى مُؤَنِهِ وَهِيَ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ
لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وَيَقْطَعَ
شَرَّ مَنِيَّهُ كَمَا يَقْطَعُهُ الْوِجَاءُ وَعَلَى هَذَا القول وقع الْخِطَابِ مَعَ
الشُّبَّانِ الَّذِينَ هُمْ مَظِنَّةُ شَهْوَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا
غَالِبًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ
سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ
النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهَا فَلْيَصُمْ ليدفع شهوته والذي
حمل القائلين بهذا على هذا أَنَّهُمْ قَالُوا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قَالُوا وَالْعَاجِزُ عَنِ الْجِمَاعِ
لَا يَحْتَاجُ إِلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْبَاءَةِ
عَلَى الْمُؤَنِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ
وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيرَهُ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ
وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: «فَتَزَوَّجْ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً رواه البخاري (5069)
(باب استحباب التزوج والتزويج في شوال واستحباب الدخول فيه )
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
«تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟»،
قَالَ: «وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ» رواه مسلم (1423)
قال النووي في شرح مسلم (9/ 209)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّزْوِيجِ
وَالتَّزَوُّجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ
وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَصَدَتْ عَائِشَةُ بِهَذَا الْكَلَامِ رَدَّ
مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ وَمَا يَتَخَيَّلُهُ بَعْضُ الْعَوَامِّ الْيَوْمَ
مِنْ كَرَاهَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّزْوِيجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ وَهَذَا بَاطِلٌ
لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِذَلِكَ
لِمَا فِي اسْمِ شَوَّالٍ مِنَ الْإِشَالَةِ والرفع اهـ
[
حكم الزواج ]
قلت : تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال ؟
القول الأول : قَالَ
أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: هُوَ وَاجِبٌ. وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ. وَحَكَى
عَنْ دَاوُد أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْعُمَرِ مَرَّةً وَاحِدَةً انظر المغني وهو مذهب
ابن حزم ورجحه ابن عثيمين ودليلهم : أولا قال تعالى : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى، فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وأجيب قَالَ
الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ في شرح مسلم نووي (9/ 174) هَذَا حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى خَيَّرَهُ بَيْنَ النِّكَاحِ
وَالتَّسَرِّي بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ وَاجِبًا لَمَا خَيَّرَهُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسَرِّي لِأَنَّهُ لَا يصح عند الأصوليين التخيير بين واجب
وغيره لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ حَقِيقَةِ الْوَاجِبِ وَأَنَّ تَارِكَهُ
لَا يَكُونُ آثِمًا اهـ معنى التسري : هو الوطء بملك اليمين انظر الشرح الممتع
(5/236) يقصد رحمه الله عن التخير في قوله تعالى [قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ
خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ
وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} ]
قال ابن قدامة في المغني
(7/4) وَلَنَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ أَمَرَ بِهِ. عَلَّقَهُ عَلَى الِاسْتِطَابَةِ،
بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:
3] وَالْوَاجِبُ لَا يَقِفُ عَلَى الِاسْتِطَابَةِ، وَقَالَ: {مَثْنَى وَثُلاثَ
وَرُبَاعَ} [النساء: 3] . وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ، فَدَلَّ عَلَى
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ النَّدْبُ اهـ وأجيب: بأن المعلق على الاستطابة إنما
هو الأمر بالتعدد لا بأصل النكاح
ثانيا : عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا
مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ،
فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رواه البخاري (5066)
ومسلم (1400) قالوا : فليتزوج» ، اللام للأمر، والأصل في الأمر الوجوب، إلا أن
يوجد ما يصرفه عن الوجوب، وأجيب قال ابن قدامة في المغني وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ
يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ، أَوْ عَلَى مَنْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي
الْمَحْظُورِ بِتَرْكِ النِّكَاحِ.انتهى قال شيخنا مصطفى العدوي كذلك قوله عليه الصلاة والسلام : «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ
فَلْيَتَزَوَّجْ،
فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»
فلما كان الصوم هنا غير واجب – لقوله عليه الصلاة والسلام لما سأله السائل عن
الصيام فقال ( شهر رمضان ) قال : هل علي غيره ؟ قال لا إلا أن تطوع – فدل ذلك على
أن النكاح ليس بواجب أيضا ، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ( فإنه له وجاء )
بين العلة من الصوم فمن تحقق له الوجاء من باب آخر فلا يجب عليه الزواج ، صحيح أن
النكاح خير وسيلة لإيجاد الوجاء ولكنه ليس
كل الوسائل ، فظهر أن النكاح مستحب ، والله تعالى أعلم انظر أحكام النساء (3/29)
ثالثا
: عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا
أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ،
وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي
فَلَيْسَ مِنِّي رواه البخاري (5063) ومسلم (1401) وأجيب قال الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ في شرح مسلم نووي
(9/ 174)
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي
فَلَيْسَ مِنِّي فَمَعْنَاهُ مَنْ رَغِبَ عَنْهَا إِعْرَاضًا عنها غير معتقد على
ما هي والله أعلم
قال ابن حزم في المحلى (9/3)
وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ
إنْ وَجَدَ مِنْ أَيْنَ يَتَزَوَّجُ أَوْ يَتَسَرَّى أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا
وَلَا بُدَّ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّوْمِ اهـ
القول الثاني : مستحب: وهو
مذهب أكثر أهل العلم وجمهورهم من الأئمة الأربعة وغيرهم ودليلهم : 1- حملوا الأوامر
بالنكاح على الاستحباب كما سبق
2- قوله تعالى: {فَوَاحِدَةً
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
[النساء: 3] قالوا : لما كان التسري ليس بواجب اتفاقًا فيكون التزويج غير واجب، إذ
لا يقع التخيير بين واجب ومندوب
القول الثالث: يختلف
حكمه باختلاف حال الشخص، وهذا هو المشهور عند
المالكية، وهو واقع في كلام الشافعية والحنابلة ، قالوا:
(أ) الزواج يكون واجبًا: في حق التائق إلى
الجماع الذي يخاف على نفسه الوقوع في الفاحشة بتركه، لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصونها
عن الحرام وطريقه النكاح، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
(ب) ويكون مستحبًا: في حق مَنْ لَهُ شَهْوَةٌ
يَأْمَنُ مَعَهَا الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ، فَهَذَا الِاشْتِغَالُ لَهُ بِهِ
أَوْلَى مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ ، وبهذا قال الجمهور، إلا
الشافعي فالتخلي للنوافل عنده أولى لأن الزواج عنده في حال الاعتدال مباح (!!) (ج)
ويكون مُحرَّمًا: في حق من يخلُّ بالزوجة في الوطء والإنفاق، مع عدم قدرته عليه
وتوقانه إليه.
(د) ويكون مكروهًا: في حق مثل هذا حيث لا إضرار
بالزوجة فاشتغاله بالطاعة من العبادة أو الاشتغال بالعلم أولى. انظر
صحيح فقه السنة (3/75) قلت : القول الراجح أن النكاح سنة ويجب على من يخاف على
نفسه من الزنى سواء كان رجلا أو امرأة في قول أكثر أهل العلم للقاعدة الأصولية ما
لا يتم ترك الحرام إلا به فهو واجب
قال في الشرح الكبير (7/338)
والمشهور في المذهب أنه ليس بواجب إلا أن
يخاف على نفسه الوقوع في محضور بتركه فيلزمه إعفاف نفسه وهو قول أكثر الفقهاء اهـ
وقال ابن قدامة في المغني (7/4)
مِنْهُمْ مَنْ
يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي
مَحْظُورٍ إنْ تَرَكَ النِّكَاحَ، فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ
عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ، وَصَوْنُهَا عَنْ
الْحَرَامِ، وَطَرِيقُهُ النِّكَاحُ اهـ
فوائد : 1- حديث ابن مسعود مرفوعا
السابق وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قال ابن حجر في فتح الباري (9/ 111) وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَازِ
الْمُعَالَجَةِ لِقَطْعِ شَهْوَةِ النِّكَاحِ بِالْأَدْوِيَةِ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى دَوَاءٍ يُسَكِّنُ الشَّهْوَةَ دُونَ مَا يَقْطَعُهَا أَصَالَةً
لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ بَعْدُ فَيَنْدَمُ لِفَوَاتِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ
اهـ
2- وَإِنْ رَأَى الرَّجُلُ مِنْ نَفْسِهِ عَجْزًا عَنْ إِقَامَةِ حَقِّهَا فِي مَضْجَعِهَا أَخَذَ مِنَ الْأَدْوِيَةِ
الَّتِي تَزِيدُ فِي بَاهِهِ وَتُقَوِّي شَهْوَتَهُ حَتَّى يُعِفَّهَا.انظر
تفسير القرطبي (3/ 124)
3- ما صحة حديث عَنْ حُذَيْفَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" خَيْرُكُمْ
فِي الْمِئِينَ كُلُّ خَفِيفِ الْحَاذِ
" , قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ , وَمَا خَفِيفُ
الْحَاذِ؟ قَالَ: " الَّذِي لَا
أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدَ
رواه البيهقي في شعب الإيمان (9867)
قال الحافظ أحمد الغمارى فى المغير (ص 44) موضوع
وقال الألباني في الضعيفة (3580)
باطل
ثنا صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ
الْهَاشِمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأَنْ يُرَبِّي
أَحَدُكُمْ بَعْدَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ جَرْوَ كَلْبٍ،
خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُرَبِّيَ
وَلَدًا لِصُلْبِهِ» رواه
الطبراني في الكبير (10685) قَالَ ابنُ القيِّمِ في " المَنَارِ المُنِيفِ "
(ص:109): " وَمِنْهَا أَحَادِيثُ ذَمِّ الأَوْلاَدِ، كُلُّهَا كَذِبٌ، مِنْ
أَوَّلِهَا إِلى آخِرِهَا، كَحَدِيثِ: لَوْ يُرَبِّي أَحَدُكُمْ _ بَعْدَ
السِّتِّينَ وَمِائَةٍ _ جَرْوَ كَلْبٍ؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُرَبِّيَ وَلَداً
".وقَالَ السُّيوطِيُّ في "
اللآلىءِ المصنوعةِ " (2/ 178): " قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الحَافِظُ
أبو الحسنِ الهيتميُّ في " ترتيبِ الفوائدِ ": هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ
(4) تقديم الزواج على الحج:
وان احتاج الانسان إلى الزواج
وخشي العنت بتركه، قدمه على الحج الواجب، وإن لم يخف قدم الحج عليه.
وكذلك فروض الكفاية - كالعلم
والجهاد - تقدم على الزواج إن لم يخش العنت انظر فقه السنة (2/18)
[ الخطبة ]
معنى
الخطبة :
إظهار
الرغبة في الزواج بامرأة معينة وإعلام الولي بذلك 0
قال
النووي : الخطبة فِي هَذَا كُلِّهِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَأَمَّا الْخُطْبَةُ فِي الْجُمُعَةِ
وَالْعِيدِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ يَدَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ
فَبِضَمِّهَا انظر شرح مسلم (9/199)
[
اختيار الزوجين ]
اختيار
الزوجة : على الزوج أن يراعي في اختيار الزوجة ما يلي :
(1)
أن تكون الزوجة صالحة : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ،
تَرِبَتْ يَدَاكَ رواه البخاري (5090) ومسلم (1466)
قال ابن عثيمين في الشرح
الممتع (12/13) قوله: «ديِّنَةٍ» ، أي: صاحبة دين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك فالديِّنة تعينه على طاعة الله، وتصلح من يتربى على يدها من أولاده،
وتحفظه في غيبته، وتحفظ ماله وتحفظ بيته، بخلاف غير الدينة فإنها قد تضره في المستقبل،
ولهذا قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «فاظفر بذات الدين» ، فإذا اجتمع مع الدين
جمال ومال وحسب فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة. فلو اجتمع عند
المرء امرأتان: إحداهما جميلة وليس فيها فسق أو فجور، والأخرى دونها في الجمال لكنها
أدين منها، فأيهما يختار؟ يختار الأدين.
لكن أحياناً بعض الناس يكون
مولعاً بالجمال، وإذا علم أن هناك امرأة جميلة، لا تطيب نفسه بنكاح من دونها في الجمال،
ولو كانت أدين، فهل نقول: إنك تكره نفسك على هذه دون هذه وإن لم ترتح إليها؟ أو نقول:
خذ من ترتاح لها ما دامت غير فاجرة ولا فاسقة؟
الظاهر الثاني، إلا إذا كانت
غير دينة، بمعنى أنها فاسقة، فهذه لا ينبغي أن يأخذها، إلا في مسألة الفجور والزنا
فلا تحل، وقد يقول بعض الناس: أتزوج امرأة غير دينة لعل الله أن يهديها على يدي، ونقول
له: نحن لا نكلف بالمستقبل، فالمستقبل لا ندري عنه، فربما تتزوجها تريد أن يهديها الله
على يدك، ولكنها هي تحولك إلى ما هي عليه فتشقى على يديها.
وكذلك بالعكس بعض الناس يخطب
منهم الرجل الفاسق، لكن يقولون: لعل الله أن يهديه، وأقبح من ذلك أن يعرف بعدم الصلاة
فيقولون: لعل الله أن يهديه، فنقول: نحن لا نكلف بالمستقبل، لكن نكلف بما بين أيدينا،
بالحاضر، فلعل هذا الرجل الذي ظننت أن يستقيم لعله يعوج ابنتكم ويضلها؛ لأن الرجل له
سيطرة على المرأة، وكم من امرأة ملتزمة تزوجت شخصاً تظن أنه دين فيتبين أنه غير دين،
فتتعب معه التعب العظيم، ونحن دائماً يشكى إلينا هذا الأمر من النساء، حتى تود أن تفر
بدينها من هذا الرجل، ولو بكل ما تملك من المال، ولهذا يجب التحرز في هذه المسائل،
سواء من جهة الرجل يتزوج المرأة، أو من جهة المرأة تتزوج الرجل اهـ
(2) ويستحب أن تكون بكرا
وهي التي لم تتزوج من قبل: فعن جاير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له «هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟»، فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا،
فَقَالَ: «هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي
أَوِ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ،
فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ
عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ، رواه البخاري (2967) ومسلم (715)
قال النووي في شرح مسلم
(10/ 53) قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُلَاعِبُهَا عَلَى اللَّعِبِ
الْمَعْرُوفِ وَيُؤَيِّدُهُ تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ قَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ مِنَ اللُّعَابِ وَهُوَ الرِّيقُ وَفِيهِ فَضِيلَةُ تَزَوُّجِ الْأَبْكَارِ
وَثَوَابُهُنَّ أَفْضَلُ وَفِيهِ مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَمُلَاطَفَتُهُ
لَهَا وَمُضَاحَكَتُهَا وَحُسْنُ الْعِشْرَةِ اهـ
قال ابن عثيمين في الشرح
الممتع (12/ 15)
فالبكر أفضل؛ لأنها لم تطمح
إلى رجال سابقين، ولم يتعلق قلبها بأحد قبله، ولأن أول من يباشرها من الرجال هذا الرجل،
فتتعلق به أكثر.
لكن قد يختار الإنسان الثيب
لأسباب، مثل ما فعل جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ فإنه اختار الثيب؛ لأن والده
عبد الله بن حرام ـ رضي الله عنه ـ استشهد في أحد، وخلف بناتاً يحتجن إلى من يقوم عليهن،
فلو تزوج بكراً لم تقم بخدمتهن ومؤنتهن، فاختار ـ رضي الله عنه ـ ثيباً لتقوم على أخواته،
ولهذا لما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك أقره النبي ـ عليه الصلاة والسلام
ـ، فإذا اختار الإنسان ثيباً لأغراض أخرى فإنها تكون أفضل، وفي هذا دليل على اعتبار
الأمور، وأن التفضيل يرجع إلى هذه الاعتبارات، كما سبق ذكره اهـ
(3-4) أن تكون ولودا
ودودا : فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ،
وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا، قَالَ: «لَا» ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ
فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ
بِكُمُ الْأُمَمَ»
رواه أبو داود (2050) حديث صحيح لغيره قال الألباني في صحيح أبي
داود (1789)(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه الحاكم والذهبي،
وصححه الحافظ ابن حبان من حديث أنس، وحسنه الهيثمي)
قال في عون المعبود (6/33) (وَأَنَّهَا لَا تَلِدُ)
كَأَنَّهُ عَلِمَ بِذَلِكَ بِأَنَّهَا لَا تَحِيضُ (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ) أَيِ الَّتِي تُحِبُّ زَوْجَهَا (الْوَلُودَ)
أَيِ الَّتِي تَكْثُرُ وِلَادَتُهَا وَقَيَّدَ بِهَذَيْنِ لِأَنَّ الْوَلُودَ إِذَا
لَمْ تَكُنْ وَدُودًا لَمْ يَرْغَبِ الزَّوْجُ فِيهَا وَالْوَدُودَ إِذَا لَمْ تَكُنْ
وَلُودًا لَمْ يَحْصُلِ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ تَكْثِيرُ الْأُمَّةِ بِكَثْرَةِ التَّوَالُدِ
وَيُعْرَفُ هَذَانِ الْوَصْفَانِ فِي الْأَبْكَارِ مِنْ أَقَارِبِهِنَّ إِذِ الْغَالِبُ
سِرَايَةُ طِبَاعِ الْأَقَارِبِ بَعْضُهُنَّ إِلَى بَعْضٍ وَيُحْتَمَلُ وَاللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تَزَوَّجُوا اثْبُتُوا عَلَى زَوَاجِهَا وَبَقَاءِ نِكَاحِهَا
إِذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ قَالَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ
يُزَاحِمُهُ سَبَبُ الْحَدِيثِ (فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ) أَيْ مُفَاخِرٌ
بِسَبَبِكُمْ سَائِرَ الْأُمَمِ لِكَثْرَةِ أَتْبَاعِي اهـ
[ اختيار الزوج ]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ
وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي (1084) حديث حسن لغيره وحسنه الترمذي والألباني
قال المباركفوري في تحفة
الأحوذي (4/173) قَوْلُهُ (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ) أَيْ طَلَبَ مِنْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ
امْرَأَةً مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ (مَنْ تَرْضَوْنَ) أَيْ تَسْتَحْسِنُونَ
(دِينَهُ) أَيْ دِيَانَتَهُ (وَخُلُقَهُ) أَيْ مُعَاشَرَتَهُ (فَزَوِّجُوهُ) أَيْ إِيَّاهَا
(إِلَّا تَفْعَلُوا) أَيْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوا مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ وَتَرْغَبُوا فِي مُجَرَّدِ الْحَسَبِ وَالْجَمَالِ
أَوْ الْمَالِ (وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) أَيْ ذُو عُرْضٍ أَيْ كَبِيرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّكُمْ
إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلَّا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ
نِسَائِكُمْ بِلَا أَزْوَاجٍ وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلَا نساء فيكثر الافتتان بالزنى
وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الْأَوْلِيَاءَ عَارٌ فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ وَيَتَرَتَّبُ
عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ وَقِلَّةُ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ اهـ
--- إذا أعجبت المرأة بخلق ودين رجل فهل تعرض
نفسها عليه ليتزوجها ؟
الجواب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح فإنه لا يناقض الحياء ،يجوز ذلك على أن يكون موثوقاً بدينه وخلقه
والدليل عن ثابِت البُنانِيّ قَالَ: كُنْتُ عِنْد أنَسٍ وعِنْدَهُ ابْنَةٌ لهُ، قَالَ أنَسٌ: جاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَعْرِضُ علَيْهِ نَفْسَها، قالَتْ: يَا رسولَ الله! ألكَ بِي حاجةٌ؟ فقالتْ بنْتُ أنسٍ: مَا أقَلَّ حَياءَها، واسَوْأتاه واسَوْأتاه. قَالَ: هيَ خيْرٌ مِنْكَ، رَغِبَتْ فِي النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَرَضَتْ علَيْهِ نَفْسَها. رواه البخاري ( 4828 )
وقد بوَّب عليه الإمام البخاري بقوله (بابُ عَرْضِ المَرْأَةِ نَفسَها علَى الرَّجُلِ الصَّالحِ)
قال العيني قَوْله: (هِيَ خير مِنْك) فِيهِ دَلِيل على جَوَاز عرض الْمَرْأَة نَفسهَا على الرجل الصَّالح وتعرف رغبتها فِيهِ لصلاحه وفضله، أَو لعلمه وشرفه، أَو لخصلة من خِصَال الدّين، وَأَنه لَا عَار عَلَيْهَا فِي ذَلِك، بل ذَلِك يدل على فَضلهَا، وَبنت أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نظرت إِلَى ظَاهر الصُّورَة وَلم تدْرك هَذَا الْمَعْنى حَتَّى قَالَ أنس: هِيَ خير مِنْك، وَأما الَّتِي تعرض نَفسهَا على الرجل لأجل غَرَض من الْأَغْرَاض الدنياوية فأقبح مَا يكون من الْأَمر وأفضحه.انظر عمدة القاري (20\113)
قال النووي وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ عَرْضِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِيَتَزَوَّجَهَا
الجواب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح فإنه لا يناقض الحياء ،يجوز ذلك على أن يكون موثوقاً بدينه وخلقه
والدليل عن ثابِت البُنانِيّ قَالَ: كُنْتُ عِنْد أنَسٍ وعِنْدَهُ ابْنَةٌ لهُ، قَالَ أنَسٌ: جاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَعْرِضُ علَيْهِ نَفْسَها، قالَتْ: يَا رسولَ الله! ألكَ بِي حاجةٌ؟ فقالتْ بنْتُ أنسٍ: مَا أقَلَّ حَياءَها، واسَوْأتاه واسَوْأتاه. قَالَ: هيَ خيْرٌ مِنْكَ، رَغِبَتْ فِي النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَرَضَتْ علَيْهِ نَفْسَها. رواه البخاري ( 4828 )
وقد بوَّب عليه الإمام البخاري بقوله (بابُ عَرْضِ المَرْأَةِ نَفسَها علَى الرَّجُلِ الصَّالحِ)
قال العيني قَوْله: (هِيَ خير مِنْك) فِيهِ دَلِيل على جَوَاز عرض الْمَرْأَة نَفسهَا على الرجل الصَّالح وتعرف رغبتها فِيهِ لصلاحه وفضله، أَو لعلمه وشرفه، أَو لخصلة من خِصَال الدّين، وَأَنه لَا عَار عَلَيْهَا فِي ذَلِك، بل ذَلِك يدل على فَضلهَا، وَبنت أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نظرت إِلَى ظَاهر الصُّورَة وَلم تدْرك هَذَا الْمَعْنى حَتَّى قَالَ أنس: هِيَ خير مِنْك، وَأما الَّتِي تعرض نَفسهَا على الرجل لأجل غَرَض من الْأَغْرَاض الدنياوية فأقبح مَا يكون من الْأَمر وأفضحه.انظر عمدة القاري (20\113)
قال النووي وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ عَرْضِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِيَتَزَوَّجَهَا
( الإنسان يعرض ابنته أو أخته على
أهل الصلاح )
قال الشيخ الصالح لموسى عليه السلام
: [إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي
ثَمَانِيَ حِجَجٍ] سورة القصص (27)
قال القرطبي في تفسيره (13/271)
قوله تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) الْآيَةَ. فِيهِ عَرْضُ الولي ابنته عَلَى الرَّجُلِ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ،
عَرَضَ صَالِحُ مَدْيَنَ ابْنَتَهُ عَلَى صَالِحِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَرَضَ عمر
ابن الْخَطَّابِ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ، وَعَرَضَتِ الْمَوْهُوبَةُ
نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنَ الْحَسَنِ عَرْضُ
الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ، وَالْمَرْأَةُ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ، اقْتِدَاءً
بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَمَّا تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ قَالَ عُمَرُ
لِعُثْمَانَ: إِنْ شِئْتَ أُنْكِحُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، الْحَدِيثَ انْفَرَدَ
بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ اهـ
--- قال ابن عثيمين في
الشرح الممتع (12/14) قوله: «أجنبية» يعني ليس بينه وبينها نسب، لا تكون من بني عمه،
بل تكون من أناس أجانب، وعللوا ذلك بأمرين: أحدهما: أنه أنجب للولد يعني يكون فيه نجابة؛
لأنه يأخذ من طبائع أخواله، ومن طبائع أهله، فيتكون من ذلك خلق من الخلقين جميعاً،
وهذا أمر مقصود، وكم من أناس كثيرين جذبهم أخوالهم في الكرم، والشهامة، والرجولة.
الثاني: أنه ربما حصل بينه
وبينها جفوة، فيؤدي إلى قطيعة الرحم، كأن يقع بينه وبينها مشاكل، فيأتي ـ مثلاً ـ عمه
ويتنازع معه أو مع أبيه، فيحصل بذلك قطيعة الرحم، فكونه يأخذ امرأة أجنبية أولى.
وما قالوه صحيح، لكن إذا
وجد في الأقارب من هو أفضل منها بالاعتبارات الأخرى، فإنه يكون أفضل، يعني عند التساوي
ربما تكون الأجنبية أولى، لكن مع التفاضل بالاعتبارات الأخرى لا شك أننا نقدم القريبة،
ومن ذلك إذا كانت ـ مثلاً ـ بنت العم امرأة ذات دين وخلق، وأحوالهم ـ مثلاً ـ ضعيفة
يحتاجون إلى رفق ومساعدة، فإنه لا شك أن هذا مصلحة كبيرة، فالإنسان يراعي المصالح في
هذا الأمر، وما دامت المسألة ليس فيها نص شرعي يجب الأخذ به فإن الإنسان يتبع في هذا
المصالح اهـ
( صلاة الاستخارة )
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ
فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ: " إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ
فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ
بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ،
وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ،
وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ
خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي
وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي
فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ
- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ
رَضِّنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ رواه البخاري (6382)
فوائد تتعلق بمسألة
الاستخارة
1-
صلاة الاستخارة مستحبة وليست بواجبة أما قوله
صل الله عليه وسلم إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ظاهر الوجوب
قلت : انصرف للاستحباب
والدليل : أ- عَنْ طَلْحَةَ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا
فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: «الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا رواه البخاري (1891) ومسلم(11) قال في فتح الباري (11/ 185) وَدَلَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِخَارَةِ مَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ صَلَاةٍ زَائِدَةٍ
عَلَى الْخَمْسِ فِي حَدِيثِ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ
اهـ
ب- قَالَ الْعِرَاقِيُّ:
وَلَمْ أَجِدْ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِخَارَة انظر نيل الأوطار (3/ 88)
2- قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام النساء
(3/218) على ذلك يجوز أن تكون الاستخارة بعد ركعتي تحية المسجد أو بعد نافلة الصبح
أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو بعد صلاة الليل ، أو الضحى أو غير ذلك ،
وذلك إن نوى أن يستخير عقب ذلك الصلوات اهـ
قال ابن باز في مجموع فتاوى (11/422) المشروع للمسلم إذا صلى صلاة الاستخارة، أن يدعو بعد السلام منها لقوله - صلى الله عليه
وسلم -: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك
بعلمك » الحديث.
وهذا يدل على أن الدعاء يكون
بعد السلام من الصلاة، والأفضل أن يرفع يديه؛ لأن رفعهما من أسباب استجابة الدعاء
اهـ قال شيخنا مصطفى العدوي ثم إن دعاء الاستخارة إنما يكون بعد الصلاة وليس
بداخلها ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم
يقول : اللهم إني أستخيرك 00 الحديث ) ولا أعلم مستندا صحيحا لمن قال إنه في
السجود أو عقب التشهد، إلا العمومات التي تفيد أن السجود وبعد التشهد مواطن دعاء ،
ولكن النص في دعاء الاستخارة صريح في كون الدعاء عقب الصلاة 0قلت : الصحيح ما قاله
ابن تيمية قال شيخ الاسلام في الفتاوى الكبرى ج2 ص265: مَسْأَلَةٌ فِي دُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ
, هَلْ يَدْعُو بِهِ فِي الصَّلاةِ؟ أَمْ بَعْدَ السَّلامِ؟ الْجَوَابُ: يَجُوزُ الدُّعَاءُ
فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ , وَغَيْرِهَا: قَبْلَ السَّلامِ , وَبَعْدَهُ , وَالدُّعَاءُ
قَبْلَ السَّلامِ أَفْضَلُ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ دُعَائِهِ
قَبْلَ السَّلامِ , وَالْمُصَلِّي قَبْلَ السَّلامِ لَمْ يَنْصَرِفْ , فَهَذَا أَحْسَنُ
, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
3- الاستخارة إنما
تكون في المباحات ، ولا تكون في المستحبات ، ولا الواجبات ، وكذلك لا تكون في
المكروهات ولا المحرمات فلا تستخير المرأة مثلا في ارتداء النقاب ، ولا يستخير رجل
مثلا كي يصلي الظهر ، أو يصلى السنة ، ولا لصوم الاثنين والخميس ، ولا يستخير
للشرب قائما ، ولا كي يسرق ونحو ذلك ولا يستخير في أصل الزواج لأنه مستحب كما سبق ولكن إن استخار في أمر
الزواج يستخير في التي يتزوجها ، ويستخير في وقت الزواج ، وأهل العروس ونحو ذلك أما حديث كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا... إلى
آخر الحديث رواه البخاري قال ابن حجر في فتح الباري (11/184) قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ هُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَإِنَّ الْوَاجِبَ وَالْمُسْتَحَبَّ
لَا يُسْتَخَارُ فِي فِعْلِهِمَا وَالْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ لَا يُسْتَخَارُ فِي
تَرْكِهِمَا فَانْحَصَرَ الْأَمْرُ فِي الْمُبَاحِ وَفِي الْمُسْتَحَبِّ إِذَا تَعَارَضَ
مِنْهُ أَمْرَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ قُلْتُ وَتَدْخُلُ
الِاسْتِخَارَةُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ الْمُخَيَّرِ
وَفِيمَا كَانَ زَمَنُهُ مُوَسَّعًا اهـاتَّفَقَتْ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِخَارَةَ تَكُونُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَدْرِي الْعَبْدُ وَجْهَ الصَّوَابِ
فِيهَا , أَمَّا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ خَيْرَهُ أَوْ شَرَّهُ كَالْعِبَادَاتِ وَصَنَائِعِ
الْمَعْرُوفِ وَالْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ فَلا حَاجَةَ إلَى الاسْتِخَارَةِ فِيهَا
, إلا إذَا أَرَادَ بَيَانَ خُصُوصِ الْوَقْتِ كَالْحَجِّ مَثَلا فِي هَذِهِ السُّنَّةِ
; لِاحْتِمَالِ عَدُوٍّ أَوْ فِتْنَةٍ , وَالرُّفْقَةِ فِيهِ , أَيُرَافِقُ فُلانًا
أَمْ لا؟ وَعَلَى هَذَا فَالاسْتِخَارَةُ لا مَحَلَّ لَهَا فِي الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ
وَالْمَكْرُوهِ , وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ. وَالاسْتِخَارَةُ
فِي الْمَنْدُوبِ لا تَكُونُ فِي أَصْلِهِ ; لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ , وَإِنَّمَا تَكُونُ
عِنْدَ التَّعَارُضِ , أَيْ إذَا تَعَارَضَ عِنْدَهُ أَمْرَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ
بِهِ أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ؟ أَمَّا الْمُبَاحُ فَيُسْتَخَارُ فِي أَصْلِهِ
انظر سؤال وجواب (5/2167)
قال ابن عثيمين في نور على الدرب (8/2) الحديث الوارد
عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستخارة شامل عام في كل أمر يهم به الإنسان ولا يدري
الخيرة في فعله أم في تركه فإنه يستخير الله تعالى ولكنه لا يتناول الأمور المفروضة
على المرء لأن فعل الأمور المفروضة على المرء خير بلا تردد وعلى هذا فإذا وجب الحج على الإنسان وتمت شروط
الوجوب فإن عليه أن يحج بدون استخارة كما أنه إذا أذن لصلاة الظهر مثلاً فإنه يجب عليه
أن يصلى بدون استخارة وكذلك إذا وجب عليه الجهاد فصار فرض عين عليه فإنه يجب عليه أن
يجاهد بدون استخارة ولكن إذا كان الشيء مشروعاً وليس بواجب عليه فإنه يمكن أن تدخل
فيه الاستخارة بمعنى أن المشروعات بعضها أفضل من بعض فقد يريد الإنسان أن يعتمر عمرة
تطوع أو يحج حج تطوع ولكن لا يدري الحج أفضل أم بقاؤه في بلده للدعوة إلى الله والإرشاد
وتوجيه المسلمين والقيام بمصالح أهله وبيته أفضل فيستخير الله سبحانه وتعالى لا لأنه
قد شك في فضل العمرة ولكن لأنه قد شك هل الذهاب إلى العمرة في هذا الوقت أفضل أم البقاء
في بلده أفضل وهذا أمر وارد ويمكن فيه الاستخارة ومن تأمل حديث الاستخارة وهدي النبي
صلى الله عليه وسلم علم أنها لا تشرع إلا في الأمر الذي يتردد فيه الإنسان أما الأمر
الذي ليس فيه تردد فإنه لا تشرع فيه الاستخارة وكما أسلفت أن الأمور الواجبة لا تحتمل
التردد والشك في فعلها لوجوب القيام بها على كل حال ما دامت شروط الوجوب موجودة
اهـ
4- فِيمَا يَقْرَأُ فِي صَلاةِ
الاسْتِخَارَةِ ثَلاثَةُ آرَاءٍ:
أ - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ
, وَالْمَالِكِيَّةُ , وَالشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ
الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} , وَفِي الثَّانِيَةِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . وَذَكَر النَّوَوِيُّ تَعْلِيلًا لِذَلِكَ فَقَالَ: نَاسَبَ
الْإِتْيَانُ بِهِمَا فِي صَلَاةٍ يُرَادُ مِنْهَا إخْلَاصُ الرَّغْبَةِ وَصِدْقُ التَّفْوِيضِ
وَإِظْهَارُ الْعَجْزِ , وَأَجَازُوا أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِمَا مَا وَقَعَ فِيهِ ذِكْرُ
الْخِيَرَةِ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
ب - وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ
السَّلَفِ أَنْ يَزِيدَ فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبُّك يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ. مَا كَانَ لَهُمْ
الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَرَبُّك يَعْلَمُ مَا
تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ. وَهُوَ اللَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ
فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} . فِي الرَّكْعَةِ
الْأُولَى , وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا
مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ
مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا}
ج - أَمَّا الْحَنَابِلَةُ
وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَلَمْ يَقُولُوا بِقِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي صَلاةِ الِاسْتِخَارَةِ
– وهو الراجح-
5- قال ابن باز في نور
على الدرب (11/67)
يصلي ركعتين يطمئن فيهما،
ثم يقول هذا الدعاء بعد السلام، يرفع يديه ويحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه
وسلم، هذه السنة، يحمد الله أولا ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا من أسباب الإجابة، ثم يقول
دعاء الاستخارة اهـ
6- قَال الْحَنَفِيَّةُ،
وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ: يَنْبَغِي أَنْ يُكَرِّرَ الْمُسْتَخِيرُ الاِسْتِخَارَةَ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ سَبْعَ
مَرَّاتٍ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَنَسٍ. قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَنَسُ إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّكَ
فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اُنْظُرْ إِلَى الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى قَلْبِكَ فَإِنَّ
الْخَيْرَ فِيهِ – قال الألباني في الضعيفة (6908) ضعيف جدا - وَيُؤْخَذُ مِنْ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ
أَنَّ تَكْرَارَ الاِسْتِخَارَةِ يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ شَيْءٍ لِلْمُسْتَخِيرِ،
فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ مَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَدْعُو
إِلَى التَّكْرَارِ. وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ
شَيْءٌ بَعْدَ السَّابِعَةِ اسْتَخَارَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا الْحَنَابِلَةُ
فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ رَأْيًا فِي تَكْرَارِ الاِسْتِخَارَةِ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي
تَحْتَ أَيْدِينَا رَغْمَ كَثْرَتِهَاانظر الموسوعة الفقهية (3/246)
7- قال شيخنا مصطفى
العدوي وليس في حديث الاستخارة أن الشخص يرى رؤيا عقبها ، أو لا يرى ، أو ينشرح
صدره ، أو لا ينشرح ، ولم أقف عليها في حديث صحيح فقد يرى الشخص رؤيا ، وقد لا يرى
، وقد ينشرح الصدر ، وقد لا ينشرح ، وقد يرى رؤيا وتكون حديثا للنفس فمثلا رجل
مولع بامرأة فتكثر رؤياه فيها ، فيتصور أن كل ما يرد في شأنها إنما هو من الله من
المبشرات ، ولكن قد تكون من الله ولكن حديثا للنفس ، ومن المعلوم أن الرؤيا على
ثلاثة أقسام : رؤيا من الله ، وحديث النفس
وتخويف من الشيطان 0 وعلى كل فالاستخارة عبادة يؤديها الشخص ويطمئن قلبه
بعدها إذ هي ذكر الله ، ويذكر الله تطمئن القلوب فعلى أي الوجوه جاء الأمر (سواء
الذي يحبه الشخص أو الذي يكره ) عليه أن يكون راضيا بقدر الله وهناك أمور بدهية لا
تحتاج إلى استخارة فإذا تقدم لامرأة خمَّار ، أو فاسق من الفساق ، أو مفرط في دين
فعليها أن ترفضه ابتداء ، وهذا ليس فيه استخارة ، وكذلك لا يعمد رجل إلى الاستخارة
للزواج من امرأة فاسقة انظر أحكام النساء (3/221)
8- الاسْتِشَارَةُ قَبْلَ
الاسْتِخَارَةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ
أَنْ يَسْتَشِيرَ قَبْلَ الاسْتِخَارَةِ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ النَّصِيحَةَ وَالشَّفَقَةَ
وَالْخِبْرَةَ , وَيَثِقُ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ} وَإِذَا اسْتَشَارَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ , اسْتَخَارَ اللَّهَ
تَعَالَى فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ: حَتَّى عِنْدَ الْمُعَارِضِ
(أَيْ تَقَدُّمِ الاسْتِشَارَةِ) لأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ إلَى قَوْلِ الْمُسْتَشَارِ
أَقْوَى مِنْهَا إلَى النَّفْسِ لِغَلَبَةِ حُظُوظِهَا وَفَسَادِ خَوَاطِرِهَا. وَأَمَّا
لَوْ كَانَتْ نَفْسُهُ مُطْمَئِنَّةً صَادِقَةٌ إرَادَتَهَا مُتَخَلِّيَةً عَنْ حُظُوظِهَا
, قَدَّمَ الاسْتِخَارَةَ انظر سؤال وجواب (5/2167)
9- سئل ابن باز رحمه الله في نور على الدرب (11/83)
هل يجوز أن أصلي صلاة الاستخارة لغيري، وأغير صيغة الدعاء بحيث يأتي على هذا النمط:
اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر هو خير لها أو له في دينه أو دنياها وهكذا ج: لا أعلم
في هذا دليلا، إنما جاءت السنة لمن أراد الشيء، فالحديث: «إذا هم أحدكم بأمر فليصل
ركعتين، ثم يقول: اللهم » إلى آخر الدعاء، والسنة لمن هم بالأمر وأشكل عليه أن يستخير،
أما فلان يستخير
لفلان لا أعلم لهذا أصلا، لكن
الرجل أو المرأة كل منهما يستخير لنفسه، يدعو بالدعاء الذي يفهم، الذي يعرف، إذا كان
ما يعرف الدعاء الوارد في الحديث يسأل ربه يقول: اللهم يسر لي الأصلح، اللهم اشرح صدري
للأصلح، الأحب إليك بما فيه نفعي وصلاحي. يدعو بالدعوات التي تناسبه، والحمد لله.
!!! الخطبة على الخطبة ؟
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ
بَعْضٍ، وَلاَ يَخْطُبَ
الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى
يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ
لَهُ الخَاطِبُ رواه البخاري (5142)
ومسلم (1412) قلت : أولا : لا يجوز الخطبة إذا صرحت المخطوبة بالإجابة للخاطب
الأول كما في هذا الحديث 0
ثانيا : يجوز الخطبة على الغير في
حالات :
1- أن
يعلم بأن الخاطب الأول رُد 0
2-أن يأذن الخاطب الأول له بأن يخطبها كما في الحديث أو يأذن له
3- إذا علم أن الخاطب الأول تردها 0
ثالثا : قال الترمذي في سننه
(1134) قَالَ
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: " إِنَّمَا مَعْنَى كَرَاهِيَةِ أَنْ يَخْطُبَ
الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ: إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ فَرَضِيَتْ
بِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ " وقَالَ
الشَّافِعِيُّ: " مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى
خِطْبَةِ أَخِيهِ هَذَا عِنْدَنَا: إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ فَرَضِيَتْ
بِهِ وَرَكَنَتْ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ،
فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ رِضَاهَا أَوْ رُكُونَهَا إِلَيْهِ فَلَا بَأْسَ
أَنْ يَخْطُبَهَا، وَالحُجَّةُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حَيْثُ
جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ
أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ خَطَبَاهَا،
فَقَالَ: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ لَا يَرْفَعُ عَصَاهُ عَنِ النِّسَاءِ،
وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَلَكِنْ انْكِحِي أُسَامَةَ»-
رواه مسلم (1480)- فَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ
فَاطِمَةَ لَمْ تُخْبِرْهُ بِرِضَاهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ أَخْبَرَتْهُ
لَمْ يُشِرْ عَلَيْهَا بِغَيْرِ الَّذِي ذَكَرَتْ اهـ
قال النووي في شرح مسلم (9/197) هَذِهِ
الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ
وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهَا إِذَا كَانَ قَدْ صُرِّحَ لِلْخَاطِبِ
بِالْإِجَابَةِ وَلَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ يَتْرُكْ فَلَوْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ
وَتَزَوَّجَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَصَى
وَصَحَّ النِّكَاحُ وَلَمْ يُفْسَخْ هَذَا مَذْهَبُنَا
وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ دَاوُدُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَعَنْ مَالِكٍ
رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ
يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ أَمَّا إِذَا عُرِّضَ لَهُ
بِالْإِجَابَةِ وَلَمْ يُصَرَّحْ فَفِي تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَتِهِ
قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْرُمُ وَقَالَ بَعْضُ
الْمَالِكِيَّةِ لَا يَحْرُمُ حَتَّى يَرْضَوْا بِالزَّوْجِ وَيُسَمَّى الْمَهْرُ
وَاسْتَدَلُّوا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ إِذَا
حَصَلَتِ الْإِجَابَةُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّهَا قَالَتْ
خَطَبَنِي أَبُو جَهْمٍ
وَمُعَاوِيَةُ فَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خِطْبَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بَلْ خَطَبَهَا لِأُسَامَةَ اهـ
[ الخِطبة
على خِطبة الكافر ]
صورة هذه المسألة: أن يخطب ذمِّيٌّ كتابيةً ويُجاب، ثم يخطبها مسلم،
أو أن يكون الخاطب تاركًا للصلاة [عند من يرى كفر تاركها] ونحو ذلك، فللعلماء في
حكم الخطبة عليه قولان: الأول: يجوز الخطبة على خطبته، وهو مذهب أحمد والأوزاعي
وابن المنذر والخطابي وهو الراجح: قَالَ
الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ التَّحْرِيمِ بِمَا إِذَا كَانَ
الْخَاطِبُ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَلَا تَحْرِيمَ وَبِهِ قَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ انظر شرح مسلم (9/199)
قال ابن قدامة في المغني (7/ 146)
فَإِنْ كَانَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ ذِمِّيًّا، لَمْ تُحَرَّمْ الْخِطْبَةُ عَلَى
خِطْبَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ
أَخِيهِ، وَلَا يُسَاوِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، إنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ،
وَلَوْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، أَوْ اسْتَامَ عَلَى
سَوْمِهِمْ، لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِإِخْوَةٍ
لِلْمُسْلِمِينَ اهـ
القول الثاني: قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ
عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ انظر شرح مسلم (9/199) قالوا: لما في ذلك من الإيذاء للخاطب الأول!! قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ:
لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، لَا لِتَخْصِيصِ
الْمُسْلِمِ بِهِ قال ابن قدامة : وَلَنَا، أَنَّ لَفْظَ النَّهْيِ خَاصٌّ فِي
الْمُسْلِمِينَ، وَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِثْلَهُ،
وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ. وَلَا حُرْمَتُهُ كَحُرْمَتِهِ، وَلِذَلِكَ
لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُمْ فِي دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ وَنَحْوِهَا وَقَوْلَهُ:
خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ. قُلْنَا: مَتَى كَانَ
فِي الْمَخْصُوصِ بِالذِّكْرِ مَعْنًى يَصْحُ
أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْحُكْمِ، لَمْ يَجُزْ حَذْفُهُ وَلَا تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ
بِدُونِهِ، وَلِلْأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ تَأْثِيرٌ فِي وُجُوبِ
الِاحْتِرَامِ، وَزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ فِي رِعَايَةِ حُقُوقِهِ، وَحِفْظِ قَلْبِهِ،
وَاسْتِبْقَاءِ مَوَدَّتِهِ، فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ. انظر المغني (7/ 146)
[ حكم خطبة المعتدة ]
انظر أنواع العدة في باب الطلاق سيأتي إن شاء
الله
[ النظر إلى المخطوبة ]
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر
بغض البصر وتحريم النّظر إلى المرأة الأجنبية طهارة للنّفوس وصيانة لأعراض العباد
واستثنت الشّريعة حالات أباحت فيها النّظر إلى المرأة الأجنبية للضرورة وللحاجة
العظيمة ومن ذلك نظر الخاطب إلى المخطوبة إذ إنّه سينبني على ذلك اتّخاذ قرار خطير
ذي شأن في حياة كل من المرأة والرجل،
حدود النظر إلى المخطوبة :
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ
الْعِلْمِ – القائلين بمشروعية النظر إلى المخطوبة - فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى
الوجه والكفين انظر المغني (7/97)
ثم اختلفوا
في القدر الذي يُباح النظر إليه فوق ذلك
على أربعة أقوال؟
القول الأول: لا ينظر إلى الوجه
والكفين فقط، قال النووي في شرح مسلم (9/210) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِلْمُتَزَوِّجِ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ (أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا
قَالَ لَا قَالَ فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ
شيئا) – رواه مسلم (1424) عن أبي هريرة- هكذا الرواية شيئا بالهمز وَهُوَ وَاحِدُ
الْأَشْيَاءِ قِيلَ الْمُرَادُ صِغَرٌ وَقِيلَ زُرْقَةٌ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ
لِجَوَازِ ذِكْرِ مِثْلِ هَذَا لِلنَّصِيحَةِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ
النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ مَنْ يُرِيدُ تَزَوُّجَهَا
وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ
الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ
قَوْمٍ كَرَاهَتَهُ وَهَذَا خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ
وَمُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ لِلْحَاجَةِ عِنْدَ
الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا
يُبَاحُ لَهُ النظر إلى وجهها وكفيها فقط لأنهما ليسا بعورة ولأنه يُسْتَدَلُّ
بِالْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ أَوْ ضِدِّهِ وَبِالْكَفَّيْنِ عَلَى خُصُوبَةِ
الْبَدَنِ أَوْ عَدَمِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ يَنْظُرُ إِلَى مَوَاضِعِ اللَّحْمِ وَقَالَ دَاوُدُ يَنْظُرُ
إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ مُنَابِذٌ لِأُصُولِ السُّنَّةِ
وَالْإِجْمَاعِ اهـ
القول الثاني: يُباح النظر إلى ما
يظهر منها غالبًا، كالرقبة واليدين والقدمين، وهو الصحيح في مذهب الحنابلة،
وَوَجْهُ جَوَازِ النَّظَرِ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَذِنَ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ
عِلْمِهَا، عُلِمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّظَرِ إلَى جَمِيعِ مَا يَظْهَرُ
عَادَةً إذْ لَا يُمْكِنُ إفْرَادُ الْوَجْهِ بِالنَّظَرِ مَعَ مُشَارَكَةِ
غَيْرِهِ لَهُ فِي الظُّهُورِ؛ وَلِأَنَّهُ يَظْهَرُ غَالِبًا، فَأُبِيحَ
النَّظَرُ إلَيْهِ كَالْوَجْهِ.وَلِأَنَّهَا امْرَأَةٌ أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ
إلَيْهَا بِأَمْرِ الشَّارِعِ، فَأُبِيحَ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى ذَلِكَ،
كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَةَ
عَلِيٍّ فَذَكَرَ مِنْهَا صِغَرًا، فَقَالُوا لَهُ: إنَّمَا رَدَّك فَعَاوِدْهُ،
فَقَالَ: نُرْسِلُ بِهَا إلَيْك تَنْظُرُ إلَيْهَا فَرَضِيَهَا، فَكَشَفَ عَنْ
سَاقِهَا. فَقَالَتْ: أَرْسِلْ، فَلَوْلَا أَنَّك أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
لَلَطَمْت عَيْنَك.انظر المغني (7/97) قلت : ضعف هذه القصة الألباني في الضعيفة
(3/434)
القول الثالث: يجوز النظر إلى ما
يريد منها إلا العورة، وهذا مذهب الأوزاعي.
الرابع: يجوز النظر إلى جميع
البدن، وهو مذهب داود وابن حزم والرواية الثالثة عن أحمد، لظاهر قوله صلى الله
عليه وسلم: "انظر إليها"
قال ابن قدامة في المغني
(7/97)وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَوَاضِعِ اللَّحْمِ
وَعَنْ دَاوُد أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى جَمِيعِهَا، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - اُنْظُرْ إلَيْهَا وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ قَالَ: الْوَجْهُ، وَبَاطِنُ الْكَفِّ.-صححه الألباني-وَلِأَنَّ النَّظَرَ
مُحَرَّمٌ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ، فَيَخْتَصُّ بِمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ،
وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا. وَالْحَدِيثُ مُطْلَقٌ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ
سُمِّيَ نَاظِرًا إلَيْهِ، وَمَنْ رَآهُ وَعَلَيْهِ أَثْوَابُهُ سُمِّيَ رَائِيًا
لَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ
أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: 4] {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 36]
اهـ قال الشافعي: " وإذا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ فَلَيْسَ لَهُ
أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا حَاسِرَةً
وَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وهي متغطيةٌ بإذنها وبغير إذنها قال الله
تَعَالَى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) {النور: 31)
قال الوجه والكفان انظر الحاوي الكبير (9/33)
[ هل يُشترط استئذان
المخطوبة وعلمُها بالنظر إليها ]
ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا
يشترط علم المخطوبة أو إذنها أو إذن وليها بنظر الخاطب إليها، اكتفاءً بإذن الشارع،
ولإطلاق الأخبار وذهب المالكية إلى وجوب إعلام المرأة أو وليها بالنظر، لئلا
يتطرَّق الفساق للنظر إلى النساء ويقولون: نحن خُطَّاب. قلت قول الجمهور هو الراجح
والدليل : عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ
أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا
لِخِطْبَةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ
رواه أحمد (23602)
وقال الألباني في الصحيحة (97)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري
(9/182) وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجُوزُ
أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ
بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ يُشْتَرَطُ إِذْنُهَا وَنَقَلَ
الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ
قَبْلَ الْعَقْدِ بِحَالٍ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَجْنَبِيَّةٌ وَرُدَّ عَلَيْهِمْ
بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ اهـ
قال الشيخ المحدث محمد ناصر الدين
الألباني في السلسة الصحيحة (1/156) مؤيدا ذلك: ومثله في الدلالة قوله صلى الله
عليه وسلم في الحديث: (وإن كانت لا تعلم) وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم،
عمله مع سنته صلى الله عليه وسلم ومنهم محمد بن مسلمة وجابر بن عبد الله، فإن كلاً
منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها. …
" أ. هـ
فائدة: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ
يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَبَعَثَ امْرَأَةً لِتَنْظُرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «شُمِّي
عَوَارِضَهَا، وَانْظُرِي إِلَى
عُرْقُوبَيْهَا» رواه الحاكم (2/166)
قلت : حديث حسن وقال الحاكم:" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي! وغمز من صحته البيهقي وضعفه الألباني انظر
الضعيفة (1273)
وحسنه الأرنؤوط العوارض: الأسنان التي في
عُرْض الفم، وهي ما بين الثنايا والأضراس، واحدها: عارضٌ. أمرها بذلك لتعرف به
نكهتَها وريح فمها أطيَّب أم خبيث. والعرقوبان:
عَصَبان غليظان فوق عقبي الإنسان.
قال في مغني
المحتاج (3/128) : " وَيُؤْخَذُ مِنْ
الْخَبَرِ أَنَّ لِلْمَبْعُوثِ أَنْ يَصِفَ
لِلْبَاعِثِ زَائِدًا عَلَى مَا يَنْظُرُهُ فَيَسْتَفِيدَ بِالْبَعْثِ مَا لَا
يَسْتَفِيدُهُ بِنَظَرِهِ اهـ
[ حكم مس المخطوبة والخلوة بها
]
قال ابن قدامة في المغني (7/ 96)
وَلَا يَجُوزُ
لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ
وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ، فَبَقِيَتْ عَلَى التَّحْرِيمِ؛
وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ، فَإِنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ
بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» - رواه أحمد (15696) وصححه
الألباني - وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا نَظَرَ تَلَذُّذٍ وَشَهْوَةٍ، وَلَا لِرِيبَةٍ
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ يَنْظُرُ
إلَى الْوَجْهِ وَلَا يَكُونُ عَنْ طَرِيقِ لَذَّةٍ وَلَهُ أَنْ يُرَدِّدَ
النَّظَرَ إلَيْهَا، وَيَتَأَمَّلَ مَحَاسِنَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا
يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ اهـ
قال الشوكاني في نيل الأوطار (6/134) وَالْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا كَمَا
حَكَى ذَلِكَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَعِلَّةُ التَّحْرِيمِ مَا فِي الْحَدِيثِ
مِنْ كَوْنِ الشَّيْطَانِ ثَالِثَهُمَا وَحُضُورِهِ يُوقِعُهُمَا فِي
الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ الْمَحْرَمِ فَالْخَلْوَةُ
بِالْأَجْنَبِيَّةِ جَائِزَةٌ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ مَعَ حُضُورِهِ
اهـ
[ هل يجوز النظر إلى المخطوبة
بشهوة أو التلذذ بذلك ]
اشترط الحنابلة
لإباحة النظر أمن الفتنة، قالوا: وأما النظر بقصد
التلذذ أو الشهوة فهو على أصل التحريم 0
وأما الجمهور فلم يشترطوا ذلك، بل
قالوا: ينظر لغرض التزوُّج وإن خاف أن يشتهيها، أو خاف الفتنة لأمرين:
1 -
أن الأحاديث الواردة بالمشروعية لم تقيِّد النظر بذلك.
2 -
أن المصلحة المترتبة على نظر الخاطب أعظم من المفاسد المترتبة عليه انظر صحيح فقه
السنة (3/121)
[ إذا لم تعجبه المخطوبة ]
إذا نظر إلى المخطوبة ولم تعجبه ،
فليسكت، ولا ينبغي أن يقول: لا أريدها، لأنه إيذاء وقد ثبت في الحديث أن امرأة
وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ،
ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ رواه البخاري (5030)
ومسلم(1425) قال ابن حجر في فتح الباري (9/175) لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَرِّحَ
لَهَا بِالرَّدِّ بَلْ يَكْفِي السُّكُوتُ اهـ
نظر المرأة إلى الرجل
وليس
هذا الحكم مقصورا على الرجل، بل هو ثابت للمرأة أيضا، فلها أن تنظر إلى خاطبها،
فتنظر إلى وجهه وهيئته، فإنه يعجبها منه مثل ما يعجبه منها، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا تُكْرِهُوا
فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الرَّجُلِ
الْقَبِيحِ، فَإِنَّهُنَّ يُحْبِبْنَ مَا تُحِبُّونَ» رواه سعيد
بن منصور (811)
ويقول
تعالى: (( ولهن مثل الذي عليهن )). قال في
المجموع (16/ 133)
ويجوز للمرأة إذا أرادت أن تتزوج برجل أن تنظر إليه، لانه يعجبها من الرجل ما يعجب
الرجل منها اهـ
لا يجوز للخاطب مصافحة
المخطوبة ولا مسُّ شيء منها: وإن أمن
الشهوة، لأنها أجنبية عنه، ولوجود الحُرْمة وانعدام الضرورة والبلوى:
عن مَعْقِل بْن يَسَارٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ
يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ
مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ تَمَسَّهُ
امْرَأَةٌ لَا تَحِلُّ لَهُ» رواه الروياني في " مسنده (1283) قال الألباني في الصحيحة (226) قلت: وهذا سند جيد، رجاله كلهم
ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد، فمن رجال مسلم وحده، وفيه كلام يسير لا
ينزل به حديثه عن رتبة الحسن 000(المخيط) بكسر الميم وفتح الياء: هو ما يخاط به
كالإبرة والمسلة ونحوهما.
وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة
لا تحل له، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك، وقد
بلي بها كثير من المسلمين في هذا العصر وفيهم بعض أهل العلم، ولو أنهم استنكروا
ذلك بقلوبهم، لهان الخطب بعض الشيء، ولكنهم يستحلون ذلك، بشتى الطرق والتأويلات،
وقد بلغنا أن شخصية كبيرة جدا في الأزهر قد رآه بعضهم يصافح النساء، فإلى الله
المشتكى من غربة
الإسلام اهـ
[ محادثة
المخطوبة ]
يجوز للخاطب أن يتحدث مع خطبته عن
طريق الهاتف إذا كانت الفتنة مأمونة قال تعالى : [وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا
فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ] [الأحزاب:
53] وبشرط وجود المحرم فعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ
يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ
ذِي مَحْرَمٍ» رواه البخاري (5233)
ومسلم (1341) قال ابن
باز رحمه الله لا بأس أن تتصل بخاطبها
اتصالاً ليس فيه محذور، بأن تكلمه،وتسأل عن حاله وعن وظيفته وعن عمله وعن طريقته، هل يصلي أو لا يصلي؛ لا
بأس أن تسأله عن شيء يهمها في الزواج، ولا بأس أن يسألها هو أيضًا يتصل بها، لكن
من دون خلوة، من طريق الهاتف، أو من طريق أنه يتصل وهو عند أبيها وأمها. يجلس معهم
يخاطبونه ويخاطبهم ويسألهم ويسألونه، لا بأس. أما طريقة فيها خيانة. فيها الاجتماع
على ما حرم الله، هذا لا يجوز، وهكذا كونه يكلمها وتكلمه في شيء يجر إلى الفساد،
أو المواعيد الضارة والخلوة الضارة، هذا لا يجوز، أما الكلام الطيب والأسلوب
الحسن، الذي يتعلق بالزواج من دون الخلوة ولا كلام سيئ، هذا لا بأس به. انظر نور على الدرب (20/108)
فائدة : قال ابن عثيمين في نور على الدرب
(19/2) الخاطب لا ينبغي أن يكرر الذهاب إلى أهل الزوجة والتحدث إليها ولكن ينظر إليها حتى
يتبين له الأمر فإذا لم يتبين له الأمر في أول مرة وأراد أن يعود فلا حرج ويكرر
ذلك حتى يتبين له الأمر أما بعد أن يتبين له الأمر ويقدم أو ويعزم على الخطبة فإنه
لا حاجة إلى أن يزورهم اهـ
والذي ينبغي أنه إذا تم القبول ، فإنه
يعجل بعقد النكاح ، حتى تكون المرأة زوجة له ، فيباح له النظر إليها والخلوة بها ،
وكذلك تكون أمها من محارمه .
وفي ذلك دفع للحرج والمشقة ، واجتناب
للإثم
[ يجوز للمرأة أن تتجمل
وتتهيأ للخطاب في الحدود المأذون فيها فلها أن تختضب وتكتحل ويجوز المكياج ]
والدليل : حديث سُبَيْعَة بِنْتِ
الحَارِث الأَسْلَمِيَّةِ، رواه البخاري (3991) ومسلم(1484) أنها بعد انقضاء عدتها تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ وفي رواية عند أحمد (27438) وَقَدِ اخْتَضَبْتُ وَتَهَيَّأْتُ وفي رواية
عند أحمد (27435)وَقَدْ اكْتَحَلَتْ قال الألباني رحمه الله في جلباب المرأة (69)
أخرجه الإمام أحمد
"6/ 432" من طريقين عنها أحدهما صحيح، والآخر حسن، وأصله في الصحيحين وغيرهما قال ابن حجر في فتح الباري (9/475) وفِيهِ جَوَازُ
تَجَمُّلِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِمَنْ يَخْطُبُهَا اهـ في اللجنة
الدائمة (17/ 129) لا مانع من تزين المرأة لوضع المكياج على وجهها، والكحل، وإصلاح شعر رأسها
على وجه لا تشبه فيه بالكافرات، اهـ
سئل الشيخ ابن عثيمين ـــ رحمه الله ــ عن حكم حمرة الشفاه للمرأة فأجاب: تحمير الشفاه لا بأس به لأن الأصل
الحل حتى يتبين التحريم وهذا التحمير ليس بشيء ثابت حتى نقول إنه من جنس الوشم، حيث
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلته، فقد ثبت عنه أنه: لعن الواشمة والمستوشمة.
لأنها تصبغ بأصباغ، والوشم غرز شيء من الألوان تحت الجلد وغالبا ما تكون سوداء وبعضها
نقوش أو على شكل أشجار، ويكتب به أحيانا اسم المرأة وهو محرم ومن كبائر الذنوب، ولكن
التحمير إن تبين أنه مضر للشفة ينشفها ويزيل عنها الرطوبة والدهنية فهو في مثل هذه
الحال ينهى عنه، وقد أخبرت أنه ربما تنفطر الشفاة منه فإذا ثبت هذا فإن الإنسان منهي
عن فعل ما يضر به انظر فتاوى الشبكة الإسلامية (20/1192)
--- ما يقدمه الخاطب من هدايا فإن
كانت على سبيل الهبة المطلقة فلا يجوز له أن يرجع فيها عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا
يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلَّا
الوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي العَطِيَّةَ ثُمَّ
يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الكَلْبِ أَكَلَ حَتَّى إِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ
فِي قَيْئِهِ» رواه الترمذي (2132)
حديث حسن ، وصححه الألباني ، وقال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وحسنه الأرنؤوط وغيره في مسند أحمد (2119)
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحِلُّ
لِمَنْ وَهَبَ هِبَةً أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الوَالِدَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ
فِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الحَدِيثِ اهـ وقال ابن حجر في فتح
الباري (5/235) وَإِلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ
أَنْ تُقْبَضَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا
هِبَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ اهـ
ثانيًا : ما يقدمه الخاطب لمخطوبته قبل العقد ، قد يكون
جزءا من المهر ، وقد يكون هدية من الهدايا ، ويعرف ذلك بالتصريح ، أو بالعرف ،
فالشبكة في بعض البلدان تكون جزءا من المهر ، ولهذا قد يقدم الخاطب قبلها خاتما أو
شيئا يسيرا من الذهب هدية للمخطوبة .
وبناء على هذا التفصيل ينبني الحكم :
1- فإن كانت الشبكة جزءا من المهر ، وعُلم ذلك ، بالتصريح ، أو بجريان العرف في بلدك ، فإن الشبكة تعود للخاطب عند فسخ الخطبة ، سواء تم الفسخ من جهته أو جهتك ؛ لأن المهر لا يُستحق شيء منه إلا بالعقد ، وإذا دُفع إلى المخطوبة كان أمانة في يدها حتى يتم العقد .
2- وإن كانت الشبكة هدية من الهدايا ، ففي حكمها خلاف ، والراجح : أن الفسخ إن جاء من الخاطب ، فليس له الرجوع والمطالبة بهداياه ، وإن كان الفسخ من المخطوبة ، فله المطالبة بذلك ، لأن هديته ليست هبة محضة ، وإنما هي هبة يراد منها العوض ، وهو التزويج ، فإذا لم يزوجوه جاز له الرجوع في الهبة . وإلى هذا ذهب المالكية في قول ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وعزاه إلى أحمد رحمه الله .
وذهب الحنفية والمالكية في القول الآخر ، والشافعية ، إلى أن للخاطب أن يسترد هديته ، إذا كانت باقية بعينها ، سواء كان الفسخ من جهة الخاطب أو من جهة المخطوبة ، واختلفوا فيما إذا هلكت أو تلفت .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : وَقَدْ كَتَبْت عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا أَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهَا تَرُدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ إذَا زَالَ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا وَهَبَهُ لَهَا سَبَبُهُ النِّكَاحُ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إذَا زَالَ النِّكَاحُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْمَنْصُوصُ جَارٍ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ الْمُوَافِقَةِ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُهْدِيَ أَوْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ بِسَبَبٍ يَثْبُتُ بِثُبُوتِهِ وَيَزُولُ بِزَوَالِهِ 000 وَلَوْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَدْ وَعَدُوهُ بِالنِّكَاحِ فَزَوَّجُوا غَيْرَهُ رَجَعَ بِهَا. وَالنَّقْدُ الْمُقَدَّمُ مَحْسُوبٌ مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ فِي الصَّدَاقِ إذَا تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ وَيُطَالِبُ بِنِصْفِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ الْمُقَدَّمِ إلَّا أَنْ يُفْتُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ انظر الفتاوى الكبرى (5/ 472) وسُئِلَ ابن تيمية أيضا- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كما في مجموع الفتاوى (31/283)
وبناء على هذا التفصيل ينبني الحكم :
1- فإن كانت الشبكة جزءا من المهر ، وعُلم ذلك ، بالتصريح ، أو بجريان العرف في بلدك ، فإن الشبكة تعود للخاطب عند فسخ الخطبة ، سواء تم الفسخ من جهته أو جهتك ؛ لأن المهر لا يُستحق شيء منه إلا بالعقد ، وإذا دُفع إلى المخطوبة كان أمانة في يدها حتى يتم العقد .
2- وإن كانت الشبكة هدية من الهدايا ، ففي حكمها خلاف ، والراجح : أن الفسخ إن جاء من الخاطب ، فليس له الرجوع والمطالبة بهداياه ، وإن كان الفسخ من المخطوبة ، فله المطالبة بذلك ، لأن هديته ليست هبة محضة ، وإنما هي هبة يراد منها العوض ، وهو التزويج ، فإذا لم يزوجوه جاز له الرجوع في الهبة . وإلى هذا ذهب المالكية في قول ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وعزاه إلى أحمد رحمه الله .
وذهب الحنفية والمالكية في القول الآخر ، والشافعية ، إلى أن للخاطب أن يسترد هديته ، إذا كانت باقية بعينها ، سواء كان الفسخ من جهة الخاطب أو من جهة المخطوبة ، واختلفوا فيما إذا هلكت أو تلفت .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : وَقَدْ كَتَبْت عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا أَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهَا تَرُدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ إذَا زَالَ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا وَهَبَهُ لَهَا سَبَبُهُ النِّكَاحُ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إذَا زَالَ النِّكَاحُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْمَنْصُوصُ جَارٍ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ الْمُوَافِقَةِ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُهْدِيَ أَوْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ بِسَبَبٍ يَثْبُتُ بِثُبُوتِهِ وَيَزُولُ بِزَوَالِهِ 000 وَلَوْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَدْ وَعَدُوهُ بِالنِّكَاحِ فَزَوَّجُوا غَيْرَهُ رَجَعَ بِهَا. وَالنَّقْدُ الْمُقَدَّمُ مَحْسُوبٌ مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ فِي الصَّدَاقِ إذَا تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ وَيُطَالِبُ بِنِصْفِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ الْمُقَدَّمِ إلَّا أَنْ يُفْتُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ انظر الفتاوى الكبرى (5/ 472) وسُئِلَ ابن تيمية أيضا- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كما في مجموع الفتاوى (31/283)
عَمَّا إذَا وَهَبَ لِإِنْسَانِ
شَيْئًا ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ: هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فِي
السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
{لَيْسَ لِوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ؛ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا وَهَبَهُ
لِوَلَدِهِ} . وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ؛
إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِالْهِبَةِ الْمُعَاوَضَةَ: مِثْلَ مَنْ يُعْطِي
رَجُلًا عَطِيَّةً لِيُعَاوِضَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً: فَهَذَا
إذَا لَمْ يُوفِ بِالشَّرْطِ الْمَعْرُوفِ لَفْظًا أَوْ عُرْفًا فَلَهُ أَنْ
يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ أَوْ قَدْرِهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فوائد : وهذه الفوائد من كتاب صحيح
فقه السنة (3/128) الفحص الطبي قبل
الزواج: ونعني به
ما استجد في هذا العصر، الذي انحدر فيه مستوى الأمانة والصدق في الإخبار عن معايب
النفس الجسدية والنفسية قبل الإقدام على الزواج، مع تقدم العلم واتخاذ الاحتياطات
الطبية للتأكد من سلامة الزوجين، بحيث يقدم المقبلون على الزواج على عمل الفحوصات
التي تعنى بمعرفة الأمراض الوراثية والمعدية والجنسية والعادات اليومية التي ستؤثر
مستقبلًا على صحة الزوجين المؤهلين، أو على الأطفال عند الإنجاب.
الرأي الطبي في هذا الفحص:
أبرز الرأي الطبي أن لمسألة "الفحص
الطبي قبل الزواج" سلبيات وإيجابيات
يمكن تلخيصها فيما يلي:
(أ) إيجابيات الفحص الطبي:
1 -
تعتبر الفحوص الطبية قبل الزواج من الوسائل الوقائية الفعالة جدًّا في الحد من
الأمراض الوراثية والمعدية الخطيرة.
2 -
تشكِّل حماية للمجتمع من انتشار الأمراض والحد منها، والتقليل من نسب المعاقين في
المجتمع وبالتالي من التأثير المالي والإنساني على المجتمع.
3 -
محاولة ضمان إنجاب أطفال أصحاء سليمين عقليًّا وجسديًّا، وعدم انتقال الأمراض
الوراثية التي يحملها الخاطبان أو أحدهما إليهم.
4 - تحديد
قابلية الزوجين المؤهلين للإنجاب من عدمه إلى حد ما، علمًا بأن وجود أسباب العقم
في أحد الزوجين قد يكون من أهم أسباب التنازع والاختلاف بين الزوجين.
5 -
التأكد من عدم وجود عيوب عضوية أو فيسيولوجية مرضية تقف أمام الهدف المشروع لكل من
الزوجين من ممارسة العلاقة الجنسية السليمة منهما.
6 -
التحقق من عدم وجود أمراض مزمنة مؤثرة على مواصلة الحياة بعد الزواج، مما له دور
في إرباك استقرار الحياة الزوجية.
7 -
ضمان عدم تضرر صحة كل من الخاطبين نتيجة معاشرة الآخر جنسيًا، وعدم تضرر المرأة
أثناء الحمل وبعد الولادة نتيجة اقترانها بالزوج المأمول.
(ب) سلبيات الفحص الطبي:
1 -
قد يؤدي هذا الفحص إلى الاحباط الاجتماعي، كما لو أثبتت الفحوصات أن هناك احتمالًا
لإصابة المرأة بالعقم أو بسرطان الثدي واطلع على ذلك الآخرون، مما يسبب لها ضررًا
نفسيًّا واجتماعيًّا، وفي هذا قضاء على مستقبلها، خاصة أن الأمور الطبية تخطئ
وتصيب.
2 -
يجعل هذا الفحص حياة بعض الناس قلقة ومكتئبة ويائسة إذا ما تم إخبار الشخص بأنه
سيصاب بمرض عضال لا شفاء له.
3 -
ثم تبقى نتائج التحليل احتمالية في العديد من الأمراض، وهي ليست دليلًا صادقًا
لاكتشاف الأمراض المستقبلية.
4 -
قد تحرم هذه الفحوصات البعض من فرصة الارتباط بزواج نتيجة فحوصات قد لا تكون
أكيدة.
5 -
ثم قلما يخلو إنسان من أمراض، خاصة إذا علمنا أن الأمراض الوراثية التي صنفت تبلغ
أكثر من (3000 مرض وراثي).
6 -
أن التسرُّع في إعطاء المشورة الصحية في الفحص يسبب من المشاكل بقدر ما يحلها.
7 -
وقد يُساء للأشخاص المقدمين على الفحص، بإفشاء معلومات الفحص واستخدامها استخدامًا
ضارًّا.
هذا هو ملخص "الرأي
الطبي" في عملية "الفحص الطبي قبل الزواج"، فما هو موقف الشريعة من
ذلك؟ وهل يجوز إلزام المقبلين على الزواج بإجرائه؟
* الرأي الشرعي في "الفحص
الطبي قبل الزواج":
لا شك أنه لم تكن هناك حاجة لبحث
هذه المسألة قديمًا، لما تميز به المسلمون الأولون من الأمانة في الإخبار عن
العيوب من جهة، ولعدم وجود التقدم العلمي الذي يمكنهم من إجراء هذا الفحص من جهة
أخرى وأما العلماء المعاصرون فلهم في هذه المسألة اتجاهان:
الاتجاه الأول: منع هذا الفحص،
وأنه لا حاجة إليه، وممن رأى هذا العلَّامة ابن باز -نوَّر الله قبره- ومأخذه أنه
ينافي إحسان الظن بالله، وأن هذا الفحص قد يعطي نتائج غير صحيحة
الاتجاه الثاني: أنه جائز، ولا
يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وبهذا قال الأكثرون ورأوا أنه ليس فيه ما يتعارض مع
الشرع، ولا ما يتعارض مع الثقة بالله، لأنه ضرب من الأخذ بالأسباب وقد قال عمر رضي
الله عنه حين وقع الطاعون بالشام: "أفرُّ من قدر الله إلى قدر الله".
قلت: لعلَّ هذا هو الأقرب مع بعض
التحفُّظات. ويمكن الاستدلال على جوازه بما يأتي:
1 -
أن حفظ النسل من الكليات الخمس التي تضافرت النصوص على الاهتمام بها والدعوة إلى
رعايتها، وقد قال زكريا عليه السلام: {رب هب لي من لدنك ذرية طيبة}.ودعا المؤمنون
ربهم {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين}.
فلا مانع من حرص الإنسان على أن
يكون نسله صالحًا غير معيب ولا مشوَّه.
2 -
حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوج زوجته من عائلة نعرف بناتها
بالإنجاب، فقال صلى الله عليه وسلم: "تزوَّجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم
الأمم" مما يدل على أهمية عنصر الاختيار على أسس صحة النسل والولادة
المستقبلية.
3 - عن
عمر رضي الله عنه. قال: "أيما امرأة غُرَّ بها رجل، بها جنون أو جُذام أو
برص، فلها المهر بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غرَّه" وسيأتي في كتاب
الفرق بين الزوجين" مشروعية التفريق بسبب العيوب في أحد الزوجين.
4 -
الأدلة التي حثت على النظر إلى المخطوبة ومعرفة العيوب، كحديث أبي هريرة "أن
رجلًا خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإن في أعين
الأنصار شيئًا".
5 -
الأدلة العامة في اجتناب المصابين بالأمراض المعدية كقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا توردوا الممرض على المُصِحِّ"
وقوله صلى الله عليه وسلم: "
.. وفرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" (4) وهذا لا يعلم إلا بالفحص.
6 -
الأدلة العامة في النهي عن الضرر.
ومما تقدم يمكن القول بأن الفحص
الطبي قبل الزواج لا يعارض الشريعة، بل هو موافق لمقاصدها، وعليه: فإذا رأى ولي
الأمر إلزام الناس به -في حالة انتشار الأمراض- فإنه يجوز ذلك من باب السياسة
الشرعية، وإن كان ليس لهذا الفحص تأثير في صحة العقد شرعًا.
* تحفُّظات:
1 -
ينبغي أن لا يُجبر الناس على إجراء الفحوصات التي لا حاجة ماسة إليها، وإنما تضبط
بالحاجة وبما يتعلق بالأمراض الضارة بمستقبل الزواج، من غير توسُّع يرهق كاهل
الناس بتكاليفه، وحتى لا تكون هذه الفحوص أداة وذريعة لابتزاز الناس والإضرار بهم.
2 -
لابد للأطباء القائمين على هذه الفحوصات من الحفاظ على أسرار الناس ومعايبهم لئلا
تتخذ ذريعة للإفساد.
[ عقد النكاح ]
وفيه مسائل : أولا : أركان عقد
النكاح :
لعقد الزواج ركنان ، وهما :
(1)
الزوجان ،
ويشترط خلوهما من الموانع ، فلا يكون بينهما مانع من الزواج بسبب نسب أو مصاهرة أو
رضاع ومن الموانع كذلك أن تكون المرأة معتدة من طلاق أو وفاة
(2) صيغة العقد : وهو
الإيجاب والقبول قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (12/36) الإيجاب هو
اللفظ الصادر من الولي، أو من يقوم
مقامه، والقبول هو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه.
فيقول ـ مثلاً ـ الولي، كالأب، والأخ، وما أشبه ذلك: زَوَّجْتك
ابنتي، زوجتك أختي، وسمي إيجاباً؛ لأنه أوجب به العقد، والقبول هو اللفظ الصادر من
الزوج، أو من يقوم مقامه.
والذي يقوم مقام الولي هو الوكيل، وهو الذي أذن له بالتصرف في حال
الحياة، مثل أن يقول: وكلتك أن تزوج بنتي.
ما هي الألفاظ التي ينعقد بها
النكاح ؟
تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : ذهب فريق إلى أن
الألفاظ التي ينعقد بها النكاح هي ألفاظ التزويج أو الإنكاح وحجتهم في ذلك 1- {وَلاَ
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ} [النساء: 22]
2-{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ
مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]
قالوا هذان اللفظان اللذان ورد
بهما القرآن : النكاح أو التزويج وهذا مذهب الشافعي ورواية عن أحمد انظر المجموع
(17/309)
القول الثاني : قالوا : ينعقد النكاح بكل لفظ يقتضي التمليك كالبيع
والتمليك والهبة والصدقة وحجتهم حديث عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَتَتِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ
وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: «مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ»، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا،
قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْبًا»، قَالَ: لاَ أَجِدُ، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ
خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟»
قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا
بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ»
رواه البخاري (5029)
(1425) قالوا : قد جاءت رواية بلفظ «اذْهَبْ فَقَدْ
مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ»
رواه البخاري (5030)
ومسلم (1425) وهذا مذهب أبي حنيفة
ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد انظر فتح الباري (9/122)
وأجيب عن ذلك قال في سبل السلام
(2/170)
وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا قَدْ
اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ فِي الْحَدِيثِ فَرُوِيَ بِالتَّمْلِيكِ
وَبِالتَّزْوِيجِ وَبِالْإِمْكَانِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ هَذِهِ لَفْظَةٌ
وَاحِدَةٌ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ اخْتَلَفَتْ مَعَ اتِّحَادِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَفْظٌ وَاحِدٌ فَالْمَرْجِعُ فِي هَذَا إلَى التَّرْجِيحِ، وَقَدْ
نُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى قَدْ
زَوَّجْتُكَهَا، وَأَنَّهُمْ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ، وَأَطَالَ الْمُصَنِّفُ فِي
الْفَتْحِ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَلْفَاظِ ثُمَّ قَالَ
فَرِوَايَةُ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ أَرْجَحُ اهـ
وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ
بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا إجْمَاعًا، وَهُمَا
اللَّذَانِ وَرَدَ بِهِمَا نَصُّ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {زَوَّجْنَاكَهَا}
[الأحزاب: 37] . وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ} [النساء: 22] . وَسَوَاءٌ اتَّفَقَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَا،
مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي هَذِهِ. فَيَقُولَ: قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ،
أَوْ هَذَا التَّزْوِيجَ. وَلَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. وَبِهَذَا قَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ،
وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَدَاوُد: يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ
وَالْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ. وَفِي لَفْظِ الْإِجَارَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ.
وَقَالَ مَالِكٌ يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ إذَا ذَكَرَ الْمَهْرَ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً، فَقَالَ:
«قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُ
لَفْظٌ يَنْعَقِدُ بِهِ تَزْوِيجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَانْعَقَدَ بِهِ نِكَاحُ أُمَّتِهِ، كَلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ؛ وَلِأَنَّهُ
أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِمَجَازِهِ، فَوَجَبَ تَصْحِيحُهُ، كَإِيقَاعِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَاتِ.
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى:
{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ
أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] . فَذَكَرَ
ذَلِكَ خَالِصًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّهُ
لَفْظٌ يَنْعَقِدُ بِهِ غَيْرُ النِّكَاحِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ النِّكَاحُ، كَلَفْظِ
الْإِجَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي النِّكَاحِ،
فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ، كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا؛ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ
فِي النِّكَاحِ، وَالْكِنَايَةُ إنَّمَا تُعْلَمُ بِالنِّيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ
عَلَى النِّيَّةِ، لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهَا، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ،
وَبِهَذَا فَارَقَ بَقِيَّةَ الْعُقُودِ وَالطَّلَاقَ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَقَدْ
رُوِيَ: " زَوَّجْتُكَهَا " وَ " أَنْكَحْتُكَهَا " وَ "
زَوَّجْنَاكَهَا ". مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ. وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، وَالظَّاهِرُ
أَنَّ الرَّاوِيَ رَوَى بِالْمَعْنَى ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، فَلَا
تَكُونُ حُجَّةً، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ
بَيْنَ الْأَلْفَاظِ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْعَقَدَ بِأَحَدِهَا،
وَالْبَاقِي فَضْلَةٌ.انظر المغني (7/68) وقال ابن قدامة أيضا (7/79) وَمَنْ قَدَرَ
عَلَى لَفْظِ النِّكَاحِ بِالْعَرَبِيَّةِ، لَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِهَا. وَهَذَا أَحَدُ
قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِلَفْظِهِ
الْخَاصِّ، فَانْعَقَدَ بِهِ، كَمَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ. وَلَنَا،
أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَلَمْ
يَصِحَّ، كَلَفْظِ الْإِحْلَالِ. فَأَمَّا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَيَصِحُّ
مِنْهُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِلِسَانِهِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَمَّا سِوَاهُ، فَسَقَطَ
عَنْهُ كَالْأَخْرَسِ، وَيَحْتَاجُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَعْنَاهُمَا الْخَاصِّ، بِحَيْثُ
يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ.
وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لَا
يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ تَعَلُّمُ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ بِهَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ:
عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ؛ لِأَنَّ مَا كَانَتْ الْعَرَبِيَّةُ شَرْطًا فِيهِ، لَزِمَهُ
أَنْ يَتَعَلَّمَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، كَالتَّكْبِيرِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ
النِّكَاحَ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَلَمْ يَجِبْ تَعَلُّمُ أَرْكَانِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ
كَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يُحْسِنُ
الْعَرَبِيَّةَ دُونَ الْآخَرِ، أَتَى الَّذِي يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِهَا، وَالْآخَرُ
يَأْتِي بِلِسَانِهِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يُحْسِنُ لِسَانَ الْآخَرِ، احْتَاجَ
أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّفْظَةَ الَّتِي أَتَى بِهَا صَاحِبُهُ لَفْظَةُ الْإِنْكَاحِ،
بِأَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ ثِقَةٌ يَعْرِفُ اللِّسَانَيْنِ جَمِيعًا اهـ
--- قال ابن قدامة في المغني (7/79) فَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ
صَحَّ نِكَاحُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ،
فَصَحَّ بِإِشَارَتِهِ،
كَبَيْعِهِ وَطَلَاقِهِ وَلِعَانِهِ، وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ، لَمْ يَصِحَّ
مِنْهُ. كَمَا لَمْ يَصِحَّ غَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ
النِّكَاحَ عَقْدٌ بَيْنَ شَخْصَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَهْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مَا يَصْدُرُ مِنْ صَاحِبِهِ اهـ
--- وضع المنديل أثناء صيغة العقد لا
دليل عليه 0
--- قال ابن عثيمين في مجموع فتاوى (11/ 316)
وأما عقد النكاح على المرأة وهي حائض فلا بأس به لأن الأصل الحل،
ولا دليل على المنع منه، لكن إدخال الزوج عليها وهي حائض ينظر فيه فإن كان يؤمن من
أن يطأها فلا بأس، وإلا فلا يدخل عليها حتى تطهر خوفاً من الوقوع في الممنوع اهـ
--- قال ابن قدامة في
المغني (7/80)
وَإِذَا عَقَدَ النِّكَاحَ
هَازِلًا أَوْ
تَلْجِئَةً، صَحَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ، وَجِدُّهُنَّ جِدٌّ؛ الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ.»
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.- وحسنه الألباني - وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَكَحَ لَاعِبًا، أَوْ طَلَّقَ
لَاعِبًا، أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا، جَازَ.» وَقَالَ عُمَرُ أَرْبَعٌ جَائِزَاتٌ إذَا
تَكَلَّمَ بِهِنَّ؛ الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنَّذْرُ.وَقَالَ عَلِيٌّ
أَرْبَعٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالنَّذْرُ
اهـ
--- [هل يجوز أن يكون الزواج أو العقد داخل المسجد؟]
في " الموسوعة الفقهية
" (41/ 221) : قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ:
يُنْدَبُ عَقْدُ
النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ ، لِحَدِيثِ: " أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي
الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهُ
جَائِزٌ اهـ
قلت : الحديث رواه الترمذي
(1089) ، وهو حديث ضعيف، ضعفه الترمذي، وابن حجر، والألباني، وغيرهم وقال بعض
العلماء بدعة قلت : الصحيح أنه مشروع ودليل مشروعية عقد النكاح في المسجد، من حيث الأصل:
حديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، والذي رواه البخاري ومسلم، حيث ثبت أنه
زوجها لأحد أصحابه في المسجد قال ابن حجر : وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَفَادَ تَعْيِينَ الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَتْ
فِيهِ الْقِصَّةُ انظر فتح الباري (9/206) وعليه فالقول ببدعيته قول ليس بصحيح وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى
(32/ 18) وكذا ابن القيم أن عقد النكاح في المسجد مستحب
--- قال ابن عثيمين في
الشرح الممتع (12/45) قوله: «فإن تقدم القبول لم يصح» ، لو قال: قبلت قبل أن يقول:
زوجتك، لم يصح؛ لأن العقد لا يكون إلا به، ولأن القبول قَبولُ شيءٍ بُذِلَ، فكيف يتقدم
القبول على الإيجاب، ولم يبذل شيء حتى الآن؟! فلا بد أن يتقدم الإيجاب على القبول،
فإن تأخر فإنه لا يصح، والطريق إلى تصحيحه أن يعاد القبول بعد الإيجاب؛ لأن القبول
المتقدم وقع في غير محله، فإذا جاء الإيجاب وأردفناه بالقبول صح، والقول الراجح أنه
إذا تقدم القبول على وجه يحصل به فإنه يصح.
وظاهر كلام المؤلف سواء وقع
القبول بلفظ الماضي أو الأمر، مع أنه في باب البيع تقدم أنه يصح إذا كان بلفظ الأمر،
مثل: بعني هذا البيت بعشرة آلاف، فقال: بعتك، صح البيع، فهنا لو قال: زوجني ابنتك،
فقال: زوجتك بنتي، ظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح، وأنه لا بد أن يتقدم الإيجاب.
وبناء على ما قررناه من أن
المعتبر في كل العقود ما دلت عليه بالعرف الخاص، نقول: إنه يصح، بل إنه وقع في حديث
الرجل الذي قال: «زوِّجنيها» ، فقال: «زوَّجتكها بما معك من القرآن» ، وما ورد أن الرجل
قال: قبلت، فهذا دليل على أنه إذا تقدم القبول على وجه يتضح به القبول فإنه يصح، كما لو وقع ذلك بلفظ الطلب:
زوِّجني، فقال: زوَّجتك. مسألة: متى يسقط القبول، أي: متى ينعقد النكاح بالإيجاب فقط؟
الجواب: إذا كان الولي هو ابن العم مثلاً، وأراد أن يتزوجها فليحضر شاهدين، ويقول:
أشهدكما أني تزوجت موليتي بنت عمي، فلانة بنت فلان، وينعقد النكاح، ولا حاجة أن يقول:
وقبلت؛ لأن كلمة «تزوجتها» وهو وليها كافية اهـ
--- من الأخطاء في عقد
الزواج اشتراط كونه على إحدى المذاهب ، فهذا كلام ما أنزل الله به من سلطان ،
والعقد صحيح ، وهذا الشرط لا يصح 0 انظر تمام المنة (3/28)
[ ثانيا : شروط عقد النكاح ]
كما أن للنكاح أركانا ، فله كذلك
شروط وهي :
الشرط الأول : تعين الزوجين : قال
ابن قدامة في المغني (7/91) مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ تَعْيِينُ
الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَاقِدٍ وَمَعْقُودٍ عَلَيْهِ
يَجِبُ تَعْيِينُهُمَا، كَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعِ، ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ
كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَاضِرَةً، فَقَالَ: زَوَّجْتُك هَذِهِ صَحَّ، فَإِنَّ
الْإِشَارَةَ تَكْفِي فِي التَّعْيِينِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ:
بِنْتِي هَذِهِ، أَوْ هَذِهِ فُلَانَةُ كَانَ تَأْكِيدًا، وَإِنْ كَانَتْ
غَائِبَةً فَقَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهَا جَازَ. فَإِنْ
سَمَّاهَا بِاسْمِهَا مَعَ ذَلِكَ، كَانَ تَأْكِيدًا. فَإِنْ كَانَ لَهُ
ابْنَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ، فَقَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي لَمْ يَصِحَّ حَتَّى
يَضُمَّ إلَى ذَلِكَ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ، مِنْ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ اهـ
ثانيا : الولي :
قلت : تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَلَا
تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا تَوْكِيلَ
غَيْرِ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا. فَإِنْ فَعَلَتْ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ.
رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ،
وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ
شُبْرُمَةَ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَرُوِيَ
عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ،
وَأَبِي يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ، فَإِنْ
فَعَلَتْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ انظر المغني (7/7) وهو الراجح والدليل
: 1- عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»
رواه الترمذي (1101) حديث
صحيح ، قال الألباني في صحيح أبي داود (1818)
(قلت: حديث صحيح، وقد صححه الأئمة: أحمد وابن المديني والبخاري والذُّهْلِيُّ وابن
الجارود وابن حبان والحاكم والذهبي، وصححه الضياء
المقدسي في "المختارة" من حديث ابن عباس، وابن حبان أيضاً من حديث أبي
هريرة) اهـ
قال الصنعاني في سبل السلام (2/172) وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى
أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إلَّا
بِوَلِيٍّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّفْيِ نَفْيُ الصِّحَّةِ لَا الْكَمَالِ اهـ
2- عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ
بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا
بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا
اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا
وَلِيَّ لَهُ» رواه الترمذي (1102)
وقال حديث حسن حديث صحيح ، وصححه الألباني
0 وَفي سبل السلام (2/173) صَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَصَحَّحَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ
مِنْ الْحُفَّاظِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فَقَوْلُهُ «بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا»
يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهَا جَازَ أَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا، وَأُجِيبَ
بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ لَا يَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ الْمَنْطُوقِ بِاشْتِرَاطِهِ
00وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ إذْنِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ
بِعَقْدِهِ لَهَا أَوْ عَقْدِ وَكِيلِهِ اهـ
القول الثاني : وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ
نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا، وَتُوَكِّلَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
قَالَ: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] .
أَضَافَ النِّكَاحَ إلَيْهِنَّ، وَنَهَى عَنْ مَنْعِهِنَّ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ
خَالِصُ حَقِّهَا، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمُبَاشَرَةِ، فَصَحَّ مِنْهَا، كَبَيْعِ
أَمَتِهَا، وَلِأَنَّهَا إذَا مَلَكَتْ بَيْعَ أَمَتِهَا، وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي
رَقَبَتِهَا وَسَائِرِ مَنَافِعِهَا، فَفِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ عَقْدٌ عَلَى
بَعْضِ مَنَافِعِهَا أَوْلَى انظر المغني (7/7) واجيب عن ذلك قال صاحب مطالب أولي
النهى (5/58) وَأَمَّا الْآيَةُ فَالنَّهْيُ عَنْ الْعَضْلِ عَمَّ الْأَوْلِيَاءَ،
وَنَهْيُهُمْ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِهِمْ؛ إذْ الْعَضَلُ لُغَةً:
الْمَنْعُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَضْلِ الْحِسِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ، «ثُمَّ
الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ حِينَ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِ
أُخْتِهِ اهـ
فقد روى البخاري (5130)
عَنِ الحَسَنِ، {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ
بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ، قَالَ: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ
فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ
لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ
تَخْطُبُهَا، لاَ وَاللَّهِ لاَ تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لاَ بَأْسَ
بِهِ، وَكَانَتِ المَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
هَذِهِ الآيَةَ: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة:
232] فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَزَوَّجَهَا
إِيَّاهُ»
قال ابن حجر في فتح الباري (9/187) وَهِيَ
أَصَرْحُ دَلِيلٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِعَضْلِهِ
مَعْنًى وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا لَمْ
تَحْتَجْ إِلَى أَخِيهَا وَمَنْ كَانَ أَمْرُهُ إِلَيْهِ لَا يُقَال أَن غَيره
مَنعه مِنْهُ وَذكر بن الْمُنْذِرِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِك اهـ
وقال الترمذي في سننه (5/216) وَفِي هَذَا الحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ
وَلِيٍّ لِأَنَّ أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَوْ كَانَ
الأَمْرُ إِلَيْهَا دُونَ وَلِيِّهَا لَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تَحْتَجْ إِلَى
وَلِيِّهَا مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ
الأَوْلِيَاءَ فَقَالَ: {لَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}
فَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ إِلَى الأَوْلِيَاءِ فِي
التَّزْوِيجِ مَعَ رِضَاهُنَّ اهـ
قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام النساء (3/316) وذهب بعض العلماء
إلى أن الثيب تزوج نفسها مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الثَّيِّبُ
أَحَقُّ بِنَفْسِهَا ) ولا يصفو لهم هذا الاستدلال فقول النبي صلى الله
عليه وسلم يفسر بعضه بعضا ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «لاَ
تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى
تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» الحديث ، ومعنى
تُسْتَأْمَر أوضحه الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (9/192) أصل
الاستثمار طَلَبُ الْأَمْرِ فَالْمَعْنَى لَا يَعْقِدُ عَلَيْهَا حَتَّى يَطْلُبَ
الْأَمْرَ مِنْهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ تُسْتَأْمَرُ أَنَّهُ لَا يَعْقِدُ
إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَأْمُرَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ
الْوَلِيِّ فِي حَقِّهَا بَلْ فِيهِ إِشْعَارٌ
بِاشْتِرَاطِه 0 قلت : هذا بالنسبة للثيب وهذا يفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم الأَيِّم
أحق بنفسها إعمالا للأدلة كلها ويقوي ذلك العموم الوارد في قول النبي صلى الله
عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وقول الله عز وجل : (فَلَا
تَعْضُلُوهُنَّ) وواضح من
سبب نزول الآية أنها نزلت في ثيب والله أعلم
--- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ
تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟
قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ» رواه البخاري (5136) ومسلم (1419) قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (12/66)
والفرق بين الاستئذان والاستئمار، أن الاستئذان أن يقال لها مثلاً: خطبك فلان بن فلان،
ويذكر من صفته وأخلاقه وماله، ثم تسكت أو ترفض، وأما الاستئمار فإنها تشاور؛ لأنه من
الائتمار لقوله تعالى: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6] ، وقوله:
{إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} [القصص: 20] فهي تُشاور؛ وذلك لأنها عرفت
النكاح، وزال عنها الحياء، فكان لا بد من استئمارها.
ثم فسَّر الإذن بقوله: «وهو
صمات البكر ونطق الثيب» «صمات البكر» أي: سكوتها، «ونطق الثيب» أي: أن تقول: نعم، رضيت.
وقوله: «صمات البكر» ، ظاهر
كلامه ولو بكت أو ضحكت، أما إذا ضحكت فظاهر أنها راضية، وأما إذا بكت فالفقهاء يقولون:
إن هذا لا يدل على عدم الرضا، بل قد يدل على الرضا، وأنها بكت لفراق أبويها، لما عرفت
أنها إذا تزوجت ستفارقهما، فلا يدل ذلك على الكراهة.
وهذا الذي قالوه له وجهة
نظر، لكن ينبغي أن يقال في البكاء خاصة: إن دلت القرينة على أن البكاء كراهة للزواج
فهو رفض، وإذا لم تدل القرينة على ذلك فلا يدل على الرفض.
وقوله: «وهو صمات البكر ونطق
الثيب» ، فلو عكس الأمر وقالت البكر: نعم أريد أن أتزوج بهذا الرجل، وأنا قابلة به،
والثيب سكتت، فهل يكون ذلك إذناً؟
أما الثيب فلا يكون إذناً؛
لأن النطق أعلى من السكوت، فقولها: رضيت، أعلى من كونها تسكت، وأما البكر فإنه يكون
إذناً؛ لأن كونها تنطق وتقول: رضيت به، أبلغ في الدلالة على الرضا من الصمت.
والعجيب أن ابن حزم ـ رحمه
الله ـ بظاهريته يقول: إنها لو صرحت بالرضا لم يكن إذناً، فلو قالت: رضيت بهذا الرجل
وأنا أريده ولا أريد غيره، يقول: هذا ليس بإذن؛ لأن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ
سئل كيف إذنها، قال: «أن تسكت» ، فمعناه أنها لو جاءت بإذن غير السكوت، لم يكن ذلك
معتبراً شرعاً.
وهذا قولٌ ضعيف، وهو مما
يدل على فساد التمسك بالظاهر بدون مراعاة المعنى؛ لأن الشريعة ظواهرها كلها حق، وكلها
حِكم وأسرار، وليس من الحكمة أن نقول لامرأة: هل ترضين أن تتزوجي بهذا الرجل؟ فتقول:
نعم، رضيت به، ثم نقول لنظيرتها: هل ترضين أن تتزوجي بهذا الرجل؟ فتسكت، ونقول: إن
الثانية راضية، والأولى غير راضية.
فالصواب: أن إذن البكر أدناه
الصمت وأعلاه النطق؛ لكن
النبي صلّى الله عليه وسلّم
جعل الصمت دليلاً على الرضا؛ لأن الغالب في الأبكار الحياء وعدم التصريح بهذا الأمر،
وهذا خاضع لكل زمان ووقت، ففي وقتنا الحالي هن يبحثن عن الزوج قبل أن يخطبن، وإذا قيل
لإحداهن: ترضين بفلان؟ قالت: أرضى به، وهو طيب، وأنا ما أريد إلا هذا، ولا تبالي.
كما يجب أن يسمى الزوج المستأذن
في نكاحه على وجه تقع به المعرفة، فيقال: رجل شاب، كهل، شيخ، صفته كذا وكذا، عمله كذا
وكذا، حالته المادية كذا وكذا، أما أن يقال: نريد أن نزوجك، فقط، فهذا لا يجوز، فربما
أنها تتصور أن هذا الزوج على صفة معينة ويكون الأمر بالعكس اهـ
[ من هم الأولياء ]
قال ابن قدامة في المغني (7/16) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ
بَعْدَ مَنْ ذَكَرْنَا تَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ بِالتَّعْصِيبِ،
فَأَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَحَقُّهُمْ بِالْوِلَايَةِ، فَأَوْلَاهُمْ بَعْدَ
الْآبَاءِ بَنُو الْمَرْأَةِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ
سَفَلُوا، ثُمَّ بَنَوْا أَبِيهَا وَهُمْ الْإِخْوَةُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ
سَفَلُوا، ثُمَّ بَنُو جَدِّهَا وَهُمْ الْأَعْمَامُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ
سَفَلُوا، ثُمَّ بَنُو جَدِّ الْأَبِ وَهُمْ أَعْمَامُ الْأَبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ
وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ بَنُو جَدِّ الْجَدِّ، ثُمَّ بَنُوهُمْ، وَعَلَى هَذَا لَا
يَلِي بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَإِنْ نَزَلَتْ
دَرَجَتُهُمْ، ثم قال لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِي
أَنَّ لِلسُّلْطَانِ وِلَايَةَ تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ
عِنْدَ عَدَمِ أَوْلِيَائِهَا أَوْ عَضْلِهِمْ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» اهـ
[ لا تزوج المرأة نفسها ولا تزوج غيرها ]
وهو مذهب أكثر أهل العلم انظر سبل السلام (992) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا
تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا» رواه
ابن ماجه (1882) حديث
صحيح لغيره وصححه الألباني قال الصنعاني في سبل السلام (2/175) فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا وِلَايَةٌ فِي الْإِنْكَاحِ لِنَفْسِهَا،
وَلَا لِغَيْرِهَا فَلَا عِبْرَةَ لَهَا فِي النِّكَاحِ إيجَابًا، وَلَا قَبُولًا
فَلَا
تُزَوِّجُ نَفْسَهَا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، وَلَا
غَيْرِهِ، وَلَا تُزَوِّجُ غَيْرَهَا بِوِلَايَةٍ وَلَا بِوَكَالَةٍ، وَلَا
تَقْبَلُ النِّكَاحَ بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ،
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى تَزْوِيجِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ نَفْسَهَا
وَابْنَتَهَا الصَّغِيرَةَ، وَتَتَوَكَّلُ عَنْ الْغَيْرِ لَكِنْ لَوْ وَضَعَتْ
نَفْسَهَا عِنْدَ غَيْرِ كُفْءٍ، فَلِأَوْلِيَائِهَا الِاعْتِرَاضُ، وَقَالَ
مَالِكٌ: تُزَوِّجُ الدَّنِيَّةُ نَفْسَهَا دُونَ الشَّرِيفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ،
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِالْحَدِيثِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا
تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] اهـ
وقال ابن حزم في المحلى
(9/55) وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَلِيًّا فِي
النِّكَاحِ، فَإِنْ أَرَادَتْ إنْكَاحَ أَمَتِهَا أَوْ عَبْدِهَا أَمَرَتْ
أَقْرَبَ الرِّجَالِ إلَيْهَا مِنْ عَصَبَتِهَا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي
النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاصِبٌ فَالسُّلْطَانُ يَأْذَنُ لَهَا فِي
النِّكَاحِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْكِحُوا
الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]
.
فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِإِنْكَاحِ الْعَبِيدِ
وَالْإِمَاءِ هُمْ الْمَأْمُورُونَ بِإِنْكَاحِ الْأَيَامَى، لِأَنَّ الْخِطَابَ
وَاحِدٌ، وَنَصَّ الْآيَةِ يُوجِبُ أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ الرِّجَالُ فِي
إنْكَاحِ الْأَيَامَى وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ.
فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ وَلِيًّا فِي
إنْكَاحِ أَحَدٍ أَصْلًا، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا فِي ذَلِكَ وَإِلَّا
فَلَا يَجُوزُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ
طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}
[النساء: 25] اهـ
[ المرأة يزوجها وليّان ]
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ
زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَمَنْ بَاعَ بَيْعًا مِنْ
رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا»: رواه الترمذي (1110)
ضعفه الألباني قلت : بل هو حديث صحيح وقال الترمذي «هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ» وصححه أبو حاتم وأبو زرعة - كما في
"التلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر 3/ 165 – وصححه الحاكم
والذهبي قال ابن حجر في التلخيص وصحته
متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة , فإن رجاله ثقات اهـ قلت الصحيح أن الحسن سمع
من سمرة كما بينت ذلك في بحث صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
قال الترمذي وَالعَمَلُ
عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ
اخْتِلَافًا: إِذَا زَوَّجَ أَحَدُ الوَلِيَّيْنِ
قَبْلَ الآخَرِ فَنِكَاحُ الأَوَّلِ جَائِزٌ، وَنِكَاحُ الآخَرِ مَفْسُوخٌ،
وَإِذَا زَوَّجَا جَمِيعًا فَنِكَاحُهُمَا جَمِيعًا مَفْسُوخٌ، وَهُوَ قَوْلُ
الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ اهـ
قال الصنعاني في سبل السلام (2/180)
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا عَقَدَ
لَهَا وَلِيَّانِ لِرَجُلَيْنِ، وَكَانَ الْعَقْدُ
مُتَرَتِّبًا أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي أَوْ
لَا أَمَّا إذَا دَخَلَ بِهَا عَالِمًا فَإِجْمَاعٌ أَنَّهُ زِنًى، وَأَنَّهَا
لِلْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَ بِهَا جَاهِلًا إلَّا أَنَّهُ لَا حَدَّ
عَلَيْهِ لِلْجَهْلِ فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَطَلًا،
وَكَذَا إذَا عُلِمَ ثُمَّ الْتَبَسَ فَإِنَّهُمَا يَبْطُلَانِ إلَّا أَنَّهَا
إذَا أَقَرَّتْ الزَّوْجَةُ أَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِرِضَاهَا
فَإِنَّ ذَلِكَ يُقَرِّرُ الْعَقْدَ الَّذِي أَقَرَّتْ بِسَبَقِهِ إذْ الْحَقُّ
عَلَيْهَا فَإِقْرَارُهَا صَحِيحٌ، وَكَذَا الدُّخُولُ بِرِضَاهَا فَإِنَّهُ
قَرِينَةُ السَّبَقِ لِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَى السَّلَامَةِ اهـ
[لا يكن الكافر وليا في النكاح]
قال
ابن حزم في المحلى (9/60) وَلَا يَكُونُ الْكَافِرُ
وَلِيًّا لِلْمُسْلِمَةِ، وَلَا الْمُسْلِمُ
وَلِيًّا لِلْكَافِرَةِ، الْأَبُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، وَالْكَافِرُ وَلِيٌّ
لِلْكَافِرَةِ الَّتِي هِيَ وَلِيَّتُهُ يُنْكِحُهَا مِنْ الْمُسْلِمِ
وَالْكَافِرِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
[الأنفال: 73] .
وَهُوَ قَوْلُ مَنْ حَفِظْنَا قَوْلَهُ، إلَّا ابْنَ وَهْبٍ صَاحِبَ
مَالِكٍ قَالَ: إنَّ الْمُسْلِمَ يَكُونُ وَلِيًّا لِابْنَتِهِ الْكَافِرَةِ فِي
إنْكَاحِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ أَوْ مِنْ الْكَافِرِ - وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا
ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال
ابن قدامة في المغني (7/21) فَلَا يَثْبُتُ لِكَافِرٍ وِلَايَةٌ عَلَى
مُسْلِمَةٍ. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ
الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَامَّةُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى
هَذَا اهـ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، وَقَدْ زَوَّجَ ابْنُ سَعِيدِ
بْنِ الْعَاصِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ
أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبُو سُفْيَانَ حَيٌّ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَةً وَابْنُ
سَعِيدٍ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِي سُفْيَانَ فِيهَا وِلَايَةٌ، لِأَنَّ
اللهَ تَعَالَى قَطَعَ الْوِلَايَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ ثم ذكر
البيهقي رحمه الله عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، أَنَّهَا
كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، انظر السنن الكبرى للبيهقي (7/225) قلت : هذا الحديث صحيح رواه
أبو داود (2107) وقال الألباني في صحيح أبي داود (1835)
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي،
وصححه ابن الجارود اهـ
--- قال ابن قدامة في المغني (7\27)
إذَا تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيَّةً، فَوَلِيُّهَا الْكَافِرُ يُزَوِّجُهَا إيَّاهُ.
ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ
وَلِيُّهَا، فَصَحَّ تَزْوِيجُهُ لَهَا، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا كَافِرًا، وَلِأَنَّ
هَذِهِ امْرَأَةٌ لَهَا وَلِيَّ مُنَاسِبٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَلِيَهَا غَيْرُهُ،
كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا ذِمِّيٌّ وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا الْحَاكِمُ؛
لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا يَعْقِدُ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ عُقْدَةَ نِكَاحٍ
لِمُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمَةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إلَى شَهَادَةِ
مُسْلِمَيْنِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِوِلَايَةِ كَافِرٍ، كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأُوَلُ
أَصَحُّ، وَالشُّهُودُ يُرَادُونَ لِإِثْبَاتِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، بِخِلَافِ
الْوِلَايَةِ اهـ
--- أعلم أن زوج الأم لا يكون وليا لابنتها رغم أنها ربيبته في حجره
لأنه ليس من أوليائها ، لكن إن وكله الولي صحت الوكالة ، وصح العقد 0
يحدث في بعض العائلات أن يكون فيهم كبير العائلة وقد لا يستحق
الولاية شرعا لبعض بنات العائلة لأنه ليس من عصباتها ، وهم يحبون أن يتولى هو
العقد بنفسه لمكانته بينهم ، فلا مانع من أن يوكله الولي بذلك ليتولى هو عقد
النكاح ، كما أن لمأذون الأنكحة أن يوكل من يتولى عقد النكاح ، إذا كانت المرأة لا
ولي لها 0
إذا غاب الولي الأقرب ولا يمكن الرجوع إليه ، انتقلت الولاية إلى من
بعده ، فإن لم يكن فالسلطان ولي من لا ولي له 0 قلت : ويجب أن يراعى أننا في هذا
الزمان يمكننا إعلام الولي الغائب عن طريق الهاتف ، بل يمكننا أن يتم العقد الشرعي
منه خلال هذه الأجهزة إذا تيقنا أنه هو الولي حقيقة ، والأولى أن يوكل غيره إذا
تعذر حضوره ، أو كان غيابه سيستمر فترة تطول أو نحو ذلك 0 فالأمر يحتاج إلى نظر
ومشورة انظر تمام المنة (3/36)
الشرط الثالث : الإشهاد أو الإعلان
:
تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة
أقوال ؟
القول الأول : قالوا : لا نكاح إلا
بشاهدي عدل والإعلان مستحب وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ورواية عن أحمد انظر مجموع
الفتاوى (32/127) وحجتهم : عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاحَ
إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ رواه
الدارقطني في السنن (3533) حديث
صحيح بطرقه وشواهده وصححه ابن حزم وقال
الشوكاني في السيل (1/363) أقول: في الباب أحاديث يقوى بعضها بعضا اهـ وصححه
الألباني في إرواء الغليل (1858) وقال شعيب
الأرناؤوط: هذه الطرق والشواهد يشبه بعضها بعضا، فيصلح الحديث للاستشهاد
القول الثاني : قالوا : أن إشهاد عدلين ليس شرطا في صحة النكاح ويجوز
النكاح بغير إشهاد ، وحجتهم ضعف زيادة 00 وشاهدي عدل كما في الحديث المتقدم ولكن قالوا الإعلان شرط وهذا مذهب مالك ورواية
عن أحمد وشيخ الإسلام وغيرهم انظر الفقه الميسر لأختنا أم تميم (2/3) وصحيح فقه
السنة (3/150) ورجحه ابن عثيمين وحجتهم : 1 -
لأن المأمور به هو الإعلان، فعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،
عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَعْلِنُوا
النِّكَاحَ رواه أحمد (16130) حديث حسن لغيره وحسنه
الألباني في صحيح الجامع (1072)
والمقصود من النكاح: الإظهار والإعلان ليتميز من السر الذي هو الزنا، وهذا أعمُّ
من الإشهاد فإذا تحقق الإعلان فليس ثم حاجة إلى الإشهاد، فإن تعذَّر الإعلان -على
هذا النحو الواسع- كان الإشهاد واجبًا لأنه القدر الممكن من الإعلان.
2 - ولأن المسلمين ما زالوا يزوِّجون
النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم
يأمرهم بالإشهاد، وليس في اشتراط الشهادة في النكاح حديث ثابت، ولا في الصحاح، ولا
في السنن ولا في المسانيد.
القول الثالث : يَجِبُ
الْأَمْرَانِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ
أَحْمَد انظر مجموع الفتاوى (32/127)
القول الرابع : يَجِبُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ
عَنْ أَحْمَد انظر مجموع الفتاوى وهو مذهب ابن حزم وهو الراجح
قال ابن حزم في المحلى
(9/48) وَلَا يَتِمُّ النِّكَاحُ إلَّا
بِإِشْهَادِ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ بِإِعْلَانٍ عَامٍّ، فَإِنْ اسْتَكْتَمَ
الشَّاهِدَانِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ شَيْئًا 000 وقَالَ قَوْمٌ: إذَا اُسْتُكْتِمَ
الشَّاهِدَانِ فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ، وَهُوَ بَاطِلٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا
- أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ نَهْيٌ عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ
عَدْلَانِ.
وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَيْسَ سِرًّا مَا عَلِمَهُ خَمْسَةٌ:
النَّاكِحُ، وَالْمُنْكِحُ، وَالْمُنْكَحَةُ، وَالشَّاهِدَانِ - قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَا كُلُّ سِرٍّ جَاوَزَ اثْنَيْنِ شَائِعٌ
وَقَالَ غَيْرُهُ:السِّرُّ يَكْتُمُهُ الِاثْنَانِ بَيْنَهُمَا ...
وَكُلُّ سِرٍّ عَدَا الِاثْنَيْنِ مُنْتَشِرُ
وَمَنْ أَبَاحَ النِّكَاحَ الَّذِي يُسْتَكْتَمُ فِيهِ
الشَّاهِدَانِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ؛
وَأَصْحَابُهُمْ اهـ
---
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/130) فَاَلَّذِي
لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ مَعَ الْإِعْلَانِ
يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَانِ. 000
وَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِشْهَادُ وَالْإِعْلَانُ. فَهَذَا الَّذِي لَا نِزَاعَ فِي
صِحَّتِهِ. وَإِنْ خَلَا عَنْ الْإِشْهَادِ وَالْإِعْلَانِ: فَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ
الْعَامَّةِ فَإِنْ قُدِّرَ فِيهِ خِلَافٌ اهـ
-- قال الترمذي : (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ شَهَادَةُ رَجُلٍ
وَامْرَأَتَيْنِ تَجُوزُ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قال
المباركفوري في تحفة الأحوذي (4/199)
وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ
النِّكَاحُ إِلَّا بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ وَقَالَ بِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ
بِالشُّهُودِ وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي
بَابِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ
وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ دُونَ الشَّهَادَةِ
وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ
لَا شَهَادَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ
ولَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّهُ (لَا)
وِلَايَةَ بِدُونِهِمَا
ولَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ
الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ولَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ حَتَّى
يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَلَا
تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ الْفَاسِقِينَ عِنْدَنَا
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ
أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ
الْإِهَانَةِ ولَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ
الشَّهَادَةِ وهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحْرَمْ الْوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ
لِإِسْلَامِهِ لَا يُحْرَمُ (الشَّهَادَةَ) عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ
جِنْسِهِ انْتَهَى
قُلْتُ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي
شُهُودِ النِّكَاحِ بِتَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَالَةِ فِي حَدِيثِ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ مِنَ اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ فِي شُهُودِ النِّكَاحِ لِتَقْيِيدِ
الشَّهَادَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حديث عمران بن حصين وعائشة وبن عَبَّاسٍ – أي
حديث «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»
- انْتَهَى
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي شُهُودِ
النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إِلَّا
بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَإِنَّ لَفْظَ الشَّاهِدَيْنِ يَقَعُ عَلَى
الذَّكَرَيْنِ
وأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا بِأَنْ لَا فَرْقَ فِي بَابِ
الشَّهَادَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهَذَا اللَّفْظُ (يَقَعُ) عَلَى
مُطْلَقِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ وَصْفِ الذُّكُورَةِ
وَالْأُنُوثَةِ
قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ قلت : بل قول الحنفية هو الراجح
قال ابن حزم في المحلى (9/49)
فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ النِّكَاحَ بِالْإِعْلَانِ
الْفَاشِي، وَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ، وَبِشَهَادَةِ أَرْبَعِ
نِسْوَةٍ عُدُولٍ؟ قُلْنَا: أَمَّا الْإِعْلَانُ: فَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَدَقَ فِي
خَبَرٍ فَهُوَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ عَدْلٌ صَادِقٌ بِلَا شَكٍّ، فَإِذَا أُعْلِنَ
النِّكَاحُ، فَالْمُعْلِنَانِ لَهُ بِهِ بِلَا شَكٍّ صَادِقَانِ عَدْلَانِ فِيهِ
فَصَاعِدًا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ فِيهِمَا شَاهِدَا عَدْلٍ بِلَا
شَكٍّ، لِأَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا أُخْبِرَ عَنْهُمَا غَلَبَ
التَّذْكِيرُ.
وَأَمَّا الْأَرْبَعُ النِّسْوَةِ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ بِنِصْفِ شَهَادَةِ
الرَّجُلِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الشَّهَادَاتِ
".وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
--- هل رضا المنكوحة واجب أم مستحب
0
قد فصل العلماء إذن المرأة باعتبار
حالها إلى ثلاث حالات :
(1) البكر الصغيرة التي لم تبلغ :
لحديث أن أبا بكر الصديق زوج ابنته
عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهِيَ
بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ
تِسْعٍ، رواه البخاري (5158) ومسلم (1422)
قال النووي في شرح مسلم (9/206) هَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِ الْأَبِ
الصغيرة بغير اذنها لِأَنَّهُ لَا إِذْنَ لَهَا وَالْجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَنَا
وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي بَسْطُ الِاخْتِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ
الْوَلِيِّ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ
تزويجه بنته الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ اهـ وقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ
نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ نِكَاحَ
الْأَبِ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ جَائِزٌ،
إذَا زَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ انظر المغني (7/40)
(2) البكر البالغ :
لا يجوز للأب ولا لغيره من الأولياء تزوجها بغير استئذانها وهو مذهب
أكثر أهل العلم والدليل : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ
فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا»؟ قَالَ: نَعَم رواه مسلم (1421)
قال ابن القيم في زاد المعاد (5/88) وَمُوجِبُ هَذَا الْحُكْمِ أَنَّهُ لَا تُجْبَرُ
الْبِكْرُ الْبَالِغُ عَلَى النِّكَاحِ، وَلَا
تُزَوَّجُ إِلَّا بِرِضَاهَا، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَمَذْهَبُ أبي
حنيفة، وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي نَدِينُ
اللَّهَ بِهِ، وَلَا نَعْتَقِدُ سِوَاهُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحُكْمِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَقَوَاعِدِ
شَرِيعَتِهِ، وَمَصَالِحِ أُمَّتِهِ اهـ
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ «أَنَّ
أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رواه أبو داود (2096)
حديث صحيح قال الألباني في صحيح أبي داود (1827) (قلت: حديث صحيح، وكذلك قال ابن القطان، وقوّاه
ابن القيم والعسقلاني اهـ
ففى هذا الحديث حجة لمن لم ير نكاح الأب ابنته البكر جائزاً إلا
يإذنها. وفيه أيضاً حجة لمن رأى عقد النكاح يثبت مع الخيار
فائدة : سئلت اللجنة الدائمة (18/130) ما هو حكم الشرع في أمر زواج
البنت من حيث أخذ رأيها في الزوج المتقدم لها، وهل إذا رفضت هل ذلك يعتبر عصيانا
لوالدها؟ ج: لا بد من أخذ موافقة المرأة
على تزويجها بمن ترغب من الأشخاص، سواء كانت بكرا أو ثيبا، وإذا امتنعت من الزواج
ببعض الأشخاص لا يكون ذلك عقوقا لوالدها، لأن ذلك حق لها. وبالله التوفيق، وصلى
الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(3) الثيب البالغ :
عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ
الأَنْصَارِيَّةِ، أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا
وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَرَدَّ نِكَاحَهُ»
رواه البخاري (5138)
قال ابن حجر في فتح الباري (9/194) وَرَدُّ
النِّكَاحِ إِذَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَزُوِّجَتْ بِغَيْرِ
رِضَاهَا إِجْمَاعٌ إِلَّا مَا نُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَجَازَ إِجْبَارَ
الْأَبِ لِلثَّيِّبِ وَلَوْ كَرِهَتْ اهـ
قال في المغني (7/43) فَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَلَا لِغَيْرِهِ
تَزْوِيجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا
الْحَسَنَ قَالَ: لَهُ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ كَرِهَتْ00 قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ
إِسْحَاقَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِي الْبِنْتِ. بِقَوْلِ الْحَسَنِ، وَهُوَ
قَوْلٌ شَاذٌّ، خَالَفَ فِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ،
00وَلِأَنَّهَا رَشِيدَةٌ عَالِمَةٌ بِالْمَقْصُودِ مِنْ النِّكَاحِ مُخْتَبَرَةٌ،
فَلَمْ يَجُزْ إجْبَارُهَا عَلَيْهِ، كَالرَّجُلِ اهـ
قال
ابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/39) الْمَرْأَةُ لَا
يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَرِهَتْ ذَلِكَ لَمْ تُجْبَرْ عَلَى
النِّكَاحِ؛ إلَّا الصَّغِيرَةُ الْبِكْرُ فَإِنَّ أَبَاهَا يُزَوِّجُهَا وَلَا
إذْنَ لَهَا. وَأَمَّا الْبَالِغُ الثَّيِّبُ فَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ
إذْنِهَا
لَا لِلْأَبِ وَلَا لِغَيْرِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ
وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ الْبَالِغُ لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُهَا
بِدُونِ إذْنِهَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. فَأَمَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ
فَيَنْبَغِي لَهُمَا اسْتِئْذَانُهَا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِئْذَانِهَا:
هَلْ هُوَ وَاجِبٌ؟ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ. وَيَجِبُ
عَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ فِيمَنْ يُزَوِّجُهَا بِهِ
وَيَنْظُرَ فِي الزَّوْجِ: هَلْ هُوَ كُفُؤٌ أَوْ غَيْرُ كُفُؤٍ؟ فَإِنَّهُ
إنَّمَا يُزَوِّجُهَا لِمَصْلَحَتِهَا؛ لَا لِمَصْلَحَتِهِ؛ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يُزَوِّجَهَا بِزَوْجِ نَاقِصٍ؛ لِغَرَضِ لَهُ: مِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ
مُوَلِّيَةَ ذَلِكَ الزَّوْجِ بَدَلَهَا فَيَكُونُ مِنْ جِنْسِ الشِّغَارِ الَّذِي
نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يُزَوِّجَهَا
بِأَقْوَامِ يُحَالِفُهُمْ عَلَى أَغْرَاضٍ لَهُ فَاسِدَةٍ. أَوْ يُزَوِّجَهَا
لِرَجُلِ لِمَالِ يَبْذُلُهُ لَهُ وَقَدْ خَطَبَهَا مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لَهَا مِنْ
ذَلِكَ الزَّوْجِ فَيُقَدِّمُ الْخَاطِبُ الَّذِي بَرْطَلَهُ عَلَى الْخَاطِبِ
الْكُفُؤِ الَّذِي لَمْ وَالْآمِدِيَّ. وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَ
الْوَلِيِّ فِي بُضْعِ وَلِيَّتِهِ كَتَصَرُّفِهِ فِي مَالِهَا فَكَمَا لَا
يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهَا إلَّا بِمَا هُوَ أَصْلَحُ كَذَلِكَ لَا يَتَصَرَّفُ فِي
بُضْعِهَا إلَّا بِمَا هُوَ أَصْلَحُ لَهَا؛ إلَّا أَنَّ الْأَبَ لَهُ مِنْ
التَّبَسُّطِ فِي مَالِ وَلَدِهِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك} بِخِلَافِ غَيْرِ
الْأَبِ اهـ
--- قال ابن قدامة في المغني (7/46)
وَالثَّيِّبُ الْمُعْتَبَرُ نُطْقُهَا،، هِيَ الْمَوْطُوءَةُ فِي الْقُبُلِ، سَوَاءٌ
كَانَ الْوَطْءُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ 000 وَإِنْ
ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا بِغَيْرِ جِمَاعٍ، كَالْوَثْبَةِ، أَوْ شِدَّةِ حَيْضَةٍ، أَوْ
بِإِصْبَعٍ أَوْ عُودٍ وَنَحْوِهِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ اهـ
قال ابن حجر وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَةَ الثَّيِّبَ لَا إِجْبَارَ عَلَيْهَا لِعُمُومِ كَوْنِهَا
أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَعَلَى أَنَّ مَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَطْءٍ
وَلَوْ كَانَ زِنًا لَا إِجْبَارَ عَلَيْهَا لِأَبٍ وَلَا غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ
الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ كَالْبِكْرِ وَخَالَفَهُ
حَتَّى صَاحِبَاهُ انظر فتح الباري (9/193)
[ إذا اختلفت المرأة مع الزوج في
الإذن في التزويج ]
قال في المغني (7/47)
إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ
فِي إذْنِهَا لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَالْقَوْلُ
قَوْلُهَا، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ فِي الثَّيِّبِ
كَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِي الْبِكْرِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ السُّكُوتُ، وَالْكَلَامُ حَادِثٌ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي الْأَصْلَ،
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَلَنَا، أَنَّهَا مُنْكِرَةٌ الْإِذْنَ، وَالْقَوْلُ
قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهَا اُسْتُؤْذِنَتْ وَسَمِعَتْ فَصَمَتَتْ،
وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ، وَهَذَا جَوَابٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الْأَصْلَ
مَعَهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَقَالَ الْقَاضِي: الْقَوْلُ
قَوْلُ الزَّوْجِ؛ وَلِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ الْوَطْءِ دَلِيلٌ عَلَى الْإِذْنِ
وَصِحَّةِ النِّكَاحِ، فَكَانَ الظَّاهِرُ مَعَهُ اهـ
[خُطبة النكاح]
تنازع العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : قالوا بوجوب الخطبة عند العقد وهو مذهب الظاهرية وأبو
عوانة انظر فتح الباري (9/216) وحجتهم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي خُطْبَةِ
الْحَاجَةِ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، قَالَ: "
عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ
الْحَاجَةِ أَنِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا،
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا
هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا {اتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] رواه أبو داود (2118)
حديث صحيح قال الألباني في صحيح أبي داود (1844) (قلت: حديث صحيح، وصححه القرطبي، وقال الترمذي:
"حديث حسن اهـ
القول الثاني : أن النكاح جائز
بغير خطبة قال ابن حجر في فتح الباري (9/216) تحت حديث سهيل قَالَتِ امْرَأَةٌ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي فَقَالَ
رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا
إلى اخر الحديث قال وَفِيهِ أَنَّهُ لَا
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ تَقَدُّمُ الْخِطْبَةِ
إِذْ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وُقُوعَ حَمْدٍ وَلَا
تَشَهُّدٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ اهـ
[ الكفاءة في النكاح ]
قال
الصنعاني في سبل السلام (2/188) الْكَفَاءَةُ:
الْمُسَاوَاةُ وَالْمُمَاثَلَةُ، وَالْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ مُعْتَبَرَةٌ فَلَا
يَحِلُّ تَزَوُّجُ مُسْلِمَةٍ بِكَافِرٍ إجْمَاعًا.000
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُعْتَبَرِ مِنْ الْكَفَاءَةِ
اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَاَلَّذِي يَقْوَى هُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ زَيْدُ بْنُ
عَلِيٍّ وَمَالِكٌ، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ سِيرِينَ
وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ النَّاصِرِ أَنَّ
الْمُعْتَبَرَ الدِّينُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَلِحَدِيثِ «النَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَدُ آدَمَ،
وَتَمَامُهُ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ " كُلُّهُمْ – حديث حسن بشواهده وحسنه
الألباني في الصحيحة (1009) -00وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى
نُصْرَةِ هَذَا الْقَوْلِ حَيْثُ قَالَ: بَابُ الْأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ وقَوْله
تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} [الفرقان: 54] الْآيَةَ
فَاسْتَنْبَطَ مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ بَنِي آدَمَ ثُمَّ
أَرْدَفَهُ بِإِنْكَاحِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ سَالِمٍ بِابْنَةِ أَخِيهِ هِنْدَ
بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَسَالِمٌ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ
مِنْ الْأَنْصَارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ «فَعَلَيْك بِذَاتِ الدِّينِ» ،
وَقَدْ خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ
مَكَّةَ فَقَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ بِضَمِّ
الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَكَبُّرَهَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ
شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ، - حسنه الألباني - وَقَالَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ
النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ» فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الِالْتِفَاتَ إلَى الْأَنْسَابِ مِنْ عُبِّيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَكَبُّرِهَا
فَكَيْفَ يَعْتَبِرُهَا الْمُؤْمِنُ، وَيَبْنِي عَلَيْهَا حُكْمًا شَرْعِيًّا،
وَفِي الْحَدِيثِ «أَرْبَعٌ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُهَا
النَّاسُ. ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهَا الْفَخْرَ بِالْأَنْسَابِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ
جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ كَثِيرٌ فِي
ذَمِّ الِالْتِفَاتِ إلَى التَّرَفُّعِ بِهَا، وَقَدْ «أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي بَيَاضَةَ بِإِنْكَاحِ أَبِي هِنْدٍ الْحَجَّامِ،
وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ امْرُؤٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» - قال الألباني في صحيح أبي
داود (1832)(قلت: إسناده حسن، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي)
- فَنَبَّهَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُقْتَضِي لِمُسَاوَاتِهِمْ، وَهُوَ
الِاتِّفَاقُ فِي وَصْفِ الْإِسْلَامِ، وَلِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
عَجَائِبُ لَا تَدُورُ عَلَى دَلِيلٍ غَيْرِ الْكِبْرِيَاءِ وَالتَّرَفُّعِ، وَلَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَمْ حُرِمَتْ الْمُؤْمِنَاتُ النِّكَاحَ لِكِبْرِيَاءِ
الْأَوْلِيَاءِ اهـ
قال ان حجر في فتح الباري (9/132)
وَقَدْ جَزَمَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ مُخْتَصٌّ بِالدِّينِ
مَالِكٌ وَنُقِلَ عَن بن عمر وبن مَسْعُودٍ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ سِيرِينَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاعْتَبَرَ الْكَفَاءَةَ فِي
النَّسَبِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قُرَيْشٌ أَكْفَاءُ بَعْضِهِمْ
بَعْضًا وَالْعَرَبُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ كُفْأً لِقُرَيْشٍ
كَمَا لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ كُفْأً لِلْعَرَبِ وَهُوَ وَجْهٌ
لِلشَّافِعِيَّةِ وَالصَّحِيحُ تَقْدِيمُ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ عَلَى
غَيْرِهِمْ وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ أَكْفَاءُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَقَالَ
الثَّوْرِيُّ إِذَا نَكَحَ الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّةَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَبِهِ
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَتَوَسَّطَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَيْسَ نِكَاحُ
غَيْرِ الْأَكْفَاءِ حَرَامًا فَأَرُدُّ بِهِ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا هُوَ
تَقْصِيرٌ بِالْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ فَإِذَا رَضُوا صَحَّ وَيَكُونُ حَقًّا
لَهُمْ تَرَكُوهُ فَلَوْ رَضُوا إِلَّا وَاحِدًا فَلَهُ فَسْخُهُ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي
النِّكَاحِ كَيْلَا تُضَيِّعَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فِي غَيْرِ كُفْءٍ انْتَهَى
وَلَمْ يَثْبُتْ فِي اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ بِالنَّسَبِ حَدِيثٌ اهـ
قال ابن القيم في زاد
المعاد (5/145) فَالَّذِي يَقْتَضِيهِ حُكْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اعْتِبَارُ الدِّينِ فِي الْكَفَاءَةِ أَصْلًا وَكَمَالًا، فَلَا تُزَوَّجُ مُسْلِمَةٌ
بِكَافِرٍ، وَلَا عَفِيفَةٌ بِفَاجِرٍ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ
فِي الْكَفَاءَةِ أَمْرًا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ حَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ نِكَاحَ
الزَّانِي الْخَبِيثِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ نَسَبًا وَلَا صِنَاعَةً وَلَا غِنًى وَلَا
حُرِّيَّةً، فَجَوَّزَ لِلْعَبْدِ الْقِنِّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ النَّسِيبَةِ الْغَنِيَّةِ،
إِذَا كَانَ عَفِيفًا مُسْلِمًا، وَجَوَّزَ لِغَيْرِ الْقُرَشِيِّينَ نِكَاحَ الْقُرَشِيَّاتِ،
وَلِغَيْرِ الْهَاشِمِيِّينَ نِكَاحَ الْهَاشِمِيَّاتِ، وَلِلْفُقَرَاءِ نِكَاحَ الْمُوسِرَاتِ
اهـ
[كِتَابُ الصَّدَاقِ]
ِ الصَّدَاقُ: معناه : هو ما تعطاه الزوجة من مال ومنفعة بسبب النكاح
وفي سبل السلام (2/216) وَلَهُ ثَمَانِيَةُ أَسْمَاءٍ يَجْمَعُهَا قَوْلُهُ:صَدَاقٌ
وَمَهْرٌ نِحْلَةً وَفَرِيضَةً ...
حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عُقْرُ عَلَائِقُ اهـ
الْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ
وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا
وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ
مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ
نِحْلَةً} [النساء: 4] . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي عَنْ طِيبِ نَفْسٍ،
بِالْفَرِيضَةِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ: النِّحْلَةُ: الْهِبَةُ،
وَالصَّدَاقُ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ
يَسْتَمْتِعُ بِصَاحِبِهِ، وَجَعَلَ الصَّدَاقَ لِلْمَرْأَةِ، فَكَأَنَّهُ
عَطِيَّةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَقِيلَ: نِحْلَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلنِّسَاءِ. وَقَالَ
تَعَالَى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24] .
وَأَمَّا السُّنَّةُ؛ فَرَوَى
أَنَسٌ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى
عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَدْعَ زَعْفَرَانَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَهْيَمْ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
تَزَوَّجْت امْرَأَةً. فَقَالَ: مَا أَصْدَقْتهَا؟ . قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ
ذَهَبٍ. فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَك، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةِ» . وَعَنْهُ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَ
صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَأَجْمَعَ
الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّدَاقِ فِي
النِّكَاحِ انظر المغني (7/209)
قال ابن المنذر في الإجماع (78)
وأجمعوا أن للمرأة أن تمنع من دخول
الزوج عليها حتى يعطيها مهرها اهـ
[ حكم الزواج بغير صداق ]
تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : ذهب بعض الحنفية
وشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الصداق شرط في صحة عقد النكاح ، فإن لم يسم صداقا
فالنكاح باطل انظر مجموع الفتاوى (32/132) ودليلهم قوله تعالى : [وَأُحِلَّ
لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا
بِأَمْوَالِكُمْ] سورة
النساء (24) قال صاحب بدائع الصنائع (2/274) أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
أَنَّهُ أُحِلَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ بِشَرْطِ
الِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ دَلَّ أَنَّهُ لَا جَوَازَ
لِلنِّكَاحِ بِدُونِ الْمَالِ اهـ
القول الثاني : ذهب جمهور أهل
العلم إلى أن الصداق واجب وهذا مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية وغيرهم وهو
الراجح والدليل 1- قوله تعالى: [(لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ
فَرِيضَةً)] سورة البقرة (236) فموضع الدليل من هذه
الآية : أن الله تعالى قد أثبت النكاح مع ترك الصداق وجوز فيه الطلاق والطلاق يكون
من نكاح صحيح ، والله تعالى أعلم
قال ابن قدامة في المغني (7/237) أَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مِنْ
غَيْرِ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ دَلَّ
عَلَى هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ
أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] وَمَتِّعُوهُنَّ وَرُوِيَ
«أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَفْرِضْ
لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ،
وَلَهَا الْمِيرَاثُ. فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ، فَقَالَ:
قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرْوَعَ بِنْتِ
وَاشِقٍ، امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ مَا قَضَيْت» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،- صحيح سيأتي تخريجه - وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النِّكَاحِ
الْوَصْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ دُونَ الصَّدَاقِ فَصَحَّ مِنْ غَيْرِهِ ذِكْرُهُ
كَالنَّفَقَةِ اهـ
--- هذا وينبغي أن يكون الصداق
للمرأة تأخذه لنفسها وليس للأولياء فيه شيء ، وذلك للآيات المتقدمة ، فإذا أعطتهم
شيئا عن طيب نفس منها فلها ذلك وإذا احتج محتج بقول الله تعالى حكاية عن الشيخ
القائل : {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ
هَاتَيْن عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ}سورة
القصص من 27 على أن
الصداق للولي أجيب عنه بأجوبة ، أولها : إن هذا شرع من قبلنا وقد جاء من شرعنا ما
يفيد أن الصداق للمرأة 0
ثانيها : أن هذا القول لا يمنع من
أن يكون هناك عائد على زوجة موسى من جراء خدمة موسى – عليه السلام – لأبيها 0
الثالث : لا يمتنع أن يكون الشيخ
الصالح تراضى مع ابنته على هذا الأمر والله تعالى أعلم انظر أحكام النساء
[ يستحب تعجيل تسليم المهر ويجوز
تأخيره عند التعذر ]
أما استحباب تعجيل تسليم المهر
قوله تعالى : [وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ
تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ]
وحديث «فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»
متفق عليه وأما الدليل على أنه يجوز
تأخيره قوله تعالى : (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا
لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً)
فهذه الآية تفيد جواز تأخير الصداق لما بعد العقد 0
قال ابن قدامة في المغني (7/222)
وَيَجُوز أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ
مُعَجَّلًا، وَمُؤَجَّلًا، وَبَعْضُهُ مُعَجَّلًا
وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي مُعَاوَضَةٍ، فَجَازَ ذَلِكَ فِيهِ
كَالثَّمَنِ اهـ
سئل ابن باز في في مجموع فتاوى
(21/89)
هل يجب أن يقبض صداق المرأة
عند تسميته أو عند العقد، أم يكتفي بتسميته، ويجوز تأجيله إلى وقت لاحق بعد الزواج؟
جزاكم الله خيرا
ج: هذه المسألة ترجع إلى اتفاق الزوجين، أو الزوج وولي
المرأة، إذا اتفقا على شيء فلا بأس به، من تعجيل أو تأجيل، كل ذلك واسع والحمد
لله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم » ، وقوله صلى الله عليه
وسلم: «إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج » .
فإذا اتفقا على أن المهر يقدم أو يؤخر، أو يقدم بعضه ويؤخر بعضه فكل
ذلك لا بأس به،لكن السنة أن يسمي شيئا عند العقد؛ لقوله سبحانه وتعالى: {أَنْ
تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} فيسمي شيئا من المهر، فإن سمى شيئا فهو حسن، وإن قال:
على مهر مؤجل، وهو معلوم بينهما فلا بأس، أو مؤجل نصفه أو ثلثه أو ربعه، ويبين
المعجل والمؤجل فلا بأس، كل ذلك واسع، والحمد لله اهـ
[ لا حد لأكثر المهر ولا لأقلة ]
أما بالنسبة لأكثره قال ابن قدامة في المغني (7/211) وَأَمَّا أَكْثَرُ
الصَّدَاقِ، فَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ، بِإِجْمَاعِ أَهْلِ
الْعِلْمِ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ اهـ
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/195)
وَمَنْ كَانَ لَهُ يَسَارٌ وَوَجَدَ فَأَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ
امْرَأَتَهُ صَدَاقًا كَثِيرًا
فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ
إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}
. أَمَّا مَنْ يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِصَدَاقِ لَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ أَوْ
يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ: فَهَذَا مَكْرُوهٌ. كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ مَنْ
جَعَلَ فِي ذِمَّتِهِ صَدَاقًا
كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ لَهُ: فَهَذَا لَيْسَ بِمَسْنُونِ. وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ اهـ
وأما بالنسبة لأقله فقد تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال 0
القول الأول : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّهُ مَا يُقْطَعُ بِهِ
السَّارِقُ انظر المغني وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ 1- بِمَا رُوِيَ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «لَا مَهْرَ
أَقَلُّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ» رواه البيهقي في الصغير (2544)
قال الألباني في إرواء الغليل (6/265) قال البيهقي حديث ضعيف بمرة وقال ابن القطان
فى " كتابه " ـ عقب قول أحمد المتقدم: " أحاديثه موضوعة كذب "
ـ: " قال الألباني وهو كما قال اهـ
2- وَلِأَنَّهُ يُسْتَبَاحُ بِهِ عُضْوٌ، فَكَانَ مُقَدَّرًا
كَاَلَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ قال ابن قدامة في المغني (7/210)
وَقِيَاسُهُمْ لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ اسْتِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ
بِالْجُمْلَةِ، وَالْقَطْعُ إتْلَافُ عُضْوٍ دُونَ اسْتِبَاحَتِهِ، وَهُوَ
عُقُوبَةٌ وَحَدٌّ، وَهَذَا عِوَضٌ، فَقِيَاسُهُ عَلَى الْأَعْوَاضِ أَوْلَى اهـ قلت :
حتى ولو صح هذا القياس فهو مخالف للنص كما سيأتي
القول الثاني : وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَقَلُّهُ خَمْسُونَ
دِرْهَمًا وَقَالَ النَّخَعِيّ: أَرْبَعُونَ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: خَمْسَةُ
دَرَاهِمَ وَقَالَ مَالِكٌ: رُبْعُ دِينَارٍ،قال الشوكاني في نيل الأوطار (6/199)
وَلَيْسَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَقْوَالِ دَلِيلٌ اهـ
القول الثالث : أَنَّ الصَّدَاقَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، لَا أَقَلُّهُ
وَلَا أَكْثَرُهُ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ مَالًا جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا.
وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَابْنُ أَبِي
لَيْلَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ،
وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُد وَزَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ
ابْنَتَهُ بِدِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ: لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا لَحَلَّتْ انظر
المغني (7/210) والدليل : 1-قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِلَّذِي زَوَّجَهُ: «هَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ تَصَدَّقَهَا؟ قَالَ:
لَا أَجِدُ. قَالَ: الْتَمِسْ، وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» متفق عليه
2- عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، قال : «كُنَّا
نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ، الْأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه مسلم
(1405)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي
نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ صَارَ مَنْسُوخًا، فَإِنَّمَا فُسِخَ
مِنْهُ شَرْطُ الْأَجَلِ، فَأَمَّا مَا يَجْعَلُونَهُ صَدَاقًا فَإِنَّهُ لَمْ
يَرِدْ فِيهِ نَسْخٌ انظر نيل الأوطار (6/ 197)
3- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ
الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ»رواه أبو
داود (2117) والحاكم (2/182) واللفظ له حديث
صحيح على شرط مسلم وصححه الحاكم والذهبي والألباني وقال : هو على شرط مسلم 0
4- قَالَ عُمَرُ بْنُ
الخَطَّابِ: أَلَا لَا
تُغَالُوا صَدُقَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ
مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ
بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَا عَلِمْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ
وَلَا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ
أُوقِيَّةً» رواه الترمذي (1114) وصححه
الألباني قال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالأُوقِيَّةُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا
وَثِنْتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً أَرْبَعُ مِائَةٍ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا اهـ
5- وَلِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا
وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] . يَدْخُلُ فِيهِ
الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ. وَلِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَتِهَا، فَجَازَ مَا
تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ، كَالْعَشَرَةِ وَكَالْأُجْرَةِ.
فائدة : عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ
عَلَى نَعْلَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ
وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجَازَهُ
رواه الترمذي (1113) وقال :
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قلت : بل هو حديث ضعيف فيه عَاصِم بْن عُبَيْد اللَّه ضعفه
يحي بن معين وأحمد والنسائي وقال أبو زرعة وأبو حاتم: منكر الحديث انظر ميزان
الاعتدال وقال ابن حجر في التقريب ضعيف 0 وضعفه الألباني
--- قال ابن عثيمين في
الشرح الممتع (12/277) قوله: «وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صحت التسمية» ، كرجل تزوج امرأة
على ألفين، ألف لها وألف لأبيها، وامرأة أخرى وليها أخوها، تزوجها رجل على ألف لها،
وألف لأخيها. في المسألة الأولى: تصح التسمية كما سمى، فيكون ألف لها وألف لأبيها.
وفي المسألة الثانية: تصح
التسمية، لكن ما شرط للأخ فهو لها، هذا هو المذهب، فنفرق بين الأب وغيره، وكيف يصح
هذا الشرط، وقد جعل الله الصداق للنساء، فقال: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ
نِحْلَةً} [النساء: 4] وجعل العفو عن نصفه إذا كان الطلاق قبل الدخول للنساء فقال:
{إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] .
وفي حديث الواهبة نفسها،
قال الرجل: «أُعطيها إزاري» ، فأثبت للمرأة الملك والتصرف في المهر، فكيف يصح للأب
أن يشترط منه شيئاً لنفسه؟!
فأجابوا عنه: أن للأب أن
يتملك من مال ولده ما شاء لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت ومالك لأبيك» ، فله أن
يشترط نصف المهر، ربعه، ثلثه، كله؛ لأنه يتملك من مال ابنته ما شاء، وأما الأخ فلا
يتملك، ولهذا نقول: إن جميع المسمى يكون للزوجة؛ والعلة لأنه ليس له حق التملك، بل
هو حرام عليه لقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ
لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا *} [النساء] .
وقيل ـ وهو الصواب ـ: إن
ما كان قبل العقد فهو للزوجة مطلقاً، ثم إذا ملكته فللأب أن يتملك بالشروط المعروفة،
وما كان بعده فهو لمن أهدي إليه، وقد ورد في ذلك حديث
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه أهل السنن وهو حسن: «أحق ما يكرم المرء عليه
ابنته وأخته» - ضعيف ضعفه الألباني انظر ضعيف أبي داود (367) - وهذا الذي يقتضيه الحديث أصح؛ لأن الأول يؤدي
إلى أن تكون البنت بمنزلة السلعة، أي إنسان يشرط لأبيها أكثر يزوجه، ففيه تعريض لفقد
الأمانة من الأب، وهذا أمر خطير، ومن أجل هذا توسع الناس الآن، فصاروا يشترطون شيئاً
للأب، وشيئاً للأم، وشيئاً للأخ، وشيئاً للأخت، فصار مهر المرأة يذهب أشلاء، كل واحد
منهم يأخذ نتفة منه، فضاعت الأمانة بسبب هذا الفعل، فنحن نقول: أنت يا أيها الأب لك
أن تتملك من مال ولدك ما شئت، لكن هي إلى الآن ما ملكته، بل تملكه بعد العقد، ومع ذلك
فالذي تملكه منه معرض للسقوط؛ لأنه إذا طلقت قبل الدخول ما صار لها إلا نصفه، ولو صارت
الفرقة بسببها لم يكن لها شيء، فإذا عُقِدَ عليها وملَكَتْ المهر، فلك أن تأخذ من مالها
ما شئت بالشروط المعروفة عند أهل العلم.
هاتان مسألتان تفترقان في
الحكم على المذهب لافتراق العلة على ما عللوا به، وعلى القول الثاني لا يفترقان وأن
ما كان قبل العقد فهو للمرأة، وما كان بعده إكراماً لوليها من أب أو غيره فهو له. قوله:
«فلو طلق قبل الدخول وبعد القبض رجع بالألف، ولا شيء على الأب لهما» أي: تزوجها بألفين،
ألف لها وألف لأبيها وسلَّم الألفين، فأعطى الأب ألفاً وأعطى البنت ألفاً، ثم طلقها
قبل الدخول، فيتنصف المهر، نقول: لك ألف على البنت خذها، وأما الألف الذي أخذه الأب
فقد ملكه، فليس لك منه شيء.
مثال آخر: لو أن الصداق أربعة
آلاف، وشرط الأب لنفسه ثلاثة يبقي للبنت ألف، ثم طلقها قبل الدخول، يرجع بألفين على
البنت، وأما الأب يأخذ ثلاثة آلاف بدون شيء، والعلة أن الأب ملكه من قبلها، ما ملكه
من قبل الزوج، فالزوج ما أصدق الأب إنما أصدق البنت، فعلى هذا يكون الأب ملكه من جهتها،
والزوج لا يعرف الأب، فيأخذ النصف منها، وهي إن شاءت رجعت على أبيها، وإن لم تتمكن
فما على الأب شيء، وهذا ما ذهب إليه الفقهاء ـ رحمهم الله ـ
وفي المسألة قول آخر: أنه
يرجع بنصف المهر فيأخذ من كل منهما نصف ما دفع، فيأخذ من الأب في المثال الأول خمسمائة،
ومن البنت خمسمائة، وهذا لا شك أقرب إلى العدل؛ لأن المهر مهر بقدره، وجنسه، ووصفه،
وقدره ألفان، وجنسه ريالات، ووصفه نصف للأب ونصف للزوجة، إذاً لك نصفه قدراً، وجنساً،
ووصفاً.
قوله: «ولو شرط ذلك» يعني
ألفاً لها، وألفاً لوليها.
قوله: «لغير الأب فكل المسمى
لها» مثال ذلك: زوجها أخوها، واشترط ألفاً لها وألفاً لأختها، فالتسمية غير صحيحة،
بمعنى أنه ليس لغير الأب شيء، وإنما الألفان للزوجة، فإن طلق قبل الدخول رجع بنصف المهر،
أي: ألف، ولا ضرر على الزوجة؛ لأنها قد أخذت ألفين.
[ ما تستحقه المرأة من المهر وأحواله ]
(أ) ما يتقرر للزوجة به المهر
كاملا :
(1) الدخول الحقيقي بالزوجة (
الجماع )
اتفق أهل العلم على أن الزوجة تستحق المهر كاملًا، إذا دخل بها الزوج
وجامعها، لقوله تعالى: { وَإِنْ
أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ
زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً
أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ
أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21)
} [النساء: 21] فنهى الله تعالى الزوج أن يأخذ
شيئًا مما أعطاه للمرأة إذا طلَّقها واعتبر الأخذ منه بهتانًا وكذبًا وإثمًا، وذلك
لأن المهر كان في مقابل حلِّ الوطء (الإفضاء) وقد استوفى الزوج حقه بالدخول، فتقرر
للزوجة جميع المهر.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أَيُّمَا
امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ،
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا
المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا – رواه الترمذي
(1102) وصححه الألباني - فإذا كان جميع
المهر يتقرر بالدخول في النكاح الباطل، فمن باب أولى يتقرر في النكاح الصحيح انظر «نيل
الأوطار» (118)
ويترتب على استقرار المهر بالدخول: أن لا يسقط شيء منه بعدئذٍ إلا
بالأداء لصاحبه، أو بالإبراء (التنازل) من صاحب الحق انظر «الفقه
الإسلامي وأدلته» (7/ 289)
·
فائدة: يتقرر للمرأة جميع المهر بالوطء ولو كان حرامًا: كالوطء في
الدُّبُر وفي حال الحيض أوالنفاس أو الإحرام أو الصوم أو الاعتكاف ونحو ذلك انظر
صحيح فقه السنة (3/168)
2- موت أحد الزوجين قبل
الدخول في نكاح صحيح: وهنا حالتان:
(أ) إذا كان المهر مسمى في العقد:
ومات أحد الزوجين قبل الدخول (الوطء) فإن المرأة تستحق المهر كاملًا باتفاق
الفقهاء،
قال ابن حزم في مراتب الإجماع (70) وَاتَّفَقُوا على أَن من مَاتَ
أَو مَاتَت وَقد سمى لَهَا صَدَاقا صَحِيحا وَوَطئهَا أَو لم يَطَأهَا فلهَا
جَمِيع ذَلِك الصَدَاق اهـ (ب) إذا كان المهر لم يسمَّ في العقد (نكاح تفويض):
ومات أحد الزوجين فاختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: لَا تَسْتَحِقُّ إلَّا الْمِيرَاثَ – وهو مذهب - عَلِيٍّ
وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْهَادِي وَمَالِكٌ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ
الشَّافِعِيِّ قَالُوا لِأَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فَإِذَا لَمْ يَسْتَوْفِ
الزَّوْجَ الْمُعَوَّضَ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْ قِيَاسًا عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ
قَالُوا: وَالْحَدِيثُ فِيهِ تِلْكَ الْمَطَاعِنُ قُلْنَا الْمَطَاعِنُ قَدْ
دُفِعَتْ فَنَهَضَ الْحَدِيثُ لِلِاسْتِدْلَالِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ
انظر سبل السلام (2/ 222)
القول الثاني : تستحق مهر مثلها: وهذا مذهب أبي حنيفة ، وأحمد ، وهو
الراجح والدليل: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ،
فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا،
لَا وَكْسَ، وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا العِدَّةُ، وَلَهَا المِيرَاثُ، فَقَامَ
مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ، فَقَالَ:
«قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ
بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ الَّذِي قَضَيْتَ»، فَفَرِحَ
بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ رواه الترمذي (1145)
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَجَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ
حَزْمٍ، وَقَالَ لَا مَغْمَزَ فِيهِ لِصِحَّةِ إسْنَادِهِ، وَمِثْلُهُ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ 00وَقَدْ رَوَى الْحَكَمُ مِنْ حَدِيثِ
حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إنْ صَحَّ
حَدِيثُ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ
قُلْت بِهِ قَالَ الْحَاكِمُ قُلْت: صَحَّ فَقُلْ بِهِ، انظر سبل السلام (2/221)
وصححه الألباني معنى لَا وَكْسَ ) هُوَ النَّقْصُ أَيْ لَا يَنْقُصُ مِنْ مَهْرِ
نِسَائِهَا (وَلَا شَطَطَ) وَهُوَ الْجَوْرُ أَيْ لَا يُجَارُ عَلَى الزَّوْجِ
بِزِيَادَةِ مَهْرِهَا عَلَى نِسَائِهَا قال الصنعاني في سبل السلام (2/222)
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ كَمَالَ الْمَهْرِ
بِالْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا الزَّوْجُ، وَلَا دَخَلَ بِهَا،
وَتَسْتَحِقُّ مَهْرَ مِثْلِهَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ
الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ، وَأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ كَمَا ذُكِرَ، وَقَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ اجْتِهَادٌ مُوَافِقٌ الدَّلِيلَ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَحْمَدَ وَآخَرِينَ وَالدَّلِيلُ الْحَدِيثُ، وَمَا طُعِنَ بِهِ فِيهِ قَدْ
سَمِعْت دَفْعَهُ اهـ
3- الخلوة الصحيحة بين الزوجين ولو بدون جماع :
ضابط الخلوة الصحيحة: أن يجتمع الزوجان -بعد العقد الصحيح- في مكان
يتمكنان فيه من التمتع الكامل، بحيث يأمنان
دخول أحد عليهما، وليس بأحدهما مانع طبعي -كوجود شخص ثالث ونحوه- يمنع من
الاستمتاع انظر صحيح فقه السنة (3/170)
فإذا حصلت هذه الخلوة بعد العقد، فاختلف أهل العلم في القدر الذي
تستحقه المرأة من المهر إذا طلقها على قولين : الأول: تستحق جميع المهر ولو لم
يحصل جماع، وهذا مذهب أبي حنيفة - رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
وَزَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَعُرْوَةُ،
وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ
الرَّأْيِ. وَهُوَ قَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ انظر المغني (7/249) وحجة هذا
القول:
1 -
عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ: " قَضَاءُ الْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ أَنَّهُ مَنْ
أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا فَقَدْ وَجَبَ
الصَّدَاقُ وَالْعِدَّةُ رواه البيهقي في الكبرى (14484)
وقال البيهقي هَذَا مُرْسَلٌ , زُرَارَةُ لَمْ يُدْرِكْهُمْ
وضعفه الألباني في الإرواء (2115)
وذكر ابن قدامة أنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم وفيه نظر كما سيأتي
0
2 - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ؛
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَضَى فِي الْمَرْأَةِ إِذَا تَزَوَّجَهَا
الرَّجُلُ، أَنَّهُ إِذَا أُرْخِيَتِ السُّتُورُ، فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ رواه
مالك (2/528) صححه الألباني في الإرواء (1937)
3 -
وعَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ
أَصْفَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ وَالْعِدَّةُ» رواه سعيد
بن منصور (761) وصححه الألباني
القول الثاني: لا تستحق جميع المهر إلا بالوطء - الجماع - فقط: وهو
مذهب مالك - شُرَيْح، وَالشَّعْبِيّ، وَطَاوُس، وَابْن سِيرِين، وَالشَّافِعِيّ
فِي الْجَدِيدِ:. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ انظر المغني (7/249) وحجتهم:
1 - {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا
فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]
قالوا: والمراد بالمسِّ: الجماع ، والمطلقة قبل الجماع يصدق عليها
هذا.
قال الشوكاني في السيل الجرار (369)
أما الدخول فظاهر ولا خلاف فيه والنصوص متطابق عليه وأما الخلوة فلم
يكن في المقام ما ينتهض للاحتجاج به ولم يصح من المرفوع ما تقوم به الحجة وأما اقوال
بعض الصحابة فلا حجة فيها ولاسيما مع اضطرابها واختلافها وقد قال عز وجل: {وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ، فإن كان
المراد بالمس الجماع فظاهر ان الخلوة ليست بجماع وإن
كان المس اعم من الجماع وهو وضع عضو منه على عضو منها فليست الخلوة المجردة مسا
وإن أرخى عليها مائة ستر ونظر إليها ألف نظرة. وإذا عرفت هذا فلا حاجة بنا إلي
التكلم على الخلوة الصحيحة والفاسدة اهـ
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
فِي الرَّجُلِ إِذَا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فَزَعَمَ
أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا، قَالَ: «عَلَيْهِ
نِصْفُ الصَّدَاقِ»
رواه سعيد بن منصور (772)
قال الألباني في الضعيقة (3/88) فإذا كانت
المسألة مما اختلف فيه الصحابة، فالواجب حينئذ الرجوع إلى النص، والآية مؤيدة لما
ذهب إليه ابن عباس على خلاف هذا الحديث، وهو مذهب الشافعي في " الأم "
(5/215) ، وهو الحق إن شاء الله تعالى اهـ
قال في الاستذكار (5/436) قَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا خَلَا بِهَا
وَلَمْ يُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَ فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا
عِدَّةَ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثور وداود وروي ذلك عن بن مسعود وبن عباس
00 قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا
فَرَضْتُمْ) الْبَقَرَةِ 237
وَقَالَ تَعَالَى (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ
تَعْتَدُّونَهَا) الْأَحْزَابِ 49 فَأَيْنَ الْمَذْهَبُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ
تَعَالَى
وَلَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ
مِنْ خِطَابِهِ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ الْخَلْوَةَ دُونَ
وَطْءٍ مُسَبِّبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام
النساء (3/302) قال الله – عز وجل- (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ
إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا
الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) سورة البقرة
(237) هذه المسألة – أعني مسألة رجل تزوج امرأة فخلا بها ولم يمسها ثم طلقها فيها
خلاف بين أهل العلم ، فذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى
أن الرجل إذا خلا بامرأة – سواء مسها أو لم يمسها – وجب عليع الصداق كاملا ، نقل
ذلك ابن حزم – رحمه الله- عن الخلفاء الأربعة الراشدين ، وعن عدد من الصحابة (
المحلى 9/482) وادعى ابن قدامة – رحمه الله – في المغني – إجماع الصحابة على ذلك 0
وفيما عزاه ابن قدامة وابن حزم إلى
الخلفاء الأربعة ، نظر ؛ إذ إنه من طريق زرارة بن أوفى ، وزرارة لم يدركهم كما قال
البيهقي – رحمه الله – ( السنن الكبرى 7/256) فهو مرسل عنهم 0
لكن قد وقع لنا بإسناد صحيح إلى
سعيد بن المسيب – رحمه الله- عن عمر كما سيأتي قريبا ، وكما عند سعيد بن منصور
(1/102) ، وكذلك صح عن علي – رضي الله عنه – نحو قول عمر من طرق عن علي – رضي الله
عنه – عند سعيد بن منصور (1/201) ، والبيهقي (7/255) 0 وفيما ادعاه ابن قدامة من
إجماع الصحابة نظر ، فقد أخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقول في الرجل
إذا أُدخلت عليه امرأته ثم طلقها فزعم أنه لم يمسها قال : عليه نصف الصداق ( حديث
772) وفي إسناده ليث – وهو ابن أبي سليم- وهو ضعيف مختلط إلا أن له شاهدا عند
البيهقي (7/254) من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه 0 وإن كانت رواية على
بن أبي طلحة عن ابن عباس فيها مقال إلا أنها تصلح لتقوية طريق ليث بن أبي سليم
0ويتأيد ما ذهب إليه ابن عباس – رضي الله عنهما – بقول الله تعالى : (وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ) الآية 0
وهذا هو الذي نذهب إليه ، نذهب إلى أن الرجل إذا
خلا بامرأته ولم يمسها عليه نصف الصداق فقط ، وقد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم من
المتقدمين أيضا بعد ابن عباس – رضي الله عنه – والله أعلم
(ب) متى يجب نصف الصداق ؟
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً
فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ سورة البقرة (237)
قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/430)
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ
الثَّيِّبَ وَالْبِكْرَ فِي اسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْمَهْرِ
بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ اهـ
[ جَعَلَ صَدَاقهَا تَعْلِيم الْقُرْآنِ]
فَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ تنازع العلماء في ذلك في روايه لأحمد
لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ،
وَمَكْحُولٍ، وَإِسْحَاقَ - وله رواية اخري بالجواز قال : - لَا بَأْسَ أَنْ
يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ
يُعَلِّمَهَا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَهَذَا
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ انظر المغني (7/214) ومذهب الشافعي هو الراجح قال ابن حزم
في المحلى (9/91) وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا كُلُّ مَا لَهُ نِصْفٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوْ أَنَّهُ
حَبَّةُ بُرٍّ أَوْ حَبَّةُ شَعِيرٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ حَلَالٍ
مَوْصُوفٍ، كَتَعْلِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ الْعِلْمِ أَوْ الْبِنَاءِ
أَوْ الْخِيَاطَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا تَرَاضَيَا بِذَلِكَ - وَوَرَدَ فِي هَذَا
اخْتِلَافٌ اهـ
قال العلامة ابن عثيمين في الشرح
الممتع (12/258)
قوله: «وإن أصدقها تعليم
قرآن لم يصح» لأن القرآن ليس من الأموال، فلا ينبغي أن تستباح به الأبضاع، ثم هناك
دليل ـ أيضاً ـ لما زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم الرجل بما معه من القرآن، قال:
«إنه لا يكون مهراً لأحد بعدك» - رواه سعيد بن منصور (642)
وقال الألباني في إرواء الغليل ((1929))
منكر - وهذا نص في أنه لا يجوز أن يكون مهراً لأحد بعده، ذكر هذا في الروض القول
الثاني: أنه إذا أصدقها تعليم قرآن فإنه يصح؛ لأن التعليم ليس هو القرآن، نعم لو
أراد أن يقرأ شخص بأجرٍ فإنه لا يجوز؛ لأن قراءة القرآن من الأعمال الصالحة،
والأعمال الصالحة لا يمكن أن يأخذ الإنسان عليها أجراً من الدنيا، لكن هذا رجل
يريد أن يعلِّم، والتعليم عمل وتفرغ للمُعَلَّم، ففي الحقيقة أنني ما جعلت القرآن
عوضاً حتى يقال: إنه لا يصح أن يكون عوضاً، إنما جعلت التعليم الذي فيه معاناة
وتلقين ووقت مهراً، هذا ما نرد به قولهم.
ثم نرد عليهم ـ أيضاً ـ بوجه آخر، فهذا التعليل الذي عللتم به هذه
المسألة لتمنعوها مصادم للنص، وما كان مصادماً للنص فإنه غير مقبول، فهو قياس فاسد
الاعتبار لا يعتبر، والنص الذي يصادمه قول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ للرجل:
«زوجتكها بما معك من القرآن» ، وفي بعض الألفاظ: «فعلمها ما معك من القرآن» ، وهذا
نص صريح.
أما قولهم: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال له: «إنها لا تكون
لأحد بعدك مهراً» ، فالجواب على هذا من وجهين:
الأول: أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة.
ثانياً: على تقدير صحته ـ وهو ممتنع ـ فإنه يحمل قوله: «لا يكون لأحد
بعدك مهراً» أي بعد حالك، كما قاله شيخ الإسلام
في قصة أبي بردة بن نيار ـ رضي الله عنه ـ الذي قال له: «لا تجزئ عن أحد
بعدك» ، فنقول: إذا صح الحديث ولا يصح، فالمعنى لا تكون مهراً لأحد بعد حالك؛ لأنه
ما عندك شيء أبداً، فالقاعدة أنه لا يمكن أن يخص أحد بحكم من أحكام الشريعة أبداً
لعينه، بل لوصفه، فالأعرج لا يجب عليه الجهاد في سبيل الله؛ لأنه أعرج، وعلى هذا
فكل من عنده عرج يمنعه من الجهاد لا يجب عليه، والفقير لا زكاة عليه؛ لأنه فقير
وهلم جرًّا، فالقول بأن هذا جائز لهذا الرجل بعينه لا يمكن أبداً، حتى النبي صلّى
الله عليه وسلّم لم يخص بشيء لعينه أبداً، بل لوصفه؛ لأنه نبي ورسول؛ لأن الله ـ
عزّ وجل ـ ليس بينه وبين البشر نسب، أو محاباة، أو مصاهرة، فلا يمكن أن يخص أحداً
من البشر بحكم لعينه، ولكن لوصفه.
فإذا عَلَّم الرجل امرأته السورة التي اتفق عليها مائة مرة، ولكن
عجزت فيُقدر لها صداق؛ أجرة المثل، ولا نقول: يبطل المسمى ويجب مهر المثل؛ لأن
المسمى ما بطل، ولكن عجز عن إيفائه، فيفرض لها أجرة، تعليم هذه السورة مثلاً، فإذا
قيل: هذه السورة يعلمها معلم الصبيان في العادة بعشرة ريالات، كان مهرها عشرة
ريالات.
مسألة: هل يصح أن يكون المصحف مهراً؟ الجواب: إن
قلنا بجواز بيع المصحف جاز، وهو الصحيح، وإن قلنا بتحريمه، فإنه لا
يجوز اهـ
--- قال ابن قدامة في
المغني (7/212) وَكُلُّ مَا جَازَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ، أَوْ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ،
مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، وَالْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ، وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ،
وَمَنَافِعِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا، جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَبِهَذَا
قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنَافِعُ الْحُرِّ لَا
تَكُونُ صَدَاقًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا، وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي
ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] .. وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ يَجُوزُ الْعِوَضُ عَنْهَا
فِي الْإِجَارَةِ، فَجَازَتْ صَدَاقًا، كَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُمْ: لَيْسَتْ
مَالًا. مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّهَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهَا وَبِهَا. ثُمَّ إنْ
لَمْ تَكُنْ مَالًا، فَقَدْ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْمَالِ فِي هَذَا، فَكَذَلِكَ فِي
النِّكَاحِ اهـ
--- قال ابن قدامة في
المغني (7/213) وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ صِنَاعَةٍ أَوْ تَعْلِيمَ عَبْدِهَا صِنَاعَةً
صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَجَازَ
جَعْلُهَا صَدَاقًا كَخِيَاطَةِ ثَوْبِهَا. وَإِنْ أَصْدَقِهَا تَعْلِيمَهُ أَوْ تَعْلِيمَهَا
شِعْرًا مُبَاحًا مُعَيَّنًا أَوْ فِقْهًا أَوْ لُغَةً أَوْ نَحْوًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ
مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَجُوزُ أَخَذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهَا
جَازَ وَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَجَازَ
صَدَاقًا كَمَنَافِعِ الدَّارِ اهـ
[ من أجاز إسلام الرجل مهرا ]
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: "
خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا
أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ،
وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَإِنْ تُسْلِمْ
فَذَاكَ مَهْرِي
وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا " قَالَ
ثَابِتٌ: «فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ
سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ، فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ رواه النسائي (3341)
حديث صحيح وصححه ابن حجر والألباني ومصطفى العدوي 0
[ من جعل العتق صداقا ]
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ
عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» رواه
البخاري (5086) ومسلم (1365)
قال في تحفة الأحوذي (4/216)
(وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ جَعْلِ الْعِتْقِ صَدَاقًا وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنَ الْقُدَمَاءِ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ ومِنْ فُقَهَاءِ
الْأَمْصَارِ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالُوا إِذَا أَعْتَقَ
أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا صَحَّ الْعَقْدُ وَالْعِتْقُ وَالْمَهْرُ
عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ
قَالَ الْحَافِظُ وهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ وَقَتَادَةَ وَطَاوُسٍ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ اهـ
[ اعلم أنه من أعظم الذنوب
أن يضيع الرجل صداق امرأته ]
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ
اللَّهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، طَلَّقَهَا،
وَذَهَبَ بِمَهْرِهَا، وَرَجُلٌ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا، فَذَهَبَ بِأُجْرَتِهِ، وَآخَرُ
يَقْتُلُ دَابَّةً عَبَثًا» رواه الحاكم (2 / 182)
حديث حسن صححه الحاكم والذهبي وحسنه الألباني انظر الصحيحة (999)
[ تحريم مهر البغي ]
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ»
رواه البخاري (2237) ومسلم(1567) وَجَمْعُ الْبَغِيِّ الْبَغَايَا وَالْبِغَاءُ بكسر
أوله الزنى وَالْفُجُورُ وَأَصْلُ الْبِغَاءِ الطَّلَبُ غَيْرَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مَا
يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَسَادِ 00 (وَمَهْرِ الْبَغِيِّ) المراد به ما تأخذه الزانية على الزنى
وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ انظر تحفة الأحوذي (4/238)
[ عون الله للناكح ]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى
اللَّهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي
يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ حديث حسن رواه الترمذي (1655)
وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَن 0 وحسنه الألباني
في تحفة الأحوذي (5/242) قَوْلُهُ (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ
عَوْنُهُمْ) أَيْ ثَابِتٌ عِنْدَهُ إِعَانَتُهُمْ أَوْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ
بِمُقْتَضَى وَعْدِهِ مُعَاوَنَتُهُمْ (الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ
بِمَا يَتَيَسَّرُ لَهُ الْجِهَادُ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ (وَالْمُكَاتَبُ
الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ) أَيْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ (وَالنَّاكِحُ الَّذِي
يُرِيدُ الْعَفَافَ) أي العفة من الزنى
قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا آثَرَ هَذِهِ الصِّيغَةَ إِيذَانًا
بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنَ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ الَّتِي تَفْدَحُ
الْإِنْسَانَ وَتَقْصِمُ ظَهْرَهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِينُهُ
عَلَيْهَا لَا يَقُومُ بِهَا وَأَصْعَبُهَا الْعَفَافُ لِأَنَّهُ قَمْعُ
الشَّهْوَةِ الْجِبِلِّيَّةِ الْمَرْكُوزَةِ فِيهِ وَهِيَ مُقْتَضَى
الْبَهِيمِيَّةِ النَّازِلَةِ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ فَإِذَا اسْتَعَفَّ
وَتَدَارَكَهُ عَوْنُ اللَّهِ تَعَالَى تَرَقَّى إِلَى مَنْزِلَةِ الْمَلَائِكَةِ
وَأَعْلَى عِلِّيِّينَ اهـ
قال تعالى : [وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ
عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ
يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ] [النور:
32]
[ من بيده عقدة النكاح ]
قال تعالى : [وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ
أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا
تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ] سورة
البقرة (237)
اختلف أهل العلم في المراد بالذي بيده عقدة النكاح على قولين:
الأول: أنه ولي المرأة، فيكون للولي أن يعفو عن نصف الصداق الذي
استحقته المرأة.
الثاني: أنه الزوج نفسه، فيكون المعنى: أو يعفو الزوج فيعطيها جميع
الصداق.
قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام النساء (3/308) ورجح الطبري رحمه
الله من عدة وجوه – أن المراد بقوله تعالى : بيده عقدة النكاح هو الزوج 0 ونحن
نجنح إلى هذا ، لأن الصداق من حق المرأة لا يجوز لأحد التصرف فيه إلا بإذنها، وهي
أحق به قبل الطلاق وبعده"اهـ قلت وهو اختيار ابن حزم في المحلى (9/115) فقال
وَلَا يَحِلُّ لِأَبِ الْبِكْرِ - صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً - أَوْ
الثَّيِّبِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْقَرَابَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ: حُكْمٌ
فِي شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِ الِابْنَةِ، أَوْ الْقَرِيبَةِ، وَلَا لِأَحَدٍ مِمَّنْ
ذَكَرْنَا أَنْ يَهَبَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، لَا لِلزَّوْجِ - طَلَّقَ أَوْ
أَمْسَكَ - وَلَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ
مَفْسُوخٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا.
وَلَهَا أَنْ تَهَبَ صَدَاقَهَا أَوْ بَعْضَهُ لِمَنْ شَاءَتْ، وَلَا
اعْتِرَاضَ لِأَبٍ وَلَا لِزَوْجٍ فِي ذَلِكَ - هَذَا إذْ كَانَتْ بَالِغَةً
عَاقِلَةً بَقِيَ لَهَا بَعْدَهُ غِنًى وَإِلَّا فَلَا.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا
أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:
237] إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ
يَطَأَهَا - وَقَدْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا رَضِيَتْهُ - فَلَهَا نِصْفُ
صَدَاقِهَا الَّذِي سُمِّيَ لَهَا، إلَّا أَنْ تَعْفُوَ هِيَ فَلَا تَأْخُذُ مِنْ
زَوْجِهَا شَيْئًا مِنْهُ وَتَهَبُ لَهُ النِّصْفَ الْوَاجِبَ لَهَا، أَوْ
يَعْفُوَ الزَّوْجُ فَيُعْطِيهَا الْجَمِيعَ،
فَأَيُّهُمَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ثم قال : وَهَذَا مَكَانٌ
اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ كَمَا قُلْنَا 00 وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ،
وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ،
وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ.
--- قال ابن حزم في المحلى (9/112) وَعَلَى
الزَّوْجِ كِسْوَةُ الزَّوْجَةِ - مُذْ يَعْقِدُ
النِّكَاحَ - وَنَفَقَتُهَا، وَمَا تَتَوَطَّاهُ وَتَتَغَطَّاهُ وَتَفْتَرِشُهُ،
وَإِسْكَانُهَا كَذَلِكَ أَيْضًا - صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً - ذَاتَ أَبٍ أَوْ يَتِيمَةً - غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً - دُعِيَ إلَى
الْبِنَاءِ أَوْ لَمْ يُدْعَ نَشَزَتْ أَوْ لَمْ تَنْشِزْ - حُرَّةً كَانَتْ أَوْ
أَمَةً - بُوِّئَتْ مَعَهُ بَيْتًا أَوْ لَمْ تُبَوَّأْ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا
مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا أَبُو قَزَعَةَ
الْبَاهِلِيُّ " عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ
«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ
تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْتُ وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْتُ، وَلَا تَضْرِبْ
الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ» - رواه أبو داود
(2142) وصححه الألباني - 00 عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي عَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ: فَاتَّقُوا
اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ
وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ
أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ
فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» - رواه مسلم (1218) -
[ جهاز العروس على من يجب ]
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ
- منهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد - إِلَى أَنَّهُ
لاَ يَجِبُ عَلَى
الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَجَهَّزَ بِمَهْرِهَا أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُعِدَّ
لَهَا الْمَنْزِل بِكُل مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ سَكَنًا شَرْعِيًّا لاَئِقًا
بِهِمَا. انظر الموسوعة الفقهية (16/166) والدليل : قوله
تعالى : {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
سورة الطلاق (6) وَإِذَا تَجَهَّزَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ جَهَّزَهَا ذَوُوهَا فَالْجِهَازُ
مِلْكٌ لَهَا خَاصٌّ بِهَا. حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ دَفَعَ أَكْثَرَ مِنْ
مَهْرِ مِثْلِهَا رَجَاءَ جَهَازٍ فَاخِرٍ؛ لأَِنَّ الْمَهْرَ فِي مُقَابَل الْمُتْعَةِ،
وَالشَّيْءُ لاَ يُقَابِلُهُ عِوَضَانِ انظر
الموسوعة الفقهية
فائدة : إن جهزت الزوجة أو ذووها شيئا برضاهم من غير إجبار فهو حسن عَنْ عَلِيٍّ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَى عَلِيًّا، وَفَاطِمَةَ وَهُمَا فِي خَمِيلٍ لَهُمَا،
وَالْخَمِيلُ: الْقَطِيفَةُ الْبَيْضَاءُ مِنَ الصُّوفِ، قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَهَّزَهُمَا بِهَا، وَوِسَادَةٍ مَحْشُوَّةٍ إِذْخِرًا وَقِرْبَةٍ رواه
ابن ماجه (4152) وصححه الألباني
[ المحرمات من النساء ]
ليس كل امرأة يصح للرجل أن يعقد عليها ، فهناك أسباب تجعل المرأة
محرمة على الرجل ، إما تحريما مؤبدا ، وإما تحريما مؤقتا ( أي : متى زال السبب جاز
له نكاحها ) وبيان هؤلاء المحرمات على النحو الآتي :
القسم الأول : المحرمات من النساء تحريما مؤبدا 0
القسم الثاني : المحرمات من النساء تحريما مؤقتا 0
القسم الأول : المحرمات تحريما مؤبدا
النساء الائي يحرمن على الرجل تحريما مؤبدا فلا يحل له الزواج
بإحداهن في جميع الأوقات ، وهن :
(1) المحرمات من النسب 0
(2) المحرمات من الرضاعة
(3) المحرمات بسبب المصاهرة 0
(4) الملاعنة 0
وتفصيل ذلك على النحو الآتي :
أولا : المحرمات من النسب :
وهم سبعة (1) الأمهات (2) البنات (3) الأخوات (4) العمات (5) الخالات
(6) بنات الأخ (7) بنات الأخت فعَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: " يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ، وَمِنَ الرَّضَاعِ
سَبْعٌ، قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ
وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الأخْتِ } سورة النساء (23)
(قَالَ الشَّافِعِيُّ في الأم
(5/159) ) : فَالْأُمَّهَاتُ أُمُّ
الرَّجُلِ وَأُمَّهَاتُهَا وَأُمَّهَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْجَدَّاتُ
لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْأُمَّهَاتِ، وَالْبَنَاتُ بَنَاتُ الرَّجُلِ
لِصُلْبِهِ وَبَنَاتُ بَنِيهِ وَبَنَاتُهُ وَإِنْ سَفُلْنَ فَكُلُّهُنَّ
يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتُ مَنْ وَلَدَ أَبُوهُ لِصُلْبِهِ
أَوْ أُمُّهُ بِعَيْنِهَا، وَعَمَّاتُهُ مِنْ وَلَدِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَمَنْ
فَوْقَهُمَا مِنْ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ وَخَالَاتُهُ مَنْ وَلَدَتْهُ
جَدَّتُهُ أُمُّ أُمِّهِ وَمَنْ فَوْقَهَا مِنْ جَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِهَا
وَبَنَاتُ الْأَخِ كُلٌّ مِنْ وَلَدِ الْأَخِ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ أَوْ
لَهُمَا وَمِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَأَوْلَادِهِ بَنِي أَخِيهِ وَإِنْ سَفُلُوا
وَهَكَذَا بَنَاتُ الْأُخْت اهـ ونقل الإجماع ابن حزم على ذلك انظر مراتب الإجماع
(119)
سؤال : هل يجوز للرجل أن يتزوج
ابنته من الزنا ؟
لا يجوز أن
يتزوج الرجل بابنته من الزنا، فإن ماء الزنا وإن كان
ليس له حرمة إلا أن هذه البنت داخلة في عموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ...}قال
ابن كثير في تفسيره (2/248) وَقَدِ اسْتَدَلَّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى
تَحْرِيمِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ الزَّانِي عَلَيْهِ
بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَنَاتُكُمْ} ؛ فَإِنَّهَا بِنْتٌ فَتَدْخُلُ فِي
الْعُمُومِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ. وَقَدْ حُكيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ شَيْءٌ فِي إِبَاحَتِهَا؛ لِأَنَّهَا
لَيْسَتْ بِنْتًا شَرْعِيَّةً، فَكَمَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ بِالْإِجْمَاعِ،
فَكَذَلِكَ لَا تَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ وقصة
جُرَيْج قال : مَنْ أَبُوكَ
يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِي رواه البخاري (2482)
ومسلم (2550) قالوا : فنسب الابن نفسه إلى أبيه من الزنا
قال ابن قدامة في المغني (7/119) وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ
بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَى، وَأُخْتِهِ، وَبِنْتِ ابْنِهِ، وَبِنْتِ بِنْتِهِ،
وَبِنْتِ أَخِيهِ، وَأُخْتِهِ مِنْ الزِّنَى. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ
الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ
مَذْهَبِهِ: يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ وَلَا
تُنْسَبُ إلَيْهِ شَرْعًا، وَلَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا، وَلَا
تَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهَا، وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا، فَلَمْ تَحْرُمْ
عَلَيْهِ، كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ}
[النساء: 23] .
وَهَذِهِ بِنْتُهُ، فَإِنَّهَا
أُنْثَى مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِالْحِلِّ
وَالْحُرْمَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «اُنْظُرُوهُ.
يَعْنِي وَلَدَهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ
سَحْمَاءَ» . يَعْنِي الزَّانِيَ. وَلِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ وَهَذِهِ
حَقِيقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، فَأَشْبَهْت الْمَخْلُوقَةَ
مَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ، وَلِأَنَّهَا بِضْعَةٌ مِنْهُ، فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ،
كَبِنْتِهِ مِنْ النِّكَاحِ، وَتَخَلُّفُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا يَنْفِي
كَوْنَهَا بِنْتًا، كَمَا لَوْ تَخَلَّفَ لِرِقٍّ أَوْ اخْتِلَافِ دِينٍ إذَا
ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْن عِلْمِهِ بِكَوْنِهَا مِنْهُ، مِثْلُ أَنْ
يَطَأَ امْرَأَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَحْفَظَهَا
حَتَّى تَضَعَ، أَوْ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ،
فَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ لَا يُعْلَمُ هَلْ هُوَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؟
فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى جَمِيعِهِمْ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهَا
بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِمْ. وَالثَّانِي، أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا بِنْتُ
بَعْضِهِمْ، فَتَحْرُمْ عَلَى الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ،
وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَتَحْرُمُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ؛
لِأَنَّهَا أُخْتُ بَعْضِهِمْ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهَا الْقَافَةُ
بِأَحَدِهِمْ، حَلَّتْ لِأَوْلَادِ الْبَاقِينَ، وَلَمْ تَحِلَّ لَأَحَدٍ مِمَّنْ
وَطِئَ أُمَّهَا؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى رَبِيبَتِهِ اهـ
ثانيا : المحرمات من الرضاعة :
قال ابن قدامة في المغني (7/114)
مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا
أَرْضَعَتْ طِفْلًا بِلَبَنٍ ثَابَ مِنْ وَطْءِ رَجُلٍ حَرُمَ الطِّفْلُ عَلَى
الرَّجُلِ وَأَقَارِبِهِ، كَمَا يَحْرُمُ وَلَدُهُ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ
اللَّبَنَ مِنْ الرَّجُلِ كَمَا هُوَ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَيَصِيرُ الطِّفْلُ
وَلَدًا لِلرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ أَبَاهُ، وَأَوْلَادُ الرَّجُلِ إخْوَتَهُ،
سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِخْوَةُ
الرَّجُلِ وَأَخَوَاتُهُ أَعْمَامُ الطِّفْلِ وَعَمَّاتُهُ، وَآبَاؤُهُ
وَأُمَّهَاتُهُ أَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ اهـ
قال النووي في شرح مسلم (10/19)
فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً ثُبُوتُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّضِيعِ وَيَصِيرُ وَلَدًا لَهُ وَأَوْلَادُ الرَّجُلِ
إِخْوَةَ الرَّضِيعِ وَأَخَوَاتِهِ وَتَكُونُ إِخْوَةُ الرَّجُلِ أَعْمَامَ
الرَّضِيعِ وَأَخَوَاتُهُ عَمَّاتِهِ وَتَكُونُ أَوْلَادُ الرَّضِيعِ أَوْلَادَ
الرَّجُلِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلَّا أَهْلُ الظاهر وبن عُلَيَّةَ
فَقَالُوا لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بَيْنَ الرجل والرضيع ونقله المازرى
عن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأُمَّهَاتُكُمُ
اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وَلَمْ يَذْكُرِ الْبِنْتَ وَالْعَمَّةَ
كَمَا ذَكَرَهُمَا فِي النَّسَبِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي عَمِّ عَائِشَةَ وَعَمِّ حَفْصَةَ وَقَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ إِذْنِهِ فِيهِ إِنَّهُ يحرم من الرضاعة
ما يحرم من الولادة وَأَجَابُوا عَمَّا احْتُجُّوا بِهِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ
لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ بِإِبَاحَةِ الْبِنْتِ
وَالْعَمَّةِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ
الْحُكْمِ عَمَّا سِوَاهُ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ آخَرُ كَيْفَ وَقَدْ
جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
قال ابن قدامة في المغني (7/113)
كُلُّ امْرَأَةٍ حَرُمَتْ
مِنْ النَّسَبِ حَرُمَ مِثْلُهَا مِنْ الرَّضَاعِ، وَهُنَّ الْأُمَّهَاتُ،
وَالْبَنَاتُ، وَالْأَخَوَاتُ، وَالْعَمَّاتُ، وَالْخَالَاتُ، وَبَنَاتُ الْأَخِ،
وَبَنَاتُ الْأُخْتِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي شَرَحْنَاهُ فِي النَّسَبِ لِقَوْلِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا
يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ:
«الرَّضَاعُ يُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ» «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُرَّةَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ: إنَّهَا لَوْ
لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي، مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ
الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ
الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِنَّ، وَالْبَاقِيَاتُ يَدْخُلْنَ
فِي عُمُومِ لَفْظِ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا
اهـ
فائدة : قال النووي في شرح مسلم (10/19)
هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَّفِقَةٌ
عَلَى ثُبُوتِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَأَجْمَعَتِ
الْأُمَّةُ عَلَى ثُبُوتِهَا بَيْنَ الرَّضِيعِ وَالْمُرْضِعَةِ وَأَنَّهُ يَصِيرُ
ابْنَهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا أَبَدًا وَيَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ
إِلَيْهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ
أَحْكَامُ الْأُمُومَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَوَارَثَانِ وَلَا يَجِبُ
عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ
وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهَا وَلَا يَعْقِلُ عَنْهَا وَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا
الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ فَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ اهـ
[الْقَدْر الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ
حُكْمُ الرَّضَاعِ]
تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة
أقوال ؟
القول الأول : قَالَ جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ يَثْبُتُ بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ حكاه بن المنذر عن علي وبن مسعود وبن
عمر وبن عباس وعطاء وطاوس وبن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ
وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ
وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم انظر شرح مسلم (10/29)
ودليلهم : عموم قوله تعالى : {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] قالوا : وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا قلت : هذا العموم
وغيره مقيد بحديث عائشة سيأتي 0
القول الثاني : قال أبو ثور وأبو عبيد وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ
يَثْبُتُ بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ وَلَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ انظر شرح مسلم (10/29)
قالوا : مَفْهُومِ حَدِيثِ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ
وَالْمَصَّتَانِ» رواه مسلم (1450)
هُوَ مُبَيِّنٌ للقرآن فما زاد على ذلك فهو
يُحرم بمفهوم الحديث أن ما زاد عن اثنين فهو المحرم وأجيب أن حديث عائشة سيأتي
منطوق ولا شك أن دلالة المنطوق أقوى من دلالة المفهوم كما في أصول الفقه
القول الثالث : قَالَتْ عَائِشَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا
يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ انظر شرح
مسلم (10/29) ورجحه ابن باز وابن عثيمين وشيخنا مصطفى العدوي وهو الراجح والدليل :
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: "
كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ
رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ،
بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ رواه
مسلم (1452)
قال النووي في شرح مسلم (10/29)
وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ
رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا حَتَى إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَيَجْعَلُهَا قُرْآنًا
مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ فَلَمَّا
بَلَغَهُمُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى
أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى اهـ
هذا ، وقد اعترض على حديث عائشة باعتراضات : منها أنه لا ينتهض
للاحتجاج على الأصح من قولي الأصوليين ، لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ،
والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم يثبت كونه قرآنا ، ولا ذكر الراوي أنه
خبر ليُقبل قوله فيه ، وأجيب على هذا الاعتراض بأن هذا من القرآن المنسوخ تلاوة
الباقي حكما كآية الرجم ، وأجيب عن قولها : وهن فيما يُقرأ من القرآن بأن حروف
الجر تتناوب ومن القرآن معناها مع القرآن والله أعلم واعترض عليه أيضا بأن عائشة كانت تأمر من تريد
أن يدخل عليها أن يرضع عشر رضعات ، وأجيب عليه بأن عائشة اختارت لنفسها ذلك ،
والعبرة بما روت لا بما رأت انظر أحكام النساء لشيخنا العدوي (3/62)
قال الشيخ ابن عثيمين:
الرضعة الواحدة
لا تؤثر، بل لا بد من خمس رضعات، وتكون قبل الفطام، وقبل تمام الحولين، فلا يصير
الإنسان ولداً للمرأة إذا رضع مرة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، وكذلك فلا بد أن
تكون خمس رضعات معلومات، فإن شكّ هل رضع أربعاً أو خمساً فالأصل أنها أربع، لأننا
كلما شككنا في عدد أخذنا بالأنقص. وعلى ذلك فلو قالت امرأة: أنا أرضعت هذا الطفل
ولا أدري مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً. قلنا: ليس هذا الطفل بولدها،
لأنها لا بد أن تكون خمس رضعات معلومات بلا شك اهـ. الفتاوى الجامعة للمرأة
المسلمة (2/768)
فائدة : قول النبي صلى الله
عليه وسلم لسَهْلَة بِنْت سُهَيْلٍ فَأَرْضِعِيهِ عَشْرَ
رَضَعَاتٍ رواه أحمد (26315)
قلت : حديث شاذ ضعيف
قال الأرنؤوط في مسند أحمد فقد
انفرد فيه ابنُ إسحاق: وهو محمد عن الزهري، مخالفاً الرواة عنه. فقد رواه ابن جريج
كما سلف برقم (25650) ، ومعمر كما في الرواية (25913) ، ومالك كما في الرواية
(26179) ، وابن أخي الزهري كما في الرواية (26330) أربعتهم عن الزهري، عن عروة، عن
عائشة.وفيه: "أرضعيه خمس رضعات"، وهو الصحيح.
(ما حكم رضاعة الكبير هل
تؤثر في الرضاعة أم لا تؤثر)
قلت : تنازع العلماء في ذلك على تسع أقوال ولكن أشهرها ثلاثة
أقوال ومن أراد الزياده فلينظر نيل الأوطار (6/373)
القول الأول : قالوا بوقوع التحريم بالرضاعة
للصغير والكبير على حد سواء وعدم التفريق بين ما كان في الحولين – أي عامين- أو بعدهما
وهو قول : عَائِشَة وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْرِ وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ
وَاللَّيْث بْن سَعْدٍ وَابْن عُلَيَّةَ ودَاوُد الظَّاهِرِيِّ، وابْنُ حَزْمٍ انظر نيل
الأوطار( 6/372)
قال ابن حزم في المحلى (10\203)
وَرَضَاعُ الْكَبِيرِ مُحَرِّمٌ - وَلَوْ أَنَّهُ شَيْخٌ يُحَرِّمُ -
كَمَا يُحَرِّمُ رَضَاعُ الصَّغِيرِ وَلَا فَرْقَ؟
استدلوا :
1- عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَالِمًا، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ
مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ، فَأَتَتْ - تَعْنِي ابْنَةَ
سُهَيْلٍ - النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا
قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ. وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا. وَإِنَّهُ يَدْخُلُ
عَلَيْنَا. وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ
شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَرْضِعِيهِ
تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ» فَرَجَعَتْ
فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ.
فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ رواه مسلم ((1453))
وكان أبو حذيفة قد
تبنى سالما قبل أن ينزل تحريم التبني
وأجيب
: عن هذا الحديث قال النووي في شرح مسلم
(10\ 31) وَحَمَلُوا حَدِيثَ سَهْلَةَ عَلَى أَنَّهُ
مُخْتَصٌّ بِهَا وَبِسَالِمٍ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَسَائِرِ
أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُنَّ
خَالَفْنَ عَائِشَةَ فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قال الشافعي في الأم (5/30)
: وَهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي
حُذَيْفَةَ خَاصَّةً (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى
مَا وَصَفْت (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فذكر حديث سالم 000
إلى أن قال : قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ
فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَالِمٍ خَاصَّةً وَإِذَا كَانَ هَذَا
لِسَالِمٍ خَاصَّةً فَالْخَاصُّ لَا يَكُونُ إلَّا مُخْرَجًا مِنْ حُكْمِ
الْعَامِّ وَإِذَا كَانَ مُخْرَجًا مِنْ حُكْمِ الْعَامِّ فَالْخَاصُّ غَيْرُ
الْعَامِّ وَلَا يَجُوزُ فِي الْعَامِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ لَا
يُحَرِّمُ وَلَا بُدَّ إذَا اخْتَلَفَ الرَّضَاعُ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ
مِنْ طَلَبِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي إذَا صَارَ إلَيْهِ الْمُرْضِعُ
فَأَرْضَعَ لَمْ يَحْرُمْ.
(قَالَ) : وَالدَّلَالَةُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغِيرِ
وَالْكَبِيرِ مَوْجُودَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ
لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ تَمَامَ الرَّضَاعِ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ اهـ
قال
العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع ( 13/435) رضاع الكبير لا يؤثر مطلقاً،
إلا إذا وجدنا حالاً تشبه حال أبي حذيفة من كل وجه. - وهذا غير ممكن - لأن التبني
أُبطل، فلما انتفت الحال انتفى الحكم،000 والخلاصة أنه بعد انتهاء التبني نقول: لا
يجوز إرضاع الكبير، ولا يؤثر إرضاع الكبير، بل لا بد إما أن يكون في الحولين، وإما
أن يكون قبل الفطام، وهو الراجح انتهى باختصار
ثانيا
: قال تعالى : (وَأُمَّهَاتُكُمُ
اللاتِى أَرْضَعْنَكُمْ) [النساء: 23]قالوا : فالآية
مطلقة، وهي بإطلاقها تتناول رضاع الكبير، ويدخل فيها رضاع الصغير. وأجيب : بأن
الأدلة التي استدلّ بها أصحاب القول الثالث تقيّد هذا الإطلاق بالرضاع في حال
الصغر
القول الثاني : وهواختيار
شيخ الإسلام ابن تيمية ، جمع بين القولين واختار أن رضاع الكبير لا يؤثر ولا يعتبر
إلا عند الحاجه إليه ، ورجح هذا القول
،ابن القيم ، والصنعاني ، في سبل السلام 2/313 والشوكاني ،
قال
الشوكاني في نيل الأوطار (6/373) أَنَّ الرَّضَاعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ
الصِّغَرُ إلَّا فِيمَا دَعَتْ إلَيْهِ الْحَاجَةُ كَرَضَاعِ الْكَبِيرِ الَّذِي
لَا يُسْتَغْنَى عَنْ دُخُولِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَيَشُقُّ احْتِجَابُهَا
مِنْهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَهَذَا هُوَ
الرَّاجِحُ عِنْدِي، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَذَلِكَ
بِأَنْ تُجْعَلَ قِصَّةُ سَالِمٍ الْمَذْكُورَةُ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ «إنَّمَا
الرَّضَاعُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» ، «وَلَا رَضَاعَ إلَّا فِي الْحَوْلَيْنِ» ،
«وَلَا رَضَاعَ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» ،
«وَلَا رَضَاعَ إلَّا مَا أَنْشَرَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» وَهَذِهِ
طَرِيقٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ طَرِيقَةِ مَنْ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ
عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِرَضَاعِ الْكَبِيرِ مُطْلَقًا، وَبَيْنَ مَنْ جَعَلَ
رَضَاعَ الْكَبِيرِ كَرَضَاعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا لِمَا لَا يَخْلُو عَنْهُ
وَاحِدَةٌ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ مِنْ التَّعَسُّفِ كَمَا سَيَأْتِي
بَيَانُهُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ سُؤَالَ سَهْلَةَ امْرَأَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ
كَانَ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ، وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِعَدَمِ جَوَازِ
إبْدَاءِ الزِّينَةِ لِغَيْرِ مَنْ فِي الْآيَةِ، فَلَا يُخَصُّ مِنْهَا غَيْرُ
مَنْ اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا بِدَلِيلٍ كَقَضِيَّةِ سَالِمٍ وَمَا
كَانَ مُمَاثِلًا لَهَا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْحَاجَةُ إلَى
رَفْعِ الْحِجَابِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِحَاجَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ
الْحَاجَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِرَفْعِ الْحِجَابِ وَلَا بِشَخْصٍ مِنْ
الْأَشْخَاصِ وَلَا بِمِقْدَارٍ مِنْ عُمْرِ الرَّضِيعِ مَعْلُومٍ وَقَدْ ثَبَتَ
حَدِيثُ سَهْلَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إنَّ سَالِمًا ذُو لِحْيَةٍ فَقَالَ: أَرْضِعِيهِ»
انتهى
القول
الثالث : الرضاع المحرِّم ما كان في السنتين
الأوليين فقط وهو الراجح
قال ابن قدامة في
المغني (8/177) مِنْ شَرْطِ تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ
أَنْ يَكُونَ فِي الْحَوْلَيْنِ. - أي عامين - وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ
عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ،
وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- سِوَى عَائِشَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ،
وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ،
وَأَبُو ثَوْرٍ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ قلت : ورجحه العلامة ابن باز وشيخنا
مصطفى العدوي 0
واستدلوا أولا :
بقوله تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ
الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] قالوا : فَجَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ حَوْلَيْنِ،-
عامين - فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا
حُكْمَ لَهَا بَعْدَهُمَا.000 قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَوْ ارْتَضَعَ بَعْدَ
الْحَوْلَيْنِ بِسَاعَةٍ، لَمْ يُحَرِّم انظر المغني (8\178) قال ابن كثير في تفسيره (1/ 477) هَذَا
إِرْشَادٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْوَالِدَاتِ
أَنْ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ كَمَالَ
الرَّضَاعَةِ، وَهِيَ سَنَتَانِ فَلَا اعْتِبَارَ بِالرَّضَاعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ،
وَلِهَذَا قَالَ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ
الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ
الْحَوْلَيْنِ، فَلَوِ ارْتَضَعَ الْمَوْلُودُ وَعُمْرُهُ فَوْقَهُمَا لَمْ
يَحْرُمْ اهـ
ثانيا :
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ،
فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ
أَخِي، فَقَالَ: «انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ،
فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعَةِ»أخرجه البخاري (5102) ومسلم (1455)
قال ابن القيّم في "زاد المعاد" (5/ 516):
قَالُوا: وَلَوْ كَانَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ
مُحَرِّمًا لَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة - وَقَدْ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَكَرِهَ دُخُولَ
أَخِيهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ عَلَيْهَا لَمَّا رَآهُ كَبِيرًا: - " انْظُرْنَ
مَنْ إِخْوَانُكُنُّ " فَلَوْ حَرَّمَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ، وَلَمَا كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ: «انْظُرْنَ مَنْ
إِخْوَانُكُنَّ» ثُمَّ قَالَ: «فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ»
وَتَحْتَ هَذَا مِنَ الْمَعْنَى خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَدِ ارْتَضَعَ فِي غَيْرِ
زَمَنِ الرَّضَاعِ وَهُوَ زَمَنُ الْمَجَاعَةِ، فَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، فَلَا
يَكُونُ أَخًا. اهـ
الدليل الثالث : عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ
قَبْلَ الفِطَامِ»: أخرجه الترمذي (1152) وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ»وصححه الألباني 0
ومَعْنَى قَوْلِهِ «إِلَّا مَا كَانَ فِي الثَّدْيِ» أي في محال
الرَّضَاعَةِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ قال : الترمذي وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ
أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ
الحَوْلَيْنِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ الكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا
يُحَرِّمُ شَيْئًا انتهى
كما علمت : أن إرضاع الكبير فيه خلاف بين العلماء
ولكل قول معه دليل ؛ فلا نسخر من القول
الأول كما فعله بعض المتخلفين مثل الفنان الكبير المخرف بكبره الي عليه من الله ما
يستحق عادل إمام وأمثاله أهل الفسق قالوا : أن زوجة رجل الأعمال يجب أن ترضع
السائق والسفرجى والطباخ والبواب هولاء يسخرون بالقول الأول حسبي الله ونعم الوكيل
هذا جهل منهم أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم فهولاء نقول لهم سلاما لقول ربنا
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما
فائدة : اختلف العلماء هل المعتبر
الحولان أم الفطام ؟
فلو اعتبرنا الحولين ، فإنه لو فطم
قبلها ، ثم ارتضع فيهما ثبت التحريم بهذا الرضاع أيضا ، وهذا مذهب أبي حنيفة
والشافعي لقوله : إنما الرضاعة من المجاعة ولما ثبت عن ابن عباس موقوفا لَا
يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا كَانَ في الْحَوْلَيْنِ
ولو اعتبرنا الفطام ، فإنه يثبت التحريم حتى لو استمر الإرضاع بعد الحولين طالما
أنه لم يفطم بعد 0 ودليل هذا القول قوله في الحديث السابق وكان قبل الفطام 0
والذي يترجح من مجموع الأحاديث ما
ذهب إليه الجمهور وهو أن الرضاعة المحرمة ما كان في الحولين 0
قلت لكن يقيد هذا بما كان قبل
الفطام ، فإن كان الفطام في تمام الحولين فذاك ، وإن كان الفطام قبل الحولين ، ثم
عاد للإرضاع فإنه لا يثبت بهذا الإرضاع تحريم ، وإن استمر الرضاع إلى ما بعد
الحولين فمحل نظر ، والذي يترجح عندي أنه لا يثبت به تحريم ، لأن الأحاديث قيدت
بشيئين : الأول : أن يكون في الحولين 0
الثاني : أن يكون قبل الفطام 0
فإذا تحقق أحد هذين الشيئين فقد
انتهى حكم الإرضاع المحرم ، والله أعلم انظر تمام المنة لشيخنا العزازي (3/83)
[صفة الرضاع المحرم]
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن لبن المرضع يُحرِّم سواء تناوله الطفل من
ثديها أو حُلب له في إناء وشربه من الإناء وذهب ابن حزم كما في المحلى (10/185)
إلى أن الذي يُحرِّم هو ما ارتُضع من الثدي فقط متمسك بالمعني اللغوي للإرضاع فقال
: صِفَةُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، فَإِنَّمَا
هُوَ: مَا امْتَصَّهُ الرَّاضِعُ مِنْ ثَدْيِ الْمُرْضِعَةِ بِفِيهِ فَقَطْ.
فَأَمَّا مَنْ سُقِيَ لَبَنَ امْرَأَةٍ فَشَرِبَهُ مِنْ إنَاءٍ، أَوْ
حُلِبَ فِي فِيهِ فَبَلَعَهُ؛ أَوْ أُطْعِمَهُ بِخُبْزِ، أَوْ فِي طَعَامٍ، أَوْ
صُبَّ فِي فَمِهِ، أَوْ فِي أَنْفِهِ، أَوْ فِي أُذُنِهِ، أَوْ حُقِنَ بِهِ:
فَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ غِذَاءَهُ دَهْرَهُ
كُلَّهُ.
اهـ قلت : الصحيح قول أكثر أهل
العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا
الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعَةِ» رواه
البخاري (2647) ومسلم (1455)
فجعل العلة سد الجوع ، وقد حصل بأي شيء
قال ابن حجر في فتح الباري (9/148)وَاسْتُدِلَّ
بِهِ عَلَى أَنَّ التَّغْذِيَةَ بِلَبَنِ
الْمُرْضِعَةِ يُحَرِّمُ سَوَاءٌ كَانَ بِشُرْبٍ أَمْ أَكْلٍ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ
حَتَّى الْوَجُورُ وَالسَّعُوطُ وَالثَّرْدُ وَالطَّبْخُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إِذَا
وَقَعَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مِنَ الْعَدَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَطْرُدُ
الْجُوعِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فَيُوَافِقُ الْخَبَرَ
وَالْمَعْنَى وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ لَكِنِ اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ
الْحُقْنَةَ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ اللَّيْثُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ فَقَالُوا إِنَّ
الرَّضَاعَةَ الْمُحَرِّمَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْتِقَامِ الثَّدْيِ وَمَصِّ
اللَّبَنِ اهـ معنى السَّعُوط أن يوضع له في أنفه ومعنى الْوَجُور أن يوضع اللبن
في فمه كنقط مثلا 0
--- قال ابن عثيمين في الشرح
الممتع (12/114)
فما هي الرضعة المحرمة، هل هي المصة، بحيث لو أن الصبي مص خمس مرات،
ولو في نَفَس واحد ثبت التحريم؟ أو الرضعة أن يمسك الثدي ثم يطلقه ويتنفس ثم يعود؟
أو أن الرضعة بمنزلة الوجبة، يعني أن كل رضعة منفصلة عن الأخرى، ولا تكون في مكان
واحد؟
في هذا أقوال للعلماء ثلاثة، والراجح الأخير، وهو اختيار شيخنا عبد
الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ؛ ووجه ذلك أننا لا نحكم بتحريم المرأة ـ مثلاً ـ إلا
بدليل لا يحتمل التأويل، ولا يحتمل أوجهاً أخرى، وهذا الأخير لا يحتمل سواه؛ لأن
هذا أعلى ما قيل، وعلى هذا فلو أنه رضع أربع رضعات، وتنفس في كل واحدة خمس مرات،
فلا يثبت التحريم على القول الراجح، حتى تكون كل واحدة منفصلة عن الأخرى.
وقد بحث ابن القيم ـ رحمه الله ـ
هذه المسألة في (زاد المعاد) بحثاً دقيقاً، ينبغي لطالب العلم أن يرجع إليه اهـ
[ الشك في عدد الرضعات ]
قال ابن قدامة في المغني (8/172)
وَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ
فِي وُجُودِ الرَّضَاعِ، أَوْ فِي عَدَدِ الرَّضَاعِ
الْمُحَرِّمِ، هَلْ كَمُلَا أَوْ لَا؟ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَلَا نُزُولَ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ، كَمَا لَوْ شَكَّ
فِي وُجُودِ الطَّلَاقِ وَعَدمه اهـ
[لبن البهيمة لا يُحرِّم]
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ شَرِبَ
غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ لَبَنَ بَهِيمَةٍ مِنْ شَاةٍ
أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا رَضَاعًا إنَّمَا هَذَا
كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا بَيْنَ مَنْ شَرِبَهُ إنَّمَا
يَحْرُمُ لَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ لَا الْبَهَائِمِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}
[النساء: 23] وَقَالَ فِي الرَّضَاعَةِ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}
[البقرة: 233] انظر الأم (5/28)
--- إذا كانت المرأة قد بقي بها لبن ولو بعد
مضي وقت طويل على آخر مولود لها فإن لبنها يحرِّم عند أكثر أهل العلم منهم أبو
حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم ويصير الطفل الذي ارتضعه ابنًا لها لأنه لبن امرأة
فتعلَّق به التحريم كما لو نزل بوطء ولأن ألبان النساء خلقت لغذاء الأطفال فإن كان هذا نادرًا فجنسه معتاد
لعموم قوله تعالى ( وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) حتى ولو ارضعته
وهي بكر فيحرم أيضا ولكن ان لم يخرج من ثديها شيء فلا تحريم
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (13/ 440)
قوله: «وغَيْرُ حُبْلَى» يعني لو أن امرأة أرضعت طفلاً بدون
حمل، وهذا يقع كثيراً فإن بعض الصبيان يبكي، فتأتي امرأة ليس فيها لبن ولم تتزوج
فتلقمه ثديها تريد أن تسكته، ومع المص تدر عليه، ويكون فيها لبن، ويرضع خمس مرات
أو أكثر، فهل يكون ولداً لها؟ يقول المؤلف: لا؛ لأنه حصل من غير حمل، وهذا التعليل
لا يكفي في عدم إثبات هذا الحكم المهم، والصواب الذي عليه الأئمة الثلاثة أنه
محرِّم، وأن الطفل إذا شرب من امرأة خمس مرات فإنه يكون ولداً لها، سواء كانت
بكراً، أم آيسة، أم ذات زوج، فهو محرم بالدليل والتعليل.
فالدليل: عموم قول الله تبارك وتعالى: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي
أَرْضَعْنَكُمْ} وليس في الكتاب ولا في السنة اشتراط أن يكون اللبن ناتجاً عن حمل
فتبقى النصوص على عمومها والتعليل: أن الحكمة من كون اللبن محرماً هو تغذي الطفل
به، فإذا تغذى به الطفل حصل المقصود، أما الآية: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلاَدَهُنَّ} إنما سيقت لبيان ما يجب على الأم من إتمام الرضاعة، فالصواب إذاً
أن لبن المرأة محرم سواء صار ناتجاً عن حمل أو عن غير حمل، فلبن البكر محرم، ولبن
العجوز التي ليس لها زوج وأيست محرم اهـ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَنَّ
بِكْرًا لَمْ تُمْسَسْ بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ أَوْ
ثَيِّبًا وَلَمْ يُعْلَمْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَمْلٌ نَزَلَ لَهُمَا لَبَنٌ
فَحُلِبَ فَخَرَجَ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتَا بِهِ مَوْلُودًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ كَانَ
ابْنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا أَبَ لَهُ وَكَانَ فِي غَيْرِ مَعْنَى
وَلَدِ الزِّنَا وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُمٌّ وَلَا أَبَ لَهُ لِأَنَّ لَبَنَهُ
الَّذِي أُرْضِعَ بِهِ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ جِمَاعٍ انظر الأم (5/32)
---
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ مَوْلُودًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُرْضِعَ
أَبُوهُ وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَأُمَّهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْهُ هُوَ
كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا الْأَبُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَخُو
الْمُرْضَعَ الَّذِي لَمْ تُرْضِعْهُ هُوَ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنَهَا، وَكَذَلِكَ
يَتَزَوَّجُ وَلَدَهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْغُلَامُ الْمُرْضَعُ
ابْنَةَ عَمِّهِ وَابْنَةَ خَالِهِ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا لَا يَكُونُ بِذَلِكَ
بَأْسٌ مِنْ النَّسَبِ وَلَا يَجْمَعُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ
الرَّضَاعَةِ بِنِكَاحٍ وَلَا وَطْءِ مِلْكٍ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا
مِنْ الرَّضَاعَةِ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ
وَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ مِنْ الرَّضَاعَةِ مِمَّا يَحْرُمُ مِنْ نِكَاحِهِنَّ
وَيُسَافَرُ بِهِنَّ كَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ مِنْ النَّسَبِ وَسَوَاءٌ رَضَاعَةُ
الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ كُلُّهُنَّ أُمَّهَاتٌ وَكُلُّهُنَّ
يَحْرُمْنَ كَمَا تَحْرُمُ الْحُرَّةُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُنَّ وَسَوَاءٌ وُطِئَتْ
الْأَمَةُ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ كُلُّ ذَلِكَ يَحْرُمُ وَلَا بَأْسَ أَنْ
يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَامْرَأَةَ أَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ
وَالنَّسَبِ انظر الأم (5/28)
---
قال ابن قدامة في المغني (8/181) إذَا كَانَ لِامْرَأَةٍ لَبَنٌ مِنْ زَوْجٍ،
فَأَرْضَعَتْ طِفْلًا ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ، وَانْقَطَعَ لَبَنُهَا، فَتَزَوَّجَتْ
آخَرَ، فَصَارَ لَهَا مِنْهُ لَبَنٌ، فَأَرْضَعَتْ مِنْهُ الصَّبِيَّ
رَضْعَتَيْنِ، صَارَتْ أُمًّا لَهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ عِنْدَ
الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْخَمْسَ مُحَرِّمَاتٌ، وَلَمْ يَصِرْ وَاحِدٌ مِنْ
الزَّوْجَيْنِ أَبًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ عَدَدَ الرَّضَاعِ مِنْ
لَبَنِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ؛ لِكَوْنِهِ رَبِيبَهَا، لَا لِكَوْنِهِ
وَلَدَهُمَا اهـ
---
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكُلُّ امْرَأَةِ أَبٍ أَوْ
ابْنٍ حَرَّمْتهَا عَلَى ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ بِنَسَبٍ فَكَذَلِكَ أُحَرِّمُهَا
إذَا كَانَتْ امْرَأَةَ أَبٍ أَوْ ابْنٍ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ
إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ
مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] فَكَيْفَ حُرِّمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ
الرَّضَاعَةِ؟ قِيلَ بِمَا وَصَفْت مِنْ جَمْعِ اللَّهِ بَيْنَ الْأُمِّ
وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ النَّسَبِ فِي التَّحْرِيمِ ثُمَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ
النَّسَبِ» فَإِنْ قَالَ فَهَلْ تَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ {وَحَلائِلُ
أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] قِيلَ اللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ فِيمَ أَنْزَلَهَا فَأَمَّا مَعْنَى مَا سَمِعْت مُتَفَرِّقًا فَجَمَعْته
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ نِكَاحَ
ابْنَةَ جَحْشٍ فَكَانَتْ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَكَانَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَنَّاهُ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
ذِكْرِهِ أَنْ يُدْعَى الْأَدْعِيَاءُ لِآبَائِهِمْ {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا
آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [الأحزاب: 5] وَقَالَ {وَمَا جَعَلَ
أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4] إلَى قَوْلِهِ مَوَالِيكُمْ وَقَالَ
لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ
مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ}
[الأحزاب: 37] الْآيَةُ انظر الأم (5/26)
[
هل الرضاع يحرم به ما يحرم بالصهر أم لا ]
قلت: تنازع العلماء في ذلك على قولين : الأول :
مذهب الأئمة الأربعة أنها تحرم القول الثاني : لا يحرم وهو اختيار ابن تيمية ورجحه
ابن عثيمين وهو الراجح فمعنى ذلك أن أم الزوجة من الرضاع حرام عليه أن يتزوجها كأم
زوجته من النسب على رأي الجمهور والراجح يجوز 0
قال
ابن عثيمين في الشرح الممتع (13/424)
هل يحرم من الرضاع ما يحرم بالصهر؟
اختلف في ذلك أهل العلم، فذهب الأئمة الأربعة وجمهور أهل العلم إلى أنه يحرم من
الرضاع ما يحرم بالصهر،
وعلى هذا فأم زوجتك من الرضاع حرام عليك، كأم زوجتك من النسب؛ لأن أم زوجتك من
النسب حرام بالنص والإجماع، كما قال الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وبنت
زوجتك من الرضاع، كأن يكون لك زوجة قد أرضعت بنتاً من زوج سابق، فعلى رأي الجمهور
تحرم عليك تلك البنت؛ لأنها بنت زوجتك من الرضاع، فهي كبنت زوجتك من النسب، ولو
كان لزوج المرأة أب من الرضاع يحرم عليها ـ على رأي الجمهور ـ كأبي زوجها من
النسب، ولو كان لزوجها ابن من الرضاع ـ أي: لم يرضع منها، لكن رضع من زوجة أخرى ـ
فهو
على رأي الجمهور يحرم عليها كابن زوجها من النسب.
ولكن ظواهر الأدلة تدل على خلاف قول الجمهور؛ لأن الله ـ تعالى ـ ذكر
المحرمات ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فيكون الأصل الحل، وعلى
هذا فإذا لم يكن هناك تحريم بيِّن، فإن الأصل الحل، حتى يقوم دليل بيِّن على
التحريم، ثم إن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: «
يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا
يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ » - متفق عليه - ، ولم يقل:
«والمصاهرة» ومعلوم أن أم الزوجة، وبنت الزوجة، وأبا الزوج، وابن الزوج تحريمهم
بالمصاهرة لا بالنسب بالإجماع، فيكون الحديث مخرجاً لذلك، وأيضاً فإن الله ـ تعالى
ـ يقول: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} فخرج به الابن
من الرضاع، فزوجته لا تحرم عليه؛ لأنه ليس ابناً لصلبه، ولكن هذه الآية أجاب
الجمهور عنها بأنها احتراز من ابن التبني.
والجواب عن هذا أن يقال: أولاً: ابن التبني ليس ابناً شرعياً حتى
يحتاج إلى الاحتراز عنه، فهو ـ أصلاً ـ ما دخل في قوله: {أَبْنَائِكُمُ} لأن
بنوَّته باطلة.
ثانياً: على فرض أنه داخل في البنوة، فإن قوله: {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ}
لماذا لا نجعله احترازاً من ابن التبني وابن الرضاع، فيكون مخرجاً للجنسين؟
فإن قلت: إن عموم قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} يشمل أمها
من النسب وأمها من الرضاع.
فالجواب: أن الأم عند الإطلاق لا تدخل فيها أم الرضاع، بدليل قوله:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ} ثم قال بعدها: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي
أَرْضَعْنَكُمْ} ولو كانت الأم عند الإطلاق يدخل فيها أم الرضاع ما ذكرت مرة
ثانية.
والحاصل: أن هذا القول هو القول الراجح وإن كان خلاف رأي الجمهور؛
لأنه ما دامت المسألة ليست إجماعاً فلا ضير على الإنسان أن يأخذ بقول يراه أصح،
وابن رجب نقل عن شيخ الإسلام أنه يرى هذا الرأي: أن الرضاع لا يؤثر في تحريم
المصاهرة، وذكر عنه ابن القيم أنه توقف في ذلك، ولا يمنع أن يكون توقف ثم تبين له
بعد ذلك الأمر، كما يوجد في كثير من آرائه رحمه الله، فأحياناً يصرح بأنه رجع عن
رأيه أو يتبين واضحاً أنه رجع عن رأيه، وأحياناً يتوقف.
فإذا قال قائل: أنا أتهيب من خلاف الجمهور، وأريد أن أسلك الاحتياط
من الوجهين، فأقول: إن أم الزوجة من الرضاع ليست حراماً على الزوج، فلا أحل لها أن
تكشف وجهها موافقة لقول شيخ الإسلام، ولا أحل له أن يتزوج بها موافقة للجمهور، فهل
لهذا المسلك أصل؟الجواب: نعم، وذلك في قصة سودة بنت زمعة رضي الله عنها حين تنازع
عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما في وليد، فقال سعد: يا رسول الله إن
هذا ولد من أخي عتبة، وأنه عهد
به إليَّ، وقال عبد بن زمعة، أخو سودة: يا رسول الله إنه أخي، ولد
على فراش أبي من وليدته، فقال له سعد: يا رسول الله انظر إلى شبهه، فلما نظر النبي
صلّى الله عليه وسلّم إلى شبهه، رأى شبهاً بيِّناً بعتبة، ولكنه قال: « «الوَلَدُ
لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ
يَا سَوْدَةُ » متفق عليه ، فحكم أن هذا الولد أخ
لسودة، وأمر أن تحتجب منه احتياطاً؛ لأنه رأى شبهاً بيناً بعتبة، فهل هذا من باب
إعمال الدليلين أو من باب الاحتياط؟ قال بعضهم: إنه من باب إعمال الدليلين، وقال
بعضهم: إنه من باب الاحتياط، والأقرب أنه من باب الاحتياط؛ لأن هذين الدليلين
أحكامهما متنافية لا يمكن أن تجتمع، فإما هذا وإما هذا، فلو ذهب ذاهب إلى هذا
وقال: إن الرضاع لا يؤثر في التحريم بالنسبة للمصاهرة، ولكني آمره ألا يتزوج بهن
احتياطاً، لو ذهب ذاهب إلى ذلك لم يكن هذا بعيداً من الصواب اهـ
ثالثا
: المحرمات بسبب المصاهرة :
ونعني
بالمصاهرة : القرابة بسبب الزواج 0
المحرمات
بسبب المصاهرة تحريما مؤبدا أربع :
1-
زوجة الأب 0
2-
زوجة الابن 0
3-
أم الزوجة 0
4-
ابنة الزوجة 0
الأولى
زوجة الأب :
قال
القرطبي في تفسيره (5/113)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءَ عَلَى تَحْرِيمِ مَا عَقَدَ
عَلَيْهِ الْآبَاءُ عَلَى الْأَبْنَاءِ، وَمَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْأَبْنَاءُ عَلَى
الآباء، كان مع العقد وطئ أَوْ لَمْ يَكُنْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلا
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) سورة النساء
(22)
قال ابن قدامة في المغني (7/112) فَتَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ
امْرَأَةُ أَبِيهِ، قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا، وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَ
وَارِثٍ، مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا
نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] وَقَالَ
الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: «لَقِيت خَالِي، وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقُلْت: أَيْنَ
تُرِيدُ؟ قَالَ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ
أَوْ أَقْتُلَهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ - (3331)
وصححه الألباني -
وَسَوَاءٌ فِي هَذَا امْرَأَةُ أَبِيهِ، أَوْ امْرَأَةُ جَدِّهِ
لِأَبِيهِ، وَجَدِّهِ لِأُمِّهِ، قَرُبَ أَمْ بَعُدَ وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيْنَ
أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافٌ عَلِمْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّه اهـ
ثانيا
: زوجة الابن :
قَالَ تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ
الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23]
قال
الطبري في تفسيره (6/560)
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَأَزْوَاجُ أَبْنَائِكُمُ
الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكَمْ، وَهِيَ جَمْعُ حَلِيلَةٍ وَهِيَ امْرَأَتُهُ،
وَقِيلَ: سَمِّيَتِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ حَلِيلَتَهُ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ مَعَهُ
فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ
حَلِيلَةَ ابْنِ الرَّجُلِ حَرَامٌ عَلَيْهِ
نِكَاحُهَا بِعَقْدِ ابْنِهِ عَلَيْهَا النِّكَاحَ،
دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا اهـ
قال
ابن كثير في تفسيره (2/ 221) وقوله تعالى: وَحَلائِلُ
أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ أَيْ وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
زَوْجَاتُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ وَلَّدْتُمُوهُمْ مِنْ أَصْلَابِكُمْ،
يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنِ الْأَدْعِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنَّوْنَهُمْ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً
زَوَّجْناكَها لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ
أَدْعِيائِهِمْ [الْأَحْزَابِ: 37]
الثالث
: أم الزوجة :
ومن
المحرمات أم الزوجة فإن كان الرجل دخل بزوجته حَرُمت
عليه أمها بإجماع العلماء ، وإذا كان قد عقد على الزوجة فقط ، ولم يدخل بها فأمها
أيضا تحرم عليه وهذا مذهب أكثر أهل العلم لإطلاق قوله تعالى : {وَأُمَّهَاتُ
نِسَائِكُمْ}[النساء: 23] فلم تتقيد بالدخول كما قُيدت الربيبة وعَنْ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا نَكَحَ
الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا، دَخَلَ بِالِابْنَةِ أَمْ لَمْ
يَدْخُلْ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الْأُمَّ فَلَمْ
يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ الِابْنَةَ» رواه الطبري
في تفسيره (6/557) حسنه أحمد شاكر وضعفه الألباني انظر الضعيفة (6111) وهوالراجح قَالَ الطبري : وَهَذَا خَبَرٌ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ
مَا فِيهِ، فَإِنَّ فِي إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ
مُسْتَغْنًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهِ بِغَيْرِهِ
قال
ابن قدامة في المغني (7/111)
فَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً حَرُمَ عَلَيْهِ كُلُّ أُمٍّ لَهَا، مِنْ
نَسَبٍ 00، قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ نَصَّ عَلَيْهِ
أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ
وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَكَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ
وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَحُكِيَ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَا
تَحْرُمُ إلَّا بِالدُّخُولِ بِابْنَتِهَا، كَمَا لَا
تَحْرُمُ ابْنَتُهَا إلَّا بِالدُّخُولِ وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى
{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مِنْ
نِسَائِهِ، فَتَدْخُلُ أُمُّهَا فِي عُمُومِ الْآيَةِ اهـ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ في الأم (5/26) : وَإِذَا
تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَمَاتَتْ أَوْ
طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ أَرَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهَا
لِأَنَّ الْأُمَّ مُبْهَمَةُ التَّحْرِيمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ إنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَكَذَا أُمَّهَاتُهَا وَإِنْ
بَعُدْنَ وَجَدَّاتُهَا لِأَنَّهُنَّ مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ.
رابعا : ابنة الزوجة
قال تعالى :{ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي
فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ [النساء: 23] الربيبة : ابنة الزوجة ومعنى حجوركم أي بيوتكم
قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام
النساء (3/93) ومن المحرمات بالمصاهرة الربيبة وهي محرمة بشرطين ذُكرا في الآية
الكريمة : أولهما : أن تكون في الحجر 0
الثاني : أن يكون الرجل قد دخل
بأمها 0
وإلى هذا التقييد بهذين الشرطين ذهب بعض أهل العلم منهم أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وأبو محمد بن حزم – رحمه الله – ونقل
ذلك عن الإمام مالك – رحمه الله- بينما ذهب جمهور العلماء إلى أنه يشترط الدخول
بأمها فقط ، وتحرم عليه الربيبة سواء كانت في حجره أو لم تكن في حجره ، وحملوا قوله
تعالى : في حجوركم على أنه خرج مخرج الغالب ولا اعتبار له ، وذلك كقوله تعالى :
(وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى
الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) ، وكقوله تعالى :
{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ
إِمْلاقٍ} ، وكقوله تعالى : {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا
أَضْعَافًا مضاعفةً} وغيرها من الآيات في هذا الباب 0
وظاهر القرآن الكريم يؤيد ما ذهب إليه أمير المؤمنين علي رضي الله
عنه وأبو محمد بن حزم ألا وهو أنه لكي تحرم الربيبة لا بد من شرطين : أن تكون في
الحجر ، وأن يكون دخل بأمها ، والله أعلم عن إِبْرَاهِيم بْن عُبَيْدِ بْنِ
رِفَاعَة - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: رَأَيْتُ فِي كِتَابِ غَيْرِي ابْنِ عُبَيْدٍ -
قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ قَالَ:
كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ لِي فَتُوفِّيتْ، فَوَجَدْتُ عَلَيْهَا،
فَلَقِيتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «مَا لَكَ؟»، فَقُلْتُ:
تُوُفِّيَتِ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ: «أَلَهَا
ابْنَةٌ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «كَانَتْ فِي حِجْرِكَ؟»، قُلْتُ: لَا،
هِيَ فِي الطَّائِفِ [ص:279]
قَالَ: «فَانْكِحْهَا» قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ قَوْلُهُ {وَرَبَائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23]؟ قَالَ: «إِنَّهَا
لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِكَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ فِي حِجْرِكَ» رواه عبد
الرزاق (10834) وصححه شيخنا مصطفى العدوي قال ابن
حزم في المحلى (9/140) وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً وَلَهَا ابْنَةٌ أَوْ مَلَكَهَا وَلَهَا
ابْنَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الِابْنَةُ فِي
حِجْرِهِ وَدَخَلَ بِالْأُمِّ مَعَ ذَلِكَ وَطِئَ أَوْ لَمْ يَطَأْ، لَكِنْ خَلَا
بِهَا بِالتَّلَذُّذِ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ ابْنَتُهَا أَبَدًا، فَإِنْ دَخَلَ
بِالْأُمِّ وَلَمْ تَكُنِ الِابْنَةُ فِي حِجْرِهِ، أَوْ كَانَتْ الِابْنَةُ فِي
حِجْرِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ، فَزَوَاجُ الِابْنَةِ لَهُ حَلَالٌ.
وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا أُمٌّ أَوْ مَلَكَ أَمَةً
تَحِلُّ لَهُ وَلَهَا أُمٌّ فَالْأُمُّ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَبَدَ
الْأَبَدِ - وَطِئَ فِي كُلِّ ذَلِكَ الِابْنَةَ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرَّبِيبَةَ بِنْتَ
الزَّوْجَةِ أَوْ الْأَمَةِ إلَّا بِالدُّخُولِ بِهَا، وَأَنْ تَكُونَ هِيَ فِي
حِجْرِهِ، فَلَا تَحْرُمُ إلَّا بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا حَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ
ذَلِكُمْ} [النساء: 24] .
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .
وَكَوْنُهَا فِي حِجْرِهِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ -: أَحَدُهُمَا:
سُكْنَاهَا مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَكَوْنُهُ كَافِلًا لَهَا.
وَالثَّانِي: نَظَرُهُ إلَى أُمُورِهَا نَحْوَ الْوِلَايَةِ لَا
بِمَعْنَى الْوَكَالَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَقَعُ بِهِ
عَلَيْهَا كَوْنُهَا فِي حِجْرِهِ.
وَأَمَّا أُمُّهَا فَيُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ جُمْلَةً:
قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَأَجْمَلَهَا
عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا اهـ
قال شيخنا مصفى العدوي وأما صفة الدخول بأمها فاختلف فيها على قولين
أولهما : أن المراد الجماع والنكاح 0
الثاني : أن المراد الخلوة
والتجريد 0
والأول هو الأظهر والأصح وهو رأي عبد الله بن عباس رضي الله عنه
واختاره ابن جرير رحمه الله تعالى ألا وهو أن المراد بالدخول الجماع والنكاح والله
تعالى أعلم قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
«الدُّخُولُ، وَالتَّغَشِّي، وَالْإِفْضَاءُ،
وَالْمُبَاشَرَةُ، وَالرَّفَثُ، وَاللَّمْسُ، هَذَا الْجِمَاعُ غَيْرَ أَنَّ
اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يُكَنِّي بِمَا شَاءَ عَمَّا
شَاءَ»
رواه عبد الرزاق (10826) وصححه شيخنا مصطفى العدوي
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى
(32/65)
وَأَمَّا " الْمُحَرَّمَاتُ بِالصِّهْرِ
" فَيَقُولُ: كُلُّ نِسَاءِ الصِّهْرِ حَلَالٌ لَهُ إلَّا أَرْبَعَةُ
أَصْنَافٍ بِخِلَافِ الْأَقَارِبِ. فَأَقَارِبُ الْإِنْسَانِ كُلُّهُنَّ حَرَامٌ؛
إلَّا أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ. وَأُقَارِبُ الزَّوْجَيْنِ كُلُّهُنَّ حَلَالٌ؛ إلَّا
أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ وَهُنَّ حَلَائِلُ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَأُمَّهَاتُ
النِّسَاءِ وَبَنَاتُهُنَّ. فَيَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أُصُولُ
الْآخَرِ وَفُرُوعُهُ. وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّ امْرَأَتِهِ؛ وَأُمُّ
أُمِّهَا وَأَبِيهَا وَإِنْ عَلَتْ. وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُ امْرَأَتِهِ
وَهِيَ الرَّبِيبَةُ وَبِنْتُ بِنْتِهَا وَإِنْ سَفَلَتْ وَبِنْتُ الرَّبِيبِ
أَيْضًا حَرَامٌ؛ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْمَشْهُورُونَ:
الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمَا وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا. وَيَحْرُمُ
عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا؛ وَامْرَأَةِ ابْنِهِ
وَإِنْ سَفَلَ. فَهَؤُلَاءِ " الْأَرْبَعَةُ " هُنَّ الْمُحَرَّمَاتُ
بِالْمُصَاهَرَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ وَكُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَكُونُ
أَقَارِبُ الْآخَرِ أَصْهَارًا لَهُ وَأَقَارِبُ الرَّجُلِ أَحْمَاءُ الْمَرْأَةِ؛
وَأَقَارِبُ الْمَرْأَةِ أَخْتَانُ الرَّجُلِ. وَهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ
الْأَرْبَعَةُ يَحْرُمْنَ بِالْعَقْدِ؛ إلَّا الرَّبِيبَةَ فَإِنَّهَا لَا
تَحْرُمُ حَتَّى يَدْخُلَ بِأُمِّهَا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا الشَّرْطَ
إلَّا فِي الرَّبِيبَةِ وَالْبَوَاقِي أَطْلَقَ فِيهِنَّ التَّحْرِيمَ. فَلِهَذَا
قَالَ الصَّحَابَةُ: أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ. وَعَلَى هَذَا الْأَئِمَّةُ
الْأَرْبَعَةُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا بَنَاتُ هَاتَيْنِ
وَأُمَّهَاتُهُمَا فَلَا يَحْرُمْنَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ
امْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ
مِنْ حَلَائِلِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ فَإِنَّ " الْحَلِيلَةَ " هِيَ
الزَّوْجَةُ. وَبِنْتُ الزَّوْجَةِ وَأُمُّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً؛ بِخِلَافِ
الرَّبِيبَةِ فَإِنَّ وَلَدَ الرَّبِيبِ رَبِيبٌ؛ كَمَا أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ
وَلَدٌ وَكَذَلِكَ أُمُّ أُمِّ الزَّوْجَةِ أُمٌّ لِلزَّوْجَةِ وَبِنْتُ أُمِّ
الزَّوْجَةِ لَمْ تَحْرُمْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ أُمًّا. فَلِهَذَا قَالَ مَنْ
قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: بَنَاتُ الْمُحَرَّمَاتِ مُحَرَّمَاتٌ؛ إلَّا بَنَاتُ
الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَحَلَائِلُ الْآبَاءِ
وَالْأَبْنَاءِ. فَجَعَلَ بِنْتَ الرَّبِيبَةِ مُحَرَّمَةً؛ دُونَ بَنَاتِ
الثَّلَاثَةِ. وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا اهـ
--- [ هل الزنا يثبت به حرمة المصاهرة ]
قلت تنازع العلماء في
ذلك على قولين :
القول الأول : يرى جمهور
العلماء أن الزنا لا تثبت به حرمة المصاهرة، واستدلوا على هذا بما يأتي: 1 - قول الله تعالى: " وأُحِل لكم
ما وراء ذلكم " فهذا بيان عما يحل من النساء بعد بيان ما حرم منهن، ولم يذكر أن
الزنا من أسباب التحريم.
2 – 00 أن ما ذكروه من الأحكام في ذلك هو مما تمس إليه
الحاجة، وتعم به البلوى أحيانا، وما كان الشارع ليسكت عنه، فلا ينزل به قرآن، ولا تمضي
به سنة، ولا يصح فيه خبر، ولا أثر عن الصحابة، وقد كانوا قريبي عهد بالجاهلية التي
كان الزنا فيها فاشيا بينهم.
فلو فهم أحد منهم أن لذلك
مدركا في الشرع أو تدل عليه علة وحكمة لسألوا عن ذلك، وتوفرت الدواعي على نقل ما يفتنون
به
3 - ولانه معنى لا تصير به المرأة فراشا، فلم يتعلق
به تحريم المصاهرة، كالمباشرة بغير شهوة انظر فقه السنة (2/73)
القول الثاني : وهو
الراجح قال ابن حزم في المحلى (9/147) وَلَا يُحَرَّمُ وَطْءُ حَرَامٍ نِكَاحًا حَلَالًا إلَّا فِي مَوْضِعٍ
وَاحِدٍ: وَهُوَ أَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ، فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِأَحَدٍ
مِمَّنْ تَنَاسَلَ مِنْهُ أَبَدًا.
وَأَمَّا لَوْ زَنَى الِابْنُ
بِهَا ثُمَّ تَابَتْ لَمْ يَحْرُمْ بِذَلِكَ نِكَاحُهَا عَلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ.
وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ
لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ إذَا تَابَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا، أَوْ ابْنَتَهَا - وَالنِّكَاحُ
الْفَاسِدُ وَالزِّنَا فِي هَذَا كُلِّهِ سَوَاءٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
[النساء: 22] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: النِّكَاحُ
فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ يَقَعُ عَلَى شَيْئَيْنِ -: أَحَدُهُمَا
- الْوَطْءُ، كَيْفَ كَانَ بِحَرَامٍ أَوْ بِحَلَالٍ. وَالْآخَرُ - الْعَقْدُ، فَلَا
يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْآيَةِ بِدَعْوَى بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ
مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَيُّ نِكَاحٍ نَكَحَ الرَّجُلُ
الْمَرْأَةَ - حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِحَلَالٍ أَوْ بِحَرَامٍ - فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى
وَلَدِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وَلَدَ
الْوَلَدِ وَلَدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 27] .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَجَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ.
وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ
نِكَاحٍ حَلَالٍ مِنْ أَجْلِ وَطْءٍ حَرَامٍ، فَالْقَوْلُ بِهِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ
شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثم قال رحمه الله وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ:
فَلَمْ يُحَرِّمُوا بِوَطْءٍ حَرَامٍ نِكَاحًا حَلَالًا 00 وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ - وَهُوَ
قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَان، وَأَصْحَابِهِمَا،
وَأَصْحَابِنَا اهـ قلت : قول ابن حزم هو الصحيح
الرابع : الملاعنة :
سيأتي في باب الطلاق 0
القسم الثاني : المحرمات مؤقتا
1- أخت الزوجة :
قال تعالى : {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ
الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] قال ابن
كثير في تفسيره (2/221) وقوله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ الآية. أَيْ وَحُرِّمَ
عَلَيْكُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مَعًا فِي التَّزْوِيجِ، وَكَذَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ إِلَّا مَا
كَانَ مِنْكُمْ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ فَقَدْ عَفَوْنَا عنه وَغَفَرْنَاهُ. فَدَلَّ
عَلَى أَنَّهُ لَا مَثْنَوِيَّةَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيمَا سَلَفَ،
كَمَا قَالَ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى
[الدُّخَانِ: 56] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ أَبَدًا، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ
مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَالْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى أَنَّهُ
يَحْرُمُ الجمع بين الأختين فِي
النِّكَاحِ،وَمَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ، خُيِّرَ فَيُمْسِكُ إِحْدَاهُمَا
وَيُطَلِّقُ الْأُخْرَى لَا مَحَالَةَ 00عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُطَلِّقَ إِحْدَاهُمَا – رواه أحمد في المسند (18041)- حديث حسن قال الألباني في صحيح أبي داود (1940) (قلت: حديث حسن؛ كما قال الترمذي، وصححه ابن حبان
والبيهقي،واحتجّ به الإمام الأوزاعي وترك رأيه لأجله - .00 وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَحَرَامٌ
أَيْضًا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَهَذَا
هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ
كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ قَدْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ اهـ
قال ابن حجر في فتح الباري (9/160)
وَالْجَمْعُ بَيْنَ
الْأُخْتَيْنِ فِي التَّزْوِيجِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ
سَوَاءً كَانَتَا شَقِيقَتَيْنِ أَمْ مِنْ أَبٍ أَمْ مِنْ أُمٍّ وَسَوَاءٌ
النَّسَبُ وَالرَّضَاعُ وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا كَانَتَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ
فَأَجَازَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ
وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى الْمَنْعِ اهـ
قال في المجموع (16/227) وإن تزوج
بامرأة ثم طلقها وأراد أن يتزوج بأختها أو عمتها أو خالتها أو تزوج أربع
نسوة وطلقهن واراد أن ينكح أربعا غيرهن أو طلق واحدة منهن وأراد أن يتزوج غيرها
فان كان الطلاق قبل الدخول يصح تزويجه بلا خلاف، لانه لا عدة له على المطلقة، وان
كان بعد الدخول فان كان الطلاق رجعيا لم يصح تزويجه قبل انقضاء العدة، لان المطلقة
في حكم الزوجات، وإن كان الطلاق بائنا صح تزويجه عندنا قبل انقضاء العدة، وبه قال
زيد بن ثابت رضى الله عنه والزهرى ومالك.
وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يصح، وروى ذلك عن على وابن عباس.
دليلنا أن المطلقة بائن منه فجاز
له عقد النكاح على أختها كالبائن قبل الدخول.
(2) عمة وخالة المرأة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ
يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا،
وَلاَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»
رواه البخاري (5109)
ومسلم (1408)
قال النووي في شرح مسلم (9/190) هَذَا دَلِيلٌ لِمَذَاهِبِ
الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ
بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَهَا
وَبَيْنَ خَالَتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَمَّةً وَخَالَةً حَقِيقَةً وَهِيَ أُخْتُ
الْأَبِ وَأُخْتُ الْأُمِّ أَوْ مَجَازِيَّةً
وَهِيَ أُخْتُ أَبِي الْأَبِ وَأَبِي الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا أَوْ أُخْتُ أُمِّ
الْأُمِّ وَأُمُّ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَتَيِ الْأُمِّ وَالْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ
فَكُلُّهُنَّ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا اهـ
(3) المطلقة ثلاثا :
لا يحل للرجل أن يتزوج امرأته التي طلقها ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره
نكاحا صحيحا فإذا طلقها الثاني جاز للزوج الأول نكاحها قال
الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى
تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ
طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ
يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ سورة البقرة (230) وانظر باب الطلاق 0
الأنكحة المحرمة
( زواج المتعة )
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:
وَهَذَا كَمَا قَالَ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ حرام وهو أن يقول للمرأة: أمتعيني نفسك شَهْرًا، أَوْ مَوْسِمَ
الْحَاجِّ، أَوْ مَا أَقَمْتُ فِي الْبَلَدِ، أَوْ يَذْكُرَ ذَلِكَ بِلَفْظِ
النِّكَاحِ أَوِ التَّزْوِيجِ لَهَا، أَوْ لِوَلِيِّهَا بَعْدَ أَنْ يُقَدِّرَهُ
بِمُدَّةٍ، إِمَّا مَعْلُومَةً أَوْ مَجْهُولَةً، فَهُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ الْحَرَامُ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ مِنَ
الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وِالْفُقَهَاءِ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
وابن أبي مليكة، وابن جريج - والإمامية - رأيهم فيه جوازاً انظر الحاوي الكبير
(9/328)
والدليل على حرمته : 1-
عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ
سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُلَيِّنُ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَقَالَ: «مَهْلًا يَا
ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ
الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ» رواه البخاري (5115) ومسلم (1407) 2- عن الرَّبِيع بْن سَبْرَةَ الْجُهَنِيّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ» رواه مسلم (1406)
قال الألباني في الصحيحة (1/731) جاء في كثير من طرق
هذا الحديث أن التحريم كان يوم الفتح وهو الصواب وجاء في
بعضها أنه كان في حجة
الوداع وهو شاذ كما حققته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل
" رقم (1959، 1960)
قال النووي في شرح مسلم (9/181) وَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّ
التَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ كَانَا مَرَّتَيْنِ وَكَانَتْ حَلَالًا قَبْلَ خَيْبَرَ ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ ثُمَّ أُبِيحَتْ يوم فتح مكة
وهو يوم أوطاس لا تصالهما ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاسْتَمَرَّ التَّحْرِيمُ وَلَا
يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْإِبَاحَةَ مُخْتَصَّةُ بِمَا قَبْلَ خَيْبَرَ
وَالتَّحْرِيمُ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلتَّأْبِيدِ وَأَنَّ الَّذِي كَانَ يَوْمَ
الْفَتْحِ مُجَرَّدَ تَوْكِيدِ التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ إِبَاحَةٍ
يَوْمَ الْفَتْحِ كَمَا اختاره المازرى والقاضي لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الَّتِي
ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي الْإِبَاحَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ فَلَا
يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ تَكْرِيرَ الْإِبَاحَةِ وَاللَّهُ
أَعْلَم اهـ
--- الأثر الذي روي عن
ابن عباس عن رجوعه من إباحة نكاح المتعة أثر ضعيف وهو عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
" إِنَّمَا كَانَتِ المُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ، كَانَ الرَّجُلُ
يَقْدَمُ البَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ فَيَتَزَوَّجُ المَرْأَةَ
بِقَدْرِ مَا
يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ، وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ،
حَتَّى إِذَا نَزَلَتِ الآيَةُ: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] "، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَى هَذَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ رواه الترمذي (3/422)
وضعفه الألباني قال ابن حجر في فتح الباري (9/172) فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ
شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلَّةِ إِبَاحَتِهَا اهـ
[ إذا تزوج شخص بالمتعة
لزم الفراق ]
قال ابن بطال : وَأَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الْآنَ أُبْطِلَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ إِلَّا
قَوْلَ زُفَرَ إِنَّهُ جَعَلَهَا كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ
فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا قُلْتُ وَهُوَ فِي حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ
أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِم انظر فتح الباري (9/173)
[من تزوج وفي نيته
الطلاق ]
قال ابن قدامة في المغني
(7/179) وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ، إلَّا أَنَّ فِي نِيَّتِهِ طَلَاقَهَا
بَعْدَ شَهْرٍ، أَوْ إذَا انْقَضَتْ حَاجَتُهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ
أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: هُوَ نِكَاحُ مُتْعَةٍ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا تَضُرُّ نِيَّتُهُ، وَلَيْسَ عَلَى
الرَّجُلِ أَنْ يَنْوِيَ حَبْسَ امْرَأَتِهِ وَحَسْبُهُ إنْ وَافَقَتْهُ، وَإِلَّا
طَلَّقَهَا قَالَ الخرقي: (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي
وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ) .قال ابن قدامة : يَعْنِي إذَا
تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَصِحَّ
النِّكَاحُ سَوَاءٌ كَانَ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا، مِثْلُ أَنْ يُشْتَرَطَ
عَلَيْهِ طَلَاقُهَا إنْ قَدِمَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيْ
الشَّافِعِيِّ، قَالَهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ
مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ شَرْطًا، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ
فِيهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَلَا يُسَافِرَ بِهَا
وَلَنَا، أَنَّ هَذَا
شَرْطٌ مَانِعٌ مِنْ بَقَاءِ النِّكَاحِ، فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ،
وَيُفَارِقُ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعَ النِّكَاحِ
اهـ
[بَابُ الْخِيَارِ فِي
النِّكَاحِ]
قال الشافعي في الأم (5/87)
وَإِذَا نَكَحَ
الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي نِكَاحِهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ
أَكْثَرَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً يَنْتَهِي
إلَيْهَا إنْ شَاءَ أَجَازَ النِّكَاحَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ أَوْ قَالَ عَلَى
أَنِّي بِالْخِيَارِ يَعْنِي مَنْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ
أَجَازَ النِّكَاحَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَكَذَلِكَ إنْ
كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَرْأَةِ دُونَهُ أَوْ لَهُمَا مَعًا أَوْ شَرَطَاهُ أَوْ
أَحَدُهُمَا لِغَيْرِهِمَا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي هَذَا كُلِّهِ فَإِنْ لَمْ
يَدْخُلْ بِهَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا
بِمَا أَصَابَ مِنْهَا وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَيَخْطُبُهَا مَعَ الْخُطَّابِ
وَهِيَ تَعْتَدُّ مِنْ مَائِهِ وَلَوْ تَرَكَهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ كَانَ أَحَبَّ
إلَيَّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنَّمَا أَبْطَلْته بِأَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَلَمَّا
كَانَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ مَفْسُوخًا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنْهُ مَعْنًى
أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى إحْلَالِ الْمَنْكُوحَةِ
مُطْلَقًا لَا إلَى غَايَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ إلَى غَايَةٍ فَقَدْ
أَبَاحَتْ نَفْسَهَا بِحَالٍ وَمَنَعَتْهَا فِي أُخْرَى فَلَمْ يَجُزْ أَنْ
يَكُونَ النِّكَاحُ إلَّا مُطْلَقًا مِنْ قِبَلِهَا كَانَ الشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ
مَنْكُوحَةً إلَى غَايَةٍ أَوْ قِبَلِهِ أَوْ قِبَلِهِمَا مَعًا، وَلَمَّا كَانَ
النِّكَاحُ بِالْخِيَارِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ فِيمَا نَرَى
فَسَدَتْ الْمُتْعَةُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ وَالْجِمَاعُ حَلَالٌ فِيهِ عَلَى
مَا وَصَفْت مِنْ الْأَبَدِ وَلَا بِحَالٍ حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ اخْتِيَارًا
حَادِثًا فَتَكُونُ الْعُقْدَةُ انْعَقَدَتْ عَلَى النِّكَاحِ وَالْجِمَاعِ لَا
يَحِلُّ فِيهَا بِكُلِّ حَالٍ فَالنِّكَاحُ فِي الْعُقْدَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ لَمْ
يَثْبُتْ النِّكَاحُ بِشَيْءٍ حَدَثَ بَعْدَهَا لَيْسَ هُوَ هِيَ فَيَكُونُ
مُتَقَدِّمُ النِّكَاحِ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي حَالٍ وَثَابِتًا فِي أُخْرَى وَهَذَا
أَقْبَحُ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَقَعَ عَلَى
ثَابِتٍ أَوَّلًا إلَى مُدَّةٍ وَغَيْرِ ثَابِتٍ إذَا انْقَطَعَتْ الْمُدَّةُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي جُمْلَةٍ أَنَّ
النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْخِيَارِ كَمَا تَجُوزُ الْبُيُوعُ، فَإِذَا كَانَ
الْخِيَارُ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَزِمَ مَنْ أَعْطَى هَذِهِ الْجُمْلَةَ -
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ لَا يُجِيزَ النِّكَاحَ إذَا كَانَ بِشَرْطِ
الْخِيَارِ.
[ نكاح المحلل ]
هو أن يتزوّج
المطَلَّقةَ ثلاثا بعد انقضِاء عِدَّتِها ، ثم يُطلِّقَها لأجل أن تحل لِزَوجِها
الأول 0
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُحِلَّ وَالمُحَلَّلَ لَهُ» رواه الترمذي (1120) وقال «هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» وصححه الألباني قال الترمذي وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ
عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْهُمْ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الفُقَهَاءِ مِنَ
التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ،
وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ اهـ
قال الصنعاني في سبل
السلام (2/186)
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ
عَلَى تَحْرِيمِ التَّحْلِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اللَّعْنُ إلَّا عَلَى
فَاعِلِ الْمُحَرَّمِ،
وَكُلُّ مُحَرَّمٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْعَقْدِ
وَاللَّعْنَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِلْفَاعِلِ لَكِنَّهُ عُلِّقَ بِوَصْفٍ يَصِحُّ
أَنْ يَكُونَ عِلَّةَ الْحُكْمِ، وَذَكَرُوا لِلتَّحْلِيلِ صُوَرًا: مِنْهَا أَنْ
يَقُولَ لَهُ فِي الْعَقْدِ إذَا أَحْلَلْتهَا فَلَا نِكَاحَ، وَهَذَا مِثْلُ
نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَجْلِ التَّوْقِيتِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ
فِي الْعَقْدِ إذَا أَحْلَلْتهَا طَلَّقْتهَا.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ
مُضْمِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَتَوَاطَأَ عَلَى التَّحْلِيلِ، وَلَا يَكُونَ
النِّكَاحُ الدَّائِمُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَظَاهِرُ شُمُولِ اللَّعْنِ فَسَادُ
الْعَقْدِ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ، وَفِي بَعْضِهَا خِلَافٌ بِلَا دَلِيلٍ نَاهِضٍ
فَلَا يُشْتَغَلُ بِهَا اهـ
قال ابن قدامة في المغني
(7/180)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ:
(وَلَوْ تَزَوَّجَهَا
عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ) . يَعْنِي إذَا
تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَصِحَّ
النِّكَاحُ سَوَاءٌ كَانَ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا، مِثْلُ أَنْ يُشْتَرَطَ
عَلَيْهِ طَلَاقُهَا إنْ قَدِمَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيْ
الشَّافِعِيِّ، قَالَهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ
مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ شَرْطًا، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ
فِيهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَلَا يُسَافِرَ بِهَا
وَلَنَا، أَنَّ هَذَا
شَرْطٌ مَانِعٌ مِنْ بَقَاءِ النِّكَاحِ، فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ،
وَيُفَارِقُ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعَ النِّكَاحِ.
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ:
(وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُحِلّهَا لِزَوْجِ كَانَ قَبْلَهُ)
وَجُمْلَتُهُ أَنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ حَرَامٌ بَاطِلٌ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ
أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ،
وَاللَّيْثُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَسَوَاءٌ
قَالَ: زَوَّجْتُكَهَا إلَى أَنْ تَطَأَهَا. أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا
فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، أَوْ أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا لِلْأَوَّلِ طَلَّقَهَا
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ: لَا يَصِحَّ. وَفِي
الثَّالِثَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ،
وَالْمُحَلَّلَ لَهُ.» ثم قال : فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ التَّحْلِيلَ قَبْلَ
الْعَقْدِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْعَقْدِ وَنَوَاهُ فِي الْعَقْدِ أَوْ نَوَى
التَّحْلِيلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْضًا ثم قال فَإِنْ
شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُحِلَّهَا قَبْلَ الْعَقْدِ، فَنَوَى بِالْعَقْدِ غَيْرَ مَا شَرَطُوا
عَلَيْهِ، وَقَصَدَ نِكَاحَ رَغْبَةٍ، صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ خَلَا عَنْ
نِيَّةِ التَّحْلِيلِ وَشَرْطِهِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ
[ رجل تزوج امرأة وفي
نيته أن يطلقها ما حكم نكاحه ]
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ قَدِمَ رَجُلٌ بَلَدًا
وَأَحَبَّ أَنْ يَنْكِحَ
امْرَأَةً وَنِيَّتُهُ وَنِيَّتُهَا أَنْ لَا يُمْسِكَهَا إلَّا مُقَامَهُ
بِالْبَلَدِ أَوْ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً كَانَتْ عَلَى هَذَا
نِيَّتُهُ دُونَ نِيَّتِهَا أَوْ نِيَّتُهَا دُونَ نِيَّتِهِ أَوْ نِيَّتُهُمَا
مَعًا وَنِيَّةُ الْوَلِيِّ غَيْرَ أَنَّهُمَا إذَا عَقَدَا النِّكَاحَ مُطْلَقًا
لَا شَرْطَ فِيهِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَا تُفْسِدُ النِّيَّةُ مِنْ النِّكَاحِ
شَيْئًا لِأَنَّ النِّيَّةَ حَدِيثُ نَفْسٍ وَقَدْ وُضِعَ عَنْ النَّاسِ مَا
حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَقَدْ يَنْوِي الشَّيْءَ وَلَا يَفْعَلُهُ
وَيَنْوِيهِ وَيَفْعَلُهُ فَيَكُونُ الْفِعْلُ حَادِثًا غَيْرَ النِّيَّةِ انظر
الأم (5/86) قال ابن قدامة في المغني (7/179) وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ، إلَّا أَنَّ فِي نِيَّتِهِ طَلَاقَهَا
بَعْدَ شَهْرٍ، أَوْ إذَا انْقَضَتْ حَاجَتُهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ
أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: هُوَ نِكَاحُ مُتْعَةٍ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا تَضُرُّ نِيَّتُهُ، وَلَيْسَ عَلَى
الرَّجُلِ أَنْ يَنْوِيَ حَبْسَ امْرَأَتِهِ وَحَسْبُهُ إنْ وَافَقَتْهُ، وَإِلَّا
طَلَّقَهَا اهـ
[ نكاح الشغار ]
1- عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ» وَالشِّغَارُ أَنْ
يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، لَيْسَ
بَيْنَهُمَا صَدَاق رواه البخاري (5112) ومسلم (1415)
الْبُخَارِيُّ صَرَّحَ
فِي كِتَابِ الْحِيَلِ أَنَّ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ
2- عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الشِّغَارِ» زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: " وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي،
أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي رواه مسلم (1416)
3- أَنَّ الْعَبَّاسَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، أَنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
الْحَكَمِ ابْنَتَهُ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَتَهُ وَكَانَا جَعَلَا
صَدَاقًا فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ
بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: «هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه أبو داود (2075) وحسنه الألباني وشيخنا مصطفى العدوي
قال شيخنا مصطفى العدوي
في أحكام النساء (3/135) اعلم أولا أنه قد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على
أن نكاح الشغار منهي عنه ، من هؤلاء الذين نقلوا ذلك النووي – رحمه الله – كما في
شرح مسلم وابن عبد البر كما نقل عنه الحافظ في الفتح لكن اختلفوا في أمور منها :
تفسير الشغار ففيه قولان : الأول يوضح أن فيه وصفين أحدهما : أن يزوج الرجل الرجل
ابنته أو أخته أو موُليته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته أو موليته ، ثانيهما :
أن لا صداق بينهما 0
التفسير الثاني يقتصر على
الوصف الأول فقط بمعنى أنه يفسر الشغار بأن يزوج الرجل الرجل ابنته أو أخته أو
موليته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته أو موليته سواء كان بينهما صداق أو لم
يكن بينهما صداق 0
وأهل التفسير الأول
استدلوا بتفسير نافع المتقدم 0
وأهل التفسير الثاني
استدلوا بزيادة ابن نمير التي زادها في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – واستدلوا
بفقه معاويه – رضي الله عنه – للحديث 0
والذي تطمئن إليه النفس
هو التفسير الثاني أي أنه إذا قال الرجل للرجل زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي
فهذا منهي عنه سواء جعلا صداقا أم لم يجعلا صداقا ، وذلك لأمور منها :
1- أن قول الرجل للرجل
زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي شرط ليس في كتاب الله ، وقد قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ،
وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» أخرجه البخاري ( مع الفتح 4/370)
2- أن تفسير الشغار الوارد في زيادة ابن نمير أقرب
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر – رحمه الله-
كما في فتح الباري ( 9/162-163)
3-هو فقه الصحابة رضي
الله عنهم للحديث ، فهذا معاوية – رضي الله عنه – يقضي بالتفريق بين الزوجين
اللذين تزوجا بالشغار وكانا جعلا صداقة ، وقد تقدم الحديث ولم نقف على أن أحدا من
الصحابة – رضي الله عنهم – أنكر ذلك عليه ، بل وقد رفع معاوية ذلك إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم 0
فمن هذا يترجح أن قول
الرجل للرجل زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي ، أو زوجني أختك على أن أزوجك أختي ،
لا يجوز سواء جعلا صداقا أم لا ، والله أعلم 0
هذا وإذا كان الأمر كذلك
، وقد تزوج بالشغار أُناس فكيف العمل ؟ قلت : فيرى البعض أن العمل على حديث معاوية
المتقدم فيلزم تجديد العقد 0 ولقائل أن يقول بقول الله – تعالى - : [فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ
وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ]
وقال آخرون بفسخ العقد
قبل الدخول ولا يفسخ بعده 0
وقال فريق من أهل العلم
يُحكم لكل من المرأتين بمهر المثل ، والله أعلم تنبيه قال النووي – رحمه الله – (
شرح مسلم 3/572) وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَنَاتِ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْعَمَّاتِ
وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْإِمَاءِ كَالْبَنَاتِ فِي هَذَا 0
تنبيه آخر : للشيخ عبد
العزيز بن باز – رحمه الله – رسالة في نكاح الشغار ، وكذلك لأخينا في الله محمد بن
عبد الله الريمي اليمني فمن أراد مراجعتها فعل ، وبالله التوفيق 0
قال الصنعاني في سبل
السلام (2/178) وَإِذْ قَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ هَلْ هُوَ بَاطِلٌ أَوْ غَيْرُ بَاطِلٍ فَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ
وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ إلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَهُوَ
يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ، وَلِلْفُقَهَاءِ خِلَافٌ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ لَا
نُطَوِّلُ بِهِ فَكُلُّهَا أَقْوَالٌ تَخْمِينِيَّةٌ، وَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ
فِي الْحَدِيثِ «لَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا» أَنَّهُ عِلَّةُ النَّهْيِ، وَذَهَبَتْ
الْحَنَفِيَّةُ، وَطَائِفَةٌ إلَى أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ، وَيَلْغُو مَا ذُكِرَ
فِيهِ عَمَلًا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَيُجَابُ بِأَنَّهُ خَصَّهُ النَّهْيُ اهـ
[يحرم نكاح المسلمين من
أهل الشرك ويستثنى الكتابيه ]
قال تعالى : { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ
أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ
مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ
وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [البقرة: 221] قال الطبري في تفسيره (3/714) وَأَوْلَى
هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ قَتَادَةُ، مِنْ أَنِّ
اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ
حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ، [ص:715] وَأَنَّ الْآيَةَ عَامٌّ ظَاهِرُهَا خَاصٌّ
بَاطِنُهَا، لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ
غَيْرُ دَاخِلَاتٍ فِيهَا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَحَلَّ
بِقَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِكَاحِ مُحْصَنَاتِهِنَّ، مِثْلَ
الَّذِي أَبَاحَ لَهُمْ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ اهـ
وقال ابن كثير في تفسيره
(1/436)
هَذَا تَحْرِيمٌ مِنَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، أَنْ يَتَزَوَّجُوا الْمُشْرِكَاتِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، ثُمَّ إِنْ
كَانَ عُمُومُهَا مُرَادًا، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهَا كُلُّ مُشْرِكَةٍ مِنْ
كِتَابِيَّةٍ وَوَثَنِيَّةٍ، فَقَدْ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ نِسَاءَ أَهْلِ الكتاب
بقوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ [الْمَائِدَةِ: 5]
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ: اسْتَثْنَى اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ
نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ وَمَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ
وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُمْ اهـ
قال ابن قدامة في المغني
(7/131) وَسَائِر الْكُفَّارِ
غَيْرُ أَهْلِ
الْكِتَابِ، كَمَنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَحْجَارِ
وَالشَّجَرِ وَالْحَيَوَانِ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَحْرِيمِ
نِسَائِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ؛ وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَتَيْنِ،
وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهُمَا. وَالْمُرْتَدَّةُ يَحْرُمُ نِكَاحُهَا عَلَى أَيِّ
دِينٍ كَانَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي
انْتَقَلَتْ إلَيْهِ فِي إقْرَارِهَا عَلَيْهِ، فَفِي حِلِّهَا أَوْلَى ثم قال
لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِحَمْدِ اللَّهِ، اخْتِلَافٌ فِي حِلِّ حَرَائِرِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ
ذَلِكَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَحُذَيْفَةُ وَسَلْمَانُ، وَجَابِرٌ،
وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ
الْأَوَائِلِ أَنَّهُ حَرَّمَ ذَلِكَ. وَرَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ
حُذَيْفَةَ، وَطَلْحَةَ، وَالْجَارُودَ بْنَ الْمُعَلَّى، وَأُذَيْنَةَ
الْعَبْدِيَّ، تَزَوَّجُوا نِسَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَبِهِ قَالَ سَائِرُ
أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَحَرَّمَتْهُ
الْإِمَامِيَّةُ، تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ
حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ، {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}
[الممتحنة: 10] ، وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 5] /إلَى قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
[المائدة: 5] . وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] . فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهَا نُسِخَتْ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ.
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُمَا مُتَقَدِّمَتَانِ،
وَالْآيَةُ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْمَائِدَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُمَا. وَقَالَ
آخَرُونَ:
لَيْسَ هَذَا نَسْخًا،
فَإِنَّ لَفْظَةَ الْمُشْرِكِينَ بِإِطْلَاقِهَا لَا تَتَنَاوَلُ أَهْلَ
الْكِتَابِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة: 1] . وَقَالَ {إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 6] .
وَقَالَ {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ
وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82] . وَقَالَ {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 105] .
وَسَائِرُ آيِ
الْقُرْآنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ الْمُشْرِكِينَ
بِإِطْلَاقِهَا غَيْرُ مُتَنَاوِلَةٍ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةَ، وَلِأَنَّ مَا احْتَجُّوا بِهِ عَامٌّ فِي
كُلِّ كَافِرَةٍ، وَآيَتُنَا خَاصَّةٌ فِي حِلِّ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْخَاصُّ
يَجِبُ تَقْدِيمُهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ
كِتَابِيَّةً؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلَّذِينَ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ
الْكِتَابِ: طَلِّقُوهُنَّ. فَطَلَّقُوهُنَّ إلَّا حُذَيْفَةَ، فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ: طَلِّقْهَا. قَالَ: تَشْهَدُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ قَالَ: هِيَ جَمْرَةٌ،
طَلِّقْهَا. قَالَ: تَشْهَدُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ قَالَ: هِيَ جَمْرَةٌ. قَالَ: قَدْ
عَلِمْت أَنَّهَا جَمْرَةٌ، وَلَكِنَّهَا لِي حَلَالٌ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ
طَلَّقَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا طَلَّقْتهَا حِينَ أَمَرَك عُمَرُ؟ قَالَ:
كَرِهْت أَنْ يَرَى النَّاسُ أَنِّي رَكِبْت أَمْرًا لَا يَنْبَغِي لِي.
وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا مَالَ إلَيْهَا قَلْبُهُ فَفَتَنَتْهُ، وَرُبَّمَا كَانَ
بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَيَمِيلُ إلَيْهَا اهـ
فائدة قال ابن قدامة في
المغني (7/130) وَأَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ هَذَا حُكْمُهُمْ، هُمْ أَهْلُ
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا
أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] .
فَأَهْلُ التَّوْرَاةِ الْيَهُودُ وَالسَّامِرَةُ، وَأَهْلُ الْإِنْجِيلِ
النَّصَارَى، وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ مِنْ الْإِفْرِنْجِ
وَالْأَرْمَنِ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا الصَّابِئُونَ
فَاخْتَلَفَ فِيهِمْ السَّلَفُ كَثِيرًا، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ جِنْسٌ
مِنْ النَّصَارَى. وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَعَلَّقَ الْقَوْلَ فِيهِمْ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ
يَسْبِتُونَ. فَهَؤُلَاءِ إذَا يُشْبِهُونَ الْيَهُودَ. وَالصَّحِيحُ فِيهِمْ
أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يُوَافِقُونَ النَّصَارَى أَوْ الْيَهُودَ فِي أَصِلْ
دِينِهِمْ، وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي فُرُوعِهِ، فَهُمْ مِمَّنْ وَافَقُوهُ، وَإِنْ
خَالَفُوهُمْ فِي أَصِلْ الدِّينِ، فَلَيْسَ هُمْ مِنْهُمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَنْ سِوَى
هَؤُلَاءِ مِنْ الْكُفَّارِ، مِثْلُ الْمُتَمَسِّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ، وَشِيثٍ
وَزَبُورِ دَاوُد، فَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ
وَلَا ذَبَائِحُهُمْ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِمْ
وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَتَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ،
وَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ، وَيُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا
بِكِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَشْبَهُوا الْيَهُودَ
وَالنَّصَارَى. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا
أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] .
وَلِأَنَّ تِلْكَ الْكُتُبَ كَانَتْ مَوَاعِظَ وَأَمْثَالًا، لَا أَحْكَامَ
فِيهَا، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْكُتُبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى
الْأَحْكَامِ.
[المجوس أهل كتاب، وإذا كانوا
أهل كتاب فنكاح نسائهم بالزواج حلال ] قلت تنازع العلماء في ذلك على قولين ؟
القول الأول : لَيْسَ لِلْمَجُوسِ كِتَابٌ،
وَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، - قال تعالى - {وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] .وَقَوْله {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}
[الممتحنة: 10] . فَرَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَمَنْ عَدَاهُمْ
يَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ لِلْمَجُوسِ كِتَابًا. وَسُئِلَ
أَحْمَدُ، أَيَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ لِلْمَجُوسِ كِتَابًا؟ فَقَالَ: هَذَا
بَاطِلٌ وَاسْتَعْظَمَهُ جِدًّا. وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا، فَقَدْ
بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَثْبُتُ لِغَيْرِ أَهْلِ
الْكِتَابَيْنِ.
القول الثاني : وهو
الصحيح أن المجوس أهل كتاب ونكاح نسائهم بالزواج حلال كما قال أبو ثَوْر وابن حزم
قال ابن حزم في المحلى
(9/17)
وَأَمَّا الْمَجُوسِيَّةُ
- فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْجِهَادِ " وَ " كِتَابِ التَّذْكِيَةِ
" مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ، وَإِذَا كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ
بِالزَّوَاجِ حَلَالٌ.
وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّهُمْ
أَهْلُ كِتَابٍ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا
لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا
سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فَلَمْ يُبِحْ لَنَا تَرْكَ قَتْلِهِمْ إلَّا بِأَنْ يُسْلِمُوا
فَقَطْ.
وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا
حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:
29] فَاسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَ الْكِتَابِ خَاصَّةً بِإِعْفَائِهِمْ
مِنْ الْقَتْلِ بِغُرْمِ الْجِزْيَةِ مَعَ الصِّغَارِ مِنْ جُمْلَةِ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ
الَّذِينَ لَا يَحِلُّ إعْفَاؤُهُمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا.
وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ»
- رواه البخاري (3157) -
وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ
أَنْ يُخَالِفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَ رَبِّهِ
إلَّا لَوْ بَيَّنَ لَنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ، فَكُنَّا نَدْرِي حِينَئِذٍ
أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ 00 وَمِمَّنْ أَبَاحَ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ أَبُو
ثَوْرٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ –
ابن حزم- : وَمِنْ أَبْيَنِ الْخَطَأِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ لَا
تُقْبَلَ جِزْيَةٌ مِنْ مُشْرِكٍ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا أَنْ تُنْكَحَ
مُشْرِكَةٌ إلَّا الْكِتَابِيَّةُ وَأَنْ لَا تُؤْكَلَ ذَبِيحَةُ مُشْرِكٍ إلَّا كِتَابِيٌّ،
ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ، فَيُمْنَعُ مِنْ بَعْضِهَا وَيُبِيحُ
بَعْضَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ اهـ قلت : فعلى هذا أهل الكتاب هم
اليهود والنصارى والمجوس فقط والله أعلم
قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام
النساء (3/128)
وبعض هذا العرض السريع لجملة
الاستدلالات والآثار والأقوال المتقدمة نخلص بالآتي :
1-
أن نساء أهل الكتاب حلال لنا لقوله
تعالى : {الْيَوْمَ أُحِلَّ
لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]
2- أن المراد بالإحصان – كما ذهب إليه جمهور أهل العلم – العفة
0
3- أن القول القائل بأن
نصارى بني تغلب أو غيرهم من نصارى العرب تحرم نساؤهم على المسلمين ، وهو قول علي –
رضي الله عنه – وعبيدة وعطاء ، والشافعي ، قول ليس له شاهد صريح من كتاب الله ،
ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل والأدلة تخالفه فقد أطلقت الآية
الكريمة [وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ،
وتزوج عدد من الصحابة بكتابيات ، ولم يرد أنهم سألوا هل هن إسرائيليات أم لسن
بإسرائيليات ، فمن ادَّعى دينا وانتسب إليه فهو من أهله ، وقد قال سبحانه في شأن
اليهود : [وَمِنْهُمْ
أُمِّيُّونَ
لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ [ سورة
البقرة (78)] وقال في شأن النصارى : {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا
ذُكِرُواْ بِهِ }[المائدة: 14]
فالذي يظهر لي في هذا
الباب هو ما اختاره حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُلُوا ذَبَائِحَ بَنِي ثَعْلَبَةَ،
وَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ» فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ} [المائدة: 51]، فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إِلَّا بِالْوِلَايَةِ لَكَانُوا
مِنْهُمْ والله تعالى أعلم
--- قال ابن عثيمين في
الشرح الممتع (12/146)
وهل يشترط أن تكون ملتزمة بالدين الخالص لليهود
والنصارى، أو لا يشترط ؟ قال بعض أهل العلم: إنه يشترط بأن توحد الله ـ عزّ وجل ـ ولا
تشرك به شيئاً، ولكنها لا تتبع إلا موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ إن كانت يهودية، أو
عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ إن كانت نصرانية، فإن خالفت الإسلام وأشركت فإنها لا
تحل، وهؤلاء راموا الجمع بين آية المائدة وآية البقرة، فقالوا: إذا أشركت بالله، ولو
كانت يهودية أو نصرانية فلا تحل، وأما إذا كانت غير مشركة بالله وإن لم تَدِنْ بالإسلام
الذي جاء به محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإنها تحل، وتكون الفائدة من قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أنها غير مسلمة وحلت، لا أنها
مشركة وحلت، وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم من السلف والخلف، وعلى هذا الرأي إذا كانت
النصرانية تقول بأن الله ثالث ثلاثة، فإنها لا تحل ولو تدينت بدين النصارى، وكذلك اليهودية
إذا قالت: عزير ابن الله فإنه لا تحل؛ لأنها مشركة.
وذهب أكثر أهل العلم إلى
أن الآية: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} عامة، فكل من انتمى إلى دين أهل الكتاب
فهو منهم، وقالوا: إن هذا مخصص لقوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة: {وَلاَ تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} لأن آية البقرة متقدمة على آية المائدة، ثم هذا التعليل
في الحقيقة عليل؛ لأن التخصيص لا فرق فيه بين المتقدم والمتأخر، لكن الدليل الواضح
هو أن الله ذكر في سورة المائدة حل نساء أهل الكتاب، وحكى عنهم الشرك وكفَّرهم أيضاً
ـ سبحانه وتعالى ـ فقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}
[المائدة: 73] ، وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ
ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] ، وقال:
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ
ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ
يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
*} [التوبة] إلى أن قال: {هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] .
فالحاصل: أن الذي عليه جمهور
أهل العلم أن من تدين بدين أهل الكتاب وانتسب إليهم، ولو كان يقول بالتثليث فإنه تحل
ذبيحته، ويحل نكاحه اهـ
--- ولا يحل للمسلمة أن تتزوج بغير المسلم
من الديانات الأخرى لا من اليهود والنصارى ولا من غيرهم من الكفار، فلا يحل لها أن
ينكحها اليهودي أو النصراني ولا المجوسي ولا الشيوعي والوثني أو غير ذلك بالإجماع
0
والدليل على ذلك قوله
تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلِعَبْدٌ
مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221]
قال الإمام الطبري:
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا
تُنْكِحُوا
الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلِعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ
وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: أَنَّ
اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَنْكِحْنَ مُشْرِكًا، كَائِنًا
مَنْ كَانَ الْمُشْرِكُ مِنْ أَيِّ أَصْنَافِ الشِّرْكِ كَانَ. فَلَا
تُنْكِحُوهُنَّ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ
عَلَيْكُمْ، وَلَأَنْ
تُزَوِّجُوهُنَّ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ مُصَدِّقٍ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا
جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تُزَوِّجُوهُنَّ مِنْ
حُرٍّ مُشْرِكٍ وَلَوْ شَرُفَ نَسَبُهُ وَكَرُمَ أَصْلُهُ، وَإِنْ أَعْجَبَكُمْ حَسَبُهُ،
وَنَسَبُهُ.00 عَنْ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، فِي قَوْلِهِ: " {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ}
[البقرة: 221] قَالَ: لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُنْكِحَ يَهُودِيًّا، أَوْ
نَصْرَانِيًّا، وَلَا مُشْرِكًا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ:
" {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] قَالَ:
حَرَّمَ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى رِجَالِهِمْ يَعْنِي رِجَالَ الْمُشْرِكِينَ "
(تفسير الطبري 3/ 718)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق