--------[هل
يجوز الزواج من امرأة كانت تمارس الزنى؟]
قلت : تنازع العلماء في
ذلك على قولين ؟
القول الأول : لا يصح نكاح
الزانية أو الزاني حتى يتوبا،
فإن لم تتب المرأة أو الرجل لم يصح النكاح. وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ، وَإِسْحَاقُ،
وَأَبُو عُبَيْدٍ.
وأحمد انظر المغني (7\ 141)
واختاره شيخ الإسلام وابن القيم
ودليلهم : 1- قال الله
تعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ
لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ) النور/3. قال ابن كثير في تفسيره (6\9)
{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ
إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ
مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
}هَذَا خَبَر مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطأ إِلَّا
زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً. أَيْ: لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى مُرَادِهِ مِنَ الزِّنَى
إِلَّا زَانِيَةٌ عَاصِيَةٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ، لَا تَرَى حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ: {الزَّانِيَةُ لَا
يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ} أَيْ: عَاصٍ بِزِنَاهُ، {أَوْ مُشْرِكٌ} لَا يَعْتَقِدُ
تَحْرِيمَهُ.
2- عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ
الْغَنَوِيَّ كَانَ يَحْمِلُ الْأَسَارَى بِمَكَّةَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ
يُقَالُ لَهَا: عَنَاقُ وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحُ
عَنَاقَ؟ قَالَ فَسَكَتَ عَنِّي، فَنَزَلَتْ: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}
[النور: 3] فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ وَقَالَ: «لَا تَنْكِحْهَا» رواه أبو داود (2051) وصححه الألباني
قال في "عون
المعبود (6\ 34)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ لَا يَحِلُّ
لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ ظَهَرَ منها الزنى وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَةُ
الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِي آخِرِهَا وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ فإنه صريح في التحريم انتهى.
3- عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ». رواه َأَبُو دَاوُد (2052) حديث حسن وصححه الألباني
قال الصنعاني في سبل
السلام (2\187)
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُزَوَّجَ بِمَنْ ظَهَرَ زِنَاهُ،
وَلَعَلَّ الْوَصْفَ بِالْمَجْلُودِ بِنَاءً عَلَى الْأَغْلَبِ فِي حَقِّ مَنْ
ظَهَرَ مِنْهُ الزِّنَى، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ
بِالزَّانِيَةِ الَّتِي ظَهَرَ زِنَاهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ قَوْله
تَعَالَى {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] إلَّا أَنَّهُ
حَمَلَ الْحَدِيثَ وَالْآيَةَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى
" لَا يَنْكِحُ " لَا يَرْغَبُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إلَّا فِي مِثْلِهِ، وَالزَّانِيَةُ لَا
تَرْغَبُ فِي نِكَاحِ غَيْرِ الْعَاهِرِ هَكَذَا تَأَوَّلُوهُمَا، وَاَلَّذِي
يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَالْآيَةُ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لَا الْإِخْبَارُ
عَنْ مُجَرَّدِ الرَّغْبَةِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ نِكَاحُ الزَّانِي الْعَفِيفَةَ،
وَالْعَفِيفِ الزَّانِيَةَ، وَلَا أَصَرْحُ مِنْ قَوْلِهِ {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] أَيْ كَامِلِي الْإِيمَانِ الَّذِينَ هُمْ لَيْسُوا
بِزُنَاةٍ، وَإِلَّا فَإِنَّ الزَّانِيَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مُسَمَّى الْإِيمَانِ
عِنْدَ الْأَكْثَرِ.انتهى
القول الثاني : قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ
فأجازوا زواج الزانية،
لأمور:
1 - أن ظاهر الآية غير مراد لأنه يستلزم القول بأن
الزاني المسلم تحل له المشركة، وكذلك الزانية المسلمة يحل لها المشرك وهما ممتنعان
كما تقدم.
2 - قالوا: الآية منسوخة بقوله تعالى:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} قد
خلت الزانية في أيامى المسلمين، ويعكِّر على هذا الجهل بالتاريخ فلا يثبت النسخ.
قال ابن القيم في زاد المعاد (5\104)
وَأَمَّا نِكَاحُ
الزَّانِيَةِ
فَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَحْرِيمِهِ فِي سُورَةِ
النُّورِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ نَكَحَهَا فَهُوَ إِمَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ،
فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَلْتَزِمَ حُكْمَهُ سُبْحَانَهُ وَيَعْتَقِدَ وُجُوبَهُ
عَلَيْهِ أَوَ لَا، فَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ
مُشْرِكٌ. وَإِنِ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ وَخَالَفَهُ فَهُوَ زَانٍ،
ثُمَّ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهِ فَقَالَ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
[النور: 3] [النُّورِ: 3]
وَلَا يَخْفَى أَنَّ
دَعْوَى نَسْخِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:
32] [النُّورِ: 34] مِنْ أَضْعَفِ مَا يُقَالُ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ حَمْلُ
النِّكَاحِ عَلَى الزِّنَى، إِذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ الزَّانِي لَا يَزْنِي
إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ، وَالزَّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا
زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، وَكَلَامُ اللَّهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَانَ عَنْ مِثْلِ
هَذَا.
وَكَذَلِكَ حَمْلُ
الْآيَةِ عَلَى امْرَأَةٍ بَغِيٍّ مُشْرِكَةٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ
لَفْظِهَا وَسِيَاقِهَا، كَيْفَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَبَاحَ نِكَاحَ
الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ بِشَرْطِ الْإِحْصَانِ، وَهُوَ الْعِفَّةُ، فَقَالَ:
{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25]
[النِّسَاءِ: 25] فَإِنَّمَا أَبَاحَ نِكَاحَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ
غَيْرِهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ، فَإِنَّ
الْأَبْضَاعَ فِي الْأَصْلِ عَلَى التَّحْرِيمِ، فَيُقْتَصَرُ فِي إِبَاحَتِهَا
عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَمَا عَدَاهُ فَعَلَى أَصْلِ
التَّحْرِيمِ.وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {الْخَبِيثَاتُ
لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26] [النُّورِ: 26]
وَالْخَبِيثَاتُ: الزَّوَانِي. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ بِهِنَّ
فَهُوَ خَبِيثٌ مِثْلُهُنَّ.
وَأَيْضًا فَمِنْ
أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ زَوْجَ بَغِيٍّ، وَقُبْحُ هَذَا
مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ الْخَلْقِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ غَايَةُ الْمَسَبَّةِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ
الْبَغِيَّ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تُفْسِدَ عَلَى الرَّجُلِ فِرَاشَهُ، وَتُعَلِّقَ
عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ، وَالتَّحْرِيمُ يَثْبُتُ بِدُونِ هَذَا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ
الْمَرْأَةِ الَّتِي وَجَدَهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى.
وَأَيْضًا فَإِنَّ (
«مرثد بن أبي مرثد الغنوي اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عناق وَكَانَتْ بَغِيًّا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ النُّورِ، وَقَالَ: لَا
تَنْكِحْهَا» ) .
3 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا
تَمْنَعُ يَدَ
لَامِسٍ قَالَ: «غَرِّبْهَا»- أي طلقها -
قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي، قَالَ: «فَاسْتَمْتِعْ بِهَا
رواه أبو داود (2049) حديث صحيح وقال الألباني في صحيح أبي داود (1788) (قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الحافظ ابن
كثير: " إسناده جيد "، وأطلق النووي عليه الصحة اهـ
وأجيب قال الصنعاني في سبل السلام (2\284)
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ عَلَى قَوْلَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ
مَعْنَاهُ الْفُجُورُ، وَأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ مِنْهَا
الْفَاحِشَةَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْخَلَّالُ وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالْخَطَّابِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَلَى
أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَطْلِيقُ مَنْ فَسَقَتْ بِالزِّنَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا
يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَتِهَا.
(وَالثَّانِي) أَنَّهَا
تُبَذِّرُ بِمَالِ زَوْجِهَا، وَلَا تَمْنَعُ أَحَدًا طَلَبَ مِنْهَا شَيْئًا
مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْأَصْمَعِيِّ وَنَقَلَهُ عَنْ عُلَمَاءِ
الْإِسْلَامِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ أَشْبَهَ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى
الْأَوَّلَ يَشْكُلُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وُجُوهٌ
كَثِيرَةٌ.(قُلْت) : الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي غَايَةٍ مِنْ الْبُعْدِ بَلْ لَا
يَصِحُّ لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا
يَأْمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ دَيُّوثًا فَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ
وَالثَّانِي بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ إنْ كَانَ بِمَالِهَا فَمَنْعُهَا
مُمْكِنٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ فَكَذَلِكَ، وَلَا يُوجِبُ أَمْرُهُ
بِطَلَاقِهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ
لَا يَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ كِنَايَةً عَنْ الْجُودِ فَالْأَقْرَبُ الْمُرَادُ
أَنَّهَا سَهْلَةُ الْأَخْلَاقِ لَيْسَ فِيهَا نُفُورٌ وَحِشْمَةٌ عَنْ
الْأَجَانِبِ لَا أَنَّهَا تَأْتِي الْفَاحِشَةَ وَكَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ
وَالرِّجَالِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مَعَ الْبُعْدِ مِنْ الْفَاحِشَةِ، وَلَوْ
أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا عَنْ الْوِقَاعِ مِنْ الْأَجَانِبِ
لَكَانَ قَاذِفًا لَهَا.انتهى
قال شيخ الإسلام ابن
تيمية:في مجموع الفتاوى (32/110) :
نِكَاحُ الزَّانِيَةِ " حَرَامٌ حَتَّى تَتُوبَ سَوَاءٌ كَانَ زَنَى بِهَا
هُوَ أَوْ غَيْرُهُ. هَذَا هُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ وَهُوَ مَذْهَبُ
طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: مِنْهُمْ
أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ
وَغَيْرُهُ 000. وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ
وَالِاعْتِبَارُ؛ وَالْمَشْهُورُ فِي ذَلِكَ آيَةُ النُّورِ قَوْله تَعَالَى
{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا
يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
وَفِي السُّنَنِ حَدِيثُ أَبِي مَرْثَدٍ الغنوي
قال ابن عثيمين في نور
على الدرب (2\19)
لا يجوز لك أن تزوج ابنتك برجل زان حتى تظهر توبته من الزنا وتستقيم
حاله لقول الله تعالى (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً
وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ) ومعنى الآية الكريمة أنه يحرم على المؤمنين أن يزوجوا الزاني أو
أن يتزوجوا الزانية فإن فعلوا ذلك كانوا إما زناة وإما مشركين ووجه هذا أن الرجل
إذا تزوج الزانية فإما أن يرفض كون الزواج بها حرام ولا يعترف به وحينئذٍ يكون
مشركاً لأنه أحل ما حرم الله وإما أن يؤمن بأن الزواج بها حرام ولكن لم يتمكن من
التحكم في نفسه حتى عصى الله عز وجل بفعل ذلك فيكون زانياً لأن النكاح ليس بصحيح
هذا هو معنى الآية البين الظاهر الواضح الذي لا يحتاج إلى تكلف أو تأويل وأما إذا
كان الخاطب عفيفاً عن الزنا ولكنه يشرب الخمر فإننا لا ننصحه بتزويجها إياه لقول
النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) وشارب الخمر لا
يرضى دينه لأنه فاسق حتى يتوب من شرب الخمر ويقلع ولكن لو زوجها به مع رضاها به
فإن النكاح صحيح بخلاف ما إذا زوجها برجل زان لم تظهر توبته اهـ
[كيف نعرف أنها تابت]
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (12/138)
قال بعض أهل العلم: نعلم
أنها تابت بأن تراود على الزنا فتأبى، يعني أن يذهب أحد إليها
ويراودها، فإذا أبت دل ذلك على أنها تابت، لكن هذا القول ضعيف جداً؛ لأنها إن علمت أن هذا الرجل من الفساق، فما
أقرب أن تجيب، ويكون هذا فتح باب للزنا، وإن علمت أنه من أهل الخير سوف تمتنع وإن كانت
تريد الزنا، وفيه ـ أيضاً ـ تغرير بصاحب الخير؛ لأنه ربما إذا راودها ووافقت غرته ويزني
بها، فالصواب أن توبة الزانية كغيرها،
فإذا علمنا أن المرأة أصبحت نادمة، وظهر عليها أثر الحزن والبعد عن مواقع الريب، فهنا
نعلم أنها تابت فتحل
[ نكاح الأمة ]
يجوز للرجل الحر أن يتزوج الأمة بشرط :
(أ) أن تكون الأمة التي سيتزوجها مسلمة ؛ فلا يصح أن تكون كتابية ،
لكنه يمكن أن يمتلك الكتابية بملك اليمين ويطؤها ، أما أن يعقد عليها ويتزوجها فلا
يجوز إلا للأمة المسلمة 0
(ب) أن يخاف على نفسه العزوبة ، أي : أن زواجه من الأمة يباح لرفع
الضرر والفتنة عنه 0
(ج) أن يعجز عن مهر الحرة ، أو ثمن شراء أمة ودليل ما تقدم قوله
تعالى : [وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ
فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ] 00[ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ] ( النساء 25)
ملاحظات :
(1) لا يحل للعبد أن ينكح سيدته ، حتى تعتقه ، وهذا إجماع 0
قال ابن عثيمين في الشرح
الممتع (12/151)
قوله: «ولا ينكح عبدُ سيدته» تحريماً إلى أمد؛ حتى يخرج عن ملكها، فما دامت
سيدته فإنه لا يحل له أن يتزوجها، فإذا قيل: ما الدليل؟ مع أن الله يقول: {وَأُحِلَّ
لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] قلنا: الدليل إجماع العلماء، قال ابن المنذر:
أجمع أهل العلم عليه.
والإجماع أحد الأدلة الأربعة
التي هي الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس الصحيح، وأيضاً المعنى يقتضي ذلك؛ لأن السيدة
لا يمكن أن تكون مَسُودة، والزوجُ سيد زوجته، فإذا قلنا: إنها سيدته كيف تكون مسودة؟!
يكون له الأمر عليها، هذا تنافر وتناقض أن يكون الآمر مأموراً، لكن ما الطريق إلى الحِل
إذا رغب أن يتزوجها ورغبت أن تتزوجه؟ تعتقه، لكن لو خدعها وقال: أعتقيني لأتزوجك وهي
راغبة فيه فأعتقته، فلما أعتقته قال: الحمد لله الذي فكني منك، والمُعْتَق لا يمكن
أن يرجع رقيقاً، ففي مثل هذه الحال يضمن قيمة نفسه لها؛ لأنه غرها وخدعها اهـ
(2) ولا يحل للسيد أن ينكح أمته أي لا يعقد عليها حتى يعتقها ، وله
أن يجعل عتقها صداقها 0
قال ابن عثيمين (12/152)
قوله: «ولا سيد أمته» أي:
لا ينكح سيد أمته، يعني لا يعقد عليها النكاح، وليس المعنى ألا يطأ، فإنه يطؤها بملك
اليمين؛ لأن الله جعل ملك اليمين قسيماً للنكاح فقال: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] ، فدلَّ ذلك على أنهما لا يجتمعان؛
لأن قسيم الشيء مباين له، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أعتق صفية وجعل عتقها صداقاً
، وأيضاً فإن وطأه إياها بملك اليمين أقوى من وطئه إياها بالعقد؛ لأن ملك اليمين يحصل
به الملك التام، فيملك عينها ومنافعها، والنكاح لا يملك إلا المنفعة التي يقتضيها عقد
النكاح شرعاً أو عرفاً، فهو مقيد، قال أهل العلم: ولا يَرِدُ العقد الأضعف على العقد
الأقوى، فهو يستبيح بُضعها بملك اليمين الذي هو أقوى من عقد النكاح اهـ
(3) قال ابن عثيمين قوله:
«وللحر نكاح أمة أبيه» بشرط ألا يكون الأب قد جامعها؛ فإن جامعها الأب فإنها لا تحل
للابن؛ لأنها مما نكح أبوه مثال ذلك: رجل له أبٌ غني وعند أبيه جوارٍ، فأراد هذا
الابن أن يتزوج واحدةً منهن،
يجوز بالشروط السابقة في نكاح الأمة؛ لأنها داخلة في عموم الآية: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] ، وفي عموم قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
[النساء: 24] .
قوله: «دون أمة ابنه» مثلاً
رجل له ابن غني، لكن لم يجد أحداً يزوجه؛ لأنه كبير السن، وعند ابنه إماء مملوكات،
فأراد أن يتزوج واحدة منهن، فهل يجوز؟ يقول المؤلف: لا يجوز أن يتزوجها، ولو تمت شروط
نكاح الأمة في حقه؛ لأن الأب له أن يتملك من مال ولده بخلاف الابن، فإذا كان له أن
يتملك من مال ولده، فلا حاجة إلى أن يتزوج أمة ولده، بل يتملك الأمة، وتحل له بملك
اليمين، فهو إذاً مستغنٍ عن نكاح أمة ابنه بجواز تملكه، فله فيها شبهة ملك.
ولكن هذا القول ضعيف؛ لأنه
ليس للأب شبهة ملك في مال ولده، بل له شبهة تملك، وفرق بين أن نقول: لك التملك، وأن
نقول: لك ملك؛ لأننا إذا قلنا: ملك، يعني أنه مشارك للابن، وإذا قلنا: تملك، يعني أنه
ليس مشاركاً، لكن له أن يتملك، والمراد هنا أن له التملك، وحينئذٍ نقول: إن أمة ابنه
حلال له، لدخولها في عموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ، فالصواب
في هذه المسألة أنه يجوز للأب أن يتزوج أمة ابنه إذا تم في حقه شروط جواز نكاح الإماء.
فإن قيل: كيف تجيزون هذا
وهو له حق التملك، لماذا لا تقولون له: تملكها؟ فنقول: قد لا يختار أن يتملكها، بل
يحب
أن تبقى ملكاً لابنه ليبيعها
إذا طلقها أبوه، أو يزوجها وينتفع بمهرها، أو ما أشبه ذلك.
قوله: «وليس للحرة نكاح عبد
ولدها» ، هذه امرأة حرة ولها ولد، وهذا الولد له عبد، فأراد هذا العبد أن يتزوج أم
سيده، يقول المؤلف: إن هذا لا يجوز، ولو كان عبد آخر، وأراد أن يتزوج أم هذا الرجل،
جاز.
وهذا القول مبني على قول
ضعيف، وهو أنه إذا ملك أحد الزوجين زَوْجَه، أو ملكه ابنُهُ، أو أبوه انفسخ النكاح،
وستأتي في آخر الفصل، فإذا ضعف الأصل ضعف الفرع، وإذا كان الأصل ضعيفاً لا دليل عليه
تبقى هذه المسألة وهي الفرع كذلك ضعيفة لا دليل عليها.
والقول الثاني في هذه المسألة:
أنه يجوز للحرة أن تنكح عبد ولدها، ولا حرج فيه، ولا يقال: إن هذه المسألة غريبة، كيف
تكون؟! نقول: ربما تكون أم السيد امرأة شابة، ولابنها عبد شاب جميل مثلاً، فأحبته وأحبها،
وطلبت من ابنها أن يزوجها هذا العبد، فهذا يجوز، وهذا القول هو الصحيح؛ لأنه داخل في
عموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وعبد ابنها
ليس أباها، ولا ابنها، وأخاها، ولا عمها، ولا خالها، ولا ابن أخيها، ولا ابن أختها،
فأين الدليل على المنع؟! وقد سبق أنه لا يجوز للحرة أن تتزوج عبدها، وقلنا: إن الدليل
على ذلك الإجماع والتضاد، أما هنا فلا إجماع ولا تضاد، فالصواب إذاً أن للحرة أن تنكح
عبد ولدها، وأولادها منه يكونون أحراراً تبعاً لها.
(4) قال ابن عثيمين (12/157)
قوله وَمَنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا
بِعَقْدٍ حَرُمَ بِمُلْكِ يَمِينٍ » ، هذا ضابط «فكل امرأة يحرم أن تعقد عليها يحرم
أن تطأها بملك اليمين» فأخت الزوجة يحرم عقد النكاح عليها، فيحرم أن تطأها بملك اليمين،
أي: لو كان إنسان له زوجة حرة ولها أخت مملوكة، فاشترى أختها المملوكة، فالشراء صحيح،
لكن لا يطؤها ما دامت أختها عنده، حتى يحرمها، إما بطلاق أو فسخ أو غير ذلك؛ لأنه لا
يجوز أن يجمع بين الأختين في العقد، فلا يجوز أن يجمع بينهما في ملك اليمين.
فإن قال قائل: كيف صح شراؤها
ولم يصح نكاحها؟
فالجواب: أن الشراء لا يتعين
للاستمتاع، بل قد يشتري العبد ليعتقه، أما عقد النكاح فالمراد به الاستمتاع، ولذلك
يجوز أن يشتري أخت زوجته، ولا يجوز أن يعقد عليها النكاح، وكذلك لو اشترى أمة وهو محرم
فيصح العقد، ولو تزوج امرأة وهو محرم لم يصح، ولو علق عتق شخص بالشراء، فقال: إذا اشتريت
هذا فهو عتيق فإنه يصح؛ لأن الشراء يراد للعتق فإذا اشتراه عتق، ولو قال: إذا تزوجت
فلانة فهي طالق، وتزوجها، فإنها لا تطلق. والفرق بينهما أن الشراء يراد للعتق، والنكاح
لا يراد للطلاق، هكذا فرق الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ بينهما.
ولهذا لو أراد شخص أن يتزوج
ثانية، وعلمت الأولى وغضبت، فإنه يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فإذا تزوجها لا تطلق؛
لأن النكاح لا يراد للطلاق.
ومن العلماء من قال: لا يصح
في المسألتين؛ لأنه لم يملك المرأة حتى يملك طلاقها، ولم يملك العبد حتى يملك عتقه.
قوله: «إلا أمة كتابية» ،
فالأمة الكتابية يجوز وطؤها بملك اليمين، مع أنه لا يجوز وطؤها بعقد النكاح؛ لأنه ـ
سبق لنا ـ أنه يشترط لجواز عقد النكاح على الأمة أن تكون مؤمنة لقوله تعالى: {مِنْ
فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] ، فنكاح الأمة المؤمنة جائز، ونكاح الأمة
الكافرة غير جائز، ووطء الأمة الكتابية يجوز بملك اليمين، والدليل عموم قول الله تعالى:
{إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] .
وعلم من قول المؤلف: «أمة
كتابية» أن الأمة غير الكتابية لا تحل بملك اليمين، فلو اشترى الإنسان أمة وثنية، فإنه
لا يحل له أن يطأها ـ على كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ، فإذا وقعت حرب بين المسلمين وبين
الهندوس، وسبينا نساءهم، فعلى ما ذهب إليه المؤلف فإن نساءهم لا تحل.
لكن هذا خلاف ظاهر القرآن،
وهو قول ضعيف، والصواب
أن الأمة المملوكة وطؤها
حلال، سواء كانت كتابية، أم غير كتابية، وليس في كتاب الله ـ عزّ وجل ـ اشتراط أن تكون
من مُلِكت كتابية، والآيات واضحة، {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}
فمن يُخرِج نوعاً من الإماء عن هذا العموم فعليه الدليل، وعلى هذا فلو كان عند الإنسان
أمة غير كتابية وهو مالك لها فإن له أن يطأها بملك اليمين، خلافاً لما يفيده كلام المؤلف
ـ رحمه الله ـ وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ.
وقد حكى بعضهم الإجماع على
أن غير الكتابية من الإماء لا يحل وطؤها، ولكن هذا الإجماع غير صحيح اهـ
[ الزيادة على الاربع ]
يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات
في وقت واحد والدليل قوله تعالى: [ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ
النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا
فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا ] –
سورة ( النساء 3) وعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ
أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، «فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ» رواه الترمذي (1128) وصححه الألباني وعَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: أَسْلَمْتُ
وَعِنْدِي ثَمَانُ نِسْوَةٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» رواه أبو داود (2241) وصححه
الألباني
قال ابن قدامة في المغني
(7/85)
(وَلَيْسَ لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ) أَجْمَعَ
أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُ مِنْهُمْ، إلَّا شَيْئًا
يُحْكَى عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ أَبَاحَ تِسْعًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}
[النساء: 3] . وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَاتَ عَنْ تِسْعٍ. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ،
وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ، حِينَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ: أَمْسِكْ
أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» .
وَقَالَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ:
«أَسْلَمْت وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: فَارِقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ.» رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ، فِي "
مُسْنَدِهِ – قلت ضعيف وضعفه الألباني في الإرواء (1884) - وَإِذَا مُنِعَ مِنْ اسْتِدَامَةِ زِيَادَةٍ عَنْ
أَرْبَعٍ، فَالِابْتِدَاءُ أَوْلَى، فَالْآيَةُ أُرِيدَ بِهَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ
اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ، كَمَا قَالَ: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ
وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] . وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ لِكُلِّ مَلَكٍ تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ، وَلَوْ
أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: تِسْعَةً.
وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّطْوِيلِ
مَعْنًى، وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ جَهِلَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ. وَأَمَّا
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَخْصُوصٌ بِذَلِكَ، أَلَا تَرَى
أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ اهـ
وقال القرطبي في تفسيره
(5/ 17)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ
مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ لَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ تِسْعٍ، كَمَا قال مَنْ بَعُدَ
فَهْمُهُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْرَضَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ
الْأُمَّةِ، وَزَعَمَ
أَنَّ الْوَاوَ جَامِعَةٌ، وَعَضَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَكَحَ تِسْعًا، وَجَمَعَ بَيْنَهُنَّ فِي عِصْمَتِهِ. وَالَّذِي صَارَ إِلَى هَذِهِ
الْجَهَالَةِ، وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ الرَّافِضَةُ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ،
فَجَعَلُوا مَثْنَى مِثْلَ اثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ. وَذَهَبَ بَعْضُ
أَهْلِ الظَّاهِرِ أَيْضًا إِلَى أَقْبَحَ مِنْهَا، فَقَالُوا بِإِبَاحَةِ الْجَمْعِ
بَيْنَ ثَمَانِ عَشْرَةَ، تَمَسُّكًا مِنْهُ بِأَنَّ الْعَدْلَ فِي تِلْكَ الصِّيَغِ
يُفِيدُ التَّكْرَارَ وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ، فَجَعَلَ مَثْنَى بِمَعْنَى اثْنَيْنِ
اثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ. وَهَذَا كُلُّهُ جَهْلٌ بِاللِّسَانِ وَالسُّنَّةِ،
وَمُخَالَفَةٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، إِذْ لَمْ يُسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ
وَلَا التَّابِعِينَ أَنَّهُ جَمَعَ فِي عِصْمَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ. وَأَخْرَجَ
مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِمَا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الثَّقَفِيِّ
وَقَدْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ: (اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وفارق سائرهن).
وفي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي
ثَمَانِ نِسْوَةٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: (اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا). 00. وَأَمَّا مَا أُبِيحَ مِنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي
بَيَانُهُ فِي (الْأَحْزَابِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْوَاوَ جَامِعَةٌ، فَقَدْ
قِيلَ ذَلِكَ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ الْعَرَبَ بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ.
وَالْعَرَبُ لَا تَدَعُ أَنْ تَقُولَ تِسْعَةً وَتَقُولُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً.
وَكَذَلِكَ تَسْتَقْبِحُ مِمَّنْ يَقُولُ: أَعْطِ فُلَانًا أَرْبَعَةً سِتَّةً ثَمَانِيَةً،
وَلَا يَقُولُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَإِنَّمَا الْوَاوُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَدَلٌ،
أَيِ انْكِحُوا ثَلَاثًا بَدَلًا مِنْ مَثْنَى، وَرُبَاعَ بَدَلًا مِنْ ثَلَاثٍ، وَلِذَلِكَ
عَطَفَ بِالْوَاوِ وَلَمْ يَعْطِفْ بِأَوْ. وَلَوْ جَاءَ بِأَوْ لَجَازَ أَلَّا يَكُونَ
لِصَاحِبِ الْمَثْنَى ثُلَاثُ، وَلَا لِصَاحِبِ الثُّلَاثِ رُبَاعُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ:
إِنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةً، وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً، فَتَحَكُّمٌ
بِمَا لَا يُوَافِقُهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ عَلَيْهِ، وَجَهَالَةٌ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ
جَهْلُ الْآخَرِينَ ، بِأَنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةً
ثَلَاثَةً، وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ،
وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا، حَصْرٌ لِلْعَدَدِ. وَمَثْنَى وَثُلَاثُ
وَرُبَاعُ بِخِلَافِهَا. فَفِي الْعَدَدِ الْمَعْدُولِ عِنْدَ الْعَرَبِ زِيَادَةُ
مَعْنَى لَيْسَتْ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ: جَاءَتِ الْخَيْلُ
مَثْنَى، إِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَيْ جَاءَتْ مُزْدَوِجَةً.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَكَذَلِكَ مَعْدُولُ الْعَدَدِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذَا قُلْتَ
جَاءَنِي قَوْمٌ مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ أُحَادَ أَوْ عُشَارَ، فَإِنَّمَا تُرِيدُ
أَنَّهُمْ جَاءُوكَ وَاحِدًا وَاحِدًا، أَوِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً،
أَوْ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّكَ إِذَا
قُلْتَ جَاءَنِي قَوْمٌ ثَلَاثَةٌ ثَلَاثَةٌ، أَوْ قَوْمٌ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، فَقَدْ
حَصَرْتَ عِدَّةَ الْقَوْمِ بِقَوْلِكَ ثَلَاثَةً وَعَشَرَةً. فَإِذَا قُلْتَ جَاءُونِي
رُبَاعَ وَثُنَاءَ فَلَمْ تَحْصُرْ عِدَّتَهُمْ. وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنَّهُمْ جَاءُوكَ
أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً أَوِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَثُرَ عَدَدُهُمْ أَوْ
قَلَّ فِي هَذَا الْبَابِ، فَقَصْرُهُمْ كُلَّ صِيغَةٍ عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ
بِزَعْمِهِ تَحَكُّمٌ اهـ
قال العلامة الشنقيطي
رحمه الله في أضواء البيان (3/22)
وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ
لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ إِبَاحَتُهُ تَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ إِلَى أَرْبَعٍ، وَأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا خَافَ
عَدَمَ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ، لَزِمَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ، أَوْ مِلْكِ
يَمِينِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [4 \ 3] ،
وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّرِيقَ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الطُّرُقِ وَأَعْدَلُهَا، هِيَ
إِبَاحَةُ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ لِأُمُورٍ مَحْسُوسَةٍ يَعْرِفُهَا كُلُّ الْعُقَلَاءِ.
مِنْهَا: أَنَّ الْمَرْأَةَ
الْوَاحِدَةَ تَحِيضُ وَتَمْرَضُ، وَتَنْفَسُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَوَائِقِ
الْمَانِعَةِ مِنْ قِيَامِهَا بِأَخَصِّ لَوَازِمِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالرَّجُلُ مُسْتَعِدٌّ
لِلتَّسَبُّبِ فِي زِيَادَةِ الْأُمَّةِ، فَلَوْ حُبِسَ عَلَيْهَا فِي أَحْوَالِ أَعْذَارِهَا
لَعُطِّلَتْ مَنَافِعُهُ بَاطِلًا فِي غَيْرِ ذَنْبٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ
أَجْرَى الْعَادَةَ بِأَنَّ الرِّجَالَ أَقَلُّ عَدَدًا مِنَ النِّسَاءِ فِي أَقْطَارِ
الدُّنْيَا، وَأَكْثَرُ تَعَرُّضًا لِأَسْبَابِ الْمَوْتِ مِنْهُنَّ فِي جَمِيعِ مَيَادِينِ
الْحَيَاةِ، فَلَوْ قَصَرَ الرَّجُلُ عَلَى وَاحِدَةٍ، لَبَقِيَ عَدَدٌ ضَخْمٌ مِنَ
النِّسَاءِ مَحْرُومًا مِنَ الزَّوَاجِ، فَيَضْطَرُّونَ إِلَى رُكُوبِ الْفَاحِشَةِ
فَالْعُدُولُ عَنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ
ضَيَاعِ الْأَخْلَاقِ، وَالِانْحِطَاطِ إِلَى دَرَجَةِ الْبَهَائِمِ فِي عَدَمِ الصِّيَانَةِ،
وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الشَّرَفِ وَالْمُرُوءَةِ وَالْأَخْلَاقِ، فَسُبْحَانَ الْحَكِيمِ
الْخَبِيرِ، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِنَاثَ
كُلَّهُنَّ مُسْتَعِدَّاتٌ لِلزَّوَاجِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الرِّجَالِ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ
عَلَى الْقِيَامِ بِلَوَازِمِ الزَّوَاجِ لِفَقْرِهِمْ، فَالْمُسْتَعِدُّونَ لِلزَّوَاجِ
مِنَ الرِّجَالِ أَقَلُّ مِنَ الْمُسْتَعِدَّاتِ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ
لَا عَائِقَ لَهَا، وَالرَّجُلُ يَعُوقُهُ الْفَقْرُ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى لَوَازِمَ
النِّكَاحِ، فَلَوْ قَصَرَ الْوَاحِدُ عَلَى الْوَاحِدَةِ، لَضَاعَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْتَعِدَّاتِ
لِلزَّوَاجِ أَيْضًا بِعَدَمِ وُجُودِ أَزْوَاجٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِضَيَاعِ
الْفَضِيلَةِ وَتَفَشِّي الرَّذِيلَةِ، وَالِانْحِطَاطِ الْخُلُقِيِّ، وَضَيَاعِ الْقِيَمِ
الْإِنْسَانِيَّةِ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، فَإِنْ خَافَ الرَّجُلُ أَلَّا يَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ
وَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينِهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ
يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ الْآيَةَ [16 \ 90] ،
وَالْمَيْلُ بِالتَّفْضِيلِ فِي الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَهُنَّ لَا يَجُوزُ،
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ
[4 \ 129] ، أَمَّا الْمَيْلُ الطَّبِيعِيُّ بِمَحَبَّةِ بَعْضِهِنَّ أَكْثَرَ مِنْ
بَعْضٍ، فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ دَفْعُهُ لِلْبَشَرِ، لِأَنَّهُ انْفِعَالٌ وَتَأَثُّرٌ
نَفْسَانِيٌّ لَا فِعْلٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ
تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ الْآيَةَ [4 \ 129] ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي غَيْرِ
هَذَا الْمَوْضِعِ، وَمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ مِنْ أَعْدَاءِ دِينِ الْإِسْلَامِ،
مِنْ أَنَّ تَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ يُلْزِمُهُ الْخِصَامَ وَالشَّغَبَ الدَّائِمَ الْمُفْضِي
إِلَى نَكَدِ الْحَيَاةِ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا أَرْضَى إِحْدَى الضَّرَّتَيْنِ سَخِطَتِ
الْأُخْرَى، فَهُوَ بَيْنُ سَخْطَتَيْنِ دَائِمًا، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الْحِكْمَةِ،
فَهُوَ كَلَامٌ سَاقِطٌ، يَظْهَرُ سُقُوطُهُ لِكُلِّ عَاقِلٍ ; لِأَنَّ الْخِصَامَ
وَالْمُشَاغَبَةَ بَيْنَ أَفْرَادِ أَهْلِ الْبَيْتِ لَا انْفِكَاكَ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ،
فَيَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأُمِّهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ
أَوْلَادِهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الْوَاحِدَةِ. فَهُوَ أَمْرٌ عَادِيٌّ
لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ شَأْنٍ، وَهُوَ فِي جَنْبِ الْمَصَالِحِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي
ذَكَرْنَا فِي تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ مِنْ صِيَانَةِ النِّسَاءِ وَتَيْسِيرِ التَّزْوِيجِ
لِجَمِيعِهِنَّ، وَكَثْرَةِ عَدَدِ الْأُمَّةِ لِتَقُومَ بِعَدَدِهَا الْكَثِيرِ فِي
وَجْهِ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ كَلَا شَيْءٍ; لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْعُظْمَى يُقَدَّمُ
جَلْبُهَا عَلَى دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الصُّغْرَى.
فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْمُشَاغَبَةَ
الْمَزْعُومَةَ فِي تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ مَفْسَدَةٌ، أَوْ أَنَّ إِيلَامَ قَلْبِ
الزَّوْجَةِ الْأَوْلَى بِالضَّرَّةِ مَفْسَدَةٌ، لَقُدِّمَتْ عَلَيْهَا تِلْكَ الْمَصَالِحُ
الرَّاجِحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ، قَالَ فِي مَرَاقِي
السُّعُودِ عَاطِفًا عَلَى مَا تُلْفِي فِيهِ الْمَفْسَدَةَ الْمَرْجُوحَةَ فِي جَنْبِ
الْمُصْلِحَةِ الرَّاجِحَةِ:
أَوْ رَجَّحَ الْإِصْلَاحَ
كَالْأَسَارَى ... تُفْدَى بِمَا يَنْفَعُ لِلنَّصَارَى
وَانْظُرْ تَدَلِّي دَوَالِي
الْعِنَبِ ... فِي كُلِّ مَشْرِقِ وَكُلِّ مَغْرِبٍ
فَفِدَاءُ الْأُسَارَى مَصْلَحَةٌ
رَاجِحَةٌ، وَدَفْعُ فَدَائِهِمُ النَّافِعِ لِلْعَدُوِّ مَفْسَدَةٌ مَرْجُوحَةٌ، فَتُقَدَّمُ
عَلَيْهَا الْمَصْلَحَةُ الرَّاجِحَةُ، أَمَّا إِذَا تَسَاوَتِ الْمَصْلَحَةُ وَالْمُفْسَدَةُ،
أَوْ كَانَتِ الْمَفْسَدَةُ أَرْجَحَ كَفِدَاءِ الْأُسَارَى بِسِلَاحٍ يَتَمَكَّنُ
بِسَبَبِهِ الْعَدُوُّ مِنْ قَتْلِ قَدْرِ الْأُسَارَى أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،
فَإِنَّ الْمَصْلَحَةَ تُلْغَى لِكَوْنِهَا غَيْرَ رَاجِحَةٍ، كَمَا قَالَ فِي الْمَرَاقِي:
اخْرُمْ مُنَاسِبًا بِمُفْسِدٍ
لَزِمْ ... لِلْحُكْمِ وَهُوَ غَيْرُ مَرْجُوحٍ عُلِمْ
وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ تُعْصَرُ
مِنْهُ الْخَمْرَ وَهِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِلَّا أَنَّ مَصْلَحَةَ وُجُودِ الْعِنَبِ
وَالزَّبِيبِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِمَا فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ
عَلَى مَفْسَدَةِ عَصْرِ الْخَمْرِ مِنْهَا أُلْغِيَتْ لَهَا تِلْكَ الْمَفْسَدَةُ
الْمَرْجُوحَةُ، وَاجْتِمَاعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ قَدْ
يَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ الزِّنَى إِلَّا أَنَّ التَّعَاوُنَ بَيْنَ الْمُجْتَمَعِ
مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ مَصْلَحَةٌ أَرْجَحُ مِنْ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ، وَلِذَا لَمْ
يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ يَجِبُ عَزْلُ النِّسَاءِ فِي مَحَلٍّ مُسْتَقِلٍّ
عَنِ الرِّجَالِ، وَأَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِنَّ حِصْنٌ قَوِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ
إِلَيْهِنَّ مَعَهُ، وَتُجْعَلُ الْمَفَاتِيحُ بِيَدِ أَمِينٍ مَعْرُوفٌ بِالتُّقَى وَالدِّيَانَةِ،
كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ.
فَالْقُرْآنُ أَبَاحَ تَعَدُّدَ
الزَّوْجَاتِ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ فِي عَدَمِ حِرْمَانِهَا مِنَ الزَّوَاجِ، وَلِمَصْلَحَةِ
الرَّجُلِ بِعَدَمِ تَعَطُّلِ مَنَافِعِهِ فِي حَالِ قِيَامِ الْعُذْرِ بِالْمَرْأَةِ
الْوَاحِدَةِ، وَلِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ لِيَكْثُرَ عَدَدُهَا فَيُمْكِنُهَا مُقَاوَمَةُ
عَدُوِّهَا لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ تَشْرِيعُ حَكِيمٍ
خَبِيرٍ لَا يَطْعَنُ فِيهِ إِلَّا مَنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ بِظُلُمَاتِ الْكُفْرِ.
وَتَحْدِيدُ الزَّوْجَاتِ بِأَرْبَعٍ ; تَحْدِيدٌ مِنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، وَهُوَ أَمْرٌ
وَسَطٌ بَيْنَ الْقِلَّةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى تَعَطُّلِ بَعْضِ مَنَافِعِ الرَّجُلِ،
وَبَيْنَ الْكَثْرَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ
بِلَوَازِمَ الزَّوْجِيَّةِ لِلْجَمِيعِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ
[ حكم من تزوج خامسة
وعنده أربع ]
قال القرطبي في تفسيره
(5/18) وَأَمَّا اخْتِلَافُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ خَامِسَةً
وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ وَهِيَ: التَّاسِعَةُ- فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ كَانَ عَالِمًا. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ: يُرْجَمُ إِذَا كَانَ عَالِمًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَدْنَى الْحَدَّيْنِ
الَّذِي هُوَ الْجَلْدُ، وَلَهَا مَهْرُهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ
أَبَدًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حد عليه في شي مِنْ ذَلِكَ. هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: يُحَدُّ فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ وَلَا يُحَدُّ فِي غَيْرِ
ذَلِكَ مِنَ النِّكَاحِ. وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ خَمْسَةً
فِي عُقْدَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ [مُتْعَةً] أَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ أَمَةً
تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا عَلِمَ أَنَّ
هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ يَجِبُ أَنْ يُحَدَّ فِيهِ كُلِّهِ إِلَّا التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ
شُهُودٍ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ النَّخَعِيُّ فِي الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْخَامِسَةَ
مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الرَّابِعَةِ مِنْ نِسَائِهِ: جَلْدُ
مِائَةٍ وَلَا يُنْفَى. فَهَذِهِ فُتْيَا عُلَمَائِنَا فِي الْخَامِسَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
فكيف بما فوقها اهـ
[ الشروط في النكاح ]
سبق لنا شروط النكاح، فنحتاج
إلى معرفة الفرق بينها وبين الشروط في النكاح، فنقول: الشرط في اللغة العلامة، ومنه
قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ
جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] أي: علاماتها، أما الفرق بين شروط النكاح والشروط فيه،
فهو من أربعة أوجه:
أولاً: أن شروط النكاح من وضع الشارع، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي وضعها
وجعلها شروطاً، وأما الشروط في النكاح فهي من وضع العاقد، وهو الذي شرطها.
ثانياً: شروط النكاح يتوقف
عليها صحة النكاح، أما الشروط فيه فلا تتوقف عليها صحته، إنما يتوقف عليها لزومه، فلمن
فات شرطه فسخ النكاح.
ثالثاً: أن شروط النكاح لا
يمكن إسقاطها، والشروط في النكاح يمكن إسقاطها ممن هي له. انظر الشرح الممتع (12/162)
[ الوفاء بشروط النكاح ]
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ»
رواه البخاري (2721) ومسلم (1418)
ويمكن تقسيم الشروط المتصوَّرة
في عقد النكاح إلى ثلاثة أقسام:
[1] شروط موافقة لمقصود العقد،
ومقصد الشرع:
كاشتراط الزوجة: العشرة بالمعروف،
والإنفاق والكسوة والسكنى، وأن يعدل بينها وبين ضرائرها، أو أن يشترط الزوج عليها:
أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، وألا تتصرف بماله إلا برضاه، ونحو
ذلك. * حكمها: فهذه الشروط، اتفق أهل العلم على صحتها وعلى وجوب الوفاء بها
[2] شروط منافية لمقصود العقد،
أو منافية لحكم الله وشرعه (الشروط الفاسدة):كأن تشترط المرأة على زوجها أن لا تطيعه،
أو أن تخرج من غير إذنه، أو أن لا يقسم لضرائرها ولا ينفق عليهن، أو أن يشترط الزوج
أن لا مهر لها ونحو ذلك فهذه شروط مخالفة لما نصَّ عليه الشارع.
وكأن تشترط عليه أن لا يجامعها
ونحو ذلك مما ينافي المقصود من النكاح.
* حكمها: ومثل هذه الشروط،
اتفق أهل العلم -كذلك- على عدم صحتها لتضمنها الأمر بما نهى الله عنه، أو النهي عما
أمر الله به، أو تحليل ما حرَّمه، أو تحريم ما حلله، وهذا هو معنى قول النبي صلى الله
عليه وسلم: "ما بال
رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل،
وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق ... "
* لكن .. ما حكم العقد الذي
يُشترط فيه هذه الشروط الفاسدة؟
بعد الاتفاق على أن الشروط
الفاسدة لا تصح وأنه لا يُوفى بها، اختلف أهل العلم في حكم العقد الذي اشتُرطت فيه
هذه الشروط على ثلاثة أقوال:
الأول: لا يَبْطُل العقد
بالشروط الفاسدة إلا شرط التأقيت: وهذا مذهب الحنفية، فإن الأنكحة المنهي عنها كالشغار
والتحليل تصحُّ إذا أبطلت منها الشروط الفاسدة، إلا نكاح المتعة لأنه اشترط فيه التأقيت
فلا يصح.
الثاني: من هذه العقود ما
يبطل بالشرط الفاسد ومنها ما لا يبطل: وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وضابط الشرط الذي
يُبطل العقد عندهم: أن يكون مخلًّا بمقصود النكاح، كاشتراط طلاقها أو عدم وطئها أو
تأقيت زواجها ونحوه. وضابط الشرط الذي لا يبطل العقد -عندهم-: أن لا يكون مخلًّا بمقصود
النكاح، كأن تشترط خروجها متى شاءت أو طلاق ضرتها ونحو ذلك مما هو منهي عنه.
قالوا: وكون العقد صحيحًا
مع بطلان هذه الشروط "لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد، لا يُشترط
ذكره، ولا يضر الجهل به، فلم يبطل، كما لو شرط في العقد صداقًا محرمًا، ولأن النكاح
يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد على الشروط الفاسدة كالعتاق"
الثالث: يبطل العقد الذي
فيه شرط فاسد: وهو مذهب جماعة من أهل العلم واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وحجته ما
يلي:
1 - يكفي في إبطاله النهي الوارد في هذه الشروط فإنه
يقتضي الفساد، كنكاح الشغار والتحليل والمتعة.
2 - أبطل الصحابة هذه العقود، ففرقوا بين الزوجين في
نكاح الشغار، وجعلوا نكاح التحليل سفاحًا، وتوعَّدوا المحلِّل بالرجم، (وقد تقدم هذا).
3 - أن تصحيح هذه العقود مع إبطال الشروط الفاسدة يؤدي
إلى الإلزام بالعقود من غير رضا العاقدين أو أحدهما: لأن تصحيح العقد إما أن يكون مع
الشرط المحرَّم الفاسد أو مع إبطاله:
(أ) فإذا صححناه مع وجود
الشرط المحرم كان هذا خلاف النص والإجماع.
(ب) وإذا صححناه مع إبطال
الشرط فيكون ذلك إلزامًا للعاقد بعقد لم يرض به، ولا ألزمه الله به، والعقود لا تلزم
إلا بإلزام الشارع أو إلزام العاقد، فإذا كان الشارع لا يلزمه بعقد النكاح مع الشرط
الفاسد، ولا هو قَبِل أن يلتزمه مع خُلُوِّه من الشرط، فيكون إلزامه بذلك إلزامًا بما
لم يلزمه الله به ورسوله، وهذا لا يجوز.
قلت: وهذا المذهب الأخير
قوي ومتجه، إلا أنه يُعكِّر عليه -في نظري- حديث عائشة الذي هو العمدة في هذا الباب،
فإن عائشة رضي الله عنها لما أرادت أن تشتري أمةً (اسمها بريرة) لتعتقها، أبى أهلها
أن يبيعوها إلا على شرط أن يكون ولاؤها لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها:
"اشتريها فأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق" ثم
قام فخطب: "ما بال رجال
يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله ... " الحديث وقد تقدم.
والشاهد أن النبي صلى الله
عليه وسلم أمرها بإمضاء العقد -على ما فيه من شرط فاسد- مع إبطال هذا الشرط، وعليه
فيتألَّق القول الثاني في المسألة والله أعلم. انظر صحيح فقه السنة (3/ 152)
[3] شروط لم يأمر الشارع
بها ولم ينه عنها، وفي اشتراطها مصلحة لأحد الزوجين:
كأن تشترط عليه أن لا يخرجها
من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوَّج عليها، أو أن تستمر في دراستها
أو عملها [المشروع] ونحو ذلك.
* حكمها:
اختلف أهل العلم في صحة مثل
هذه الشروط في عقد النكاح على قولين:
الأول: هذه الشروط لا تحل
وهي باطلة، والعقد صحيح: وهذا مذهب الجمهور: منهم أبو حنيفة ومالك [إلا ما كان فيه
عتق أو طلاق فتلزمه عنده] والشافعي والليث والثوري وابن المنذر والظاهرية انظر
صحيح فقه السنة (3/ 152) وحجتهم:
1 - قول النبي صلى الله عليه وسلم: " «مَا بَالُ
أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا
لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ شَرْطُ
اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ رواه البخاري (2155) ومسلم (1504)
قالوا: معنى (في كتاب الله) أي في حكم الله ورسوله
أو فيما دلَّ عليه الكتاب والسنة، فلا يكون شرطًا إلا ما جاء في القرآن أو السنة نصٌ
بإباحته وأجيب قال شيخنا مصطفى العدوي في أحكام النساء (3/362) : فالذي يظهر لي في
هذا الحديث – والله تعالى أعلم – أن المراد الشرط الذي يخالف كتاب الله عز وجل
ويخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم الشرط الذي يفيد بعض المباح للشخص
ويلتزم به الشخص فعليه الوفاء به والله تعالى أعلم
2 - قوله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطٌ حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ شَرْطٌ أَحَلَّ
حَرَامًا» قالوا: وهذه الشروط تخالف مقتضى العقد، لأن العقود
توجب مقتضياتها بالشرع، فيعتبر تغييرها تغييرًا لما أوجبه الشرع
بمنزلة تغيير العبادة، فصار زواجه بالثانية والسفر ونحو ذلك -مما هو حلال- حرامًا بمقتضى
العقد، فكأن في الشرط تعدِّيًا على حدود الله وزيادة في الدين وأجيب فهذه الشروط الجائزة
لا تحرم الحلال، فمن اشترطت على زوجها أن لا يتزوج بغيرها، فإنه لا يصير الزواج عليه
حرامًا، ولكن إذا تزوَّج فلها فسخ العقد، فأين تحريم الحلال؟
القول الثاني: يصح الشرط،
ولا يلزم الوفاء به، ولها فسخ العقد إذا أخلَّ بالشرط:وهذا مذهب الإمام أحمد والأوزاعي
وأبي ثور وهو مروي عن عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، وهو اختيار شيخ
الإسلام انظر مجموع الفتاوى ( 32/164) وهو الراجح والدليل :
1 - عموم النصوص الآمر بالوفاء بالعهود والشروط والعقود،
ومنها:
(أ) قوله تعالى: {يَأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ }. [المائدة: 1]
(ب) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ رواه البخاري (33) ومسلم (59) فإذا كان الوفاء ورعاية العهد مأمورًا به عُلم
أن الأصل صحة العقود والشروط، إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره، وحصل به مقصوده،
ومقصود العقد هو الوفاء به.
2- حديث عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَقُّ
الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ رواه البخاري (2721) ومسلم (1418)
فدلَّ على أن الوفاء بالشروط في النكاح أولى منها
في غيره من العقود، لأن أمره أحوط وبابه أضيق.
3- حديث المِسْوَر
بْن مَخْرَمَة، قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ،
فَاطِمَةُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَزْعُمُ
قَوْمُكَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي
جَهْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ
تَشَهَّدَ، يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَحَدَّثَنِي
وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ، عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ» فَتَرَكَ عَلِيٌّ
الخِطْبَةَ رواه البخاري (3729) ومسلم (2449)
قال الحافظ (7/ 86): لَعَلَّهُ كَانَ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا
يَتَزَوَّجَ عَلَى
زَيْنَبَ وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ
عَلِيًّا نَسِيَ ذَلِكَ الشَّرْطَ فَلِذَلِكَ أَقْدَمَ عَلَى الْخِطْبَةِ أَوْ لَمْ
يَقَعْ عَلَيْهِ شَرْطٌ إِذْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالشَّرْطِ لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ
أَنْ يُرَاعِيَ هَذَا الْقَدْرَ فَلِذَلِكَ وَقَعَتِ الْمُعَاتَبَةُ اهـ.
4- عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ حَيْثُ تَمَسُّ رُكْبَتِي
رُكْبَتَهُ فَقَالَ رَجُلٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: تَزَوَّجْتُ هَذِهِ وَشَرَطْتُ
لَهَا دَارَهَا، وَإِنِّي أَجْمَعُ لِأَمْرِي أَوْ لَشَأْنِي أَنِّي أَنْتَقِلُ إِلَى
أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: لَهَا شَرْطُهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: هَلَكَتِ الرِّجَالُ إِذًا، لَا تَشَاءُ امْرَأَةٌ
أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَهَا إِلَّا طَلَّقَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شَرْطِهِمْ عِنْدَ مَقَاطِعِ
حُقُوقِهِمْ»
رواه سعيد بن منصور (663) صحححه شيخنا مصطفى العدوي 0
سئل ابن تيمية في مجموع
الفتاوى (32/164)
عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَشُرِطَ عَلَيْهِ عِنْدَ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ
عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُلُهَا مِنْ مَنْزِلِهَا. وَكَانَتْ لَهَا ابْنَةٌ فَشُرِطَ عَلَيْهِ
أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أُمِّهَا وَعِنْدَهُ مَا تُزَالُ فَدَخَلَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ:
فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ؟ وَإِذَا أَخْلَفَ هَذَا الشَّرْطَ؟ فَهَلْ لِلزَّوْجَةِ
الْفَسْخُ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ،
نَعَمْ تَصِحُّ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فِي: مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَد
وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ: كَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ
وَعَمْرِو بْنِ العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وشريح الْقَاضِي وَالْأَوْزَاعِي وَإِسْحَاقَ
وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي هَذَا الْوَقْتِ صَدَاقَاتُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ الْقَدِيمَةِ
لَمَّا كَانُوا عَلَى مَذْهَبِ الأوزاعي فِيهَا هَذِهِ الشُّرُوطُ. وَمَذْهَبُ مَالِك
إذَا شُرِطَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ تَسَرَّى أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا
بِيَدِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ: صَحَّ هَذَا الشَّرْطُ أَيْضًا وَمَلَكَتْ الْفُرْقَةُ
بِهِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى نَحْوُ مَذْهَبِ أَحْمَد فِي ذَلِكَ؛ لِمَا أَخْرَجَاهُ
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
{إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ}
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ فَجَعَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ الْفُرُوجَ مِنْ
الشُّرُوطِ أَحَقَّ بِالْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا نَصٌّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ؛
إذْ لَيْسَ هُنَاكَ شَرْطٌ يُوَفَّى بِهِ بِالْإِجْمَاعِ غَيْرَ الصَّدَاقِ وَالْكَلَامِ
فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ هِيَ هَذِهِ الشُّرُوطَ. وَأَمَّا شَرْطُ مُقَامِ وَلَدِهَا
عِنْدَهَا وَنَفَقَتِهِ عَلَيْهِ: فَهَذَا مِثْلُ الزِّيَادَةِ فِي الصَّدَاقِ وَالصَّدَاقُ
يَحْتَمِلُ مِنْ الْجَهَالَةِ فِيهِ - فِي الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَد وَهُوَ مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ - مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَكُلُّ
جَهَالَةٍ تَنْقُصُ عَلَى جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ تَكُونُ أَحَقَّ بِالْجَوَازِ؛
لَا سِيَّمَا مِثْلَ هَذَا يَجُوزُ فِي الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا فِي مَذْهَبِ أَحْمَد
وَغَيْرِهِ: إنْ اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ
إلَى الْعُرْفِ. فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ النَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهَا يُرْجَعُ فِيهِ
إلَى الْعُرْفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَمَتَى لَمْ يُوفِ لَهَا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ
فَتَزَوَّجَ وَتَسَرَّى: فَلَهَا فَسْخُ النِّكَاحِ. لَكِنْ فِي تَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَى
الْحَاكِمِ نِزَاعٌ اهـ
ما حكم زواج "المِسْيار"؟
زواج المسيار هو: أن يعقد الرجل زواجه على امرأة عقدًا شرعيّاً
مستوفي الأركان والشروط، لكن تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها كالسكن أو النفقة أو
المبيت. والأسباب التي أدت إلى ظهور هذا الزواج كثيرة، منها:
1. ازدياد العنوسة في صفوف
النساء بسبب انصراف الشباب عن الزواج لغلاء المهور وتكاليف الزواج، أو بسبب كثرة الطلاق،
فلمثل هذه الأحوال ترضى بعض النساء بأن تكون زوجة ثانية أو ثالثة وتتنازل عن بعض حقوقها.
2. احتياج بعض النساء للبقاء
في بيوت أهاليهن إما لكونها الراعية الوحيدة لبعض أهلها، أو لكونها مصابة بإعاقة ولا
يرغب أهلها بتحميل زوجها ما لا يطيق، ويبقى على اتصال معها دون ملل أو تكلف، أو لكونها
عندها أولاد، ولا تستطيع الانتقال بهم إلى بيت زوجها ونحو ذلك من الأسباب.
3. رغبة بعض الرجال من المتزوجين
في إعفاف بعض النساء لحاجتهن لذلك، أو لحاجته للتنوع والمتعة المباحة، دون أن يؤثر
ذلك على بيته الأول وأولاده.
4. رغبة الزوج أحياناً في
عدم إظهار زواجه الثاني أمام زوجته الأولى لخشيته مما يترتب على ذلك من فساد العشرة
بينهما.
5. كثرة سفر الرجل إلى بلد
معين ومكثه فيه لمدد متطاولة، ولا شك أن بقاءه فيه مع زوجة أحفظ لنفسه من عدمه.
فهذه أبرز أسباب ظهور مثل
هذا الزواج.انظر سؤال وجواب (6/ 1027)
وقد اختلفت آراء الفقهاء المعاصرين في صحة هذا الزواج
على ثلاثة أقوال :
الأول: أنه مباح مع الكراهة،
وهو الراجح ومأخذ هذا القول أنه عقد استوفى أركانه وشرائطه الشرعية ولم يتَّخذ ذريعة
إلى الحرم -كنكاح التحليل والمتعة- وغاية ما فيه أن الزوجين ارتضيا واتفقا على أن لا
يكون للزوجة حق المبيت أو القسم أو النفقة ونحو ذلك، وقد ثبت أن أم المؤمنين سَوْدَة
بِنْت زَمْعَة رضي الله عنها لَمَّا كَبِرَتْ، جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ جَعَلْتُ
يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، «فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» رواه البخاري (5212) ومسلم (1463) فدلَّ على أن من حق الزوجة أن تسقط حقها
الذي جعله الشارع لها كالمبيت والنفقة.
ثم إن الزواج إشباع لغريزة
الفطرة عند المرأة وكفٌّ لها عن الفاحشة وقد ترزق فيه بالولد.
أما سرُّ كراهة هذا النوع
-رغم إباحته- فهو افتقاره إلى تحقيق مقاصد الشريعة في الزواج من السكن النفسي والإشراف
على الأهل والأولاد ورعاية الأسرة بنحو وتربية أحكم.
* فائدة: من القائلين بهذا
القول من نصِّ على أن اشتراط النفقة والمبيت لاغٍ، وللزوجة حق المطالبة به إذا أرادت،
ولها حق إسقاطه وديًّا انظر صحيح فقه السنة (3/ 159)
الثاني: أنه حرام، ومأخذ
هذا القول: أن هذا الزواج ينافي مقاصد الزواج الاجتماعية والنفسية والشرعية من المودة
والرحمة والسكن وحفظ النوع الإنساني وتعهده على أكمل وجه ورعاية الحقوق والواجبات التي
يولدها عقد الزواج الصحيح، والعبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
2 - أنه مخالف لنظام الزواج الذي جاءت به الشريعة ولم
يكن المسلمون يعرفون مثل هذا النوع في زواجهم.
3 - تضمنه بعض الشروط التي تخالف مقصود العقد.
4 - بالإضافة إلى أنه سيكون مدخلًا للفساد والإفساد،
فإنه يتساهل فيه في تقدير المهر، ولا يتحمل الزوج مسئولية الأسرة، وقد يكون سرًا أو
بغير ولي. وقد سئل الشيخ الألباني عن زواج المسيار فمنع منه لسببين: الأول: أن المقصود من النكاح
هو " السكن " كما قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21، وهذا الزواج لا يتحقق
فيه هذا الأمر.
والثاني: أنه قد يقدَّر للزوج
أولاد من هذه المرأة، وبسبب البعد عنها وقلة مجيئه إليها سينعكس ذلك سلباً على أولاده
في تربيتهم وخلقهم.
انظر: " أحكام التعدد
في ضوء الكتاب والسنة " (ص 28، 29) القول الثالث: وكان الشيخ ابن عثيين رحمه الله
يرى الجواز ثم توقف فيه بسبب ما تخلله من فساد في التطبيق من بعض المسيئين.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: عن زواج المسيار، وهذا الزواج هو أن يتزوج الرجل ثانية أو ثالثة
أو رابعة، وهذه الزوجة يكون عندها ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في
بيتها، فيذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما، فما حكم الشريعة في
مثل هذا الزواج؟ .
فأجاب:
"لا حرج في ذلك إذا
استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً، وهي وجود الولي ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين
على إجراء العقد، وسلامة الزوجين من الموانع؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ؛ وقوله صلى الله عليه
وسلم: (المسلمون على شروطهم) ، فإذا اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها، أو
على أن القسم يكون لها نهاراً لا ليلاً، أو في أيام معينة، أو ليالي معينة: فلا بأس
بذلك، بشرط إعلان النكاح، وعدم إخفائه" انتهى.
" فتاوى علماء البلد
الحرام " (ص 450، 451) ، و" جريدة الجزيرة " عدد (8768) الاثنين 18
جمادى الأولى 1417هـ.
العيوب في النكاح ]
شرع الله الزواج على أسس المودة
والرحمة ودوام العشرة ، وقد أطلقت الأحكام الشرعية حرية الاختيار بناء على هذه
الأسس ، لكن إن ثبت أن بأحد الزوجين عيبا ينفر الآخر منه ، ولا يحقق مقصود النكاح
، فقد وردت الآثار والأحكام لتحديد الموقف في هذه الحالة انظر تمام المنة لشيخنا
العزازي (3/75)
عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ , قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ غُرَّ بِهَا رَجُلٌ بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا
أَصَابَ مِنْهَا , وَصَدَاقُ الرَّجُلِ عَلَى وَلِيِّهَا الَّذِي غَرَّهُ» رواه الدراقطني (3672)
عَنْ عَلِيٍّ: أَيُّمَا
امْرَأَةٍ نُكِحَتْ وَبِهَا بَرَصٌ، أَوَجُنُونٌ، أَوْ جُذَامٌ، أَوْ قَرَنٌ، فَزَوْجُهَا بِالْخِيَارِ - مَا لَمْ
يَمَسَّهَا - إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا
الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا رواه ابن حزم في المحلى (9/280)
تنقسم العيوب بين الزوجين إلى ثلاثة أقسام:
الأول: عيوب خاصة بالرجل، وهي: الْجَبُّ، والْعُنَّةُ، والخصاء، فالجب قطع الذكر.. والعُنة من العِنان وهو ما تقاد به الناقة، وهو أن يحبس عن الجماع، بمعنى أنه ما يتمكن من جماع زوجته، وهذا قد يحدث، وقد يكون طبيعة، وقد يكون حادثاً على القول الراجح فتثبت عنته بإقراره، كأن يقر عند القاضي انظر الشرح الممتع قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (12/208) مسألة: هل ضعف الرجل في الجماع عُنَّة؟ ليس عُنة، فما دام يستطيع الجماع فإنه ليس بعنة، حتى لو كان لا يجامع في الشهر إلا مرة ـ مثلاً ـ؛ لأنه ثبت أنه يجامع اهـ الخصاء قطع الخصيتين بجلدتهما ، والسَّل ليس هو السِّل المعروف عند الناس، الذي هو المرض في البدن كله، السَّل ـ أي: سل الخصيتين ـ بحيث تقطع الخصيتان ويبقى الجلد، وهذا في الأحوال العادية لا يمكن، لكن قد يسلط الله على إنسان عدوًّا يأسره ـ ككافر ـ ويمثل به هذا التمثيل.
الأول: عيوب خاصة بالرجل، وهي: الْجَبُّ، والْعُنَّةُ، والخصاء، فالجب قطع الذكر.. والعُنة من العِنان وهو ما تقاد به الناقة، وهو أن يحبس عن الجماع، بمعنى أنه ما يتمكن من جماع زوجته، وهذا قد يحدث، وقد يكون طبيعة، وقد يكون حادثاً على القول الراجح فتثبت عنته بإقراره، كأن يقر عند القاضي انظر الشرح الممتع قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (12/208) مسألة: هل ضعف الرجل في الجماع عُنَّة؟ ليس عُنة، فما دام يستطيع الجماع فإنه ليس بعنة، حتى لو كان لا يجامع في الشهر إلا مرة ـ مثلاً ـ؛ لأنه ثبت أنه يجامع اهـ الخصاء قطع الخصيتين بجلدتهما ، والسَّل ليس هو السِّل المعروف عند الناس، الذي هو المرض في البدن كله، السَّل ـ أي: سل الخصيتين ـ بحيث تقطع الخصيتان ويبقى الجلد، وهذا في الأحوال العادية لا يمكن، لكن قد يسلط الله على إنسان عدوًّا يأسره ـ ككافر ـ ويمثل به هذا التمثيل.
الثاني: عيوب خاصة بالمرأة، وهي: الرَّتَقُ،، وَالقَرَنُ، وَالعَفَلُ، وَالفَتْقُ،.
فالرتق معناه أنه يكون فرج المرأة مسدوداً، ما يسلكه الذكر، «والقَرَن» وهو لحم ينبت في الفرج فيسده،، «والعَفَلُ» وهو ورم في اللحمة التي بين مسلكي المرأة، فيضيق منها فرجها، فلا ينفذ فيه الذكر. «والفَتْقُ» وهو انخراق ما بين سبيليها، أي: ما بين مخرج بول ومَنِيٍّ، وهذا يمنع التلذذ، وربما يؤدي إلى تسرب البول إلى مخرج المني، وأيضاً قد يمنع الحمل، بحيث يكون هذا الانفتاق سبباً لضياع المني، فلا يصل إلى الرحم، وحينئذٍ يكون هذا عيباً انظر الشرح الممتع (12/212)
فالرتق معناه أنه يكون فرج المرأة مسدوداً، ما يسلكه الذكر، «والقَرَن» وهو لحم ينبت في الفرج فيسده،، «والعَفَلُ» وهو ورم في اللحمة التي بين مسلكي المرأة، فيضيق منها فرجها، فلا ينفذ فيه الذكر. «والفَتْقُ» وهو انخراق ما بين سبيليها، أي: ما بين مخرج بول ومَنِيٍّ، وهذا يمنع التلذذ، وربما يؤدي إلى تسرب البول إلى مخرج المني، وأيضاً قد يمنع الحمل، بحيث يكون هذا الانفتاق سبباً لضياع المني، فلا يصل إلى الرحم، وحينئذٍ يكون هذا عيباً انظر الشرح الممتع (12/212)
الثالث: عيوب مشتركة بين
الرجل والمرأة كالجنون، والبرص بياض بالجلد يقبح صورته، «والجذام» وهو عبارة عن قروح تصيب البدن، ولا يسلم منها، فلا تزال
تسري حتى يموت الإنسان، ويسمى عند العامة الآكلة؛ لأنها تأكل الجلد، وهو لا شك
عيب، وهو ـ أيضاً ـ معدٍ، ، وسيلان بول أو
غائط، بَاسُور، وَنَاصُور ، والعمى، والخَرَس، والطَّرَش، والأمراض المعدية ونحو ذلك.
اختلف العلماء في فسخ النكاح بالعيب على أقوال : الأول : قالوا : لا يفسخ النكاح بعيب ألبته ، وهو قول الظاهرية 0
اختلف العلماء في فسخ النكاح بالعيب على أقوال : الأول : قالوا : لا يفسخ النكاح بعيب ألبته ، وهو قول الظاهرية 0
الثاني : يفسخ بعيوب معينة ، واختلفوا في تحديد هذه العيوب :
(أ) فعند الحنفية بالجب والعنة فقط 0
(ب)
وقال
الشافعي ومالك : بالجنون والبرص والقرن والجب ، والعنة (ج) وعند أحمد زيادة على ما سبق : الرتق ،
والعفل ، والفتق ، واستطلاق البول ، والناسور ، والباصور ، والخصى والسل ، وكون
أحدهما خنثى 0
الثالث : كل عيب ينفر الزوج الآخر
منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة فإنه يوجب الخيار ، وهذا ما رجحه
ابن القيم ، وأشار إليه ابن تيمية ، واختاره ابن عثيمين انظر تمام المنة لشيخنا
العزازي (3/76). قال ابن القيم زاد
المعاد (5/ 167) وَمَنْ تَأَمَّلَ فَتَاوَى الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوا
الرَّدَّ بِعَيْبٍ دُونَ عَيْب اهـ
--- ثبت عن عمر وعثمان
وابن مسعود والمغيرة أن العنين يؤجل سنة ، وبعضهم يقول : عشرة أشهر فإن جامع خلال
هذه السنة ولو مرة ، فليس بعنين ، وإن لم يجامع فلها حق الفسخ 0
قال ابن عثيمين في الشرح
الممتع (12/206) وهل هذا حكم تشريعي أو حكم قضائي؟ يحتمل أنه حكم قضائي، وحينئذ
يكون راجعاً إلى اجتهاد القاضي، وقد يختلف من زمان إلى آخر، ويحتمل أنه حكم تشريعي، وهذا ينبني على قول الصحابي هل هو حجة أو ليس
بحجة؟ والصحيح أن قول عمر وأبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ: حجة لقول النبي ـ عليه
الصلاة والسلام ـ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ» - رواه الترمذي (3662) وصححه الألباني - ، وقوله: «إِنْ يُطِيعُوا
أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَرْشُدُوا» - رواه مسلم (681) - .
ولكن يحتمل أن يكون
قضاءً، وفرق بين القضاء والتشريع،
فالقضاء اجتهاد في وقته ومحله، يختلف من قاضٍ
إلى آخر، ومن زمن إلى زمن، ومن حال إلى حال، والتشريع لا يتغير.
ولهذا أمثلة، منها: أن
الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قضى للقاتل بسلب المقتول، فقال: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ» رواه مسلم ، فاختلف العلماء في مثل هذا، هل هو
تشريع أو قضاء؟ فمن قال: إنه قضاء قال: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم جعل من قتل
قتيلاً فله سلبه في تلك الغزوة، ومن جعله تشريعاً قال: إنه عام في جميع الغزوات.
فلو أن الطب بالفحص
الدقيق قال: إن الرجل عنين قبل أن تمضي السنة، أو قال: إنه ليس بعنين، أو قال: إنه
يحتمل أن يعود عليه نشاطه في فصل من فصول السنة، فهل لنا أن نخالف هذا الحكم؟ إن
قلنا: إنه من باب التشريع فلا نخالفه، حتى لو قال لنا الأطباء: إننا نعلم علم
اليقين أن هذا الرجل لن تعود إليه قوة الجماع فإننا لا نأخذ به، بل نؤجله، وإذا
قلنا: إنه من باب القضاء الخاضع للاجتهاد، فإنه إذا قرر الأطباء من ذوي الكفاءة
والأمانة أنه لن تعود إليه قوة الجماع فلا فائدة من التأجيل، فلا نستفيد من
التأجيل إلا ضرر الزوجة، فهو في الحقيقة يشبه مقطوع الذكر في عدم رجوع الجماع
إليه، فلا حاجة في التأجيل حينئذٍ.
ومما يعلم بالطب، واشتهر
عند الناس أن من كُوِيَ من صُلبه فإنه تبطل شهوته، إما لأنه لا ينزل، أو لا ينتشر،
ولهذا
يحترزون جداً من كي
الإنسان في صُلبه، فمثل هذا إذا علمنا أنها لن تعود شهوته فلا فائدة من التأجيل؛
لأن ذلك يشبه المجبوب الذي لا يرجى، بل يقطع بعدم قدرته على الوطء.
أما تعليل التأجيل بسنة
فقالوا: لأجل أن تمر عليه الفصول الأربعة، وهي: فصل الربيع، والصيف، والخريف،
والشتاء.
فصل الربيع يبتدئ من برج
الحَمل، إذا تساوى الليل والنهار بعد طول الليل، ففصل الربيع له الحَمل والثور
والجوزاء، وفصل الصيف يكون إذا بلغ النهار نهايته في الطول، وله السرطان والأسد
والسنبلة، ثم بعد ذلك يبتدئ فصل الخريف، وذلك إذا تساوى الليل والنهار بعد طول
النهار، وله الميزان والعقرب والقوس، ثم يدخل فصل الشتاء إذا انتهى طول الليل وبدأ
النهار يزيد حتى يتساوى الليل والنهار، فيدخل فصل الربيع.
فالعلماء يقولون: إذا
أُجل هذه السنة وتعاقبت عليه الفصول، فإنه يتبين إن كان عنيناً طبيعة فلا ينتفع
باختلاف الفصول؛ لأن في الإنسان طبائع أربعة، وهي الحرارة، والبرودة، والرطوبة،
واليبوسة فقد يكون هناك غلبة إحدى الطبائع الأربع فلا يناسبها هذا الوقت من فصل
السنة، ويناسبها الفصل الثاني؛ فلهذا أجل سنة ليتبين أمره اهـ
--- قال ابن عثيمين في
الشرح الممتع (12/227) قوله: «فإن كان قبل الدخول فلا مهر» ، أي: إن كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر للزوجة، سواء كان العيب فيه أو فيها، أما إذا
كان العيب فيها فعدم وجوب المهر لها واضح، مثاله: إنسان عقد على امرأة وقبل أن
يدخل عليها تبين أن فيها عيباً، فَفَسَخَ العقدَ، فليس لها مهر لغشها وغرورها، فهي التي غرت الزوج، وإذا كان
العيب في الزوج وهي فسخت من أجل عيب الزوج، فيقول المؤلف: لا مهر لها؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها، فهي التي طلبت
الفسخ.
والصحيح في ذلك أنه إذا
كان العيب في الزوج، وفسخ قبل الدخول فلها نصف المهر؛ لأن الزوج هو السبب، فكيف نعامل هذا الرجل الخادع
الغاش بما يوافق مصلحته؟!
وقولهم: إن الفرقة من
قبلها؛ لأنها هي التي طلبت الفسخ، نقول: هي ما طلبت الفسخ من أجل هواها أو
مصلحتها، بل من
أجل عيبه، ففي الحقيقة
هو الذي غرها، وهي تقول: أنا أريد هذا الزوج، لكن ما دام معيباً فأنا لا قدرة لي
على أن أبقى معه، فالفرقة الآن من قبله هو في الواقع، وعند أهل العلم أن كل فرقة
تكون من قبل الزوج، فإن المرأة تستحق بها نصف المهر، لقوله تعالى: {وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] اهـ
--- قال ابن عثيمين
(12/228) قوله: «وبعده» أي: بعد الدخول.
قوله: «لها المسمى» أي
المهر المسمى في العقد، مثلاً المهر خمسة آلاف ريال، ثم بان بها عيب أو به عيب بعد
الدخول، وفُسخ العقد فإنه يثبت لها المسمى، نأخذ ذلك من مفهوم قوله: {وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ، فمفهوم قوله: {مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} أنه من بعد المسيس يثبت المهر، وهو كذلك، ولقول النبي صلّى
الله عليه وسلّم: « لَهَا
المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، » - رواه الترمذي (1102) وصححه الألباني - ، فالمهر إذاً يثبت بعد
الدخول، فإذا قال الزوج: كيف يذهب مالي لامرأة معيبة؟ يقول المؤلف:
«ويرجع به على الغار إن
وجد» .
فقوله: «ويرجع» أي:
الزوج.
وقوله: «به» أي: بالمهر
المسمى.
وقوله: «على الغار» أي:
على الذي غره.
وقوله: «إن وجد» أي: إن
وجد غارٌّ.
فالتغرير إما إن يكون من
الزوجة، بأن يكون بها عيب قد أخفته عن وليها، والولي عقد ودخل الزوج ووجد العيب،
فالغار الزوجة، ووليها ليس عليه شيء؛ لأنه لم يعلم.
وإذا كان الولي عالماً وهي
عالمة أيضاً، فعلى من يكون الضمان؟
إما عليهما بالتساوي،
وإما على الولي؛ لأن الغرور المباشر إنما حصل من الولي؛ لأنه ليس من العادة أن
المرأة تخرج إلى الزوج، وتقول: إن فيها العيب الفلاني.
فالمسألة فيها احتمالان:
الأول: أن يكون بين
الولي والمرأة؛ لأن كل واحد منهما حصل منه تغرير.
الثاني: أن يكون على
الولي؛ لأنه هو المباشر للعقد، وكان عليه إذا علم أن في موليته عيباً أن يبينه،
فالولي قال: زوجتك، والزوج قال: قبلت، وهذا هو الأرجح أن يكون الضمان فيما إذا حصل
التغرير من المرأة ووليها على الولي.
فإذا كان الولي هو الغار،
بأن يكون الولي اطلع على عيب بعد عرض المرأة على الأطباء ـ مثلاً ـ، ولم تعلم به،
فالضمان هنا يكون على الولي؛ لأننا إذا صححنا أنه إذا وقع الغرور منها ومن وليها
فهو على الولي فهذا من باب أولى.
فإذا لم يوجد غرور لا من
المرأة، ولا من وليها، مثل أن يكون العيب برصاً في ظهرها، فالغالب أنه يخفى عليها
وعلى
وليها، خصوصاً إذا كان
يسيراً، فهل على أحد ضمان؟
ليس على أحد ضمان، ويقال
للزوج: هذا نقص كتبه الله عليك، ولهذا المؤلف قيده بقوله: «إن وجد» أي إن وجد
الغار، فعلم منه أنه قد لا يكون هناك أحد غار، لا المرأة ولا وليها.
لكن قياس كلامهم على
العيب في البيوع أن الزوج لا يهدر حقه، وأنه لا بد أن يرجع، إما على الولي إن كان
عالماً، أو على الزوجة مطلقاً؛ وذلك لأن البائع لو باع سلعة وفيها عيب لم يعلمه
فللمشتري الرجوع، والمسألة تحتاج إلى تحرير.
فالأقسام أربعة:
إما أن يكون الغرور من
المرأة وحدها، أو من الولي وحده، أو منهما، أو ليس من واحد منهما.
فإذا لم يكن من أحدهما
فلا يرد له المهر؛ لأنه لم يخدع، وقد استحل الفرج بعقد صحيح.
وإذا كان منها وحدها دون
وليها فالضمان عليها وحدها.
وإذا كان من وليها لا
منها فالضمان على الولي.
وإذا كان منها ومن
وليها، فالراجح أن الضمان على الولي.
مسألة: لو قال الزوج:
أنا لا أفسخ فأنا أريد المرأة، ولكن أريد أن تثمنوا النقص، فمهرها إذا كانت سليمة
عشرة آلاف ريال، ومهرها معيبة بهذا العيب ثمانية آلاف ريال، فالنقص خُمْس، ونقول
في مسائل التقويم سواء هنا أو في العيوب في البيوع أو في الإجارة: إن النقص يقدر
بالنسبة، فالمذهب في هذا الباب ليس له الخيار، إما أن يرد ويأخذ المهر كاملاً،
وإما أن يسكت
وعليه المهر كاملاً، والعجيب أن شيخ الإسلام في هذا الباب قال: له أن يأخذ الأرش،
مع أنه في البيوع يقول: لا أرش له، والفقهاء يقولون: له الأرش، ولم يترجح عندي شيء
اهـ
[ الوليمة والزفاف وشئون الجماع ]
أولا : الوليمة :
ِ الْوَلِيمَةُ:
اسْمٌ لِلطَّعَامِ فِي الْعُرْسِ خَاصَّةً، لَا يَقَعُ هَذَا الِاسْمُ عَلَى
غَيْرِهِ. كَذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ
أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ:
إنَّ الْوَلِيمَةَ تَقَعُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ
لَسُرُورٍ حَادِثٍ، إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي طَعَامِ الْعُرْسِ أَكْثَرُ.
وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ، وَهُمْ
أَعْرَفُ بِمَوْضُوعَاتِ اللُّغَةِ، وَأَعْلَمُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ.
وَالْعَذِيرَةُ: اسْمٌ لِدَعْوَةِ الْخِتَان، وَتُسَمَّى الْإِعْذَارَ.
وَالْخُرْسُ وَالْخُرْسَةُ: عِنْدَ الْوِلَادَة. وَالْوَكِيرَةُ: دَعْوَةُ
الْبِنَاءِ. يُقَالُ: وَكَّرَ وَخَرَّسَ، مُشَدَّدٌ. وَالنَّقِيعَةُ: عِنْد
قُدُومِ الْغَائِبِ، يُقَالُ: نَقَعَ، مُخَفَّفٌ. وَالْعَقِيقَةُ: الذَّبْحُ
لِأَجْلِ الْوَلَدِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
كُلُّ الطَّعَامِ تَشْتَهِي رَبِيعَةُ ...
الْخَرْسَ وَالْإِعْذَارَ وَالنَّقِيعَةَ
وَالْحُذَّاق: الطَّعَامُ عِنْد حُذَّاقِ الصَّبِيِّ.
وَالْمَأْدُبَةُ: اسْمٌ لِكُلِّ دَعْوَةٍ لَسَبَبٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ سَبَبٍ.
وَالْآدِبُ، صَاحِبُ الْمَأْدُبَةِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
نَحْنُ فِي الْمَشْتَاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى ...
لَا يَرَى الْآدِبَ مِنَّا يَنْتَقِرُ
وَالْجَفَلَى فِي الدَّعْوَةِ:
أَنْ يَعُمَّ النَّاسَ بِدَعْوَتِهِ. وَالنَّقَرَى: هُوَ أَنْ يَخُصَّ قَوْمًا
دُون قَوْمٍ
حكم الوليمة 0
قلت : تنازع العلماء في ذلك على
قولين :
القول الأول : مذهب داود ، وابن حزم ، وبعض الشافعية ، قالوا : بوجوب
الوليمة وحجتهم 1- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف «أَوْلِمْ
وَلَوْ بِشَاةٍ رواه البخاري (2049)
ومسلم (1427) قالوا : هذا أمر يدل على الوجوب
2- عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا خَطَبَ
عَلِيٌّ فَاطِمَةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ رواه أحمد (23035)
حسنه الألباني قلت : بل هو حديث ضعيف فيه عَبْد الْكَرِيم بْن سُلَيْط ولم يوثقه
سوى ابن حبان وهو متساهل في التوثيق و قال ابن حجر في التقريب مقبول ولم أر له
متابعًا، لذا الحديث ضعيف.
وضعفه شيخنا مصطفى العدوي
قال ابن حزم في المحلى (9/20) وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ
مَنْ تَزَوَّجَ أَنْ يُولِمَ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُر
اهـ
القول الثاني : قالوا : الوليمة للعرس مستحبة قال ابن قدامة في
المغني (7/276) وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: هِيَ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
عَوْفٍ، وَلِأَنَّ الْإِجَابَةَ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ؛ فَكَانَتْ وَاجِبَةً.
وَلَنَا، أَنَّهَا طَعَامٌ لَسُرُورٍ حَادِثٍ؛ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ،
وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ،
وَكَوْنِهِ أَمَرَ بِشَاةِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ، وَمَا
ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى لَا أَصْلَ لَهُ، ثُمَّ هُوَ بَاطِلٌ بِالسَّلَامِ،
لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِجَابَةُ الْمُسَلِّمِ وَاجِبَةٌ اهـ
قال الشوكاني في نيل الأوطار (6/209) هُوَ طَعَامٌ
لِسُرُورٍ حَادِثٍ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ،
وَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلِكَوْنِهِ أَمَرَ بِشَاةٍ وَهِيَ
غَيْرُ وَاجِبَةٍ اتِّفَاقًا اهـ
يجوز الوليمة بدون ذبح :
عن أنس قال : قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَبْنِي بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ،
أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأَقِطُ
وَالسَّمْنُ " وَقَالَ عَمْرٌو: عَنْ أَنَسٍ، «بَنَى
بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ رواه البخاري (5387)
ومسلم (1365)
قال صاحب تحفة الأحوذي (4/183) ولَوْلَا ثُبُوتُ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِأَقَلَّ مِنَ
الشَّاةِ لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ
يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا تُجْزِئُ فِي الْوَلِيمَةِ
وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْقَادِرِ عَلَيْهَا قَالَ عِيَاضٌ
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا وَأَمَّا أَقَلُّهَا فَكَذَلِكَ
ومَهْمَا تَيَسَّرَ أَجْزَأَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ حَالِ
الزَّوْجِ
وقَدْ تَيَسَّرَ عَلَى الْمُوسِرِ الشَّاةُ فَمَا فَوْقَهَا انْتَهَى
ما
حكم إجابة الداعي إلى وليمة العرس :
تنازع العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : وجوب إجابة الدعوة مطلقاً سواء
كانت عرساً أو غيره وممن قال بهذا: بَعْضُ
الشَّافِعِيَّةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ قَاضِي الْبَصْرَةِ.- وابن حزم والشوكاني - وَزَعَمَ
ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ انظر نيل
الأوطار (6/213)
لكن تعقبه العراقي فقال: وادعى ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين وفي ذلك نظر انظر طرح التثريب (7/77) وحجتهم 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه البخاري (5177) ومسلم (1432) قَوْلُهُ: (فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) احْتَجَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إلَى الْوَلِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يُطْلَقَ إلَّا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، انظر نيل الأوطار (6/213) 2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» رواه البخاري (5173) ومسلم (1429) وفي رواية عند مسلم (1429)«إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ»
لكن تعقبه العراقي فقال: وادعى ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين وفي ذلك نظر انظر طرح التثريب (7/77) وحجتهم 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه البخاري (5177) ومسلم (1432) قَوْلُهُ: (فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) احْتَجَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إلَى الْوَلِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يُطْلَقَ إلَّا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، انظر نيل الأوطار (6/213) 2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» رواه البخاري (5173) ومسلم (1429) وفي رواية عند مسلم (1429)«إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ»
اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى
وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي وَلِيمَةِ غَيْرِ الْعُرْسِ تَمَسُّكًا بِلَفْظِ
الْوَلِيمَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «إذَا دَعَا
أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ» ، وَقَوْلُهُ فِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» ، وَقَدْ
تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ رَاوِيَ الْحَدِيثِ
كَانَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ، وَهُوَ صَائِمٌ، وَهُوَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ انظر التثريب (7/77)
3- عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ
إِلَى طَعَامٍ، فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ
شَاءَ تَرَكَ» رواه مسلم (1430) ووجه الدلالة أن هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب
قال ابن حزم في المحلى (9/ 24)
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى
وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنْ الْآثَارُ الَّتِي
أَوْرَدْنَا فِيهَا زِيَادَةً غَيْرَ الْعُرْسِ
مَعَ الْعُرْسِ، وَزِيَادَةَ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ
تَرْكُهَا اهـ
القول الثاني : أن
إجابة الدعوة سنة مطلقاً في العرس وغيره وممن قال بهذا القول:
بعض الشافعية والحنابلة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب وابن عبد البر
بعض الشافعية والحنابلة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب وابن عبد البر
استدل أصحاب هذا القول بعموم أدلة أصحاب القول
الأول وأنها تدل على السنية واستدلوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان
هدْيُهُ إجابة الدعوة كما ورد في أحاديث كثيرة منها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ
دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ
أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ»
رواه البخاري (2568)
عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ
عَنْه قال
كان رسول الله يُدْعَى إِلَى خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالْإِهَالَةِ
السَّنِخَةِ فَيُجِيبُ وَلَقَدْ كَانَ لَهُ دِرْعٌ
عِنْدَ يَهُودِيٍّ فَمَا وَجَدَ مَا يفكها حتى مات
رواه الترمذي في الشمائل (316) وصححه
الألباني ووجه الدلالة من هذه
الأحاديث أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو إجابة الدعوة وهذا فعل وهو يدل على
السنية
القول الثالث :التفصيل وهو أن إجابة الدعوة تجب
في العرس دون غيره وهو مذهب الْمَالِكِيَّة
وَالْحَنَفِيَّة وَالْحَنَابِلَة وَجُمْهُور الشَّافِعِيَّةِ انظر نيل الأوطار
(6/213) وهو الراجح أن الدعوة تجب
إجابتها في العرس وتسن فيما عداه لصارف لهذه الأدلة عن الوجوب للاستحباب - غير وليمة العرس -
هو:
1- عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ، فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ: «وَهَذِهِ؟» لِعَائِشَةَ، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا»، فَعَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذِهِ؟»، قَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا»، ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذِهِ؟»، قَالَ: نَعَمْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَه رواه مسلم (2037)
ووجه الدلالة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاه قال: "لا" لما لم يوافق على مجيء عائشة رضي الله عنها معه ولو كان الأمر في الدعوة للوجوب لما قال لا وهذه الدعوة ظاهرها أنها ليست دعوة عرس فهذا قد يستأنس به على أنه مخصص لدعوة غير العرس فتحمل على الاستحباب.
1- عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ، فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ: «وَهَذِهِ؟» لِعَائِشَةَ، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا»، فَعَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذِهِ؟»، قَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا»، ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذِهِ؟»، قَالَ: نَعَمْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَه رواه مسلم (2037)
ووجه الدلالة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاه قال: "لا" لما لم يوافق على مجيء عائشة رضي الله عنها معه ولو كان الأمر في الدعوة للوجوب لما قال لا وهذه الدعوة ظاهرها أنها ليست دعوة عرس فهذا قد يستأنس به على أنه مخصص لدعوة غير العرس فتحمل على الاستحباب.
2- قال العراقي في التثريب (7/77) ويدل على عدم الوجوب في غير وليمة العرس التَّقْيِيدُ
فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِقَوْلِهِ وَلِيمَةُ عُرْسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
ذِكْرُهَا فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ اهـ
[الكافر لا تجب إجابته]
قال النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (12/322)
فلو كان عندك جار من الكفار،
وحصل عنده زواج، ودعاك إلى وليمته، فإن إجابته لا تجب، ولكنها تجوز؛ لأن إجابة
دعوة الكافر جائزة، إلا فيما يقصد به الشعائر الدينية، فإنه تحرم الإجابة إليه،
مثل أعيادهم؛ لأن إجابته لها معناه الرضا بها، وهي تفعل على سبيل التدين، فكأنه
رضي بدينهم وأقره، ولهذا ـ باتفاق أهل العلم ـ لا يجوز تهنئتهم بها، لأن الرضى
بشعائر الكفر أمره عظيم، والعياذ بالله.
وأما مناسباتهم غير الدينية كالولد والزواج، فمن أهل العلم من يقول:
إن تهنئتهم بها جائزة، بشرط أن يكون في ذلك مصلحة، أو دفع مضرة، أو أنهم يفعلون
ذلك بنا فنكافئهم عليه اهـ
[ هل توقت الوليمة بمدة ]
قال الألباني في أداب الزفاف (145) أن تكون ثلاثة أيام 0لأنه هو
المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم فعن أنس قال: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَجَعَلَ الْوَلِيمَةَ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ كما
في "الفتح" 9/199
قال شيخنا عادل العزازي في تمام المنة (3/91)
اختلف العلماء ، وذلك لأن الأحاديث أطلقت ، فمنهم من أجاز أن تمتد
الوليمة لسبعة أيام ولثمانية أيام ولا شك
أن الأفضل أن لا تزيد عن ثلاثة أيام لما ثبت عن أنس 000قلت : لكنه لا يدل على منع
الزيادة شريطة أن لا يكون ذلك رياء وسمعة ، خاصة إذا لم يتمكن من دعوة الجميع في
هذه الأيام الثلاثة لكثرتهم ، فقد أخرج ابن أبي شيبة (17163)
عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: «لَمَّا تَزَوَّجَ أَبِي سِيرِينَ
دَعَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةَ
أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَنْصَارِ دَعَاهُمْ،
وَدَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ» ويلاحظ من قوله : لما كَانَ
يَوْمُ الْأَنْصَارِ أن المدعوين في كل يوم يختلفون عن غيرهم 0 فلا مباهاة عندئذ
والله أعلم ولذا ترجم الإمام البخاري فقال : وَمَنْ أَوْلَمَ
سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ وَلَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ – قلت عمرو قال ابن حجر في فتح الباري
(9/ 242) أَيْ
لَمْ يَجْعَل لِلْوَلِيمَةِ وَقْتًا مُعَيَّنًا يَخْتَصّ بِهِ الْإِيجَاب أَوْ
الِاسْتِحْبَاب، وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْ الْإِطْلَاق - وأما حديث «الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ
يَوْمٍ حَقٌّ، وَالثَّانِيَ مَعْرُوفٌ، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ سُمْعَةٌ
وَرِيَاءٌ» رواه أبو داود (3745) قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ وضعفه الألباني 0
---
الأفضل فعلُ وليمة النكاح بعد الدخول اقتداءً بفعل النبي
صلى الله عليه وسلم، فإن لم يتيسر ذلك فلا حرج من فعلها قبل
الدخول، أو عند العقد أو بعده.
قال الحافظ ابن حجر: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ
الْوَلِيمَةِ هَلْ هِيَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ عَقِبَهُ أَوْ عِنْدَ الدُّخُولِ،
وَهِيَ أَقْوَالٌ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِنْدَ
الْعَقْدِ، وَبَعْدَ الدُّخُولِ وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ
بِأَنَّهَا عِنْدَ الدُّخُولِ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: وَالْمَنْقُولُ مِنْ
فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا بَعْدَ
الدُّخُولِ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى قِصَّةِ زَوَاجِ
زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ لِقَوْلِ أَنَسٍ «أَصْبَحَ يَعْنِي النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرُوسًا بِزَيْنَبِ فَدَعَا الْقَوْمَ» ، وَقَدْ
تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ بَابَ وَقْتِ الْوَلِيمَةِ انظر فتح الباري (2/ 227)
وحديث أنس رواه البخاري (4793) ومسلم (1428) بلفظ: (أَصْبَحَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ،
وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَامِ بَعْدَ
ارْتِفَاعِ النَّهَارِ ... )
وفي لفظ للبخاري (5166) : (أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَرُوسًا، فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنْ
الطَّعَامِ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَوَقْتُ الْوَلِيمَةِ فِي حَدِيثِ
زَيْنَبَ وَصِفَتُهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
عَقِبَ الدُّخُولِ انظر الفتاوى الكبرى (5/ 478) وقال الحافظ ابن حجر: "وَحَدِيث
أَنَس صَرِيح فِي أَنَّهَا بَعْد الدُّخُول؛ لِقَوْلِهِ فِيهِ: (أَصْبَحَ عَرُوسًا
بِزَيْنَب فَدَعَا الْقَوْم) فتح الباري " (9/231) .
".وقال الدَّميري: " لَمْ يَتَعَرَّضْ الْفُقَهَاءُ
لِوَقْتِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، قَالَ
الشَيْخُ [يقصد السبكي] : وَهِيَ جَائِزَةٌ قَبْلَهُ، وَبَعْدَهُ، وَوَقْتُهَا
مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ ".
"النجم الوهاج" (7/393)
( جواز الوليمة على بعض
الأزواج أكثر من بعض )
عَنْ أَنَسٍ «مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَرَ - أَوْ أَفْضَلَ - مِمَّا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ» رواه البخاري (5168) ومسلم (1428)
قال ابن حجر في فتح
الباري (9/238) وَأَشَارَ بن بَطَّالٍ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ قَصْدًا لِتَفْضِيلِ بَعْضِ النِّسَاءِ عَلَى بَعْضِ
بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا اتَّفَقَ وَأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الشَّاةَ فِي كُلٍّ
مِنْهُنَّ لَأَوْلَمَ بِهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَلَكِنْ كَانَ لَا
يُبَالِغُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فِي التَّأَنُّقِ وَجَوَّزَ
غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَالَ
الْكِرْمَانِيُّ لَعَلَّ السَّبَبُ فِي تَفْضِيلِ زَيْنَبَ فِي الْوَلِيمَةِ عَلَى
غَيْرِهَا كَانَ لِلشُّكْرِ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ
تَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا بِالْوَحْيِ قُلْتُ وَنَفَى أَنَسٌ أَنْ يَكُونَ لَمْ
يُولِمْ عَلَى غَيْرِ زَيْنَبَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْلَمَ عَلَيْهَا مَحْمُولٌ
عَلَى مَا انْتَهَى إِلَيْهِ عِلْمُهُ أَوْ لِمَا وَقَعَ مِنَ الْبَرَكَةِ فِي
وَلِيمَتِهَا حَيْثُ أَشْبَعَ الْمُسْلِمِينَ خُبْزًا وَلَحْمًا مِنَ الشَّاةِ
الْوَاحِدَةِ وَإِلَّا فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمَّا أَوْلَمَ عَلَى
مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ لَمَّا تَزَوَّجَهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ
بِمَكَّةَ وَطَلَبَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَحْضُرُوا وَلِيمَتَهَا
فَامْتَنَعُوا أَنْ يَكُونَ مَا أَوْلَمَ بِهِ عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ شَاةٍ
لِوُجُودِ التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ
بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى الْمُسلمين مُنْذُ فتحهَا عَلَيْهِم
وَقَالَ بن الْمُنِيرِ يُؤْخَذُ مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِ النِّسَاءِ عَلَى بَعْضِ
فِي الْوَلِيمَةِ جَوَازُ تَخْصِيصِ بَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ بِالْإتْحَافِ
وَالْإلْطَافِ وَالْهَدَايَاترك حضور الدعوة التي فيها
معصية:
عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ صَنَعَ طَعَامًا، فَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا فِيهِ
تَصَاوِيرُ، فَرَجَعَ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَجَعَكَ بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الْبَيْتِ سِتْرًا
فِيهِ تَصَاوِيرُ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ»
رواه أبو يعلى في المسند (436) وصححه
الألباني قال الألباني في أداب الزفاف (161) ولا يجوز
حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها فإن أزيلت
وإلا وجب الرجوع اهـ
[ من جاء إلى الوليمة من غير دعوة ]
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُكْنَى
أَبَا شُعَيْبٍ، فَقَالَ لِغُلاَمٍ لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي
خَمْسَةً، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ،
فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الجُوعَ، فَدَعَاهُمْ، فَجَاءَ مَعَهُمْ
رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
هَذَا قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ ، فَأْذَنْ لَهُ وَإِنْ
شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ». فَقَالَ: لاَ، بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ
رواه البخاري (2081) ومسلم (2036)
وعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ
وَرَسُولَهُ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ
سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا» رواه أبو داود (3741)
وضعفه الألباني في عون المعبود (10/147) قَالَ
الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ دَخَلَ سَارِقًا لِدُخُولِهِ بِغَيْرِ
إِذْنِ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَكَأَنَّهُ دَخَلَ خُفْيَةً وَخَرَجَ مُغِيرًا مِنَ
الْإِغَارَةِ إِنْ أَكَلَ أَوْ حَمَلَ شَيْئًا مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ
بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ كَانَ فِي حُكْمِ الْغَصْبِ وَالْغَارَةِ انْتَهَى
قال في الموسوعة الفقهية (12/143)
صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ – وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ
مِنْ أَقْوَال الْحَنَفِيَّةِ - أَنَّ حُضُورَ طَعَامِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ
دَعْوَةٍ، وَبِغَيْرِ عِلْمِ رِضَاهُ حَرَام
[ ثانيا : الزفاف ]
[الترغيب في الضرب بالدف لإعلان
النكاح]
عن الرُّبَيِّع بِنْت مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاء، قالت : جَاءَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى
فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا، يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ
آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا
فِي غَدٍ، فَقَالَ: «دَعِي هَذِهِ، وَقُولِي
بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ» رواه البخاري (5147)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الجُمَحِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَرَامِ وَالحَلَالِ، الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» رواه الترمذي (1088 ) وحسنه الترمذي والألباني قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (4/177) قَوْلُهُ (فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ) أَيْ فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا (الصَّوْتُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُرِيدُ إِعْلَانَ النِّكَاحِ وَذَلِكَ بِالصَّوْتِ وَالذِّكْرِ بِهِ فِي النَّاسِ يُقَالُ لَهُ صَوْتٌ وَصِيتٌ انتهى
(والدف) بضم الدال وفتحها قال القارىء فِي الْمِرْقَاة الصَّوْتُ أَيْ الذِّكْرُ وَالتَّشْهِيرُ وَالدُّفُّ أَيْ ضَرْبُهُ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِهِ الْإِعْلَانُ
قَالَ بن الْمَلِكِ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي النِّكَاحِ إِلَّا هَذَا الْأَمْرُ فَإِنَّ الْفَرْقَ يَحْصُلُ بِحُضُورِ الشُّهُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ بَلِ الْمُرَادُ التَّرْغِيبُ إِلَى إِعْلَانِ أَمْرِ النِّكَاحِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى الْأَبَاعِدِ
فَالسُّنَّةُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ بِضَرْبِ الدُّفِّ وَأَصْوَاتِ الْحَاضِرِينَ بِالتَّهْنِئَةِ أَوْ النَّغْمَةِ فِي إِنْشَاءِ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ
وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ وَاضْطِرَابُ الصَّوْتِ بِهِ وَالذِّكْرُ فِي النَّاسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ ذَهَبَ صَوْتُهُ فِي النَّاسِ وبَعْضُ النَّاسِ يَذْهَبُ بِهِ إِلَى السَّمَاعِ وَهَذَا خَطَأٌ يَعْنِي السَّمَاعَ الْمُتَعَارَفَ بين الناس الآن انتهى كلام القارىء
قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ المراد بالصوت ها هنا الْغِنَاءُ الْمُبَاحُ فَإِنَّ الْغِنَاءَ الْمُبَاحَ بِالدُّفِّ جَائِزٌ فِي الْعُرْسِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وفِيهِ فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَّاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ
قَالَ الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِعْلَانُ النِّكَاحِ بِالدُّفِّ وَالْغِنَاءِ الْمُبَاحِ انْتَهَى
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ فَقَالَ فَهَلْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا جَارِيَةً تَضْرِبُ بِالدُّفِّ وَتُغَنِّي
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ قَالَ إِنَّهُ رَخَّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ لَهُ أَتُرَخِّصُ فِي هَذَا قَالَ نعم إنه نكاح لاسفاح أَشِيدُوا النِّكَاحَ - حسنه الألباني- انْتَهَى
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (12/349) وقوله: «للنساء» ظاهره أنه لا يسن للرجال، لكن قال في الفروع: وظاهر الأخبار، ونص الإمام أحمد أنه لا فرق بين النساء والرجال، وأن الدف فيه للرجال كما هو للنساء؛ لأن الحديث عام: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» - رواه ابن ماجه (1895) وقال الألباني ضعيف دون الشطر الأول فهو حسن - أي الدف، ولما فيه من الإعلان، وإن كان الغالب أن الذي يفعل ذلك النساء، والذين قالوا بتخصيصه بالنساء وكرهوه للرجال، يقولون: لأن ضرب الرجال بالدف تشبه بالنساء؛ لأنه من خصائص النساء، وهذا يعني أن المسألة راجعة للعرف، فإذا كان العرف أنه لا يضرب بالدف إلا النساء، فحينئذٍ نقول: إما أن يكره، أو يحرم تشبه الرجال بهن، وإذا جرت العادة بأنه يُضرب بالدف من قبل الرجال والنساء فلا كراهة؛ لأن المقصود الإعلان، وإعلان النكاح بدف الرجال أبلغ من إعلانه بدف النساء؛ لأن النساء إذا دففن فإنما يدففن في موضع مغلق، حتى لا تظهر أصواتهن، والرجال يدفون في موضع واضح بارز، فهو أبلغ في الإعلان، وهذا ظاهر نص الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وكلامِ الأصحاب حتى «المنتهى» الذي هو عمدة المتأخرين في مذهب الإمام أحمد، ظاهره العموم وأنه لا فرق بين الرجال والنساء في مسألة الدف ولكن لو ترتب على هذا مفسدة نمنعه، لا لأنه دف، وإنما نمنعه للمفسدة، وهكذا جميع المباحات إذا ترتب عليها مفسدة منعت، لا لذاتها ولكن لما يترتب عليها.
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الجُمَحِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَرَامِ وَالحَلَالِ، الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» رواه الترمذي (1088 ) وحسنه الترمذي والألباني قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (4/177) قَوْلُهُ (فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ) أَيْ فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا (الصَّوْتُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُرِيدُ إِعْلَانَ النِّكَاحِ وَذَلِكَ بِالصَّوْتِ وَالذِّكْرِ بِهِ فِي النَّاسِ يُقَالُ لَهُ صَوْتٌ وَصِيتٌ انتهى
(والدف) بضم الدال وفتحها قال القارىء فِي الْمِرْقَاة الصَّوْتُ أَيْ الذِّكْرُ وَالتَّشْهِيرُ وَالدُّفُّ أَيْ ضَرْبُهُ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِهِ الْإِعْلَانُ
قَالَ بن الْمَلِكِ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي النِّكَاحِ إِلَّا هَذَا الْأَمْرُ فَإِنَّ الْفَرْقَ يَحْصُلُ بِحُضُورِ الشُّهُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ بَلِ الْمُرَادُ التَّرْغِيبُ إِلَى إِعْلَانِ أَمْرِ النِّكَاحِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى الْأَبَاعِدِ
فَالسُّنَّةُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ بِضَرْبِ الدُّفِّ وَأَصْوَاتِ الْحَاضِرِينَ بِالتَّهْنِئَةِ أَوْ النَّغْمَةِ فِي إِنْشَاءِ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ
وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ وَاضْطِرَابُ الصَّوْتِ بِهِ وَالذِّكْرُ فِي النَّاسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ ذَهَبَ صَوْتُهُ فِي النَّاسِ وبَعْضُ النَّاسِ يَذْهَبُ بِهِ إِلَى السَّمَاعِ وَهَذَا خَطَأٌ يَعْنِي السَّمَاعَ الْمُتَعَارَفَ بين الناس الآن انتهى كلام القارىء
قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ المراد بالصوت ها هنا الْغِنَاءُ الْمُبَاحُ فَإِنَّ الْغِنَاءَ الْمُبَاحَ بِالدُّفِّ جَائِزٌ فِي الْعُرْسِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وفِيهِ فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَّاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ
قَالَ الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِعْلَانُ النِّكَاحِ بِالدُّفِّ وَالْغِنَاءِ الْمُبَاحِ انْتَهَى
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ فَقَالَ فَهَلْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا جَارِيَةً تَضْرِبُ بِالدُّفِّ وَتُغَنِّي
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ قَالَ إِنَّهُ رَخَّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ لَهُ أَتُرَخِّصُ فِي هَذَا قَالَ نعم إنه نكاح لاسفاح أَشِيدُوا النِّكَاحَ - حسنه الألباني- انْتَهَى
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (12/349) وقوله: «للنساء» ظاهره أنه لا يسن للرجال، لكن قال في الفروع: وظاهر الأخبار، ونص الإمام أحمد أنه لا فرق بين النساء والرجال، وأن الدف فيه للرجال كما هو للنساء؛ لأن الحديث عام: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» - رواه ابن ماجه (1895) وقال الألباني ضعيف دون الشطر الأول فهو حسن - أي الدف، ولما فيه من الإعلان، وإن كان الغالب أن الذي يفعل ذلك النساء، والذين قالوا بتخصيصه بالنساء وكرهوه للرجال، يقولون: لأن ضرب الرجال بالدف تشبه بالنساء؛ لأنه من خصائص النساء، وهذا يعني أن المسألة راجعة للعرف، فإذا كان العرف أنه لا يضرب بالدف إلا النساء، فحينئذٍ نقول: إما أن يكره، أو يحرم تشبه الرجال بهن، وإذا جرت العادة بأنه يُضرب بالدف من قبل الرجال والنساء فلا كراهة؛ لأن المقصود الإعلان، وإعلان النكاح بدف الرجال أبلغ من إعلانه بدف النساء؛ لأن النساء إذا دففن فإنما يدففن في موضع مغلق، حتى لا تظهر أصواتهن، والرجال يدفون في موضع واضح بارز، فهو أبلغ في الإعلان، وهذا ظاهر نص الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وكلامِ الأصحاب حتى «المنتهى» الذي هو عمدة المتأخرين في مذهب الإمام أحمد، ظاهره العموم وأنه لا فرق بين الرجال والنساء في مسألة الدف ولكن لو ترتب على هذا مفسدة نمنعه، لا لأنه دف، وإنما نمنعه للمفسدة، وهكذا جميع المباحات إذا ترتب عليها مفسدة منعت، لا لذاتها ولكن لما يترتب عليها.
وهناك آلات عزف أخرى كالمزامير، والطنابير، والرباب، وما أشبهها، وهذه
لا تجوز بأي حال من الأحوال لحديث أبي مالك الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي
صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر
والمعازف»
[النسوة يهدين المرأة إلى زوجها ]
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً
إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟
فَإِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ رواه البخاري (5162)
(زفت) أهديت إلى زوجها. (لهو) مباح كضرب دف وغناء ليس فيه وصف
للمفاتن وما يثير كوامن النفس]
قال شيخنا مصطفى العدوي في
أحكام النساء (3/385) في هذا الحديث بيان أن النسوة يهدين العروس لزوجها ، وكذلك
في قصة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم وفيه «تَزَوَّجَنِي
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى
0
[ذهاب النساء والصبيان للعرس]
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَبْصَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءً وَصِبْيَانًا مُقْبِلِينَ
مِنْ عُرْسٍ، فَقَامَ مُمْتَنًّا، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ
أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ»
رواه البخاري (5180) ومسلم (2508)
[من السنة الدعاء للزوجين بعد
العقد]
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ
صُفْرَةٍ، قَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى
وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ،
أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» رواه البخاري (5155)
ومسلم (1427) وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
" تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْنِي
أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي البَيْتِ،
فَقُلْنَ: عَلَى الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ
طَائِرٍ رواه البخاري (5156)
ومسلم (1422) قال النووي في شرح مسلم (9/207) والطائر الْحَظُّ يُطْلَقُ عَلَى
الْحَظِّ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْمُرَادُ هُنَا عَلَى أَفْضَلِ حَظٍّ
وَبَرَكَةٍ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْن اهـ
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ، قَالَ: «بَارَكَ
اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا
فِي خَيْرٍ» رواه أبو داود (2130)
وصححه الألباني
قَالَ: (بَارَكَ
اللَّهُ لَكَ) : أَيْ: بِالْخُصُوصِ، أَيْ أَكْثَرَ لَكَ
الْخَيْرَ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْمُحْتَاجِ إِلَى الْإِمْدَادِ، وَإِلَيْهِ
الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] وَبِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ
عَلَى اللَّهِ أَنْ يُغْنِيَهُمْ) ذَكَرَ مِنْهُمُ الْمُتَزَوِّجَ يُرِيدُ
الْعَفَافَ، (" وَبَارَكَ عَلَيْكُمَا ") بِنُزُولِ الْخَيْرِ
وَالرَّحْمَةِ وَالرِّزْقِ وَالْبَرَكَةِ فِي الذُّرِّيَّةِ، (وَجَمَعَ
بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ) : أَيْ: فِي طَاعَةٍ وَصِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ وَسَلَامَةٍ
وَمُلَاءَمَةٍ وَحُسْنِ مُعَاشَرَةٍ وَتَكْثِيرِ ذَرِّيَّةٍ صَالِحَةٍ. قِيلَ:
قَالَ أَوَّلًا بَارَكَ اللَّهُ لَكَ،
لِأَنَّهُ الْمَدْعُوُّ لَهُ أَصَالَةً أَيْ: بَارَكَ
اللَّهُ لَكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، ثُمَّ تَرَقَّى مِنْهُ
وَدَعَا لَهُمَا، وَعَدَّاهُ بِعَلَى بِمَعْنَى بَارَكَ عَلَيْهِ بِالذَّرَارِيِّ
وَالنَّسْلِ، لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ مِنَ التَّزَوُّجِ، وَأَخَّرَ حُسْنَ
الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُرَافَقَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ
الْأَوَّلَ هُوَ النَّسْلُ، وَهَذَا تَابِعٌ لَهُ انظر مرقاة المفاتيح (4/1696)
[ بالرفاء
والبنين تهنئة الجاهلية:]
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ
عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا بِالرِّفَاءِ
وَالْبَنِينَ، فَقَالَ: مَهْ، لَا تَقُولُوا ذَلِكَ،
فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ،
وَقَالَ: " قُولُوا: بَارَكَ اللهُ فِيكَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيهَا رواه أحمد (1738)
وصححه الألباني قال الألباني في أداب الزفاف (1/ 175)
ولا يقول: "بالرفاء والبنين"
كما يفعل الذين لا يعلمون فإنه من عمل الجاهلية اهـ
( هل يمس المتزوج زعفرانا )
عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي
تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «فَبَارَكَ اللهُ
لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ
رواه البخاري (5153) ومسلم (1427)
قال الصنعاني في سبل
السلام (2/ 226) جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ تَفْسِيرُ
الصُّفْرَةِ بِأَنَّهَا رَدِغٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ
وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ أَثَرُ الزَّعْفَرَانِ (فَإِنْ قُلْت)
قَدْ عُلِمَ النَّهْيُ عَنْ التَّزَعْفُرِ فَكَيْفَ لَمْ يُنْكِرْهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُلْت) هَذَا مُخَصِّصٌ لِلنَّهْيِ بِجَوَازِهِ
لِلْعَرُوسِ، وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي ثِيَابِهِ دُونَ بَدَنِهِ
بِنَاءً عَلَى جَوَازِهِ فِي الثَّوْبِ، وَقَدْ مَنَعَ جَوَازَهُ فِيهِ أَبُو
حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَمَنْ تَبِعْهُمَا، وَالْقَوْلُ بِجَوَازِهِ فِي
الثِّيَابِ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَعُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ، وَاسْتُدِلَّ
لَهُمْ بِمَفْهُومِ النَّهْيِ الثَّابِتِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
كَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ فِي
جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْخَلُوقِ» - رواه أبو داود (4178) وضعفه الألباني - وَأُجِيب بِأَنَّ ذَلِكَ
مَفْهُومٌ لَا يُقَاوِمُ النَّهْيَ الثَّابِتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ،
وَبِأَنَّ قِصَّةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَتْ قَبْلَ النَّهْيِ فِي أَوَّلِ
الْهِجْرَةِ، وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الصُّفْرَةَ الَّتِي رَآهَا - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ مِنْ جِهَةِ امْرَأَتِهِ عَلِقَتْ بِهِ
فَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَقْصُودٍ لَهُ، وَرَجَّحَ هَذَا النَّوَوِيُّ، وَعَزَاهُ
لِلْمُحَقِّقِينَ، وَبَنَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيّ اهـ
[ قيام العروس على خدمة الرجال ]
عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: لَمَّا
عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلاَ قَرَّبَهُ
إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ، بَلَّتْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ
حِجَارَةٍ مِنَ اللَّيْلِ «فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ لَهُ فَسَقَتْهُ،
تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ»
رواه البخاري (5182)
ومسلم (2006) [فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس] قال ابن
حجر في فتح الباري (9/ 251)وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ خِدْمَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا
وَمَنْ يَدْعُوهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَمُرَاعَاةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنَ
السِّتْرِ وَجَوَازُ اسْتِخْدَامِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ
وَشُرْبِ مَا لَا يُسْكِرُ فِي الْوَلِيمَةِ وَفِيهِ جَوَازُ إِيثَارَ كَبِيرِ
الْقَوْمِ فِي الْوَلِيمَةِ بِشَيْءٍ دُونَ مَنْ مَعَه اهـ
قال الألباني في أداب الزفاف ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين العروس نفسها إذا كانت متسترة وأمنت الفتنة اهـ
( المرأة تستعير الثياب وغيره للتزين لزوجها )
عَنْ عَائِشَةَ،
أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، «فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ، فَصَلَّوْا
بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ»فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ:
«جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ، إِلَّا جَعَلَ
اللهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً»
رواه البخاري (336) ومسلم (367) قال النووي في شرح مسلم (4/59) وَفِي
هَذَا الْفَصْلِ مِنَ الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الْعَارِيَةِ
وَجَوَازُ عَارِيَةِ الْحُلِيِّ وَجَوَازُ الْمُسَافَرَةِ بِالْعَارِيَةِ إِذَا
كَانَ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ وَجَوَازُ اتِّخَاذِ النِّسَاءِ الْقَلَائِدَ وَفِيهِ
الِاعْتِنَاءُ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَإِنْ قَلَّتْ
وَلِهَذَا أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِه
000 اهـ
[ ما يقول الرجل عند الزواج ]
يسن للرجل عند دخوله على زوجته أن يقول هذا الدعاء المأثور عن النبي
صلى الله عليه وسلم 0
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا
تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا، فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ
إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا
جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ
بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا
جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا
فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ» رواه أبو داود (2160)
وفي رواية ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ فِي
الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ حديث حسن وحسنه
الألباني
(أو اشترى خادما) أي جارية أو رفيقا وَهُوَ يَشْمَلُ الذَّكَرَ
وَالْأُنْثَى فَيَكُونُ تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ فيما سَيَأْتِي بَاعْتِبَارِ النَّسَمَةِ أَوِ النَّفْسِ
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا) أَيْ خَيْرَ ذَاتِهَا (وَخَيْرَ مَا
جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ) أَيْ خَلَقْتَهَا وَطَبَعْتَهَا عَلَيْهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ
الْبَهِيَّةِ (فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ) أَيْ بِأَعْلَاهُ
(ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا) وَهِيَ الشَّعْرُ الْكَائِنُ فِي
مُقَدَّمِ الرأس
انظر عون المعبود (6/138)
[البناء بالنهار ]
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى
رواه البخاري (5160) (فلم
يَرُعني) بفتح أوله، وضم ثانيه، أي: فلَم يَفْجَأنِي، ولم يُفْزِعْني (ضحى)
أي: وقت الضحى.
وترجم له البخاري فقال : باب
الْبِنَاءِ بِالنَّهَارِ بِغَيْرِ مَرْكَبٍ وَلا نِيرَانٍ
صلاة الزوجين معا:
قال ابن باز رحمه الله يروى في ذلك بعض الآثار عن بعض الصحابة، صلاة
الركعتين قبل الدخول، ولكن ليس فيها خبر يعتمد عليه من جهة الصحة، فإذا صلى ركعتين
كما فعل بعض السلف فلا بأس، وإن لم يفعل فلا بأس، الأمر في هذا واسع، ولا أعلم في
هذا سنة صحيحة يعتمد عليها فتاوى
نور على الدرب" (3/1601)
قال الألباني في أداب الزفاف (94) ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا
لأنه منقول عن السلف اهـ
عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَجِيلَةَ إِلَى
عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ جَارِيَةً بِكْرًا، وَإِنِّي قَدْ
خَشِيتُ أَنْ تَفْرِكَنِي، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: «إِنَّ
الْإِلْفَ مِنَ اللهِ، وَإِنَّ الْفَرْكَ مِنَ الشَّيْطَانِ، لِيُكَرِّهَ إِلَيْهِ
مَا أَحَلَّ اللهُ لَهُ، فَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهَا فَمُرْهَا فَلْتُصَلِّ
خَلْفَكَ رَكْعَتَيْنِ» قَالَ الْأَعْمَشُ: فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ: " وَقُلْ: اللهُمَّ
بَارِكْ لِي فِي أَهْلِي، وَبَارِكْ لَهُمْ فِيَّ،
اللهُمَّ ارْزُقْنِي مِنْهُمْ وَارْزُقْهُمْ مِنِّي، اللهُمَّ اجْمَعَ بَيْنَنَا
مَا جَمَعْتَ إِلَى خَيْرٍ، وَفَرِّقْ بَيْنَنَا إِذَا فَرَّقْتَ إِلَى
خَيْرٍ رواه الطبراني في الكبير (9/204) قال
الألباني وسنده صحيح
[ ثالثا : شئون الجماع ]
[ يستحب له قبل أن يأتيها أن يتسوك
ليطهر فمه ]
عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ
عَائِشَةَ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟
قَالَتْ: «بِالسِّوَاكِ»
رواه مسلم (253)
[ ما يقول الرجل إذا جامع أهله ]
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: جَنِّبْنِي
الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي،
فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ
الشَّيْطَانُ، وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ رواه البخاري (3283)
ومسلم (1434)
قَالَ الْقَاضِي قِيلَ الْمُرَادُ بِأَنَّهُ لَا
يَضُرُّهُ أَنَّهُ لَا يَصْرَعُهُ شَيْطَانٌ وَقِيلَ لَا يَطْعَنُ فِيهِ
الشَّيْطَانُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَ وَلَمْ يَحْمِلْهُ
أَحَدٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ الضَّرَرِ وَالْوَسْوَسَةِ وَالْإِغْوَاءِ انظر شرح
مسلم (10/5)
[ يستحب للرجل مداعبة زوجته قبل
الجماع ]
عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال :
تَزَوَّجْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
تَزَوَّجْتَ؟» فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا، فَقَالَ: «مَا لَكَ وَلِلْعَذَارَى
وَلِعَابِهَا» رواه البخاري (5080)
(للعذارى) بفتح الراء وكسرها كصحارى وصحاري جمع عذراء وهي البكر.
(لعابها) ملاعبتها]
قال ابن حجر في فتح الباري (9/122)
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَصِّ لِسَانِهَا
وَرَشْفِ شَفَتَيْهَا وَذَلِكَ يَقَعُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالتَّقْبِيلِ اهـ
-- لا تتهم المرأة إذا لم يفض غشاء
البكارة ، لأنه قد يكون الغشاء قويا – مطاطيا – فلا يفض بسهولة ، وقد يحتاج الأمر
إلى فضه بواسطة الطبيبة 0
-- لا يحكم على المرأة بالزنا
لمجرد عدم وجود غشاء البكارة ، وإنما يثبت حكم الزنا إما بإقرارها أو بشهادة أربعة
، أو الحمل ، لأنه قد يزول غشاء البكارة بغير الوطء انظر تمام المنة لشيخنا
العزازي (3/103) قال ابن قدامة في المغني (7/46) وَإِنْ ذَهَبَتْ
عُذْرَتُهَا بِغَيْرِ جِمَاعٍ، كَالْوَثْبَةِ، أَوْ
شِدَّةِ حَيْضَةٍ، أَوْ بِإِصْبَعٍ أَوْ عُودٍ وَنَحْوِهِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ
الْأَبْكَارِ اهـ
( ندب من رأى امرأة فأعجبته إلى أن يأتي أهله )
عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً، فَأَتَى
امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ
خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ،
فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ» رواه مسلم
(1403) قال النووي في شرح مسلم (9/179) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا فَعَلَ
هَذَا بَيَانًا لَهُمْ وَإِرْشَادًا لِمَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ
فَعَلَّمَهُمْ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ
الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ إِلَى الْوِقَاعِ فِي النَّهَارِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كانت
مشتغلة بما يمكن تركه لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَتْ عَلَى الرَّجُلِ شَهْوَةٌ
يَتَضَرَّرُ بِالتَّأْخِيرِ فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي قَلْبِهِ وَبَصَرِهِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق